دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق4%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213652 / تحميل: 4802
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وأقول :

لا ريب أنّ المدح والذمّ تابعان لحسن الأشياء وقبحها ، والحسن والقبح قد لا يعتبر فيهما القصد والاختيار ؛ لعدم كون متعلّقهما من الأفعال الاختيارية ، بل من الصفات الذاتية ، كصفاء اللؤلؤ وكدرته ، وجمال الوجه وحسنه.

وقد يعتبر فيهما القصد والاختيار ؛ لتعلّقهما بالفعل الاختياري ، فإنّ الفعل الاختياري لو وقع بلا قصد لم يوصف بالحسن والقبح ، ولا يحمد عليه الفاعل ولا يذمّ ، كفعل النائم ، فإنّ النائم إذا صدرت منه كلمة الإيمان والكفر لم توصف بحسن ولا قبح منه ، ولا يحمد عليها ولا يذمّ.

وكذا لا يذمّ الشخص على الفعل إذا أكره عليه ، كما وقعت كلمة الكفر من عمّار بإكراه قريش فلم يذمّ عليها ، ونزل قوله تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (١) .

ولو انتفى أصل الصدور من الشخص ، كان الفعل أولى بعدم اتّصافه بالحسن والقبح منه ، وكان الشخص أولى بأن لا يحمد أو يذمّ عليه ، سواء لم يرتبط به الفعل أصلا أم ارتبط به بنحو المحلّيّة أو الآليّة بلا اختيار ولا تأثير.

فإنّ الحجارة لا تحمد ولا تذمّ على الإيلام ، ولا يحسن منها ولا يقبح ، وإنّما يحمد الرامي أو يذمّ على الإيلام لحسنه منه أو قبحه

__________________

(١) سورة النحل ١٦ : ١٠٦.

١٦١

بحسب الوجوه والاعتبار ، كضرب اليتيم تأديبا أو عدوانا.

وكذا الحال في الإنسان بناء على صدور فعله من الله تعالى ، فإنّه لا يحسن من الإنسان ولا يقبح ، ولا يحمد عليه ولا يذمّ ؛ لعدم تأثيره في الفعل أصلا ، ومجرّد كونه محلّا لفعله تعالى ، وصيرورته آلة ، وتسميته في الاصطلاح اللفظي كاسبا لا يقتضي حسن الفعل منه أو قبحه ، ولا حمده عليه أو ذمّه ، ما دام غير مؤثّر فيه بوجه ، إذ ليس هو إلّا كالحجارة.

فحينئذ يكون تعلّق المدح والذمّ في القرآن بالمؤمن والكافر ، دليلا على الصدور منهما والتأثير لهما.

وأمّا الوعد والوعيد فلا معنى لتعلّقهما بالشخص ؛ لكونه محلّا للأفعال ، إذ لم يستند إليه شيء حتّى يجزى به والتشبيه بإيثار المسك واختياره وإحراق الحطب والحشيش ، خطأ ؛ لأنّ الكلام في صحّة الوعد والوعيد وبالضرورة : لا يصحّ وعد المسك ، وإبعاد الحشيش

على أنّ حرق الحطب ليس ظلما له ، إذ لا شعور له ، بخلاف تعذيب الإنسان ، فلا معنى لقياس المؤمن والكافر على المسك والحطب.

وأمّا ما ذكره من أنّ المباشرة والكسب لا كلام في أنّهما من العبد ، فإنّ أراد به أنّهما منه حقيقة ، كان خروجا عن مذهبه وشركا بمعتقده ؛ لأنّ كلّ ما في الوجود من الله تعالى

وإن أراد أنّهما منه اصطلاحا ، وبمجرّد التسمية اللفظية لم يحصل به الجواب.

* * *

١٦٢

قال المصنّف ـ أعلى الله منزلته ـ(١) :

الثالث : الآيات الدالّة على أنّ أفعال الله تعالى منزّهة عن أن تكون مثل أفعال المخلوقين في التفاوت والاختلاف والظلم.

