دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق10%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136093 / تحميل: 5468
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

« هو من الأخبار المشهورة ».

* * *

__________________

ولد سنة ٢٦١ ، وتوفّي ببغداد سنة ٣٤٥ ودفن بها.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ١٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٥٦ رقم ٨٦٥ ، طبقات الحنابلة ٢ / ٥٦ رقم ٦٠٣ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٢٩ رقم ٦٣٨ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٧٣ رقم ٨٤٤ ، لسان الميزان ٥ / ٢٦٨ رقم ٩٢٢.

١٤١

١٥ ـ حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الخامس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه ، وأحبّه النصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل »(٢)

وقد صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الخوارج أبغضوا عليّاعليه‌السلام ، والنصيريّة(٣) اعتقدوا فيه الربوبيّة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١٢ ح ١٩٦ ، السنّة ـ لعبد الله بن أحمد ـ ٢ / ٥٤٣ ح ١٢٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٧٠ ح ١٠٠٤ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٠ ح ١٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٦ ح ٨٦٠ ـ ٨٧٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٥ ح ٣٦٣٩٩.

(٣) النصيرية ـ ويقال لها : النّميرية ـ : فرقة تنسب إلى محمّد بن نصير النميري ، وكان هو من أصحاب الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام ، ثمّ انحرف عن جادّة الحقّ وادّعى أمورا باطلة عظيمة ، كالنيابة عن الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام والقول بالتناسخ

١٤٢

وقال الفضل(١) :

الحمد لله الذي جعل أهل السنّة معتدلين بين الفريقين ؛ من المفرطة في حبّ عليّ ، كالنصيرية التي يدّعون ربوبيته ، وكالإماميّة التي يدّعون أنّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ؛ ومن المفرطة في بغضه كالخوارج المبغضة.

وأمّا أهل السنّة والجماعة ـ بحمد الله ـ فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزلونه في منزلته التي هو أهل لها ، من كونه وصيّا ، وخليفة من الخلفاء الأربع ، وصاحب ودائع العلم والمعرفة.

* * *

__________________

والغلوّ والنبوّة والإلحاد.

انظر : فرق الشيعة ـ للنوبختي ـ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الفرق بين الفرق : ٢٣٩ و ٢٤١ ، الغيبة ـ للطوسي : ٣٩٨ ح ٣٦٩ ـ ٣٧١ ، الاحتجاج ٢ / ٥٥٢ و ٥٥٤.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٦.

١٤٣

وأقول :

هذا الحديث كما هو مذكور في مسند أحمد ، مذكور في مستدرك الحاكم ، وخصائص النسائي ، وغيرها ، كما سبق في الآية الثانية والستّين(١) .

وبمعناه ما في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تفترق فيك أمّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى »(٢) .

ولا ريب أنّ إنزال النصارى لعيسى بغير منزلته إنّما هو لاتّخاذهم له إلها.

وبمقتضى التمثيل يكون إنزال عليّعليه‌السلام بغير منزلته هو اتّخاذه إلها كعيسى ، كما فعل النصيرية وغيرهم من الغلاة ، فلا يدخل الإماميّة في من أنزله بغير منزلته ؛ لأنّهم يقولون : إنّه عبد من عبيد الله تعالى ، أكرمه بالخلافة بالنصّ عليه.

وحينئذ ، فينحصر أمر الإماميّة بين أن يكونوا ممّن أبغضه ، ولا سبيل إليه بالضرورة ؛ وبين أن يكونوا من النمط الأوسط والمحقّ ، وهو المطلوب.

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٤ من هذا الكتاب ، وانظر : مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، خصائص الإمام عليّعليه‌السلام : ٨٤ ح ٩٨ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٠١.

١٤٤

كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!

فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع(١) .

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل

وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ ، وألغوا أمر الله تعالى وأمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة(٢)

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.

وانظر : مسند أحمد ٣ / ٤٤٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٩٠ ح ١٠٥٨ ،

١٤٥

وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ، وصرّحت به السنّة المستفيضة ، كأخبار الحوض ، التي منها ما رواه البخاري في « باب الحوض » ، من أنّ الأصحاب ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النّعم(٢) ، كما مرّ(٣) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل السنّة يحبّون عليّا حبّا شديدا ، فلا نعرف منه إلّا الدعوى ، ولو كشف الله سبحانه حجاب ضمائرهم لعرفت أنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

بل الوجدان يشهد بخلافه ، فهذه أقلامهم عند تلاوة آيات فضله ، وهذه أرقامهم(٤) عند سماع نصوص إمامته ، وهذا ولاؤهم لأظهر مبغضيه وأعدائه ، كمعاوية وأشباهه

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي عنك لعازب(٥)

__________________

مجمع الزوائد ٥ / ٢١٨ و ٢٢٤ ؛ علاوة على ما مرّ في مقدّمة الكتاب ص ٣١ ، وفي ج ٤ / ٢١٤ ه‍ ١ ـ ٤ ، من تخريج ألفاظ حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢١٧ ح ١٦٦.

(٣) انظر ما تقدّم في ج ٢ / ٢٧ ه‍ ١ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ من هذا الكتاب.

(٤) الرّقم : الكتابة والختم ؛ والرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم أي قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٩٠ مادّة « رقم ».

والمراد هنا هو ما كتبوه ويكتبونه في إنكار إمامة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام .

(٥) البيت من بحر الطويل ، وقد نسبه ابن عبد ربّه إلى العتابي ؛ انظر : العقد الفريد ٢ / ٧٥ باب أصناف الإخوان من كتاب « الياقوتة في العلم والأدب » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢٠ / ١٥.

١٤٦

١٦ ـ حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

السادس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في « الجمع بين الصحيحين » ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق »(٢) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ وج ٦ / ٢٩٢ ، الجمع بين الصحيحين ١ / ١٧٢ ح ١٥٣ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٧ وص ٦٠١ ح ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ / ١١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ ، مسند الحميدي ١ / ٣١ ح ٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩١ وج ١٢ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ح ٦٩٠٤ وص ٣٦٢ ح ٦٩٣١ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ٨٨٥ و ٨٨٦ ، معرفة علوم الحديث : ١٨٠ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٧٦ ح ٦٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٧ رقم ٤٥٢٣ وج ١٤ / ٤٢٦ رقم ٧٧٨٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٧٠ ـ ٢٨٠.

