دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق10%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136076 / تحميل: 5468
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تعمدوا إضرارك والإساءة إليك. فتماشيهم بقدر ما تصون به نفسك، وتدفع الأذى عنك، لأن الضرورة تقدر بقدرها. وقد مثل فقهاء الشيعة لذلك بأن يصلي الشيعي «متكتفاً»، أو يغسل رجليه في الوضوء بدلاً من مسحهما في بيئة سنية متعصبة، بحيث إذا لم يفعل لحقه الأذى والضرر.

هذي هي التقية في حقيقتها وواقعها عند الشيعة، وما هي بالشيء الجديد، ولا من البدع التي يأباها العقل والشرع. فقد تكلم عنها الفلاسفة وعلماء الأخلاق قبل الإسلام وبعده، تكلموا عنها وأطالوا، ولكن لا بعنوان التقية، بل بعنوان: «هل الغاية تبرر الواسطة؟» وما إلى ذاك، وتكلم عنها الفقهاء، وأهل التشريع في الشرق والغرب بعنوان: «هل يجوز التوصل إلى غاية مشروعة من طريق غير مشروع؟». وبعنوان «المقاصد والوسائل» وتكلم عنها علماء الأصول من السنة والشيعة بعنوان: «تزاحم المهم والأهم» واتفقوا بكلمة واحدة على أن الأهم مقدم على المهم، ارتكاباً لأقل الضررين، ودفعاً لأشد المحذورين، وتقديماً للراجح على المرجوح..

وهذه العناوين وما إليها تحكي التقية كما هي عند الإمامية، ولا تختلف عنها إلا في الأسلوب والتعبير. وكانت التقية وما زالت ديناً يدين به كل سياسي في الشرق والغرب، حتى المخلص الأمين.

وإذا سأل سائل: ما دام الأمر كذلك فلماذا عبر الشيعة بلفظ التقية، ولم يعبروا بلفظ المقاصد والوسائل، أو الغاية تبرر الواسطة؟

الجواب:

إن العبرة بالمعنى، لا باللفظ، وقديماً قال العارفون: «النقاش في الاصطلاحات اللفظية ليس من دأب المحصلين».

ثانياً: إن علماء الشيعة يأخذون - دائماً أو غالباً - ألفاظهم ومصطلحاتهم الشرعية من نصوص الكتاب والسنة، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى بمادة الاتقاء، كما تدل الآية التالية:

ومهما يكن. فقد استدل الإمامية بالآية ٢٨ من سورة آل عمران: «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه

في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة». فالآية صريحة في النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء إلا في حال

٤١

الخوف واتقاء الضرر والأذى، واستدلوا بالآية ١٠٦ من سورة النحل: «من كفر باللّه بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان».

قال المفسرون: إن المشركين آذوا عمار بن ياسر، وأكرهوه على قول السوء في رسول اللّه، فأعطاهم ما أرادوا. فقال بعض الأصحاب: كفر عمار. فقال النبي: كلا، ان عماراً يغمره الإيمان من قرنه إلى قدمه. وجاء عمار، وهو يبكي نادماً آسفاً، فمسح النبي عينيه، وقال له: لا تبك، إن عادوا لك، فعد لهم بما قلت.

واستدلوا أيضاً بالآية ٢٨ من سورة غافر: «وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه». فكتم الإيمان، وإظهار خلافه ليس نفاقاً ورياء، كما زعم من نعت التقية بالنفاق والرياء. وبالآية ١٩٥ من سورة البقرة: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

ومن السنة استدلوا بحديث «لا ضرر ولا ضرار» وحديث « رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والطيرة، والحسد، والوسوسة في الخلق». والحديثان مرويان في كتب الصحاح عند السنة. وقول الرسول الأعظم، «وما اضطروا إليه» صريح الدلالة على أن الضرورات تبيح المحذورات.

وقال الغزالي في الجزء الثالث من إحياء العلوم «باب ما رخص فيه من الكذب»: «إن عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب».

وبعد أن نقل الرازي الأقوال في التقية، وهو يفسر قوله تعالى «إلا أن تتقوا منهم تقاة» قال: روي عن الحسن أنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى، لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان».

ونعى الشاطبي في الجزء الرابع من الموافقات ص ١٨٠ على الخوارج «إنكارهم سورة يوسف من القرآن، وقولهم بأن التقية لا تجوز في قول أو فعل على الإطلاق والعموم».

وقال جلال الدين السيوطي في كتاب «الأشباه والنظائر» ص ٧٦: «يجوز

أكل الميتة في المخمصة، وإساغة اللقمة في الخمر، والتلفظ بكلمة الكفر. ولو عم الحرام قطراً، بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه».

وقال أبو بكر الرازي الجصاص - من أئمة الحنفية - في الجزء الثاني من كتاب «أحكام القرآن» ص ١٠ طبعة ١٣٤٧هجري:

قوله تعالى «إلا أن تتقوا منهم تقاة» يعني أن تخافوا تلف النفس، أو بعض الأعضاء، فتتقوهم

٤٢

بإظهار الموالاة من غير اعتقاد لها، وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ، وعليه الجمهور من أهل العلم، وقد حدثنا عبد اللّه بن محمد بن اسحاق المروزي عن الحسن بن أبي الربيع الجرجاني عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون اللّه» قال: لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافراً ولياً في دينه، وقوله تعالى «إلا أن تتقوا منهم تقاة» يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقية، وهو نظير قوله تعالى «من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان». وفي الجزء الثالث من السيرة الحلبية ص ٦١ مطبعة مصطفى محمد «لما فتح رسول اللّه خيبر قال له حجاج بن علاط: يا رسول اللّه إن لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وأنا أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك، وقلت شيئاً، فأذن له رسول اللّه أن يقول ما يشاء».

وهذا الذي قاله صاحب السيرة الحلبية عن النبي، ونقله الجصاص إلى الجمهور من أهل العلم هو بعينه ما تقوله الإمامية، إذن القول بالتقية لا يختص بالشيعة دون السنة. أما قصة نعيم بن مسعود الأشجعي فأشهر من أن تذكر.

ولا أدري كيف استجاز لنفسه من يدعي الإسلام أن ينعت التقية بالنفاق والرياء، وهو يتلو من كتاب اللّه، وسنة نبيه ما ذكرنا من الآيات والأحاديث، وأقوال أئمة السنة، وهي غيض من فيض مما استدل به علماء الشيعة في كتبهم، وكيف تنسب الشيعة إلى الرياء، وهم يؤمنون بأنه الشرك الخفي، ويحكمون ببطلان الصوم والصلاة والحج والزكاة إذا شابتها أدنى شائبة من رياء؟

وأود أن أوجه هذا السؤال لمن نسب الشيعة إلى النفاق والرياء من أجل التقية: ما رأيك فيمن قال - من علماء السنة - إن جبرئيل ليلة أسرى بالنبي إلى السماء جاءه بقدحين: أحدهما من لبن، وآخر من خمر، وخيره بين شرب

أيهما شاء (كتاب الفروق ج ١ ص ١٢ طبعة ١٣٤٥هجري وصحيح البخاري ج ٦ باب سورة بني إسرائيل).

وأيضاً ما رأيك فيمن أفتى - منهم - بأن من ترك الصلاة عمداً لا يجب عليه قضاؤها، ومن تركها نسياناً يجب عليه أن يقضي. (كتاب نيل الأوطار للشوكاني ج ٢ ص ٢٧ طبعة ١٩٥٢).

وغريبة الغرائب أن يُعذر المفتي على فتواه التي خالف بها الاجماع والقواعد والنص والقياس الجلي السالم عن المعارض، ولا يعذر من يفتي بالتقية مستنداً إلى كتاب اللّه وسنة رسوله. (الفروق للقرافي ج ٢ ص ١٠٩).

٤٣

وبالتالي، فإن التقية كانت عند الشيعة حيث كان العهد البائد، عهد الضغط والطغيان، أما اليوم حيث لا تعرّض للظلم في الجهر بالتشيع فقد أصبحت التقية في خبر كان.

في عام ١٩٦٠ أقامت الجمهورية العربية المتحدة مهرجاناً دولياً للغزالي في دمشق، وكنت فيمن حضر وحاضر، فقال لي بعض أساتذة الفلسفة في مصر فيما قال: أنتم الشيعة تقولون بالتقية.. فقلت له: لعن اللّه من أحوجنا إليها. إذهب الآن أنّى شئت من بلاد الشيعة فلا تجد للتقية عندهم عيناً ولا أثراً، ولو كانت ديناً ومذهباً في كل حال لحافظوا عليها محافظتهم على تعاليم الدين ومبادئ الشريعة.

