دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق14%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214709 / تحميل: 4833
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقال الفضل(١) :

إسناد أفعال العباد إلى تحقّق الداعي وانتفاء الصارف لا ينافي سبق إرادة الله تعالى لأفعالهم وخلقه لها ؛ لأنّ الإسناد بواسطة الكسب والمباشرة ، فلا يكون مخالفة للمحسوس.

وأمّا ما ذكره من الدليل ، فهو مبنيّ على إثبات الحسن والقبح العقليّين ، وقد أبطلناهما.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

٨١

وأقول :

حاصل مراد المصنّف : إنّ الظاهر عندنا الضروري لدينا ، أنّ الفعل إنّما تتفرّع إرادته وإيجاده عن ثبوت الداعي له وانتفاء الصارف عنه ، وتتفرّع كراهته وتركه عن وجود الصارف عنه وعدم الداعي له.

ولا ريب أنّ الفعل الذي به الطاعة حسن ، والحسن جهة دعاء ، والفعل الذي به المعصية قبيح ، والقبح جهة صرف ، فلا بدّ أن يكون ما به الطاعة مراد الله تعالى ؛ لوجود الداعي له وهو حسنه بلا صارف عنه ، وما به المعصية مكروها لله تعالى ؛ لوجود الصارف عنه وهو قبحه بلا داع له

لأنّ الداعي : إمّا الحاجة إليه ، أو الجهل بقبحه ، وهما منتفيان في حقّ الله تعالى.

أو الحكمة ، وهي منافية لفعل القبيح ، فيلزم أن تثبت إرادة الله تعالى للطاعات ، وكراهته للمعاصي ، إرادة وكراهة تشريعيّتين عندنا وتكوينيّتين عند الأشاعرة.

لكنّهم خالفوا المحسوس بقولهم : إنّ الله تعالى يريد كلّ ما وقع في الوجود من الأفعال ، سواء كان طاعة أم معصية ، ويكره كلّ ما لم يقع(١) .

فإذا عرفت هذا ظهر لك أنّ مراد المصنّف هو : الداعي والصارف لله تعالى لا للعبد كما تخيّله الخصم ، فأجاب بما لا يرتبط بكلام المصنّف أصلا.

__________________

(١) راجع الصفحة ٦٣ من هذا الجزء.

٨٢

والأولى للخصم الاكتفاء في الجواب بإنكار الحسن والقبح العقليّين في الأفعال.

لكن يرد عليه ـ مع بطلانه كما سبق(١) ـ أنّ بعض الأفعال صفة كمال أو نقص عندهم ، كالعدل ، والظلم ، والإصلاح ، والإفساد ، ونحوها

وهم يقولون : بالحسن والقبح عقلا فيها كما سبق منه(٢) ، وهو كاف في تمام دليل المصنّف رحمة الله عليه.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحة ٩ من هذا الجزء.

(٢) راجع ردّ الفضل بن روزبهان من مبحث « الحسن والقبح العقليّين » في ج ٢ / ٤١١ من هذا الكتاب.

٨٣
٨٤

وجوب الرضا بالقضاء

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المطلب السادس

في وجوب الرضا بقضاء الله تعالى

اتّفقت الإمامية والمعتزلة وغيرهم من الأشاعرة وجميع طوائف الإسلام على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره(٢) .

ثمّ إنّ الأشاعرة قالوا قولا لزمهم منه خرق الإجماع والنصوص الدالّة على وجوب الرضا بالقضاء ، وهو : إنّ الله تعالى يفعل القبائح بأسرها ولا مؤثّر في الوجود غير الله تعالى من الطاعات والقبائح(٣)

فتكون القبائح من قضاء الله تعالى على العبد وقدره ، والرضا بالقبيح

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٦.

(٢) انظر رأي الإمامية والمعتزلة في : التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٧٠ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٠ ، المحيط بالتكليف : ٤٢٠.

وانظر رأي الأشاعرة في : الملل والنحل ١ / ٨٣ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٩ ، المواقف : ٣٢٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٣) انظر الصفحة ٦ ه‍ ٢ من هذا الجزء.

٨٥

حرام بالإجماع(١) ، فيجب أن لا يرضى بالقبيح

ولو كان من قضاء الله تعالى لزم إبطال إحدى المقدّمتين ، وهي :

إمّا عدم وجوب الرضا بقضائه تعالى وقدره

أو وجوب الرضا بالقبيح

وكلاهما خلاف الإجماع.

أمّا على قول الإمامية ، من أنّ الله تعالى منزّه من فعل القبائح والفواحش ، وأنّه لا يفعل إلّا ما هو حكمة وعدل وصواب ، ولا شكّ في وجوب الرضا بهذه الأشياء ، فلا جرم كان الرضا بقضائه وقدره على قواعد الإمامية والمعتزلة واجبا ، ولم يلزم منه خرق الإجماع في ترك الرضا بقضاء الله تعالى ولا في الرضا بالقبائح.

* * *

__________________

(١) انظر : التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٧١ ، تقريب المعارف : ١٠٥ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٨٨ و ٨٩ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٤ ، المواقف : ٣٢٢.

٨٦

وقال الفضل (١) :

قد سبق أنّ وجوب الرضا بقضاء الله تعالى مذهب الأشاعرة(٢) ، وأمّا لزوم نسبة فعل القبائح إليه تعالى فقد عرفت بطلانه في ما سبق(٣) ، وأنّه غير لازم ؛ لأنّ خلق القبيح ليس فعله ، ولا قبيح بالنسبة إليه تعالى.

وأمّا قوله : « فتكون القبائح من قضاء الله تعالى »

فجوابه : إنّ القبائح مقضيّات لا قضاء ، والقضاء فعل الله تعالى ، والقبيح هو المخلوق.

ونختار من المقدّمتين وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، ولا نرضى بالقبيح ، والقبيح ليس هو القضاء ، بل هو المقضيّ كما عرفته ، ولم يلزم منه خرق الإجماع.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٩.

(٢) راجع ردّ الفضل بن روزبهان في ج ٢ / ٣٣٨.

(٣) راجع ردّ الفضل بن روزبهان في الصفحة ٧ من هذا الجزء.

٨٧

وأقول :

قد بيّنّا أنّ خلق القبيح فعله(١) ، ولو سلّمت المغايرة فهو في القبح مثله.

