دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق14%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214708 / تحميل: 4832
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بن يعقوب(١)

قال ساب رسول الله وإن سألناهم عن أصحاب الرواية والمشهورين بكثرة الإسناد عن رسول الله قالوا ابن عمر(٢) وجابر بن عبد الله وعائشة وأبو هريرة ولم يذكر معهم في هذا الباب(٣) .

والذي يقال على هذا ما رويناه من كون عائشة أقرت أنه أعلم الناس بالسنة من طريق لا يتهم(٤) وأوردنا أيضا(٥) أنه عيبة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال صاحب كتاب الاستيعاب:

وعن ابن عباس في إسناد ذكره(٦) قال كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل(٧) به(٨) .

وروى صاحب العمدة(٩) عن ابن المغازلي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه بإسناده عن النبيعليه‌السلام أنه قال علي مني كرأسي من بدني(١٠)

__________________

(١) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٢) المصدر: وعبد الله بن عمرو.

(٣) العثمانية: ٩٣.

(٤) مرت الاشارة اليه هامش ص: ٩٩.

(٥) مرت الاشارة اليه هامش ص: ٨٣.

(٦) قال صاحب الاستيعاب: وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا اذا اتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

(٧) ن: يعدل.

(٨) الاستيعاب: ٣ / ١١٠٤.

(٩) في كل النسخ رمز اليه بحرف عليه السلام انظر: عمدة ابن البطريق: ٣٧٦ و ٣٧٧.

(١٠) مناقب ابن المغازلي: ٩٢ حديث ١٣٦ وذكره بطريق اخر بلفظ: علي مني مثل رأسي من بدني. حديث ١٣٥ ولقد روى الحديث باللفظين او بلفظ علي مني بمنزلة رأسي من بدني جماعة: اخطب خطباء خوارزم في مناقبه: ٨٧ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ٧٥

٢٢١

وإذا تقرر هذا فكيف يقاس به غيره أو يماثل به سواه فكيف ما اعتمده الناقص(١) ساب الله من ترجيح أبي هريرة(٢) عليه المتهم عند عمر وغيره من أعيان الصحابة المقدوح فيه جدا.

وقد يكون العذر في كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر عند ذكر أبي هريرة وشبهه رئاسة من أغفل ذكره برهان سفاهة أبي عثمان في كون ترك ذكره برهان غمضه إذ الخاص التمام لا يذكر مع العامة والنجوم الثواقب لا تذكر مع السها.

__________________

والقندوزي في ينابيع المودة: ٥٣ و ١٨٠ و ٢٨٤ والشبلنجي في نور الابصار: ٧٣ والخطيب في تاريخ بغداد: ٧ / ١٢ ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ٦٣ والرياض النضرة:٢ / ١٦٢.

(١) ن: الناقض.

(٢) ابو هريرة الدوسي اليماني، اختلف في اسمه فقد قيل: انه عبد الرحمن وقيل عامر: وقيل غير ذلك كان من اصحاب الصفة يتصدق عليه المسلمون وقد صحب النبي (ص) ثلاث سنين وقيل اربع.

ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وقال: يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: ابو هريرة كان يدلس. ذكره ابن عساكر.

وقال شريك شريك عن مغيرة عن ابراهيم قال: كان اصحابنا يدعون من حديث ابي هريرة وروى الاعمش عن ابراهيم قال: ما كانوا ياخذون بكل حديث ابي هريرة.

وقد استعمله عمر بن الخطاب في ايام امارته على البحرين. وذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء عن همام بن يحيى، حدثنا اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة، ان عمر قال لابي هريرة: كيف وجدت الامارة؟ قال: بعثتني وانا كاره ونزعتني وقد احببتها. واتاه باربعمائة الف من البحرين، فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين الفا قال: من اين اصبتها؟ قال: كنت اتجر قال: انظر راس مالك ورزقك فخذه واجعل الاخر في بيت المال.

وتوفي ابو هريرة سنة ٥٩ وقيل ٥٨ وقيل غير ذلك.

انظر سير اعلام النبلاء: ٢ / ٥٧٨ - ٦٣٢ والبداية والنهاية: ٨ / ١٠٣ - ١١٥ والاصابة: ١٢ / ٦٣ وتهذيب التهذيب ١٢ / ٢٦٢.

٢٢٢

ولقد بلي مولاناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحداق(١) عمه(٢) تجعل عماها دليل نقص(٣) ما خفي عنها برهان التهويش لما بعده الكمه(٤) منها ومعاندين لا يزعهم عن البهت الشنيع دين ولا يمنعهم عن الإفك البين حياء.

والشمس لا يهبطها عائب

سيان دان أو غفول جهول

والنقص إذ ذاك على عائب

قد قيدته بالصغار(٥) الكبول(٦) .

وذكر أن النبيعليه‌السلام قال أقرؤكم أبي وقال أفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال معاذ(٧) .

والذي يقال على هذا إن الذي يرويه الخصم غير متقبل علينا وبعد فلا نعلم إلى من أشار بقوله أقرؤكم أفرضكم أعرفكم والأشبه أن تكون إشارة إلى مخاطبين حاضرين ولا يعرف(٨) من هم حتى تدري الفضيلة على من.

قال وإذا(٩) صرت إلى أن تسأل عن الاختيار وجودة الرأي والقوة في السلطان والضبط للعدو والعوام قالوا أبو بكر وعمر وإن سألت عن الفتوح قالوا أبو بكر وعمر وعثمان(١٠) .

__________________

(١) الحداق: مفرده الحدقة سواد العين.

(٢) عمه: مفردة اعمه وعمهاء: المتحير في طريقه كالاعمى.

(٣) ن: نقض.

(٤) كمه كمها: عمى او صار اعشى ( المنجد ).

(٥) الصغار ( بفتح الاول ): الذل.

(٦) الكبول: مفرده الكبل، القيد.

(٧) العثمانية: ٩٤.

(٨) ن: تعرف.

(٩) في المصدر: فان.

(١٠) العثمانية: ٩٤.

٢٢٣

وذكر عدو الله أن عليا لم يكن له رأي(١) وذكر خرافات لا تستند إلى دليل عمن لا يبنى(٢) على قوله.

والذي يقال على هذا(٣) أنه رد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قد شهد له بالحكمة الباهرة على غيره ذكرنا ذلك من عدة طرق ولكن الدين قيد يمنع السياسة الدنياوية السلطانية التي يرضاها غير المتقيدين بمراسم الله المنقادين إلى تدبيره(٤) المنبعثين إلى أوامره المتباعدين(٥) عن معصيته وإلا فأي وجه خفي عنه من فنون التدبير في حرب أو غيره وقد ارتضاه رسول الله صاحب لوائه في حروبه وجعله رئيس الناس لما وجهه إلى اليمن فأحسن وجعله عوض مهجته في المدينة لما توجه إلى تبوك.

وينبهك على أن الذي كان المقيد له عن تدبير الدنيا كون المغيرة بن شعبة أشار عليه باستنابة معاوية فأبى عليه ثم جاءه فصوب رأيه في عزله فقال له نصحت في الأولى وغششت في الثانية.

ألا تراه عرف وجه التدبير السياسي ومنعه منه التدبير الديني ولم يكن غيره عند من عرف السيرة متقيدا بهذه القيود.

وقد ذكر ابن أبي الحديد شيئا من هذا(٦) ولا أرى التعرض بخلصاء الصحابة رضوان الله عليهم وقد ذكرنا من تدبير غيره نبذة وذكرنا اقتداء أعيان الصحابة برأيه في عدة مواضع.

وأما ترجيحه منصوره ومن تلاه بكثرة الفتوح فإن لسان الجارودية يجيب

__________________

(١) العثمانية: ٩٤.

(٢) ن: يثنى.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ج وق: المساعدين.

(٦) شرح ابن ابي الحديد: ١ / ٢٣٢.

٢٢٤

عن هذا بأن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان مصدودا(١) عن ذلك بحوادث السقيفة والشورى وكان مع ذلك في محاربة من أخبره رسول الله بمحاربتهم.

