دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق9%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214760 / تحميل: 4836
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

محمد؟ فقال كعب : اعرضوا عليَّ دينكم ، فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكَوْمَاء ، ونسقيهم الماء ، ونَقْرِي الضيف ، ونفك العاني ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث. فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) يعني كعباً وأصحابه. الآية.

[١٥١]

قوله تعالى :( أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ) الآية. [٥٢].

٣٢٢ ـ أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري ، قال : أخبرنا سفيان بن محمد ، قال : أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا رَوْح ، قال : حدَّثنا سعيد ، عن قتادة ، قال :

نزلت هذه الآية في كعب بن الأشْرَف وحُيَيِّ بن أخْطَب ـ رجلين من اليهود من بين النَّضِير ـ لقيا قريشاً بالموسم فقال لهما المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ، فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم؟ فقالا : بل أنتم أهدى من محمد ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه ، فأنزل الله تعالى :( أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما : إن محمداً يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا ، فقالا : صدق ، والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده.

[١٥٢]

قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) . [٥٨].

٣٢٣ ـ نزلت في عثمان بن طَلْحَةَ الحَجَبِيّ ، من بني عبد الدار ، كان سَادِن

__________________

[٣٢٢] مرسل.

[٣٢٣] قال الحافظ في الإصابة (٢ / ٤٦٠) : وقع في تفسير الثعلبي بغير سند في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) .

١٦١

الكعبة ، فلما دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح ، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح ، فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح ، فقيل إنه مع عثمان ، فطلب منه فأبى وقال : لو علمت أنه رسول الله لما منعته المفتاح ، فلوى عليّ بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب ، فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم البيت وصلى فيه ركعتين ، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسِّدَانة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه ، ففعل ذلك عليّ ، فقال له عثمان : يا علي أَكْرهْتَ وآذيت ثم جئت ترفق! فقال : لقد أنزل الله تعالى في شأنك ، وقرأ عليه هذه الآية فقال عثمان : أشهد أن محمداً رسول الله ، وأسلم ، فجاء جبريلعليه‌السلام وقال : ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان. وهو اليوم في أيديهم.

٣٢٤ ـ أخبرنا أبو حسان المُزَكّي ، قال : أخبرنا هارون بن محمد الأسْتَرآبَاذِي ، قال : حدَّثنا أبو محمد الخُزاعي ، قال : حدَّثنا أبو الوليد الأزْرَقي ، قال : حدَّثنا جدي ، عن سفيان ، عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قول الله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) قال :

نزلت في [عثمان] بن طَلْحَة ، قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل الكعبة يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح ، وقال : خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله ، لا ينزعها منكم إلا ظالم.

٣٢٥ ـ أخبرنا أبو نصر المِهْرَجَاني ، قال : أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد ،

__________________

إن عثمان المذكور أسلم يوم الفتح بعد أن دفع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفتاح البيت.

وهذا منكر فالمعروف أنه أسلم وهاجر مع عمرو بن العاص وخالد بن الوليد.

قلت : قال ابن عبد البر في الاستيعاب (٣ / ٩٢) : أنه أسلم في هدنة الحديبية.

[٣٢٤] مرسل.

[٣٢٥] إسناده ضعيف : مصعب بن شيبة : قال الحافظ في التقريب : لين الحديث [تقريب ٢ / ٢٥١] ، وقال المزي في تهذيب الكمال ٣ / ١٣٣٣ : قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل : روى أحاديث مناكير ، وقال إسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين : ثقة ، وقال أبو حاتم : لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث وقال في موضع آخر : في حديثه شيء أ. ه.

١٦٢

قال : أخبرنا أبو القاسم المُقْرِي ، قال : حدَّثني أحمد بن زهير ، قال : أخبرنا مُصْعَب ، قال : حدَّثنا شَيْبَةُ بن عثمان بن أبي طَلْحَةَ ، قال :

دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح إليَّ وإلى عثمان ، وقال : خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تَالِدَة ، لا يأخذها منكم إلا ظالم. فبنو أبي طلحة ـ الذين يَلُونَ سِدَانَةَ الكعبة ـ من بني عبد الدَّار.

[١٥٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) الآية. [٥٩].

٣٢٦ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العَدْل ، قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا الحافظ ، قال : أخبرنا أبو حامد بن الشَّرقي ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا حَجَّاج بن محمد ، عن ابن جُرَيْج ، قال : أخبرني يَعْلَى بن مُسْلِم ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) قال :

نزلت في عبد الله بن حُذَافة بن قَيْس بن عَدِي ، بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سَرِيَّة. رواه البخاري عن صدقة بن الفضل ، ورواه مسلم عن زهير بن حرب ، كلاهما عن حجاج.

٣٢٧ ـ وقال ابن عباس في رواية بَاذَان : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن

__________________

قلت : له ترجمة في الميزان وذكر الذهبي له حديثاً عند أبي داود وقال أبو داود : مصعب ضعيف

[٣٢٦] صحيح : أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٨٤).

وأخرجه مسلم في الإمارة (٣١ / ١٨٣٤) ص ١٤٦٥.

وأبو داود في الجهاد (٢٦٢٤) والترمذي في الجهاد (١٦٧٢).

والنسائي في التفسير (١٢٩).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٦٥١) للنسائي في البيعة.

والنسائي في السير في الكبرى.

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٣٧) وأخرجه ابن جرير (٥ / ٩٤) وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٠).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٧٦) للبيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم وابن المنذر.

[٣٢٧] بإذن هو أبو صالح قال ابن حبان لم يسمع من ابن عباس.

١٦٣

الوليد في سَرِيّة ، إلى حيّ من أحياء العرب ، وكان معه عمَّار بن يَاسِر ، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عَرَّسَ لكي يُصَبِّحَهُم ، فأتاهم النذير فهربوا غير رجل قد كان أسلم ، فأمر أهله أن يتأَهَبُوا للمسير ، ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ، ودخل على عمّار فقال : يا أبا اليَقْظَان! إِني منكم ، وإنّ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا ، وأقمت لإسلامي ، أفَنَافِعِي ذلك ، أم أهرب كما هرب قومي؟ فقال : أقم فإن ذلك نافعك. وانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام ، وأصبح خالد فأغار على القوم ، فلم يجد غير ذلك الرجل ، فأخذه وأخذ ماله ، فأتاه عمّار فقال : خل سبيل الرجل فإِنه مسلم ، وقد كنت أَمَّنته وأمرته بالمُقام. فقال خالد : أنت تجِيرُ عليّ وأنا الأمير؟ فقال : نعم ، أنا أجير عليك وأنت الأمير. فكان في ذلك بينهما كلام ، فانصرفوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبروه خبرَ الرجل ، فأمَّنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجاز أمان عمّار ، ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه.

قال : واسْتَبَّ عمّار وخالد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأغلظ عمّار لخالد ، فغضب خالد وقال : يا رسول الله أتدع هذا العبد يشتمني؟ فو الله لو لا أنت ما شتمني ـ وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة ـ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا خالد ، كفّ عن عمار فإنه من يسب عماراً يسبّه الله ، ومن يبغض عماراً يبغضه الله». فقام عمار ، فتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه ، فرضي عنه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمر بطاعة أولي الأمر.

