دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق14%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214686 / تحميل: 4831
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وبروايتهم ، ولكن غاية ما يستفاد من هذه العبارة ان الطاطري لا يروي في كتبه إلا عن ثقة ، واما انه لا يروي مطلقاً إلا عن ثقة فلا يدل عليه.

وعلى ذلك كلما بدأ الشيخ سند الحديث باسم الطاطري فهو دليل على ان الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية فعندئذ فالسند صحيح إلى اخره ، وهذا غير القول بأنه لا يروي إلا عن ثقة ، حتى يحكم بصحة كل سند وقع فيه الطاطري إلى ان ينتهي إلى المعصوم ، على ان من المحتمل ان يكون كلام الشيخ محمولاً على الغالب ، فلاحظ كتابه واطمأن بوثاقة كثير من رواة كتابه ، فقال في حقه ما قال ، والله العالم.

نعم هذه التوثيقات في حق هؤلاء الرجال ، قرائن ظنية على وثاقة كل من يروون عنه ولو انضمت اليه القرائن الاخر ربما حصل الاطمئنان على وثاقة المروي عنه ، فلاحظ.

و ـ أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال

ان للشيخ ابي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله النجاشي مشايخ معروفين سنشير اليهم ، وجده النجاشي هو الذي ولي على الأهواز وكتب إلى ابي عبداللهعليه‌السلام يسأله فكتب الإمام اليه رسالة معروفة بالرسالة الأهوازية التي نقلها السيد محيي الدين في أربعينه والشهيد الثاني في كشف الريبة مسنداً اليه(1) .

وقد تقدمت ترجمة النجاشي عند البحث عن الاصول الرجالية.

ويظهر من الشيخ النجاشي ان كل مشايخه ثقات ، بل يظهر جلالة قدرهم وعلوّ رتبتهم فضلاً عن دخولهم في زمرة الثقات ، وهذا ظاهر لمن لاحظ كلماته

__________________

1 ـ رواها الشيخ الانصاري عند البحث عن الولاية ، لاحظ : الصفحة 60 من المكاسب طبعة تبريز.

٢٨١

في احوال بعض مشايخه ، واليك بعض ما قال في حق مشايخه :

1 ـ قال في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور :

« كوفي كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعاً ، ويروي عن المجاهيل ، وسمعت من قال : كان ايضاً فاسد المذهب والرواية ، ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابو علي ابن همام وشيخنا الجليل الثقة ابو غالب الزراري ـ رحمهما الله ـ وليس هذا موضع ذكره »(1) .

وتعجبه من روايات شيخيه عن هذا الرجل قرينة على انه لم يكن يجوز لنفسه الرواية عن غير الثقة في الحديث ، والاعتماد في النقل على المنحرف الضعيف ، ولكن التعجب من النقل عن واضع الحديث لا يدلّ إلا على التحرز عن مثله لا عن كل ضعيف كما هو المطلوب ، وغاية ما يمكن ان يقال انه كان محترزاً عن مثله لا عمن دونه من الضعفاء.

2 ـ وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري : « كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في اخر عمره ، وذكر مصنفاته ثم قال : رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت عنه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعفونه ، فلم ارو عنه شيئاً وتجنبته وكان من اهل العلم والادب القوي وطيب الشعر وحسن الخط ـرحمه‌الله وسامحه ـ ومات سنة 401 هـ »(2) .

3 ـ وقال في ترجمة اسحاق بن الحسن بن بكران : « ابو الحسين العقرائي التمّار كثير السماع ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت علواً فلم اسمع منه شيئاً ، له كتاب الرد على الغلاة ، وكتاب نفي السهو عن النبي ، وكتاب عدد

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 313 ـ ابو علي محمد بن همام البغدادي ( المتوفّى عام 333 هـ ) وابو غالب الزراري هو مؤلف رسالة ابي غالب ( المتوفّى عام 368 هـ ) ويروي النجاشي عنهما مع الواسطة ، كيف وقد تولد النجاشي عام 372 هـ ، كما تقدم.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 207.

٢٨٢

الائمة »(1) .

4 ـ وقال في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ، ثم خلط ، ورأيت جل اصحابنا يغمزونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه »(2) .

ولعل استثناء ما ترويه الواسطة لاجل انها كانت تروي عنه حال الاستقامة والثبت ، والاعتماد على الواسطة بناء على ان عدالته تمنع عن روايته عنه ما ليس كذلك ، كذا وجّهه السيد العلاّمة الطباطبائي ، ووجهه المحدّث النوري ، بأن نقله بالواسطة كان مجرد تورع واحتياط عن اتهامه بالرواية عن المتهمين ووقوعه فيه كما وقعوا فيه(3) .

5 ـ وقال في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب ابو نصر المعروف بابن برنية : « كان يذكر أنّ أُمّه ام كلثوم بنت ابي جعفر محمد بن عثمان العمري سمع حديثاً كثيراً وكان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس ابي الحسين ابن الشبيه العلوي الزيدي المذهب ، فعمل له كتاباً وذكر ان الائمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين ، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي ان الائمة اثنا عشر من ولد اميرالمؤمنينعليه‌السلام . له كتاب في الإمامة ، وكتاب في اخبار ابي عمرو وأبي جعفر العمريين ، ورأيت ابا العباس ابن نوح قد عول عليه في الحكاية في كتابه اخبار الوكلاء. وكان هذا الرجل كثير الزيارات وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة اربعمائة بمشهد امير المؤمنين

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 178.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 1059.

3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 504.

٢٨٣

عليه‌السلام »(1) .

قال المحدث النوري : « ولم يعتمد عليه في كتابه ، ولا ادخله في طرقه إلى الاصول والكتب لمجرد تأليفه الكتاب المذكور. قال السيد العلاّمة الطباطبائي بعدما نقل ما ذكرناه : ويستفاد من ذلك كله غاية احتراز النجاشي وتجنبه عن الضعفاء والمتهمين ، ومنه يظهر اعتماده على جميع من روى عنه من المشايخ ، ووثوقه بهم ، وسلامة مذاهبهم ورواياتهم عن الضعف والغمز ، وان ما قيل في ابي العباس ابن نوح(2) من المذاهب الفاسدة في الاصول لا أصل له ، وهذا أصل نافع في الباب يجب ان يحفظ ويلحظ »(3) .