البداء:

اتفق المسلمون بكلمة واحدة على جواز النسخ، ووقوعه في الشريعة الإسلامية، ومعناه في اصطلاح المفسرين وأهل التشريع أن اللّه يشرع حكماً كالوجوب أو التحريم، ويبلغه لنبيه، وبعد أن يعمل النبي وأمته بموجبه يرفع اللّه هذا الحكم وينسخه ويجعل في مكانه حكماً آخر، لإنهاء الأسباب الموجبة لبقاء الأول واستمراره، وهذا النوع من النسخ ليس بعزيز، فإنه موجود في الشرائع السماوية والوضعية، واستدل المسلمون على جوازه ووقوعه بأدلة، منها أن الصلاة كانت في بدء الإسلام لجهة بيت المقدس، ثم نسخت، وتحولت إلى جهة البيت الحرام، كما نطقت الآية ١٤٤ من سورة البقرة: «فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام».

ونتساءل: إذا جاز النسخ على اللّه بهذا المعنى في الأمور التشريعية فهل يجوز عليه ذلك في الأشياء الكونية والطبيعية، وذلك بأن يقدر اللّه ويقضي بإيجاد شيء في الخارج، ثم يعدل ويتحول عن قضائه وإرادته؟

اتفق المسلمون جميعاً على عدم جواز النسخ في الطبيعيات، لأنه يستلزم الجهل وتجدد العلم للّه، وحدوثه بعد نفيه عنه. تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ويسمى هذا بالبداء الباطل، وقد نسبه البعض إلى الإمامية جهلاً أو تجاهلاً، رغم تصريحاتهم المتكررة بنفيه.

روى الشيخ الصدوق في كتاب «إكمال الدين وإتمام النعمة» عن الإمام الصادق أنه قال: من زعم ان اللّه عز وجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرأوا منه.

وبعد أن نفى المسلمون جميعاً البداء بهذا المعنى أجازوا بداء لا يستدعي الجهل وحدوث العلم

٤٤

لذات اللّه، وهو أن يزيد اللّه في الأرزاق والأعمار، أو ينقص منهما بسبب أعمال العبد، قال المفيد شيخ الشيعة الإمامية في كتاب «أوائل المقالات» باب القول في البداء والمشيئة: «البداء عند الإمامية هو الزيادة في الآجال والأرزاق، والنقصان منهما بالأعمال».

وتدل على هذا الآية ٦٠ من سورة غافر: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم» وروى الترمذي في سننه باب لا يرد القدر إلا الدعاء أن النبي قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر(١) .

وبالتالي، فقد اتفق السنة والشيعة بكلمة واحدة على أن أية صفة تستدعي الجهل وتجدد العلم فهي منفية عن اللّه سبحانه بحكم العقل والشرع، سواء أعبّرنا عنها بالبداء أو بلفظ آخر، وعليه فلا يصدق القول بأن الشيعة أجازوا البداء على اللّه دون السنة، لأن المفروض أن البداء المستلزم للجهل باطل عند الفريقين، والبداء بمعنى الزيادة أو النقصان في الأرزاق والآجال جائز عند الفريقين. فأين محل النزاع والصراع؟

هذا، إلى أن الإمامية قد تشددوا في صفات الباري أكثر من جميع الفرق

_____________________

(١) انظر كتاب «البيان في تفسير القرآن» للسيد الخوئي ص ٢٧٧.

٤٥

والطوائف، وبالغوا في تنزيهه عن كل ما فيه شائبة الجهل والظلم والتجسيم والعبث، وما إليه. فلم يجيزوا على اللّه ما أجازه الأشاعرة وغيرهم من سائر الفرق الإسلامية الذين قالوا بأن الخير والشر من اللّه، وإنه سبحانه يكلف الإنسان بما لا يطاق، وإنه تعالى علواً كبيراً يأمر بما يكره، وينهى عما يحب، ويفعل بدون غرض (كتاب المواقف ج ٨ للإيجي وشرحه للجرجاني، وكتاب الفروق للقرافي ج ٢ وكتاب المذاهب الإسلامية لأبي زهرة). كما أن الإمامية قد نفوا التجسيم عن اللّه الذي قال به الحنابلة، ومنهم الوهابية الذين رووا عن النبي: «لا تزال جهنم يلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط. قط».(العقيدة الواسطية لابن تيمية المطبوعة مع الرسائل التسع سنة ١٩٥٧ ص ١٣٦).

الرجعة:

قال فريق من علماء الإمامية: إن اللّه سبحانه سيعيد إلى هذه الحياة قوماً من الأموات، ويرجعهم بصورهم التي كانوا عليها، وينتصر اللّه بهم لأهل الحق من أهل الباطل، وهذا هو معنى الرجعة. وأنكر الفريق الآخر ذلك، ونفاه نفياً باتاً.

ونقل هذا الاختلاف الشيخ الإمامي الثقة أبو علي الطبرسي في «مجمع البيان» عند تفسير الآية ٨٣ من سورة النمل: «ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون».

قال: استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية. ووجه الدلالة - بزعم هؤلاء - أن اليوم الذي يحشر اللّه فيه فوجاً من كل أمة لا يمكن أن يكون اليوم الآخر بحال، لأن هذا اليوم يُحشر فيه جميع الناس لا فوج من كل أمة لقوله تعالى في الآية ٤٨ من سورة الكهف: «وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً». فتعين أن يكون الحشر في هذه الدنيا لا في الآخرة.

أما الذين أنكروا الرجعة من علماء الإمامية فقد قالوا: إن الحشر في الآية يراد به الحشر في اليوم الآخر، لا في هذه الحياة، والمراد بالفوج رؤساء الكفار والجاحدين، فإنهم يحشرون ويجمعون لإقامة الحجة عليهم.

ومهما يكن، فإن غرضنا الأول من نقل كلام الشيخ الطبرسي الإمامي هو التدليل على أن علماء الإمامية لم يتفقوا بكلمة واحدة على القول بالرجعة. وقد اعترف باختلافهم الشيخ أبو زهرة، حيث قال في كتاب «الإمام الصادق» ص ٢٤٠ ما نصه بالحرف: «ويظهر أن فكرة

٤٦

الرجعة على هذا الوضع ليست أمراً متفقاً عليه عند إخواننا الإثني عشرية، بل فيهم فريق لم يعتقده».

وقال السيد محسن الأمين في كتاب «نقض الوشيعة» ص ٤٧٣ طبعة ١٩٥١: «الرجعة أمر نقلي، إن صح النقل به لزم اعتقاده، وإلا فلا». وقال ص ٥١٥ يتعلق بالبداء: «أجمع علماء الإمامية في كل عصر وزمان على أن البداء بهذا المعنى باطل ومحال على اللّه، لأنه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى، وهو منزه عن ذلك تنزيهه عن جميع القبائح، وعلمه محيط بجميع الأشياء إحاطة تامة جزئياتها وكلياتها، لا يمكن أن يخفى عليه شيء، ثم يظهر له».

ولو كانت الرجعة من أصول الدين أو المذهب عن الإمامية لوجب الاعتقاد بها، ولما وقع بينهم الاختلاف فيها، أما الأخبار المروية في الرجعة عن أهل البيت فهي كالأحاديث في الدجال التي رواها مسلم في صحيحه القسم الثاني من الجزء الثاني ص ٣١٦ طبعة ١٣٤٨ هجري، ورواها أيضاً أبو داود في سننه ج ٢ ص ٥٤٢ طبعة ١٩٥٢، وكالأحاديث التي رويت عن النبي في أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الأموات (كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج ١ ص ٢٢٨ طبعة ١٣٥٢ هجري).

إن هذه الأحاديث التي رواها السنة في الدجال وعرض أعمال الأحياء على الأموات، وما إلى ذاك تماماً كالأخبار التي رواها الشيعة في الرجعة عن أهل البيت. فمن شاء آمن بها، ومن شاء جحدها، ولا بأس عليه في الحالين. وما أكثر هذا النوع من الأحاديث في كتب الفريقين(١) .

____________________

(١) ولنفترض أن الشيعة كلهم أو بعضهم يقولون بالرجعة. فماذا يكون؟. وهل هذا القول كفر وزندقة؟. لقد اعتقد المسلمون منذ أن وجدوا، حتى اليوم أن المسيح (ع) حي بروحه وجسده، ومع ذلك نشر شيخ الأزهر فضيلة الشيخ محمود شلتوت مقالاً مطولاً في جريدة الجمهورية المصرية تاريخ ١٥ / ١١ / ١٩٦٣ قال فيه: إن عيسى قد مات حقيقة، كسائر الانبياء، ومع ذلك لم يكفر شيخ الأزهر، ولا كفره أحد، فعلام هذا التهويش حول الرجعة.

٤٧

الجفر:

جاء في بعض مؤلفات السنة والشيعة أن عند أهل البيت علم الجفر، وأنهم يتوارثونه إماماً عن إمام إلى جدهم الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن كتب السنة التي جاء فيها ذكر الجفر المواقف للإيجي، وشرحه للجرجاني الحنفي، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، وقال أبو العلاء المعري:

لقد عجبوا لأهل البيت لما

أروهم علمهم في مسك جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

أرته كل عامرة وقفر

ونفى أفراد من السنة والشيعة ذلك، ولم يعتقدوا بشيء يسمى الجفر عند أهل البيت ولا عند غيرهم.

