دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق14%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214612 / تحميل: 4828
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

حالة باعثة إلى هذا الخلق ، فلا يلزم أن لا تكون المنافع مقصودة ، بل هي مقصودة ، بمعنى ملاحظة المصلحة والغاية المترتّبة عليها ، لا بمعنى الغرض الموجب لإثبات النقص له.

* * *

٤١

وأقول :

قوله : « رتّب عليها المصالح ».

إن أراد به أنّه رتّبها بما هي مصالح لها مقصودة من خلقها ، فهو معنى كونها غرضا منها.

وإن أراد به أنّه رتّبها بما هي مقصودة بأنفسها ، لا بما هي غرض ، لم يخرج فعل الأشياء عن العبث ، ومنه يعلم ما في قوله بآخر كلامه : « بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة ».

فإنّه إن أراد بقصد المنافع وملاحظتها ، مطلوبيّتها منها ، فهو المطلوب.

وإن أراد به مجرّد ملاحظتها لأنفسها ، فلا تكون مخرجة للأشياء عن العبث.

ولا يخفى أنّ قوله : « قبل خلق الأشياء دبّرها » خطأ ؛ لأنّ التدبير إنّما هو حين الخلق وما دام البقاء ، لا قبل الخلق.

ولا يصحّ أن يريد به التروّي ، فإنّه سبحانه غنيّ عن التروّي إذا أراد شيئا قال له :( كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

وأمّا قوله : « فإنّا لو فقدنا العلّة الغائية لم نقدر على الفعل الاختياري »

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١١٧ ، سورة آل عمران ٣ : ٤٧ و ٥٩ ، سورة الأنعام ٦ : ٧٣ ، سورة النحل ١٦ : ٤٠ ، سورة مريم ١٩ : ٣٥ ، سورة يس ٣٦ : ٨٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٨.

٤٢

فخطأ آخر ؛ لأنّ اللازم من فقدها إنّما هو العبث لا عدم القدرة.

فلو زعم أنّ الترجيح بلا مرجّح محال كالترجّح بلا مرجّح ، فهو جار في حقّ الله تعالى ؛ لأنّ المانع العقلي واحد ، على أنّ الامتناع والمحالية بالغير لا ينافي القدرة على نفس الفعل.

ولو اكتفى بالنسبة إلى الله سبحانه بمجرّد رجحان الفعل في نفسه لاشتماله على المصلحة ، جاء مثله بالنسبة إلى الإنسان بلا فرق.

ثمّ لا يخفى أنّ قياس الغائب على الشاهد الذي استند إليه سابقا يقتضي العلّة الغائيّة لأفعاله تعالى.

وما ذكره من لزوم نقص الاحتياج قد عرفت وهنه ، وهو أشبه بحديث خرافة(١) .

* * *

__________________

(١) مثل يضرب لكلّ ما لا يمكن وقوعه.

وخرافة : رجل من عذرة استهوته الجنّ ـ كما تزعم العرب ـ مدّة ، ثمّ لمّا رجع أخبر بما رأى منهم ، فكذّبوه حتّى قالوا لما لا يمكن : حديث خرافة.

انظر : مجمع الأمثال ـ للميداني ـ ١ / ٣٤٦ رقم ١٠٢٨ ، الحيوان ـ للجاحظ ـ ٦ / ٤٢٦ ، تاج العروس ١٢ / ١٦٢ مادّة « خرف ».

ووردت في أمّهات مصادر الجمهور روايات نسبت إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه حدّث بعض نسائه وأقرّ بخرافة وأحاديثه العجيبة عن الجنّ! فانظر مثلا : مسند أحمد ٦ / ١٥٧ ، الشمائل النبوية ـ للترمذي ـ : ٣٠٨ ح ٢٥٢ ب‍ ٣٨ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٤١٩ ح ٤٤٤٢ ، مجمع الزوائد ٤ / ٣١٥ باب عشرة النساء ، كنز العمّال ٣ / ٦٢٩ ح ٨٢٤٤ و ٨٢٤٥.

٤٣

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه الطامّة العظمى والداهية الكبرى [ عليهم ]، وهو : إبطال النبوّات بأسرها ، وعدم الجزم بصدق واحد منهم ، بل يحصل الجزم بكذبهم [ أجمع ] ؛ لأنّ النبوّة إنّما تتمّ بمقدّمتين :

إحداهما : إنّ الله تعالى خلق المعجزة على يد مدّعي النبوّة لأجل التصديق.

والثانية : إنّ كلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق.

ومع عدم القول بإحداهما لا يتمّ دليل النبوّة

[ المقدّمة الأولى : ] فإنّه تعالى لو خلق المعجزة لا لغرض التصديق ، لم يدلّ على صدق المدّعي ، إذ لا فرق بين النبيّ وغيره.

فإنّ خلق المعجزة لو لم يكن لأجل التصديق ، لكان لكلّ أحد أن يدّعي النبوّة ويقول : إنّ الله صدّقني ؛ لأنّه خلق هذه المعجزة ، ويكون نسبة النبيّ وغيره إلى هذه المعجزة على السواء ؛ ولأنّه لو خلقها لا لأجل التصديق لزم الإغراء بالجهل ؛ لأنّها دالّة عليه.

فإنّ في الشاهد لو ادّعى شخص أنّه رسول السلطان ، وقال للسلطان :

إن كنت صادقا في دعوى رسالتك ، فخالف عادتك ، واخلع خاتمك ، ففعل السلطان ذلك ، ثمّ تكرّر هذا القول من مدّعي رسالة السلطان وتكرّر من السلطان هذا الفعل عقيب الدعوى ، فإنّ الحاضرين بأجمعهم يجزمون

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩١.

٤٤

بأنّه رسول ذلك السلطان.

كذا هنا ، إذا ادّعى النبيّ الرسالة ، وقال : إنّ الله تعالى يصدّقني بأن يفعل فعلا لا يقدر الناس عليه مقارنا لدعواي ، وتكرّر هذا الفعل من الله تعالى عقيب تكرّر الدعوى ، فإنّ كلّ عاقل يجزم بصدقه ، فلو لم يخلقه لأجل التصديق ؛ لكان الله تعالى مغريا بالجهل ، وهو قبيح لا يصدر عنه ، وكان مدّعي النبوّة كاذبا حيث قال : إنّ الله تعالى خلق المعجزة على يدي لأجل تصديقي ، فإذا استحال عندهم أن يفعل لغرض ، فكيف يجوز للنبيّ هذه الدعوى؟! المقدّمة الثانية ، وهي : إنّ كلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق ؛ ممنوعة عندهم أيضا ؛ لأنّه يخلق الإضلال ، والشرور ، وأنواع الفساد والشرك ، والمعاصي الصادرة من بني آدمعليه‌السلام ، فكيف يمتنع عليه تصديق الكاذب؟! فتبطل المقدّمة الثانية أيضا.

هذا نصّ مذهبهم وصريح معتقدهم ، نعوذ بالله من عقيدة أدّت إلى إبطال النبوّات ، وتكذيب الرسل ، والتسوية بينهم وبين مسيلمة حيث كذب في ادّعاء الرسالة.

فلينظر العاقل المنصف ، ويخف ربّه ، ويخش من أليم عقابه ، ويعرض على عقله هل بلغ كفر الكافر إلى هذه المقالات الرديّة والاعتقادات الفاسدة؟! وهل هؤلاء أعذر في مقالاتهم؟ أم اليهود والنصارى الّذين حكموا بنبوّة الأنبياء المتقدّمينعليهم‌السلام ، وحكم عليهم جميع الناس بالكفر حيث أنكروا نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهؤلاء قد لزمهم إنكار جميع الأنبياء ، فهم شرّ من أولئك.