[١٥٤]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) الآية [٦٠].

٣٢٨ ـ أخبرنا سعيد بن محمد العدل ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن حَمْدان ،

__________________

[٣٢٨] إسناده صحيح.

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٧٨) للطبراني وابن أبي حاتم بسند صحيح. وقال الحافظ في الإصابة (٤ / ١٩) : وعند الطبراني بسند جيد عن ابن عباس فذكره.

١٦٤

قال : أخبرنا الحسن بن سفيان ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا صَفْوَان بن عمرو ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس ، قال :

كان أبو بُرْدَةَ الأَسْلَمِي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أناس من أسْلَمَ ، فأنزل الله تعالى( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ) إِلى قَوْلِهِ( وَتَوْفِيقاً ) .

٣٢٩ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، قال : حدَّثنا أبو صالح شُعَيب بن محمد ، قال : حدَّثنا أبو حاتم التَّميمي ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا رُوَيْمٌ ، قال : حدَّثنا سعيد عن قتادة قال :

ذكِرَ لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود ـ في مُدارَأة كانت بينهما في حق تَدَارَآ فيه ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله وقد علم أنه لن يَجُورَ عليه ، وجعل الأنصاري يأبى عليه ، وهو يزعم أنه مسلم ، ويدعوه إلى الكاهن. فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ـ فقال :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) إلى قوله( يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) .

٣٣٠ ـ أخبرني محمد بن عبد العزيز المَرْوزِيّ في كتابه ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : أخبرنا محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا إسحاق الحنْظَليّ ، قال : أخبرنا المُؤَمِّل ، قال : حدَّثنا يزيد بن زُرَيْع ، عن دَاود ، عن الشَّعبي ، قال :

كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم ، لأنه علم أنهم يأخذون الرّشوة في أحكامهم. فلما اختلفا اجتمعا على

__________________

[٣٢٩] مرسل. وعزاه في الدر (٢ / ١٧٩) لعبد بن حميد وابن جرير.

[٣٣٠] مرسل. وعزاه في الدر (٢ / ١٧٨) لابن جرير وابن المنذر.

١٦٥

أن يُحكَّما كاهنا في جُهَيْنَة ، فأنزل الله تعالى في ذلك :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) يعني المنافق( وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) يعني اليهودي :( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) إلى قوله :( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

٣٣١ ـ وقال الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف ـ وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت ـ فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاختصامه إليه ، فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لليهودي. فلما خرجا من عنده لَزِمَهُ المنافق وقال : ننطلق إلى عمر بن الخطاب. فأقبلا إلى عمر ، فقال اليهودي : اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه ، فلم يرض بقضائه ، وزعم أنه مخاصم إليك ، وتعلق بي فجئت معه ، فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم ، فقال لهما : رُوَيْداً حتى أخرج إليكما. فدخل عمر [البيت] وأخذ السيف فاشتمل عليه ، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى بَرَدَ ، وقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله. وهرب اليهودي ، ونزلت هذه الآية. وقال جبريلعليه‌السلام : إن عمر فَرَقَ بين الحق والباطل. فسمي الفارُوق.

٣٣٢ ـ وقال السُّدِّي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنَّضِير في الجاهلية إذا قَتل رجلٌ من بني قريظة رجلاً من بني النَّضِيرِ قُتِلَ به وأخذ ديته مائة وَسقٍ من تمر ، وإذا قتل رجلٌ من بني النَّضير رجلاً من قُرَيْظَةَ لم يقتل به ، وأعطى ديته ستين وَسقاً من تمر. وكانت النّضِير حلفاء الأَوْس. وكانوا أكبر وأشرف من قُرَيْظَة ، وهم حلفاء الخزْرَج ، فقتل رجلٌ من النضير رجلاً من قريظة ، واختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : إنا وأنتم [كنا] اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا ، وعلى أنّ ديتكم ستون وَسْقاً ـ والوسق : ستون صاعاً ـ وديتنا مائة وَسْق ، فنحن نعطيكم ذلك. فقالت الخزرج : هذا شيء

__________________

[٣٣١] إسناده ضعيف لضعف الكلبي.

[٣٣٢] مرسل ، الدر (٢ / ١٧٩) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

١٦٦

كنتم فعلتموه في الجاهلية ، لأنكم كَثُرْتُم وقَلَلنَا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إِخوة وديننا ودينكم واحد ، وليس لكم علينا فضل. فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بُرْدَة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون : لا بل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بُرْدَةَ ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللّقمة ـ يعني الرشوة ـ فقالوا : لك عشرة أوْسُق ، قال : لا بل مائة وسق ديتي ، فإني أخاف إِن نَفَّرْت النَضِيري قتلتني قُرَيْظَةُ ، وإن نَفَّرت القُرَيْظِي قتلني النّضِير. فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق ، وأبى أن يحكم بينهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كاهن أسْلم إلى الإسلام ، فأبى فانصرف ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لابنيه : أدركا أباكما فإنه إنْ جَاوَزَ عَقَبةَ كذا لم يسلم أبداً ، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم ، وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم منادياً فنادى : أَلا إنَّ كاهِنَ أسْلَم قد أسْلَم.

[١٥٥]

قوله تعالى :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) [٦٥].

نزلت في الزُّبَير بن العَوَّام وخصمه حاطِب بن أبي بَلْتَعَة ، وقيل : هو ثعلبة بن حاطب.

٣٣٣ ـ أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان ، قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثنِي أبي ، قال : حدَّثنا أبو اليمان ، قال : حدَّثنا شُعيَب عن الزُّهْري ، قال : أخبرني عُرْوَةُ بن الزُّبير ، عن أبيه :

__________________

[٣٣٣] أخرجه البخاري في المساقاة (٢٣٦١) وفي التفسير (٤٥٨٥) من طريق معمر عن الزهري به.

وأخرجه في المساقاة (٢٣٦٢) من طريق ابن جريج عن ابن شهاب به.

وأخرجه في الصلح (٢٧٠٨) وأحمد (١ / ١٦٥) من طريق شعيب عن الزهري به وأخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ٣٦٤) والبيهقي في السنن (٦ / ١٥٣).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ١٠٠) ، والنسائي في المجتبى (٨ / ٢٣٨).

وأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٤١ ـ ٤٢) من طريق الزهري عن عروة به.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٨٠) لعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن المنذر.

١٦٧

أنه كان يحدث : أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً ، إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في شِرَاج الحَرَّة كانا يسقيان بها كِلَاهُما ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للزُّبْير : اسْقِ ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أَنْ كان ابنَ عَمّتك! فتلوَّن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال للزّبير : «اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى المُجدُرِ» فاستوفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للزبير حقّه. وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعةً للأنصاري وله ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم.

قال عروة : قال الزبير : والله ما أحْسِبُ هذه الآية أنزلت إلا في ذلك :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) رواه البخاري عن علي بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن مَعْمَرٍ ، ورواه مسلم عن قتيبة عن الليث ، كلاهما عن الزُّهري.