قال الله تعالى :( ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ) (٢)

( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (٣)

( ثُمَّ هَدى ) (٤)

والكفر والظلم ليس بحسن.

وقال تعالى :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِ ) (٥)

والكفر ليس بحقّ.

وقال تعالى :( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (٦)

( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٧)

( وَما ظَلَمْناهُمْ ) (٨)

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٧.

(٢) سورة الملك ٦٧ : ٣.

(٣) سورة السجدة ٣٢ : ٧.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٥٠ ، وأوّل الآية :( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) .

(٥) سورة الحجر ١٥ : ٨٥.

(٦) سورة النساء ٤ : ٤٠.

(٧) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦.

(٨) سورة هود ١١ : ١٠١ ، سورة النحل ١٦ : ١١٨ ، سورة الزخرف ٤٣ : ٧٦.

١٦٣

( لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) (١)

( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (٢) (٣) .

* * *

__________________

(١) سورة غافر ٤٠ : ١٧.

(٢) سورة النساء ٤ : ٤٩.

(٣) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٤ ، ولم ترد فيه آية( ثُمَّ هَدى ) .

١٦٤

وقال الفضل(١) :

مذهب جميع الملّيّين أنّ أفعال الله تعالى منزّهة عن أن تكون مثل أفعال المخلوقين ، فإنّ أفعال المخلوقين مشتملة على التفاوت [ والاختلاف ] والظلم ، وأفعال الله تعالى منزّهة عن هذه الأشياء.

فالآيات الدالّة على هذا المعنى دليل جميع الملّيّين ، ولا يلزم الأشاعرة شيء منها ؛ لأنّهم لا يقولون : إنّ أفعال العباد أفعال الله تعالى حتّى يلزم المحذور ، بل إنّهم يقولون : أفعال العباد مخلوقة لله تعالى مكسوبة للعبد.

وهذا التفاوت والاختلاف والظلم بواسطة الكسب والمباشرة ، فالتفاوت والاختلاف واقع في أفعال العباد كما في سائر الأشياء ، كالإنسان وغيره من المخلوقات ، فإنّ الاختلاف والتفاوت واقعان فيها لا محالة.

فهذا التفاوت والاختلاف في تلك الأشياء ؛ بماذا ينسب؟ وبأيّ شيء ينسب؟ فينسب إليه تعالى اختلاف أفعال العباد!

وأمّا الاستدلال بقوله :( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (٢) على أنّ الكفر ليس خلقه ، فباطل ؛ لأنّ الكفر مخلوق لا خلق ، ولو كان كلّ مخلوق حسنا لوجب أن لا يكون في الوجود قبيح ، وهو باطل ؛ لكثرة المؤذيات والقبائح المتحقّقة بخلق الله تعالى على ما سيجيء.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٤١.

(٢) سورة السجدة ٣٢ : ٧.

١٦٥

وأمّا الاستدلال بقوله :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِ ) (١) على أنّ الكفر ليس مخلوقا لله تعالى ؛ لأنّه ليس بحقّ ، فباطل ؛ لأنّ معنى الآية : إنّا ما خلقنا السماوات والأرض إلّا متلبّسين بالحقّ والصدق والجدّ ، لا بالهزل والعبث ، كما قال :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ * ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِ ) (٢)

ولو كان المعنى : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلّا بكون كلّ مخلوق حقّا ، لأفاد أنّ الكفر حقّ ، وأنّى يفهم هذا المعنى من هذا الكلام؟!

نعم ، ربّما فهم ذلك الأعرابي الجاف ، الحلّي الوطن ، ذلك المعنى من كلام الله تعالى!

* * *

__________________

(١) سورة الحجر ١٥ : ٨٥.

(٢) سورة الدخان ٤٤ : ٣٨ و ٣٩.

١٦٦

وأقول :

من العجب أنّ الخصم وأصحابه يطلقون أفعال الله تعالى على مخلوقاته ، فإذا جاءوا إلى أفعال العباد ـ التي هي مخلوقة لله بزعمهم ـ سمّوها أفعال المخلوقين أيزعمون أنّ الخروج عن عهدة الإشكال بمجرّد الاصطلاح والتسمية؟!