وليت شعري لم يمتنع من القول : بأنّ الخلق هو الفعل؟! والحال أنّه يزعم أنّه لا قبيح بالنسبة إليه تعالى ، فليكن فعله سبحانه للقبيح سائغا ، وتسميته الخلق بالفعل جائزة ، لا سيّما و [ أنّه ] لا حسن ولا قبح عقلا في الأفعال عندهم!

وليس هو بأعظم من حكمه بأنّ الله سبحانه يقضي بالقبيح ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين القضاء والمقضيّ ، فقد سبق أنّه لا يغني شيئا ؛ للتلازم بينهما في الرضا وعدمه(٢) .

على أنّ القبائح المقضيّات لله سبحانه مرضيّات له ؛ لتوقّف فعل الشيء بالاختيار على إرادته والرضا به ـ كما مرّ(٣) ـ ، فلو سخطها العبد كان سخطا لما رضي الله وأراده.

فإن قلت : من مقضيّات الله تعالى : جهل العباد وملكاتهم السيّئة كالجبن والبخل ، وهي ممّا اتّفقت الكلمة والأخبار على ذمّها وعدم الرضا بها ، فلا بدّ من القول بعدم التلازم بين القضاء والمقضيّ في الرضا وعدمه.

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر١ في الصفحة ٩ من هذا الجزء.

(٢) راجع ردّ الشيخ المظفّر١ في ج ٢ / ٣٣٩.

(٣) انظر ردّ الشيخ المظفّر١ في ج ٢ / ٣٣٩.

٨٨

قلت : ذمّ الجهل وعدم الرضا به ليس من حيث أصل وجوده ، ولذا لا يذمّ جهل الطفل ولا يسخط منه ، بل من حيث البقاء والاستمرار عليه لمن يتمكّن من إزالته ، والبقاء عليه مستند إلى العبد.

كما إنّ ذمّ الجبن والبخل وعدم الرضا بهما ليس من حيث أصل وجودهما الذي قضت به الحكمة الإلهيّة ، بل من حيث آثارهما المستندة إلى العبد التي يقدر على مجانبتها بالنظر إلى قبحها ، وتعويد نفسه على خلافها ، بل يقدر على تبديل الملكتين بخلافهما.

فالجهل والجبن والبخل مرضيّات الوجود ، مسخوطات البقاء أو الآثار ، والمرضيّ مستند إلى الله تعالى ، والمسخوط مستند إلى العبد.

* * *

٨٩
٩٠

إنّه تعالى لا يعاقب على فعله

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

المطلب السابع

في أنّ الله تعالى لا يعاقب الغير على فعله

ذهبت الإمامية والمعتزلة إلى أنّ الله تعالى لا يعذّب العبيد على فعل يفعله فيهم ، ولا يلومهم عليه(٢) .

وقالت الأشاعرة : إنّ الله تعالى لا يعذّب العبد على فعل العبد ، بل يفعل الله تعالى فيه الكفر ، ثمّ يعاقبه عليه ، ويفعل فيه الشتم لله تعالى والسبّ له ولأنبيائهعليهم‌السلام ويعاقبه عليها ، ويخلق فيهم الإعراض عن الطاعات وعن ذكره وذكر أحوال المعاد ثمّ يقول :( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (٣) (٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٨.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ رقم ٢٦ وذكر الشيخ المفيد رأي المعتزلة كذلك ، المنقذ من التقليد ١ / ١٩٠ و ١٩٩.

وانظر رأي المعتزلة في : شرح الأصول الخمسة : ٣٣٢ وما بعدها ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٤.

(٣) سورة المدّثّر ٧٤ : ٤٩.

(٤) الإبانة عن أصول الديانة : ١٥٨ ـ ١٦١ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢٣ ، الاقتصاد

٩١

وهذا أشدّ أنواع الظلم ، وأبلغ أصناف الجور ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا وقد قال تعالى :

( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (١)

( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٢)

( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (٣)

( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٤) .

وأيّ ظلم أعظم من أن يخلق في العبد شيئا ويعاقبه عليه؟! بل يخلقه أسود ثمّ يعذّبه على سواده ، ويخلقه طويلا ثمّ يعاقبه على طوله ، ويخلقه أكمه ويعذّبه على ذلك ، ولا يخلق له قدرة على الطيران إلى السماء ثمّ يعذّبه بأنواع العذاب على أنّه لم يطر!

فلينظر العاقل المصنف من نفسه ، التارك للهوى ، هل يجوز له أن ينسب ربّه عزّ وجلّ إلى هذه الأفعال؟! مع أنّ الواحد منّا لو قيل له : إنّك تحبس عبدك وتعذّبه على عدم خروجه في حوائجك! لقابل بالتكذيب وتبرّأ من هذا الفعل ، فكيف يجوز أن ينسب ربّه إلى ما يتنزّه هو عنه؟!

* * *

__________________

في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١١٥ ـ ١١٧ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ وما بعدها.

(١) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٣١.

(٣) سورة النحل ١٦ : ١١٨.

(٤) سورة الأنعام ٦ : ١٦٤ ، سورة الإسراء ١٧ : ١٥ ، سورة الزمر ٣٩ : ٧ ، سورة فاطر ٣٥ : ١٨.

٩٢

وقال الفضل (١) :

مذهب الأشاعرة : أن لا خالق غير الله تعالى كما نصّ عليه في كتابه العزيز :( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٢) وهو يعذّب العبد على فعل العبد ؛ لأنّ العبد هو المباشر والكاسب لفعله وإن كان خلقه من الله تعالى ، والخلق غير الفعل والمباشرة.

ثمّ إنّه لو عذّب عباده بأنواع العذاب من غير صدور الذنب عنهم يجوز له ذلك(٣) .

وليس هذا من باب الظلم ؛ لأنّ الظلم هو التصرّف في حقّ الغير ، ومن تصرّف في حقّه بأيّ وجه من وجوه التصرّف لا يقال : إنّه ظلم ، فالعباد كلّهم ملك الله تعالى ، وله التصرّف فيهم كيف يشاء.

ألا ترى إلى قول عيسىعليه‌السلام حيث حكى الله تعالى عنه :( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) (٤) جعل العبودية سببا مصحّحا للتعذيب ، والمراد أنّهم ملكك ولك التصرّف فيهم كيف شئت ، فلا ظلم بالنسبة إليه تعالى كيفما يتصرّف في عباده.