6 ـ ونقل في ترجمة عبيدالله بن ابي زيد أحمد المعروف بأبي طالب الأنباري ، عن شيخه الحسين بن عبيدالله قال : « قدم ابو طالب بغداد واجتهدت ان يمكنني اصحابنا من لقائه فاسمع منه فلم يفعلوا ذلك »(4) . وقال المتتبع المحدث النوري : « ان ذلك يدل على امتناع علماء ذلك الوقت عن الرواية عن الضعفاء وعدم تمكينهم الناس من الاخذ عنهم ، وإلا لم يكن في رواية الثقتين الجليلين عن ابن سابور(5) غرابة ولا للمنع من لقاء الانباري وجه ، ويشهد لذلك قولهم(6) في مقام التضعيف : « يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء والمجاهيل » فان هذا الكلام من قائله في قوة التوثيق لكل من يروي عنه وينبه عليه ايضاً قولهم(7) ضعفه اصحابنا او غمز عليه اصحابنا او بعض

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1185.

2 ـ ابو العباس ابن نوح من مشايخ النجاشي.

3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 504.

4 ـ رجال النجاشي : الرقم 617.

5 ـ نقل ذلك في ترجمة جعفر بن مالك حيث تعجب النجاشي من نقل ابي علي ابن همام وابي غالب الزراري عنه.

6 و 7 ـ والظاهر افراد الضمير في الكل ، لأن البحث في النجاشي لا في كل عالم رجالي ، اللهم إلا ان يريد المحدث النوري بهذه العبارة ان هذا المسلك لا يختص بالنجاشي ، بل يعم كل من يعبر بهذه الالفاظ.

٢٨٤

اصحابنا من دون تعيين ، إذ لولا الوثوق بالكل لما حسن هذا الاطلاق ، بل وجب تعيين المضعف والغامز او التنبيه على انه من الثقات.

ويدل على ذلك اعتذارهم عن الرواية عن الطاطريين وبني فضال وامثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم ، بعمل الاصحاب برواياتهم ، لكونهم ثقات في النقل ، وعن ذكر ابن عقدة ( مع انه من الزيدية ) باختلاطه بأصحابنا وعظم محله وثقته وأمانته ، وكذا اعتذار النجاشي عن ذكره لمن لا يعتمد عليه ، بالتزامه لذكر من صنف من اصحابنا او المنتمين اليهم ، ذكر ذلك في ترجمة محمد بن عبد الملك والمفضل بن عمر »(1) .

وهذه الكلمات من الشيخ النجاشي تعرفنا بطريقته وانه كان ملتزماً بأن لا يروي إلا عن ثقة ، ولأجل ذلك يمكن أن يقال ، بل يجب ان يقال : إن عامّة مشايخه ثقات إلا من صرح بضعفه.

وقد استخرج المحدّث النوري مشايخه في المستدرك فبلغ اثنين وثلاثين ونقله العلاّمة المامقاني في خاتمة التنقيح(2) . ونحن نذكر مشايخه على ما جمعه واستخراجه المحدث النوري ـ شكرالله سعيه ـ.

مشايخ النجاشي كما استخرجهم النوري

1 ـ الشيخ المفيد وهو المراد بقوله : شيخنا ابو عبدالله.

2 ـ ابو الفرج الكاتب محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة القنائي ، الذي وثقه في الكتاب واثنى عليه.

3 ـ ابو عبدالله محمد بن علي بن شاذان القزويني ، الذي اكثر رواياته عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار.

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 504.

2 ـ تنقيح المقال : 2 / 90.

٢٨٥

4 ـ ابو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفامي القمّي.

5 ـ القاضي ابو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي.

6 ـ محمد بن جعفر الأديب وقد يعبّر عنه بـ « المؤدب » و « القمي » و « التميمي » و « النحوي ».

7 ـ ابو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي الذي صرح بأنه شيخه ومستنده ومن استفاد منه.

8 ـ ابو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى بن الجراح المعروف بابن الجندي.

9 ـ ابو عبدالله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز.

10 ـ ابو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري المعروف.

11 ـ أحمد بن محمد بن عبدالله الجعفي ، الذي يروي غالباً عن أحمد بن محمد بن عقدة الحافظ.

12 ـ ابو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الاهوازي المعروف بابن الصلت الذي هو من مشايخ الشيخ.

13 ـ والده علي بن أحمد بن علي بن العباس النجاشي.

14 ـ ابو الحسين علي بن أحمد بن ابي جيد القمي.

15 ـ ابو القاسم علي بن شبل بن اسد الملقب بالوكيل وهو من مشايخ الشيخ.

16 ـ القاضي ابو الحسن علي بن محمد بن يوسف.

17 ـ الحسن بن أحمد بن إبراهيم.

٢٨٦

18 ـ ابو محمد الحسن بن أحمد بن الهيثم العجلي الذي قال فيه « انه من وجوه اصحابنا ».

19 ـ ابو عبدالله الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري ، الذي هو من اجلاء شيوخ الشيخ.

20 ـ ابو عبدالله الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخزاز المعروف بابن الخمري.

21 ـ ابو عبدالله الحسين بن أحمد بن موسى بن هدية.

22 ـ القاضي ابو اسحاق إبراهيم بن مخلّد بن جعفر.

23 ـ ابو الحسن اسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحرّاني.

24 ـ ابو الخير الموصلي سلامة بن ذكا وهو من رجال التلعكبري.

25 ـ ابو الحسن العباس بن عمر بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن ابي مروان الكلوذاني المعروف بابن المروان ، الذي اكثر رواياته عن علي ابن بابويه.

26 ـ ابو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبدالله البصري.

27 ـ ابو محمد عبدالله بن محمد بن محمد بن عبدالله الدعجلي.

28 ـ عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي.

29 ـ ابو محمد هارون بن موسى التلعكبري.

30 ـ ابو جعفر او ابو الحسين محمد هارون التلعكبري.

31 ـ ابو الحسين أحمد بن محمد بن علي الكوفي الكاتب الذي روى

٢٨٧

عنه السيد الأجل المرتضى.

32 ـ ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحّام(1) .

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 502 ـ 503 ـ وسقط فيه كـ : « ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى ».

٢٨٨

4 ـ كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بلا

واسطة في « نوادر الحكمة »

٢٨٩
٢٩٠

ولتوضيح هذا النوع من التوثيق نقدم مقدمة وهي : أن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي الذي يعد من اجلاء الأصحاب ، قد ألَّف كتاباً اسماه « نوادر الحكمة » وهو يشتمل على كتب اولها كتاب التوحيد واخرها كتاب القضايا والأحكام كما ذكره الشيخ في الفهرست(1) .

والنجاشي يصف الكتاب بقوله : « لمحمد بن أحمد بن يحيى كتب منها كتاب « نوادر الحكمة » وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميون بـ « دبّة شبيب » قال : وشبيب فامي كان بقم له دبة ذات بيوت ، يعطي منها ما يطلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بذلك ».

ويعرف شخصية بقوله : « محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي كان ثقة في الحديث ، إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن اخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد(2) يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما

__________________

1 ـ فهرست الشيخ : 170 ـ 171.

