دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق10%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136024 / تحميل: 5465
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المحسوسة الدالة على وجوده وقيامه بمهام الإمامة في غيبته(١) .

وتمثل التوقيعات إحدى وسائل اتصال الإمام بالمؤمنين وإيصال توجيهاته إليهم بحكم أوضاع عصر الغيبة التي حددت الاتصالات المباشرة، ومما ساعد على إتباع هذه الوسيلة وقوّة تأثيرها في المؤمنين تمهيد آبائهعليهم‌السلام لذلك باتباع هذا الاسلوب في وقت مبكر خاصةً في عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام الذي قضى شطراً كبيراً من مدة إمامته التي ناهزت خمسة وثلاثين عاماً في سجون العباسيين أو تحت مراقبتهم الشديدة وتعرضهم للأذى الشديد لأصحابه، فكان يتصل بالمؤمنين ويجيب على اسئلتهم الدينية ويتوددهم ويوصل إليهم توجيهاته عبر الرسائل التي لم تنقطع حتى عندما كان في السجن عبر وسائل مبتكرة واشخاص فشلت السلطات العباسية في التعرف على ولائهم للإمام الحقعليه‌السلام .

وقد اشتدّ العمل بهذا الاسلوب في عهد الامامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام ، وذلك بسبب ازدياد المراقبة التي فرضتها السلطات العباسية عليهما إذ جعجعت بهما الى (سرّ من رأى) عاصمة الامبراطورية العباسية يومذاك والتي كانت أشبه ما تكون بالقلعة العسكرية، ولذلك كانت تسمى أيضاً «العسكر»، وجعلتهما أشبه ما يكونان بالسجينين في هذه القلعة. وإضافة لذلك فإن تأكيدهما على استخدام هذا الاسلوب جاء كتمهيد مباشر لغيبة ولدهما المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال تعويد المؤمنين على هذا الاسلوب دفعاً للشبهات وإتماماً للحجة ولكي يتقبلوا العمل بما يرد في الرسائل بتسليم إيماني راسخ، خاصةً وأن الإمامعليه‌السلام كان يستخدم الخط نفسه

ـــــــــــ

(١) راجع نماذجها في المجلد الثاني من كتاب معادن الحكمة. لمحمد بن الفيض الكاشاني وكتاب الصحيفة المهدية لوالده وغيرها من كتب الغيبة.

١٢١

الذي كان يستخدمه أبوه في رسائله وذلك تثبيتاً للايمان في قلوب المؤمنين به; وقطعاً للطريق على المستغلين(١) .

وقد جاء قسم من هذه التوقيعات جواباً على أسئلة من المؤمنين عبر السفراء الأربعة، والقسم الآخر كان بمبادرة من الإمام نفسه فيما يرتبط ببعض القضايا المهمة كحمايته للمؤمنين والوكلاء كما رأينا، أو فيما يرتبط بالكشف عن انحراف بعض الوكلاء أو زيف ادعاء منتحلي الوكالة، أو فيما يرتبط بالنص على تعيين السفراء وغير ذلك.

كما اشتملت على ما يحتاجه المؤمنون من معارف الإسلام الحق وأحكامه في مختلف شؤونهم الحياتية عقائدية وفقهية وتربوية وأخلاقية وأدعية وغير ذلك، وما تحتاجه الأمة في عصر الغيبة كالإرجاع الى الفقهاء العدول، والتأكيد على استمرار رعايته في غيبته وتحديد علائم ظهوره وغير ذلك مما سنتعرف على بعض نماذجه في فصل لاحق. كما أن في بعضها نماذج تطبيقية لاستنباط الحكم الشرعي من الأحاديث المروية تعويداً للأمة على العمل الإجتهادي في عصر الغيبة الكبرى(٢) ، وبعبارة جامعة يمكن القول إن هذه التوقيعات كانت من جهة وسيلة لقيادة المؤمنين وحفظ كيانهم; ومن جهة أخرى وسيلة لإكمال ما يحتاجونه في عصر الغيبة الكبرى من حقائق الإسلام وأحكامه.

ـــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي : ٢٢٠.

(٢) راجع مثلاً توقيعاته عليه‌السلام لمحمد بن عبدالله الحميري المروية في كتاب الاحتجاج : ٢ / ٤٨٣ وما بعدها.