٣٣٤ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسن الشيباني ، قال : حدَّثنا أحمد بن حماد [بن] زُغْبَة ، قال : حدَّثنا حامد بن يحيى بن هانئ البَلْخِي ، قال : حدَّثنا سفيان ، قال : حدَّثني عمرو بن دينار عن أبي سَلَمة ، عن أم سَلَمة :

أن الزبير بن العوام خاصم رجلاً فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للزبير ، فقال الرجل : إنما قضى له أنه ابن عمته. فأنزل الله تعالى :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ) الآية.

[١٥٦]

قوله تعالى :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ) الآية. [٦٩].

٣٣٤ م ـ قال الكلبي : نزلت في ثَوْبَانَ مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان شديد

__________________

[٣٣٤] أخرجه الحميدي (٣٠٠) والطبراني في الكبير (٢٣ / ٢٩٤) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار حدثني سلمة رجل من ولد أم سلمة به.

وعزاه في الدر (٢ / ١٨٠) للحميدي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني ـ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٦)

[٣٣٤] م بدون إسناد.

١٦٨

الحب له ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه ، يعرف في وجهه الحزن ، فقال له [رسول الله] : يا ثَوبَانُ ، ما غيَّر لونك؟ فقال : يا رسول الله ما بي من ضر ولا وجع ، غير أني إذا لم أَرَكَ اشتقت إليك ، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك ، لأني أعرف أنك تُرْفَعُ مع النبيّين ، وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحْرَى أن لا أراك أبداً. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٣٥ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي نصر ، أخبرنا إبراهيم النَّصْرَابَاذِي ، قال : أخبرنا عبد الله بن عمر بن علي الجَوْهَرِيّ ، قال : حدَّثنا عبد الله بن محمود السَّعْدِي ، قال : حدَّثنا موسى بن يحيى ، قال : حدَّثنا عَبيدَةُ ، عن منصور عن مُسلم بن صُبَيْح عن مسروق ، قال

قال أصحاب رسول الله : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا ، فإنك إذا فارقتنا رُفِعْتَ فوقنا. فأنزل الله تعالى :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ) .

٣٣٦ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أخبرنا شعيب ، قال : أخبرنا مَكِّي ، قال : أخبرنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا رَوْح عن سعيد ، [عن شعبة] عن قتادة قال :

ذكر لنا أن رجالاً قالوا : يا نبي الله نراك في الدنيا ، فأما في الآخرة فإنك ترفع عنا بفضلك فلا نراك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٣٧ ـ أخبرني أبو نعيم الحافظ فيما أذن لي في روايته ، قال : أخبرنا

__________________

[٣٣٥] مرسل ، ابن جرير (٥ / ١٠٤) ، لباب ص ٨٣.

الدر (٢ / ١٨٢) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وعبد بن حميد.

[٣٣٦] مرسل ، ابن جرير (٥ / ١٠٤) الدر (٢ / ١٨٢) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.

[٣٣٧] عزاه في الدر (٢ / ١٨٢) للطبراني وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٢).

وهو عند الطبراني في الصغير (٥٢) وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٧) وقال : رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة.

١٦٩

سليمان بن أحمد اللَّخْمِي ، قال : حدَّثنا أحمد بن عمرو الخَلال ، قال : حدَّثنا عبد الله بن عمْران العابدي ، قال : حدَّثنا فُضَيل بن عِياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت :

جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي وأهلي وولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفت أنك إِذا دخلتَ الجنة رُفِعتَ مع النبيين ، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئاً ، حتى نزل جبريلعليه‌السلام بهذه الآية :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ) الآية.

[١٥٧]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) الآية. [٧٧].

٣٣٨ ـ قال الكلبي : نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منهم :

عبد الرحمن بن عَوْف ، والمِقْدادُ بن الأسْوَد ، وقُدَامَة بن مَظعُون وسعد بن أبي وقَّاص. كانوا يلقون من المشركين أذىً كثيراً ، ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء ، فيقول لهم : كفوا أيديكم عنهم ، فإني لم أومر بقتالهم. فلما هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين ـ كرهه بعضهم وشق عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٣٩ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان ، قال : حدَّثنا محمد بن علي ، قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا الحسين بن وَاقِد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :

__________________

[٣٣٨] بدون إسناده ، والكلبي ضعيف.

[٣٣٩] صحيح : أخرجه النسائي في الجهاد (٦ / ٣) وفي التفسير (١٣٢) والحاكم في المستدرك (٢ / ٦٦) وصححه ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في السنن (٩ / ١١) وابن جرير (٥ / ١٠٨).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٣).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٨٤) لأبي أبي حاتم.

١٧٠

أن عبد الرحمن [بن عوف] وأصحاباً له أتوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، فقالوا : يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة! فقال : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم. فلما حوّله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) .

[١٥٨]

قوله تعالى :( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ ) [٧٨].

٣٤٠ ـ قال ابن عباس في رواية أبي صالح : لما استشهد الله من المسلمين مَنِ استشهد يوم أحد ، قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد : لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٥٩]

قوله تعالى :( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ) الآية. [٨٨].

٣٤١ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا أبو عمرو إسماعيل بن نَجِيد ، قال : حدَّثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، قال : حدَّثنا عمرو بن مَرْزُوق ، قال : حدَّثنا شُعْبَة ، عن عَدِيّ بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد بن ثابت :

أن قوماً خرجوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أُحد ، فرجعوا. فاختلف فيهم

__________________

[٣٤٠] أبو صالح لم يسمع من ابن عباس.

[٣٤١] أخرجه البخاري في الحج (١٨٨٤) وفي المغازي (٤٠٥٠) وفي التفسير (٤٥٨٩).

وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين (٦ / ٢٧٧٦) ص ٢١٤٢ والترمذي في التفسير (٣٠٢٨) وقال : حسن صحيح.

والنسائي في التفسير (١٣٣).

وأحمد في مسنده (٥ / ١٨٤ ، ١٨٧ ، ١٨٨).

وابن جرير في تفسيره (٥ / ١٢١) وأخرجه عبد بن حميد (٢٤٢ منتخب) وذكره السيوطي في اللباب ص ٨٤.

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٩٠) لأبي داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل.

١٧١

المسلمون : فقالت فرقة : نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم. فنزلت هذه الآية.

رواه البخاري عَنْ بُنْدار ، عن غُنْدَر.

ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ ، عن أبيه ، كلاهما عن شُعْبة.

٣٤٢ ـ أخبرنا عبد الرحمن بن حَمْدَان العدل ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا الأسود بن عامر ، قال : حدَّثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه :

أن قوماً من العرب أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلموا ، وأصابوا وباء المدينة وحُمَّاها فأُرْكِسوا ، فخرجوا من المدينة ، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : ما لكم رجعتم؟ فقالوا : أصابنا وباء المدينة فاجْتَوَيْنَاهَا فقالوا : ما لكم في رسول الله أسوة [حسنة؟] فقال بعضهم : نافقوا ، وقال بعضهم : لم ينافقوا هم مسلمون ، فأنزل الله تعالى :( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ) الآية.

٣٤٢ م ـ وقال مجاهد في هذه الآية : هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ، ثم ارتدوا بعد ذلك ، فاستأذنوا النبيعليه‌السلام [أن يخرُجُوا] إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها ، فاختلف فيهم المؤمنون : فقائل يقول : هم منافقون ، وقائل يقول : هم مؤمنون. فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية ، وأمر بقتلهم في قوله :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فجاءوا ببضائعهم يريدون هِلالَ بن عُوَيمر الأَسْلَمي وبَيْنَه وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حلف ، وهو الذي حَصِرَ صَدْرُه أن يقاتل المؤمنين ، فرفع عنهم القتل بقوله تعالى :( إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ ) الآية.