2 ـ محمد بن الحسن بن الوليد القمي ، جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به ، له كتب راجع فهرس الشيخ : 148 ـ وقال النجاشي في رجاله : « محمد بن الحسن بن أحمد بن وليد ابو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ويقال انه نزيل قم وما كان

٢٩١

رواه عن 1 ـ محمد بن موسى الهمداني ، 2 ـ او ما رواه عن رجل. 3 ـ او يقول بعض اصحابنا 4 ـ او عن محمد بن يحيى المعاذي 5 ـ او عن ابي عبدالله الرازي الجاموراني 6 ـ او عن ابي عبدالله السياري 7 ـ او عن يوسف بن السخت 8 ـ او عن وهب بن منبه 9 ـ او عن ابي علي النيشابوري 10 ـ او عن ابي يحيى الواسطي 11 ـ او عن محمد بن علي ابي سمينة 12 ـ او يقول في حديث او كتاب ولم أروه 13 ـ او عن سهل بن زياد الآدمي 14 ـ او عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع 15 ـ او عن أحمد بن هلال 16 ـ او محمد بن علي الهمداني 17 ـ او عبدالله بن محمد الشامي 18 ـ او عبدالله بن أحمد الرازي 19 ـ او أحمد بن الحسين بن سعيد 20 ـ او أحمد بن بشير الرقي 21 ـ او عن محمد بن هارون 22 ـ او عن مموية بن معروف 23 ـ او عن محمد بن عبدالله بن مهران 24 ـ او ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي 25 ـ وما يرويه عن جعفر بن محمد بن مالك 26 ـ او يوسف بن الحارث 27 ـ او عبدالله بن محمد الدمشقي(1) .

طبقته في الحديث

يروي هو عن مشايخ كثيرة ، منهم ابن ابي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ ) وأحمد بن ابي نصر البزنطي ( المتوفّى عام 221 هـ ) وأحمد بن خالد البرقي ( المتوفّى عام 274 هـ أو 280 هـ ).

ويروي عنه أحمد بن ادريس الأشعري ( المتوفّى عام 306 هـ ) وسعد بن عبدالله القمي ( المتوفّى عام 299 هـ أو 301 هـ ).

__________________

اصله منها ، ثقة ثقة عين مسكون اليه مات سنة 343 هـ » اقول : وهو شيخ الصدوق الذي قال في حقه انه يسكن اليه في تصحيحاته وتضعيفاته ، فكل ما صححه ابن الوليد فهو صحيح وما ضعفه فهو ضعيف. لاحظ الفقيه ج 2 باب صوم التطوع وثوابه من الايام المتفرقة ، ذيل الحديث 241.

1 ـ استثنى ابن الوليد هؤلاء الجماعة من مشايخ مؤلف نوادرالحكمة ومعناه ان غير هؤلاء الواردين في ذلك الكتاب ممن روى عنهم بلا واسطة محكوم بالصحة « رجال النجاشي : الرقم 939 ».

٢٩٢

والرجل من اساتذة الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث.

وزاد الشيخ في الفهرس : 28 ـ جعفر بن محمد الكوفي 29 ـ والهيثم بن عدي.

غير ان ابا العباس بن نوح قال : « وقد اصاب شيخنا ابو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه ابو جعفر بن بابويهرحمه‌الله على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا ادري ما رابه فيه(1) ، لانه كان على ظاهر العدالة والثقة »(2) .

فاستدلوا بأن في استثناء المذكورين وبالاخص بالنظر إلى ما ذكره ابن نوح في حق محمد بن عيسى بن عبيد الذي يدل على التزامهم باحراز العدالة في الراوي ، شهادة على عدالة كل من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم تستثن روايته(3) .

وباختصار قالوا باعتبار كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى إذا لم يكن ممن استثناه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد عنه ، فان اقتصار ابن الوليد على ما ذكره من موارد الاستثناء يكشف عن اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد غير الموارد المذكورة. والتصحيح والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة لا كل من جاء اسمه في اسناد ذلك الكتاب منتهياً إلى الإمام.

نظرنا في الموضوع

يستفاد من هذه الكلمات ان مشايخه في الحديث المذكورين في رجال

__________________

1 ـ في بعض النسخ « رايه » والظاهر ما اثبتناه من الريب بمعنى الشك ، أي ما الذي اوجد الشك في حقه.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 939.

3 ـ لاحظ تكملة الوحيد البهبهاني وغيره.

٢٩٣

نوادر الحكمة غير من استثنى ، محكوم بالوثاقة والعدالة عند هؤلاء الثلاثة ( أعني ابن الوليد وابن نوح والصدوق لأجل اعتماد الاخير على تعديل ابن الوليد وجرحه في عامة الموارد ) وتوثيقاتهم حجَّة ما لم تعارض بتضعيف آخر.

وربما يورد عليه بأن اعتماد ابن الوليد أو غيره من الاعلام المتقدمين ، فضلا عن المتأخرين ، على رواية شخص والحكم بصحتها لا يكشف عن وثاقة الراوي او حسنه ، وذلك لاحتمال أن الحاكم بالصحة يعتمد على أصالة العدالة ، ويرى حجيَّة كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجية خبره(1) .

ولا يخفى أن ما ذكره من الاحتمال لا يوافق ما نقله النجاشي في رجاله عن ابن نوح ، فانه قد اعترض على ابن الوليد في استثناء محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال : « لا أدري ما رابه فيه ـ أي ما هو السبب الذي أوقعه في الشك فيه ـ لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة » والمتبادر من العبارة أن الباقين ممَّن قد اُحرزت عدالتهم ووثاقتهم ، لا أن عدالتهم كانت محرزة بأصالة العدالة.

وأضعف من ذلك ما ذكره « لعله كان يرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق » فان هذا الاحتمال لا يناسب العبارة.

ويوضح هذا النظر ما ذكره الصدوق في مورد من الفقيه حيث قال : « كان شيخنا محمد بن الحسن لا يصحح خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه ، ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذّاباً غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخقدس‌سره ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ».

وقال أيضا : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 86 ، طبعة النجف ، والصفحة 74 ، طبعة بيروت.

٢٩٤

الله عنه ) سيّئ الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي ، راوي هذا الحديث ، وإني قد أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي »(1) .

فان هذه التعابير تشعر بأن توصيف الباقين بالوثاقة ، والمستثنين بالضعف كان بالاحراز لا بالاعتماد على أصالة العدالة في كل راو أو على القول بحجية قول كل من لم يظهر منه فسق.