ما هو علم الجفر؟

واختلف القائلون بوجود الجفر في تفسير معناه، فمن قائل بأنه نوع من علم الحروف تستخرج به معرفة ما يقع من الحوادث في المستقبل. ومن قائل بأنه كتاب من جلد(١) ، فيه بيان الحلال والحرام، وأصول ما يحتاج إليه الناس من الأحكام التي فيها صلاح دينهم ودنياهم، وعلى هذا فلا يمت الجفر إلى الغيب بصلة.

ومن الطريف أن يقول عالم كبير من علماء الأحناف، وهو الشريف الجرجاني بالأول، وإن الجفر الذي عند أهل البيت تستخرج منه الحوادث الغيبية، وأن يخالفه في ذلك عالم كبير من الإمامية، وهو السيد محسن الأمين، ويقول بالثاني، وإنه علم الحلال والحرام فقط.

قال الجرجاني في كتاب «المواقف وشرحه» ج ٦ ص ٢٢ ما نصه بالحرف: «الجفر والجامعة كتابان لعليرضي‌الله‌عنه ، وقد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم، وكان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما».

وقال السيد محسن الأمين في كتاب «نقض الوشيعة» ص ٢٩٥: «ليس

________________________

(١) الجفر في أصل اللغة ولد الشاة إذا عظم واستكرش، ثم أطلق على جلد الشاة.

الجفر علماً من العلوم، وإن توهم ذلك كثيرون، ولا هو مبني على جداول الحروف، ولا ورد به خبر ولا رواية - إلى أن قال - ولكن الناس توسعوا في تفسيره، وقالوا فيه أقاويل لا تستند إلى مستند، شأنهم في أمثال ذلك».

٤٨

وقال في «أعيان الشيعة» قسم أول من ج ١ ص ٢٤٦ طبعة ١٩٦٠: «الظاهر من الأخبار أن الجفر كتاب فيه العلوم النبوية من حلال وحرام، وما يحتاج إليه الناس في أحكام دينهم، وصلاح دنياهم».

السيد الأمين الذي تثق الإمامية كافة بعلمه ودينه ينفي الجفر بمعنى علم الغيب عن أهل البيت، ويثبته علماً من أعلام الأحناف، ويقول: «عندهم علم ما يحدث إلى انقراض العالم». وبهذا يتبين ما في قول الشيخ أبي زهرة وغيره من الذين جعلوا القول بالجفر من اختصاص الإمامية، ونسبوا لهم الزعم بأن أهل البيت يستخرجون منه علم الغيب. إن غير الإمامية من الفرق الإسلامية يدّعون أمثال ذلك، ثم ينسبونه إلى الأمامية، لا لشيء إلا لشينعوا، ويهوشوا، وكذلك فعلوا في دعوى تحريف القران والنقص منه، ودعوى الإيحاء والإلهام.

هذا، إلى أن مسألة الجفر ليست من أصول الدين ولا المذاهب عند الإمامية، وإنما هي أمر نقلي، تماماً كمسألة الرجعة، يؤمن بها من تثبت عنده، ويرفضها إذا لم تثبت، وهو في الحالين مسلم سني، إن كان سنياً، ومسلم شيعي، إن كان شيعياً.

الخلاصة:

إن الإمامية يدينون بأن الإمامة تكون بالنص لا بالانتخاب، وإن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله نص صراحة على علي بن أبي طالب، وإنهم يوجبون العصمة للإمام، وينفون عنه علم الغيب، ويقولون بالتقية عند خوف الضرر، وينفون - متفقين - صفة البداء عن اللّه المستلزمة للجهل، وحدوث العلم، ويختلفون في الرجعة.

مصحف فاطمة:

نسب إلي الإمامية القول بأن عند فاطمة بنت الرسول مصحفاً، فيه زيادات عن هذا القرآن الكريم، وقبل أن نبين حقيقة هذه النسبة نشير إلى عقيدة المسلمين

في صيانة الكتاب العزيز.

اتفق المسلمون بكلمة واحدة على أنه لا زيادة في القرآن، ما عدا فرقة صغيرة شاذة من فرق الخوارج، فإنها أنكرت أن تكون سورة يوسف من القرآن، لأنها قصة غرام يتنزه عن مثلها كلام اللّه سبحانه. ونسب إلى بعض المعتزلة إنكار سورة أبي لهب، لأنها سب وطعن لا يتمشى مع منطق الحكمة والتسامح. ونحن لا نتردد، ولا نتوقف في تكفير من أنكر كلمة واحدة من القرآن، وأن

٤٩

جحود البعض، تماماً كجحود الكل، لأنه طعن صريح فيما ثبت عن النبي بضرورة الدين، واتفاق المسلمين.

أما النقصان بمعنى أن هذا القرآن لا يحتوي على جميع الآيات التي نزلت على محمد، فقد قال به أفراد من السنة والشيعة في العصر البائد، وأنكر عليهم يومذاك المحققون وشيوخ الإسلام من الفريقين، وجزموا بكلمة قاطعة أن ما بين الدفتين هو القرآن المنزل دون زيادة أو نقصان للآية ٨ من سورة الحجرات: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». والآية ٤١ من سورة فصلت: «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد». واليوم أصبح هذا القول ضرورة من ضرورات الدين، وعقيدة لجميع المسلمين، إذ لا قائل بالنقيصة، لا من السنة، ولا من الشيعة. فإثارة هذا الموضوع، والتعرض له - في هذا العصر - لغو وعبث، أو دس وطعن على الإسلام والمسلمين.

وإذا عذرنا محب الدين الخطيب والحفناوي والجبهان وأضرابهم من المأجوردين فإنا لا نعذر أبداً الشيخ أبا زهرة، لأنه في نظرنا أجلّ، وأسمى علماً وخلقاً من ألف خطيب وخطيب من أمثال محب الدين. لذا وقفنا حائرين متسائلين: ماذا أراد فضيلته من إثارة هذا الموضوع في كتاب «الإمام الصادق» مع علمه ويقينه أنه أصبح في خبر كان، وأنه لا قائل به اليوم من الشيعة ولا من السنة؟ ماذا أراد الشيخ أبو زهرة من حملته الشعواء على الشيخ الكليني صاحب

الكافي الذي مضى على وفاته أكثر من ألف سنة؟ هل يريد الشيخ أن يدخلنا في جدل عقيم، ونحن نطلب الوفاق والوئام معه ومع غيره؟ وحيثما أجلت الفكر في سبب هذه الحملة لم أجد لها تفسيراً إلا التأثر بالبيئة والوراثة.

وهل من شيء أدل على ذلك من قوله في ص ٣٦: «لا نستطيع قبول روايات

الكليني، لأنه الذي ادعى أن الإمام جعفر الصادق قد قال: إن في القرآن نقصاً وزيادة، وقد «كذبه» - كذا - كبار العلماء من الاثني عشرية، كالمرتضى والطوسي وغيرهما، ورووا عن أبي عبد اللّه الصادق نقيض ما ادعاه الكليني» وكرر هذه العبارة وما إليها في صفحات الكتاب مرات ومرات. إن أبا زهرة يصور الكليني، وكأنه قد تفرد بهذا القول دون غيره، وتصويره هذا بالتضليل أشبه، كما يتضح مما يلي:

ولست أدري كيف ذهل الشيخ عن وجه الشبه فيما نقله الكليني في الكافي، وما نقله كل من البخاري ومسلم في صحيحه؟ قال البخاري في ج ٨ ص ٢٠٩ طبعة سنة ١٣٧٧ هجري:

٥٠

«جلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذن قام، فأثنى على اللّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي؟ فمن عقلها ووعاها فليحدث بها، حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي. إن اللّه بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول اللّه ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللّه ما نجد آية الرجم في كتاب اللّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللّه، والرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل، أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه: «أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم». ونقل البخاري أيضاً في ص ٨٦ ج ٩ باب «الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء» عن عمر بن الخطاب أنه قال: «لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللّه لكتبت آية الرجم بيدي».

هذا ما جاء على لسان الخليفة الثاني في صحيح البخاري، وروى هذا الحديث مسلم في صحيحه ص ١٠٧ القسم الأول من الجزء الثاني طبعة سنة ١٣٤٨ هجري، ولم يذكر فيه «أن لا ترغبوا عن آبائكم» إلخ مع العلم بأن ليس في القران ما يشعر بوجوب الرجم والرغبة عن الآباء. وقال السيوطي في «الإتقان» ج ١ ص ٦٠ مطبعة حجازي بالقاهرة: «أول من جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيد، وكان

الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عد ل، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت، فقال - أي أبو بكر - اكتبوها، فإن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل بشهادة رجلين، فكتب، وإن عمر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها، لأنه كان وحده».