وتقول الجارودية إن الذي جرى من الفتوح كان ببركة الإسلام وجهاد من جاهد من المسلمين وإشارة أمير المؤمنينعليه‌السلام بإنفاذ الجيوش إلى فارس وتخلف عمر عنهم وذلك أصل روح الفتوح.

وقد ذكر(٢) أبو عمر يوسف بن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب أنه لما ورد على عمر إجماع أهل أصبهان وهمدان والري وآذربيجان وأن ذلك أقلقه شاور أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأشار عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٣) أن يبعث إلى أهل الكوفة فيسير ثلثاهم كذا ويبقى ثلثهم على ذراريهم وأيضا(٤) إلى أهل البصرة وأن الله تعالى فتح عليه أصبهان وذلك ببركة رأي أمير المؤمنينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا عاضد لما وصفناه به من حكمته ومجيد رأيه(٥) وشرف بصيرته. قال بعد ما حكينا عنه من الخرافات الرادة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالحكمة والفضل الجم والخيرية على جميع البشر إن عليا ما كان يساوي أبا بكر ولا يجاريه ولا يدانيه ولا يقاربه وإنه كان في طبقة أمثاله طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد(٦) .

والجواب عن هذا السبب بما أنه غير مستغرب(٧) ممن سب الله تعالى أن

__________________

(١) ن: مصدوفا.

(٢) لم اعثر عليه في كتاب الاستيعاب ولكن ابا نعيم ايضا ذكره في اخبار اصفهان: ١ / ١٩.

(٣) ن: ويبعث.

(٤) لا توجد في: ن.

(٥) ن: اراءه.

(٦) العثمانية: ٩٧.

(٧) ن: بعيد.

٢٢٥

يسب عليا وقد سبق تقرير ذلك وأن الفرقة الخارجية لو سمعت بهذا أنفت منه فإن قائلهم ما تعدى الأخذ عليه بالتحكيم حيث يقول

كان علي قبل تحكيمه

جلدة بين العين والحاجب

ولو أن هذا الخبيث عول على عمدة يبني عليها أو سيرة بينة يشار إليها كان لقوله وجه ولكنه يتفوه(١) بما تفوه به غير معتمد على أس ولا بان على أصل شغل الحنق(٢) الشانئ وقاعدة المبغض القالي.

وقد ذكرنا ما يرد عليه من ذلك ونزيده(٣) إيضاحا بعد حديثين نذكرهما شاهدين بفضله على جميع العرب أحدهما(٤) يقتضي الفضل على جميع المسلمين.

روى(٥) صاحب العمدة(٦) عن ابن المغازلي بإسناده المتصل عن رسول الله إن عليا سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين(٧)

__________________

(١) ن: تفوه.

(٢) الحنق: الحاقد.

(٣) ج وق: يزيده.

(٤) في كل النسخ: واحدهما.

(٥) في كل النسخ: وروى.

(٦) في كل النسخ رمز اليه بحرف عليه السلام انظر: العمدة لابن البطريق: ٣٥٦.

(٧) مناقب ابن المغازلي: ١٠٤ قال: اخبرنا ابو طاهر محمد بن علي بن محمد البيّع البغدادي فيما كتب به اليّ يخبرني ان ابا احمد عبيد الله بن ابي مسلم الفرضي حدثهم قال: حدثنا: ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد الحافظ حدثنا محمد بن اسماعيل بن اسحاق حدثنا محمد بن عديس حدثنا جعفر الاحمر حدثنا هلال الصوّاف عن عبد الله بن كثير - او كثير بن عبد الله - عن ابن اخطب عن محمد بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة الانصاري عن ابيه قال: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله : - لما كان ليلة اسري بي الى السماء اذا قصر احمر من ياقوت يتلألأ فاوحى اليّ في علي انه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين.

٢٢٦

وفي رواية عائشة بالسند إليها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا عائشة إذا سرك أن تنظري(١) إلى سيد العرب فانظري إلى(٢) علي بن

__________________

وبطريق ثان عن عبد الله بن اسعد بن زرارة عن ابيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :انتهيت ليلة اسري بي الى سدرة المنتهى، فاوحى اليّ في علي ثلاث: انه امام المتقين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين الى جنات النعيم.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٣٧ بزيادة في اوله: اوحي الي في علي ثلاث.

وذكره ايضا المتقى في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ بزيادة في اوله: لما عرج بي الى السماء انتهى بي الى قصر من لؤلؤ من ذهب يتلألأ فاوحى اليّ ربي في علي ثلاث خصال ( وساق الحديث ).

وذكره ايضا بطريق ثان: ٦ / ١٥٧ قال في اوله: ليلة اسري بي اتيت على ربي عز وجل فاوحى اليّ في علي بثلاث الى اخره.

وذكره ايضا ابن حجر في الاصابة: ج ٤ القسم ١ ص ٣٣ وابن الاثير في اسد الغابة: ١ / ٦٩ و ٣ / ١١٦ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٧٧ والهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ١٢١.

وذكر ابو نعيم في حليلة الاولياء: ١ / ٦٦.

بسنده عن الشعبي قال: قال علي عليه‌السلام : قال لي رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: مرحبا بسيد المسلمين وامام المتقين فقيل لعلي عليه‌السلام : فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله تعالى على ما اتاني، وسألته الشكر على ما اولاني وان يزيدني مما اعطاني.

وذكر ايضا ابو نعيم في حليته: ١ / ٦٣.

بسنده عن انس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا انس اسكب لي وضوء، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين، قال انس: قلت اللهم اجعله رجلا من الانصار، وكتمته اذ جاء علي عليه‌السلام فقال: من هذا يا انس؟ فقلت: علي فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه ويمسح عرق علي عليه‌السلام بوجهه، قال علي عليه‌السلام : يا رسول الله لقد رايتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل، قال: وما يمنعني وانت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

(١) في كل النسخ: تنظرين.

(٢) لا توجد في: ن.

٢٢٧

أبي طالب(١)

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي: ٢١٣.

بسنده عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن ابي طالب على رسول الله (ص) وعنده عائشة فقال:

يا عائشة اذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب فقلت: الست سيد العرب؟ فقال: انا امام المسلمين وسيد المتقين فاذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب.

وذكر حديثين اخرين احدهما بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت: اقبل علي بن ابي طالب فقال النبي (ص): من سره ان ينظر الى سيد شباب العرب فلينظر الى علي، فقلت: يا رسول الله الست سيد شباب العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد شباب العرب.

والحديث الاخر بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب.

وايضا رواه الخطيب البغدادي في تاريخه: ١١ / ٨٩.

بسنده عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن ابي طالب عليه‌السلام على النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم وعنده عائشة فقال لها اذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب، فقالت: يا نبي الله الست سيد العرب؟ فقال: انا امام المسلمين وسيد المتقين، واذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب.

وذكره ايضا المتقى في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ وايضا في كنز العمال: ٦ / ٤٠٠ قال:

عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله انت سيد العرب، قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وذكر ابو نعيم في حلية الاولياء: ٥ / ٣٨.

بسنده عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا انس ان عليا سيد العرب فقالت عائشة الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وروى الحاكم في مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٢٤.

بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة ان النبي - صلى الله عليه ( وآله ) وسلم - قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٢٤.

بسنده عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: ادعوا لي سيد

٢٢٨

وروى بالإسناد المتصل عن أنس قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله عز وجل خلق خلقا ليس من ولد آدم ولا من ولد إبليس يلعنون مبغض(١) علي بن أبي طالب قيل(٢) يا رسول الله و(٣) من هم قال(٤) القنابر ينادون في السحر على رءوس الشجر ألا لعنة الله على مبغض(٥) علي بن أبي طالب(٦) .

وروى أبو نعيم بإسناده إلى مقاتل بن سليمان في قول الله عز وجل( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) الآية(٧) نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه(٨)

__________________

العرب فقلت: يا رسول الله الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وروى الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١١٦ وابن حجر في صواعقه: ص ٧٣ وابو نعيم ايضا في حلية الاولياء: ١ / ٦٣ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٧٧ احاديث بالمضامين المتقدمة .

