دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق14%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214414 / تحميل: 4822
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونهبت كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدس من فرش غالية وهدايا ثمينة وغيرها، وحوّلت تلك الزمرة الوحشية البقيع المقدس إلى أرض قفراء موحشة (1) .

كما هجموا بمساحيهم ومعاولهم ووحشيتهم على قبة عبد الله بن عباس في الطائف، ثم استولوا على مكة، فبادروا إلى هدم ما في «المعلى» مقابر قريش من القباب، وهي كثيرة، منها قبة سيدنا عبد المطلب جدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبة سيدنا أبي طالب عليه‌السلام ، وقبة السيدة خديجة عليها‌السلام ، كما هدموا قبة مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومولد الامام علي عليه‌السلام ، وهدموا قبة زمزم، والقباب التي حول الكعبة، وتتبعوا جميع المواضع فيها آثار الصالحين فهدموها، وكانوا عند الهدم يرتجزون ويضربون بالطبول ويغنون ويبالغون في شتم القبور (2) .

قال العلامة السيد صدر الدين الصدر:

لعمري إنّ فاجعة البقيع

يشيب لهولها فؤود الرضيع

وسوف تكون فاتحة الرزايا

إذا لم يصح من هذا الهجوع

أما من مسلم لله يرعى

حقوق بنية الهادي الشفيع

وقال آخر:

تب لأحفاد اليهود بما جنوا

لم يكسبوا من ذاك إلّا العارا

هتكوا حريم محمد في آله

يا ويلهم قد خالفوا الجبارا

هدموا قبور الصالحين بحقدهم

بعداً لهم قد أغضبوا المختارا

* * *

__________________

(1) أنظر: كشف الارتياب: 287 الفصل التاسع.

(2) أنظر المصدر السابق.

٢٤١

الفصل

السادس عشر

شريكات أم البنين عليها‌السلام

٢٤٢

شريكات أم البنين عليها‌السلام

إنّ لفاطمة الزهراء عليها‌السلام خصائص كثيرة تفوق فيها على الرجال فضلاً عن النساء، فلا يمكن والحال هذه أن نجعل الصديقة في صفّ واحد مع باقي نساء أمير المؤمنين عليه‌السلام ونعتبرهن شريكات لها وذلك لأنها:

أولاً: معصومة، وقد ثبت أنّ المعصومة لا يتزوجها إلّا معصوم، ولو جاز للزم القول بجعل السبيل للفاسق على المعصومة، وهو خلاف رضا الله تعالى، ويأبى الله المنان أن يجعل أمته المطيعة في حكم الرجل ال عاصي، نعم؛ يجوز العكس، فللأنبياء والأئمة عليهم‌السلام أن يتزوجوا غير المعصومات.

وإنّما قلنا أنّ المعصومة لا يتزوجها إلّا معصوم لأنّ المعصومة مصيبة وغير المعصوم مخطىء، وذو العصمة أشرف من غيره، ولا يجوز لأهل الصواب أن يدخلوا في حبائل أهل الخطاء وفرض إطاعة المخطىء ينافي رضا الحق كما ذكرنا.

وثانياً: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام أحياناً فيقول: يا علي أطع فاطمة ويأمر فاطمة فيقول: أطيعي علياً.

وإنّما يأمر علياً بطاعتها لعصمتها وصواب رأيها ولأنها لا تخطأ، وكأنّ رأي فاطمة رأي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا قال عليه‌السلام : «عاشرت فاطمة تسع سنين فلم تسخطني ولم أسخطها».

٢٤٣

وثالثاً: في البحار «إنّ الله حرّم النساء على علي ما دامت فاطمة حية» (1) .

ولو لم يكن أمير المؤمنين لم يكن لأحد أن يتزوجها لما ورد في الحديث «لو لم يكن علي لما كان لفاطمة كفؤ آدم فمن دونه».

ورابعاً: لأنّها عليها‌السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فكيف - إذن - تقاس بغيرها من النساء وتسمى لها شريكة؟!

ولكننا - بالرغم من ذلك - سنتعرض إلى ذكر شيء من فضائلها وحياتها باعتبار عدم إمكان التفكيك بينها وبين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فالاتحاد المعنوي النبوي والعلوي جار في وجود سيدة العصمة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولا شك أنّ فاطمة خلقت لأجل علي وأنّ علياً خلق لأجلها، وأنهما كفوان ومتحدان لا يفترقان في عالم الأبدية بلا شائبة وريبة.

فمقام فاطمة تالي المرتبتين، والنقطة بين الخطين، والواقفة بين الحدّين، ولازمة بالمعية منذ المبدأ في عالم الأنوار مشاركة دون انفكاك (2) ، وليس باعتبار أن أم البنين عليها‌السلام أو غيرها من نساء أمير المؤمنين عليه‌السلام شريكات لها.

* * *

__________________

(1) البحار 43 / 15 ح 14 باب 2.

(2) أنظر: الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف 1 / 522.

٢٤٤

فاطمة الزهراء عليها‌السلام

فضائل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام :

مما لا شك فيه أنّ فضائل الصديقة الطاهرة، أم الأبرار، لا تعدّ ولا تحصى، وهي الكوثر الذي لا ينضب، غير أننا سنذكر شيئاً منها تيمّناً وتبرّكاً.