٤٥

ولهذا قال الصادقعليه‌السلام حيث عدّهم وذكر اليهود والنصارى : « إنّهم شرّ الثلاثة »(١) .

ولا يعذر المقلّد نفسه ، فإنّ فساد هذا القول معلوم لكلّ أحد ، وهم معترفون بفساده أيضا.

* * *

__________________

(١) انظر مؤدّاه في : علل الشرائع ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ح ١ باب ٢٢٠.

٤٦

وقال الفضل (١) :

حاصل ما ينعقد في هذا الاستدلال من هذا الكلام : أنّ الله تعالى لو لم يخلق المعجزة لغرض تصديق الأنبياء لم يثبت النبوّة ، فعلم أنّ بعض أفعاله تعالى معلّلة بالأغراض.

والجواب : إنّه إن أراد بهذا الغرض العلّة الغائيّة الباعثة للفاعل المختار على فعله الاختياري ؛ فهو ممنوع.

وإن أراد أنّ الله تعالى يفيض المعجزة بالقصد والاختيار ، وغايته وفائدته تصديق النبيّ من غير أن يكون تصديق النبيّ باعثا على إفاضة المعجزة ، فهذا مسلّم ، ويحصل تصديق الأنبياء من غير إثبات الغرض ، وهذا مذهب الأشاعرة كما قدّمنا.

ثمّ إنّ هذا الرجل يفتري عليهم المدّعيات المخترعة من عند نفسه من غير تفهّم لكلامهم وتأمّل في غرضهم ، فإنّهم يعنون بنفي الغرض نفي الاحتياج من الله تعالى ، ووافقهم في ذلك جميع الحكماء الإلهيّين(٢) .

فإن كان هذا المدّعي صادقا ، فكيف يكفّرهم ويرجّح عليهم اليهود والنصارى؟!

وإن كان باطلا ، فيكون غلطا منهم في عقيدة بعثهم على اختيارها

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٣٩.

(٢) هذا ادّعاء الجرجاني في شرح المواقف ٨ / ٢٠٢ المقصد الثامن ، وقد تقدّم في الصفحة ٣١ من هذا الجزء أنّ الحكماء لم ينفوا كلّيّ الغرض ، وإنّما نفوا الغرض الذي به الاستكمال ؛ فراجع!

٤٧

تنزيه الله تعالى من الأغراض والنقص والاحتياج ، فكيف يجوز ترجيح اليهود والنصارى عليهم؟! ومع ذلك افترى على الصادقعليه‌السلام كذبا في حقّهم ، وإن كان قد قال الصادق هذا الكلام ، فيجب حمله على طائفة أخرى غير الأشاعرة

كيف؟! والشيخ الأشعري الذي هو مؤسّس هذه المقالة تولّد بعد سنين كثيرة من أزمان الصادق؟! والأشاعرة كانوا بعده ، فكيف ذكر الصادق فيهم هذه المقالة؟!

فعلم أنّ الرجل مفتر كودن(١) كذّاب ، مثل كوادن حلّة وبغداد ، لا أفلح من رجل سوء!

* * *

__________________

(١) الكودن ـ جمعها : الكوادن ـ : البليد ، على التشبيه هنا ، وفي اللغة هو : البرذون الثقيل من الدوابّ ، وقيل : هو الفيل ، وقيل : البغل.

انظر مادّة « كدن » في : الصحاح ٦ / ٢١٨٧ ، لسان العرب ١٢ / ٤٨ ، تاج العروس ١٨ / ٤٧٥ و ٤٧٦.

٤٨

وأقول :

حاصل مذهبهم ـ كما ذكر ـ : إنّه تعالى يخلق المعجزة لا لغاية ، لكنّها بنفسها تفيد التصديق بالنبوّة.

وفيه : إنّ إفادتها له ليست ذاتية ؛ إذ ليست هي إلّا كسائر خوارق العادة التي ربّما تقع في الكون ، ولا يوجب نفس وجودها تصديق أحد في دعواه ، فمن أين تفيد المعجزة التصديق بالنبوّة وهو لم يكن غرضا منها؟!

ومجرّد مقارنتها لدعوى النبوّة لا يجعل التصديق بها فائدة لها بعد أن كان أصل وجودها ومقارنتها بلا غرض ، كما لو قارنت دعوى أخرى لاخر! وحينئذ ، فلا يكون مدّعي النبوّة أولى بدعواها من غيره وإن ظهرت المعجزة على يده ؛ لأنّ خلقها كان مجّانا وبلا قصد تصديقه ، فكيف تقتضي نبوّته خاصّة؟! ثمّ لو سلّم كون التصديق فائدة للمعجزة ، فهو غير نافع لما ذكره المصنّفرحمه‌الله من لزوم كذب مدّعي النبوّة بقوله : « إنّ الله يخلق المعجزة لتصديقي » ، وغير دافع للإغراء بالجهل من حيث إفادة المعجزة أنّ الله تعالى خلقها لتصديقه ، وإن لم يكن هناك إغراء بالجهل من حيث أصل دعواه النبوّة ، لفرض كونه نبيّا.

ثمّ إنّه لم يتعرّض للجواب عن إيراد المصنّفرحمه‌الله على المقدّمة الثانية ، إكتفاء بما أسلفه من دعوى العادة التي عرفت أنّه لا معنى لها.

٤٩

وأمّا قوله : « وإن كان باطلا فيكون غلطا في عقيدة »

ففيه : إنّهم لم يستوجبوا ذلك لمجرّد الغلط ، بل للإصرار عليه عنادا للحقّ ، وجرأة على الله تعالى ، بعد البيان بصريح الكتاب العزيز والسنّة الواضحة وحكم العقل الضروري ، ولو دعاهم إلى ذلك تنزيه الله تعالى عن الحاجة والنقص لما جعلوه محتاجا في كلّ آثاره إلى غيره ، وهو صفاته الزائدة على ذاته بزعمهم! وكيف يكون ذلك تنزيها وقد أوضح لهم الإمامية أنّه ليس من الاحتياج والنقص في شيء؟! بل الغرض كمال للتأثير وشاهد بكمال المؤثّر.

ومن المضحك وعظه في المقام وإنكاره على المصنّفرحمه‌الله في ترجيح اليهود والنصارى على الأشاعرة ، والحال أنّه قد جاء بأكبر منه قريبا ، حيث جعل مذهب العدلية أردأ من مذهب المجوس.

وأمّا ما زعمه من أنّ تأخّر زمن الأشعري والأشاعرة عن الصادقعليه‌السلام مناف لإرادته لهم

ففيه : إنّه إذا جاز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إرادتهم أو المعتزلة على الخلاف بينهم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «القدرية مجوس هذه الأمّة »(١) ، فليجز للصادقعليه‌السلام إرادتهم ؛ لأنّ علمه من علم جدّه ، واصل إليه من باب مدينة علمه(٢) ، وهو أحد أوصيائه الطاهرين.

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ / ٢٢١ ح ٤٦٩١ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٢ / ٣٤١ رقم ٢٦٨١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ١٤٩ ح ٣٣٨ ، المعجم الأوسط ٣ / ١٢٧ ح ٢٥١٥ وج ٤ / ٤٦٤ ح ٤٢٠٥.

(٢) إشارة إلى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم

٥٠

ويحتمل أن يريد الصادقعليه‌السلام مطلق الناصبة والمجبّرة ، فيدخل فيهم الأشاعرة ، وإن كانت بدعتهم بعده.