١٤٧

وقال الفضل(١) :

هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ ، أنّه قال : «لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ ؛ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق »(٢) .

والحمد لله الذي جعلنا من أهل محبّته ، وملأ قلوبنا من صفو مودّته ، وبالله التوفيق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٩.

(٢) مرّ تخريج الحديث مفصّلا فى ج ١ / ١٥ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ وانظر علاوة على ذلك : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٣ وص ١٣٧ ح ٨٤٨٥ ـ ٨٤٨٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ ، شرح السنّة ٨ / ٨٥ ـ ٨٦ ح ٣٩٠٧ و ٣٩٠٨.

١٤٨

وأقول :

إذا عرف صحّة هذا الحديث ، وصدّق بحمد الله على حبّه ، فما باله والى أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه ، كمعاوية وابن العاص ومروان ، وأشباههم ، ولم يحكم عليهم بالنفاق ، مع اتّضاح حالهم في بغض أمير المؤمنين واستمرارهم على عداوته وسبّه؟!

بل يلزمه أن لا يوالي عائشة ، بل يصفها بالنفاق ، لعلمه بعداوتها له ، واستدامتها على بغضه!

ففي « مسند أحمد »(١) عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت :

لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي ، فأذنّ له ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على العبّاس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيد الله : فقال ابن عبّاس : أتدري من ذلك الرجل؟! هو عليّ ابن أبي طالب ، ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفسا.

ورواه أيضا في مقام آخر(٢) .

__________________

(١) ص ٣٤ من الجزء السادس. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٢٨ ج ٦. منهقدس‌سره .

وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٢١ ـ ٢٢ كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١٧ ح ١٦١٨ ، سنن النسائي ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٩٣ ح ٩٠٨ ، سنن الدارمي ١ / ٢٠٥ ذ ح ١٢٥٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٧٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ٤٤٢ ح ١٦٣٦ وص ٤٤٣ ح

١٤٩

فهل ترى أشدّ في البغض من أن لا تطيب نفس الشخص أن يتلفّظ باسم عدوّه؟!

ورواه الطبري في « تاريخه »(١) ، وفيه : « ولكنّها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وهي تستطيع »!

وهو أصرح في الدلالة على بغضها لإمام المتّقين ونفس النبيّ الأمين.

ورواه البخاري في « باب الغسل والوضوء في المخضب » من كتاب الوضوء(٢)

وفي « باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة » من كتاب الأذان(٣)

وفي « باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها » من كتاب الهبة(٤)

وفي « باب مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » في أواخر كتاب المغازي(٥) .

وفي كلّها لم تسمّ الرجل الآخر ، وإنّما سمّاه ابن عبّاس.

ولم يرو البخاري تتمّة كلام ابن عبّاس ؛ رعاية لشأن عائشة! ولم يدر أنّ تركها لاسم أمير المؤمنين مع ذكر اسم عديله كاف في الدلالة على بغضها له!!

وروى أحمد أيضا(٦) ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل فوقع في

__________________

١٦٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ٣١ وج ٣ / ٨٠ ـ ٨١ وج ٨ / ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ وقد أسقط قوله : « ولكنّ عائشة لا تطيب له نفسا » من بعض هذه المصادر ؛ فلاحظ!

(١) ص ١٩١ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٢٦ ]. منهقدس‌سره .

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٠١ ح ٦١.

(٣) صحيح البخاري ١ / ٢٦٩ ح ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٢٢.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢.

(٦) ص ١١٣ ج ٦. منهقدس‌سره .

١٥٠

عليّ وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا! وأمّا عمّار ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكاشفة عن بغضها له ، وإن كان لا حاجة في بيان عداوتها وبغضها له إلى دليل.

وأعظم من ذلك حربها له ، وهي تعلم أنّ حربه حرب لرسول الله(١) ، مقدمة على قتله لو قدرت ، وهي تدري أنّه أخو رسول الله ونفسه.

وعلى هذه فقس ما سواها ، إذ لم تأت ذلك عنوة بل ورثته عن أسلافها!

وأمّا وجه الدلالة في الحديث الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله ونحوه على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد تقدّم في أوّل مباحث الإمامة ، وفي الآية الثانية عشرة(٢) .

* * *

__________________

(١) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٤ / ٣٥٨ ه‍ ٤ وج ٥ / ٣٢١ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر إضافة إلى ذلك : المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٣ / ٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١٤ وما بعدها وج ٥ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥١

١٧ ـ حديث : ولكنّه خاصف النعل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

السابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا .

قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا ، ولكنّه خاصف النعل.

وكان عليّ يخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحجرة عند فاطمةعليها‌السلام (٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :لتنتهنّ

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٣ و ٨٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٧٧ ح ١٠٧١ وص ٧٩٠ ح ١٠٨٣ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٤ ح ٨٥٤١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٩ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٩ ح ٧٨ ، مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن أخي تبوك ؛ المطبوع بذيل مناقب ابن المغازلي ـ : ٣٤٣ ح ٢٣ ، شرح السنّة ٦ / ١٦٧ ح ٢٥٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦ وج ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٣ ح ٣٢٩٦٧.

١٥٢

معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا منّي امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين.

قيل : يا رسول الله! أبو بكر؟

قال :لا .

قيل : عمر؟

قال :لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (١) .

* * *

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ وص ٤٩٩ ح ٣٠ وص ٥٠٦ ح ٧٤ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٤ ح ١٠٠٨ وص ٧٤٣ ح ١٠٢٤ وص ٨٠٦ ح ١١٠٥ ، مسند البزّار ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ١٠٥٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٨٥٩ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ٢٦١٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، تاريخ بغداد ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ عن الترمذي وابن جرير في « تهذيب الآثار » والضياء المقدسي في « المختارة » وص ١٧٤ ح ٣٦٥١٩ عن ابن أبي شيبة في « المصنّف » وابن جرير في « تهذيب الآثار » والحاكم في « المستدرك » ويحيى بن سعيد في « إيضاح الإشكال ».

١٥٣

وقال الفضل(١) :

صحّ الحديث ، وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج ، وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن ، حيث كانوا يؤوّلون القرآن ، ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين ، وعلّم الناس قتال الخوارج والبغاة ، كما قال الشافعي : إنّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم(٢) .

وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل الله مع العصاة والبغاة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٠.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ١٦ / ٣٦٠.

١٥٤

وأقول :

ذكر المصنّفرحمه‌الله هنا حديثين تقدّم بيان رواتهما في الآية الثانية والعشرين(١) ، وكلّ منهما دالّ على المقصود

أمّا الأوّل ، فلأنّ المراد ـ بالقتال على تأويل القرآن ـ : إمّا القتال على وفق ما أدّى إليه القرآن باجتهاد المقاتل

أو ما أدّى إليه في الواقع ؛ لعلم المقاتل به

فيكون المشبّه به على الوجهين هو : قتال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حسب ما أنزل إليه.

وإمّا أن يكون المراد : القتال على مؤوّل القرآن يعملوا به ، كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإقرار بأنّه منزل من الله تعالى.

والأظهر أحد الوجهين الأخيرين ؛ لأنّهما أمكن في التشبيه.

ومن المعلوم أنّ القتال على أيّ الوجوه الثلاثة شأن خليفة الرسول ، وزعيم الأمّة ، فتثبت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا نفى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك عن الشيخين مع صدور القتال منهما علم أنّهما ليسا بإمامين.

وليت شعري ، إذا لم يكن قتالهما على وفق القرآن ، ولا لأجل العمل به ، فكيف وليا أمر القتال والأمّة؟! وكيف اتّخذهم الناس أئمّة؟!

فإن قلت : لعلّ المراد بقتال عليّعليه‌السلام على التأويل : قتاله لمن تأوّل

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٥

القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.

ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».

قلت : لو أريد ذلك ، كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كما قاتلت على تنزيله » ـ بمقتضى المشابهة ـ أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.

ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!

ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا ـ في ظاهر أمرهم ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه ـ واقعا ـ وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّعليه‌السلام ، عداوة له ، كما في عائشة.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « لا ».

ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد(١) : « إنّ الله قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) .

فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس

__________________

(١) ص ١٨٥ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٠٨ ]. منهقدس‌سره .

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.

١٥٦

بأخذها ، وبيّن أنّ صلاته سكن لهم ، وهذه الصفات لا تتحقّق في غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وأمّا الحديث الثاني : فهو ـ أيضا ـ دالّ على المدّعى ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف فيه الرجل الذي يبعثه الله تعالى بأنّه قد امتحن الله قلبه ، أي ابتلاه بأنواع المحن ، فوجده خالص الإيمان ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يصانع أحدا في دينه.

وهذا يفيد بمفهومه أنّ غير هذا الرجل ليس كذلك ، لا سيّما الشيخان ؛ للتصريح بهما ، ولأنّهما أشارا بردّ المؤمنين إلى بلاد الكفر ، وجعل السبيل للكافرين عليهم خلافا لحكم الله ورسوله ، ووفاقا لرغبة الكافرين ، لا سيّما عمر ، فإنّه وافق أبا بكر على قوله : « صدقوا » ، ولم يبال باستياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر وتغيّر وجهه الشريف من قوله ، كما سبق في بعض الأخبار المصحّحة عندهم ، المذكورة في الآية الثانية والعشرين(١) .

ولو كانا ممّن امتحن الله قلبه للإيمان وخالصي الإيمان لما فعلا ذلك.

بل يستفاد من وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي يبعثه الله بأنّه امتحن الله قلبه للإيمان ، ويضرب أعناقهم على الدين ، بعد موافقة الشيخين لقريش ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد التعريض بهما بأنّهما ليسا بهذا الوصف.

وبالضرورة أنّ من ليس كذلك ، ولم يبال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مواجهة في حياته ، ولا بكتاب الله وحكمه ، أحقّ وأولى بعدم المبالاة بأحكام الله ودينه

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٦ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٧

ونبيّه بعد وفاته ، فلا يصلح للإمامة ، وإنّما الصالح لها من ثبت له ذلك الوصف الجميل الجليل.

وقد أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع ذلك ـ إلى عصمة عليّعليه‌السلام وفضله ، بجعله منه أو مثل نفسه ، كما في رواية « الجمع بين الصحاح » وغيرها ممّا سبق في الآية المذكورة(١) ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

__________________

(١) راجع : الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء ، وج ٥ / ٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٨

١٨ ـ حديث الطائر

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

الثامن عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، و « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طائر قد طبخ له ، فقال :اللهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ؛ فجاء عليّ فأكل معه(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ١٧٥ ح ١ وص ١٧٦ ح ٤ عن مسند أحمد وسنن أبي داود ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ح ٩٤٥ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٣ ح ٦٤٩٤ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٥٨ رقم ١١٣٢ وج ٢ / ٢ رقم ١٤٨٨ ، مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥ ح ٤٠٥٢ ، المعجم الكبير ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠ وج ٧ / ٨٢ ح ٦٤٣٧ وج ١٠ / ٢٨٢ ح ١٠٦٦٧ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٣٩ ح ١٧٦٥ وج ٦ / ١٥٣ ح ٥٨٨٦ وص ٤١٨ ح ٦٥٦١ وج ٧ / ٣١٥ ح ٧٤٦٦ وج ٩ / ٢٥١ ح ٩٣٧٢ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ جرجان : ١٧٦ رقم ٢٢٨ ، العقد الفريد ٤ / ٧٧ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ح ٦١٣ رقم ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٦٥٠ و ٤٦٥١ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ١٢٢ ، حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ رقم ٤٦٨ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٥٩ رقم ٤٥٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ رقم ١٢١٥ وج ٩ / ٣٦٩ رقم ٤٩٤٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٧٠ ، تاريخ دمشق ٣٧ / ٤٠٦ رقم ٤٤٢٨ وج ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

١٥٩

ومنه ، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب(١) .

* * *

__________________

(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٢٣ ح ١١٢٩ ، وانظر : الرياض النضرة ٣ / ١٣٠ ـ ١٣١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٢ ـ( هَلْ كُنتُ إلّا بَشَرًا رَّسُولاً ) ومعناه أنّه بشر مأمور لا يستطيع القيام بالممكن من هذه الاُمور إلّا بإذنه سبحانه، شأن كل رسول في إنجاز رسالته.