1 - عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنة (1) .

2 - عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال:... يا علي خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم.. وأفضلهن فاطمة (2) .

3 - عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: يا فاطمة أبشري فانّ الله - تعالى - اصطفاك على نساء العالمين، وعلى نساء الاسلام، وهو خير دين (3) .

4 - روى مجاهد قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فاطمة شجنة مني، يسخطني ما أسخطها، ويرضيني ما أرضاها (4) .

__________________

(1) البحار 43 / 37 ح 40 باب 3.

(2) البحار 43 / 36 ح 39 باب 3.

(3) المصدر نفسه.

(4) البحار 43 / 51 ح باب 3، عن كشغ الغمة، عن معالم العترة.

٢٤٥

5 - وروى مجاهد أيضاً قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أخذ بيد فاطمة عليها‌السلام : من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (1) .

6 - في كتاب نوادر الراوندي قال: قال علي عليه‌السلام : استأذن أعمى على فاطمة عليها‌السلام فحجبت.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم حجبتيه وهو لا يراك؟

فقالت: إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشمّ الريح.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أشهد أنك بضعة مني (2) .

7 - في سنن الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

8 - في ينابيع المودة عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ابنتي فاطمة حوراء إنسية لم تحض ولم تطمث، إنّما سماها الله فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم ولدها ومحبيها عن النار (4) .

9 - عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع؛ نكّسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع (5) .

__________________

(1) البحار 43 / 54 ج 48 باب 3.

(2) البحار 43 / 91 ح 16 باب 4.

(3) سنن الترمذي 5 / 703 ح 3878.

(4) ينابيع المودة 2 / 121 رقم 354 باب 56.

(5) البحار 43 / 53 ح 48 باب 3.

٢٤٦

10 - عن أنس وأبي عروة الأسلمي والخدري أنّه لما نزلت آية التطهير جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحاً إلى باب فاطمة وهو يتلو هذه الآية ويقول: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.

وفي رواية: تسعة أشهر يسلم عليهم ويقرأ آية التطهير ويدعو لهم ويقول: الصلاة (1) .

11 - عن ابن عباس قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ليلة المعراج هذه الكلمات مكتوبة على سرادق العرض: لا الله إلّا الله، محمد رسول الله، علي حبيب الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمة الله، على باغضهم لعنة الله (2) .

12 - في حديث طويل قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله - تبارك وتعالى - بنى جنة لعلي وفاطمة عليهم‌السلام (3) .

13 - قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله فطم ابنتي وولديها ومن أحبهم من النار (4) .

14 - روى النسفي عن علي عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسن والحسين عليهما‌السلام : أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلّا باللسان، ولا يقوم اللسان إلّا على الكفتين، أنتما الأمان ولأمكما الشفاعة (5) .

* * *

__________________

(1) أنظر: البحار 37 / 79 ح 48 باب 50.

(2) المناقب للخوارزمي: 302 ح 297.

(3) كفاية الطالب: 320 - 321 باب 89.

(4) البحار 43 / 18 ح 18 باب 2، الصواعق المحرقة: 160 باب 11 الفصل الأول الآية العاشرة.

(5) أنظر الحديث وما سبقه مما ذكرناه وغيرها في الخصائص الفاطمية 2 / 545 وما قبلها وما بعدها.

٢٤٧

ولادتها ووفاتها عليها‌السلام :

ولدت عليها‌السلام في مكة المكرمة في (20 جمادي الثاني) في السنة الخامسة للبعثة النبوية المباركة (1) .

فعاشت مع أبيها «8» سنين في مكة و «10» في مدينة المنورة.

وتوفيت شهيدة بعد وفاة أبيها بـ «75» يوماً في الثالث من جمادي الثانية سنة (11 للهجرة).

* * *

__________________

(1) أنظر: المناقب لابن شهر آشوب 3 / 357، دلائل الإمامة: 10، أصول الكافي 1 / 458، كشف الغمة 2 / 75.

٢٤٨

لماذا غصبت فدك؟!

فدك في القرآن:

قال الله تعالى: ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ... ) (1) .

الافاءة؛ الإرجاع، من الفيء بمعنى الرجوع.

ولامعنى: والذي أرجعه الله إلى رسوله من أموال بني النضير - خصه به وملّكه وحده إياه - فلم تسيروا عليه فرساً ولا إبلاً بالركوب حتى يكون لكم فيه حق، بل مشيتم إلى حصونهم مشاة لقربها من المدينة، ولكن الله يسلّط رسله على من يشاء، والله على كلّ شيء قدير، وقد سلّط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على بني النضير فله فيئهم يفعل فيه ما يشاء.

وقوله: ( مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ... )

__________________

(1) سورة الحشر: الآيتان 6 - 7.

٢٤٩

ظاهره أنّه بيان لموارد صرف الفىء المذكور في الآية السابقة مع تعميم الفيء لفيء أهل القرى أعم من بني النضير وغيرهم.

وقوله: ( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) أي منه ما يختص بالله، والمراد صرفه وانفاقه في سبيل الله ما يراه الرسول، ومنه ما يأخذه الرسول لنفسه.

وقوله: ( وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) المراد بذي القربى قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا معنى لحمله على قرابة عامة المؤمنين، وهو ظاهر.