على أنّ صريح الآية الأولى عدم التفاوت في خلق الله ، ومنه أفعال العباد عندهم ، فلا يضرّنا عدم تسميتها أفعالا لله تعالى.

وأمّا ما زعمه من التفاوت بواسطة الكسب والمباشرة

ففيه : إنّهم يزعمون أنّ الله تعالى خالق الأشياء كلّها ، فكلّ شيء جعلوا فيه التفاوت ، سواء كان هو الكسب أم غيره ، فهو من خلق الله تعالى ، فيكون التفاوت في خلقه ، وقد نفته الآية ، فلا ينفعهم الفرار إلى الكسب والمباشرة.

ومن المضحك أنّه بعدما زعم أنّ مذهب جميع الملّيّين تنزيه أفعال الله عن التفاوت ، كذّب نفسه بإثبات التفاوت في سائر الأشياء ـ كالإنسان وغيره من المخلوقات ـ ، ونسبه ـ مع التفاوت في أفعال العباد ـ إلى الله تعالى!

وهو أيضا تكذيب لله تعالى في قوله :( ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ) (١) ومنشأه الجهل بمعنى الآية ، إذ ليس المراد بالتفاوت في

__________________

(١) سورة الملك ٦٧ : ٣.

١٦٧

الآية الاختلاف بالصورة والمادّة ، أو الحسن والأحسنية ، أو نحو ذلك ، حتّى تكذّب الآية ، بل المراد به الاختلاف بالحسن والقبح ووقوع الخلل وعدم الإتقان في بعضها ، ولكنّ الخصم لا يرضى بهذا ؛ لأنّه يزعم أنّ خلق الله متفاوت بالحسن والقبح.

فإن قلت : لعلّه فهم من لفظ الخلق المعنى المصدري ، فلا يكون قوله بالتفاوت في المخلوقات تكذيبا للآية.

قلت : مع أنّه لا إشعار لكلامه به ؛ لو كان كذلك لما احتاج إلى دعوى كون التفاوت بواسطة الكسب ، على أنّ تعليق الرؤية المنفية بالخلق يدلّ على إرادة المخلوق منه ، مع أنّ القول بوقوع التفاوت في المخلوقات يستوجب نفي الإتقان وثبوت النقص في الله سبحانه بالعجز أو الجهل ، وهو كفر!

وأمّا ما أجاب به عن قوله تعالى :( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (١)

حيث قال : إنّ الكفر مخلوق لا خلق ، فغلط واضح ، بناء على قراءة الأكثر بفتح ( لام ) خَلَقَهُ ، ليكون فعلا ، فإنّ الآية حينئذ تكون صريحة في أنّه تعالى أحسن كلّ شيء مخلوق له.

وكذا بناء على قراءته بتسكين ( اللام ) ، ليكون مصدرا وبدل اشتمال من كُلَّ شَيْءٍ ؛ وذلك لأنّ إحسان الخلق إنّما هو باعتبار إحسان المخلوق ، أو يستلزمه ، كما تشهد له القراءة الأولى.

وكيف يمكن أن يقال : إنّ الله سبحانه لم يحسن مخلوقاته ، وهو ينفي الإتقان ويثبت العجز أو الجهل له سبحانه؟!

__________________

(١) سورة السجدة ٣٢ : ٧.

١٦٨

وما زعمه من كثرة القبائح المؤذية في مخلوقات الله تعالى ، يرد عليه ـ مع منافاته لقوله سابقا بعدم صدور القبيح منه تعالى ـ : إنّ المؤذيات ليست قبائح ؛ لما فيها من المصالح الكثيرة ، وإن تخيّلها قبائح من لا يعرف أنّ الله أحسن الخالقين ، وأنّ أفعاله متقنة منزّهة عن القبيح.