وبعبارة اُخرى إنّكم إن كنتم تطلبون هذه الاُمور منّي بما أنا بشر، فالممكن منها خارج عن إطار قدرة البشر، وإن كنتم تطلبون مني بما أنني رسول مبلغ فلا أستطيع التصرف بلا إذن ورخصة منه سبحانه، وعلى كل تقدير فهؤلاء الجهلة المجادلون ما كانوا ليؤمنوا ولو جاءهم النبي بأضعاف ما لم يطلبوا به. قال تعالى:( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ( الأنعام / ١١١ ).

والمراد من قوله:( إلّاأَن يَشَاءَ اللهُ ) هو المشيئة القاهرة التي تجبر الناس على الإيمان بالرسالة، وعندئذ لا يقام لمثل هذا الإيمان وزن ولا قيمة(١) .

* * *

٤ ـ طلب طرد الفقراء

روى الثعلبي باسناده عن عبد الله بن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله وعنده صهيب وخباب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقال: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك أفنحن نكون تبعاً لهم ؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم ؟ أطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم اتّبعناك، فأنزل الله تعالى:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ ) (٢) .

__________________

(١) لقد بسطنا الكلام في الجزء الرابع من هذه الموسوعة في تحديد الشروط التي يجب للنبي دونها القيام بالمعجزة وبيّنّاه في مفاد الآيات النافية للإعجاز، لاحظ: ص ٩٥ ـ ١٥٤ من ذلك الجزء.

(٢) مجمع البيان: ج ٤ ص ٣٠٥.

١٨١

قال ابن هشام: وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس في المسجد وجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خباب وعمّار وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن اُميّة بن محرث وصهيب وأشباههم من المسلمين، هزأت بهم قريش وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون، أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ؟ لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصّهم الله به دوننا، فأنزل الله تعالى فيهم:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ *وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ *وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الأنعام / ٥٢ ـ ٥٤ )(١) .

وقد ذكر في شأن نزول الآية وجه آخر يناسب كونها مدنيّة لا مكيّة، علماً بأنّ جميع آيات السورة مكيّة وهذا يبعد أن تكون هذه الآية وحدها مدنيّة مع أنّ لحن الآية يناسب كونها مكّية.

ومثله قوله سبحانه:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف / ٢٨ ).

والسورة مكيّة ومفاد الآية يشبه مفاد الآيات المكيّة، وقد ذكر في شأن نزولها أيضاً ما يعرب عن كونها مدنيّة، وإليك النص الدال على ذلك:

روى السيوطي في الدر المنثور: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري فوجدا النبي قاعداً مع بلال وصهيب وعمّار وخباب في اُناس ضعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حقّروهم، فأتوه فخلوا به فقالوا: إنّا نحب أن تجعل

__________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام: ج ١ ص ٣٩٢ و ٣٩٣.

١٨٢

لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلاً، فإنّ وفود العرب ستأتيك فنستحيي أن ترانا العرب قعوداً مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمه معنا فإذا نحن فرغنا فلتقعد معهم إن شئت، قال نعم، قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً، فدعا بالصحيفة ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرئيل بهذه الآية:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) إلى قوله( فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) فألقى رسول الله الصحيفة من يده، فأتيناه وهو يقول:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) فكنّا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) قال: فكان رسول الله يقعد معنا بعد فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم(١) .

يقول العلّامة الطباطبائي في هذا الصدد: « إستفاضت الروايات على نزول سورة الأنعام دفعةً، هذا والتأمل في سياق الآيات لا يبقي ريباً أنّ هذه الروايات إنّما هي من قبيل ما نسمّيه تطبيقاً، بمعنى أنّهم وجدوا مضامين بعض الآيات تقبل الإنطباق على بعض القصص الواقعة في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فعدّوا القصّة سبباً لنزول الآية لا بمعنى أنّ الآية انّما نزلت وحدها دفعة لحدوث تلك الواقعة ورفع الشبهة الطارئة من قبلها، بل بمعنى أنّ الآية يرتفع بها ما يطرء من قبل تلك الواقعة من الشبهة كما ترفع بها الشبه الطارئة من قبل سائر الوقائع من أشباه الواقعة ونظائرها كما يشهد بذلك ما ترى في هذه الروايات الثلاث الواردة في سبب نزول قوله:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) الآية، فإنّ الغرض فيها واحد لكن القصص مختلفة في عين أنّها متشابهة فكأنهم جاءوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واقترحوا عليه أن يطرد عنه الضعفاء كرّة بعد كرّة وعنده في كل مرّة عدّة من ضعفاء المؤمنين وفي مضمون الآية إنعطاف إلى هذه الإقتراحات أو بعضها(٢) .

__________________

(١) الدر المنثور: ج ٣ ص ١٣، ونقله في مجمع البيان عند تفسير الآيتين فلاحظ.

(٢) الميزان: ج ٧ ص ١١٠ بتصرّف يسير.

١٨٣

ويضيف قائلاً: « إنّ ما اقترح المشركون على النبي نظير ما اقترحه المستكبرون من سائر الأمم على رسلهم من أن يطردوا عن أنفسهم الضعفاء والفقراء من المؤمنين تعزّزاً وتكبّرا وقد حكى الله سبحانه عن قوم نوح فيما حكى من محاجّتهعليه‌السلام حجاجاً يشبه ما في هذه الآيات من الحجاج قال تعالى:( فَقَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) إلى أن قال:( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ *وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ( هود / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ )(١) .

__________________

(١) الميزان: ج ٧ ص ١١٠ بتصرّف يسير.

١٨٤

د ـ تعذيب النبيّ وأصحابه

قد كان إيقاع الأذى على الدعاة المصلحين من سنن المجتمعات الجاهلية حيث قد كان أهلها يخالونهم أعداء لأنفسهم ومصالحهم فكانوا يقابلونهم بالإيذاء والشتم والضرب والقتل فلم يكن النبي فيما لاقاه من الأذى والسب والتنكيل به وبأصحابه بدعاً من الاُمور.

وقد أدار المشركون رحى الشر عليهم طيلة لبثهم في مكة فجاء الوحي يحثّهم على الصبر والثبات بتعابير وأساليب مختلفة وإليك توضيح ذلك:

١ ـ نزل الوحي مسلّياً بقوله:( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ المُرْسَلِينَ ) ( الأنعام / ٣٤ ) وقوله:( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) ( النحل / ١٢٧ ).