هذا هو الحقّ الأبلج وما سواه بدعة وضلالة ، كما ستراه وتعلمه بعد هذا في مبحث خلق الأعمال إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٦٦.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ١٦ ، سورة الزمر ٣٩ : ٦٢.

(٣) انظر الصفحة ٧ ـ ٨ والصفحة ٩١ ه‍ ٤ من هذا الجزء.

(٤) سورة المائدة ٥ : ١١٨.

٩٣

وما ذكره من خلق الأسود وتعذيبه بالسواد فهذا من باب طامّاته ، وكذا ما ذكره من الأمثلة.

فإنّ هذه الأشياء أعراض خلقت ولا يتعلّق بها ثواب وعقاب ، والأفعال المخلوقة ليست مثل هذه الأعراض ؛ لأنّ العبد في الأفعال كاسب ومباشر ، والثواب والعقاب بواسطة المباشرة كما ستعرف.

* * *

٩٤

وأقول :

قد سبق في المطلب الأوّل بيان المراد في قوله تعالى :( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (١) فراجع تحقيقه(٢) .

وأمّا قوله : « لأنّ العبد هو المباشر والكاسب »

ففيه : إنّ الكسب الذي يزعمونه أيضا خلق الله تعالى ؛ لأنّه خالق كلّ شيء ، ولا أثر للعبد في الكسب أصلا.

ما أدري هل المقتضي للعقاب مجرّد الألفاظ وأن يقال : إنّ العبد كسب وفعل؟!

وأمّا قوله : « ومن تصرّف في حقّه بأيّ وجه من وجوه التصرّف لا يقال : إنّه ظلم »

فظاهر البطلان ، ضرورة أنّ صحّة تعذيب العبد بأنواع العذاب من دون ذنب ليست من مقتضيات الملكيّة وحقوقها ، بل هذا التصرّف ظلم محض لا يستحقّه المالك بوجه أصلا.

قال تعالى :( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (٣) ، فإنّه سبحانه جعل إهلاكه للمصلح ظلما وإن كان من التصرّف في الملك.

فتعبير الخصم عن الملك بالحقّ على وجه يجوز فيه ذلك التصرّف

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ١٦ ، الزمر ٣٩ : ٦٢.

(٢) انظر ردّ الشيخ المظفّر١ في ج ٢ / ٣٤٢.

(٣) سورة هود ١١ : ١١٧.

٩٥

خطأ واضح.

وأمّا استدلاله بالآية الحاكية لقول عيسىعليه‌السلام ففي غير محلّه ؛ لأنّ حقّيّة العقاب متوقّفة على أمرين : الذنب ، وولاية المعذّب على المذنب.

ولمّا كان من اتّخذ عيسى وأمّه إلهين مذنبا ـ وسابقا ذكر ذنبه في الآية ـ بيّن عيسى الأمر الثاني ، وهو : ولاية الله تعالى عليهم بأنّهم عباده ، فلم تدلّ الآية على صحّة عذاب من لا ذنب له.

وأمّا قوله : « فإنّ هذه الأشياء أعراض خلقت ولا يتعلّق بها ثواب وعقاب »

ففيه : ـ مع أنّ بعض أمثلة المصنّف كالطيران من الأفعال ـ إن أراد أنّها لا يتعلّق بها ثواب وعقاب من حيث الوقوع ، فمسلّم ، وليس هو مقصود المصنّف.

وإن أراد أنّه لا يجوز تعلّقهما بها ، فهو مناف لقوله : « لو عذّب عباده بأنواع العذاب من غير صدور الذنب عنهم يجوز له ذلك ».

.. إلى غير ذلك من كلماته.

والمصنّف لم يقصد إلّا تجويزهم للعقاب في الأمثلة وهو لازم لهم.

وأما قوله : « والأفعال المخلوقة ليست مثل هذه الأعراض »

ففيه : إنّه لا أثر لهذا الفرق بعد أن كان المصحّح للعذاب عندهم هو الملكيّة ، على أنّ الكسب كالسواد فعل لله تعالى ، فلا فرق إلّا بأمر يعود إلى اللفظ.

* * *

٩٦

امتناع تكليف ما لا يطاق

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

المطلب الثامن

في امتناع تكليف ما لا يطاق

قالت الإمامية : إنّ الله تعالى يستحيل عليه ـ من حيث الحكمة ـ أن يكلّف العبد ما لا قدرة له عليه ولا طاقة له به ، وأن يطلب منه فعل ما يعجز عنه ويمتنع منه(٢) .

فلا يجوز له أن يكلّف الزمن الطيران إلى السماء ، ولا الجمع بين الضدّين ، ولا كونه في المشرق حال كونه في المغرب ، ولا إحياء الموتى ، ولا إعادة آدم ونوحعليهما‌السلام ، ولا إعادة الأمس الماضي ، ولا إدخال جبل قاف(٣) في خرم الإبرة ، ولا شرب ماء دجلة في جرعة واحدة ، ولا إنزال

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٩.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٨ ـ ٩٩ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٠ ، تقريب المعارف : ١١٢ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٠٦ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٠٣.

(٣) هذا ممّا يضرب مثلا لما هو مستحيل ، وقد وردت عدّة أحاديث عن الخاصّة والعامّة تفيد أنّ جبل قاف هو الجبل المحيط بالأرض ، وخضرة السماء منه ، وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها انظر : معاني الأخبار : ٢٢ ح ١ ، مجمع البيان ٩ / ٢٠٨ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ١٤٦ و ١٤٨ ، تفسير القرطبي ١٧ / ٣ و ٤ ، معجم البلدان ٤ / ٣٣٨ رقم ٩٣٧٣ ؛ والله العالم!

٩٧

الشمس والقمر إلى الأرض إلى غير ذلك من المحالات الممتنعة [ لذاتها ].

وذهبت الأشاعرة : إلى أنّ الله تعالى لم يكلّف العبد إلّا ما لا يطاق ولا يتمكّن من فعله(١) ، فخالفوا المعقول الدالّ على قبح ذلك ، والمنقول ، وهو المتواتر من الكتاب العزيز ، قال الله تعالى :

( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٢)

( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٣)

و( لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) (٤)

( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (٥) .

والظلم هو الإضرار بغير المستحقّ ، وأيّ إضرار أعظم من هذا مع إنّه غير مستحقّ؟!

تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٨ ـ ٩٩ ، تمهيد الأوائل : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢٨ ـ ٣٣٢ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٠.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦.