__________________

[٣٤٢] إسناده ضعيف : أبو سلمة لم يسمع من أبيه ، وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ، مجمع الزوائد (٧ / ٧) وقال : رواه أحمد وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وأبو سلمة لم يسمع من أبيه أ. ه. والحديث عند أحمد (١ / ١٩٢).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٩٠) لأحمد بسند فيه انقطاع.

[٣٤٢] م مرسل ، عزاه في الدر (٢ / ١٩٠) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٧٢

[١٦٠]

قوله تعالى :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) الآية [٩٢].

٣٤٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن نجيد ، قال : حدَّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله [قال : حدَّثنا] ابن حَجَّاج ، قال : حدَّثنا حماد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه :

أن الحارث بن يزيد كان شديداً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء وهو يريد الإسلام ، فلقيه عَيَّاش بن أبي ربيعة ، والحارث يريد الإسلام ، وعياش لا يشعر ، فقتله. فأنزل الله تعالى :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) الآية.

وشرح الكلبي هذه القصة فقال : إن عياش بن أبي رَبيعة المَخْزُوميّ أسلم وخاف أن يظهر إسلامه ، فخرج هارباً إِلى المدينة فَقَدمهَا ، ثم أتى أُطُماً من آطامِهَا فتحصَّن فيه. فجزعت أمه جزعاً شديداً ، وقالت لابنيها أبي جهل والحارث بن هشام ـ وهما [أخواه] لأمه ـ : والله لا يظلني سقف بيت ، ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتوني به ، فخرجا في طلبه وخرج معهم الحارث بن زيد بن أبي أنيسة ، حتى أتوا المدينة ، فأتوا عَيَّاشاً وهو في الأُطُم ، فقالا له : انزل فإِن أمّك لم يؤوها سقف بيت بعدك ، وقد حلفت لا تأكل طعاماً ولا شراباً حتى ترجع إليها ، ولك الله علينا أن لا نكرهك على شيء ، ولا نحول بينك وبين دينك. فلما ذكرا له جزع أمه وأوثقا له نزل إليهم ، فأخرجوه من المدينة وأوثقوه بِنِسْع ، وجلَدَه كل واحد منهم مائة جلدة ، ثم قدموا به على أمه فقالت : والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ، ثم تركوه موثقاً في الشمس وأعطاهم بعض الذي أرادوا ، فأتاه الحارث بن يزيد وقال : [يا] عياش ، والله لئن كان الذي كنت عليه هُدىً لقد تركت الهدى ، وإن كان ضلالة لقد كنت عليها. فغضب عياش من مقالته ، وقال : والله لا ألقاك خالياً إلا قتلتك. ثم إن عياشاً أسلم بعد ذلك وهاجر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة. ثم

__________________

[٣٤٣] مرسل. وأخرجه البيهقي في السنن (٨ / ٧٢) وقال : وقد رويناه من حديث جابر موصولاً ، وعزاه في الدر (٢ / ١٩٣) للبيهقي في السنن وابن المنذر.

وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (١ / ٢٩٥) في ترجمة الحارث بن يزيد.

١٧٣

إن الحارث بن يزيد أسلم وهاجر [بعد ذلك إلى رسول الله بالمدينة] وليس عياش يومئذ حاضراً ، ولم يشعر بإسلامه. فبينا هو يسير بظهر قَباء إِذ لقي الحارث بن يزيد ، فلما رآه حمل عليه فقتله ، فقال الناس : أي شيء صنعت ، إنه قد أسلم. فرجع عياش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت ، وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته. فنزل عليه جبريلعليه‌السلام بقوله تعالى :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) .

[١٦١]

قوله تعالى :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ) الآية. [٩٣].

٣٤٤ ـ قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إن مَقِيس بن صُبَابَة وجد أخاه هشام بن صُبَابة قتيلاً في بني النّجار ، وكان مسلماً ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر له ذلك ، فأرسل رسول اللهعليه‌السلام معه رسولاً من بني فِهْر فقال له : ائت بني النجار ، فأقرئهم السلام وقل لهم : «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن صُبَابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتصّ منه ، وإن لم تعلموا له قاتلاً أن تدفعوا إليه ديته». فأبلغهم الفِهْرِي ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلاً ، ولكن نؤدي إليه ديته. فأعطوه مائة من الإبل. ثم انصرفا راجعين نحو المدينة ، وبينهما وبين المدينة قريب ، فأتى الشيطان مَقِيساً فوسوس إليه فقال : أيّ شيء صنعت؟ تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة؟ اقتل الذي معك فيكونَ نفس مكان نفس وفَضْلُ الدية! ففعل مَقِيس ذلك ، فرمى الفِهْرِيّ بصخرة فشدخ رأسه ، ثم ركب بعيراً منها وساق بقيتها راجعاً إلى مكة كافراً ، وجعل يقول في شعره :

قَتَلْتُ بِهِ فهْراً وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ

سَرَاةَ بَنِي النَّجَارِ أَرْبَابِ فَارعِ

وأدْرَكْتُ ثأْرِي واضطَجَعْتُ مُوَسَّداً

وكُنْتُ إلى الأوْثَانِ أَوّلَ رَاجِعِ

فنزلت هذه الآية :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ) الآية. ثم أهدر النبيعليه‌السلام دمه يوم فتح مكة ، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه.)

__________________

[٣٤٤] إسناده ضعيف لضعف الكلبي ، انظر الإصابة (٣ / ٦٠٣)

١٧٤

[١٦٢]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) . [٩٤].

٣٤٥ ـ أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار ، قال : حدَّثنا محمد بن عَبَّاد ، قال : حدَّثنا سفيان ، عن عَمْرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال :

لحق المسلمون رجلاً في غُنَيْمَةٍ له ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غُنَيْمَتَهُ. فنزلت هذه الآية :( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [أي] تلك الغنيمة. رواه البخاري عن علي بن عبد الله ، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن سفيان.

٣٤٦ ـ وأخبرنا إسماعيل ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن نجيد ، قال : حدَّثنا محمد بن الحسن بن الخليل ، قال : حدَّثنا أبو كريب ، قال : حدَّثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عَكْرَمَة ، عن ابن عباس ، قال :

مرّ رجل من سُلَيم على نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه غنم [له]

__________________

[٣٤٥] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٩١) ومسلم في التفسير (٢٢ / ٣٠٢٥) ص ٢٣١٩ ، وأبو داود في الحروف (٣٩٧٤).

والنسائي في التفسير (١٣٦).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٩٤٠) للنسائي في السير في الكبرى.

وأخرجه ابن جرير (٥ / ١٤١).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٩٤).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٩٩) لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

[٣٤٦] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٣٠) وقال : هذا حديث حسن والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٣٥) وصححه ووافقه الذهبي.

وأحمد في مسنده (١ / ٢٢٩ ، ٢٧٢ ، ٣٢٤).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٩٩) لابن أبي شيبة والطبراني وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير لباب النقول (ص ٨٦)

١٧٥

فسلم عليهم ، فقالوا : ما سلم عليكم إِلا لِيَتَعَوَّذَ منكم ، فقاموا إِليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه ، وأتوا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) .