وإذا كان أبو زهرة لا يقبل أحاديث الكليني، لأنه روى حديث التحريف - كما قال - فعليه أن لا يقبل أحاديث البخاري جملة وتفصيلاً، لمكان هذا الحديث الصريح الواضح بالتحريف بشهادة عمر بن الخطاب. وإن ما ذكره الكليني في هذا الباب لا يختلف في النتيجة عما ذكره البخاري ومسلم. فلماذا تحامل الشيخ على الكليني، وسكت عنهما؟ بل قال أبو زهرة في كتاب الإمام زيد ص ٢٤٥: «والبخاري ذاته، وهو أصح كتب السنة إسناداً قد أخذت عليه أحاديث وما كان ذلك مسوغاً لتكذيب البخاري ولا مسوغاً لنقض الصحيح الذي رواه وعدم الأخذ به.

وأيضاً روى البخاري في الجزء الرابع «باب طفة إبليس وجنوده» عن عائشة أنها قالت: «سحر النبي، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله».

٥١

وقد كذبه في ذلك الجصاص أحد أئمة الحنفية، قال ما نصه بالحرف: «وقد أجازوا من فعل الساحر ما هم أطم وأفظع، ذلك أنهم زعموا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سحر، وأن السحر عمل فيه، حتى قال: إنه يخيل لي أني أقول الشيء، ولا أقوله، وأفعله، ولم أفعله - إلى أن قال الجصاص -: ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين». (الجزء الأول من أحكام القرآن للجصاص ص ٥٥ طبعة سنة ١٣٤٧ هجري».

وكذب البخاري في ذلك أيضاً الشيخ محمد عبده في تفسيره لسورة الفلق، حيث قال: «وقد رووا أحاديث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سُحر. حتى كأنه يفعل الشيء، وهو لا يفعله، أو يأتي شيئاً، وهو لا يأتيه. وهذا يصدق قول المشركين فيه. «إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً». وليس المسحور إلا من خولط في عقله، وخيل إليه أن شيئاً يقع، وهو لا يقع، فيخيل إليه أنه يوحى إليه، ولا يوحى إليه».

والآن، وبعد هذه الأرقام بماذا تجيب - أيها الشيخ -؟ قلت: إنك لا تقبل روايات الكليني، لأن الطوسي والمرتضى كذباه في رواية التحريف. ونقول

لك: إن الإمام الجصاص، والإمام عبده كذبا البخاري في رواية سحر النبي. وقال الأول: إن هذا من وضع الملحدين. وقال الثاني إن السحر يستلزم تصديق المشركين وتكذيب الرسول. وعليه فأنت بين أمرين: إما أن لا تقبل روايات البخاري والكليني معاً، وإما أن تقلبهما معاً، ولا أظنك تفعل هذا ولا ذاك. بل تقبل البخاري، دون الكليني، وتناقض نفسك بنفسك. وهذا هو منطق كل من رد وتحامل على علماء الإمامية.

لقد ذهل الشيخ أبو زهرة عن ذلك، وذهل أيضاً عن أن مخالفة المرتضى والطوسي للكليني إنما هي كمخالفة مالك لأبي حنيفة، والشافعي للاثنين، وأحمد للثلاثة في كثير من المسائل. وإذا كان اختلاف علماء الإمامية فيما بينهم يستدعي طرح أقوالهم كلاً أو بعضاً فكذلك الأمر بالنسبة إلى علماء السنة، وأئمة المذاهب. إن اختلاف أنظار العلماء في صحة الحديث وضعفه كاختلافها في الأحكام نفسها لا يستدعي تكذيبهم، وطرح أقوالهم. بل إن أبا زهرة صرح في كتاب «المذاهب الإسلامية» ص ٢١ بأن الخلاف الذي نتج عن الاستنباط كان محمود العاقبة حسن النتيجة. فهل هذا الحسن يختص بعلماء طائفة دون أخرى؟

وبعد هذه الوقفة القصيرة مع الشيخ أبي زهرة نعود إلى الحديث عن مصحف فاطمة، وقد جاء ذكره في أخبار أهل البيت مع تفسيره، وأنه كان من إملاء رسول اللّه على علي، قال الإمام

٥٢

الصادق: عندنا مصحف فاطمة، أما واللّه، ما فيه حرف من القرآن، ولكنه من إملاء رسول اللّه، وخط علي. قال السيد محسن الأمين في «الأعيان» قسم أول من ج ١ ص ٢٤٨: إن نفي الإمام الصادق أن يكون فيه شيء من القرآن لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد النسخ الشريفة، فنفى هذا الإيهام.

وفي كتاب الكافي أن المنصور كتب يسأل فقهاء أهل المدينة عن مسألة في الزكاة. فما أجابه عنها إلا الإمام الصادق، ولما سئل من أين أخذ هذا؟ قال: من كتاب فاطمة. إذن مصحف فاطمة كتاب مستقل وليس بقرآن. فنسبة التحريف إلى الإمامية على أساس قولهم بمصحف فاطمة جهل وافتراء.

والأولى نسبة هذا القول إلى الذين زعموا بأن لعائشة قرآنا، فيه زيادات عن هذا القرآن. قال جلال الدين السيوطي في كتاب «الإتقان» ج ٢ ص ٢٥ طبعة

حجازي بالقاهرة ما نصه بالحرف: «قالت حميدة بنت أبي يونس: قرأ أبي، وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة «إن اللّه وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى».

أرأيت كيف يتهمون غيرهم بما هم به أولى، تماماً كما فعلوا في مسألة الجفر، ومسألة الإيحاء وغيرهما..

وبالتالي، فإن غرضي من هذا الفصل، وما سبق من الفصول أن أثبت بالأرقام أنه لا شيء عند الإمامية إلا ويوجد له أصل عند السنة تفصيلاً أو إجمالاً، منطوقاً أو مفهوماً، وعليه فلا وجه لطعن أبي زهرة، ومن تقدم، أو تأخر. اللهم إلا التعصب وتأكد الأنقسام والاقتراق(١) .

____________________

(١) وقع في يدي كتاب، وأنا أحرر هذا الفصل، وكنت أبحث وأفتش في المكتبات التجارية وغيرها عن المصادر، واسم الكتاب «حركات الشيعة المتطرفين، وأثرهم في الحياة الاجتماعية والأدبية لمدن العراق إبان العصر العباسي الأول» لمحمد جابر عبد العال مدير الشؤون الاجتماعية بجامعة القاهرة، خبط فيه كاتبه خبط عشواء، وشحنه بالكذب والافتراء، شأنه في ذلك شأن أسلافه الكثيرين، ولكن كلمة حق ظهرت على فلتات قلمه، وهو يكتب مقدمة الكتاب من حيث يريد أو لا يريد، قال: «إننا نعلم أن بين أهل السنة من تعصب على الشيعة، وأمعن في ذلك إمعاناً جعله يرميهم دون تثبيت باتهامات يتبين لذي العين البصيرة أنها باطلة، أملاها التعصب والتشاحن المذهبي».

٥٣

الشّيعَة والفُرس

قال الدكتور طه حسين في كتاب «علي وبنوه»: إن خصوم الشيعة نسبوا إليهم «ما يعلمون وما لا يعلمون». وكرر ذلك في صفحات الكتاب، لشتى المناسبات. منها قوله في صفحة ١٨٧ طبعة دار المعارف بمصر:

لا يكتفي خصوم الشيعة من الشيعة بما يسمعون عنهم، أو بما يرون من سيرتهم، وإنما يضيفون إليهم أكثر مما قالوا، وأكثر مما سمعوا، ثم لا يكتفون بذلك، وإنما يحملون هذا كله على عليّ نفسه، وعلى معاصريه(١) .

وقال في صفحة ١٨٩:

وخصومهم واقفون لهم بالمرصاد يُحصون عليهم كل ما يقولون ويفعلون، ويضيقون إليهم أكثر مما قالوا، وما فعلوا، ويحملون عليهم الأعاجيب من الأقوال والأفعال، ثم يتقدم الزمان، وتكثر المقالات، ويذهب أصحاب المقالات في الجدال كل مذهب، فيزداد الأمر تعقيداً وإشكالاً، ثم تختلط الامور بعد أن يبعد عهد الناس بالأحاديث، ويتجاوز الجدال خاصة الناس إلى عامتهم، ويتجاوز الذين يحسنونه إلى الذين لا يحسنونه، ويخوض فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فيبلغ الأمر أقصى ما يمكن أن يبلغ من الإيهام والإظلام، وتصبح الأمة في فتنة عمياء لا يهتدي فيها إلى الحق إلا الأقلون.