(١) في المصدر: مبغضي.

(٢) في المصدر: قالوا.

(٣) في المصدر: من هم.

(٤) في المصدر باضافة: هم.

(٥) في المصدر: مبغضي.

(٦) مناقب ابن المغازلي: ١٤٢ حديث ١٨٧ قال:

اخبرنا ابو نصر بن الطحان اجازة عن القاضي ابي الفرج الخيوطي قال: حدثني احمد بن الحسن اخبرنا محمد بن الحسن حدثنا المقدام بن داود حدثنا اسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن انس وساق الحديث واخرجه عبد الله الشافعي في مناقبه وجمال الدين ابن حسنويه في در بحر المناقب على ما في احقاق الحق: ٧ / ٢٢١.

(٧) تتمها:( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) . الاحزاب: ٥٨.

(٨) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط وذكره ايضا الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية قال:وقيل: نزلت في ناس من المنافقين يوذون عليا عليه‌السلام ويسمعونه وايضا ذكره الواحدي في اسباب النزول: ص ٢٧٣.

وذكره الزمخشري ايضا في الكشاف في تفسير قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) في سورة المطففين قال:

٢٢٩

وفي هاتين الروايتين دليل على وعيد الجاحظ الشديد(١) وفيما سلف عند التنقيح(٢) شاهد بأن الجاحظ ساب الصحابة(٣) يفهمه من اعتبر.

قال فإن قالوا إن عليا كان أزهد فيما تناحر(٤) الناس عليه ولأن أزهد الناس في الدنيا أعلمهم بأعمال الآخرة(٥) قلنا صدقتم في صفة الزهد ولكن أبا بكر أزهد منه(٦) .

وتعلق بأنه كان ذا مال كثير فأنفقه في سبيل الله وكانت تركته يوم مات بعير ناضح(٧) وعبد صيقل(٨) مع الخلافة وكثرة الفتوح والغنائم والخراج والصدقة وكان علي مخفقا يعال ولا يعول فاستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف وما يحسب ماله ووقفه بينبع إلا مثل كل شيء ملكه أبو بكر مذ كان في الدنيا إلى أن فارقها وتزوج فأكثر وطلق فأكثر حتى عابه بذلك معاوية(٩) .

__________________

وقيل: جاء علي بن ابي طالبعليه‌السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا الى اصحابهم فقالوا: راينا اليوم الاصلع، فضحكوا منه فنزلت قبل ان يصل عليعليه‌السلام الى رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم.

وذكره ايضا الفخر الرازي في تفسيره في ذيل الآية المذكورة: ٣١ / ١٠١.

(١) ج وق: السديد.

(٢) ن: التقبيح.

(٣) ن: للصحابة.

(٤) ق: شاجر. وتناحر الناس عليه: تخاصموا وتشاحوا فكاد بعضهم ينحر بعضا ( المنجد ).

(٥) في المصدر: ولان ازهد الناس في الدنيا ارغبهم في الآخرة، ولان ارغبهم في الآخرة اعلمهم باحوال الآخرة.

(٦) العثمانية: ٩٧.

(٧) ن بزيادة: كتابة.

(٨) ن: عبد صقلبي، وعبد صيقل: نحيف، يقال: صقلت الناقة اذا اضمرتها وصقلها السير اذا اضمرها ( لسان العرب: صقل ).

(٩) العثمانية: ٩٧ - ٩٨.

٢٣٠

قال واستشهد وعنده تسع عشرة سرية وأربع نسوة عقائل ولا سواء من كان ذا مال فأنفقه ومن كان مقلا فكسبه ولم يتزوج أبو بكر في خلافته امرأة(١) ولا اتخذ سرية ولا تفكه بشيء(٢) .

وذكر أنه رد عمالته على بيت المال أوصى بذلك بني تيم ولم ينقل عن علي ذلك(٣) .

وضعف مقابلة ذلك بكونه كان ينضح بيت المال في كل جمعة ويصلي فيه ركعتين بما أنه فرق بين من يعطي ماله إلى من يعطي مال غيره(٤) .

ويحسن أن أنشد عند هذا

هتفت تبارى البدر والبدر كامل

منير بدت في الخافقين ذوائبه

ترفع عن شبه ولو مد باعه

ضياء تراءت زهره وثواقبه

يحالفه من طاب فرعا ومحتدا

كما يتجافاه خبيث مناسبه

سيجني ثمار البغي والعرض قائم

وقد رجفت أخطاره ونوائبه

وكان قسيم الخلد والنار آمنا

به ري ظمآن عدته(٥) مشاربه

كما لأعاديه الشقاء وذائد

عن الحوض رصت بالنمير جوانبه.

وأقول بعد هذا غير صالح(٦) في الطعن على الصحابة بل على من يسلط الطعن على الصحابة والقرابة مؤكدا بذلك الوقيعة بين المسلمين.

ومن الجواب له عما سبح فيه كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١) لا توجد في: ق.

(٢) العثمانية: ٩٨.

(٣) العثمانية: ٩٨.

(٤) العثمانية: ٩٩.

(٥) ج: غذته.

(٦) في النسخ: سالح.

٢٣١

لمعاوية - وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها(١) في كلام بسيط لمولانا تضمنته مطاوي كتاب نهج البلاغة في الكتاب الشهير البليغ إلى معاوية هذا كلامه لمنافي كذا ذي عشيرة(٢) ورئاسة قديمة وحديثة.

وأما أبو عثمان فليس من ذوي الأنساب العريقة والمنازل في الدنيا الرفيعة فيحسد عليها أربابها وينازع(٣) أصحابها ولا له بالقبيلين تعلق نسب(٤) أو موالاة بعبودية على ما أعرف.

وهذا يدلك على أنه خبيث الولادة رديء الطبيعة إذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بوروا(٥) أولادكم بحب علي(٦) .

__________________

(١) الكتاب رقم ٢٨ من نهج البلاغة.

(٢) ق: عشرة.

(٣) ن: يبارع.

(٤) ق: كسب.

(٥) ن: برروا وبوروا: اختبروا، باره يبوره: جربه واختبره.

(٦) ذكره الحافظ الجرزي في اسنى المطالب: ٨.

عن ابي سعيد الخدري قال: كنا معشر الانصار نبور أولادنا بحبهم عليا - رضي‌الله‌عنه - فاذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا انه ليس منا.

وايضا في نفس الكتاب المذكور ص ٨.

ذكر عن عبادة بن الصامت: كنا نبور اولادنا بحب علي بن ابي طالب - رضي‌الله‌عنه -، فاذا راينا احدهم لا يحب علي بن ابي طالب علمنا انه ليس منا وانه لغير رشدة.

ثم قال الحافظ المذكور بعد ذكر هذا الحديث:

وهذا مشهور من قديم والى اليوم انه ما يبغض عليا - رضي‌الله‌عنه - الا ولد زنا.

وكذلك ذكره الشيخ محمد طاهر بن علي الصديقي في مجمع بحار الانوار ١ / ١٢١ ( على ما في احقاق الحق: ٧ / ٢٦٦ ) قال:

٢٣٢

ويؤيد هذا ما رواه أخطب خطباء خوارزم مرفوعا إلى زيد بن يثيع(١) يسنده إلى أبي بكر يقول رأيت رسول الله خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام فقال(٢) يا معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة وحرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم(٣) لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب الولادة(٤) ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة فقال رجل(٥) يا زيد أنت سمعت منه(٦) قال إي ورب الكعبة(٧) .

__________________

ومنه: كنا نبور اولادنا بحب علي. وقال الزبيدي في تاج العروس في مادة ( بور ):

ومنه الحديث، كنا نبور اولادنا بحب علي - رضي‌الله‌عنه -. وذكر الحديث ايضا ابن الاثير في النهاية: ١٦١ مادة ( بور ) وقد تقدم منا ذكر بعض المصادر التي اشارت الى ان بغض علي دليل على خبث الولادة وحبه على طيب الولادة هامش ص (٢٣).