٣٤٧ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : أخبرنا أبو يحيى الرازي ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا وكيع عن سفيان ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَة ، عن سَعيد بن جُبَيْر ، قال :

خرج المِقْدَادُ بن الأَسْوَد في سَرِيَّة ، فمروا برجل في غُنَيْمةٍ له فأرادوا قتله ، فقال : لا إِله إِلَّا الله ، فقتله المقداد ، فقيل له : أقتلته وقد قال : لا إِله إِلا الله؟ ودَّ لو فرَّب بأهله وماله. فلما قدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذكروا ذلك له ، فنزلت :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) .

٣٤٨ ـ وقال الحسن : إن أصحاب النبيعليه‌السلام خرجوا يطوفون فلقوا المشركين فهزموهم ، فشد منهم رجل فتبعه رجل من المسلمين وأراد متاعه ، فلما غشيه بالسّنان قال : إني مسلم ، إني مسلم. فكذبه ثم أوْجَرَهُ بالسنان فقتله وأخذ متاعه وكان قليلاً ، فرفع ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : قتلته بعد ما زعم أنه مسلم؟ فقال : يا رسول الله ، إنما قالها مُتَعَوِّذاً. قال : فهلا شققت عن قلبه! [قال : لم يا رسول الله؟ قال] : لتنظر أصادق هو أم كاذب؟ قال : وكنت أعلم ذلك يا رسول الله؟ قال : ويك إنك [إِن] لم تكن تعلم ذلك ، إنما كان يبين [عنه] لسانه. قال : فما لبث القاتل أن مات فدفن ، فأصبح وقد وضع إِلى جنب قبره. قال : ثم عادوا فحفروا له وأمكنوا ودفنوه ، فأصبح وقد وضع إِلى جنب قبره مرتين أو ثلاثاً. فلما رأوا أن الأرض لا تقبله أَلْقُوه في بعض تلك الشعاب. قال : وأنزل الله تعالى هذه الآية.

قال الحسن : إن الأرض تُجِنُّ من هو شر منه ، ولكن وُعِظَ القومُ أَن لا يعودوا.)

__________________

[٣٤٧] مرسل ، أخرجه ابن جرير (٥ / ١٤٢) وزاد نسبته في الدر (٢ / ٢٠١) لابن أبي شيبة.

[٣٤٨] مرسل ، وعزاه في الدر (٢ / ٢٠١) لابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

١٧٦

٣٤٩ ـ أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المُزَكّي ، قال : أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بَطَّة ، قال : أخبرنا أبو القاسم البَغَوِيّ ، قال : حدَّثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط ، عن القَعْقَاع بن عبد الله بن أبي حَدْرَد ، عن أبيه ، قال :

بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سَرِيَّة إِلى إضَم ، قبل مخرجه إلى مكة ، قال : فمر بنا عامر الأَضْبط الأَشجَعِي ، فحيانا تحية الإسلام فنزعنا عنه ، وحمل عليه محلَّم بن جَثَّامة ، لشر كان بينه وبينه في الجاهلية ، فقتله واستلب بعيراً له ووطاء ومُتَيِّعاً كان له. قال : فأنهينا شأننا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرناه بخبره ، فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) إلى آخر الآية).

٣٥٠ ـ وقال السدي : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أسامَةَ بن زيد على سرية ، فلقي مِرْدَاس بن نهيك الضَّمْرِي فقتله ، وكان من أهل «فَدَكَ» ولم يسلم من قومه غيره ، وكان يقول : لا إِله إلا الله محمد رسول الله ، ويسلِّم عليهم. قال أسامة : فلما قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبرته فقال : قتلت رجلاً يقول : لا إله إلا الله؟ فقلت : يا رسول الله ، إنما تَعَوَّذَ من القتل. فقال : كيف أنت إذا خاصَمَكَ يوم القيامة بلا إله إلا الله ، قال : فما زال يرددها عليّ : أقتلت رجلاً يقول : لا إله إلا الله؟ حتى تمنيت لو أن إسلامي كان يومئذ ، فنزلت :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) الآية. ونحو هذا قال الكلبي وقتادة).

[و] يدل على صحته الحديث الذي.

٣٥١ ـ أخبرناه أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، قال : أخبرنا محمد بن

__________________

[٣٤٩] في إسناده محمد بن إسحاق : وهو ثقة مدلس ، ولكنه صرح بالتحديث في مسند أحمد.

والحديث : أخرجه أحمد في مسنده (٦ / ١١) وابن جرير (٥ / ١٤٠) والبيهقي في الدلائل (٤ / ٣٠٥).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٩٩) لابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الدلائل ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٧)

[٣٥٠] مرسل.

[٣٥١] أخرجه البخاري في المغازي (٤٢٦٩) وفي الديات (٦٨٧٢)

١٧٧

عيسى بن عمرويه ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن سفيان ، قال : حدَّثنا مسلم قال : حدَّثني يعقوب الدَّوْرَقي ، قال : حدَّثنا هشيم ، قال : أخبرنا [ابن] حصين ، قال : حدَّثنا أبو ظبيان ، قال : سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث ، قال :

بعثنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحرقة من جُهَيْنَةَ ، فصبحنا القوم فهزمناهم. قال : فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله. قال : فكفّ عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته ، فلما قدمنا بلغ ذلك النبيعليه‌السلام فقال : يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله؟ قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذاً. قال : أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله؟ قال : فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

[١٦٣]

قوله تعالى :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الآية. [٩٥].

٣٥٢ ـ أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد العدل ، قال : أخبرنا جدي ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق السّراج ، قال : حدَّثنا محمد بن حميد الرّازي ، قال : حدَّثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزُّهْري ، عن سهل بن سعد ، عن مروان بن الحكم ، عن زيد بن ثابت ، قال :

__________________

وأخرجه مسلم في الإيمان (١٥٨ ، ١٥٩ / ٩٦) ص ٩٦ ـ ٩٧ وأبو داود في الجهاد (٢٦٤٣).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٨٨) للنسائي في السير في الكبرى.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ٢٠٢) لابن أبي شيبة.

[٣٥٢] إسناده ضعيف : محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعنه.

وله شاهد صحيح من طريق آخر :

أخرجه البخاري في الجهاد (٢٨٣٢) وفي التفسير (٤٥٩٢) والترمذي في التفسير (٣٠٣٣) وقال : حسن صحيح.

والنسائي في الجهاد (٦ / ٩).

وأخرجه أحمد في مسنده (٥ / ١٨٤).

والبيهقي في السنن (٩ / ٢٣) وابن جرير (٥ / ١٤٥) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ٢٠٢) لابن سعد وعبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر وأبي نعيم في الدلائل. وذكره في لباب النقول ص ٨٨.

١٧٨

كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين نزلت عليه :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ولم يذكر أُولي الضرر ، فقال ابن أَم مكتوم ، كيف وأنا أَعمى لا أبصر؟ قال زيد : فتَغَشَّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مجلسه الوحي ، فاتكأ على فخذي ، فو الذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يَرُضَّها ، ثم سُرِّيّ عنه فقال : اكتب( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) فكتبتها.

رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن الزهري.

٣٥٣ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر ، قال : حدَّثنا أبو خليفة ، قال : حدَّثنا أبو الوليد ، قال : حدَّثنا شعبة ، قال : أنبأنا أبو إسحاق : سمعت البَرَاء يقول :

لما نزلت هذه الآية :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم زيداً فجاء بِكَتِفٍ وكتبها ، فشكا ابن أم مَكْتُوم ضَرَارَتُه ، فنزلت :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) . رواه البخاري عن أبي الوليد ، ورواه مسلم عن بُنْدَار عن غندر ، [كلاهما] عن شُعْبة.

٣٥٤ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النَّصْرَابَاذِي ، قال : أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، قال : أخبرنا محمد بن عبدوس ، قال : حدَّثنا علي بن الجعد ، قال : حدَّثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البَرَاء ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال :

ادع لي زيداً وقل له : يجيء بالكَتِفِ والدَّواة أو اللوح ، وقال : اكتب لي :

__________________

[٣٥٣] أخرجه البخاري في الجهاد (٢٨٣١) وفي التفسير (٤٥٩٣) وأخرجه مسلم في الإمارة (١٤١ ، ١٤٢ / ١٨٩٨) ص ١٥٠٨ ، ١٥٠٩ وأخرجه البيهقي في السنن (٩ / ٢٣) وابن جرير (٥ / ١٤٤) وأحمد (٤ / ٢٨٢) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ٢٠٢) لابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبغوي في معجمه. وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٨)

[٣٥٤] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٩٤) وفي فضائل القرآن (٤٩٩٠) وابن أبي شيبة في المصنف (٥ / ٣٤٣)

١٧٩

( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أحسبه قال :( وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) فقال ابن أُمّ مَكْتُوم : يا رسول الله يعينيّ ضرر ، قال : فنزلت قبل أن يَبْرَح( غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) . رواه البخاري عن محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق.

[١٦٤]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) الآية [٩٧].

٣٥٥ ـ نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا ، وأظهروا الإيمان وأسرُّوا النفاق ، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقُتِلوا ، فضربت الملائكة وجوهَهم وأدبارهم ، وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه.

٣٥٦ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : أخبرنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن أشعث بن سواد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وتلاها إلى آخرها ، قال :

كانوا قوماً من المسلمين بمكة ، فخرجوا في قوم من المشركين في قتال ، فقتلوا معهم. فنزلت هذه الآية.

[١٦٥]

قوله تعالى :( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ) . [١٠٠].

٣٥٧ ـ قال ابن عباس في رواية عطاء : كان عبد الرحمن بن عوف بخبر أهل

__________________

[٣٥٥] بدون سند.

[٣٥٦] أشعث بن سوار ضعيف تقريب [١ / ٧٩] وله شاهد صحيح :

أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٩٦) والنسائي في التفسير (١٣٩). وابن جرير (٥ / ١٤٨)

[٣٥٧] بدون إسناد وانظر الإصابة (١ / ٢٥١) ترجمة جندع بن ضمرة. وانظر مجمع الزوائد (٧ / ٩ ـ ١٠)

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وأقول :

ما نسبه المصنّف إليهم هو تجويز تكليف غير العاقل ، وما نقله الخصم هو عدم الوقوع ، ولا ربط لأحدهما بالآخر ، ولا يمكن إنكار تجويزهم ذلك ؛ لأنّهم يجوّزون تكليف ما لا يطاق ؛ وهذا نوع منه.

ويقولون : إنّ الله يحكم ما يريد ، ولا يقبح منه شيء(١) ، فيجوز أن يكلّف من لا عقل له ، ويعاقبه على المخالفة.

على أنّه قد نقل عنهم السيّد السعيد ما يدلّ على أنّهم يقولون بالوقوع(٢) .

ولا يهمّنا أمره بعد كون ما نسبه المصنّف إليهم هو التجويز.

* * *

__________________

(١) راجع : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٥٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٣٢ و ٣٤٥ ، المواقف : ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

(٢) إحقاق الحقّ ٢ / ١٧٤.

٣٨١

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الثالث : فهم المكلّف ؛ فلا يصحّ تكليف من لا يفهم الخطاب قبل فهمه(٢) .

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فلزمهم التكليف بالمهمل وإلزام المكلّف معرفته ومعرفة المراد منه ، مع أنّه لم يوضع لشيء ألبتّة ، ولا يراد منه شيء أصلا(٣) .

فهل يجوز للعاقل أن يرضى لنفسه المصير إلى هذه الأقاويل؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٥.

(٢) العدّة في أصول الفقه ٢ / ٤٥١ وما بعدها.

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢ / ١٣ ، الإحكام في أصول الأحكام ـ للآمدي ـ ١ / ١٤٤ ، فواتح الرحموت ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

٣٨٢

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه لا يصحّ خطاب المكلّفين بما لا يفهمونه ممّا يتعلّق بالأمر والنهي(٢) .

وما لا يتعلّق به اختلف فيه فذهب جماعة منهم إلى جواز المخاطبة بما لا يفهمه المكلّف ، كالمقطّعات في أوائل السور(٣) ، ولكن ليس هذا مذهب العامّة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٧٥.

(٢) راجع ما مرّ في الصفحة السابقة ، الهامش ٣.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٢ / ١٣.

٣٨٣

وأقول :

كيف لا تصحّ نسبة المصنّف إليهم صحّة تكليف من لا يفهم الخطاب ، وقد زعموا أنّ الله يحكم ما يريد ولا يقبح منه شيء(١) ؟!

وأمّا ما نقله الخصم ، فالظاهر أنّه في الوقوع لا الجواز ، كما يرشد إليه تفصيلهم.

وتمثيل المجوّز للثاني بما زعم وقوعه ، وهو المقطّعات كما نقله الخصم ، وإلّا فبالنظر إلى الجواز العقلي وعدمه لا وجه للتفصيل.

* * *

__________________

(١) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٥٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٣٢ و ٣٤٥ ، المواقف : ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

٣٨٤

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الرابع : إمكان الفعل إلى المكلّف ؛ فلا يصحّ التكليف بالمحال(٢) .

وخالفت الأشاعرة فيه ، فجوّزوا تكليف الزمن الطيران إلى السماء ، وتكليف العاجز خلق مثل الله تعالى وضدّه وشريكه وولد له ، وأن يعاقبه على ذلك ، وتكليفه الصعود على السطح العالي بأن يضع رجلا في الأرض ورجلا على السطح(٣) .

وكفى من ذهب إلى هذا نقصا في عقله ، وقلّة في دينه ، وجرما عند الله تعالى ، حيث نسبه إلى إيجاد ذلك ، بل مذهبهم أنّه تعالى لم يكلّف أحدا إلّا بما لا يطاق.

أو ترى ما يكون جواب هذا القائل إذا وقف بين يدي الله تعالى وسأله : كيف ذهبت إلى هذا القول وكذّبت القرآن العزيز ، وإنّ فيه :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٥.

(٢) شرح جمل العلم والعمل : ٩٨ ـ ٩٩ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٠ ـ ١٠١ و ١٢١ ، تقريب المعارف : ١١٢ و ١٢٨ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٣.