وقال في صفحة ٩٨ و ٩٩:

«إن ابن سبا كان متكلفاً منحولاً(٢) قد اخترع بآخرة حين كان الجدال بين

____________________

(١) وسنرى في الفصل التالي أن أحمد أمين في أيامه الأخيرة نقض أقواله بحق الشيعة التي سطرها في فجر الإسلام وضحاه. وهكذا يشهد قطبان كبيران بأن الشيعة اتهموا بأشياء كذباً وافتراء.

(٢) ألف السيد مرتضى العسكري كتاباً في ابن سبا أثبت بالأرقام أنه منحول لا وجود له في الواقع.

٥٤

الشيعة و غيرهم من الفرق الإسلامية. أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب - أي مذهب الشيعة - عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم، والتنكيل بهم. ان ابن سبا شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم، ولم يدخروه للخوارج».

هذي هي الصفات التي تميز خصوم الشيعة اليوم، وقبل اليوم: جدال بدون علم ومعرفة، واختراع أشخاص لا أساس لهم ولا أصل، لغاية الكيد والتنكيل، وافتراء الأعاجيب والأكاذيب، لإشاعة الفتنة والتضليل. أدرك ذلك كله، وشهد به الدكتور طه حسين حين بحث التاريخ موضوعياً وللحقيقة وحدها، مجرداً عن الأهواء والغايات، وأعلن هذه الحقيقة بلسان واضح مبين، وقدم الشواهد والدلائل، وقد أشرنا - فيما تقدم - إلى طرف منها، ونذكر الآن لوناً آخر من الأكاذيب التي تهدف فيما تهدف إلى اخراج الشيعة من الإسلام كلية:

لقد زعم خصوم الشيعة فيما زعموا أن التشيّع دين مستقل ابتدعه الفرس كيداً للإسلام الذي أزال ملكهم، وأباد سلطانهم، فأرادوا الانتقام منه، فلم يستطيعوا، فأدخلوا عليه البدع والضلال متسترين باسم التشيع.

وفند هذا الزعم بالأدلة والأرقام السيد محسن الأمين في الجزء الأول من «أعيان الشيعة»، والشيخ محمد حسين المظفر في «تاريخ الشيعة»، وكثير من المستشرقين، منهم فلهوزن في كتاب «الخوارج والشيعة» وآدم متز في كتاب «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري» وجولد تسهير في كتاب «العقيدة والشريعة»، وغيرهم. ويتلخص ما ذكروه من الردود، وما نضيفه إليها بما يلي:

١ - أثبتنا فيما تقدم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الباعث الأول لفكرة التشيع، وأرجعنا ما تدين به الإمامية إلى نصوص الكتاب والسنة، وذكرنا عدداً وافراً من الصحابة الذين قالوا بوجود النص على علي بالخلافة.

٢ - قال السيد الأمين في القسم الأول من الجزء الأول ص ٤٩ طبعة سنة ١٩٦٠:

«إن الفرس الذين دخلوا الإسلام لم يكونوا شيعة في أول الأمر إلا القليل منهم. وجل علماء السنة وأجلاؤهم من الفرس، كالبخاري والترمذي

والنسائي وابن ماجة، والرازي والبيضاوي وفخر الدين الرازي، وصاحب القاموس والزمخشري والتفتازاني، وأبي القاسم البلخي والقفال والمروزي والشاشي والنيسابوري والبيهقي، والجرجاني والراغب الأصفهاني والخطيب التبريزي، وغيرهم ممن لا يبلغهم الإحصاء.

٥٥

ومن دخل من الفرس وتشيع فحاله حال من تشيع من سائر الأمم، كالعرب والترك والروم وغيرهم لا باعث له إلا حب الإسلام، وحب آل الرسول، فأسلم وتشيع عن رغبة واعتقاد. وإذا جاز أن يقال: إن الفرس تشيعوا كيداً للإسلام، لأنه قهرهم جاز أن يقال: إن غير الفرس تسننوا كيداً للإسلام ، لأنه غلب وقهر الجميع لا الفرس وحدهم.

والحقيقة أن بعض الفرس دان بالتشيع للسبب الذي دان به غيرهم بالتشيع، وبعضهم دان بالتسنن للسبب الذي دان به غيرهم بالتسنن، سنة اللّه في خلقه. إن الذين نشروا التشيع في قم وأطرافها الأشعريون، وهم عرب صميمون هاجروا إليها من الكوفة في عصر الحجاج، وغلبوا عليها، واستوطنوها، وانتشر التشيع في خراسان بعد خروج إليها وزاد الانتشار واتسع في إيران في عصر الصفوية الذين نصروا التشيع، وهم عرب، لأنهم سادة أشراف من نسل الإمام موسى بن جعفر، لا يمكن بحال أن يتعصبوا للأكاسرة، والذين يجوز في حقهم ذلك هم قدماء الفرس، وهؤلاء جلهم كان على مذهب التسنن».

أثبت السيد الأمين أن الذين نشروا التشيع وناصروه في إيران هم بين عربي أصيل، كالإمام الرضا والأشعريين(١) أو من أصل عربي كالصفوية، وأن الذين دعموا التسنن وناصروه هم فرس أقحاح، كالبخاري والنسائي والرازي وغيرهم. فإن كان للفرس مقاصد وأهداف ضد الإسلام، كما زعم خصوم الشيعة فأولى ثم أولى أن يحاولوا تحقيق غاياتهم عن طريق التسنن لا التشيع، إذ

______________________

(١) في سنة ٨٣ هجري خرج ابن الأشعث على الحجاج، ثم هزم جيشه وتفرق في البلاد، وكان بينهم خمسة إخوة: عبد اللّه والأحوص وعبد الرحمن وإسحق ونعيم أبناء سعد بن مالك بن عامر الأشعري، فاجتمع الخمسة وتغلبوا على بعض القرى القريبة من قم، واجتمع إليهم بنو عمهم، وكان المتقدم من هؤلاء عبد اللّه وكان له ولد يتشيع، فانتقل من تلك القرى إلى قم، ونقل التشيع إلى أهلها (الكنى والألقاب) ترجمة القمي.

٥٦

المفروض أن سبب التشيع في إيران يرجع إلى عنصر عربي، والتسنن إلى عنصر فارسي صرف. ولكن خصوم الشيعة موهوا وضللوا، وعكسوا الآية، لا لشيء إلا للكيد والتنكيل، كما قال الدكتور طه حسين. وهكذا فعلوا في مسألة الجفر وعلم الغيب.

وقال الشيخ محمد حسين المظفر في «تاريخ الشيعة» ص ٨ المطبعة الزهراء بالنجف:

«كان للإمام ثلاثة حروب: الجمل، وصفين والنهروان. وكان جيشه كله عرباً أقحاحاً بين عدنانية وقحطانية. أكانت قريش من الفرس أم الأوس والخزرج، أم مذحج، أم همدان، أم طي، أم كندة، أم تميم، أم مضر، أم أشباهها من القبائل؟ وهل كان زعماء جيشه غير رؤساء هذه القبائل؟ أكان عمار فارسياً، أم هاشم المرقال، أم مالك الأشتر، أم صعصعة بن صوحان، أم أخوه زيد، أم قيس بن سعد، أم ابن عباس، أم محمد بن أبي بكر، أم حجر بن عدي بن حاتم، وأمثال هؤلاء من القواد؟».

أما أصحاب الحسن والحسين فكلهم عرب، وجلهم من أصحاب أبيهما أمير المؤمنين.

وقال المستشرق فلهوزن في كتاب «الخوارج والشيعة» ص ٢٤١ طبعة سنة ١٩٥٨ يرد على المستشرق دوزي الذي زعم أن التشيع كمذهب ديني إيراني الأصل:

«أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين فليست تلك الملاءمة دليلاً عليه، بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك، إذ تقول: إن التشيع الواضح الصريح كان قائماً أولاً في الدوائر العربية، ثم انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي». وقال في ص ١٤٨: «كان جميع سكان العراق في عهد معاوية خصوصاً أهل الكوفة شيعة، ولم يقتصر هذا على الأفراد، بل شمل القبائل ورؤساء القبائل.

وهذا يعزز ما قاله السيد الأمين في الأعيان من أن التشيع في إيران جاء من أصل عربي لا من أصل فارسي».

وقال المستشرق آدم متز في كتاب «الحضارة الإسلامية» ص ١٠٢ وما بعدها

طبعة سنة ١٩٥٧ ما ملخصه:

«إن مذهب الشيعة ليس كما يعتقد البعض رد فعل من جانب الروح الإيرانية، يخالف الإسلام. فقد كانت جزيرة العرب شيعة كلها عدا المدن الكبرى، مثل مكة وتهامة وصنعاء، وكان للشيعة غلبة في بعض المدن أيضاً، مثل عمان وهجر وصعدة. أما إيران فكانت كلها سنة ما عدا

٥٧

«قم» وكان أهل أصفهان يغالون في معاوية، حتى اعتقد بعض أهلها أنه نبي مرسل، كما نقل المقدسي».