والمراد باليتامى الفقراء منهم كما يشعر به ال سياق، وإنّما أفرد وقدّم على «المساكين» مع شموله له للاعتناء بأمر اليتامى.

وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أنّ المراد بذي القربى أهل البيت، واليتامى والمساكين وابن السبيل منهم.

وفي المجمع: روى المنهال بن عمر عن علي بن الحسين عليه‌السلام قلت: وقوله: ( وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قال: هم قربانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا (1) .

وروى ابن بابويه عن أبي سعيد الحذري قال: لما نزلت ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة لك فدك.

وعن علي بن الحسين عليه‌السلام قال: اقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فدك.

وعن ابان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: قلت: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى فاطمة عليها‌السلام فدك؟

قال: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقفها، فأنزل الله - تبارك وتعالى - ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فأعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حقها.

__________________

(1) أنظر: الميزان 19 / 211 ذيل الآية الشريفة.

٢٥٠

قلت: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها؟

قال: بل الله - تبارك وتعالى - أعطاها.

وقد تظاهرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك، وثبت أنّ ذا القربى: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (1) .

فدك في نهج البلاغة:

قال مولى الموحدين أمير المؤمنين في كتابه لعثمان بن حنيف (2) :

«.. بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر وسدّ فرجها التراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق».

قال ابن أبي الحديد: وهذا الكلام كلام شاكٍ متظلّم (3) .

قوله تعالى: ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (4) :

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث: إنّ الله - تبارك وتعالى - لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(1) البحار 29 / 215 باب جوامع الاحتجاج في أمر فدك.

(2) نهج البلاغة كتاب: 45.

(3) شرح نهج البلاغة 16 / 208.

(4) سورة الاسراء: الآية 26.

٢٥١

( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) ولم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم، فراجع في ذلك جبرائيل عليه‌السلام ، وراجع جبرائيل ربّه، فأوحى الله: أن إدفع فدك إلى فاطمة عليها‌السلام .

فدعاها رسول الله فقال لها: يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع اليك فدك.

فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك... (1) .

وروى الثعلبي في «كشف البيان» وجلال الدين السيوطي في الجزء الرابع من تفسيره عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر المتوفى سنة (352 هـ)، وعن أبي سعيد الحذري، وكذلك روى الحاكم الحسكاني، وابن كثير عماد الله بن إسماعيل بن عمر الدمشقي فقيه الشافعية في تاريخه، والشيخ سليمان القندوزي البلخي الحنفي في الباب «39» من ينابيع المودة عن تفسير الثعلبي، وجمع الفوائد، وعيون الأخبار: أنّه لما نزل قوله: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فدك.

فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت تأخذ من غلتها مقدار القوت وتنفق الباقي في سبيل الله بين فقراء بني هاشم وغيرهم.

وفي عيون الأخبار في حديث:.. قول الله ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم على الأمة، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ادعو ليفاطمة.

فدعيت له فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة.

قالت: لبيك يا رسول الله.

فقال: هذه فدك هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خصة دون المسلمين، فقد جعلتها لك لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك (2) .

__________________

(1) تفسير نور الثقلين 4 / 173 ح 158.

(2) تفسير نور الثقلين 4 / 174 ح 156، ولأمير المؤمنين عليه‌السلام احتجاجات كثيرة في قضية فدك فمن شاء فليراجع في الاحتجاج للطبرسي.

٢٥٢

حدود فدك:

في المناقب عن كتاب أخبار الخلفاء: إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: حدّ فدكاً حتى أردّها اليك، فيأبى، حتى ألحّ عليه.

فقال عليه‌السلام : لا آخذها إلّا بحدودها.

قال: وما حدودها؟

قال: إنّ حددتها لم تردّها.

قال: بحق جدّك إلّا فعلت.

قال: أما حدّ الأول فعدن.

فتغير وجه الرشيد وقال: إيهاً.

قال: والحد الثاني سمرقند.

فأربد وجهه.

قال: والحدّ الثالث إفريقية.

فاسودّ وجهه وقال: هنيه.

قال: والرابع سيف البحر ما يلي الخزر وأرمينية.

قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي.

قال موسى: قد أعلمتك أنّني إن حددتها لم تردّها.

فعند ذلك عزم على قتله.

وفي رواية ابن أسباط أنّه قال:

أما الحدّ الأول فعريش مصر.

والثاني: دومة الجندل.

والثالث: أحد.

والرابع: سيف البحر.

٢٥٣

فقال: هذا كله؟! هذه الدنيا.

فقال عليه‌السلام : هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة عليها‌السلام (1) .

قال المجلسي: هذان التحديدان خلاف المشهور بين اللغويين... ولعل مراده عليه‌السلام أن تلك كلّها في حكم فدك، وكأن الدعوى على جميعها وإنّما ذكروا فدك على المثال أو تغليباً.

عمر يمزق وثيقة فدك:

في الاختصاص (2) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل: لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة - صلوات الله عليها - فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة عليها‌السلام ، وبعد احتجاجات طويلة قال أبو بكر: صدقت.

قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟

فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك.

فقال: هلميه إليّ، فأبت أن تدفعه اليه، فرفسها برجله - وكانت عليها‌السلام حاملة بابن اسمه المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت، ثم أخذ الكتاب خرقه.

فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر، ثم قبضت.

فلما حضرتها الوفاة دعت علياً - صلوات الله عليه - فقالت: إما تضمن وإلا أوصيت إلى الزبير.

__________________

(1) بحار الأنوار 29 / 200 - 201 ح 41.

(2) الاختصاص: 183 - 185.

٢٥٤

فقال علي عليه‌السلام : أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد.

قالت: سألتك بحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أنا متّ أن لا يشهداني (تعني عليها‌السلام أبا بكر وعمر) ولا يصليا عليّ.

قال: فلك ذلك (1) .

فلما قبضت - صلوات الله عليها - دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، وأبو بكر وعمر كذلك.

فخرج اليهما علي عليه‌السلام فقالا له: ما فعلت بابنة محمد؟! أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟

فقال علي عليه‌السلام : قد والله دفنتها.

قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟

قال: هي أمرتني.

فقال عمر: والله لقد هممت بنبشها والصلاة عليها.

فقال علي - صلوات الله عليه -: أما والله مادام قلبي بين جوانحي وذوالفقار في يدي فانك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم.

فقال أبو بكر: اذهب فانه أحقّ بها منا وانصرف (2) .

موقف القرآن والنبي والأئمة ممن آذى فاطمة عليها‌السلام :

قال الله تبارك وتعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (3) .

__________________

(1) أنظر: حلية الاولياء 2 / 43، المستدرك للحاكم 3 / 163، أسد الغابة 5 / 254، الاستيعاب 2 / 751، المقتل للخوارزمي 1 / 83، إرشاد الساري للقسطلاني 6 / 326، الاصابة 4 / 378 - 380، تاريخ الخميس 1 / 313، الامامة والسياسة 1 / 14 وغيرها....

(2) البحار 29 / 192.

(3) سورة الاحزاب: الآية 57.

٢٥٥

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».

وقالت فاطمة عليها‌السلام : فوالله لقد آذيتماني (1) .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مخاطباً فاطمة عليها‌السلام : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (2) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله (3) .

وقال الصادق عليه‌السلام : من شكّ في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر (4) .

وروى الصدوق باسناد معتبر - بشهادة المجلسي - عن ابن عباس قال: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالساً؛ إذ أقبل الحسن عليه‌السلام ، فلما رأه بكى ثم قال: إليّ إليّ يا بني.. ثم أقبل الحسين.. ثم أقبلت فاطمة.. ثم أقبل أمير المؤمنين.. فسأله أصحابه.. فأجابهم فكان مما قاله لهم:

.. وأما ابنتي فاطمة، فانها سيدة نساء العالمين...

إلى أن قال: وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي، يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية....

إلى أن قال: ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة....

إلى أن قال: فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة.

__________________

(1) الامامة والسياسة 1 / 13 - 14.

(2) أنظر: المستدرك للحاكم 3 / 154، تذكرة الخواص: 175، المقتل للخوارزمي 1 / 52، كفاية الطالب: 219، كنز العمال 7 / 111، الصواعق المحرقة: 105.

(3) رجال الكشي: 529 ح 1012.

(4) بحار الانوار 27 / 62.

٢٥٦

يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين (1) .

قال الرضا عليه‌السلام : كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا (2) .

فاطمة خيرة الله فلماذا ظلموها؟:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت مكتوباً على باب الجنة فاطمة خيرة الله (3) .

وصية الصديقة عليها‌السلام :

روي أنّ أبا جعفر عليه‌السلام أخرج سفطاً أو حقّاً، وأخرج منه كتاباً فقرأه، وفيه وصية فاطمة عليها‌السلام :

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصيت به فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوصت بحوائطها السبعة إلى علي بن أبي طالب، فان مضى فإلى الحسن، فان مضى فإلى الحسين، فان مضى فإلى الأكابر من ولدي».

شهد المقداد بن الاسود، والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب (4) .

الواقدي: إنّ فاطمة لما حضرتها الوفاة أوصت علياً أن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر فعمل بوصيتها.

__________________

(1) فرائد السمطين 2 / 34 - 35، الأمالي للصدوق: 99 - 100، إثبات الهداة 1 / 280 - 281، إرشاد القلوب: 195، بحار الانوار 28 / 37 - 39 و 43 / 172 - 173، العوالم 11 / 391 - 392، المحتضر: 109.

(2) بحار الانوار 27 / 58.

(3) تاريخ بغداد 1 / 259.

(4) البحار 43 / 185 ح 18.

٢٥٧

وأوصت إلى علي بثلاث:

أن يتزوج بابنة أختها أمامة لحبها أولادها.

وأن يتخذ نعشاً لأنّها كانت رأت الملائكة تصوروا صورته، ووصفته له.

وأن لا يشهد أحد جنازتها ممن ظلمها.

وأن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم (1) .

غسلها عليها‌السلام عند الوفاة:

روى أحمد بن حنبل باسناده قال: قالت أم سلمة امرأة أبي رافع: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها، وكنت أمرّضها، فأصبحت يوماً أسكن ما كانت، فخرج علي إلى بعض حوائجه فقالت: اسكبي لي غسلاً، فسكبت، فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل، ثم لبست أثوابها الجدد، ثم قالت: افرشي فراشي وسط البيت، ثم استقبلت القبلة ونامت، وقالت: أنا مقبوضة، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد، ثم وضعت خدّها على يدها وماتت (2) .