(٤) سورة غافر ٤٠ : ١٧.

(٥) سورة الكهف ١٨ : ٤٩.

٩٨

وقال الفضل (١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ تكليف ما لا يطاق جائز ، والمراد من هذا الجواز ، الإمكان الذاتي ، وهم متّفقون أنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع قطّ في الشريعة بحكم الاستقراء ، ولقوله تعالى :( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) .

والدليل على جوازه : إنّه تعالى لا يجب عليه شيء ، فيجوز له التكليف بأيّ وجه أراد ، وإن كان العلم العادي أفادنا عدم وقوعه.

وأيضا : لا يقبح من الله شيء ، إذ يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.

ومذهب المعتزلة : عدم جواز التكليف بما لا يطاق ؛ لأنّه قبيح عقلا بما ذكره هذا الرجل من أنّ المكلّف للزمن الطيران إلى السماء وأمثاله يعدّ سفها ، وقد مرّ في ما مضى إبطال الحسن والقبح العقليّين(٢) .

ولا بدّ في المقام من تحرير محلّ النزاع ، فنقول : إنّ ما لا يطاق على مراتب :

أحدها : أن يمتنع الفعل لعلم الله بعدم وقوعه ، أو تعلّق إرادته أو إخباره بعدمه ، فإنّ مثله لا تتعلّق به القدرة الحادثة ؛ لأنّ القدرة الحادثة مع الفعل لا قبله ، ولا تتعلّق بالضدّين ، بل لكلّ واحد منهما قدرة على حدة تتعلّق به حال وجوده عندنا ، ومثل هذا الشيء لمّا لم يتحقّق أصلا

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٧٢.

(٢) انظر ردّ الفضل في ج ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ من هذا الكتاب.

٩٩

فلا تكون له قدرة حادثة تتعلّق به قطعا ، والتكليف بهذا جائز ، بل واقع إجماعا ، وإلّا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلّفا بالإيمان وترك الكبائر ، بل لا يكون تارك المأمور به عاصيا أصلا ، وذلك معلوم بطلانه من الدين ضرورة.

والثاني : أن يمتنع لنفس مفهومه ، كجمع الضدّين وقلب الحقائق وإعدام القديم ، فقالت الأشاعرة في هذا القسم : إنّ جواز التكليف به فرع تصوّره وهو مختلف فيه ، فمنهم من قال : لا يتصوّر الممتنع لذاته ، ومنهم من قال بإمكان تصوّره.

وبالجملة : لا يجوز التكليف به أصلا ؛ لأنّ المراد بهذا الجواز الإمكان الذاتي ، والتكليف بالممتنع طلب تحصيل ما لم يمكن بالذات ، وهو باطل.

الثالث : أن لا تتعلّق به القدرة الحادثة عادة ، سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومه ـ بأن لا يكون من جنس ما يتعلّق به كخلق الأجسام ، فإنّ القدرة الحادثة لا تتعلّق بإيجاد الجواهر أصلا ـ ، أم لا ـ بأن يكون من جنس ما يتعلّق به ، لكن يكون من نوع أو صنف لا يتعلّق به كحمل الجبل ، والطيران إلى السماء ، وسائر المستحيلات العاديّة ـ ، فهذا محلّ النزاع

فنحن نقول : بجوازه لإمكانه الذاتي

والمعتزلة : يمنعونه لقبحه العقلي(١)

مع إنّا قائلون : بأنّه لم يقع(٢) ، وهذا مثل سائر ما يجوّزه الأشاعرة من الأمور الممكنة ، كالرؤية وغيرها ، والتجويز العقلي لا يستلزم الوقوع.

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٨ / ٢٠٠ ـ ٢٠٢.

(٢) راجع : المواقف : ٣٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عطاء بن أبي سلمة الخراساني

وأمّا عطاء بن أبي سلمة الخراساني ، الذي ذكره السيوطي ـ بعد عطاء بن أبي رباح ـ ، فلم أجده في الكتب الرجاليّة ، نعم ، لا يبعد أنْ يكون مراده عطاء ابن أبي مسلم الخراساني ، فإنّه على ما في( فتح الباري ) وغيره كان له مصنَّف في التفسير ، وقد وثّقه غير واحدٍ من الأعلام .

لكنْ في( ميزان الاعتدال ) في ترجمته :

( وذكره العُقيلي في الضعفاء ، متشبّثاً بهذه الحكاية التي رواها حمّاد بن زيد عن أيّوب ، حدّثني القاسم بن عاصم ، قلت لسعيد بن المسيّب : إنّ عطاء الخراساني حدّثني عنك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الذي واقع أهله في رمضان بكفّارة الظهار فقال : كذب ، ما حدّثته ، إنّما بلغني أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : تصدّق تصدّق .

وقد ذكر البخاري عطاء الخراساني في الضعفاء ، فروى له هذا عن سليمان بن حرب عن حمّاد .

أحمد بن حنبل : ثنا عفّان ، ثنا همام ، أنا قتادة : أنّ محمّداً وعوناً حدّثاه أنّهما قالا لسعيد : إنّ عطاء الخراساني حدّثنا عنك في الذي وقع بأهله في رمضان ، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ يعتق رقبة ، فقال : كذب عطاء ، إنّما قال له : تصدّق تصدّق .

وقال ابن حبّان في الضعفاء : أصله من بلخ ، وعداده في البصريّين ، وإنّما قيل له الخراساني ؛ لأنّه دخل خراسان وأقام بها مدّة طويلة ثمّ رجع إلى العراق ، فنسب إلى خراسان ، وكان من خيار عباد الله ، غير أنّه كان رديّ الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم ، فيحمل عنه ، فلمّا كثُر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ) .

٢٢١

( قال الترمذي في كتاب العلل : قال محمّد يعني البخاري : ما أعرف لمالك رجلاً يروي عنه يستحقّ أن يترك حديثه، غير عطاء الخراساني قلت : ما شأنه ؟ قال : عامّة أحاديثه مقلوبة )(١) .

وهذا أيضاً رأي السمعاني فيه ، حيث قال :

( وكان من خيار عباد الله ، غير أنّه كان رديّ الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم فحمل عنه ، فلمّا كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٤ ـ ٧٥/ ٥٦٤٢ .

(٢) الأنساب ٢ : ٣٣٧ ( الخراساني ) .