وأمّا جوابه عن الآية الثالثة ، بأنّ معناها : إنّا ما خلقنا السماوات والأرض إلّا متلبّسين بالحقّ

ففيه : إنّ هذا هو مراد المصنّف ، وهو بالضرورة يقتضي أن تكون مخلوقاته تعالى كلّها حقّا ، وإلّا فكيف يكون متلبّسا بالحقّ ومخلوقاته ومصنوعاته من الباطل؟!

كما إنّه لا يكون منزّها عن اللعب والعبث إذا كان بعض مخلوقاته لعبا وعبثا!

* * *

١٦٩

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الرابع : الآيات الدالّة على ذمّ العباد على الكفر والمعاصي ، كقوله تعالى :( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ) (٢) ، والإنكار والتوبيخ مع العجز عنه محال ، ومن مذهبهم أنّ الله خلق الكفر في الكافر وأراده منه ، وهو لا يقدر على غيره ، فكيف يوبّخه عليه؟!

وقال تعالى :( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ) (٣) ، وهو إنكار بلفظ الاستفهام.

ومن المعلوم أنّ رجلا لو حبس آخر في بيت بحيث لا يمكنه الخروج عنه ثمّ يقول : ما منعك من التصرّف في حوائجي؟! قبح منه ذلك.

وكذا قوله تعالى :( وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا ) (٤)

( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ) (٥)

وقوله تعالى :( ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ) (٦)

( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (٧)

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨.

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٩٤.

(٤) سورة النساء ٤ : ٣٩.

(٥) سورة ص ٣٨ : ٧٥.

(٦) سورة طه ٢٠ : ٩٢.

(٧) سورة المدّثّر ٧٤ : ٤٩.

١٧٠

( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (١)

( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) (٢)

( لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) (٣)

وكيف يجوز أن يقول : لم تفعل ، مع أنّه ما فعله.!

وقوله :( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ) (٤)

( لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (٥)

قال الصاحب بن عبّاد(٦) : كيف يأمر بالإيمان ولم يرده ، وينهى عن المنكر وقد أراده ، ويعاقب على الباطل وقدّره؟!(٧) .

وكيف يصرفه عن الإيمان ويقول :( فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) (٨) ؟!

ويخلق فيهم الكفر ثمّ يقول :( كَيْفَ تَكْفُرُونَ ) (٩) ؟!

ويخلق فيهم لبس الباطل ثمّ يقول :( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ) (١٠) ؟!

وصدّهم عن سواء السبيل ، ثمّ يقول :( لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ

__________________

(١) سورة الانشقاق ٨٤ : ٢٠.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٤٣.

(٣) سورة التحريم ٦٦ : ١.

(٤) سورة آل عمران ٣ : ٧١.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ٩٩.

(٦) تقدّمت ترجمته في ج ٢ / ٣٥٨ ه‍ ٣.

(٧) انظر مؤدّاه شعرا في ديوانه : ٤١ ـ ٤٢ الأبيات ٢٣ ـ ٢٥ ، وفي شرح قصيدة الصاحب بن عبّاد في أصول الدين ـ للقاضي جعفر البهلولي المعتزلي ـ : ٦٠ ـ ٦٤.

(٨) سورة يونس ١٠ : ٣٢ ، سورة الزمر ٣٩ : ٦.

(٩) سورة البقرة ٢ : ٢٨ ، سورة آل عمران ٣ : ١٠١.

(١٠) سورة آل عمران ٣ : ٧١.

١٧١

اللهِ ) (١) ؟!

وحال بينهم وبين الإيمان ، ثمّ قال :( وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ ) (٢) ؟!

وذهب بهم عن الرشد ، ثمّ قال :( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) (٣) ؟!

وأضلّهم عن الدين حتّى أعرضوا ، ثمّ قال :( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (٤) ؟!(٥) .

* * *

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٩٩.

(٢) سورة النساء ٤ : ٣٩.

(٣) سورة التكوير ٨١ : ٢٦.

(٤) سورة المدّثّر ٧٤ : ٤٩.

(٥) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٤.