وروي: لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: إنّ جبرئيل أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسمه أثلاثاً: ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعلي، وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً فقالت: يا أسماء أئتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا فضعيه عند رأسي، فوضعته، ثم تسجت بثوبها وقالت: انتظريني هنيهة وادعيني فان أجبتك وإلّا فاعلمي أني قد قدمت على أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت: يا بنت محمد ال مصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطىء الحصى، يا بنت من كان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

__________________

(1) البحار 43 / 182 ح 16.

(2) البحار 43 / 183.

٢٥٨

قال: فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام.

فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين فقالا: يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة؟

قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة، قد فارقت الدنيا، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني.

قالت: وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت.

قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله، لا أبكى الله أعينكما، لعلكما نظرتما إلى موقف جدّكما فبكيتما شوقاً اليه.

فقالا: لا؛ أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات الله عليها.

قال: فوقع علي عليه‌السلام على وجهه يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزّى ففيم العزاء من بعدك.

ثم قال:

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة

وكلّ الذي دون الفراق قليل

وإنّ افتقادى فاطماً بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل (1)

__________________

(1) البحار 43 / 186 - 187.

٢٥٩

أبناء رسول الله يودّعون أمهم:

قال علي عليه‌السلام : والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشف عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! يا حسين! هلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق واللقاء في الجنة.

فأقبل الحسن والحسين عليه‌السلام وهما يناديان واحسرتا لا تنطفىء أبداً من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء؛ يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّي أشهد الله أنها قد حنت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن إرفعهما عنها فلقد أبكيا - والله - ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.

أمير المؤمنين عليه‌السلام يودع فاطمة عليها‌السلام :

عن الحسين بن علي عليه‌السلام قال: لما قبضت فاطمة عليها‌السلام دفنها أمير المؤمنين عليه‌السلام سرّاً، وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال:

السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك، وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي؛ إلّا أنّ في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري.

بلى؛ وفي كتاب الله لي أنعم القبول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) قد استرجعت

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وأقول :

ما نسبه المصنّف إليهم هو تجويز تكليف غير العاقل ، وما نقله الخصم هو عدم الوقوع ، ولا ربط لأحدهما بالآخر ، ولا يمكن إنكار تجويزهم ذلك ؛ لأنّهم يجوّزون تكليف ما لا يطاق ؛ وهذا نوع منه.

ويقولون : إنّ الله يحكم ما يريد ، ولا يقبح منه شيء(١) ، فيجوز أن يكلّف من لا عقل له ، ويعاقبه على المخالفة.

على أنّه قد نقل عنهم السيّد السعيد ما يدلّ على أنّهم يقولون بالوقوع(٢) .

ولا يهمّنا أمره بعد كون ما نسبه المصنّف إليهم هو التجويز.

* * *

__________________

(١) راجع : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٥٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٣٢ و ٣٤٥ ، المواقف : ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

(٢) إحقاق الحقّ ٢ / ١٧٤.

٣٨١

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الثالث : فهم المكلّف ؛ فلا يصحّ تكليف من لا يفهم الخطاب قبل فهمه(٢) .

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فلزمهم التكليف بالمهمل وإلزام المكلّف معرفته ومعرفة المراد منه ، مع أنّه لم يوضع لشيء ألبتّة ، ولا يراد منه شيء أصلا(٣) .

فهل يجوز للعاقل أن يرضى لنفسه المصير إلى هذه الأقاويل؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٥.

(٢) العدّة في أصول الفقه ٢ / ٤٥١ وما بعدها.

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢ / ١٣ ، الإحكام في أصول الأحكام ـ للآمدي ـ ١ / ١٤٤ ، فواتح الرحموت ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

٣٨٢

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه لا يصحّ خطاب المكلّفين بما لا يفهمونه ممّا يتعلّق بالأمر والنهي(٢) .

وما لا يتعلّق به اختلف فيه فذهب جماعة منهم إلى جواز المخاطبة بما لا يفهمه المكلّف ، كالمقطّعات في أوائل السور(٣) ، ولكن ليس هذا مذهب العامّة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٧٥.

(٢) راجع ما مرّ في الصفحة السابقة ، الهامش ٣.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٢ / ١٣.

٣٨٣

وأقول :

كيف لا تصحّ نسبة المصنّف إليهم صحّة تكليف من لا يفهم الخطاب ، وقد زعموا أنّ الله يحكم ما يريد ولا يقبح منه شيء(١) ؟!

وأمّا ما نقله الخصم ، فالظاهر أنّه في الوقوع لا الجواز ، كما يرشد إليه تفصيلهم.

وتمثيل المجوّز للثاني بما زعم وقوعه ، وهو المقطّعات كما نقله الخصم ، وإلّا فبالنظر إلى الجواز العقلي وعدمه لا وجه للتفصيل.

* * *

__________________

(١) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٥٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٣٢ و ٣٤٥ ، المواقف : ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

٣٨٤

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الرابع : إمكان الفعل إلى المكلّف ؛ فلا يصحّ التكليف بالمحال(٢) .