أضف اليه أنه لو كان المناط في صحة الرواية هذين الاصلين ، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق او تضعيف شيخه ابن الوليد ، لأن نسبة الاصل إلى الاستاذ والتلميذ سواسية.

هذا وإن العلاّمة المامقاني نقل عن الحاوي : أن استثناء اولئك الجمع لا يقتضي الطعن فيهم ، لأن رد الرواية أعمّ من الطعن لا سيما محمد بن عيسى حيث قبل روايته باسناد غير منقطع(2) .

والظاهر خلافه ، ولاجل كون الاستثناء دليلا على الطعن تعجب ابن نوح استثناء محمد بن عيسى بن عبيد ، مع كونه ظاهر العدالة والوثاقة. نعم لم يرد رواية محمد بن عيسى مطلقاً إلا فيما إذا كانت اسنادها منقطعة.

هذا وان صاحب « قاموس الرجال » فسر « انقطاع الاسناد » بما إذا كان متفرداً بالرواية ولم يشاركه فيها غيره ، واستشهد على ذلك بقول ابن الوليد في موضع اخر ، قال في كتب يونس : « ما لم يتفرد محمد بن عيسى بروايتها عنه ، صحيحة وليس محمد بن عيسى متفرداً بهذا الشرط بل روايات الحسن

__________________

1 ـ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، باب في ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المنثورة ، ذيل الحديث 45 ، طبع طهران.

2 ـ تنقيح المقال : 2 / 76 ، في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري القمي.

٢٩٥

اللؤلؤي ومحمد بن أورمة كذلك »(1) .

وهذا التوجيه مما يأباه ظاهر العبارة أعني قوله : « منقطع الاسناد » والظاهر هو انقطاع الاسناد بين محمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن عيسى ولاجل ذلك يروي النجاشي كتب محمد بن عيسى بن عبيد عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن الحميري ، عن محمد بن عيسى بن عبيد(2) .

وقد اضاف الشيخ إلى « منقطع الاسناد » قوله « يتفرد به » وهذا يدل على تغايرهما. وعلى كل تقدير فبعض اولئك المستثنين كالحسن اللؤلؤي ممن وثقه النجاشي ، ولابد من اعمال قواعد التعارض في التوثيق والتضعيف.

وعلى كل تقدير فكون الرجل من مشايخ مؤلف كتاب « نوادر الحكمة » يورث الظن او الاطمئنان بوثاقته إذا لم يكن أحد هؤلاء المستثنين ، فلاحظ.

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 8 / 41.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 896.

٢٩٦

5 ـ ما وقع في اسناد كتاب « كامل الزيارات »

٢٩٧
٢٩٨

لا شك ان مؤلف كامل الزيارات ( وهو الشيخ الاقدم والفقيه المقدم الشيخ ابو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه المتوفي سنة 367 او 369 على احتمال ، والمدفون بالكاظمية في الرواق الشريف ، وفي محاذاة تلميذه الشيخ المفيد ) احد اجلاء الاصحاب في الحديث والفقه ، ووصفه النجاشي(1) في رجاله بانه من ثقات اصحابنا واجلائهم في الفقه والحديث ، وتوارد عليه النص بالوثاقة في فهرس الشيخ(2) والوجيزة ، والبحار ، وبلغة الرجال للشيخ سليمان الماحوزي ، والمشتركات للشيخ فخر الدين الطريحي ، والمشتركات للكاظمي ، والوسائل ، ومنتهى المقال للشيخ أبي علي ، في ترجمة أخيه ، والسيد رضي الدين ابن طاوس وغيرهم من الاعلام(3) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 318 ، وقال : كل ما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه ، وله كتب حسان.

2 ـ الفهرست : الرقم 141 ، وذكر الشيخ في رجاله انه مات سنة 368 هـ ، وقال العلاّمة في الخلاصة : انه مات سنة 369 هـ ويحتمل كون التسع مصحف « السبع ».

3 ـ لاحظ مقدمة كامل الزيارات بقلم العلاّمة محمد علي الغروي الاردوبادي ، فقد حقق احوال المترجم ونقل عبائر العلماء في حقه ، وقال النجاشي : « روى عن ابيه واخيه عن سعد » ومراده سعد بن عبدالله الاشعري القمي ( المتوفّى 301 هـ وقيل 299 هـ ) ولم يرو هو عن سعد إلا حديثين كما في رجال النجاشي في ترجمة سعد الرقم 467 ، او اربعة احاديث كما في ترجمة نفسه ، الرقم 318.

٢٩٩

وكتابه هذا من أهم كتب الطائفة وأصولها المعتمد عليها في الحديث ، أخذ منه الشيخ في التهذيب وغيره من المحدّثين ، وهو من مصادر الشيخ الحر العاملي في وسائله ، وعدَّه فيه من الكتب المعتمدة التي شهد بصحتها مؤلفوها وقامت القرائن على ثبوتها ، وعلم بصحة نسبتها اليه ، وذكره النجاشي في رجاله بعنوان كتاب « الزيارات » كما ذكره الشيخ في الفهرس بعنوان « جامع الزيارات » وعبَّر عنه في بقية الكتب باسم « كامل الزيارة ».

وهوقدس‌سره ذكر في مقدّمة كتابه ما دعاه إلى تصنيف كتابه في هذا الموضوع ، ثم قال : « ولم اُخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات الله عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكن ما وقع لنا من جهة الثّقات من أصحابنا ـرحمهم‌الله برحمته ـ ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين ، غير المعروفين بالرواية ، المشهورين بالحديث والعلم ، وسمَّيته كتاب « كامل الزيارات » وفضلها وثواب ذلك »(1) .

وربما يستظهر من هذه العبارة أن جميع الرواة المذكورين في أسناد أحاديث ذلك الكتاب ممَّن روي عنهم إلى أن يصل إلى الإمام من الثقات عند المؤلف ، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في الموضوعات يعدّ كل من جاء في أسناد هذا الكتاب من الثقات بشهادة الثقة العدل ابن قولويه.

وقد وضع الشيخ الفاضل محمّد رضا عرفانيان فهرساً في هذا الموضوع فاستخرج أسامي كل من ورد فيها فبلغت 388 شخصاً.

وقد أشار بما ذكرنا الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة السادسة من خاتمة الكتاب وقال : « وقد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره ، وأنها

__________________

1 ـ مقدمة كامل الزيارات : 4.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال الفضل(١) :

حاصل هذا الاعتراض : إنّ كون القدرة مع الفعل يوجب حدوث قدرة الله تعالى أو قدم مقدوره ، إذ الفرض كون القدرة والمقدور معا ، فيلزم من حدوث مقدوره تعالى حدوث قدرته ، أو من قدم قدرته قدم مقدوره ، وكلاهما باطل ؛ بل قدرته أزلية إجماعا ، متعلّقة في الأزل بمقدوراته.