* * *

__________________

فليأتي من بابها » ، وقد تقدّمت الإشارة إلى مصادر هذا الحديث الشريف في ج ٢ / ٤٠٧ ه‍ ٢ ، فراجع.

٥١

قال المصنّف ـ شرّف الله منزلته ـ (١) :

ومنها : إنّه يلزم [ منه ] مخالفة الكتاب العزيز ؛ لأنّ الله تعالى قد نصّ نصّا صريحا في عدّة مواضع من القرآن أنّه يفعل لغرض وغاية ، لا عبثا ولعبا

قال تعالى :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٢)

قال تعالى :( أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (٣)

وقال تعالى :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٤) .

وهذا الكلام نصّ صريح في التعليل بالغرض والغاية.

وقال تعالى :( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (٥)

وقال تعالى :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) (٦)

وقال تعالى :( وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) (٧) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٣.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ١٦.

(٣) سورة المؤمنون ٢٣ : ١١٥.

(٤) سورة الذاريات ٥١ : ٥٦.

(٥) سورة النساء ٤ : ١٦٠.

(٦) سورة المائدة ٥ : ٧٨.

(٧) سورة محمّد ٤٧ : ٣١.

٥٢

والآيات الدالّة على الغرض والغاية في أفعال الله أكثر من أن تحصى ، فليتّق الله المقلّد في نفسه ، ويخش عقاب ربّه ، وينظر في من يقلّده ، هل يستحقّ التقليد أو لا؟!

ولينظر إلى ما قال ، ولا ينظر إلى من قال ، وليستعدّ لجواب ربّ العالمين حيث قال :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ ) (١) فهذا كلام الله على لسان النذير ، وهاتيك الأدلّة العقليّة المستندة إلى العقل الذي جعله الله حجّة على بريّته.

وليدخل في زمرة الّذين قال الله تعالى عنهم :( فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢)

ولا يدخل نفسه في زمرة الّذين قال الله تعالى عنهم : قالوا( رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) (٣) .

ولا يعذر بقصر العمر ، فهو طويل على الفكر ؛ لوضوح الأدلّة وظهورها ، ولا بعدم المرشدين ، فالرّسل متواترة ، والأئمّة متتابعة ، والعلماء متضافرة.

* * *

__________________

(١) سورة فاطر ٣٥ : ٣٧.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ١٧ و ١٨.

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ٢٩.

٥٣

وقال الفضل (١) :

قد ذكرنا في ما سبق أنّ ما ورد من الظواهر الدالّة على تعليل أفعاله تعالى فهو محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض والعلّة(٢) .

فقوله تعالى :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٣) ، فالمراد [ منه ] أنّ غاية خلق الجنّ والإنس والحكمة والمصلحة فيه كانت هي العبادة ، لا أنّ العبادة كانت باعثا له على الفعل ، كما في أرباب الإرادة الناقصة الحادثة.

وكذا غيره من نصوص الآيات ، فإنّها محمولة على الغاية والحكمة لا على الغرض.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٤٤.

(٢) انظر الصفحة ٣٧ من هذا الجزء.

(٣) سورة الذاريات ٥١ : ٥٦.

٥٤

وأقول :

لا يخفى أنّ حمل الآيات على مجرّد المنفعة والفائدة من دون أن تكون غرضا وعلّة غائيّة مستبعد جدّا ، بل هو ممتنع في أكثرها ، كالآية الأولى ، فإنّها دالّة على أنّ خلق السماوات والأرض بما فيهما من المنافع والفوائد صالح لأن يقع على نوعين : لعب ، وغير لعب ، ولا وجه له إلّا قصد الغاية وعدم قصدها ، وإلّا فلا يصحّ تنويع ما فيه الفائدة إلى نوعين :

لعب لا فائدة فيه ، وغير لعب فيه الفائدة.

* وكقوله تعالى :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) فإنّه لا يمكن حمله على المنفعة والفائدة ؛ لأنّ المعنى حينئذ يكون :

ما خلقت كلّ فرد من الجنّ والإنس إلّا وفائدته ومنفعته العبادة وهو كذبّ ، إذ ليس كلّ فرد منهم عابدا ، بخلاف ما إذا قصد الغرض ، فإنّه لا يلزم حصوله.

وليس المقصود جنس الجنّ والإنس حتّى لا يلزم الكذب على تقدير إرادة الفائدة ؛ لأنّه نسب العبادة إلى ضمير الجمع الدالّ على الثبوت لكلّ فرد ؛ على أنّه لو قصد الجنس يكون أكثر الأفراد بلا فائدة ؛ لدلالة الآية على انحصار فائدة خلق الجنس الحاصل في خلق أفراده بالعبادة ، وحينئذ فيعود محذور الكذب.

* وكقوله تعالى :( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ) (٢) الآية ، فإنّه لا معنى

__________________

(١) سورة الذاريات ٥١ : ٥٦.

(٢) سورة النساء ٤ : ١٦٠.

٥٥

لجعل ظلمهم وصدّهم عن سبيل الله منفعة وحكمة لتحريم الطيّبات ، وإنّما هما سبب وداع للتحريم.

* وكقوله تعالى :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ) (١) الآية ، فإنّه لا معنى لجعل عصيانهم منفعة وفائدة للعنهم ، وإنّما هو سبب وداع له.

فإن قلت : كما لم يكن الظلم والصدّ والعصيان منافع ، لا تكون أغراضا؟!

قلت : نعم ، ولكنّ التعليل يستلزم الغرض ؛ إذ لا يمكن سببيّة شيء لأن يفعل سبحانه باختياره وهو لا غرض له ؛ كما سبق.

ولو سلّم مسلّم ، فالآيتان لمّا دلّتا على تعليل أفعاله تعالى ، صحّ إثبات الغرض له ، الذي هو أيضا علّة باعثة على الفعل ؛ لأنّ النقص ـ على زعمهم ـ يأتي أيضا من قبل التعليل ؛ لأنّه يستدعي حاجته إلى العلّة في فعله ، فإذا اقتضت الآيتان عدم النقص بالتعليل صحّ إثبات الغرض.

ثمّ لو سلّم إمكان حمل الآيات كلّها على مجرّد الفائدة ، فلا داعي له بعد عدم المعارضة بالنقل كما هو ظاهر ، ولا بالعقل ؛ لفساد أدلّته ، مع إنّهم لم يجروها في القياس كما سبق! واعلم أنّ الغرض هو الغاية ، فما معنى نفي الخصم الغرض لأفعاله تعالى وإثبات الغاية لها؟!!

وقد حصل هذا التناقض منه قبل ـ كما في أوّل هذا المطلب ـ إذ ذكر أنّ الأشاعرة قالوا : لا يجوز تعليل أفعاله بشيء من الأغراض والعلل الغائيّة(٢) ، ثمّ قال في آخر كلامه : « وما ورد من الظواهر الدالّة على تعليل

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٧٨.

(٢) انظر الصفحة ٢٩ من هذا الجزء.

٥٦

أفعاله تعالى فهو محمول على الغاية والمنفعة ، دون الغرض والعلّة »(١) .

نعم ، قد يريد بالغاية عند إثباتها مجرّد الفائدة المترتّبة اتّفاقا ، لا العلّة الغائيّة ، وفائدة كلامه تخفيف الشناعة وتلبيس الحقّ.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحة ٣٠ من هذا الجزء.