٢ ـ ومحفزاً تارة اُخرى بتذكيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجَلَد أولى العزم في إداء رسالاتهم بقوله:( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) ( الأحقاف / ٣٥ ).

٣ ـ وثالثة داعياً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله تفويض الأمر إلى الله والتريّث حتى يأتي موعده بقوله:( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( يونس / ١٠٩ ).

٤ ـ ورابعاً مروّضا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال ما يكال إليه من

١٨٥

صنوف الايذاء بقوله:( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً ) ( المزمل / ١٠ ).

٥ ـ وخامساً منبّهاً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتجنب ما وقع فيه النبيّ يونس بقوله سبحانه:( وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ) ( القلم / ٤٨ ).

فهذه الآيات ونظائرها تعرب عن عظم درجة الايذاء والوصب الذي عاناه النبي في سبيل إرساء قواعد دعوته حيث قابلها برحابة صدر وسعة نفس، وعلى الرغم من كل ذلك فلم تتحرك شفتاه بطلب إنزال العذاب عليهم. سواء عندما كان في مكة أم بعد مغادرتها إلى المدينة فكان يقابل تزمّت قومه وعنادهم بالحكمة والموعظة الحسنة ما وجد لذلك سبيلاً.

المضطهدون في صدر البعثة

وقد جاء في كتب السيرة أسماء الذين عذّبوا بيد قريش من صحابة النبي الأكرم وعلى رأسهم « ياسر » و « سميّة » أبوا عمّار، و « صهيب » و « بلال » و « خباب » وقد اُستشهد أبو عمّار واُمّ عمّار بتعذيب المشركين وأمّا عمّار فقد أعطاهم بلسانه ما أرادوا منه وبقي قلبه مطمئن بالإيمان وعندما جاء خبر تعذيب قريش لنبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يزل يلهج بهم ويدعو لهم ويقول: إصبروا آل ياسر موعدكم الجنّة، ويقول: أبشروا آل ياسر موعدكم الجنّة، ويقول: أللّهم اغفر لآل ياسر وقد فعل.

يقول ابن هشام: وكان بنو مخزوم يخرجون بعمّار وأبيه واُمّه وكانوا أوّل أهل بيت في الإسلام إذا حميت الظهيرة يعذّبونهم برمضاء مكّة فيمر بهم رسول الله فيقول: صبراً آل ياسر موعدكم الجنّة. صبراً آل ياسر فإنّ مصيركم إلى الجنّة(١) .

__________________

(١) سيرة ابن هشام: ج ١ ص ٣١٩ ـ ٣٢٠.

١٨٦

يروي أبو نعيم عن عثمان بن عفان قال: لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبطحاء فأخذ بيدي فانطلقت معه، فمرّ بعمّار واُمّ عمار وهم يعذّبون، فقال: صبراً آل ياسر فإنّ مصيركم إلى الجنّة.

وروى أيضاً عن مجاهد: أوّل من أظهر الإسلام سبعة، فعدّ منهم عمّار وسميّة ـ اُمّ عمّار ـ.

وكانوا يلبسونهم أدراع الحديد ثمّ يسحبونهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس، فلمّا كان من العشيّ أتاهم أبوجهل ـ لعنه الله ـ ومعه حربة فجعل يشتمهم ويوبّخهم(١) .

ثمّ إنّ المشركين أصابوا عمّار بن ياسر فعذّبوه ثمّ تركوه ( لأنّه أعطاهم ما يطلبون ) فرجع إلى رسول الله فحدّثه بالذي لقي من قريش.

وفي رواية: أخذ بنو المغيرة فغطّوه في بئر ميمون وقالوا: أكفر بمحمّد، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره.

وفي رواية ثالثة: أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكى ذلك إلى النبي، فقال النبي: كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئناً بالإيمان، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإن عادوا فعد، فنزل قوله سبحانه:( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل / ١٠٦ ).

فأخبر الله سبحانه أنّه من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب أليم، وأمّا من أكره وتكلّم بها لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه فلا حرج عليه، لأنّ الله سبحانه إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم(٢) .

__________________

(١) حلية الأولياء: ج ١ ص ١٤٠.

(٢) تفسير الطبري: الجزء ١٤، ص ١٢٢.

١٨٧

لقد تطرّق إلى بعض القلوب أنّ عمّاراً كفر، فقال النبي: إنّ عمّاراً مِلئ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، وجاء عمّار إلى رسول الله وهو يبكي، فقال: ما وراءك ؟ فقال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، وأضاف الطبرسي أنّ ياسراً وسميّة أبوي عمّار أوّل شهيدين في الإسلام(١) .

إنّ الأساليب التي أنتهجتها وتبنّتها قريش لشل حركة تقدم الدعوة النبويّة لـمّا أضحت فاشلة، إضطرّت إلى اللجوء إلى أسلوب آخر وهو اثارة الضوضاء والضجيج، للحيلولة دون بلوغ القرآن إلى مسامع الناس.

إثارة الضوضاء عند تلاوة النبي للقرآن

كان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي وكانت العرب تعرف بفطرتها أنّه كلام فوق كلام البشر، وأنّ له لحلاوة وأنّ عليه لطلاوة وأنّ أعلاه لمثمر وأنّ أسفله لمغدق وأنّه يعلو وما يعلى عليه(٢) .

هكذا وصف القرآن بعض أعداء النبي، وقد كانت الشباب من قريش وغيره يدركون حلاوة القرآن بذوقهم السليم فيندفعون إلى الإعتناق به حيث كان القرآن يأخذ بمجامع قلوبهم ويوردهم المنهل العذب من الإيمان، فلم ير أعداء النبي بدّاً من نهي العرب عن الاستماع إليه وقد كان النبي يجهر بالقرآن في الأشهر الحرم في المسجد الحرام، فاحتالوا بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله حتى لا يسمع صوته ولا يعلم كلامه، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ( فصّلت / ٢٦ ). حتى يصدّوا بذلك

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٣٨٨.

(٢) اقتباس من كلام الوليد بن المغيرة، راجع مجمع البيان: ج ٥ ص ٣٨٧، والسيرة النبويّة: ج ٥ ص ٣٨٢.