٢٢٢

أبو العالية

وأمّا أبو العالية ، الذي جاء بترجمته من ( رجال المشكاة ) للدهلوي :

( قالت حفصة بنت سيرين : سمعته يقول : قرأت القرآن على عمر ثلاث مرّات ، وزهد في الدنيا ، وحجَّ خمساً وستّين حجّة )(١) .

وفي( مرآة الجنان ) :

( أبو العالية ، رفيع بن مهران الرياحي ، مولاهم ، البصري ، المقرئ المفسّر ، وقد دخل على أبي بكر ، وقرأ القرآن على أُبي قال أبو العالية : كان ابن عبّاس يرفعني على السرير وقريش أسفل ، وقال أبو بكر ابن أبي داود : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن مِن أبي العالية ، وبعده سعيد بن جُبير )(٢) .

وكذا في( تدريب الراوي ) (٣) ، فقد أورده في( الميزان ) وقال :

( قال ابن عدي : تُكلّم فيه من أجل حديث الضحك في الصّلاة )(٤) ، بل عن الشافعي أنّه تكلّم في حديثه كلّه وقال :

( حديث أبي العالية الرياحي رياح )(٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال في أسماء الرجال رجال المشكاة ، للشيخ عبد الحق الدهلوي .

(٢) مرآة الجنان ١ : ١٤٧ السنة ٩٣ .

(٣) انظر تدريب الراوي ٢ : ٤٠٠ .

(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٤٣/ ١٠٣٤٤ .

(٥) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٤/ ٢٧٩٠ .

٢٢٣

وهذا الكلام ـ وإنْ حاول الذهبي تأويله ـ يدلُّ على سقوط كافّة روايات الرجل وعدم اعتباره عند الشافعي ، ولذا قال السمعاني : ( كان الشافعي سيّئ الرأي فيه وفي رواياته )(١) .

وفي( رسالة ترجيح مذهب الشافعي ) للفخر الرازي :

( استدلّوا على ضعف حرام بن عثمان بقول الشافعي : حديثُ حرامٍ كاسمهِ حرامٌ ، وحديث الرياحي رياح ، ومَن رَوى عن أبي جابر البياضي بيّض الله عينيه ، ولمّا ثبت أنّ العلماء رجعوا إلى فتواه في الجرح والتعديل ، علمنا أنّ تقدّمه في علم الحديث كان معروفاً مسلّماً فيما بين النّاس ) .

وتكلّم ابن سيرين أيضاً في أبي العالية ، بما لا يقبل الحمل والتأويل ، فقد جاء في( العناية ) بعد ما يرونه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحديث :( لا وضوء على من نام قائماً أو قاعداً ) :

( فإنْ قيل : هذا الحديث غير صحيح ؛ لأنّ مداره على أبي العالية ، وهو ضعيف عند النقَلَة ، رُوي عن ابن سيرين أنّه قال : حدّث عمّن شئت إلاّ عن أبي العالية ، فإنّه لا يُبالي عمّن أخذ ، أي : لا يُبالي أنْ يروي عن كلّ أحد...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٣ : ١١١ الرياحي .

(٢) العناية في شرح الهداية ١ : ٤٤ ط هامش فتح القدير .

٢٢٤

الضحّاك بن مزاحم

وأمّا الضحاك بن مزاحم ، فإنّهم وإنْ وثّقوه ، وذكروا له مناقب كما في( مرآة الجنان ) و( ميزان الاعتدال ) وغيرهما من كتب الرجال(١) .

لكنْ عن يحيى بن سعيد القطّان ـ الذي كان رأساً في الجرح والتعديل ـ أنّه ضعّفه .

قال في( الميزان ) :

( قال يحيى بن سعيد : الضحاك ضعيفٌ عندنا... وكذا ابن عدي فإنّه قال : الضحّاك بن مزاحم إنّما عُرف بالتفسير ، وأمّا رواياته عن ابن عبّاس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ، ففي ذلك كلّه نظر )(٢) .

وكذا شعبة ، ففي( الكاشف ) :

( وقال شعبة : كان عندنا ضعيفاً )(٣) .

بل السيوطي نفسه نقل عن ابن الجوزي تضعيفه وأقرّه على ذلك ، كما في( اللآلي المصنوعة ) في نزول قوله تعالى :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً... ) الآية : ( الضحاك ضعيف ، ولم يَسمع مِن ابن عبّاس ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ١٦٩ السنة ١٠٢ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٥/ ٣٩٤٢ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٣٩٧/ ٧٩٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٦/ ٣٩٤٢ .

(٣) الكاشف ٢ : ٣٦/ ٢٤٥٨ .

٢٢٥

عطيّة بن سعد العوفي

وأمّا عطيّة ، فإنّه وإنْ ذكره السيوطي في عداد قدماء المفسّرين ، إلاّ أنّ نَقَدَة الحديث والرجال قد تكلّموا فيه ، ويكفي إيراد كلام الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) فإنّه قال :

( عطيّة بن سعد العوفي الكوفي ، تابعي شهير ، ضعيف ، عن ابن عبّاس وأبي سعيد وابن عمر ، وعنه : مسعر وحجاج بن أرطاة وطائفة وابنه الحسن .

قال أبو حاتم : يكتب حديثه ، ضعيف ، وقال سالم المرادي : كان عطيّة يتشيّع ، وقال ابن معين : صالح ، وقال أحمد : ضعيف الحديث ، وكان هُشيم يتكلّم في عطيّة .

وروى ابن المديني عن يحيى قال : عطيّة وأبو هارون وبشر بن حرب عندي سواء ، وقال أحمد : بلغني أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ منه التفسير ، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد ، قلت : يعني يُوهم أنّه الخدري .

وقال النسائي وجماعة : ضعيف )(١) .

بل ادّعى ابن الجوزي الإجماع على تضعيفه في كتاب( الموضوعات ) (٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٩ ـ ٨٠/ ٥٦٦٧.

(٢) الموضوعات ١ : ١١٤ باب عظمة الله عزّ وجل .

٢٢٦

قتادة

وأمّا قتادة ، فإنّه وإنْ وُصف بـ ( الحافظ أحد الأئمّة الأعلام )(١) وأنّه ( ثقةٌ ثَبتٌ )(٢) وذُكر بتراجمه مناقبٌ كثيرة(٣) بل قيل أنّهم أجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله(٤) ...