وإذا كان الفرس هم سبب التشيع في إيران وغير إيران، فهل جاء غلو بعض أهالي أصفهان في معاوية، ورفعه إلى منصب النبوة والرسالة، هل جاء هذا الغلو في معاوية نتيجة لتشيع الفرس؟ إنه لغريب حقاً منطق خصوم الشيعة، كما قال الدكتور طه حسين. قالوا: إن الغلو في علي جاء من الفرس. ثم ينقل عالم من علمائهم مثل المقدسي أن بعض الفرس غالى في معاوية، حتى جعلوه نبياً مرسلاً. ثم كيف ومن أين وصل التشيع إلى جزيرة العرب؟ هل جاء إليها من الفرس، والتاريخ يقول: إن الفرس كانوا على التسنن حين كان سكان الجزيرة العربية على التشيع؟ وهكذا يقع في التناقضات من يضفي على التاريخ صفته الذاتية العدائية، ثم يبني عليه آراءه وأحكامه.

وقال المستشرق جولد تسهير في كتاب «العقيدة والشريعة» ص ٢٠٤ طبعة ١٩٤٦:

«إن من الخطأ القول بأن التشيع في منشئه، ومراحل نموه يمثل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانية في الإسلام، بعد أن اعتنقته، أو خضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية، وهذا الوهم الشائع مبني على سوء فهم الحوادث التاريخية. فالحركة العلوية نشأت في أرض عربية بحتة(١) » وما هؤلاء

________________

(١) إن علماء المسلمين العرب هم الذين أدخلوا التشيع إلى فارس، وأرشدوا الفرس إليه. بشهادة الشيخ أبي زهرة، قال في كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص ٩٤٥: «أما فارس وخراسان، وما وراءهما من بلدان الإسلام فقد هاجر إليها كثيرون من علماء الإسلام الذين كانوا يتشيعون فراراً بعقيدتهم من الأمويين أولاً، ثم العباسيين ثانياً، وإن التشيع كان منتشراً في هذه البلاد انتشاراً عظيماً، قبل سقوط الدولة الأموية بفرار أتباع زيد ومن قبله إليها». فالفرس - إذن - تشيعوا على أيدي العرب، ولم يخلقوا التشيع من تلقائهم كيداً للإسلام.

٥٨

المستشرقون الثلاثة كل من نطق بهذه الحقيقة. فهناك كثيرون غيرهم قالوا هذا القول، دون أن يقصدوا الذب والدفاع عن الشيعة، وعقيدة التشيع، وإنما هدفهم الأول بيان الحقيقة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة. وكنا في غنى عن الاستشهاد بأقوالهم، لو تحرر خصوم الشيعة عن التعصب الأعمى، ونزوات الأهواء والأغراض.

هذا، إلى أن السنة قد أخذوا بعض العادات من غيرهم، كعيد رأس السنة الهجرية الذي أحدثوه في زماننا، وعيد المولد النبوي الشريف تقليداً للمسيحيين الذين يحتفلون بميلاد السيد المسيح، ورأس السنة الميلادية. وكان علماء السنة، في القرن الثامن الهجري يعدون الاحتفال بالمولد النبوي مخالفاً للسنة، لأنه لا عيد في الإسلام إلا عيد الأضحى وعيد رمضان، وصدرت فتاوى من شيوخهم بتحريمه، على اعتبار أنه بدعة وضلالة(١) . ولو أردنا أن نتعصب لقلنا: إن مذهب التسنن مأخوذ من المسيحيين، لا من الكتاب والسنة.

وبالتالي، فإن الذي اجتذب الفرس وغير الفرس إلى التشيع هو الإسلام الصحيح، وحب الرسول وآله، واستشهاد الأخيار في سبيله، وملاءمته للحياة، ومناصرته للضعفاء والمضطهدين، أجل، كان الفرس منذ عهد الصفويين، حتى اليوم من أقوى الدعائم للشيعة، ومذهب التشيع، وهذا هو السر الذي بعث خصوم الشيعة على أن يصوروا الفرس، وكأنهم أعدى أعداء الإسلام، مع العلم بأنه لولا الفرس لم يكن للمسلمين هذا العدد الضخم من العلماء الذين نفاخر بهم أمم الشرق والغرب، ولا كان للإسلام هذه المكتبة المتخمة بألوف المجلدات في شتى العلوم، ولسنا نعرف أمة خدمت الإسلام، ولغة القرآن كالفرس، ولو أحصيت المكتبة الإسلامية والعربية لكان سهم الفرس منها أوفى من أسهم بقية المسلمين مجتمعين. إن الفرس لم يتستروا باسم التشيع، ليكيدوا للإسلام، بل إن أعداء الإسلام تستروا باسمه، ليكيدوا للتشيع بعامة، والفرس بخاصة، لأنهم كانوا وما زالوا من أقوى أركان الإسلام وأنصاره.

وهل من شيء أدل على عداوة هؤلاء للحق والإسلام من تشنيعهم على الشيعة،

______________________

(١) نقله بعض المؤلفين عن كتاب «بيت الصديق» للبكري ص ٤٠٤ طبعة ١٣٢٣ هجري.

٥٩

وسكوتهم عن الخوارج الذين قال عنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهم يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية. بل إن الشاطبي أوصى بالستر عليهم، وعدم التعرض لهم، مع اعترافه بمروقهم من الدين. قال في كتاب «الموافقات» ج ٤ ص ١٧٨ وما بعدها مطبعة الرحمانية بمصر ما ملخصه:

«قال النبي: إن من ضئضئي هذا - يعني ذا الخويصرة - قوماً يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية. وقد بين النبي بهذا الحديث من مذهبهم في معاندة الشريعة أمرين: أحدهما: اتباع القرآن على غير تدبر، ولا نظر في مقاصده ومعاقده. ثانيهما: قتل أهل الإسلام، وترك أهل الأوثان.

وذكر الناس من آرائهم غير ذلك، كتكفيرهم لأكثر الصحابة وغيرهم، ومنه سرى قتلهم لأهل الإسلام، وأن الفاعل للفعل إذا لم يعلم بأنه حلال، أو حرام فليس بمؤمن. وأن الإمام إذا كفر كفرت رعيته كلهم شاهدهم وغائبهم، وأن التقية لا تجوز في قول ولا فعل على الإطلاق والعموم، والقاذف للرجال لا يحد. وأن اللّه سيبعث نبياً من العجم بكتاب ينزله اللّه عليه جملة واحدة، ويترك شريعة محمد. وإنكارهم سورة يوسف من القرآن، وأشباه ذلك، وكلها مخالفات شرعية.

ولكن الغالب في هذه الفرق أن يشار إلى أوصافهم ليحذر منها، ويبقى الأمر في تعيينهم مرجى. ولعل عدم تعيينهم هو الأولى الذي ينبغي أن يلتزم، ليكون ستراً على الأمة. وقد أمرنا بالستر على المذنبين». وإذا أمرنا بالستر على من خرج من الإسلام، فهل يجب التقبيح والتشنيع على من هم من الإسلام في الصميم؟! وغريب أن يقول عالم كالشاطبي: إن النبي أخرج الخوارج من الإسلام، ثم يزعم أن أمرهم مرجى إلى اللّه، ويوصي بالستر عليهم، والسكوت عنهم. أليس معنى هذا قال النبي، وأقول؟!

أحمَد أمين يعَترف في أيَّامه الأخِيرة

هاجم أحمد أمين في كتاب «فجر الإسلام» وضحاه الإمامية هجوماً عنيفاً، ورد عليه يومذاك علماؤهم رداً منطقياً، وأثبتوا بشهادة التاريخ وكتبهم العقائدية أنه أحل العاطفة محل العقل، والتعصب محل العدل، والخيال محل الواقع. ومن الذين تصدوا للرد عليه المرحوم كاشف الغطاء في كتاب «أصل الشيعة وأصولها».

وبعد مضي عشرين عاماً، أو أكثر على مهاجمته تلك أصيب بنظره، وعجز عن القراءة والكتابة، وفي أيامه الأخيرة - سنة ١٩٥٢ - استعان بغيره، وأملى عليه كتاباً أسماه «يوم الإسلام» اعترف فيه من حيث لا يحس ولا يشعر بما كان قد أنكره على الإمامية، من ذلك:

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

« هو من الأخبار المشهورة ».

* * *

__________________

ولد سنة ٢٦١ ، وتوفّي ببغداد سنة ٣٤٥ ودفن بها.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ١٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٥٦ رقم ٨٦٥ ، طبقات الحنابلة ٢ / ٥٦ رقم ٦٠٣ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٢٩ رقم ٦٣٨ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٧٣ رقم ٨٤٤ ، لسان الميزان ٥ / ٢٦٨ رقم ٩٢٢.