فقد ثبت تعلّق القدرة بمقدورها قبل حدوثه ، ولو كان ذلك ممتنعا في القدرة الحادثة لكان ممتنعا في القديمة أيضا(٢) .

وأجاب شارح « المواقف » عن هذا الاعتراض بأنّ « القدرة القديمة الباقية مخالفة في الماهيّة للقدرة الحادثة التي لا يجوز بقاؤها عندنا ، فلا يلزم من جواز تقدّمها على الفعل جواز تقدّم الحادثة عليه.

ثمّ إنّ القدرة القديمة متعلّقة في الأزل بالفعل تعلّقا معنويا لا يترتّب عليه وجود الفعل ، ولها تعلّق آخر به حال حدوثه ، تعلّقا حادثا موجبا لوجوده ، فلا يلزم من قدمها مع تعلّقها المعنوي قدم آثارها ، فاندفع الإشكال بحذافيره »(٣) .

وأمّا ما ذكره من التعجّب من بحث الأشاعرة عن القدرة مع القول بأنّها غير مؤثّرة في الفعل ، فبالحريّ أن يتعجّب من تعجّبه ؛ لأنّ القدرة صفة حادثة في العبد ، وهي من صفات الكمال.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٤٨.

(٢) انظر : شرح المواقف ٦ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) شرح المواقف ٦ / ٩٦.

٣٤١

فالبحث عنها لكونها من الأعراض والكيفيات النفسانية وعدم كونها مؤثّرة في الفعل ، من جملة أحوالها المحمولة عليها ، فلم لا يبحث عنها؟!

وأمّا قوله : ( أن لا فرق بينها وبين اللون ) ؛ فقد أبطلنا هذا القول في ما سبق مرارا ، بأنّ اللون لا نسبة له إلى الفعل ، والقدرة تخلق مع الفعل ليترتّب على خلقها صورة الاختيار ، ويخرج بها العبد من الجبر المطلق ، ويترتّب على فعله الثواب والعقاب والتكليف ؛ والله أعلم.

قال الإمام الرازي : القدرة تطلق على مجرّد القوّة التي هي مبدأ للأفعال المختلفة(١) الحيوانية ، وهي القوّة العضلية التي هي بحيث متى انضمّ إليها إرادة أحد الضدّين ، حصل ذلك الضدّ ، ومتى انضمّت إليها إرادة الضدّ الآخر ، حصل ذلك الآخر ، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين سواء ، وهي قبل الفعل.

والقدرة أيضا تطلق على القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، ولا شكّ أنّها لا تتعلّق بالضدّين معا وإلّا اجتمعا في الوجود ، بل هي بالنسبة إلى كلّ مقدور غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر ؛ وذلك لاختلاف الشرائط وهذه القدرة مع الفعل ؛ لأنّ وجود المقدور لا يتخلّف عن المؤثّر التامّ(٢) .

ولعلّ الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، ولذلك حكم بأنّها مع الفعل ، وأنّها لا تتعلّق بالضدّين.

والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرّد القوّة العضلية ، فلذلك قالوا بوجودها

__________________

(١) انظر : المواقف : ١٥٤ ، وجاء في تفسير الفخر الرازي ١ / ١٤٦ ما نصّه : « وأعلم أنّ لفظ القوّة يقرب من لفظ القدرة » وهو مؤدّى « القدرة تطلق على مجرّد القوّة » ، فلاحظ!

(٢) انظر : شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٣٦١.

٣٤٢

قبل الفعل وتعلّقها بالأمور المتضادّة ، فهذا وجه الجمع بين المذهبين(١) .

وبهذا يخرج جواب أبي علي ابن سينا حيث قال : « لعلّ القائم لا يقدر على القعود » فإنّه غير قادر ، بمعنى أنّه لم يحصل له بعد القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، وهو قادر بمعنى أنّه صاحب القوّة العضلية.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٦ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

٣٤٣

وأقول :

لا أثر لمخالفة القدرة القديمة للحادثة في الماهيّة ؛ لأنّ دليل الأشاعرة السابق المانع من تقدّم القدرة الحادثة آت في القديمة أيضا ، كدليلهم الآخر الآتي في كلام القوشجي.

على أنّ المخالفة ممنوعة بمقتضى مذهبهم ؛ لأنّ القدرتين من الأعراض واقعا في مذهبهم ، والعرض لا يبقى زمانين عندهم.

قال القوشجي : « احتجّت الأشاعرة على أنّ القدرة مع الفعل لا قبله بوجهين :

أحدهما : إنّها عرض ، والعرض لا يبقى زمانين ، فلو كانت قبل الفعل لا نعدمت حال الفعل ، فيلزم وجود المقدور بدون القدرة ، والمعلول بدون العلّة ، وهو محال.

وأجيب عنه : أمّا أوّلا : فبالنقض بقدرة الله تعالى ، وما يقال من أنّ العرض لا يطلق على صفاته تعالى ، وأنّ صفاته ليست مغايرة لذاته ، فممّا لا يجدي نفعا ، ولأنّ الكلام في المعاني لا في إطلاق الألفاظ »(١) .

وأمّا قول شارح « المواقف » : « ثمّ إنّ القدرة القديمة متعلّقة في الأزل » إلى آخره(٢) .

ففيه : إنّه إذا جاز ذلك في القديمة فليجز مثله في الحادثة ، بأن تكون

__________________

(١) شرح التجريد : ٣٦٢.

(٢) شرح المواقف ٦ / ٩٦.

٣٤٤

نفسها وتعلّقها المعنوي متقدّمين على الفعل كما هو المطلوب ، إذ لا ندّعي تقدّمها على الفعل بتعلّقها الموجب لوجوده.

وأمّا ما أجاب به الخصم عن تعجّب المصنّف ، فقد مرّ ما فيه ، من أنّ البحث عن تقدّمها أو مقارنتها ، إنّما هو فرع تأثيرها ومبنيّ عليه ، فإذا زعموا أنّها غير مؤثّرة ، كان بحثهم عن جهة التقدّم والمقارنة فضولا ، وإن كان البحث عنها من جهة أخرى صحيحا.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين القدرة واللون

ففيه : إنّ المطلوب هو الفرق بالنسبة إلى الدخل بالفعل ، لا الفرق بأيّ وجه كان ، وما ذكره من صورة الاختيار ، قد عرفت أنّه لا فائدة فيه مع عدم تأثير القدرة.

على أنّه لا يتوقّف خلق صورة الاختيار على خلق القدرة بعد فرض عدم الأثر لهما.

كما إنّ القدرة بلا تأثير لا تصحّح العقاب والثواب ، ولا تخرج العبد عن الجبر الحقيقي.