وخالفت الأشاعرة فيه ، فجوّزوا تكليف الزمن الطيران إلى السماء ، وتكليف العاجز خلق مثل الله تعالى وضدّه وشريكه وولد له ، وأن يعاقبه على ذلك ، وتكليفه الصعود على السطح العالي بأن يضع رجلا في الأرض ورجلا على السطح(٣) .

وكفى من ذهب إلى هذا نقصا في عقله ، وقلّة في دينه ، وجرما عند الله تعالى ، حيث نسبه إلى إيجاد ذلك ، بل مذهبهم أنّه تعالى لم يكلّف أحدا إلّا بما لا يطاق.

أو ترى ما يكون جواب هذا القائل إذا وقف بين يدي الله تعالى وسأله : كيف ذهبت إلى هذا القول وكذّبت القرآن العزيز ، وإنّ فيه :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٥.

(٢) شرح جمل العلم والعمل : ٩٨ ـ ٩٩ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٠ ـ ١٠١ و ١٢١ ، تقريب المعارف : ١١٢ و ١٢٨ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٣.

(٣) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٨ ـ ١٠١ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٤٠ و ١٦٣ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٨٥

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في الفصل الذي ذكر فيه « تكليف ما لا يطاق » ، أنّ ما لا يطاق على ثلاث مراتب ، ولا يجوز التكليف بالوسطى دون الثالث.

والأوّل واقع بالاتّفاق ، كتكليف أبي لهب بالإيمان وهذا بحسب التجويز العقلي ، والاستقراء يحكم بأنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع ، ولقوله تعالى :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٢) ، وهذا مذهب الأشاعرة(٣) .

والعجب من هذا الرجل أنّه يفتري الكذب ثمّ يعترض عليه ، فكأنّه لم يتّفق له مطالعة كتاب في الكلام على مذهب الأشاعرة ، وسمع عقائدهم من مشايخه من الشيعة وتقرّر بينهم أنّ هذه عقائد الأشاعرة.

ثمّ لم يستح من الله تعالى ومن الناظر في كتابه ، وأتى بهذه الترّهات والمزخرفات.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٧٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

(٣) تقدّم في الصفحة ٩٩ ـ ١٠٠ من هذا الجزء.

٣٨٦

وأقول :

سبق هناك بيان ما في دعوى الاتّفاق على وقوع التكليف بما لا يطاق في المرتبة الأولى.

وحقّقنا أنّا لا نجوّزه بالمراتب كلّها ، وأنّهم يجوّزونه فيها جميعا.

وأوضحنا المقام في تكليف أبي لهب بالإيمان.

وذكرنا أنّ الله سبحانه لم يكلّف عندهم إلّا بما لا يطاق ؛ لأنّ أفعال العباد مخلوقة له ولا أثر للعبد فيها ، فكلّها لا تطاق للعبد ولا ممّا يسعه(١) ، ومع ذلك قد كلّفه الله سبحانه بها ، فيكون قوله تعالى :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٢) كاذبا على مذهبهم ، كما ذكره المصنّف ولم يجهله الخصم ، ولكنّه قصد بتكذيب المصنّف وإساءة الأدب معه والتجاهل بمذهبه ، التمويه وتلبيس الحقيقة.

* * *

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٠١ ـ ١٠٤ من هذا الجزء.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٨٧

قال المصنّف ـ قدّس الله نفسه ـ(١) :

الخامس : أن يكون الفعل ما يستحقّ به الثواب(٢) ، وإلّا لزم العبث والظلم على الله تعالى.

وخالفت الأشاعرة فيه ، فلم يجعلوا الثواب مستحقّا على شيء من الأفعال ، بل جوّزوا التكليف بما يستحقّ عليه العقاب(٣) ، وأن يرسل رسولا يكلّف الخلق فعل جميع القبائح وترك جميع الطاعات.

فيلزمهم من هذا أن يكون المطيع المبالغ في الطاعة من أسفه الناس وأجهل الجهلاء ، من حيث يتعب بماله وبدنه في فعله شيئا ربّما يكون هلاكه فيه.

وأن يكون المبالغ في المعصية والفسوق أعقل العقلاء حيث يتعجّل اللذّة ، وربّما يكون تركها سبب الهلاك وفعلها سبب النجاة.

فكان وضع المدارس والرّبط(٤) والمساجد من نقص التدبيرات البشرية ، حيث تخسر الأموال في ما لا نفع فيه ولا فائدة عاجلة ولا آجلة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٦.

(٢) انظر : الذخيرة في علم الكلام : ١١٢ و ١٣١ ، تقريب المعارف : ١١٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١١٢.

(٣) التقريب والإرشاد ١ / ٢٦٦ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٤٠.

(٤) الرّبط : الخيل تربط بالأفنية وتعلف ، ورباط الخيل مرابطتها في الثغور لصدّ الأعداء ؛ وواحد الرّبط : الرّبيط ، وجمع الرّبط : الرّباط ، وهو جمع الجمع.

انظر مادّة « ربط » في : لسان العرب ٥ / ١١٢ ، تاج العروس ١٠ / ٢٥٩ ـ ٢٦٢.