٥٧

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ (١) :

ومنها : إنّه يلزم تجويز تعذيب أعظم المطيعين لله تعالى كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأعظم أنواع العذاب ، وإثابة أعظم العاصين كإبليس وفرعون بأعظم مراتب الثواب ؛ لأنّه إذا كان يفعل لا لغرض وغاية ، ولا لكون الفعل حسنا ، ولا يترك الفعل لكونه قبيحا ، بل مجّانا لغير غرض ، لم يكن تفاوت بين سيّد المرسلين وإبليس في الثواب والعقاب ، فإنّه لا يثيب المطيع لطاعته ، ولا يعاقب العاصي لعصيانه.

فإذا تجرّد هذان الوصفان عن الاعتبار في الإثابة والانتقام ، لم يكن لأحدهما أولوية الثواب والعقاب دون الآخر.

فهل يجوز لعاقل يخاف الله وعقابه أن يعتقد في الله تعالى مثل هذه العقائد الفاسدة؟! مع أنّ الواحد منّا لو نسب إلى أنّه يسيء إلى من أحسن إليه ويحسن إلى من أساء إليه ، قابله بالشتم والسبّ ولم يرض ذلك منه

فكيف يليق أن ينسب ربّه إلى شيء يكرهه أدون الناس لنفسه؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٤.

٥٨

وقال الفضل (١) :

هذا الوجه بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان ؛ لأنّ أحدا لم يقل :

بأنّ الفاعل المختار الحكيم لم يلاحظ غايات الأشياء والحكم والمصالح فيها.

فإنّهم يقولون في إثبات صفة العلم : إنّ أفعاله متقنة(٢) ، وكلّ من كان أفعاله متقنة فلا بدّ أن يلاحظ الغاية والحكمة ، فملاحظة الغاية والحكمة في الأفعال لا بدّ من إثباته بالنسبة إليه تعالى ، وإذا كان كذلك كيف يجوز التسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي؟! وعندي أنّ الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإمامية لم يحرّروا هذا النزاع ولم يبيّنوا محلّه ، فإنّ جلّ أدلّة المعتزلة دلّت على إنّهم فهموا من كلام الأشاعرة نفي الغاية والحكمة والمصلحة ، وإنّهم يقولون : إنّ أفعاله اتّفاقيات كأفعال من لم يلاحظ الغايات(٣) ، واعتراضاتهم واردة على هذا.

فنقول : الأفعال الصادرة من الإنسان مثلا مبدؤها دواع مختلفة ، ولا بدّ لهذه الدواعي من ترجيح بعضها على بعض ، والمرجّح هو الإرادة الحادثة(٤) فذلك الداعي الذي بعث الفاعل على الفعل مقدّم على وجود

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٤٥.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ١٨٨ ، المواقف : ٢٨٥.

(٣) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٤.

(٤) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٨.

٥٩

الفعل ، ولولاه لم يكن للفاعل المختار أن يفعل ذلك الفعل ، فهذا الفاعل بالاختيار يحتاج في صدور الفعل عنه إلى ذلك الباعث ، وهو العلّة الغائيّة والغرض.

هذا تعريف الغرض في اصطلاح القوم ، فإن عرض هذا على المعتزلي فاعترف بأنّه تعالى في أفعاله صاحب هذا الغرض ، لزمه إثبات الاحتياج لله تعالى في أفعاله ، وهو لا يقول بهذا قطّ ؛ لأنّه ينفي الصفات الزائدة ليدفع الاحتياج ، فكيف يجوّز الغرض المؤدّي إلى الاحتياج؟! فبقي أنّ مراده من إثبات الغرض دفع العبث من أفعاله تعالى ، فهو يقول : إنّ الله تعالى مثلا خلق الخلق للمعرفة ، يعني غاية الخلق ، والمصلحة التي لاحظها الله تعالى وراء علّتها هي المعرفة ، لا أنّه يفعل الأفعال لا لغرض ومقصود كالعابث واللاعب ، فهذا عين ما يقوله الأشاعرة من إثبات الغاية والمصلحة.

فعلم أنّ النزاع نشأ من عدم تحرير المدّعى.

* * *

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

  ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) قال : ا ل م كأوّل البقرة )(١) .

وفي( الميزان ) :

( قال الخطيب في جامعة : لم يحكِ عن أحد مِن المحدّثين مِن التصحيف في القرآن الكريم ، أكثر ممّا حكي عن عثمان بن أبي شيبة ، ثمّ ساق بسنده عن إسماعيل بن محمّد التستري : سمعت عمثان بن أبي شيبة يقرأ( فإنْ لم يصبها وابل فظل ) وقرأ مرّة( من الخوارج مكلّبين ) .

وقال أحمد بن كامل القاضي : ثنا أبو الشيخ الأصبهاني محمّد بن الحسن قال : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة( بطشتم خبّازين ) .

وقال محمّد بن عبيد الله بن المنادي : قال لنا عثمان بن أبي شيبة :( ن وَالْقَلَمِ ) أيّ سورة هو ؟

وقال مطين : قرأ عثمان بن أبي شيبة( فضرب لهم سنور له ناب ) فردّوا عليه فقال : قراءة حمزة عندنا بدعة .

وقال يحيى بن محمّد بن كاس النخعي : ثنا إبراهيم بن عبد الله الخصّاف قال : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة تفسيره فقال :( جعل السفينة في رجل أخيه ) فقيل : إنّما هو ( السِّقَايَةَ ) فقال : أنا وأخي لا نقرأ لعاصم )(٢) .

وكما حمل الذهبي خطأ عثمان في سورة الفيل على سبقِ اللّسان ، حاول حمل تصحيفاته على المزاح والدعابة ! فقال : ( قلت : فكأنّه كان صاحب دعابة ، ولعلّه تاب وأناب )... لكن الدعابة في ألفاظ القرآن تُوجب الفسق ، ولذا قال ( لعلّه تاب

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ٢ : ١٧٥ ـ النوع السادس والثلاثون .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٧/ ٥٥١٨ .

٢٨١

وأناب ) ، وهل يكفي ( لعلّ ) لو كان ذلك منه ( دعابة ) ؟

والألطف مِن ذلك تمنّيه موت إسحاق مِن أجل الشهرة والرئاسة ، قال في( الميزان ) :

( قال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ : دخلت عليه فقال لي : إلى متى لا يموت إسحاق ؟ فقلت : شيخٌ مثلك يتمنّى موت شيخٍ مثله ؟ !

فقال : دعني ، فلو مات لصفا لي جوّي )(١) .

الطبقة الرابعة

قال السيوطي :

( وبعدهم : ابن جرير الطبري ، وكتابه أجلّ التفاسير وأعظمها ، ثمّ ابن أبي حاتم ، وابن ماجة ، والحاكم ، وابن مَرْدَوَيه ، وأبو الشيخ ابن حيّان ، وابن المُنذر ، في آخرين .

وكلّها مسندة إلى الصحابة وأتباعهم ، وليس فيها غير ذلك ، إلاّ ابن جرير ، فإنّه يتعرّض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب والاستنباط ، فهو يفوقها بذلك )(٢) .

أقـول :

إنّ أفضل وأشرف تفاسير هذهِ الطبقة :

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٨/ ٥٥١٨ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٢ .

٢٨٢

تفسير ابن جرير الطَبَري

كما قال السيوطي ، بل لقد ادّعى الإجماع على ذلك ، حيث قال :

( فإنْ قلْت : فأيّ التفاسير ترشد إليه ، وتأمر الناظر أنْ يعوّل عليه ؟

قلت : تفسير الإمام أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ، الذي أجمع العلماء والمفسّرون على أنّه لم يُؤلَّف في التفسير مثله )(١) .