وأمّا كلام الرازي ، فهو في الحقيقة تسليم منه لخصومهم ؛ لأنّ محلّ النزاع هو المعنى الأوّل ، الذي لا يخالف المعنى الثاني بذات القدرة ، وإنّما يخالفه بعدم اجتماع شرائط تأثيرها.

كما إنّ احتمال الرازي لإرادة الأشعري للمعنى الثاني خطأ ، كما ذكره شارح « المواقف » ؛ لأنّ القدرة الحادثة ليست مؤثّرة عند الأشعري ، فكيف يقال : إنّه أراد بالقدرة القوّة المستجمعة لشرائط التأثير؟!

وأمّا ما ذكره من أنّه يخرج بهذا جواب ابن سينا

ففيه : ما حكاه السيّد السعيد عن ابن سينا في كلام له متّصل بهذا

٣٤٥

الجواب ، فإنّه صرّح به بأنّ : القدرة ليست إلّا القوّة التي يكون لها التأثير بالقوّة ، وردّ على من فسّرها بالقوّة المستجمعة لشرائط التأثير.

ونقل السيّدرحمه‌الله أيضا عن ابن سينا أنّه أبطل القول بأنّ القدرة مع الفعل ، حيث إنّه في فصل القوّة والفعل والقدرة والعجز ، من « إلهيّات الشفاء » قال : « وقد قال بعض الأوائل ـ وغاريقون منهم ـ : إنّ القوّة تكون مع الفعل ولا تتقدّم.

وقال بهذا أيضا قوم من الواردين بعده بحين كثير.

فالقائل بهذا القول كأنّه يقول : إنّ القاعد ليس يقوى على القيام ، أي :

لا يمكن في جبلّته أن يقوم ما لم يقم ، فكيف يقوم؟! وإنّ الخشب ليس بجبلّته أن ينحت بابا ، فكيف ينحت؟!

وهذا القائل لا محالة غير قوي على أنّ يرى ويبصر في اليوم الواحد مرارا ، فيكون بالحقيقة أعمى »(١) .

* * *

__________________

(١) الإلهيّات من كتاب الشفاء : ١٨٢ ، إحقاق الحقّ ٢ / ١٥١.

٣٤٦

القدرة صالحة للضدّين

قال المصنّف ـ عطّر الله مرقده ـ(١) :

المطلب الرابع عشر

في أنّ القدرة صالحة للضدّين

ذهب جميع العقلاء إلى ذلك عدا الأشاعرة ، فإنّهم قالوا : القدرة غير صالحة للضدّين(٢) ، وهذا مناف لمفهوم القدرة ، فإنّ القادر هو الذي إذا شاء أن يفعل فعل ، وإذا شاء أن يترك ترك.

فلو فرضنا القدرة على أحد الضدّين لا غير ، لم يكن الآخر مقدورا ، فلم يلزم من مفهوم القادر أنّه إذا شاء أن يترك ترك.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٠.

(٢) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٤ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٦ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٣ ، المواقف : ١٥٣ ، شرح المواقف ٦ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

٣٤٧

وقال الفضل (١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ القدرة الواحدة لا تتعلّق بالضدّين ، بناء على كون القدرة عندهم مع الفعل لا قبله.

بل قالوا : إنّ القدرة الواحدة لا تتعلّق بمقدورين مطلقا ، سواء كانا متضادّين أو متماثلين أو مختلفين ، لا معا ولا على سبيل البدل ، بل القدرة الواحدة لا تتعلّق إلّا بمقدور واحد ، وذلك لأنّها مع المقدور(٢) .

ولا شكّ أنّ ما نجده عند صدور أحد المقدورين مغاير لما نجده عند صدور الآخر.

ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية : إنّ قدرة العبد تتعلّق بجميع مقدوراته المتضادّة وغير المتضادّة(٣) .

وأنا أقول : ولعلّ النزاع لفظي لا على الوجه الذي ذكره الإمام الرازي ، فإنّ الأشاعرة يجعلون كلّ فرد من أفراد القدرة الحادثة متعلّقا بمقدور واحد ، وهو الكائن عند حدوث الفعل ، فكلّ فرد له متعلّق.

والمعتزلة يجعلون القدرة مطلقا متعلّقة بجميع المقدورات ، وهذا لا ينافي جعل كلّ فرد ذا تعلّق واحد.

والمعتزلي لا يقول : إنّ الفرد من أفراد القدرة الحادثة إذا حدث

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٥٢.

(٢) انظر : تمهيد الأوائل : ٣٢٦ ، المواقف : ١٥٣.

(٣) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٤١٥ ، شرح المواقف ٦ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ٨٥ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٠٣.

٣٤٨

وحصل منه الفعل ، فعين ذلك الفرد يتعلّق بضده ، بل يقول : إنّ القدرة الحادثة مطلقا تتعلّق بالضدّين ، وهذا لا ينفيه الأشاعرة ، فالنزاع لفظي ؛ تأمّل.

وأمّا ما ذكره من : « أنّه يوجب عدم كون القادر قادرا ؛ لأنّه إذا لم تصلح القدرة للضدّين لا يكون الفاعل قادرا على عدم الفعل وهو الترك ، فيكون مضطرّا لا قادرا ».

فالجواب عن ذلك : إنّه إن أريد بكونه مضطرّا أنّ فعله غير مقدور له ، فهو ممنوع ، وإن أريد به أنّ مقدوره ومتعلّق قدرته متعيّن ، وأنّه لا مقدور له بهذه القدرة سواه ، فهذا عين ما ندّعيه ونلتزمه

ولا منازعة لنا في تسميته مضطرّا ، فإنّ الاضطرار بمعنى امتناع الانفكاك لا ينافي القدرة ، ألا يرى أنّ من أحاط به بناء من جميع جوانبه ، بحيث يعجز عن التقلّب من جهة إلى أخرى ، فإنّه قادر على الكون في مكانه بإجماع منّا ومنهم ، مع أنّه لا سبيل له إلى الانفكاك عن مقدوره(١) .

* * *

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٦ / ١٠٤.

٣٤٩

وأقول :

لا يخفى أنّ تعلّق القدرة بالشيء قد يكون بمعنى أنّه إن شاء فعله فعله ، وإن شاء تركه تركه ، وهو معنى صحّة الطرفين وصلاحيّتهما.

وقد يكون بمعنى تأثيرها في متعلّقها ، وهذا بالضرورة لا يقع بالطرفين ؛ لأنّ التأثير للنقيضين في آن واحد محال ، لعدم إمكان اجتماعهما.