١٤١

١٥ ـ حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الخامس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه ، وأحبّه النصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل »(٢)

وقد صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الخوارج أبغضوا عليّاعليه‌السلام ، والنصيريّة(٣) اعتقدوا فيه الربوبيّة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١٢ ح ١٩٦ ، السنّة ـ لعبد الله بن أحمد ـ ٢ / ٥٤٣ ح ١٢٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٧٠ ح ١٠٠٤ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٠ ح ١٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٦ ح ٨٦٠ ـ ٨٧٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٥ ح ٣٦٣٩٩.

(٣) النصيرية ـ ويقال لها : النّميرية ـ : فرقة تنسب إلى محمّد بن نصير النميري ، وكان هو من أصحاب الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام ، ثمّ انحرف عن جادّة الحقّ وادّعى أمورا باطلة عظيمة ، كالنيابة عن الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام والقول بالتناسخ

١٤٢

وقال الفضل(١) :

الحمد لله الذي جعل أهل السنّة معتدلين بين الفريقين ؛ من المفرطة في حبّ عليّ ، كالنصيرية التي يدّعون ربوبيته ، وكالإماميّة التي يدّعون أنّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ؛ ومن المفرطة في بغضه كالخوارج المبغضة.

وأمّا أهل السنّة والجماعة ـ بحمد الله ـ فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزلونه في منزلته التي هو أهل لها ، من كونه وصيّا ، وخليفة من الخلفاء الأربع ، وصاحب ودائع العلم والمعرفة.

* * *

__________________

والغلوّ والنبوّة والإلحاد.

انظر : فرق الشيعة ـ للنوبختي ـ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الفرق بين الفرق : ٢٣٩ و ٢٤١ ، الغيبة ـ للطوسي : ٣٩٨ ح ٣٦٩ ـ ٣٧١ ، الاحتجاج ٢ / ٥٥٢ و ٥٥٤.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٦.

١٤٣

وأقول :

هذا الحديث كما هو مذكور في مسند أحمد ، مذكور في مستدرك الحاكم ، وخصائص النسائي ، وغيرها ، كما سبق في الآية الثانية والستّين(١) .

وبمعناه ما في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تفترق فيك أمّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى »(٢) .

ولا ريب أنّ إنزال النصارى لعيسى بغير منزلته إنّما هو لاتّخاذهم له إلها.

وبمقتضى التمثيل يكون إنزال عليّعليه‌السلام بغير منزلته هو اتّخاذه إلها كعيسى ، كما فعل النصيرية وغيرهم من الغلاة ، فلا يدخل الإماميّة في من أنزله بغير منزلته ؛ لأنّهم يقولون : إنّه عبد من عبيد الله تعالى ، أكرمه بالخلافة بالنصّ عليه.

وحينئذ ، فينحصر أمر الإماميّة بين أن يكونوا ممّن أبغضه ، ولا سبيل إليه بالضرورة ؛ وبين أن يكونوا من النمط الأوسط والمحقّ ، وهو المطلوب.

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٤ من هذا الكتاب ، وانظر : مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، خصائص الإمام عليّعليه‌السلام : ٨٤ ح ٩٨ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٠١.

١٤٤

كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!

فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع(١) .

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل

وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ ، وألغوا أمر الله تعالى وأمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة(٢)

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.

وانظر : مسند أحمد ٣ / ٤٤٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٩٠ ح ١٠٥٨ ،

١٤٥

وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ، وصرّحت به السنّة المستفيضة ، كأخبار الحوض ، التي منها ما رواه البخاري في « باب الحوض » ، من أنّ الأصحاب ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النّعم(٢) ، كما مرّ(٣) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل السنّة يحبّون عليّا حبّا شديدا ، فلا نعرف منه إلّا الدعوى ، ولو كشف الله سبحانه حجاب ضمائرهم لعرفت أنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

بل الوجدان يشهد بخلافه ، فهذه أقلامهم عند تلاوة آيات فضله ، وهذه أرقامهم(٤) عند سماع نصوص إمامته ، وهذا ولاؤهم لأظهر مبغضيه وأعدائه ، كمعاوية وأشباهه

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي عنك لعازب(٥)

__________________

مجمع الزوائد ٥ / ٢١٨ و ٢٢٤ ؛ علاوة على ما مرّ في مقدّمة الكتاب ص ٣١ ، وفي ج ٤ / ٢١٤ ه‍ ١ ـ ٤ ، من تخريج ألفاظ حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢١٧ ح ١٦٦.

(٣) انظر ما تقدّم في ج ٢ / ٢٧ ه‍ ١ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ من هذا الكتاب.

(٤) الرّقم : الكتابة والختم ؛ والرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم أي قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٩٠ مادّة « رقم ».

والمراد هنا هو ما كتبوه ويكتبونه في إنكار إمامة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام .

(٥) البيت من بحر الطويل ، وقد نسبه ابن عبد ربّه إلى العتابي ؛ انظر : العقد الفريد ٢ / ٧٥ باب أصناف الإخوان من كتاب « الياقوتة في العلم والأدب » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢٠ / ١٥.

١٤٦

١٦ ـ حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

السادس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في « الجمع بين الصحيحين » ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق »(٢) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ وج ٦ / ٢٩٢ ، الجمع بين الصحيحين ١ / ١٧٢ ح ١٥٣ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٧ وص ٦٠١ ح ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ / ١١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ ، مسند الحميدي ١ / ٣١ ح ٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩١ وج ١٢ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ح ٦٩٠٤ وص ٣٦٢ ح ٦٩٣١ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ٨٨٥ و ٨٨٦ ، معرفة علوم الحديث : ١٨٠ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٧٦ ح ٦٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٧ رقم ٤٥٢٣ وج ١٤ / ٤٢٦ رقم ٧٧٨٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٧٠ ـ ٢٨٠.

١٤٧

وقال الفضل(١) :

هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ ، أنّه قال : «لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ ؛ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق »(٢) .

والحمد لله الذي جعلنا من أهل محبّته ، وملأ قلوبنا من صفو مودّته ، وبالله التوفيق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٩.

(٢) مرّ تخريج الحديث مفصّلا فى ج ١ / ١٥ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ وانظر علاوة على ذلك : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٣ وص ١٣٧ ح ٨٤٨٥ ـ ٨٤٨٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ ، شرح السنّة ٨ / ٨٥ ـ ٨٦ ح ٣٩٠٧ و ٣٩٠٨.

١٤٨

وأقول :

إذا عرف صحّة هذا الحديث ، وصدّق بحمد الله على حبّه ، فما باله والى أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه ، كمعاوية وابن العاص ومروان ، وأشباههم ، ولم يحكم عليهم بالنفاق ، مع اتّضاح حالهم في بغض أمير المؤمنين واستمرارهم على عداوته وسبّه؟!

بل يلزمه أن لا يوالي عائشة ، بل يصفها بالنفاق ، لعلمه بعداوتها له ، واستدامتها على بغضه!

ففي « مسند أحمد »(١) عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت :

لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي ، فأذنّ له ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على العبّاس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيد الله : فقال ابن عبّاس : أتدري من ذلك الرجل؟! هو عليّ ابن أبي طالب ، ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفسا.

ورواه أيضا في مقام آخر(٢) .

__________________

(١) ص ٣٤ من الجزء السادس. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٢٨ ج ٦. منهقدس‌سره .

وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٢١ ـ ٢٢ كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١٧ ح ١٦١٨ ، سنن النسائي ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٩٣ ح ٩٠٨ ، سنن الدارمي ١ / ٢٠٥ ذ ح ١٢٥٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٧٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ٤٤٢ ح ١٦٣٦ وص ٤٤٣ ح

١٤٩

فهل ترى أشدّ في البغض من أن لا تطيب نفس الشخص أن يتلفّظ باسم عدوّه؟!

ورواه الطبري في « تاريخه »(١) ، وفيه : « ولكنّها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وهي تستطيع »!

وهو أصرح في الدلالة على بغضها لإمام المتّقين ونفس النبيّ الأمين.

ورواه البخاري في « باب الغسل والوضوء في المخضب » من كتاب الوضوء(٢)

وفي « باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة » من كتاب الأذان(٣)

وفي « باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها » من كتاب الهبة(٤)

وفي « باب مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » في أواخر كتاب المغازي(٥) .

وفي كلّها لم تسمّ الرجل الآخر ، وإنّما سمّاه ابن عبّاس.

ولم يرو البخاري تتمّة كلام ابن عبّاس ؛ رعاية لشأن عائشة! ولم يدر أنّ تركها لاسم أمير المؤمنين مع ذكر اسم عديله كاف في الدلالة على بغضها له!!

وروى أحمد أيضا(٦) ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل فوقع في

__________________

١٦٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ٣١ وج ٣ / ٨٠ ـ ٨١ وج ٨ / ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ وقد أسقط قوله : « ولكنّ عائشة لا تطيب له نفسا » من بعض هذه المصادر ؛ فلاحظ!