كان يتّهم بالقدر

لكنّ المحقّقين النقَدَة منهم لم يستحيوا مِن قول الحق وإظهار الحقيقة ، فقالوا : كان يتّهم بالقدر ، وقد عرفت أنّه الكفر والضلال عندهم ، وأضاف بعضهم أنّه كان حاطب ليلٍ ، وهو من عبائر التضعيف والقدح... قال الذهبي :

( كان قتادة يتّهم بالقدر .

وقال ابن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : إنّ عبد الرحمان يقول : أترك [كلّ] من كان رأساً في بدعة يدعو إليها .

قال: كيف يصنع بقتادة وابن أبي رواد وعمر بن ذر، وذكر قوماً ، ثمّ قال يحيى : إنْ ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير ١ : ١٥٦.

(٢) تقريب التهذيب ٢ : ١٣٠/ ٦١٩٩ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٣ : ٤٩٨/ ٤٨٤٨ ، مرآة الجنان ١ : ١٩٧ السنة ١١٧ تهذيب التهذيب ٨ : ٣١٥/ ٦٣٧ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٥٧/ ٦٦ .

٢٢٧

كان كحاطب ليل

وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن الشعبي قيل له : هل رأيت قتادة ؟ قال : نعم رأيته كحاطب ليل .

وقال سفيان بن عيينة : قال الشعبي لقتادة : حاطب ليل قال سفيان : قال لي عبد الكريم الجزري : ما حاطب ليل ؟ قلت : إلاّ أنْ ، تخبرني قال : هو الرجل يخرج في الليل يحتطب ، فتقع يده على أفعى فتقتله هذا مثل ضرب لطالب العلم ، إنّ طالب العلم إذا حمل من العلم ما لا يطيقه قتله علمه، كما قتل الأفعى حاطب ليل )(١) .

كان يدلّس

والذهبي نسب إليه التدليس أيضاً حيث قال في( الميزان ) :

( قتادة بن دعامة السدوسي ، حافظٌ ثقةٌ ثبتٌ ، لكنّه مدلّس ورُمي بالقدر ، قاله يحيى بن معين ، ومع هذا فاحتجّ به أصحاب الصحاح ، لا سيّما إذا قال حدّثنا. مات كهلاً )(٢) .

وقال ابن خلكان :

( قال معمر : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله تعالى :( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) فلم يجبني ، فقلت : إنّي سمعت قتادة يقول : مُطيقين ، فسكت ، فقلت له : ما تقول يا أبا عمرو ؟ فقال : حسبك قتادة ، فلولا كلامه في القدر ـ وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا ذكر القدر فأمسكوا ـ لما عدلت به أحداً من أهل

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٧٨ و٢٧٢/ ١٣٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٨٥/ ٦٨٦٤ .

٢٢٨

دهره )(١) .

قصّة أبي حنيفة معه

هذا، وقد جاء في( تاريخ بغداد ) ما نصّه :

( ودخل قتادة الكوفة ونزل في دار أبي بردة ، فخرج يوماً ـ وقد اجتمع إليه خلق كثير ـ فقال قتادة : والله الذي لا إله إلاّ هو ، ما سألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلاّ أجبته .

فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ! ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً ، فظنّت امرأته أنّ زوجها مات ، فتزوّجت ، ثمّ رجع زوجها الأوّل ، ما تقول في صداقها ؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدّث بحديث ليكذبّن ، ولئن قال برأيه ليخطئنّ .

فقال قتادة : ويحك ! أوقعت هذه المسألة ؟

قال : لا.

قال : فلم تسألني عمّا لم يقع ؟

قال أبو حنيفة : إنّا نستعدّ للبلاء قبل نزوله ، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه .

[فقال] قتادة : والله لا أُحدّثكم بشيء من الحلال والحرام ، سلوني عن التفسير .

فقام إليه أبو حنيفة فقال له : يا أبا الخطّاب ! ما تقول في قوله تعالى:( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٨٥/ ٥٤١ .

٢٢٩

قال : نعم ، هذا آصف بن برخيا بن سمعيا كاتب سليمان بن داود ، كان يعرف اسم الله الأعظم .

فقال أبو حنيفة : وهل كان يعرف الاسم سليمان ؟

قال : لا .

قال : فيجوز أنْ يكون في زمن نبيّ مَن هو أعلم من النبيّ ؟

قال قتادة : والله لا أُحدّثكم بشيء مِن التفسير ، سلوني عمّا اختلف فيه العلماء .

قال : فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ! أمؤمنٌ أنت ؟

قال : أرجو .

قال : ولِمَ ؟

قال : يقول إبراهيمعليه‌السلام :( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) .

فقال أبو حنيفة : هلاّ قلت كما قال إبراهيمعليه‌السلام :( قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ) فهلاّ قلت : بلى ؟

قال : فقام قتادة مغضباً ودخل الدّار ، وحلف أنْ لا يُحدّثهم )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩/ ٧٢٩٧.

٢٣٠

زيد بن أسلم

وأمّا زيد بن أسلم ، فيكفي عن ذكر مناقبه كما في( تهذيب الأسماء ) (١) كونه مولى عمر بن الخطّاب ؛ لأنّ هذه العلقة ـ كما ذكر الدهلوي في( التحفة ) ـ توجب الاتّحاد بين المالك والمولى في العقيدة والطريقة .

والأهم مِن ذلك دعواهم حضور الإمام عليّ بن الحسين السجّادعليه‌السلام عنده للاستفادة ، حتّى قيل له : ( غفر الله لك ، أنت سيّد النّاس وأفضلهمْ ، تذهب إلى زيد بن أسلم وهو مولى فتجلس معه ؟ ) فقال : ( ينبغي للعلم أنْ يبتغى حيث هو ) !! قالوا: ( وكان يتخطّى حلق قومه حتّى يأتي زيد بن أسلم فيجلس عنده ويقول : إنّما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه ) .

هكذا في( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) (٢) .

وأعوذ بالله من هذا البهتان الذي افتراه أهل الضّلال ، تنقيصاً من شأن الإمامعليه‌السلام .

كما لا يخفى على أولي الأبصار والأفهام...

لكن ابن عدي أدرج زيداً في كتاب( الكامل ) (٣) الذي صنّفه في أسماء الضعفاء ، وهو كما قال المناوي في( فيض القدير ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٠٠/ ١٨٥ .

(٢) تحصيل الكمال في أسماء رجال المشكاة للشيخ عبد الحق الدهلوي ـ ترجمة زيد بن أسلم .