١٨٨

من اَراد استماعه، فإذا لم يسمع ولم يفهم لا يتبعه فيغلبون بذلك محمداً(١) . فأوعدهم الله سبحانه بقوله:( فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ولقد تحقّق وعده سبحانه في الدنيا يوم بدر فقتل منهم من قتل وأسر منهم من اُسر، فنالوا جزاء أعمالهم، وبقي عليهم العذاب الأكبر الذي يجزون به في يوم البعث. يقول سبحانه:( ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) ( فصّلت / ٢٧ و ٢٨ ).

العذر الأخير للإمتناع عن قبول الدعوة

وأقصى ما كان عند قريش من العذر لتبرير عملهم وعدم إعتناقهم لدين النبي، هو أنّهم كانوا يخافون من مشركي الجزيرة العربيّة حيث إنّهم كانوا على خلاف التوحيد بل على عبادة الأصنام، فقالوا: لو اعتنقنا دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفضنا الأصنام والأوثان، لثار الجميع علينا، وهذا ما يحكيه عنهم قوله سبحانه:( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) ( القصص / ٥٧ ) والآية تعطي أنّهم كانوا واقفين على أنّ دين النبي حقٌّ ولكن الذي منعهم عن اتباع الهدى مخافة أن تتخطّفهم العرب من أرضهم وليس لهم طاقة بهم(٢) .

فردّه الوحي بأنّ الله سبحانه جعل بهم مكّة دار أمن وأمان ودفع ضرّ الناس عنهم عندما كانوا مشركين فإذا آمنوا واعتنقوا دين الله يعمّهم الأمن والسلامة أيضاً لأنّهم في حالة الإيمان أقرب إلى الله سبحانه من حالة الكفر، فالخالق الذي قطع أيدي الأشرار عن بلدهم قادر في كلتا الحالتين، وإليه يشير قوله سبحانه:( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ

__________________

(١) تفسير الطبري: الجزء ٢٤ ص ٧٢.

(٢) التخطّف: أخذ الشيء على وجه الإضطراب من كل وجه، والمصطلح الدارج هو الإختطاف.

١٨٩

أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) ( القصص / ٥٧ ).

كان على هؤلاء أن يعتبروا بأقوام متمرّدين الذين أعطوا المعيشة الواسعة، فلم يعرفوا حق النعمة وكفروا فعمّهم الهلاك وهذه ديار عاد وثمود وقوم لوط صارت خالية عن أهلها وهي قريبة منهم، فإنّ ديار عاد إنّما كانت بالأحقاف وهو موضع بين اليمن والشمال وديار ثمود بوادي القرى، وديار لوط بسدوم وكانت قريش تمر بهذه المواضع في تجارتها، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ (١) مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) ( القصص / ٥٨ ).

هذا آخر ما كان عندهم من المبرّرات لعدم الإيمان بالدّعوة.

خرافة الغرانيق

كان اللازم علينا ضرب الصفح عن تناول هذه الخرافة التاريخية بالبحث لأَنّا قد اعتمدنا في سرد حوادث السيرة النبوية وفق ما ورد في القرآن الكريم، فما جاء في خلال آياته نذكره وما لم يرد نتركه إلى كتب السيرة والتاريخ، غير أنّ هذه القصة لـمّا الصقت بساحة القرآن الكريم القدسيّة بالإستناد إلى بعض الآيات الموهمة لذلك كذباً وزوراً، فصارت ذريعة في الآونه الأخيرة بيد أعداء الدين من المستشرقين ك‍ « بروكلمان » في كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية، ص ٣٤، وكتاب « الإسلام » لفرويد هيوم، لزم علينا التطرّق لتلك الخرافة وتحليلها تحليلاً علميّاً مؤيّداً بالبرهان الرصين والحجّة الدّامغة حتى لا يبقى لمشكك شكّ ولا لمريب ريب إلّا من أخذته العصبية العمياء فإنّها داء لا علاج له، خصوصاً ما نشاهده في المؤامرة الأخيرة التي حاكتها بريطانيا وغيرها من أذناب الكفر العالمي حيث زمّروا وطبّلوا لكتاب « الآيات الشيطانية » لمؤلّفه « سلمان رشدي » ومنحوا له جائزة أدبية في ذلك المجال، والرجل

__________________

(١) البطر: الطغيان عن النعمة.

١٩٠

هندي الأصل بريطاني الجنسيّة والدراسة وقد ترجم الكتاب بإيعاز من الدول المستعمرة إلى أكثر اللغات العالميّة مع أنّه ليس بكتاب أدبي ولا علمي ولا تاريخي، بل أشبه بأضغاث أحلام نسجها الخيال وروّج لها الإستعمار، وإليك القصّة على وجه الإجمال:

« جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) فقرأه رسول الله حتى إذا بلغ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) ألقى عليه الشيطان كلمتين:

« تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ لَشَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى » فتكلّم بها ثمّ مضى فقرأ السورة كلّها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضوا بما تكلّم به، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيباً، فنحن معك. قالا ( محمد بن كعب القرظي ومحمد ابن قيس ): فلمّا أمسى أتاه جبرئيلعليه‌السلام فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه، قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إفتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل !! فأوحى الله عليه:( كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) . فما زال مغموماً مهموماً حتّى نزلت عليه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / ٥٢ )، قال فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة: إنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلينا، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما يلقي الشيطان »(١) .

__________________

(١) تفسير الطبري: الجزء ١٧، ص ١٣١.

١٩١

وتحقيق القوم في تلك القصّة يتوقّف على البحث عن سند الرواية التي أوردها الطبري في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور أوّلاً، ودراسة متنها وعرضه على العقل والقرآن ثانياً لكي يتجلّى الحق بأجلى مظاهره.

تحليل سند الرواية

إنّ هذه الروايات لا يمكن الإحتجاج بها لوجهين:

الأوّل: إنّ أسانيدها تنتهي إلى التابعين الذين لم يدركوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

من أمثال:

١ ـ محمد بن كعب القرظي ٢ ـ محمد بن قيس ٣ ـ أبو العالية ٤ ـ سعيد بن جبير ٥ ـ الضحّاك ٦ ـ ابن شهاب.