(٣) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٨ ـ ١٠١ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٤٠ و ١٦٣ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٨٥

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في الفصل الذي ذكر فيه « تكليف ما لا يطاق » ، أنّ ما لا يطاق على ثلاث مراتب ، ولا يجوز التكليف بالوسطى دون الثالث.

والأوّل واقع بالاتّفاق ، كتكليف أبي لهب بالإيمان وهذا بحسب التجويز العقلي ، والاستقراء يحكم بأنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع ، ولقوله تعالى :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٢) ، وهذا مذهب الأشاعرة(٣) .

والعجب من هذا الرجل أنّه يفتري الكذب ثمّ يعترض عليه ، فكأنّه لم يتّفق له مطالعة كتاب في الكلام على مذهب الأشاعرة ، وسمع عقائدهم من مشايخه من الشيعة وتقرّر بينهم أنّ هذه عقائد الأشاعرة.

ثمّ لم يستح من الله تعالى ومن الناظر في كتابه ، وأتى بهذه الترّهات والمزخرفات.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٧٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

(٣) تقدّم في الصفحة ٩٩ ـ ١٠٠ من هذا الجزء.

٣٨٦

وأقول :

سبق هناك بيان ما في دعوى الاتّفاق على وقوع التكليف بما لا يطاق في المرتبة الأولى.

وحقّقنا أنّا لا نجوّزه بالمراتب كلّها ، وأنّهم يجوّزونه فيها جميعا.

وأوضحنا المقام في تكليف أبي لهب بالإيمان.

وذكرنا أنّ الله سبحانه لم يكلّف عندهم إلّا بما لا يطاق ؛ لأنّ أفعال العباد مخلوقة له ولا أثر للعبد فيها ، فكلّها لا تطاق للعبد ولا ممّا يسعه(١) ، ومع ذلك قد كلّفه الله سبحانه بها ، فيكون قوله تعالى :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٢) كاذبا على مذهبهم ، كما ذكره المصنّف ولم يجهله الخصم ، ولكنّه قصد بتكذيب المصنّف وإساءة الأدب معه والتجاهل بمذهبه ، التمويه وتلبيس الحقيقة.

* * *

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٠١ ـ ١٠٤ من هذا الجزء.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٨٧

قال المصنّف ـ قدّس الله نفسه ـ(١) :

الخامس : أن يكون الفعل ما يستحقّ به الثواب(٢) ، وإلّا لزم العبث والظلم على الله تعالى.

وخالفت الأشاعرة فيه ، فلم يجعلوا الثواب مستحقّا على شيء من الأفعال ، بل جوّزوا التكليف بما يستحقّ عليه العقاب(٣) ، وأن يرسل رسولا يكلّف الخلق فعل جميع القبائح وترك جميع الطاعات.

فيلزمهم من هذا أن يكون المطيع المبالغ في الطاعة من أسفه الناس وأجهل الجهلاء ، من حيث يتعب بماله وبدنه في فعله شيئا ربّما يكون هلاكه فيه.

وأن يكون المبالغ في المعصية والفسوق أعقل العقلاء حيث يتعجّل اللذّة ، وربّما يكون تركها سبب الهلاك وفعلها سبب النجاة.

فكان وضع المدارس والرّبط(٤) والمساجد من نقص التدبيرات البشرية ، حيث تخسر الأموال في ما لا نفع فيه ولا فائدة عاجلة ولا آجلة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٦.

(٢) انظر : الذخيرة في علم الكلام : ١١٢ و ١٣١ ، تقريب المعارف : ١١٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١١٢.

(٣) التقريب والإرشاد ١ / ٢٦٦ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤ و ١٤٠.

(٤) الرّبط : الخيل تربط بالأفنية وتعلف ، ورباط الخيل مرابطتها في الثغور لصدّ الأعداء ؛ وواحد الرّبط : الرّبيط ، وجمع الرّبط : الرّباط ، وهو جمع الجمع.

انظر مادّة « ربط » في : لسان العرب ٥ / ١١٢ ، تاج العروس ١٠ / ٢٥٩ ـ ٢٦٢.

٣٨٨

وقال الفضل(١) :

شرط الفعل الذي يقع به التكليف أن يكون ممّا يترتّب عليه الثواب في عادة الله تعالى ، لا أنّه يجب على الله تعالى إثابة المكلّف المطيع ؛ لأنّه لا يجب عليه شيء ، بل جرى عادة الله تعالى بإعطاء الثواب عقيب العمل الصالح ، وليس للمكلّفين على الله تعالى دين يجب عليه قضاؤه.

ولو كان إلّا كذلك ، للزم أن يكون العباد متاجرين مع الله تعالى ، كالأجراء الّذين يأخذون أجرتهم عند الفراغ من العمل ، ولو لم يعط المؤجّر أجرتهم لكان ظالما وجائرا.

وهذا مذهب باطل لا يذهب إليه من يعرف نعم الله تعالى على عباده ، ويعرف علوّ الشأن الإلهي ، وأنّ الناس كلّهم عبيد الله ، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، وليس لهم عليه حقّ ولا استحقاق ، بل الثواب بفضله وجرى عادته أن يعطي العبد المطيع عقيب طاعته ، كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز.

وهل يحسن أن يقال : إنّه إذا لم يجب على الله تعالى إعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ، تموت الناس من الجوع؟!

كذلك لا يحسن أن يقال : لو لم يجب على الله تعالى إثابة المطيع وجزاء العاصي ، لارتفع الفرق بين المطيع والعاصي ، ولكان فعل الخيرات وإثارة المبرّات ضائعا عبثا؟!

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٧٧.

٣٨٩

لأنّا نقول : جرت عادة الله تعالى التي لا تتخلّف إلّا بسبيل خرق العادة على إعطاء الثواب للمطيع من غير أن يجب عليه شيء.

فلم يرتفع الفرق بين المطيع والعاصي ، كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ، فهل يكون من أكل الخبز فشبع ، كمن ترك أكل الخبز فجاع؟!

* * *

٣٩٠

وأقول :

قد سبق أنّ الثواب غيبي ، فلا تصحّ دعوى العلم بالعادة فيه

وأمّا إحرازها بإخبار الله تعالى ، فغير تامّ ؛ لابتنائه على صدق كلامه تعالى ، وهو غير محقّق على مذهبهم!

مع أنّه قال تعالى :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) (١) ، ولعلّ ما أخبر به من الثواب ممّا يمحوه.

فأين العادة في الثواب وإحرازها؟! لا سيّما وقد أجاز الخصم خرقها كما هو واقع في عادات الدنيا.

وأمّا ما ذكره من نفي كون الثواب دينا على الله تعالى ، فنحن نمنعه ونقول : إنّه دين ، أي إنّه حقّ عليه اقتضاه عدله.

وأمّا كون العباد متاجرين مع الله تعالى ، فهو ممّا نطق به الكتاب العزيز ، قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢)

وقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )

إلى قوله تعالى :( فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ) (٣)

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ٣٩.

(٢) سورة فاطر ٣٥ : ٢٩ و ٣٠.

(٣) سورة التوبة ٩ : ١١١.

٣٩١

وقال تعالى :( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (١) الآية

( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) (٢)

( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) (٣)

( نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) (٤)

( إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ ) (٥)

( فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) (٦) .

إلى غير ذلك من الآيات المتضافرة والأخبار المتواترة.