وقال النووي : ( له التاريخ المشهور ، وكتابٌ في التفسير لم يُصنِّف أحدٌ مثله )(٢) .

وقال ياقوت الحموي نقلاً عن الخطيب : ( وله الكتابُ المشهور في تاريخ الأُمم والملوك ، وكتابٌ في تفسير القرآن لم يصنِّف أحدٌ مثله )(٣) .

قال ياقوت : ( ومِن كتبه : الكتاب المسمّى جامعُ البيان عن تأويل آي القرآن .

قال أبو بكر ابن كامل : أملى علينا مِن كتاب التفسير مئةً وخمسينَ آية ، ثمّ خرجه بعد ذلك إلى آخر القرآن فقرأه علينا ، وذلك في سنة سبعين ومِئتين ، واشتهر الكتاب وارتفع ذكره وأبو العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٤ .

(٢) تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٧٨/ ٨ .

(٣) معجم الأُدباء ١٨ : ٤١/ ١٧ .

٢٨٣

وأبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرد يَحْيَيان ، ولأهل الإعراب والمعاني معقلان ، وكان أيضاً في الوقت غيرهما مثل : أبي جعفر الرستمي ، وأبي الحسن ابن كيسان ، والمفضّل بن سلمة ، والجعد وأبي إسحاق الزجّاج ، وغيرهم من النحويّين من فرسان هذا الشأن ، وحمل هذا الكتاب مشرقاً ومغرباً ، وقرأه كلّ مَن كان في وقته مِن العلماء ، وكلّ فضّله وقدّمه .

قال أبو جعفر : حدّثني به نفسي وأنا صبي .

قال أبو جعفر : استخرت الله تعالى في عمل كتاب التفسير ، وسألته العون على ما نويته ثلاث سنين قبل أنْ أعمله ، فأعانني .

وقال أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني : أخبرني شيخ من جِسْرِ ابن عفيف قال : رأيت في النوم كأنّي في مجلس أبي جعفر والنّاس يقرؤون عليه كتاب التفسير ، فسمعت هاتفاً بين السماء والأرض يقول : مَن أراد أنْ يسمع القرآن كما اُنزل فليسمع هذا الكتاب .

ولم يتعرّض ـ أي الطبري ـ لتفسيرٍ غيرَ موثوقٍ به ، فإنّه لم يُدخل في كتابه شيئاً عن كتاب محمّد بن السائب الكلْبي ، ولا مقاتل بن سليمان ، ولا محمّد بن عمر الواقدي ؛ لأنّهم عنده أظنّاء )(١) .

وقال السمعاني في( الأنساب ) :

( قال أبو حامد الإسفرائيني : لو سافر رجلٌ إلى الصِّين ، حتّى يحصل له كتاب تفسير محمّد بن جرير ، لم يكن ذلك كثيراً )(٢) .

وأمّا محمّد بن جرير الطبري نفسه ، فتوجد مكارمه ومحامده في الكتب

ـــــــــــــــــــ

(١) معجم الأدباء ١٨ : ٦١ ـ ٦٥/ ١٧ .

(٢) الأنساب ٤ : ٤٦ .

٢٨٤

التالية :

تذكرة الحفّاظ ٢ : ٧١٠ ـ ٧١٦ .

طبقات الشافعيّة للسبكي ٣ : ١٢٠ ـ ١٢٨ .

طبقات الحفّاظ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

وفيَات الأعيان ٤ : ١٩١ ـ ١٩٢.

مرآة الجنان ٢ : ٢٦٠.

تاريخ بغداد ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٩.

تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٧٨ ـ ٧٩ .

سير أعلام النُبَلاء ١٤ : ٢٦٧ ـ ٢٨٢

وغيرها مِن كتب التاريخ وتراجم الرّجال .

قال ياقوت الحمَوي في( معجم الأُدباء ) نقلاً عن الخطيب :

( كان أحد أئمّة العلماء ، يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه ، لمعرفته وفضله ، وكان قد جمع مِن العلوم ما لم يُشاركهُ فيه أحدٌ مِن أهل عصره ، وكان حافظاً لكتاب الله عزّ وجلّ ، عارفاً بالقراءات ، بصيراً بالمعاني ، فقيهاً بأحكام القرآن ، عالماً بالسُنن وطُرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ومِن بعدهم مِن المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام ، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأُمم والملوك ، وكتاب في تفسير القرآن لم يصنِّف أحدٌ مثله ، وكتابٌ سمّاه تهذيب الآثار لم أرَ سواه في معناه ، لم يتمّه .

قال ابن خزيمة ـ لمّا لاحظ تفسير ابن جرير ـ : ما أعلم على أديم الأرض أعلم مِن ابن جرير .

٢٨٥

قال أبو محمّد بن عبد العزيز بن محمّد الطبري : كان أبو جعفر مِن الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد ؛ لجمعه مِن علوم الإسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ مِن هذه الأُمة ، ولا ظهر مِن كتب المصنّفين وانتشر مِن كتب المؤلّفين ما انتشر له ، وكان راجحاً في علوم القرآن والقراءات ، وعلم التاريخ مِن الرسُل والخلفاء والملوك واختلاف الفقهاء مع الرواية لذلك ، على ما في كتابه البسيط والتهذيب وأحكام القراءات ، مِن غير تعويل على المناولات والإجازات ، ولا على ما قيل في الأقوال ، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة .

كان كالقاري الذي لا يعرف إلاّ القرآن ، وكالمحدّث الذي لا يعرف إلاّ الحديث ، وكالفقيه الذي لا يعرف إلاّ الفقه ، وكالنحوي الذي لا يعرف إلاّ النحو ، وكالحاسب الذي لا يعرف إلاّ الحساب ، وكان عاملاً بالعبادات ، جامعاً للعلوم ، وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره وجدت لكتبه فضلاً على غيرها )(١) .

أقـول :

وإذا كان الطبري بهذه المنزلة ، فلماذا يسقط كلامه عن الاعتبار إذا احتجَّ به أصحابنا في موردٍ ويُتكلَّم فيه ؟

لقد احتجّ العلاّمة الحلّي برواية الطبري تهديد عمر بن الخطّاب فاطمة الزهراء الطاهرةعليها‌السلام بإحراق بيتها ، فقال ابن روزبهان في جوابه :

( ومِن أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر ـ وهو إحراق عمر بيت فاطمة ـ وما ذُكر أنّ الطبري ذكره في التاريخ ، فالطبري من الروافض مشهورٌ بالتشيّع ، حتّى أنّ علماء بغداد هجروه ، لغوّه في الرفض والتعصّب ، وهجروا كُتبه

ـــــــــــــــــــ

(١) معجم الأدباء ١٨ : ٤١ ـ ٤٣ و٥٩ و٦١/ ١٧ .

٢٨٦

ورواياته وأخباره .

وكلّ مَن نقل هذا الخبر فلا يُشك أنّه رافضيٌّ متعصّب ، يُريد إبداء القَدْح والطعن على الأصحاب ؛ لأنّ العاقل المؤمن الخبير بأخبار السلَف ظاهرٌ عليه أنّ هذا الخبر كذِبٌ صراح وافتراءٌ بيّن ، لا يكون أقبح منه ولا أبعد مِن أطوار السلَف )(١) .

وإذا كان الطبري مِن الروافض ، شمله كلّ ما ذكره ابن تيميّة وغيره للروافض ، من القبائح والمثالب التي تفوق الحصر وتتجاوز حدّ الشرح والتبيين...