٣٨٨

وقال الفضل(١) :

شرط الفعل الذي يقع به التكليف أن يكون ممّا يترتّب عليه الثواب في عادة الله تعالى ، لا أنّه يجب على الله تعالى إثابة المكلّف المطيع ؛ لأنّه لا يجب عليه شيء ، بل جرى عادة الله تعالى بإعطاء الثواب عقيب العمل الصالح ، وليس للمكلّفين على الله تعالى دين يجب عليه قضاؤه.

ولو كان إلّا كذلك ، للزم أن يكون العباد متاجرين مع الله تعالى ، كالأجراء الّذين يأخذون أجرتهم عند الفراغ من العمل ، ولو لم يعط المؤجّر أجرتهم لكان ظالما وجائرا.

وهذا مذهب باطل لا يذهب إليه من يعرف نعم الله تعالى على عباده ، ويعرف علوّ الشأن الإلهي ، وأنّ الناس كلّهم عبيد الله ، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، وليس لهم عليه حقّ ولا استحقاق ، بل الثواب بفضله وجرى عادته أن يعطي العبد المطيع عقيب طاعته ، كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز.

وهل يحسن أن يقال : إنّه إذا لم يجب على الله تعالى إعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ، تموت الناس من الجوع؟!

كذلك لا يحسن أن يقال : لو لم يجب على الله تعالى إثابة المطيع وجزاء العاصي ، لارتفع الفرق بين المطيع والعاصي ، ولكان فعل الخيرات وإثارة المبرّات ضائعا عبثا؟!

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٧٧.

٣٨٩

لأنّا نقول : جرت عادة الله تعالى التي لا تتخلّف إلّا بسبيل خرق العادة على إعطاء الثواب للمطيع من غير أن يجب عليه شيء.

فلم يرتفع الفرق بين المطيع والعاصي ، كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ، فهل يكون من أكل الخبز فشبع ، كمن ترك أكل الخبز فجاع؟!

* * *

٣٩٠

وأقول :

قد سبق أنّ الثواب غيبي ، فلا تصحّ دعوى العلم بالعادة فيه

وأمّا إحرازها بإخبار الله تعالى ، فغير تامّ ؛ لابتنائه على صدق كلامه تعالى ، وهو غير محقّق على مذهبهم!

مع أنّه قال تعالى :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) (١) ، ولعلّ ما أخبر به من الثواب ممّا يمحوه.

فأين العادة في الثواب وإحرازها؟! لا سيّما وقد أجاز الخصم خرقها كما هو واقع في عادات الدنيا.

وأمّا ما ذكره من نفي كون الثواب دينا على الله تعالى ، فنحن نمنعه ونقول : إنّه دين ، أي إنّه حقّ عليه اقتضاه عدله.

وأمّا كون العباد متاجرين مع الله تعالى ، فهو ممّا نطق به الكتاب العزيز ، قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢)

وقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )

إلى قوله تعالى :( فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ) (٣)

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ٣٩.

(٢) سورة فاطر ٣٥ : ٢٩ و ٣٠.

(٣) سورة التوبة ٩ : ١١١.

٣٩١

وقال تعالى :( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (١) الآية

( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) (٢)

( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) (٣)

( نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) (٤)

( إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ ) (٥)

( فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) (٦) .

إلى غير ذلك من الآيات المتضافرة والأخبار المتواترة.

وأمّا قوله : « لو لم يعط المؤجّر أجرتهم كان ظالما وجائرا »

فهو من مقالة أهل الحقّ التي صرّح بها الكتاب المجيد ، قال تعالى :

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (٧) .

وقال تعالى :( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (٨) .

وقال تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ

__________________

(١) سورة الصفّ ٦١ : ١٠ و ١١.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ٣٠.

(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٧٠.

(٤) سورة آل عمران ٣ : ١٣٦ ، سورة العنكبوت ٢٩ : ٥٨.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ١٨٥.

(٦) سورة آل عمران ٣ : ٥٧ ، سورة النساء ٤ : ١٧٣.

(٧) سورة الأنفال ٨ : ٦٠.

(٨) سورة النساء ٤ : ١٢٤.

٣٩٢

نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (١) .

وقال تعالى :( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (٢) .

وقال تعالى :( وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٣) .

وقال تعالى :( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٤) .

وقال تعالى :( وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٥) .

إلى غير ذلك من الآيات المستفيضة.

وأمّا قوله : « لا يذهب إليه من يعرف نعم الله على عباده »

فإن أراد به أنّ من يعرف نعمه لا يرى أنّه مستحقّ للأجر ، فظاهر البطلان ؛ لأنّ وجوب شكر المنعم لا ينافي استحقاق الأجر على ما كلّفه به المنعم ، وإن حسن من العبد أو وجب عليه عدم المطالبة بالأجر شكرا للنعمة.

وإن أراد أنّ حصول الإنعام من الله تعالى كاف في صحّة التكليف منه بلا إعطاء أجر ، ليكون التكليف ناشئا من طلب المنعم جزاء نعمه بالشكر عليها ، كما عن أبي القاسم البلخي(٦) ، فهو أظهر بطلانا ؛ إذ يقبح من

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٢٥.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٧٢.

(٣) سورة الجاثية ٤٥ : ٢٢.

(٤) سورة النحل ١٦ : ١١١.

(٥) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٩.

(٦) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٦١٧.

٣٩٣

الكريم طلب جزاء نعمته من دون أن يعطيه ثوابا على ما كلّفه به ، بل يكون تكليفه بلا أجر عبثا وظلما!