١٢٢

لقاء الإمام المهديعليه‌السلام بأتباعه المؤمنين

روت المصادر الروائية المعتبرة الكثير من الروايات التي تتحدث عن التقاء المؤمنين بالإمام المهديعليه‌السلام في غيبته الصغرى، فلايكاد يخلو كتاب من الكتب المصنفة في تواريخ الأئمة أو الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ خاصة، من ذكر مجموعة من هذه الروايات. وقد روى الشيخ الصدوق عن محمد بن أبي عبد الله احصائية لعدد لقاءاته من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، فذكر ثمانية وستين شخصاً(١) وأوصل الميرزا النوري العدد الى (٣٠٤) اشخاص استناداً الى الروايات الواردة في المصادر المعتبرة(٢) وفيها المروية بأسانيد صحيحة، ومعظمهم التقوه في الغيبة الصغرى وبعضهم في حياة أبيهعليهما‌السلام وهذه الروايات تخص الذين رأوه وعرفوه وليس الذين لم يعرفوه.

ويُستفاد من هذه الروايات أنهعليه‌السلام كان يبادر الى الالتقاء بالمؤمنين في الكثير من الحالات ويظهر على يديه المعجزات والدلائل بحيث يجعلهم يؤمنون بأنه هو الإمام ويثبت لهم وجودهعليه‌السلام وإمامته، وهذا ما يصرح به لعيسى الجوهري الذي التقاه في سنة (٢٦٨ هـ) في صابر قرب المدينة المنورة حيث قال له في نهاية اللقاء وبعد ما أراه من الدلائل ما جعله على يقين من هويتهعليه‌السلام :

«يا عيسى ما كان لك أن تراني لولا المكذِّبون القائلون بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيِّ شيء نبّأكم؟ وأيَّ معجز أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع مارووه وقدَّموا عليه، وكادوه وقتلوه، وكذلك آبائي عليهم السَّلام ولم يصدِّقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجنِّ إلى ما تبيّن.

ياعيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت، وإيّاك أن تخبر عدوَّنا فتسلبه. فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات فقال: لو لم يثبّتك الله ما رأيتني، وامض بنجحك راشداً. فخرجت أكثر

ـــــــــــ

(١) كمال الدين : ٢٤٢ .

(٢) النجم الثاقب : ٢ / ٤٤ ـ ٤٨ من الترجمة العربية.

١٢٣

حمداً لله وشكراً»(١) .

ويتضح من روايات التشرف بلقياه في الغيبة الصغرى أنه كان يقوم خلالها أيضاً بقضاء حوائج المؤمنين إقتفاءً لسنّة آبائهِ الطاهرينعليهم‌السلام ، كما كان يقوم خلالها بتوضيح بعض القضايا العقائدية المرتبطة بغيبته الكبرىعليه‌السلام ويقدم لهم الإرشادات التربوية والأدعية المسنونة المرتبطة بغيبته وتوثيق الارتباط بهعليه‌السلام فيها والتي تشتمل أيضاً على توضيح ما سيحققه الله على يديه عند ظهوره.

كما يُستفاد منها أن الكثير من المؤمنين كان يجتهدون في طلب لقياه ويسعون إليه خاصة في موسم الحج لما روي أنه يحضره كل سنة(٢) . وقد دلت بعض الروايات على وقوع الالتقاء به بالفعل في الموسم. كما كان البعض يلجأون الى السفراء الأربعة للفوز بذلك، فكان يسمح للمخلصين منهم بذلك. فمثلاً روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة فقال:

روى محمد بن يعقوب ـ رفعه عن الزُّهريّ ـ قال: طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح فوقعت إلى العمريّ وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان فقال لي: ليس إلى ذلك وصول فخضعت فقال لي: بكر بالغداة، فوافيت واستقبلني ومعه شابّ من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار.

فلمّا نظرت إليه دنوت من العمريّ فأومأ إليَّ فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت ثم مرَّ ليدخل الدار وكانت من الدُّور التي لا نكترث لها فقال العمريُّ: إذ أردت أن تسأل سل فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم

ـــــــــــ

(١) تبصرة الولي : ١٩٧.

(٢) الكافي : ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩، الغيبة للنعماني : ١٧٥ .

١٢٤

يسمع ودخل الدّار، وما كلّمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخّر العشاء الى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار»(١) .

إعلان انتهاء الغيبة الصغرى

قبل ستة أيام من وفاة السفير الرابع أخرج للمؤمنين توقيعاً من الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يعلن فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفراء المعينين من قبل الإمام مباشرة إيذاناً ببدء الغيبة الكبرى ونص التوقيع هو:

«بسم الله الرحمن الرحيم، ياعلي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فأجمع أمرك ولا توص الى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلاّ بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وإمتلاء الارض جوراً. وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمَن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم»(٢) .

وكان هذا آخر توقيع صدر عن الإمام في الغيبة الصغرى وهو بمثابة إعلان عن تحقيق تحركه فيها للأهداف المرجوة منها كمرحلة تمهيدية للغيبة الكبرى، فقد ظهر للناس خلالها منهعليه‌السلام مباشرة أو عبر سفرائه من البينات ما يثبت وجوده وإمامته وصحة غيبته الكبرى. وقد تم تدوينها في هذه الفترة من قبل عدد من وجوه العلماء(٣) ، واتضح للاُمة انتفاع الناس من وجوده

ـــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي : ١٦٤، الاحتجاج للطبرسي: ٢ / ٢٩٨، وسائل الشيعة : ٣/١٤٧.