هذا ، وقد سبقه إلى الاتّهام بالتشيّع الفخر الرازي في كتابه( نهاية العقول ) في الكلام على النصّ على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( الثالث : إنّ هذا النص لو كان كذباً لما دعا إلى روايته إلاّ الهوى ، فكان ينبغي أنْ لا يرويه مَن لا يهوى مُقتضاه ، وقد رواه أصحاب الحديث كابن جرير الطبري ، وليس هو من الإماميّة ، فبطل أنْ يكون كذباً ) .

فأجاب الرَّازي أوّلاً بأنّ الطبري لم يروِ هذا النص ثمّ قال :

( ثمّ إنّ سلّمنا أنّه ذكره ، فلعلّه رواه قبل أنْ تثبت عنده صحّة هذا الحديث ، فإنّ مِن المحدّثين مَن يروي كلّ غثٍّ وسمين .

ثمّ إنْ سلّمنا ذلك ، فلا نسلّم أنّه ما كان متّهماً بالتشيّع )(٢) .

فكان ابن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ ممّن يروي الغثّ

ـــــــــــــــــــ

(١) ورد القول في دلائل الصدق ٣ : ٧٩ .

(٢) نهاية العقول ـ مخطوط .

٢٨٧

والسمين ، وكان متّهماً بالتشيّع...!!

هذا ، ومِن العجائب تناقض ابن تيميّة تجاه ابن جرير وتفسيره ، فإنّه لمّا لم يخرج ابن جرير حديث نزول آية الولاية في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جعل ابن تيميّة يمدحه ويمدح تفسيره ، وينصُّ على خلوّه من الموضوعات(١) ، حتّى إذا رأى أنّه قد روى بتفسير آية الإنذار نصّ النبيّ على أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، بالإمامة والخلافة والولاية مِن بعده... جعل يذّم تفسير ابن جرير ومؤلِّفه بشدّةٍ...!!(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ١٢٨ .

٢٨٨

تفسير ابن أبي حاتم

المحدّث الحافظ ، الفقيه ، المفسّر ، الرجالي ، الذي ترجم له ابن قاضي شهبة في( طبقات الشافعيّة ) فقال :

( عبد الرحمان بن محمّد بن إدريس ، أبو محمّد ، ابن أبي حاتم ، الحنظلي الرّازي ، أحد الأئمّة في الحديث والتفسير والعبادة والزهد والصلاح ، حافظ ابن حافظ ، أخذ عن أبيه وعن أبي زرعة ، وصنّف الكُتب المهمّة ، كالتفسير الجليل المقدار ، في أربع مجلّدات ، غالبه آثار مُسندة... )(١) .

وفي( فوات الوفيات ) :

( قال أبو عليّ الخليلي : كان يُعدّ من الأبدال ، وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل )(٢) .

وذكر السيوطي في( اللآلي المصنوعة ) بعد حديث تكليم الله موسى :

( وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ، وقد التزم أنْ يخرّج فيه أصحّ ما ورد ، ولم يخرّج فيه حديثاً موضوعاً ألبتّة )(٣) .

وفي( الإتقان ) بعد ذكر تفسير السدّي:

( ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئاً ؛ لأنّه التزم أنْ يخرّج أصحّ ما ورد )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ١ : ١١١/ ٥٨ .

(٢) فوات الوفيات ٢ : ٢٨٨/ ٢٥٧ .

(٣) اللآلي المصنوعة ١ : ١٢ .

(٤) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٨ .

٢٨٩

لكنّ ابن تيميّة يقول ـ في الجواب عن الاستدلال بالحديث الوارد بذيل الآية :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الذي رواه ابن أبي حاتم أيضاً ، كما في( الدرّ المنثور ) (١) ـ :

( والجواب مِن وجوه :

الأوّل : المطالبة بصحّة النقل ، وما ادّعاه مِن نقل النّاس كافّة ، مِن أظهر الكذِب عند أهل العلم بالحديث ، فإنّ هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل ، لا في الكتب الصحاح ولا في المسانيد والسُنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتجّ به .

وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل فيها الصحيح والضعيف ، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغَوي ، بل وابن جرير وابن أبي حاتم ، لم يكن مجرّد رواية واحدٍ مِن هؤلاء دليلاً على صحّته باتّفاق أهل العلم ، فإنّه إذا عرف أنّ تلك المنقولات فيها صحيحٌ وضعيف ، فلابدّ من بيان أنّ هذا المنقول مِن قسم الصحيح دون الضعيف ، وهذا الحديث غايته أنْ يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغثّ والسمين ، بل وفيها أحاديثٌ كثيرةٌ موضوعةٌ مكذوبة ، مع أنّ كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلَبي والبغَوي يَنقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يُناقض هذا ) .

وقال :

(الثالث : إنّ هذا الحديث كذِبٌ موضوع عند أهل المعرفة بالحديث ، فما مِن عالم يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّ هذا كذِبٌ موضوع ، وهذا لم يروِه أحدٌ منهم في الكتب التي يُرجع إليها في المنقولات ؛ لأنّ أدنى مَن له معرفة

ـــــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ .

٢٩٠

بالحديث يعلم أنّ هذا كذِب )(١) .

وعلى هذا ، فإنّ جميع المدائح المذكورة لابن أبي حاتم وتفسيره تذهب أدراج الرّياح .

هذا بالنسبة إلى تفسيره .

وأمّا بالنسبة إلى كتابه في الجرح والتعديل ، فقد ذكر ابن الجوزي في( تلبيس إبليس ) ما نصّه :

( وبالإسناد عن أبي الحسن عليّ بن محمّد البخاري يقول : سمعت محمّد ابن الفضل العبّاسي يقول : كنّا عند عبد الرحمان بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرْح والتعديل ، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرّازي فقال : يا أبا محمّد ، ما هذا الذي تقرؤه على الناس ؟ فقال : كتابٌ صنّفته في الجرح والتعديل .

فقال : وما الجرح والتعديل ؟ فقال : أظهر أحوال أهل العلم مَن كان منهم ثقةٌ أو غير ثقة فقال له يوسف بن الحسين : استحييت لك يا أبا محمّد مِن هؤلاء القوم ، قد حطّوا رواحلهم في الجنّة منذ مئة سنة ومِئتي سنة ، تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض ، فبكى عبد الرحمان وقال : يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لم أُصنّفه )(٢) .

ولكنّ هذا الكلام يدلّ على جهل ابن أبي حاتم وعدم فهمه ، لِلِزوم المفسدة العظيمة في الدين والشريعة لولا الجرْح والتعديل للرجال... ولذا قال ابن الجوزي :

( قلت : عفا الله عن ابن أبي حاتم ، فإنّه لو كان فقيهاً لردّ عليه كما ردّ إمام

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنة ٤ : ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٢) تلبيس إبليس : ٣٧٩ .

٢٩١

القوم في الجنّة أحمد على أبي تراب ، ولولا الجرح والتعديل من أين كان يعرف الصحيح من الباطل ، ثمّ كون القوم في الجنّة لا يمنع أنْ نذكرهم بما فيهم ، وتسمية ذلك غيبة حديث سوء ثمّ مَن لا يدري الجرح والتعديل ما هو كيف يذكر كلامه ؟ )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ٣٧٩ باختلافٍ في النص .

٢٩٢

تفسير الحاكم النّيسابوري

الذي قال عنه المناوي في( فيض القدير ) :

( قال السبكي : اتّفق العلماء على أنّه مِن أعظم الأئمّة الذين حفظ الله بهم الدين )(١) .