ولا ريب أنّ النزاع بيننا وبين الأشاعرة في المعنى الأوّل ، إذ لو كان مقصود الأشاعرة هو المعنى الثاني ، لاستدلوا بما هو ضروري ، من أنّ التأثير للنقيضين في آن واحد محال ، ولم يحتاجوا إلى كلفة بنائه على مقارنة القدرة للمقدور التي تمحّلوا للاستدلال عليها.

وحينئذ فلا وجه لما زعمه الخصم من كون النزاع لفظيا ؛ لأنّه إذا كان محلّ النزاع هو التعلّق بالمعنى الأوّل كما عرفت ، فلا بدّ أن يكون المراد هو القدرة المطلقة ؛ لأنّها هي التي تصلح للنقيضين ، لا فرد القدرة الخاصّ الجامع لشرائط التأثير ؛ لأنّه إنّما يكون فردا خاصّا عند التأثير بأحد الطرفين ، فلا يمكن أن يصلح في هذا الحين للتأثير بالطرف الآخر.

ولا يخفى أنّ هذا الذي جمع به الخصم وأظهر التفرّد به راجع إلى ما جمع به الرازي ؛ لأنّ القدرة المطلقة هي القوّة العضلية ، وفردها هو القوّة

٣٥٠

المستجمعة لشرائط التأثير(١) .

وأمّا ما أجاب به عن إلزام المصنّف ، فمناف لما توهّمه من كون النزاع لفظيا ، إذ لو سلّموا تعلّق القدرة المطلقة بالطرفين ، كما هو محلّ دعوى المصنّف ، لقال : نحن لا نمنع هذا حتّى ينافي مفهوم القدرة ، وإنّما نمنع تعلّق فردها بالطرفين وهو لا ينافي مذهبكم.

ولكن قد يعذر الخصم على إتيان هذه المنافاة ؛ لأنّه لا يعرف من الاستدلال والردّ إلّا ما في « المواقف » وشرحها ، كما هو دأبه في هذا الكتاب ، وقد وجد هذا الكلام في « شرح المواقف » فأورده بلفظه جهلا بأنّه ينفي ما توهّمه(٢) .

ثمّ إنّه واضح البطلان ؛ لأنّا نختار منه الشقّ الأوّل من ترديده ، ونحكم بسفسطة مانعه ، إذ لو كان الفعل الذي لا يتمكّن فاعله من تركه مقدورا له ، لكان كلّ فعل تلبّس به الشخص ولم يقدر على تركه مقدورا له ، وكذا كلّ ترك تلبّس به ولم يقدر على نقيضه

فيكون من سقط من شاهق قادرا على هذا السقوط في حين السقوط ، وكان تارك الطيران إلى السماء قادرا على الترك ، وهو عين السفسطة.

ومن هذا القبيل مثال البناء الذي ذكره ، فإنّ دعوى قدرة من أحاط به البناء وعجز عن التقلّب شبيهة بدعوى القدرة في هذه الأمثلة.

نعم ، هو قادر على الكون في البناء المذكور ، وعلى السقوط في

__________________

(١) تقدّم قول الفخر الرازي في الصفحة ٣٤٢.

(٢) انظر : شرح المواقف ٦ / ١٠٤.

٣٥١

المثال السابق ، قبل الكون وقبل السقوط ، وأمّا حينهما فهما غير مقدورين له في هذا الحين

وضرورة العقلاء حاكمة بذلك ، ودعوى الإجماع منّا ومنهم مع وضوح الكذب علينا غير غريبة!

* * *

٣٥٢

الإنسان مريد لأفعاله

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المطلب الخامس

عشر في الإرادة

ذهبت الإمامية وجميع المعتزلة إلى أنّ الإنسان مريد لأفعاله ، بل كلّ قادر فإنّه مريد ؛ لأنّها صفة تقتضي التخصيص ، وأنّها نفس الداعي(٢) .

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فأثبتوا صفة زائدة عليه(٣) .

وهذا من أغرب الأشياء وأعجبها ؛ لأنّ الفعل إذا كان صادرا عن الله تعالى ومستندا إليه ، وكان لا مؤثّر إلّا الله تعالى ، فأيّ دليل حينئذ يدلّ على ثبوت الإرادة؟! وكيف يمكن ثبوتها لنا؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣١.

(٢) الذخيرة في علم الكلام : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٢ ـ ٩٣ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٩٧ ـ ٩٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٦٢ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩ ، المحيط بالتكليف : ٢٣٢ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٢٤ ـ ٣٤٧ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٤.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ وما بعدها ، تمهيد الأوائل : ٢٩٩ و ٣١٧ ، الملل والنحل ١ / ٨٢ ـ ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٠٧ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٤٣ ، المسائل الخمسون : ٥٢ و ٥٣ ، شرح المقاصد ٤ / ١٢٨ و ٢٧٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، شرح المواقف ٨ / ٤٤ ـ ٤٥.

٣٥٣

لأنّ طريق الإثبات هو أنّ القادر كما يقدر على الفعل ، كذا يقدر على الترك ، فالقدرة صالحة للإيجاد والترك ، وإنّما يتخصّص أحد المقدورين بالوقوع دون الآخر بأمر غير القدرة الموجودة وغير العلم التابع.

فالمذهب الذي اختاروه لأنفسهم سدّ عليهم ما علم وجوده بالضرورة ، وهو القدرة والإرادة.

فلينظر العاقل المنصف من نفسه ، هل يجوز له اتّباع من ينكر الضروريات ويجحد الوجدانيات؟!

وهل يشكّ عاقل في أنّه قادر مريد ، وأنّه فرق بين حركاته الإرادية وحركة الجماد؟!

وهل يسوغ لعاقل أن يجعل مثل هؤلاء وسائط بينه وبين ربّه؟!

وهل تتمّ له المحاجّة عند الله تعالى بأنّي اتّبعت هؤلاء ، ولا يسأل يومئذ كيف قلّدت من تعلم بالضرورة بطلان قوله؟!

وهل سمعت تحريم التقليد في الكتاب العزيز مطلقا؟!

فكيف لأمثال هؤلاء؟!

فما يكون جوابه غدا لربّه؟!

وما علينا إلّا البلاغ المبين!

وقد طوّلنا في هذا الكتاب ليرجع الضالّ عن زلله ، ويستمرّ المستقيم على معتقده.

* * *

٣٥٤

وقال الفضل (١) :

هذا المطلب لا يتحصّل مقصوده من عباراته الركيكة ، والظاهر أنّه أراد أنّ الأشاعرة لا يقدرون على إثبات صفة الإرادة ؛ لأنّ إسناد الفعل إلى الله تعالى ، وأنّه لا مؤثّر إلّا هو ، يوجب عدم إثبات صفة الإرادة.

وقد علمت في ما سلف بطلان هذا ، فإنّ وجود القدرة والإرادة في العبد معلوم بالضرورة ، وكونهما غير مؤثّرتين في الفعل لا يوجب عدم ثبوتهما في العبد ـ كما مرّ مرارا ـ والله أعلم.