(١) ق: بثيع.

(٢) في المصدر: فقال رسول الله (ص).

(٣) في المصدر: وولي لمن والاهم وعدو لمن عاداهم.

(٤) في المصدر: طيب المولد.

(٥) في المصدر: لزيد.

(٦) في المصدر: انت سمعت ابا بكر يقول هذا؟.

(٧) مناقب الخوارزمي: ٢١١ قال: وبهذا الاسناد عن ابي سعد السمان هذا اخبرني ابو سعيد احمد ابن محمد الماليني بقرائتي عليه حدثني ابو بكر محمد بن يحيى بن حيان الدير عاقولي حدثني محمد بن الحسين بن حفص الاشناني حدثني محمد بن علي الفارسي عن سليمان بن حرب عن يونس بن سليمان التميمي عن ابيه عن زيد بن يثيع قال: سمعت ابا بكر الصديق يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] الحديث ورواه ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة:٢ / ١٩٩.

وفي اسد الغابة: ٣ / ١١.

بسنده عن صبيح مولى ام سلمة قال: كنت بباب رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم - فجاء علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فجلسوا ناحية، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: انكم على خير، وعليه كساء خيبري فجللهم به فقال: انا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم.

وذكره ايضا الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٦٩.

٢٣٣

أما دعوى المشار إليه أنه كان لأبي بكر رضوان الله عليه مال كثير فأنفقه في سبيل الله فدعوى لم يثبت أبو عثمان برهانها ولم يوضح دليلها وللجارودية من الزيدية أن يقولوا فرق بين دعوى لم يعضدها البرهان ودعوى عضدها البرهان إذ قد روى غيرنا ممن لا يتهم نزول الآي المتكاثر في صدقة علي وشكر الله تعالى له على ذلك وثناءه عليه مثل قوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها

__________________

وروى الترمذي في صحيحه: ٢ / ٣١٩.

بسنده عن صبيح مولى ام سلمة عن زيد بن ارقم ان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.

وروى هذا ايضا ابن ماجة في صحيحه: ص ١٤ والحاكم في مستدركه: ٣ / ١٤٩ وابن الاثير في اسد الغابة: ٥ / ٥٢٣ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٢١٦ والمحب الطبري في ذخائر العقبى:

ص ٢٥.

وروى احمد بن حنبل في مسنده: ٢ / ٤٤٢.

بسنده عن ابي هريرة، قال: نظر النبي صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم الى علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام فقال: انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ص ١٤٩ والخطيب البغدادي في تاريخه: ٧ / ١٣٦ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٢١٦.

وذكر المحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٢٣ قال:

وعنها - يعني ام سلمة قالت كان النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم عندنا منكسا راسه فعملت له فاطمة عليها‌السلام حريرة فجاءت ومعها حسن وحسين عليهما‌السلام فقال لها النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: اين زوجك؟ اذهبي فادعيه فجاءت به فاكلوا فاخذ كساء فاداره عليهم وامسك طرفه بيده اليسرى، ثم رفع اليمنى الى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي وخاصتي، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا انا حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم، عدو لمن عاداهم.

٢٣٤

شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً ) ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (١) .

روى ذلك الثعلبي(٢) وأبو نعيم الحافظ(٣) رواه الثعلبي بأسانيد متعددة عن ابن عباس في قول الله عز وجل( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٤) قال مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت نذرا وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء فقال عليرضي‌الله‌عنه إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا وذكر عن فاطمة وفضة نحو ذلك فبرءا وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي إلى شمعون بن حانا(٥) الخيبري وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير.

وفي حديث المزني عن ابن مهران فانطلق علي إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن حانا(٦) فقال هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها ابنة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أصوع من شعير فقال نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت

__________________

(١) الدهر: ٧ الى ٢٢.

(٢) الكشف والبيان: مخطوط.

(٣) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٤) الدهر: ٧.

(٥) ق: جانا.

(٦) ق: جانا.

٢٣٥

وأطاعت فقامت فاطمة رضوان الله عليها إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص(١) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ثم أتى(٢) المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة وذكر شعرا(٣) قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته(٤) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من

__________________

(١) ج وق: قرصا.

(٢) ن: اتى الى المنزل.

(٣) والشعر كما جاء في تفسير القرطبي: ١٩ / ١٢٩.

فاطم ذات الفضل واليقين

يا بنت خير الناس اجمعين

اما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكوا الى الله ويستكين

يشكو الينا جائع حزين

كل امرى بكسبه رهين

وفاعل الخيرات يستبين

موعدنا جنة عليين

حرمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين

تهوى به النار الى سجين

شرابه الحميم والغسلين

من يفعل الخير يقم سمين

ويدخل الجنة اي حين

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

امرك عندي يابن عم طاعة

ما بي من لوم ولا وضاعة

غديت في الخبز له صناعة

اطعمه ولا ابالي الساعة

ارجو اذا اشبعت ذا المجاعة

ان الحق الاخيار والجماعة

وادخل الجنة لي شفاعة

(٤) ق: واخبزته.

٢٣٦

أولاد المهاجرين استشهد أبي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه عليرضي‌الله‌عنه وذكر شعرا(١) قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة رضي الله عنها إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته(٢) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد تأسرونا وتشدونا ولا تطعمونا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من(٣) موائد الجنة فسمعه علي وذكر شعرا(٤)

__________________

(١) وهو ايضا كما جاء في المصدر السابق:

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

لقد اتى الله بذي اليتيم

من يرحم اليوم يكن رحيم

ويدخل الجنة اي سليم

قد حرم الخلد على اللئيم

الا يجوز ( كذا ) الصراط المستقيم

يزل في النار الى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

اطعمه اليوم ولا ابالي

واوثر الله على عيالي

امسوا جياعا وهم اشبالي

اصغرهم يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال

يا ويل للقاتل من وبال

تهوى به النار الى سفال

وفي يديه الغل والاغلال

كبولة زادت على الاكبال

(٢) ق: اخبزته.

(٣) ج: على.

(٤) وهو ايضا كما جاء في تفسير القرطبي: ١٩ / ١٢٩.

فاطم يا بنت النبي احمد

بنت نبي سيد مسود

وسماه ( كذا ) الله فهو محمد

قد زانه الله بحسن اغيد

٢٣٧

قال فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ عليرضي‌الله‌عنه بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وأقبل نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني(١) ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال وا غوثاه يا أهل بيت محمد(٢) تموتون جوعا فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال يا محمد خذها هناك الله في أهل بيتك قال وما آخذ يا جبرئيل فأقرأه( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) إلى قوله( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) إلى آخر السورة قال وزاد ابن مهران في هذا الحديث فوثب النبي - صلى الله عليه

__________________

هذا اسير للنبي المهتد

مثقل في غله مقيد

يشكو الينا الجوع قد تمدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلى الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

اعطيه لا لا تجعليه اقعد

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

لم يبق مما جاء غير صاع

قد ذهبت كفي مع الذراع

ابناي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

ابوهما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين شديد الباع

و ما على رأسي من قناع

الا قناعا نسجه انساع

(١) ن: ساءني.

(٢) لا توجد في: ن.

٢٣٨

[ وآله ] - حتى دخل على فاطمة فلما رأى ما بهم انكب(١) عليهم يبكي ثم قال لهم أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم فهبط جبرئيلعليه‌السلام بالآيات( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ) (٢)

قال هي عين في دار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفجر إلى دار الأنبياءعليهم‌السلام والمؤمنين( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة الغرض من الحديث(٣) .

قال والله ما قالوا ذلك بألسنتهم ولكنهم أضمروه في نفوسهم فأخبر(٤) الله تعالى بإضمارهم وذكر فنونا قال بعدها قال ابن عباس فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوء كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان بها فيقول أهل الجنة يا رضوان قال ربنا عز وجل( لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ) (٥) فيقول لهم رضوان ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ضحكا أشرقت الجنان من نور ضحكهما وفيهما أنزل الله سبحانه وتعالى( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) إلى قوله( وَكانَ

__________________

(١) ن: اقبل.