وأمّا قوله : « لو لم يعط المؤجّر أجرتهم كان ظالما وجائرا »

فهو من مقالة أهل الحقّ التي صرّح بها الكتاب المجيد ، قال تعالى :

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (٧) .

وقال تعالى :( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (٨) .

وقال تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ

__________________

(١) سورة الصفّ ٦١ : ١٠ و ١١.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ٣٠.

(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٧٠.

(٤) سورة آل عمران ٣ : ١٣٦ ، سورة العنكبوت ٢٩ : ٥٨.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ١٨٥.

(٦) سورة آل عمران ٣ : ٥٧ ، سورة النساء ٤ : ١٧٣.

(٧) سورة الأنفال ٨ : ٦٠.

(٨) سورة النساء ٤ : ١٢٤.

٣٩٢

نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (١) .

وقال تعالى :( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (٢) .

وقال تعالى :( وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٣) .

وقال تعالى :( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٤) .

وقال تعالى :( وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٥) .

إلى غير ذلك من الآيات المستفيضة.

وأمّا قوله : « لا يذهب إليه من يعرف نعم الله على عباده »

فإن أراد به أنّ من يعرف نعمه لا يرى أنّه مستحقّ للأجر ، فظاهر البطلان ؛ لأنّ وجوب شكر المنعم لا ينافي استحقاق الأجر على ما كلّفه به المنعم ، وإن حسن من العبد أو وجب عليه عدم المطالبة بالأجر شكرا للنعمة.

وإن أراد أنّ حصول الإنعام من الله تعالى كاف في صحّة التكليف منه بلا إعطاء أجر ، ليكون التكليف ناشئا من طلب المنعم جزاء نعمه بالشكر عليها ، كما عن أبي القاسم البلخي(٦) ، فهو أظهر بطلانا ؛ إذ يقبح من

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٢٥.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٧٢.

(٣) سورة الجاثية ٤٥ : ٢٢.

(٤) سورة النحل ١٦ : ١١١.

(٥) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٩.

(٦) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٦١٧.

٣٩٣

الكريم طلب جزاء نعمته من دون أن يعطيه ثوابا على ما كلّفه به ، بل يكون تكليفه بلا أجر عبثا وظلما!

ولو كان الثواب تفضّلا محضا ، لصحّ منع الثواب عن سيّد النبيّين أو مساواته فيه لسائر المؤمنين ، بل للأطفال والمجانين ، ولجاز خلق النار دون الجنّة.

وأمّا ما ذكره من مثال الموت من الجوع ؛ فإنّما لا يحسن السؤال فيه إذا ترتّب عليه فائدة للعبد ، أو كان جزاء عمله السيّئ ، وإلّا فيقبح إيلام العبد بلا فائدة له ولا ذنب منه ، ويصحّ السؤال عنه.

كما يصحّ السؤال عن ترك إثابة المطيع وجعله بمنزلة العاصي ، لكن مثل هذه الأمور ليست من فعله ولا تصدر عنه ، فلا يسأل عنها ؛ لانتفاء الموضوع.

* * *

٣٩٤

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السادس : أن لا يكون حراما ؛ لامتناع كون الشيء الواحد من الجهة الواحدة مأمورا به منهيّا عنه ؛ لاستحالة التكليف بما لا يطاق(٢) .

وأيضا : يكون مرادا ومكروها في وقت واحد من جهة واحدة ، وهذا مستحيل عقلا.

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فجوّزوا أن يكون الشيء الواحد مأمورا به منهيّا عنه ؛ لإمكان تكليف ما لا يطاق عندهم(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٦.

(٢) التذكرة بأصول الفقه : ٣١ ، العدّة في أصول الفقه ١ / ١٨١.

(٣) انظر : التقريب والإرشاد ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ و ٢٦٠ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٠ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٤٠ ، فواتح الرحموت ١ / ١١٠ ـ ١١١.

٣٩٥

وقال الفضل(١) :

لا خلاف في أنّ المأمور به لا بدّ أن لا يكون حراما ؛ لأنّ الحرام ما نهى الله عنه

ولا يكون الشيء الواحد مأمورا به ، منهيّا عنه ، في وقت واحد ، من جهة واحدة ، ولكن إن اختلف الوقت والجهة والشرائط التي اعتبرت في التناقض ، يجوز أن يتعلّق به الأمر في وقت من جهة ، والنهي في وقت آخر من جهة أخرى ؛ فهذا مذهب أهل السنّة.

وأمّا إمكان التكليف بما لا يطاق ، فقد سمعته غير مرّة ، وأنّه لا يقع ولم يقع.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٨١.

٣٩٦

وأقول :

قد نصدّقه في ما يتعلّق بالوقوع ، بأن لم يقولوا بوقوع الأمر بالحرام.

ولكنّ كلام المصنّف في التجويز كما لا ينكره الخصم ، وكفاهم نقصا في تجويز مثله على الله سبحانه ، وهو ممّا لا يجوز على أقلّ العقلاء.

* * *

٣٩٧

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومن العجب أنّهم حرّموا الصلاة في الدار المغصوبة ، ومع ذلك لم يوجبوا القضاء وقالوا : إنّها صحيحة(٢) .

مع أنّ الصحيح هو المعتبر في نظر الشارع ، وإنّما يطلق على المطلوب شرعا ، والحرام غير معتبر في نظر الشارع ، مطلوب الترك شرعا.

وهل هذا إلّا محض التناقض؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٧.

(٢) المجموع ـ للنووي ـ ٣ / ١٦٤.

٣٩٨

وقال الفضل(١) :

الصلاة الصحيحة ما استجمعت شرائط الصحّة التي اعتبرت في الشرع ، فالصلاة في الدار المغصوبة صحيحة ؛ لأنّها مستجمعة لشرائط الصحّة التي اعتبرت في الصلاة في الشرع ، وليس وقوعها في مكان مملوك غير مغصوب من شرائط صحّة الصلاة نعم ، من شرائطها أن تقع في مكان طاهر من النجاسات.

ولو كان من شرائط الصحّة وقوعها في مكان غير مغصوب ، لكان الواقع في المكان المغصوب منها فاسدة ، وكان يجب قضاؤها ؛ لكونها غير معتبرة في نظر الشرع ؛ لعدم استجماعها الشرائط المعتبرة فيها.

وأمّا كونها حراما ، فلأجل أنّها تتضمّن الاستيلاء على حقّ الغير عدوانا ، فهي بهذا الاعتبار حرام ، فالحرمة باعتبار ، والصحّة باعتبار آخر ، فأين التناقض؟!

والعجب أنّه مشتهر بالدراية في المعقولات ، ولا يعلم شرائط حصول التناقض!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٨٢.

٣٩٩

وأقول :

إذا أقرّوا بحرمة الصلاة في الدار المغصوبة ، لزمهم الحكم بعدم اعتبارها شرعا ، لعدم مطلوبيّتها ، فلا تصحّ ؛ لأنّ العبادة الصحيحة هي المطلوبة للشارع ، المعتبرة في نظره.

وهذه عبارة أخرى عن كون إباحة المكان شرطا في صحّة الصلاة ، فإذا حكموا بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة ثبت التناقض ؛ لأنّه يكون هذا الوجود الشخصي للصلاة في الدار المغصوبة معتبرا وغير معتبر ، صحيحا وغير صحيح ، وهو تناقض ظاهر.

* * *

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420