ولم يدرك واحد منهم النبي قطّ وهم قد ساقوا القصّة من دون أن يذكروا الواسطة بينهم وبينه، وإليك نصوص علماء الرجال في حقّهم:

الف ـ محمد بن كعب القرظي

قال ابن حجر: قال العجلي: مدني تابعي ...، وقال البخاري: إنّ أباه كان ممّن لم يَثْبُت يوم قريظة فترك، وما نقل من قتيبة من أنّه ولد في عهد النبي لا حقيقة له. إنّما الذي ولد في عهده، هو أبوه، وقد ذكروا انّه كان من سبي قريظة ممّن لم يحتلم ولم ينبت فخلّوا سبيله، حكي ذلك البخاري في ترجمة محمد، ويدلّ على ذلك إنّه مات سنة ١٠٨ ه‍ ق وقيل: ١١٧ ه‍ ق وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وجاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق أنّه قال: يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون بعده. قال ربيعة: فكنّا نقول: هو محمد بن كعب، والكاهنان قريظة والنضير ـ إلى أن يقول ـ:

١٩٢

... فكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف، فمات هو وجماعة معه(١) .

ب ـ محمد بن قيس

وهو محمد بن قيس المدني قاض عمر بن عبد العزيز، روى عن أبي هريرة وجابر، ويقال: مرسل، توفّي أيام الوليد بن يزيد. روى عنه أبو معشر ـ قال ابن معين: ليس بشيء لا يروى عنه(٢) .

ج ـ ابن شهاب

وهو محمد بن مسلم الزهري ـ كان يدلّس في النادر ـ وهو أحد التابعين بالمدينة، وقال ابن حجر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ابن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري وكنيته أبو بكر وهو من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة خمس وعشرين [ بعد المائة ] وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين(٣) .

د ـ أبو العالية

وهو رفيع بن مهران الرياحي أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي بسنتين ودخل على أبي بكر وصلّى خلف عمر حتى قيل: إنّه أدرك عليّاً ولم يسمع منه(٤) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤٢١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤١٤.

(٣) ميزان الإعتدال: ج ٤ ص ٤٠، وتقريب التهذيب: ج ٢ ص ٢٠٧، ووفيات الاعلام: ج ٤ برقم ٥٦٣.

(٤) تهذيب التهذيب: ج ٣ ص ٣٨٤.

١٩٣

ه‍ ـ سعيد بن جبير

فهو سعيد بن جبير الكوفي روى عن ابن عباس وابن الزبير وغيره، قتله الحجّاج صبراً سنة ٩٥(١) .

و ـ الضحّاك

وهو الضحّاك بن عثمان. قال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين(٢) .

هؤلاء الذين ينتهي إليهم السند كلّهم تابعون، نعم رواه الطبري أيضاً عن ابن عباس فهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ـ مات سنة ثمان وستين بالطائف وهو أحد المكثرين من الصحابة، ولكنّه لم يكن حاضراً في زمن القصة بل لم يكن متولّداً فيه ( لأنّ تاريخها يرجع إلى السنة الخامسة من البعثة وهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ) فتكون روايته مقطوعة.

وعلى كل تقدير فكل ما رواه الطبري في هذا المجال مراسيل أو مقطوعات لا يمكن الإحتجاج بها.

الثاني: إنّ الأسانيد تشتمل على رجال ضعاف لا يمكن الإحتجاج بهم سوى طريق سعيد بن جبير وقد عرفت أنّه أيضاً مرسل.

هذا ما لدى الطبري في تفسيره وأمّا ما نقله السيوطي فلا يقصر عمّا نقله الطبري في الضعف والإرسال، وقد رواه عن « أبي صالح » وأبي بكر بن عبد الرحمان ابن الحارث و « السدى » أيضاً.

__________________

(١) تهذيب التهذيب: ج ٤ ص ١١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ٤ ص ٤٤٧.

١٩٤

أمّا الأوّل فهو مشترك بين ١٩ شخصاً لم يرو واحد منهم عن النبي فالجلّ لولا الكل تابعون(١) .

وأمّا الثاني فهو أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ولد في خلافة عمر(٢) .

وأمّا الثالث فهو محمد بن مروان تابعي. قال ابن معين: ليس بثقه، قال ابن نمير: ليس بشيء وكان كذّاباً(٣) .

نعم رواه أيضاً عن سعيد بن جبير وابن عباس وقد عرفت حالهما، ورواه عن السدي وهو أيضاً تابعي.

مضافاً إلى إشتمال الإسناد على رجال ضعاف، وأمّا ما ذكره السيوطي من أنّه أخرج الطبراني والبزاز وابن مردويه والضياء في المختار بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فهو غير صحيح لما عرفت من أنّ المرسل والمقطوع لا يوصفان بالصحة على الإطلاق ولو وصفا بالصحّة فالمراد هو الصحّة النسبية، فلا يحتج بها.

إنّ علماء الإسلام وأهل العلم والدراية من المسلمين، قد أشبعوا هذه الرواية نقضاً وردّاً وإبراماً فوصفها السيد مرتضى: بأنّها خرافة وضعوها(٤) .

وقال النسفي عند القول بها: غير مرضي. وقال الخازن في تفسيره: إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح، أو سليم متّصل، وإنّما رواها المفسّرون والمؤرّخون المولعون بكل غريب، الملفّقون من الصحف كل صحيح وسقيم، والذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها(٥) .

__________________

(١) راجع تهذيب التهذيب: ج ١٢ ص ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ١٢ ص ١٣٠ ـ ١٣٣.

(٣) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤٣٦ برقم ٧١٩.

(٤) تنزيه الأنبياء: ص ١٠٩.

(٥) الهدى إلى دين المصطفى: ج ١ ص ١٣٠.

١٩٥

وقال القاضي عياض: إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحّة ولا رواه ثقة بسنده سليم متصل، وإنّما أولع به المفسّرون، والمؤرّخون، المولعون بكل غريب، والمتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي بكر بن العلا المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلّق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع أسناده واختلاف كلماته(١) .

وقال أمين الإسلام الطبرسي: أمّا الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة ومضعّفة عند أصحاب الحديث، وقد تضمّنت ما ينزّه الرسل عنه، فكيف يجوز ذلك على النبي وقد قال سبحانه:( كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) وقال:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ ) .