١٧٢

وقال الفضل(١) :

قد سبق أنّ ذمّ العباد على الكفر ؛ لكونهم محلّ الكفر والكاسبين المباشرين له.

والإنكار والتوبيخ في قوله تعالى :( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ) (٢) ؛ لكسبهم الكفر ، وهم غير عاجزين عن الكسب ؛ لوجود القدرة على الكسب ، وإن كانوا عاجزين عن دفع الكفر عنهم بحسب الإيجاد والخلق.

والأوّل كاف في ترتّب التوبيخ على فعلهم.

وأمّا ما ذكر من أنّ مذهبهم أنّ الله تعالى خلق الكفر في الكافر وأراده منه ، وهو لا يقدر على غيره ، فكيف يوبّخه عليه؟!

فقد ذكرنا جوابه في ما سبق أنّ التوبيخ باعتبار الكسب والمحلّيّة ، لا باعتبار التأثير والخالقيّة(٣) .

وقد ذكرنا في ما سبق أنّ هذا يلزمهم في العلم بعينه(٤) .

وكذا حكم باقي ما ذكر من الآيات المشتملة على توبيخ الله تعالى عباده بالشرك والمعاصي ، فإنّ كلّ هذه التوبيخات متوجّهة إلى العباد باعتبار المحلّيّة والكسب ، لا باعتبار الخلق.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٤٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨.

(٣) راجع الصفحتين ١٣١ و ١٥٥.

(٤) راجع الصفحة ١٣٧.

١٧٣

وأمّا ما ذكره من كلمات الصاحب ، فهو كان وزيرا متشدّقا في الإنشاء ، معتزليا ، ذكر الكلمات على وتيرة أرباب الترسّلات والمراسلات ، وليس فيه دليل ، وما أحسن ما قيل في أمثال كلامه :

كلامك يا هذا كبندق فارغ

خليّ عن المعنى ولكن يقرقر

* * *

١٧٤

وأقول :

بعد قولهم : « إنّ الله تعالى خالق كلّ شيء » يكون الكسب أيضا من مخلوقاته كما سبق(١) ، ويكون العبد عاجزا عنه كأصل الفعل ، فلا يصحّ توبيخ العبد عليه أيضا.

وما زعمه من وجود القدرة على الكسب ، إن أراد بها القدرة المؤثّرة فيه ، فقد خرج عن مذهبه حيث يقول : لا مؤثّر إلّا الله تعالى وكلّ شيء مخلوق له

وإن أراد بها غير المؤثّر ، فهي لا تصحّح التوبيخ ، مع أنّ مثلها عندهم متعلّق بأصل الفعل ، فلا داعي للفرار إلى الكسب.

وأمّا ما زعمه من أنّ هذا يلزمنا في العلم ، فقد مرّ مرارا ما فيه(٢) .

وأمّا كون الصاحبرحمه‌الله وزيرا متشدّقا في الإنشاء ، فلا ينافي علوّ مكانته في العلم ، كما هو معلوم لكلّ أحد ، وتشهد به رصانة معاني كلامه المذكور

وما زعمه أنّه كان معتزليا ، فهو كما زعمه الذهبي أنّ السيّد المرتضىرحمه‌الله كان معتزليا(٣)

__________________

(١) راجع الصفحة ١٦٧.

(٢) انظر الصفحة ١٣٨ ـ ١٣٩ من هذا الجزء ، وج ٢ / ٣٥٣ من هذا الكتاب.

(٣) انظر : سير أعلام النبلاء ١٧ / ٥٨٨ رقم ٣٩٤.

١٧٥

ومن نظر أحوال الصاحب عرف أنّه شريف الحسب ، إماميّ المذهب ، عريق الولاء لأهل البيت(١) ، لا يتحكّم على الحقّ بلعلّ وليت.

ولينظر المنصف أنّ الخالي عن المعنى هو كلام الصاحب أو كلام الخصم!!