وما ذكره من الطامّات قد كرّره مرّات ، ومن كثرة التطويل الذي كلّه حشو حصل له الخجل ، وما أحسن ما قلت في تطويلاته شعرا :

لقد طوّلت والتطويل حشو

وفي ما قلته نفع قليل

وقالوا الحشو لا التطويل لكن

كلامك كلّه حشو طويل

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٦١.

٣٥٥

وأقول :

لم يخف على المصنّف أنّ وجود القدرة والإرادة في العبد ضروري ، كيف وقد صرّح به هنا ، وصرّح في ما سبق بأنّهما مؤثّران بالضرورة؟!

ولكن لمّا علم من حالهم أنّهم يكابرون الضرورة ، ويطالبون بإقامة الأدلّة على الأمور البديهية ، كما كابروا في أمر تأثيرهما وفي غيره من الأمور السابقة ، جرى على منوالهم في المقام ، وألزمهم بعدم وجود الدليل على وجود القدرة والإرادة ، بناء على مذهبهم من كون المؤثّر هو الله تعالى وحده ، بل يلزمهم الحكم بعدم وجود الإرادة ، إذ لا يتصوّر وجه حاجة إليها غير تخصيص أحد الطرفين المقدورين.

فإذا منعوا صلاحية القدرة للطرفين وقالوا : إنّها هي المخصّصة لأحدهما ، لم يكن معنى لتخصيص الإرادة ، فيلزمهم نفي وجود ما علم وجوده بالضرورة ، وينسدّ طريق ثبوته ، لا سيّما والله سبحانه لا يفعل العبث.

ودعوى الأشاعرة ترتّب التكليف والثواب والعقاب على وجودها المجرّد عن التأثير ، قد عرفت بطلانها.

وأمّا ما نسبه إلى المصنّف من الطامّات ، وإيراد الحشو في العبارات ، فهو موكول إلى المنصف.

وكفاك في معرفة تضلّعه في البيان وسموّ مداركه ، ما سمّاه شعرا واستحسنه من هذين البيتين ونحوهما!!

* * *

٣٥٦

المتولّد من الفعل من جملة أفعالنا

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

المطلب السادس عشر

في المتولّد

ذهبت الإمامية إلى أنّ المتولّد من أفعالنا [ مستند إلينا ](٢) .

وخالفت أهل السنّة في ذلك ، وتشعّبوا في ذلك ، وذهبوا كلّ مذهب.

فزعم معمّر(٣) : إنّه لا فعل للعبد إلّا الإرادة ، وما يحصل بعدها فهو

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٢.

(٢) أوائل المقالات : ١٠٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ٧٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٢ ، تقريب المعارف : ١٠٨ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٠.

(٣) هو : أبو عمرو ـ أو : أبو المعتمر ـ معمّر بن عبّاد البصري السلمي ، مولاهم العطّار ، المتكلّم المعتزلي ، المتوفّى سنة ٢١٥ ه‍ ، تفرّد بمقالات أنكرها عليه معتزلة البصرة ففرّ إلى بغداد ، وكان يقول : « في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ، ولا لها عند الله عدد ولا مقدار » ، وكان بينه وبين النظّام مناظرات ومنازعات ، له عدّة تصانيف ، منها : كتاب المعاني ، كتاب الاستطاعة ، كتاب الجزء الذي لا يتجزّأ والقول بالأعراض والجواهر.

انظر ترجمته في : الفهرست ـ للنديم ـ : ٢٨٩ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٤٦ رقم ١٧٦ ، طبقات المعتزلة : ٥٤.

٣٥٧

من طبع المحلّ(١) .

وقال بعض المعتزلة (٢) : لا فعل للعبد إلّا الفكر(٣) .

وقال النظّام : لا فعل للعبد إلّا ما يوجد في محلّ قدرته ، وما يجاورها فهو واقع بطبع المحلّ(٤) .

وذهبت الأشاعرة إلى أنّ المتولّد من فعل الله تعالى(٥) .

وقد خالف الكلّ ما هو معلوم بالضرورة عند كلّ عاقل

فإنّا نستحسن المدح والذمّ على المتولّد كالمباشر ، كالكتابة والبناء والقتل ، وغيرها.

وحسن المدح والذمّ فرع على العلم بالصدور عنّا ، ومن كابر في حسن مدح الكاتب والبنّاء المجيدين في صنعتهما ، البارعين فيها ، فقد كابر مقتضى عقله(٦) .

* * *

__________________

(١) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٩ / ١١ وفيه أنّه قول ثمامة بن الأشرس والجاحظ أيضا حكاية عن أبي القاسم البلخي في كتاب « المقالات » ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٧ ، الملل والنحل ١ / ٥٩ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٢) هو ثمامة بن الأشرس النميري.

(٣) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٩ / ١١ ، الفرق بين الفرق : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٦١ ـ ٦٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٢.

(٤) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٩ / ١١ ، الملل والنحل ١ / ٤٩ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٦٠.

(٥) تمهيد الأوائل : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٠ ، المواقف : ٣١٦ ، شرح العقائد النسفية : ١٥١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧١.

(٦) راجع : الذخيرة في علم الكلام : ٧٣ ـ ٧٥ ، تقريب المعارف : ١٠٨ ـ ١٠٩.

٣٥٨

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ المعتزلة لمّا أسندوا أفعال العباد إليهم ، ورأوا فيها ترتّبا ، قالوا بالتوليد ، وهو أن يوجد فعل لفاعله فعلا آخر ، نحو حركة اليد وحركة المفتاح.

والمعتمد في إبطال التوليد عند الأشاعرة استناد جميع الكائنات إلى الله تعالى ابتداء.

وأمّا ترتّب المدح والذمّ للعبد ؛ فلأنّه محلّ للفعل ومباشر وكاسب له.

وكذا ما يترتّب على فعله(٢) وإن أحدثه الله تعالى بقدرته ، فلا يلزم مخالفة الضرورة كما مرّ مرارا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٦٥.

(٢) تقدّم في الهامش رقم ٥ من الصفحة السابقة.

٣٥٩

وأقول :

فيه ما عرفت أنّه لا يصحّ إسناد جميع أفعال العباد إلى الله سبحانه ، وأنّ الكسب لا يغني في دفع شيء من الإشكالات السابقة ، إذ لا أثر للعبد فيه كأصل الفعل ، لاستناد جميع الكائنات عندهم إلى الله سبحانه.

وحينئذ فلا محلّ لمدح العبد وذمّه على المتولّد بطريق أولى ؛ لأنّه فعل الله تعالى بلا أثر للعبد فيه أصلا عندهم.

* * *

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420