وقال ابن قاضي شهبة :

( وقد أطنب عبد الغافر في مدحه وذكر فضائله وفوائده ومحاسنه ـ إلى أنْ قال : ـ مضى إلى رحمة الله تعالى ولم يخلّف بعده مثله )(٢) .

وقال ابن الأثير في وصف منزلته في علم الحديث : ( كان عالماً بهذا الفن ، خبيراً بغوامضه ، عارفاً بأسراره )(٣) .

إلاّ أنّه لروايته بعض مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تكلّم فيه بعض أكابر القوم ، قال الذهبي في( الميزان ) :

( وقد قال ابن طاهر : سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال : إمام في الحديث ، رافضي خبيث )(٤) .

بل إنّ الفضل ابن روزبهان اتّخذ اتّهامه بالتشيّع ذريعةً للردّ على الإماميّة حين قال :

( وذكر الإمام الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، المحدّث الكبير والحافظ المتقن الفاضل النحرير ، في كتاب معرفة علو الحديث ، بإسناده عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ( عليه وعلى آبائه السلام ) أنّه قال : أبو بكر الصدّيق جدّي ، وهل يسبُّ أحد آبائه ، لا قدّمني الله إنْ لا أُقدّمه .

وقد اشتهر بين المحدّثين والعلماء : أنّ الحاكم أبا عبد الله المذكور كان مائلاً إلى التشيّع ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير ١ : ٢٦ .

(٢) طبقات الشافعية ١ : ١٩٤/ ١٥٣ .

(٣) جامع الأُصول ـ ترجمة الحاكم النيسابوري .

(٤) ميزان الاعتدال ٣ : ٦٠٨/ ٧٨٠٤ .

٢٩٣

تفسير ابن ماجة

وأمّا تفسير ابن ماجة القزويني ، فمن الرّجال الذين روى عنهم فيه :

عيسى بن قرطاس الكوفي : قال ابن حجر في( تقريب التهذيب ) :

( عيسى بن قرطاس الكوفي ، متروك ، وقد كذَّّبه الساجي ، مِن السادسة )(١) .

محمّد بن عبد الله الأنصاري : قال الذهبي :

( قال العقيلي : مُنكرُ الحديث .

وقال ابن حبّان : مُنكر الحديث جدّاً .

وقال ابن طاهر : كذّاب ، وله طامّات )(٢) .

وقال ابن حجر : ( كذّبوه )(٣) .

نوح بن درّاج : قال ابن حجر : ( متروك ، وقد كذّبه ابن معين )(٤) .

وقال الذهبي : ( قال النسائي وغيره : ضعيف .

وقال أبو داود : كذّاب يضع الحديث )(٥) .

نوح بن أبي مريم : وستعرفه .

ـــــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ٢ : ١٠٧/ ٥٩٨٣ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٩٨/ ٧٧٦٤ .

(٣) تقريب التهذيب ٢ : ١٨٦/ ٦٧٦٣ .

(٤) تقريب التهذيب ٢ : ٣١٣/ ٨١١٢ .

(٥) ميزان الاعتدال ٤ : ٢٧٦/ ٩١٣٣ .

٢٩٤

تفسير ابن مردويه

وأمّا تفسير ابن مردويه ، فقد نصّ المولوي عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشريّة في رسالته في( أُصول الحديث ) بأنّه من التفاسير المشهورة ، إلاّ أنّه أورده في عداد كتب الطبقة الرابعة ، مُصرّحاً بأنّ أحاديث هذه الكتب ليست بقابلةٍ للاعتماد ، للدلالة على عقيدةٍ أو حكم .

كما أنّ ابن الجوزي قد حكم بالوضع على أحاديث كثيرة في هذا التفسير .

تفسير ابن المنذر

الذي جاء في( طبقات الشافعيّة ) لابن قاضي شهبة بترجمته :

( محمّد بن إبراهيم بن المنذر ، أبو بكر النيسابوري ، الفقيه ، نزيل مكّة ، أحد الأئمّة الأعلام ، وممّن يُقتدى بنقله في الحلال والحرام ، صنّف كتباً معتبرةً عند أئمّة الإسلام ، منها... التفسير وغير ذلك ، وكان مجتهداً لا يقلّد أحداً )(١) .

لكنْ في( ميزان الاعتدال ) ما نصّه :

( قال مسلمة بن قاسم الأندلسي : كان لا يُحسن الحديث : ثمّ نسب إلى العقيلي : إنّه كان يحمل عليه وينسبه إلى الكذِب ، وكان يروي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي ، ولم يرَ الربيع ولا سمِع منه ، وذكر غير ذلك توفّي سنة ٣١٨ ، ولا عبرة بقول مسلمة فيه ، وأمّا العقيلي فكلامه مِن قبيل كلام الأقران بعضهم في بعض ، مع أنّه لم يذكره في كتاب الضعفاء له )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ١ : ٩٨/ ٤٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٥٠ ـ ٤٥١/ ٧١٢٣ .

٢٩٥

تفسير بن أبي داود السجستاني

الذي ذكر الذّهبي مناقبه فقال :

( قد كان أبو بكر مِن كبار الحفّاظ والأئمّة الأعلام ، حتّى قال الخطيب : سمعت الحافظ أبا محمّد الخلاّل يقول : كان أبو بكر أحفظ مِن أبيه أبي داود .

وروى ابن شاهين عن أبي بكر أنّه كتب في شهر عن أبي سعيد الأشج ثلاثين ألفاً .

وقال أبو بكر النقّاش والعهدة عليه : سمعت أبا بكر ابن أبي داود يقول : إنّ تفسيره فيه مِئة ألف وعشرون ألف حديث .

قلت : ولد سنة ثلاثين ومئتين ، ورحل به أبوه ، فلقي الكبار وسمع عيسى ابن حمّاد صاحب الليث بن سعد وطبقته ، وانفرد عن طائفة .

قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان : ذهب أبو بكر إلى سجستان فاجتمعوا عليه وسألوه أنْ يحدّثهم فقال : ليس معي كتاب ، فقالوا : ابن أبي داود وكتاب ؟ قال : فأثاروني فأمليت عليهم مِن حفظي ثلاثين ألفَ حديث ، فلمّا قدِمت بغداد قال البغداديّون : لعبت بأهل سجستان ثمّ فيّجوا فيجاً اكتروه بستّة دنانير ليكتب لهم النسخة ، فكتب ، وجيء بها فعرضت على الحفّاظ فخطّأوني في ستّة أحاديث منها ثلاثة رويتها كما سمعت .

وقال الحافظ أبو عليّ النيسابوري : سمعت ابن أبي داود يقول : حدّثت بأصبهان مِن حفظي بستّةٍ وثلاثين ألفَ حديث ، ألزموني الوهم في سبعةأحاديث ، فلمّا رجعت وجدت في كتابي منها خمسة على ما حدّثتهم ) (١) .

لكنّ ابن أبي داود مجروحٌ ومقدوحٌ بقوادحٍ عظيمة كالنصْب والكذِب ، حتّى أنّهم نقلوا عن أبيه ـ أبي داود صاحب السُنن ـ اتّهامه بالكذِب... وقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ، أبو بكر ، الحافظ الثقة ، صاحب التصانيف ، وثّقه الدار قطني فقال : ثقةٌ إلاّ أنّه كان كثير الخطأ في الكلام على الحديث .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٣٥/ ٤٣٦٨ .