* * *

__________________

(١) انظر : عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ١٢ ، لسان الميزان ١ / ٤١٣ ـ ٤١٦ رقم ١٢٩٥ ، أمل الآمل ٢ / ٣٤ رقم ٩٦ ، أعيان الشيعة ٣ / ٣٢٨.

١٧٦

قال المصنّف ـ رفع الله في الخلد أعلامه ـ(١) :

الخامس : الآيات التي ذكر الله تعالى فيها تخيير العباد في أفعالهم وتعلّقها بمشيئتهم :

قال تعالى :( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٢)

( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ) (٣)

( فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ) (٤)

( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) (٥)

( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) (٦)

( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (٧)

( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً ) (٨) .

وقد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه وأضافها إلى الله

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٩.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ٢٩.

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ٤٠.

(٤) سورة التوبة ٩ : ١٠٥.

(٥) سورة المدّثّر ٧٤ : ٣٧.

(٦) سورة المدّثّر ٧٤ : ٥٥ ، سورة عبس ٨٠ : ١٢.

(٧) سورة المزّمّل ٧٣ : ١٩ ، سورة الإنسان ٧٦ : ٢٩.

(٨) سورة النبأ ٧٨ : ٣٩.

١٧٧

تعالى بقوله :( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا ) (١)

( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ) (٢) (٣) .

* * *

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٤٨.

(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٢٠.

(٣) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٥.

١٧٨

وقال الفضل(١) :

هذه الآيات تدلّ على أنّ للعبد مشيئة ، وهذا شيء لا ريب فيه ولا خلاف لنا فيه ، بل النزاع في أنّ هذه المشيئة التي للعبد ، هل هي مؤثّرة في الفعل موجدة إيّاه؟ أو هي موجبة للمباشرة والكسب؟

فإقامة الدليل على وجود المشيئة في العبد غير نافعة له.

وأمّا قوله : « قد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه وأضافها إلى الله تعالى بقوله :( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا ) (٢) .

فنقول : هذا الإنكار بواسطة إحالة الذنب على مشيئة الله تعالى عنادا وتعنّتا ، فأنكر الله عليهم عنادهم وجعل المشيئة الإلهيّة علّة للذنب ، وهذا باطل.

ألا ترى إلى قوله :( وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (٣) كيف نسب عدم الإشراك إلى المشيئة؟! ولو لا أنّ الإنكار في الآية الأولى لجعل المشيئة علّة للذنب ، وفي الثانية لتعميم حكم المشيئة الموجبة للخلق ، لم يكن فرق بين الأولى والثانية ، والحال أنّ الأولى واردة للإنكار على ذلك الكلام ، وهو منقول عنهم ، والثانية من الله تعالى من غير إنكار ، فليتأمّل المتأمّل ليظهر عليه الحقّ.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٠.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٤٨.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٠٧.

١٧٩

وأقول :

صريح الآيات إرجاع الإيمان والكفر ونحوهما إلى مشيئة العبد ، ولا معنى للإرجاع إليها بدون تأثيرها.

ثمّ إنّ إيجاب المشيئة للكسب ـ كما زعم ـ إن كان بمعنى تأثيرها فيه ، فهو خلاف مذهبهم ، وإلّا فلا يصحّ الإرجاع إليها.

وأمّا ما ذكره من أنّ هذا الإنكار بواسطة إحالة الذنب إلى مشيئة الله تعالى إلى آخره

ففيه : إنّ صريح الآية إحالتهم أصل الشرك إلى مشيئة الله تعالى ، ولا يفهم من الآية أنّهم يعدّون الشرك ذنبا ، فضلا عن إحالتهم جهة الذنب إلى مشيئة الله تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّه لولا الجمع الذي ذكره لم يكن فرق بين الأولى والثانية

ففيه : إنّ الفرق واضح ؛ لأنّ الأولى في مقام الإنكار على من نفى المشيئة المؤثّرة فعلا عن نفسه وأضافها إلى الله تعالى ، والثانية في مقام فرض مشيئته تعالى ، وأنّه لو فرض تعلّقها بعدم الشرك لما أشركوا.

* * *

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420