(٢) الدهر: ٥ - ٦.

(٣) ولقد روى ايضا نزول هذه الآيات في أهل البيتعليهم‌السلام جمع من العامة وبالفاظ مختلفة منهم: ابن الاثير في اسد الغابة ٥ / ٥٣٠ والواحدي في اسباب النزول: ٣٣١ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) والشبلنجي في نور الابصار: ١٠٢ والزمخشري في تفسير قوله تعالى( وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٢٧ وفي ذخائر العقبى: ١٠٢ والفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية والقرطبي في تفسيره: ١٩ / ١٢٩ وسبط ابن الجوزي في التذكرة: ٣٢٢ والكنجي في كفاية الطالب: ٢٠١ والخازن في تفسيره: ٧ / ١٥٩ والالوسي في روح المعاني: ٢٩ / ١٥٧.

(٤) ق: فاحسن.

(٥) الدهر: ١٣.

٢٣٩

سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) .

وروى حديث الصدقة في حال الركوع(١) أبو نعيم من عدة طرق(٢) وكذا روى حديث الصدقة أمام النجوى(٣) من عدة طرق(٤) وكذا روى حديث الصدقة ليلا ونهارا وفي(٥) السر والعلانية من عدة طرق(٦) . أقول ولو لم يكن إلا جوده بمهجته وشكر الله تعالى له على فعلته المقترنة بمخالصته(٧) لكفى.

وإن في القصة الأولى من المعنى الأعظم والعلى الأضخم والمجد الأوسم والدين الأقوم والسخاء الأشهر المعلم ما يفوق صدقات البرايا على ما يعرف عدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه ذو الفخر الذي لا يصل فخر إليه ولا تقف بإزائه دعاو لا يعلم برهانها ولا يثبت أركانها ولو ثبت لم تكن مناسبة لما ذكرناه في هذه القصة ولا في آية النجوى الذي تفرد علي دون المسلمين كافة بها وعاتب الله تعالى المسلمين عداه في البعد عنها(٨) .

__________________

(١) اشارة الى الآية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) المائدة: ٥٥ ونزولها بشان أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وسوف يأتي الكلام حولها ص: (١٣١).

(٢) معرفة الصحابة مخطوط.

(٣) اشارة الى الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المجادلة: ١٢ وايضا وقد مرّ الكلام حولها ص (٤٧).

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ج وق: لا توجد.

(٦) اشارة الى الآية:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة: ٢٧٤ وقد مرّ الكلام حولها ايضا في ص (٤٨).

(٧) ن: لمخالصته.

(٨) اشارة الى الآية:( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) : المجادلة: ١٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وأقول :

ما ذكره من اتّفاق العلماء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح ، خطأ ظاهر ، فإنّ قومه ـ وهم الأشاعرة ـ لا يوافقون عليه ، ويزعمون أنّ بقاء الممكن الموجود ، وعدم الممكنات الأزلي ، لا يحتاجان إلى مرجّح وسبب.

ولذا قالوا : إنّ المحوج إلى السبب هو الحدوث ، أي خروج الممكن من العدم إلى الوجود ، لا الإمكان(١) .

ولكن غرّ الخصم أنّه رأى في أوّل مباحث الممكن من « المواقف » وشرحها دعوى ضرورية حاجة الممكن إلى السبب بالتقرير الذي ذكره الخصم ، ولم يلتفت إلى أنّهما ذكرا ذلك عن الحكماء القائلين بأنّ المحوج إلى السبب هو الإمكان(٢) ، خلافا للأشاعرة.

ولذا بعدما ذكرا عن الحكماء أنّ الحكم مركوز في طباع البهائم ، ولذا تنفر من صوت الخشب ، أوردا عليه بقولهما : « قلنا ذلك ، أي نفورها لحدوثه لا لإمكانه ، فإنّه لمّا حدث الصوت بعد عدمه ، تخيّلت البهائم أن لا بدّ له من محدث ، لا أنّها تخيّلت تساوي طرفي الصوت ، وأن لا بدّ هناك من مرجّح »(٣) .

ولو سلّم الاتّفاق على حاجة الممكن إلى السبب ، وعلى أنّه يمتنع

__________________

(١) شرح المقاصد ٢ / ١٥.

(٢) انظر : المواقف : ٧١ ، شرح المواقف ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٣) المواقف : ٧١ ، شرح المواقف ٣ / ١٣٧.

٢٨١

ترجّح أحد طرفيه بدون مرجّح فهو خارج عمّا نحن فيه ؛ لأنّ كلام المصنّف في إمكان ترجيح الفاعل لأحد الطرفين بلا مرجّح كما هو مذهب جماعة ومنهم الأشاعرة.

ولذا قال في « المواقف » في البحث عن أفعال العباد ، بعدما ذكر الدليل المذكور الذي نقله المصنّف عن الأشاعرة : « واعلم أنّ هذا الاستدلال إنّما يصلح إلزاما للمعتزلة ، القائلين بوجوب المرجّح في الفعل الاختياري ؛ وإلّا فعلى رأينا يجوز الترجيح بمجرّد تعلّق الاختيار بأحد طرفي المقدور ، فلا يلزم من كون الفعل بلا مرجّح كونه اتّفاقيا »(١) .

بل يستفاد من هذا ـ لا سيّما قوله : « يجوز الترجيح بمجرّد تعلّق الاختيار » ـ جواز ترجيح المرجوح على الراجح فضلا عن المساوي ، كما يدلّ عليه أيضا تجويزهم تقديم المفضول على الفاضل في مسألة الإمامة(٢) ، وتجويزهم عقلا أن يعذّب الله الأنبياء ويثيب الفراعنة والأبالسة(٣) ، وقولهم : لا يجب على الله شيء ولا يقبح منه شيء(٤) ، وحينئذ فما أجاب به الخصم عن مثال الرغيفين ونحوه غير صحيح عند أصحابه.

وأمّا ما أجاب به عن الوجه الرابع ، فمن الجهل أيضا ؛ لأنّ المصنّف

__________________

(١) المواقف : ٣١٣.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ٢ / ٢٩٦ ، المواقف : ٤١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٤٧.

(٣) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٦ ، تمهيد الأوائل : ٣٨٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤.

(٤) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٥ ، المواقف : ٣٢٨ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

٢٨٢

لم ينكر أنّ القول بكون القدرة غير صالحة للضدّين يوجب عدم القدرة على الترك بعد فرض تعلّقها بالفعل ، وإنّما يقول : إنّ القول بهذا القول مناف للاستدلال بذلك الدليل ؛ لأنّ الاستدلال به مبنيّ على جواز تعلّق القدرة بالضدّين ، وهم لا يقولون بتعلّقها بهما.

وأمّا ما ذكره من أنّ قول المصنّف : « إن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين لزمهم شيء يخترعه من عند نفسه ثمّ يجعله محذورا »

ففيه : إنّ هذا القول من المصنّف جواب عن سؤال مقدّر ، وهو : إنّ ما ذكرته من منافاة الدليل لمذهبهم مبنيّ على التزامهم هنا بقولهم بعدم جواز تعلّق القدرة بالضدّين ، فلعلّهم خالفوا هنا ذلك وأجازوا تعلّقها بهما.

فقال : وإن خالفوا ذلك لزمهم محذور آخر ، وهو اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل ، وكلاهما مخالف لمذهبهم.

وهذا ليس من باب اختراع النسبة إليهم ، كما توهّمه الخصم وأبان به وبما قبله عن جهله بمقاصد المصنّف وبمذهبهم ، وعن سرقته لكلام « المواقف » وشرحها من دون معرفة بمخالفته لمذهبهم ، وبعدم انطباقه على المورد!!