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال ٤ : ١٦٣/ ٧٠٤ .

٢٣١

 ( أصلٌ مِن الأُصول المعوّل عليها المرجوع إليها ، طابق اسمه معناه ، ووافَق لفظه فحواه ، مِن عينه انتجع المنتجعون ، وبشهادته حكم الحاكمون ، وإلى ما قاله رَجَع المتقدّمون والمتأخّرون )(١) .

وهذا ما أزعج الذهبي فقال :

( زيد بن أسلم مولى عُمر ، تناكد ابن عدي بذكره في الكامل ، فإنّه ثقةٌ حجّة ، فروى عن حمّاد بن زيد قال : قدمت المدينة وهم يتكلّمون في زيد بن أسلم ، فقال لي عبيد الله بن عمر : ما نعلم به بأساً إلاّ أنّه يُفسّر القرآن برأيه )(٢) .

فقد اعترض الذهبي على ابن عدي ذكره في الضعفاء ، إلاّ أنّه أضاف إلى ذلك ( تكلّم أهل المدينة في زيد بن أسلم ) ، وروى عن عبيد الله بن عمر أنّه ( كان يفسّر القرآن برأيه ) ، وهذا يكفي لسقوط تفسيره عن الاعتبار ، وقد أخرج الترمذي .

( عن سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( اتّقوا الحديث عنّي إلاّ ما علمتم ، فمن كذب علَيّ متعمّداً فليتبوّء مقعدهُ من النّار ، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار ) هذا حديث حسن)(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٨ ـ ٢٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٩٨/ ٢٩٨٩ .

(٣) صحيح الترمذي ٥ : ١٩٩/ ٢٩٥١ كتاب تفسير القرآن الباب ١ .

٢٣٢

مُرّة بن شراحيل

وأمّا مرّة بن شراحيل ، فلا يجوز الاعتماد عليه والأخذ بتفسيره ؛ لأنّه كان مِن المعاندين ، لأمير المؤمنينعليه‌السلام في حربه ضدّ الناكثين... قال أبو نعيم :

( حدّثنا عبد الله بن محمّد قال : ثنا أحمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن إبراهيم الدروقي قال : حدّثني عبد الرحمان بن غزوان قال : ثنا محمّد بن طلحة ابن مصرف عن زبيد الأيامي قال : قيل لمُرّة بن شراحيل : ألا تلحق بعليّ بصفّين ؟ قال : إنّ عليّاً سبقني بخير أعماله ، بدرٍ وذواتها ، وأنا أكره أنْ أشركه فيما هان فيه )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ٤ : ١٦٣/ ٢٦٩ .

٢٣٣

عبد الرحمان بن زيد بن أسلم

وأمّا عبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( عبد الرحمان بن زيد بن أسلم العمري مولاهم المدني ، أخو عبد الله وأُسامة .

قال أبو يعلى الموصلي : سمعت يحيى بن معين يقول : بنو زيد بن أسلم ليسوا بشيء ، وروى عثمان الدارمي عن يحيى : ضعيف ، وقال أحمد : عبد الله ثقةٌ ، والآخران ضعيفان )(١) .

وفي( الكاشف ) : ( ضعفّوه له تفسير )(٢) .

وفي( حاشية الكاشف ) :

( قال البخاري وأبو حاتم : ضعّفه ابن المديني جدّاً وقال : أولاد زيد بن أسلم كلّهم ضعيف وأمثلهم عبد الله ، وقال النسائي : ضعيفٌ ، وقال يحيى : ليس بشيء ، وقال أحمد : ضعيف )(٣) .

وقال ابن حجر: ( ضعيف )(٤) .

وقال ابن القيّم في( زاد المعاد ) : ( قال الترمذي : ليس في ولد زيد بن أسلم ثقة ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٦٤/ ٤٨٦٨ .

(٢) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّة ٢ : ١٦٠/ ٣٢٢٨ .

(٣) حاشية الكاشف ـ مخطوط .

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٤٤٨/ ٤٣١٢

٢٣٤

الطبقة الثالثة

قال السيوطي :

ثمّ بعد هذه الطبقة ، اُلّفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين ، كتفسير سفيا بن عيينة ، ووكيع بن الجرّاح ، وشعبة بن الحجّاج ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرزّاق ، وآدم بن أبي أياس ، وإسحاق بن راهويه ، وروح بن عبادة ، وعدب بن حميد ، وسُنيد ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وآخرين(١)

أقول :

وتفاسير هذه الطبقة أيضاً مقدوحةٌ مطعونٌ فيها ، وكتب الرجال بجوارح أصحابها مشحونة ، وإليك أحوال بعضهم :

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٢ .

٢٣٥

سفيان بن عيينة

أمّا سفيان بن عيينة ، فقد ذكروا :

كان يدلّس

إنّه كان يدلّس... قال القاري في( شرح شرح نخبة الفكر ) :

( قال الشيخ شمس الدين محمّد الجزري : التدليس قسمان : تدليس الإسناد ، وتدليس الشيوخ أمّا تدليس الإسناد ، فهو أنْ يروي عمّن لَقِيه أو عاصره ما لم يسمعه منه ، موهماً أنّه سمعه منه ، ولا يقول : أخبرنا وما في معناه ، بل يقول : قال فلان ، أو عن فلان ، أو إنّ فلاناً قال ، وما أشبه ذلك ، ثمّ قد يكون بينهما واحد ، وقد يكون أكثر ، وربّما وربّما لم يسقط المدلّس شيخه ، لكن يسقط من بعده رجلاً ضعيفاً أو صغير السنّ ، يحسّن الحديث بذلك وكان الأعمش والثوري وابن عيينة وابن إسحاق وغيرهم يفعلون هذا النوع ، ومن ذلك ما حكى ابن خشرم : كنّا يوماً عند سفيان بن عيينة فقال : عن الزهري ،... فقيل له : حدّثك الزهري ؟ فسكت ، ثمّ قال : قال الزهري ، فقيل له : سمعته من الزهري ؟ فقال : حدّثني عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح شرح نخبة الفكر : ٤٢٠ .