(٢) كمال الدين : ٥١٦، غيبة الطوسي : ٢٤٢.

(٣) يُلاحظ هنا مثلاً أن كتاب الكافي للشيخ الكليني رحمه‌الله وهو من أهم مصادر تراث أهل البيت عليهم‌السلام في المجالات العقائدية والفقهية تم تدوينه خلال فترة الغيبة الصغرى، فقد توفي الشيخ الكليني رحمه‌الله سنة٣٢٩ هـ وهي نفس سنة وفاة الشيخ السمري آخر السفراء أي في نفس سنة انتهاء الغيبة الصغرى.

١٢٥

خلالها ورعايته لمسيرتهم من خلف أستارها، وأمر فيه بالرجوع الى الفقهاء في الحوادث الواقعة وصرح بأن وجوده أمان لأهل الأرض(١) ، كما أن الجيل الذي كان قد عاصر زمان الأئمة كان قد انتهى وظهرت أجيال اعتادت عصر الغيبة وفكرة القيادة النائبة، لذلك فقد تأهلت الأمة للدخول في عصر الغيبة الكبرى(٢) .

ـــــــــــ

(١) كما صرح بذلك عليه‌السلام في توقيعه الذي أجاب فيه على أسئلة إسحاق بن يعقوب، راجع كمال الدين: ٤٨٣، غيبة الطوسي : ١٧٦.

(٢) تأريخ الغيبة الصغرى: ٦٣٠ ـ ٦٥٤ وفيه توضيحات مهمة بشأن نص التوقيع المهدوي الشريف للسمري.

١٢٦

الباب الرابع: وفيه فصول:

الفصل الأول: الغيبة الكبرى للإمام المهديعليه‌السلام وأسبابها .

الفصل الثاني: إنجازات الإمام المهديعليه‌السلام في الغيبة الكبرى .

الفصل الثالث: تكاليف عصر الغيبة الكبرى .

الفصل الأول: الغيبة الكبرى للإمام المهديعليه‌السلام وأسبابها

الاطار العام لتحرك الامامعليه‌السلام

إنّ الهدف العام لتحرك الإمام المهديعليه‌السلام في فترة الغيبة الكبرى، هو رعاية مسيرة الأمة الإسلامية وتأهيلها لظهوره والقيام بالمهمة الكبرى المتمثلة بإنهاء الظلم والجور وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل أرجاء الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص كما سنفصل الحديث عن ذلك في الفصل الخاص بسيرته بعد ظهورهعليه‌السلام .

وبعبارة أخرى فإن الإطار العام لسيرته ـ عجل الله فرجه ـ في هذه الفترة هو التمهيد لظهوره بما يشتمل عليه ذلك من رعاية الوجود الإيماني وحفظه وتسديد نشاطاته وتطويره عبر الأجيال المتعاقبة التي يعاصرها، وحفظ الرسالة الخاتمة من التحريف إضافة الى القيام بالميسور من مهام الإمامة الأخرى وإن كان ذلك بأساليب أكثر خفاءً مما كان عليه الحال في الغيبة الصغرى، وبذلك يتحقق الانتفاع من وجودهعليه‌السلام كما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السحاب.

وهذا الهدف العام لسيرته في هذه الغيبة الكبرى نلاحظه بوضوح فيما ورد بشأن تحركه في هذه الغيبة.

وقبل التطرق لنماذج من هذا التحرك، نلقي نظرة عامة على بعض ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة بشأن علة الغيبة وأسرارها، إذ إن من الواضح أن التمهيد للظهور يكون بإزالة الأسباب التي أدت للغيبة، لذا فإن التعرف على أسباب الغيبة يلقي الأضواء على طبيعة تحرك الإمام المهديعليه‌السلام خلالها.

١٢٧

علل الغيبة في الأحاديث الشريفة

لقد تناولت مجموعة من الأحاديث الشريفة علل وقوع الغيبة. نذكر أولاً نماذج منها استناداً الى العلل التي تذكرها: مشيرين الى أن لكل نموذج نظائر عديدة رواها المحدثون بأسانيد متعددة:

١ ـ روى سدير عن أبيه عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «ان للقائم منّا غيبة يطول أمدها فقلت له: يابن رسول الله ولم ذاك قال: لأن الله عز وجل أبى إلاّ أن يجعل فيه سنن الأنبياءعليهم‌السلام في غيبا تهم، وانه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم، قال الله تعالى: (لتركبنّ طبقاً عن طبق)، أي سنن مَن كان قبلكم(١) .