ولو كان الثواب تفضّلا محضا ، لصحّ منع الثواب عن سيّد النبيّين أو مساواته فيه لسائر المؤمنين ، بل للأطفال والمجانين ، ولجاز خلق النار دون الجنّة.

وأمّا ما ذكره من مثال الموت من الجوع ؛ فإنّما لا يحسن السؤال فيه إذا ترتّب عليه فائدة للعبد ، أو كان جزاء عمله السيّئ ، وإلّا فيقبح إيلام العبد بلا فائدة له ولا ذنب منه ، ويصحّ السؤال عنه.

كما يصحّ السؤال عن ترك إثابة المطيع وجعله بمنزلة العاصي ، لكن مثل هذه الأمور ليست من فعله ولا تصدر عنه ، فلا يسأل عنها ؛ لانتفاء الموضوع.

* * *

٣٩٤

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السادس : أن لا يكون حراما ؛ لامتناع كون الشيء الواحد من الجهة الواحدة مأمورا به منهيّا عنه ؛ لاستحالة التكليف بما لا يطاق(٢) .

وأيضا : يكون مرادا ومكروها في وقت واحد من جهة واحدة ، وهذا مستحيل عقلا.

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فجوّزوا أن يكون الشيء الواحد مأمورا به منهيّا عنه ؛ لإمكان تكليف ما لا يطاق عندهم(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٦.

(٢) التذكرة بأصول الفقه : ٣١ ، العدّة في أصول الفقه ١ / ١٨١.

(٣) انظر : التقريب والإرشاد ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ و ٢٦٠ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٠ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٤٠ ، فواتح الرحموت ١ / ١١٠ ـ ١١١.

٣٩٥

وقال الفضل(١) :

لا خلاف في أنّ المأمور به لا بدّ أن لا يكون حراما ؛ لأنّ الحرام ما نهى الله عنه

ولا يكون الشيء الواحد مأمورا به ، منهيّا عنه ، في وقت واحد ، من جهة واحدة ، ولكن إن اختلف الوقت والجهة والشرائط التي اعتبرت في التناقض ، يجوز أن يتعلّق به الأمر في وقت من جهة ، والنهي في وقت آخر من جهة أخرى ؛ فهذا مذهب أهل السنّة.

وأمّا إمكان التكليف بما لا يطاق ، فقد سمعته غير مرّة ، وأنّه لا يقع ولم يقع.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٨١.

٣٩٦

وأقول :

قد نصدّقه في ما يتعلّق بالوقوع ، بأن لم يقولوا بوقوع الأمر بالحرام.

ولكنّ كلام المصنّف في التجويز كما لا ينكره الخصم ، وكفاهم نقصا في تجويز مثله على الله سبحانه ، وهو ممّا لا يجوز على أقلّ العقلاء.

* * *

٣٩٧

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومن العجب أنّهم حرّموا الصلاة في الدار المغصوبة ، ومع ذلك لم يوجبوا القضاء وقالوا : إنّها صحيحة(٢) .

مع أنّ الصحيح هو المعتبر في نظر الشارع ، وإنّما يطلق على المطلوب شرعا ، والحرام غير معتبر في نظر الشارع ، مطلوب الترك شرعا.

وهل هذا إلّا محض التناقض؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٧.

(٢) المجموع ـ للنووي ـ ٣ / ١٦٤.

٣٩٨

وقال الفضل(١) :

الصلاة الصحيحة ما استجمعت شرائط الصحّة التي اعتبرت في الشرع ، فالصلاة في الدار المغصوبة صحيحة ؛ لأنّها مستجمعة لشرائط الصحّة التي اعتبرت في الصلاة في الشرع ، وليس وقوعها في مكان مملوك غير مغصوب من شرائط صحّة الصلاة نعم ، من شرائطها أن تقع في مكان طاهر من النجاسات.

ولو كان من شرائط الصحّة وقوعها في مكان غير مغصوب ، لكان الواقع في المكان المغصوب منها فاسدة ، وكان يجب قضاؤها ؛ لكونها غير معتبرة في نظر الشرع ؛ لعدم استجماعها الشرائط المعتبرة فيها.

وأمّا كونها حراما ، فلأجل أنّها تتضمّن الاستيلاء على حقّ الغير عدوانا ، فهي بهذا الاعتبار حرام ، فالحرمة باعتبار ، والصحّة باعتبار آخر ، فأين التناقض؟!

والعجب أنّه مشتهر بالدراية في المعقولات ، ولا يعلم شرائط حصول التناقض!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٨٢.

٣٩٩

وأقول :

إذا أقرّوا بحرمة الصلاة في الدار المغصوبة ، لزمهم الحكم بعدم اعتبارها شرعا ، لعدم مطلوبيّتها ، فلا تصحّ ؛ لأنّ العبادة الصحيحة هي المطلوبة للشارع ، المعتبرة في نظره.

وهذه عبارة أخرى عن كون إباحة المكان شرطا في صحّة الصلاة ، فإذا حكموا بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة ثبت التناقض ؛ لأنّه يكون هذا الوجود الشخصي للصلاة في الدار المغصوبة معتبرا وغير معتبر ، صحيحا وغير صحيح ، وهو تناقض ظاهر.

* * *

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420