* * *

٢٨٣

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

وفي الثاني من وجهين :

الأوّل : العلم بالوقوع تبع الوقوع فلا يؤثّر فيه ، فإنّ التابع إنّما يتبع متبوعه ويتأخّر عنه بالذات ، والمؤثّر متقدّم.

الثاني : إنّ الوجوب اللاحق لا يؤثّر في الإمكان الذاتي ، ويحصل الوجوب باعتبار فرض وقوع الممكن ، فإنّ كلّ ممكن على الإطلاق إذا فرض موجودا ، فإنّه حالة وجوده يمتنع عدمه ، لامتناع اجتماع النقيضين ، وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا ، مع أنّه ممكن بالنظر إلى ذاته.

والعلم حكاية عن المعلوم ومطابق له ، إذ لا بدّ في العلم من المطابقة ، فالعلم والمعلوم متطابقان ، والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم ، فإنّه لولاه لم يكن علما به.

ولا فرق بين فرض الشيء وفرض ما يطابقه ، بما هو حكاية عنه ، وفرض العلم هو بعينه فرض المعلوم.

وقد عرفت أنّ مع فرض المعلوم يجب ، فكذا مع فرض العلم به.

وكما إنّ ذلك الوجوب لا يؤثّر في الإمكان الذاتي ، كذا هذا الوجوب ، ولا يلزم من تعلّق علم الله تعالى به وجوبه بالنسبة إلى ذاته ، بل بالنسبة إلى العلم.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٣.

٢٨٤

وقال الفضل (١) :

قد ذكرنا أنّ هذه الحجّة أوردها الإمام الرازي على سبيل الفرض الإجمالي ، في « مبحث التكليف والبعثة »(٢) ، وهذا صورة تقريره :

« ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد ، وإلّا جاز انقلاب العلم جهلا وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد ، وإلّا جاز الانقلاب.

ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته ؛ لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم.

فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال ، فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء ».

قال الإمام الرازي : ولو اجتمع جملة العقلاء ، لم يقدروا أن يوردوا على هذا حرفا إلّا بالتزام مذهب هشام ، وهو أنّه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها »(٣) .

وقال شارح « المواقف » : « واعترض عليه بأنّ العلم تابع للمعلوم ، على معنى أنّهما يتطابقان ، والأصل في هذه المطابقة هو المعلوم ، ألا يرى إلى صورة الفرس مثلا على الجدار ، إنّما كانت على الهيئة المخصوصة ؛ لأنّ

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٠٨.

(٢) تقدّم عن الفخر الرازي وغيره كما في الصفحة ٢٦٧ ه‍ ١.

(٣) الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٢٨.

٢٨٥

الفرس في حدّ نفسه هكذا ، ولا يتصوّر أن ينعكس الحال بينهما.

فالعلم بأنّ زيدا سيقوم غدا مثلا ، إنّما يتحقّق إذا كان هو في نفسه بحيث يقوم فيه ، دون العكس ، فلا مدخل للعلم في وجوب الفعل وامتناعه ، وسلب القدرة والاختيار ، وإلّا لزم أن لا يكون تعالى فاعلا مختارا لكونه عالما بأفعاله وجودا وعدما »(١) ، انتهى كلام شارح « المواقف ».

وظهر أنّ الرجل السارق الحلّي سرق هذين الوجهين من كلام أهل السنّة والجماعة وجعلهما حجّة عليهم.

وجواب الأوّل من الوجهين : إنّا لا ندّعي تأثير العلم في الفعل ـ كما ذكرنا ـ حتّى يلزم من تأخّره عن المعلوم عدم تأثيره ، بل ندّعي انقلاب العلم جهلا(٢) ، والتابعيّة لا تدفع هذا المحذور ؛ لما ستعلم.

وجواب الثاني من الوجهين : إنّا نسلّم أنّ الفعل الذي تعلّق به علم الواجب في الأزل ممكن بالذات ، واجب بالغير.

والمراد حصول الوجوب الذي ينفي الاختيار ويصير به الفعل اضطراريا ، وهو حاصل ، سواء كان الوجوب بالذات أو بالغير.

وأمّا جواب شارح « المواقف » فنقول : لا نسلّم أنّ العلم مطلقا تابع للمعلوم ، بل العلم الانفعالي الذي يتحقّق بعد وقوع المعلوم هو تابع للمعلوم.

وإن أراد بالتابعيّة التطابق ، فلا نسلّم أنّ الأصل في المطابقة هو

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٦٥.

٢٨٦

المعلوم في العلم الفعلي ، بل الأمر بالعكس عند التحقيق ، فإنّ علم المهندس الذي يحصل به تقدير بناء البيت ، هو الأصل والعلّة لبناء البيت ، والبيت يتبعه ، فإن خالف شيء من أجزاء البيت ما قدّر المهندس في علمه الفعلي ، لزم انقلاب العلم جهلا.

وأنت تعلم أنّ علم الله تعالى بالموجودات التي ستكون هو علم فعليّ ، كعلم المهندس الذي يحصل من ذاته ثمّ يطابقه البيت.

كذلك علم الله تعالى هو سبب حصول الموجودات على النظام الواقع ، ويتبعه وجود الممكنات ، فإن وقع شيء من الكائنات على خلاف ما قدّره علمه الفعلي في الأزل ، لزم انقلاب العلم جهلا ، وهذا هو التحقيق!

* * *

٢٨٧

وأقول :

تقدّم أنّ إيراد الرازي له على سبيل النقض لا ينافي اتّخاذ الأشاعرة له دليلا ، كما نقله عنهم من هو منهم ، وهو القوشجي كما مرّ(١) .

وأمّا ما ادّعاه من ظهور سرقة المصنّف للجوابين بسبب ما نقله عن شارح « المواقف » ، فمن المضحكات ؛ لأنّ تصنيف « شرح المواقف » متأخّر عن تصنيف المصنّف لهذا الكتاب بنحو من مائة سنة ، فإنّ السلطان محمّد خدابنده تشيّع سنة سبع بعد السبعمائة ، وصنّف له هذا الكتاب(٢) ، وكان تصنيف « شرح المواقف » سنة سبع بعد الثمانمائة ، كما ذكره الشارح في آخر شرحه(٣) .

على أنّ الجواب الثاني من خواصّ هذا الكتاب ، إذ لم يذكر في « شرح المواقف » ولا غيره.

ولو كان واحد من الجوابين من كلام الأشاعرة لما خفي على صاحب « المواقف » ، فإنّ عادته جمع كلامهم وكلام غيرهم ، سوى كثير من كلمات أهل الحقّ! فلمّا لم يطلع عليهما علم أنّهما من خواصّ خصومهم ، كما هي

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٦٧ من هذا الجزء.

(٢) انظر : نهج الحقّ : ٣٨ مقدّمة العلّامة الحلّي ؛ وانظر : أعيان الشيعة ٩ / ١٢٠ ، الذريعة ٢٤ / ٤١٦ رقم ٢١٨٣.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٤٠١.

وقد كانت وفاة العلّامة الحلّي ١ كانت في سنة ٧٢٦ ه‍ ، وتوفّي الإيجي مؤلّف « المواقف » في سنة ٧٥٦ ه‍ ، فيما كانت وفاة الجرجاني شارح « المواقف » في سنة ٨١٢ ه‍.

٢٨٨

عادتهم في ترك النظر بكلمات الإمامية ، رغبة عن الحقّ ، وتعصّبا لما هم عليه.

لكن لمّا كان لشارح « المواقف » حاشية على « شرح التجريد القديم »(١) ، اطّلع على الجواب الأوّل ، فذكره في « شرح المواقف »(٢) ؛ لأنّ شيخ المتكلّمين نصير الدين١ قد ذكره في « التجريد »(٣) ، فكان هذا الجواب من خواصّ نصير الدين ، والجواب الثاني منخواصّ المصنّف.

ثمّ إنّ ما أجاب به الخصم عن الأوّل بقوله : « بل ندّعي انقلاب العلم جهلا » غير نافع له ؛ لأنّ لزوم الانقلاب ما لم يكن العلم مؤثّرا لا يوجب سلب تأثير قدرة العبد كما هو مدّعاهم ، وإنّما يوجب أن يقع ما علم الله تعالى على الوجه الذي علمه من الاختيار أو الاضطرار ، كما إنّ صدق الصدق في الأخبار إنّما يقتضي ذلك.