٢٣٦

من كلماتهم في ذمّ التدليس

هذا ، وقد نقلنا سابقاً كلمات بعض أعلام القوم في ذمّ التدليس وتقبيحه وتحريمه ، وعن شعبة : أنّه أشدّ من الزنا وأخو الكذب ، قال السيوطي في أقسام التدليس :

( وأمّا القسم الأوّل فمكروه جدّاً ، ذمّه أكثر العلماء ، وبالغ شعبة في ذمّه فقال : لأنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ أُدلّس وقال : التدليس أخو الكذب )(١) .

وأمّا قول ابن الصلاح من أنّ هذا إفراط ، محمولٌ على الزجر والتنفير مِن التدليس ، كما نقله السيوطي ، ففيه : إنّه إنْ أراد صرف كلام شعبة عن ظهوره في حرمة التدليس ، فلا سبيل إليه أصلاً ، وقد تقدّم تصريح النووي بحرمته ، وتقدّم أنّه من تلبيس إبليس كما نصّ عليه ابن الجوزي ، على أنّ جماعةً من المحدّثين ذهبوا إلى أنّ ارتكاب التدليس ـ ولو كان مرّةً واحدة ـ يوجب الجرح وتُردّ به الرواية ، كما في( تدريب الراوي ) حيث قال :

( ثمّ قال فريقُ منهم ، من أهل الحديث والفقهاء : مَن عرف به صار مجروحاً مردود الرواية مطلقاً وإنْ بيّن السماع )(٢) .

ومراده من ( مطلقاً ) هو عدم الفرق بين التدليس مرّةً أو أكثر ، وهذا ما نصَّ عليه شرّاح( نخبة الفكر ) .

وقال ابن جماعة الكناني في( المنهل الروي ) :

( النوع الرابع : التدليس ، وهو قسمان : تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ .

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٢٨ .

(٢) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٢٩ .

٢٣٧

الأوّل : تدليس الإسناد ، وهو أنْ يروي عمّن لَقِيه أو عاصره ما لم يسمعه منه ، مُوهماً أنّه سمعه منه ، ولا يقول أخبرنا وما في معناه ونحوه ، بل يقول : قال فلان أو عن فلان أو إنّ فلاناً قال ، وشبه ذلك ، ثمّ قد يكون بينهما واحد ، وقد يكون أكثر .

وهذا القسم من التدليس مكروهٌ جدّاً ، وفاعله مذموم عند أكثر العلماء ، ومَن عرف به مجروح عند قومٍ لا تُقبل روايته ، بيّن السماع أو لم يُبيّنه )(١) .

وتلخّص : إنّ سفيان بن عيينة عند هذا الفريق من الفقهاء والمحدّثين مجروحٌ مردودُ الرواية ، وعند الأكثر مذمومٌ مطعونٌ فيه .

اختلط في آخر عمره

ثمّ إنّه قد اختلط في أواخر حياته ، كما نصّ عليه علماء الرجال ، قال الذهبي :

( روى محمّد بن عبد الله بن عمّار الموصلي ، عن يحيى بن سعيد القطّان قال : أشهد أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة ١٩٧ ، فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء ) .

ثمّ انبرى الذهبي للدفاع عن روايات القوم عن سفيان ، مستبعداً كلام القطّان ، ومغلّطاً الموصلي في نقله ـ وقد قال الزهري في حقّه : صدوقٌ ثقة صاحب حديث(٢) ـ فقال :

ـــــــــــــــــــ

(١) المنهل الروي في علم أُصول حديث النبيّ : ٧٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة محمّد بن عبد الله بن عمّار ٣ : ٥٩٦/ ٧٧٥٣ وفيه : قال النسائي : ثقةٌ صاحب حديث .

٢٣٨

 ( قلت : سمع منه فيها محمّد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي ، ويغلب على ظنّي أنّ سائر شيوخ الأئمّة الستّة سمعوا منه قبل سنة سبع ، فأمّا سنة ثمانٍ وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحد فيها ؛ لأنّه توفّي [بمكّة] قبل قدوم الحاجّ بأربعة أشهر ، وأنا أستبعد هذا الكلام من القطّان وأعدّه غلطاً من ابن عمّار ، فإنّ القطّان مات في صفَر مِن سنة ثمانٍ وتسعين وقت قدوم الحاج ، ووقت تحدّثهم عن أخبار الحجاز ، فمتى تمكّن يحيى بن سعيد أنْ يسمع اختلاط سفيان ثمّ يشهد عليه بذلك ، والموت قد نزل به ، فلعلّه بلغه ذلك في أثناء سنة سبع ، مع أنّ يحيى متعنّت جدّاً في الرجال ، وسفيان ثقة مطلقاً ، والله أعلم )(١) .

لكنْ كيف يجتمع هذا التهجّم على يحيى بن سعيد القطّان مع تلك المناقب الجليلة ، والدرجات الرفيعة التي يذكرونها له في العلم والورع والإتقان ، حتّى قال أحمد بن حنبل : ( ما رأيت مثله في كلّ أحواله ) ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ـ ترجمة سفيان بن عيينة ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١/ ٣٣٢٧ .

٢٣٩

وكيع بن الجرّاح

وأمّا وكيع بن الجرّاح... والذي قال اليافعي في حوادث سنة ١٩٧ :

( وفيها توفّي الإمام العالم أبو سفيان وكيع بن الجراح روى عن الأعمش ، قال أحمد : ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع... وقال يحيى ابن أكثم : صحبت وكيعاً ، وكان يصوم الدهر ، ويختم القرآن كلّ ليلة ، وقال أحمد : ما رأت عيني مثل وكيع )(١) .

له قوادح

وقد ذكرت له قوادح ، وتكلّم فيه بعض الأكابر منهم ، ومن هنا ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( قال ابن المديني : كان وكيع يلحن ، ولو حدّثت بألفاظه لكانت عجباً ، كان يقول : ثنا شعبي عن عيشة ، وسُئل أحمد بن حنبل : إذا اختلف وكيع وعبد الرحمان ابن مهدي بقولِ مَن نأخذ ؟ فقال : عبد الرحمان يُوافق أكثر وخاصّةً في سفيان ، وعبد الرحمان يَسلم منه السلف ويجتنب شرب المُسكر ، وكان لا يرى أنْ تُزرع أرضُ الفرات قال ابن المديني فيالتهذيب : وكيع كان فيه تشيّعٌ قليل قال ابن حنبل : سمعت يحيى بن معين يقول : رأيت عند مروان بن معاوية لوحاً فيه فلان كذا وفلان رافضي ، ووكيع رافضي ، فقلت له :

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420