وأقصى ما يمكن أن يقال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله:( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) علمت قريش من عادته أنّه كان يعيبها، قال بعض الحاضرين من الكافرين: ( تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى ) فظنّ الجهّال أن ذلك من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وقال السيّد الطباطبائي: إنّ الأدلّة القطعيّة على عصمته تكذّب متنها، وإن فرضت صحّة سندها، فمن الواجب تنزيه ساحته المقدّسة عن مثل هذه الخطيئة، مضافاً إلى أنّ الرواية تنسب إليه أشنع الجهل وأقبحه فقد تلا « تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى » وجهل أنّه ليس من كلام الله، ولانزل به جبرئيل، وجهل أنّه كفر صريح يوجب الإرتداد، ودام على جهله، حتى سجد وسجدوا في آخر السورة، ولم يتنبّه ثمّ دام على جهله حتى نزل عليه جبرئيل، وأمره أن يعرض عليه السورة فقرأها عليه وأعاد الجملتين وهو مصرّ على جهله، حتى أنكره عليه جبرئيل، ثمّ أنزل عليه آية تثبت نظير هذا الجهل الشنيع والخطيئة الفاضحة لجميع الأنبياء

__________________

(١) الشفاء: ج ٢ ص ١٢٦.

(٢) الطبرسي مجمع البيان: ج ٤ ص ٦١ و ٦٢.

١٩٦

والمرسلين وهي قوله:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) .

لو جاز مثل هذا التصرّف من الشيطان في لسانه بالقائه جملة أو جملتين، في ثنايا الوحي، لارتفع الأمن عن الكلام الإلهي، فكان من الجائز حينئذ أن تكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان فيلقي نفس هذه الآية( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) فيضعه في لسان النبي وذكره، فيحسبها من كلام الله الذي نزل به جبرئيل كما حسب حديث الغرانيق كذلك ـ إلى أن قال ـ وبذلك يرتفع الإعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة، وتلغى الرسالة والدعوة النبويّة بالكليّة جلّت ساحة الحق من ذلك(١) .

هذا كلّه راجع إلى اسناد الرواية وكلمات العلماء بشأنه، وأمّا ما يرجع إلى متنها فنشير إلى أمرين كل واحد كاف لإبطال الرواية:

تحليل متن الرواية

١ ـ إنّ هذه الروايات أجمعت على أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ سورة والنجم فلمّا بلغ إلى قوله( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) وسوس إليه الشيطان بهاتين الجملتين ثمّ مضى في التلاوة حتى إذا بلغ آية السجدة في آخر السورة، سجد وسجد معه المشكرون.

فنقول: إنّ الذين كانوا في المسجد كانوا على قدر من الوعي والدراية فكيف يعقل منهم أنّهم سمعوا هاتين الجملتين، اللتين تتضمّنان مدح أصنامهم وأوثانهم، وغاب عن سمعهم ما يتضمّن التنديد والازراء بشأن آلهتهم، فإنّه قد جاء بعد هاتين الجملتين المدّعيتين قوله سبحانه:( إِنْ هِيَ إلّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن

__________________

(١) الطباطبائي، الميزان: ج ١٤ ص ٤٣٥ و ٤٣٦.

١٩٧

رَّبِّهِمُ الهُدَىٰ ) ( النجم / ٢٣ ).

فهل يتعقّل أن ينسب إلى أوتاد الفصاحة والبلاغة أنّهم أقنعوا بهاتين الجملتين، وفاتهم ما تضمّنته الآيات الكثيرة التي أعقبتها.

فهذه حجة بالغة على أنّ واضع القصة كان غافلاً عن تلك الآيات التي ترد على هاتين الجملتين بصلابة.

٢ ـ إنّ وجود التناقض في طيّات الرواية من جهات شتّى دليل واضح على كونها مختلقة حاكتها أيدي القصّاصين.

وأمّا بيان ذلك التناقض فمن وجوه:

أ ـ تروي الروايات أنّ النبي والمسلمين والمشركين سجدوا إلّا الوليد ابن المغيرة فإنّه لم يتمكّن من السجود لشيخوخته، وقيل: مكانه سعيد بن العاص، وقيل: كلاهما، وقيل: اُميّة بن خلف، وقيل: أبو لهب، وقيل: المطّلب.

ب ـ تضمّن بعضها أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأها وهو قائم يصلّي، وتضمّن البعض الآخر أنّه قرأها بينما هو جالس في نادي قومه.

ج ـ يقول بعضها: حدّث بها نفسه، وآخر: جرت على لسانه.

د ـ يقول بعضها: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تنبّه لها حين تلاوتها، والآخر: انّه لم يتنبّه إلى المساء حتى جاء إليه جبرئيل فعرضها عليه ثمّ تبيّن له الخطأ، إلى غير ذلك من وجوه التناقض التي يقف عليها المتتبع عند التأمّل وامعان النظر في متون الروايات المختلفة التي جمعها ابن جرير والسيوطي في تفسيرهما.

فحصيلة الكلام: إنّ الرواية بشتّى طرقها وصورها لا تصحّ الإحتجاج بها لكون إسنادها مراسيل ومقاطيع من جانب، وكونها متضاربة المضمون من جانب آخر، والذي يسقط الرواية عن الحجّية أنّها تنتهي إلى قصّاصين نظير محمد بن كعب

١٩٨

القرظي ومحمد بن قيس، وهما مولعان بذكر كل صحيح وسقيم في أنديتهم ومجالسهم، لأنّ لكل غريب لذّة، ليس في غيره، خصوصاً أنّ محمد بن كعب ابن بيت يهودي أباد النبي قبيلته، ولم يبق منه إلّا نفراً قليلاً، فمن المحتمل جداً أنّه حاكها على نول الوضع لينتقم من النبي الأكرم وليشوِّه عصمته، والآفة كل الآفة من هؤلاء المستسلمين مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه.

ثمّ إنّ الآية التي زعمت الرواية أنّها نزلت في تلك الواقعة أعني قوله سبحانه:

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / ٥٢ ). وقد فرغنا من تفسيره في هذه الموسوعة عند البحث عن عصمة الأنبياء فلا نعيد(١) .

__________________

(١) مفاهيم القرآن: ج ٤ ص ٣٤٨ ـ ٤٥٠.

١٩٩
٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582