٢٩٦

وذكره ابن عدِي وقال : لولا ما شرطنا وإلاّ لما ذكرته ـ إلى أنْ قال : ـ وهو معروف بالطلب ، وعامّة ما كتب مع أبيه وهو مقبول عند أصحاب الحديث وأمّا كلام أبيه فيه فلا أدري أيش تبيّن له منه .

ثنا عليّ بن عبد الله الداهري ، سمعت أحمد بن محمّد بن عمرو كركرة ، سمعت عليّ بن الحسين بن الجنيد ، سمعت أبا داود يقول : ابني عبد الله كذّاب .

قال ابن صاعد : كفانا ما قال أبوه فيه .

ثمّ قال ابن عدي : سمعت موسى بن القاسم الأشيب يقول : حدّثني أبو بكر يقول : سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول : أبو بكر ابن أبي داود كذّاب .

وسمعت أبا القاسم البغوي وقد كتب إليه أبو بكر ابن أبي داود يسأله عن لفظ حديث لجدّه ، فلمّا قرأ رقعته قال : أنت ـ والله ـ عندي منسلخٌ من العلم .

وسمعت عبدان ، سمعت أبا داود السجستاني يقول : مِن البلاء أنّ عبد الله يُطلب للقضاء .

وسمعت محمّد بن الضحّاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول : أشهد على محمّد بن يحيى بن مندة بين يدي الله أنّه قال : أشهد على أبي بكر ابن أبي داود بين يدي الله تعالى أنّه قال : روى الزهري عن عروة قال : حفيت أظافير فلان ، من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قلت : هذا لم يسنده أبو بكر إلى الزهري ، فهو منقطع ، ثمّ لا يسمع قول الأعداء بعضهم في بعض ، ولقد كاد أنْ يضرب عنق عبد الله لكونه حكى هذا ، فشدّ منه محمّد بن عبد الله بن حفص الهمداني وخلّصه من أمير أصبهان أبي ليلى ، وكان انتدب له بعض العَلَويّة خصماً ، ونسب إلى عبد الله المقالة ، وأقام الشهادة عليه ابن مندة المذكور ومحمّد بن عبّاس الأخرم وأحمد بن علي الجارود ، فأمر أبو ليلى بقتله ، فأتى الهمداني وجرح الشهود...) .

وأيضاً في( الميزان ) :

( قلت : كان ـ أي عبد الله بن سليمان ـ قويّ النفس ، وقع [فتنة] بينه وبين ابن صاعد وبين ابن جرير ، نسأل الله العافية .

٢٩٧

قال ابن شاهين : أراد الوزير عليّ بن عيسى أنْ يصلح بين أبي بكر ابن أبي داود وابن صاعد ، فجمعهما وحضر القاضي أبو عمر ، فقال الوزير لأبي بكر : أبو محمّد ابن صاعد أكبر منك فلو قمت إليه فقال : لا أفعل فقال له : أنت شيخٌ زيف قال أبو بكر : الشيخُ الزيف الكذّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الوزير : مَن الكذّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال أبو بكر : هذا ، ثمّ قال إنّي أذّل لأجلِ رزقٍ يصل إليّ على يدك ، والله لا أخذت مِن يدك شيئاً أبداً ، وعليَّ مِئة بدنة إنْ أخذت منك شيئاً ، فكان المقتدر بعد يزن رزقه بيده ويبعثه على يد خادم .

وقال محمّد بن عبد الله القطّان : كانت عند محمّد بن جرير فقال رجل :

ابن أبي داود يقرأ على النّاس فضائل عليّرضي‌الله‌عنه فقال ابن جرير : تكبيرةٌ مِن حارس .قلت : وقد قام ابن أبي داود وأصحابه ـ وكانوا خلقاً كثيراً ـ على ابن جرير ونسبوه إلى بدعة اللّفظ ، فصنّف الرجل معتقداً حسناً سمعناه ، تنصّل فيه ممّا قيل عنه وتألّم لذلك) (١) .

هذا ، وقد ذمّه ابن الجوزي على روايته الخبر الطويل الموضوع في فضائل السّور وفرَّقه عليها ، مع علمه بوضعه وبطلانه ! قال :

( وإنّما عجبت مِن أبي بكر ابن أبي داود ، كيف فرّقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديثٌ محال ؟! ولكنْ شره جمهور المحدّثين ، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل ، وهذا قبيحٌ منهم ؛ لأنّه قد صحَّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( مَن حدّث عنّي حديثاً يرى أنّه كذِب ، فهو أحدُ الكاذبين ) (٢) .

وقد أورد السيوطي كلام ابن الجوزي هذا مع إسقاط الجملة الأخيرة منه التي فيها ذمّ لجمهور المحدّثين...(٣) .

فكان ابن أبي داود مطعوناً عند ابن الجوزي والسيوطي أيضاً .

وحرمة رواية الحديث الموضوع ـ مع العلم بوضعه ـ ممّا استفاض فيه الحديث النبوي واتّفق عليه العلماء .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٣٣ ـ ٤٣٥/ ٤٣٦٨ .

(٢) كتاب الموضوعات ١ : ٢٤٠ .

(٣) اللآلي المصنوعة ١ : ٢٢٨ .

٢٩٨

تفسير أبي بكر النقّاش

وهو مِن مشاهير مفسّريهم ، وقد اعتمد على تفسيره علماؤهم ، حتّى أنّ صاحب( التحفة ) رجّح روايته في نزول آية الولاية ، في المهاجرين والأنصار على رواية الثعلبي نزولها في أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

وقال السيوطي في( اللآلي المصنوعة ) :

( وأمّا النقّاش ، فهو أحد العلماء بالقراءات ، وأحد الأئمّة في التفسير ، قال الذهبي : صار شيخ المُقرين في عصره ، على ضعفٍ فيه ، أثنى عليه أبو عمرو الداني ، وحدّث بمناكير ) .

واعتمد السبكي على توثيق أبي عمرو الداني ، قال :

( محمّد بن الحسن بن محمّد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند ، أبو بكر النقّاش ، الموصلي ثمّ البغدادي ، الإمام في القراءة والتفسير وكثير من العلوم... وثّقه أبو عمرو الداني وقبله وزكّاه... )(٢) .

لكنّ تكلّمهم فيه وفي تفسيره كثير :

قال السمعاني :

( ذكر طلحة بن محمّد بن جعفر النقّاشَ فقال : كان يكذب في الحديث والغالب عليه القصص .

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثنا عشريّة : ١٩٨ .

(٢) طبقات الشافعيّة ٣ : ١٤٥ ـ ١٤٦/ ١٢٩ .

٢٩٩

وسُئل أبو بكر البرقاني عن النقّاش فقال : كلّ حديثه منكر .

وقال البرقاني وذكر تفسير النقّاش فقال : ليس فيه حديثٌ صحيح .

وكان هبة الله الطبري اللالكائي يقول : تفسير النقّاش ذلك إشفاء الصدور ليس بشفاء الصدور )(١) .

وأورد الذهبي الكلمات المذكورة في( الميزان ) (٢) وفيه أيضاً :

( محمّد بن الحسن ، روى عنه إسحاق بن محمّد السيوطي أحاديث مختلفة في فضل معاوية ، لعلّه النقّاش صاحب التفسير ، فإنّه كذّاب )(٣) .

وكذا في( لسان الميزان ) (٤) و( وفيات الأعيان ) (٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٥ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ( النقّاش ) .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٢٠/ ٧٤٠٤ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٥١٦/ ٧٣٩٠ .

(٤) لسان الميزان ٦ : ٤٥/ ٧٢٨٨ .

(٥) وفيات الأعيان ٤: ٢٩٨/ ٦٢٧ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420