وأمّا ما أجاب به عن الثاني

ففيه : إنّ الوجوب بالغير ، الحاصل من فرض وقوع الممكن

__________________

(١) هو الشرح المسمّى « تشييد القواعد » أو « تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد » تأليف : شمس الدين محمود بن عبدالرحمن بن أحمد الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٧٤٦ ه‍.

وتسميته بالشرح القديم لا لكونه أقدم الشروح ، بل لتقدّمه على « شرح التجريد » المعروف ب‍ « الشرح الجديد » ، للشيخ علاء الدين عليّ بن محمّد القوشجي ، المتوفّى سنة ٨٧٩ ه‍.

وقد كتب شارح « المواقف » السيّد الشريف عليّ بن محمّد الجرجاني ، المتوفّى سنة ٨١٦ ه‍ حاشية على الشرح القديم هذا ، اشتهرت باسم « حاشية التجريد ».

انظر : الذريعة ٣ / ٣٥٤ ، مقدّمة تجريد الاعتقاد : ٨٠ ، كشف الظنون ١ / ٣٤٦.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥٥.

(٣) تجريد الاعتقاد : ١١٣ ـ ١١٤.

٢٨٩

بالاختيار ـ كما بيّنه المصنّف ـ لا يجعل الفعل اضطراريا ، وإلّا كان خلفا ، بل كثير من الوجوب أو الامتناع بالغير لا يسلب القدرة والاختيار ، كالظلم وفعل القبيح ، فإنّهما ممتنعان على الله تعالى لقبحهما ، وهو قادر مختار في تركهما.

وبالجملة : المدار في القدرة والاختيار على كون الفعل منوطا بإشاءة الفاعل وأفعال العباد كذلك ، غاية الأمر أنّ الله تعالى علم أنّهم يفعلون أفعالا ويتركون أفعالا بإشاءتهم للأمرين ، كما يعلم ذلك في حقّه تعالى ، وهو لا يوجب الخروج عن القدرة والاختيار.

وأمّا ما أورد به على الجواب الذي نقله شارح « المواقف »

ففيه : إنّه إن أراد بقوله : « إنّ علم الله تعالى بالموجودات فعليّ » أنّه سبب حقيقي مؤثّر فيها ، ومنها أفعالنا ، فهو باطل ألبتّة حتّى لو قلنا : إنّه تعالى فاعل لأفعالنا ؛ لأنّ المؤثّر فيها قدرته لا علمه.

وإن أراد به أنّ علمه شرط لها ، فلا يضرّنا تسليمه ، إذ لا يستدعي خروج أفعالنا عن قدرتنا ؛ لأنّ الأثر للفاعل ، لا للشرط.

والقوم يعنون بكون العلم الفعلي سببا لوجود المعلوم في الخارج ، أنّه دخيل في السببية من حيث كونه شرطا ، كعلم المهندس ، بخلاف العلم الانفعالي ، فإنّه ليس بشرط للمعلوم ، بل هو مسبّب ، أي : فرع عن وجود المعلوم ، كعلمنا بما وقع.

وبخلاف الفعلي والانفعالي أيضا الذي يعرّفونه بما ليس سببا لوجود المعلوم في الخارج ، ولا مسبّبا عنه ، كعلم الله سبحانه بذاته ، فإنّه بالاتّفاق عين ذاته ، ويختلفان بالاعتبار.

على أنّ الحقّ أنّ العلم الفعلي ليس شرطا لوجود المعلوم ، ضرورة

٢٩٠

أنّ العلم تابع للمعلوم ؛ لأنّه انكشاف الشيء وحضوره لدى العالم به ، فيكون وجود المعلوم واقعا متقدّما رتبة على العلم ؛ لكونه شرطا له أو بحكمه.

فلو كان العلم الفعلي شرطا أيضا لوجود المعلوم جاء الدور(١) ، فلا بدّ أن يكون العلم الفعلي كغيره ، ليس شرطا في وجود المعلوم.

نعم ، تصوّر الشيء شرط لإقدام العاقل الملتفت على إيجاد الشيء ، وهو أمر آخر ، ومنه تصوّر المهندس ، وهو غير العلم الفعلي المصطلح عليه بالعلم الحضوري

فإذا عرفت هذا ، عرفت ما في كلام الخصم من الخطأ ، فتدبّر!

* * *

__________________

(١) وبه قال الفخر الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٠٧.

٢٩١

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

وأمّا المعارضة في الوجهين ، فإنّهما آتيان في حقّ واجب الوجود تعالى.

فإنّا نقول في الأوّل : لو كان الله تعالى قادرا مختارا فإمّا أن يتمكّن من الترك أو لا ، فإن لم يتمكّن من الترك كان موجبا مجبورا على الفعل ، لا قادرا مختارا.

وإن تمكّن ، فإمّا أن يترجّح أحد الطرفين على الآخر أو لا ، فإن لم يترجّح لزم وجود الممكن المساوي من غير مرجّح ، فإن كان محالا في حقّ العبد ، كان محالا في حقّ الله تعالى ، لعدم الفرق.

وإن ترجّح فإن انتهى إلى الوجوب لزم الجبر ، وإلّا تسلسل أو وقع المتساوي من غير مرجّح ، فكلّ ما تقولونه ها هنا نقوله نحن في حقّ العبد.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٤.

٢٩٢

وقال الفضل (١) :

ذكر صاحب « المواقف » هذا الدليل في كتابه ، وأورد عليه أنّ هذا ينفي كون الله تعالى قادرا مختارا ، لإمكان إقامة الدليل بعينه ، فيقال : لو كان الله موجدا لفعله بالقدرة استقلالا ، فلا بدّ أن يتمكّن من فعله وتركه ، وأن يتوقّف فعله على مرجّح ، إلى آخر ما مرّ تقريره.

وأجيب عن ذلك بالفرق بأنّ إرادة العبد محدثة ، أي الفعل يتوقّف على مرجّح هو الإرادة الجازمة ، لكن إرادة العبد محدثة ، فافتقرت إلى أن تنتهي إلى إرادة يخلقها الله تعالى فيه ، بلا إرادة واختيار منه ، دفعا للتسلسل في الإرادات التي تفرض صدورها عنه ، وإرادة الله تعالى قديمة فلا تفتقر إلى إرادة أخرى(٢)

فظهر الفرق واندفع النقض.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١١٣.

(٢) المواقف : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١.

٢٩٣

وأقول :

هذا الجواب للرازي في « الأربعين » كما نقل عنه(١) .

وأورد عليه المحقّق الطوسيرحمه‌الله في « التجريد » بما مضمونه : إنّ التقسيم إلى الإرادتين ، والفرق بينهما بالحدوث والقدم ؛ لا يدفع الإشكال ؛ لأنّ الترك إن لم يمكن مع الإرادة القديمة كان الله تعالى موجبا لا قادرا مختارا.

وإن أمكن ، فإن لم يتوقّف فعله تعالى على مرجّح استغنى الجائز عن المرجّح.

وإن توقّف كان الفعل معه موجبا ، فيكون اضطراريا(٢) .

وسيأتي للكلام تتمّة عند القول في المعارضة الآتية.

* * *

__________________

(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٢٣.

(٢) تجريد الاعتقاد : ١٩٢ و ١٩٩.

٢٩٤

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :

ونقول في الثاني : إنّ ما علمه تعالى إن وجب ولزم بسبب هذا الوجوب خروج القادر منّا عن قدرته وإدخاله في الموجب ، لزم في حقّ الله تعالى ذلك بعينه ، وإن لم يقتض سقط الاستدلال.

فقد ظهر من هذا أنّ هذين الدليلين آتيان في حقّ الله تعالى ، وهما إن صحّا لزم خروج الواجب عن كونه قادرا ، ويكون موجبا.

وهذا هو الكفر الصريح ، إذ الفارق بين الإسلام والفلسفة هو هذه المسألة.