(١) ص ١٩١ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٢٦ ]. منهقدس‌سره .

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٠١ ح ٦١.

(٣) صحيح البخاري ١ / ٢٦٩ ح ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٢٢.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢.

(٦) ص ١١٣ ج ٦. منهقدس‌سره .

١٥٠

عليّ وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا! وأمّا عمّار ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكاشفة عن بغضها له ، وإن كان لا حاجة في بيان عداوتها وبغضها له إلى دليل.

وأعظم من ذلك حربها له ، وهي تعلم أنّ حربه حرب لرسول الله(١) ، مقدمة على قتله لو قدرت ، وهي تدري أنّه أخو رسول الله ونفسه.

وعلى هذه فقس ما سواها ، إذ لم تأت ذلك عنوة بل ورثته عن أسلافها!

وأمّا وجه الدلالة في الحديث الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله ونحوه على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد تقدّم في أوّل مباحث الإمامة ، وفي الآية الثانية عشرة(٢) .

* * *

__________________

(١) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٤ / ٣٥٨ ه‍ ٤ وج ٥ / ٣٢١ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر إضافة إلى ذلك : المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٣ / ٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١٤ وما بعدها وج ٥ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥١

١٧ ـ حديث : ولكنّه خاصف النعل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

السابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا .

قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا ، ولكنّه خاصف النعل.

وكان عليّ يخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحجرة عند فاطمةعليها‌السلام (٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :لتنتهنّ

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٣ و ٨٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٧٧ ح ١٠٧١ وص ٧٩٠ ح ١٠٨٣ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٤ ح ٨٥٤١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٩ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٩ ح ٧٨ ، مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن أخي تبوك ؛ المطبوع بذيل مناقب ابن المغازلي ـ : ٣٤٣ ح ٢٣ ، شرح السنّة ٦ / ١٦٧ ح ٢٥٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦ وج ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٣ ح ٣٢٩٦٧.

١٥٢

معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا منّي امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين.

قيل : يا رسول الله! أبو بكر؟

قال :لا .

قيل : عمر؟

قال :لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (١) .

* * *

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ وص ٤٩٩ ح ٣٠ وص ٥٠٦ ح ٧٤ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٤ ح ١٠٠٨ وص ٧٤٣ ح ١٠٢٤ وص ٨٠٦ ح ١١٠٥ ، مسند البزّار ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ١٠٥٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٨٥٩ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ٢٦١٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، تاريخ بغداد ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ عن الترمذي وابن جرير في « تهذيب الآثار » والضياء المقدسي في « المختارة » وص ١٧٤ ح ٣٦٥١٩ عن ابن أبي شيبة في « المصنّف » وابن جرير في « تهذيب الآثار » والحاكم في « المستدرك » ويحيى بن سعيد في « إيضاح الإشكال ».

١٥٣

وقال الفضل(١) :

صحّ الحديث ، وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج ، وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن ، حيث كانوا يؤوّلون القرآن ، ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين ، وعلّم الناس قتال الخوارج والبغاة ، كما قال الشافعي : إنّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم(٢) .

وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل الله مع العصاة والبغاة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٠.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ١٦ / ٣٦٠.

١٥٤

وأقول :

ذكر المصنّفرحمه‌الله هنا حديثين تقدّم بيان رواتهما في الآية الثانية والعشرين(١) ، وكلّ منهما دالّ على المقصود

أمّا الأوّل ، فلأنّ المراد ـ بالقتال على تأويل القرآن ـ : إمّا القتال على وفق ما أدّى إليه القرآن باجتهاد المقاتل

أو ما أدّى إليه في الواقع ؛ لعلم المقاتل به

فيكون المشبّه به على الوجهين هو : قتال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حسب ما أنزل إليه.

وإمّا أن يكون المراد : القتال على مؤوّل القرآن يعملوا به ، كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإقرار بأنّه منزل من الله تعالى.

والأظهر أحد الوجهين الأخيرين ؛ لأنّهما أمكن في التشبيه.

ومن المعلوم أنّ القتال على أيّ الوجوه الثلاثة شأن خليفة الرسول ، وزعيم الأمّة ، فتثبت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا نفى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك عن الشيخين مع صدور القتال منهما علم أنّهما ليسا بإمامين.

وليت شعري ، إذا لم يكن قتالهما على وفق القرآن ، ولا لأجل العمل به ، فكيف وليا أمر القتال والأمّة؟! وكيف اتّخذهم الناس أئمّة؟!

فإن قلت : لعلّ المراد بقتال عليّعليه‌السلام على التأويل : قتاله لمن تأوّل

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٥

القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.

ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».

قلت : لو أريد ذلك ، كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كما قاتلت على تنزيله » ـ بمقتضى المشابهة ـ أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.

ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!

ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا ـ في ظاهر أمرهم ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه ـ واقعا ـ وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّعليه‌السلام ، عداوة له ، كما في عائشة.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « لا ».

ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد(١) : « إنّ الله قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) .

فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس

__________________

(١) ص ١٨٥ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٠٨ ]. منهقدس‌سره .

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.

١٥٦

بأخذها ، وبيّن أنّ صلاته سكن لهم ، وهذه الصفات لا تتحقّق في غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وأمّا الحديث الثاني : فهو ـ أيضا ـ دالّ على المدّعى ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف فيه الرجل الذي يبعثه الله تعالى بأنّه قد امتحن الله قلبه ، أي ابتلاه بأنواع المحن ، فوجده خالص الإيمان ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يصانع أحدا في دينه.

وهذا يفيد بمفهومه أنّ غير هذا الرجل ليس كذلك ، لا سيّما الشيخان ؛ للتصريح بهما ، ولأنّهما أشارا بردّ المؤمنين إلى بلاد الكفر ، وجعل السبيل للكافرين عليهم خلافا لحكم الله ورسوله ، ووفاقا لرغبة الكافرين ، لا سيّما عمر ، فإنّه وافق أبا بكر على قوله : « صدقوا » ، ولم يبال باستياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر وتغيّر وجهه الشريف من قوله ، كما سبق في بعض الأخبار المصحّحة عندهم ، المذكورة في الآية الثانية والعشرين(١) .

ولو كانا ممّن امتحن الله قلبه للإيمان وخالصي الإيمان لما فعلا ذلك.

بل يستفاد من وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي يبعثه الله بأنّه امتحن الله قلبه للإيمان ، ويضرب أعناقهم على الدين ، بعد موافقة الشيخين لقريش ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد التعريض بهما بأنّهما ليسا بهذا الوصف.

وبالضرورة أنّ من ليس كذلك ، ولم يبال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مواجهة في حياته ، ولا بكتاب الله وحكمه ، أحقّ وأولى بعدم المبالاة بأحكام الله ودينه

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٦ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٧

ونبيّه بعد وفاته ، فلا يصلح للإمامة ، وإنّما الصالح لها من ثبت له ذلك الوصف الجميل الجليل.

وقد أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع ذلك ـ إلى عصمة عليّعليه‌السلام وفضله ، بجعله منه أو مثل نفسه ، كما في رواية « الجمع بين الصحاح » وغيرها ممّا سبق في الآية المذكورة(١) ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

__________________

(١) راجع : الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء ، وج ٥ / ٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٨

١٨ ـ حديث الطائر

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

الثامن عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، و « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طائر قد طبخ له ، فقال :اللهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ؛ فجاء عليّ فأكل معه(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ١٧٥ ح ١ وص ١٧٦ ح ٤ عن مسند أحمد وسنن أبي داود ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ح ٩٤٥ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٣ ح ٦٤٩٤ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٥٨ رقم ١١٣٢ وج ٢ / ٢ رقم ١٤٨٨ ، مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥ ح ٤٠٥٢ ، المعجم الكبير ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠ وج ٧ / ٨٢ ح ٦٤٣٧ وج ١٠ / ٢٨٢ ح ١٠٦٦٧ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٣٩ ح ١٧٦٥ وج ٦ / ١٥٣ ح ٥٨٨٦ وص ٤١٨ ح ٦٥٦١ وج ٧ / ٣١٥ ح ٧٤٦٦ وج ٩ / ٢٥١ ح ٩٣٧٢ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ جرجان : ١٧٦ رقم ٢٢٨ ، العقد الفريد ٤ / ٧٧ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ح ٦١٣ رقم ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٦٥٠ و ٤٦٥١ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ١٢٢ ، حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ رقم ٤٦٨ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٥٩ رقم ٤٥٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ رقم ١٢١٥ وج ٩ / ٣٦٩ رقم ٤٩٤٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٧٠ ، تاريخ دمشق ٣٧ / ٤٠٦ رقم ٤٤٢٨ وج ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

١٥٩

ومنه ، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب(١) .

* * *

__________________

(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٢٣ ح ١١٢٩ ، وانظر : الرياض النضرة ٣ / ١٣٠ ـ ١٣١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582