والحاصل : إنّ هؤلاء إن اعترفوا بصحّة هذين الدليلين لزمهم الكفر ، وإن اعترفوا ببطلانهما سقط احتجاجهم بهما.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٤.

٢٩٥

وقال الفضل (١) :

قد عرفت في كلام شارح « المواقف » أنّه ذكر هذا النقض ، وليس هو من خواصّه حتّى يتبختر به ويأخذ في الإرعاد والإبراق والطامّات.

والجواب :

أمّا عمّا يرد على الدليل الأوّل فهو : إنّ فعل الباري محتاج إلى مرجّح قديم يتعلّق في الأزل بالفعل الحادث في وقت معين.

وذلك المرجّح القديم لا يحتاج إلى مرجّح آخر ، فيكون الله تعالى مستقلّا في الفعل.

ولو قال قائل : إذا وجب الفعل مع ذلك المرجّح القديم كان موجبا لا مختارا.

قلنا : إنّ الوجوب المترتّب على الاختيار لا ينافيه بل يحقّقه.

فإن قلت : نحن نقول : اختيار العبد أيضا يوجب فعله ، وهذا الوجوب المترتّب على الاختيار لا ينافي كونه قادرا مختارا.

قلت : لا شكّ أنّ اختياره حادث ، وليس صادرا عنه باختياره ، وإلّا نقلنا الكلام إلى ذلك الاختيار ، وتسلسل ، بل عن غيره ، فلا يكون مستقلّا في فعله باختياره ، بخلاف إرادة الباري ، فإنّها مستندة إلى ذاته ، فوجوب الفعل بها لا ينافي استقلاله في القدرة عليه(٢) .

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١١٧.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥١.

٢٩٦

وأمّا عمّا يرد على الدليل الثاني فهو : إنّ علم الله تعالى في ذاته مقارن لصفة القدرة والإرادة ، فإذا علم الشيء وتعلّق به علمه ، تعلّق به الإرادة والقدرة وخلق الموجودات.

وكلّ واحد من الصفات الثلاث يتعلّق بمتعلّقه من الأشياء ، وعلى كلّ ما تقتضيه ، فمقتضى العلم التعلّق من حيث الانكشاف ، ومقتضى الإرادة الترجيح ، ومقتضى القدرة صحّة وقوع الفعل والترك فلا يلزم الوجوب ؛ لأنّ صفة العلم لا تصادم صفة القدرة ، لأنّهما قديمتان حاصلتان معا ، بخلاف القدرة الحادثة ، فإنّ العلم القديم يصادمه ، ومقتضى العلم القديم يسلب عنه القدرة ، وهذا جائز في الصفات الحادثة بخلاف الصفات القديمة ، فليس ثمّة إيجاب.

تأمّل ، فإنّ هذا الجواب دقيق ، وبالتأمّل فيه حقيق.

وأمّا ما ذكره من لزوم الكفر ، فمن باب طامّاته وترّهاته ، وهذه مسائل علمية عملية يباحث الناس فيها ، فهو من ضعف رأيه وكثرة تعصّبه ينزله على الكفر والتفسيق ، نعوذ بالله من جهل ذلك الفسّيق.

* * *

٢٩٧

وأقول :

قد بيّنّا أنّ تصنيف المصنّف لهذا الكتاب قبل تصنيف « شرح المواقف » بنحو مائة سنة ، فلا ينافي كون هذا النقض من خواصّ المصنّف ، بل صنّف المصنّف هذا الكتاب سنة سبع بعد السبعمائة أو بعدها بقليل(١) ، والقاضي العضد حينئذ صبي ؛ لأنّه ولد بعد السبعمائة(٢) ، فيكون هذا الكتاب أسبق من « المواقف » فضلا عن شرحها بكثير.

وأمّا التبختر ، فالمصنّف أجلّ منه قدرا ، وإن حقّ له ؛ لأنّه أكثر الناس علما وتصنيفا.

ولا يبعد أنّه صنّف هذا الكتاب بنحو عشرة أيّام ، بحسب ما ذكر العلماء من كثرة تصانيفه وسرعته في تأليفها ، أجزل الله رحمته عليه وضاعف أجره.

وأمّا الإرعاد ، فلا يتوقّف على كون ذلك من خواصّه ، وإن كان قريبا ، بل يكفي فيه أن يكون من إفادات شيخه نصير الملّة والدين ، أو غيره من أصحابنا.

وأمّا ما أجاب به الخصم عن معارضة الدليل الأوّل

ففيه أوّلا : إنّ دعوى عدم صدور اختيار العبد منه بل من الله تعالى باطلة ؛ لما سبق تحقيقه(٣) من أنّ بعض آثار قدرة العبد صادرة عنه

__________________

(١) راجع ما مرّ آنفا في الصفحة ٢٨٨.

(٢) انظر : الدرر الكامنة ٢ / ١٩٦ رقم ٢٢٧٩ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٧٦ رقم ٦٧٥٦.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٢١ ـ ١٢٢ من هذا الجزء.

٢٩٨

بلا سبق إرادة ، كأكثر أفعال القوى الباطنة ، ومنها : الإرادة ، وبعض أفعال القوى الظاهرة ، كفعل الغافل والنائم ، فلا يتوقّف صدور الإرادة عن العبد بقدرته على إرادة أخرى حتّى يلزم التسلسل.

وثانيا : إنّ كون إرادة الله سبحانه مستندة إلى ذاته لا ينفي الجبر عن فعله على مذهبهم ؛ لأنّها من صفاته ، وصفاته بزعمهم صادرة عنه بالإيجاب ، فيكون فعله المترتّب عليها صادرا عنه بالإيجاب والجبر لا بالقدرة ، كما أشار إليه شارح « المواقف » بعد بيان ما ذكره الخصم في جواب معارضة الدليل الأوّل ، قال :

« لكن يتّجه أن يقال : استناد إرادته القديمة إلى ذاته بطريق الإيجاب دون القدرة ، فإذا وجب الفعل بما ليس اختياريا له ، تطرّق إليه شائبة الإيجاب »(١) .

وقد ترك الخصم ذكر هذا مع أنّ كلامه مأخوذ من « شرح المواقف » بعين لفظه ليروّج منه الباطل! فالله حسيبه.

وأمّا ما أجاب به عن معارضة الدليل الثاني

ففيه : مع أنّ مجرّد القدم لا يرفع دعوى التصادم لو صحّت ، أنّ الذي أوجب عندهم الجبر هو أنّ ما علم الله تعالى وجوده واجب ، وما علم عدمه ممتنع ، وإلّا لزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، وهذا جار في أفعال الله تعالى وأفعال العبد بلا فرق ، ولا دخل لحديث التصادم في رفعه أصلا.

هذا كلّه إذا قلنا بقدم إرادة الله تعالى المخالفة للعلم بالمصلحة كما يدّعيه الأشاعرة

__________________

(١) شرح الواقف ٨ / ١٥١.

٢٩٩

وأمّا إذا قلنا بحدوثها كما اختاره جماعة(١) ، ودلّ عليه كثير من الآيات ، كقوله تعالى :( إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ) (٢) وقوله تعالى :

( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٣) ونحوهما ، فإنّه حينئذ لا يبقى محلّ لجواب المعارضتين معا كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره من أنّ لزوم الكفر من باب طامّاته

ففيه : إنّه كيف لا يلزمهم الكفر وهي ـ كما قال الخصم ـ مسائل علمية عملية ، فإنّهم إذا التزموا بصحّة الدليلين ، وعملوا واعتقدوا بمقتضاهما ، كان الله تعالى عندهم موجبا لا قادرا مختارا ، وهو عين الكفر ، نعوذ بالله.

* * *

__________________

(١) انظر : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٦ ق ٢ / ١٣٧ و ١٤٠ ، شرح الأصول الخمسة : ٤٤٠ ، الكشف عن مناهج الأدلّة ـ لابن رشد ـ : ٤٧.

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ١٦.

(٣) سورة يس ٣٦ : ٨٢.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420