وروى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جُعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدم من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضرعليه‌السلام إلاّ بعد افتراقهما، يابن الفضل ان هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا ان الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها

ـــــــــــ

(١) اثبات الهداة: ٣ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧.

١٢٨

حكمة، وان كان وجهها غير منكشف»(١) .

٢ ـ ومنها مارواه زرارة عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: «إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف ـ وأومى بيده الى بطنه، قال زرارة يعني: القتل»(٢) .

ومنها ماروي عن عبد الله بن عطا، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: «قلت له إن شيعتك بالعراق كثيرة والله مافي أهل بيتك مثلك; فكيف لا تخرج؟ قال: فقال: يا عبد الله بن عطاء! قد اخذت تفرش اذنيك للنوكى، إي والله ما أنا بصاحبكم، قال: قلت له: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عمى على الناس ولادته; فذاك صاحبكم; إنّه ليس منا احد يشار إليه بالاصبع ويمضغ بالالسن إلاّ مات غيظاً أو رغم أنفه»(٣) .

٣ ـ ومنها ما روي عن الحسن بن محبوب بن ابراهيم الكرخي قال:

«قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أو قال له رجل: أصلحك الله ألم يكن علي قوياً في دين الله؟ قال: بلى قال: فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يمنعهم ومامنعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عز وجل منعته، قال: قلت؟ وأيّ آية هي؟ قال: قول الله عز وجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً اليماً). انه كان لله عز وجل ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على مَن ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عز وجل فاذا ظهرت ظهر على مَن ظهر فقاتله»(٤) .

٤ ـ ومنها ماروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «والله لا يكون الذي تمدون

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ٤٨١، علل الشرائع: ١/ ٢٤٥.

(٢) علل الشرائع: ١ / ٢٤٦، غيبة النعماني: ١٧٦، غيبة الطوسي: ٢٠١.

(٣) الكافي: ١ / ٣٤٢، غيبة النعماني: ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٤) علل الشرائع: ١٤٧، كمال الدين: ٦٤١.

١٢٩

إليه أعناقكم حتى تميّزوا وتمحّصوا، ثم يذهب من كل عشرة شيء ولا يبقى منكم إلاّ الأندر، ثم تلا هذه الآية: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين»(١) .

٥ ـ ومنها ماروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال:

«دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا، إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين)»(٢) .

٦ ـ ومنها ما روي عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال ـ في جواب من سأله عن علة الغيبة ـ : «لئلا يكون في عنقه بيعة اذا قام بالسيف»(٣) .

وهذا المعنى مروي عن كثير من الأئمة بألفاظ متقاربة، منها ما روي عن المهديعليه‌السلام نفسه أنه قال في توقيعه الى اسحق بن يعقوب في جواب أسئلته: «... وأما علة ما وقع من الغيبة، فإن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم). إنه لم يكن أحد من آبائيعليهم‌السلام إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي»(٤) .

٧ ـ ويقول ـ عجل الله فرجه ـ في رسالته الأولى للشيخ المفيد: «نحن، وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، مادامت دولة الدنيا للفاسقين»(٥) .

٨ ـ ويقولعليه‌السلام في رسالته الثانية للشيخ المفيد: «ولو أن أشياعنا ـ وفقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالحمد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا،

ـــــــــــ

(١) قرب الأسناد للحميري: ١٦٢ وعنه في بحار الانوار: ٥٢/ ١١٣.

(٢) الآية في سورة الاعراف: ١٢٨، والحديث في غيبة الطوسي: ٢٨٢.

(٣) علل الشرائع: ١/ ٢٤٥، عيون الأخبار الرضا: ١ / ٢٧٣

(٤) كمال الدين: ٤٨٣، غيبة الطوسي: ١٧٦.

(٥) معادن الحكمة: ٢/ ٣٠٣، بحار الانوار: ٥٣/ ١٧٤.

١٣٠

ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم...»(١) .

هذه نماذج لابرز الأحاديث الشريفة المروية بشأن علل الغيبة، والأسباب التي تذكرها فيها بعض التداخل، نشير إليها ضمن النقاط الثمانية التالية:

١ ـ استجماع تجارب الأمم السابقة

إن الحكمة الإلهية في تدبير شؤون خلقه تبارك وتعالى اقتضت غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ للحكمةِ نفسها التي اقتضت غيبات الأنبياء في الاُمم السابقة، لأن ما جرى في هذه الاُمم مجتمعة يجري على الاُمة الاسلامية صاحبة الشريعة الخاتمة. فمثلما اقتضى تحقيق أهداف الرسالات السماوية غيبة بعض أنبيائها بدليل عدم استعداد الاُمم السابقة لتحقق هذه الأهداف، كذلك الحال مع الأمة الإسلامية فإن تحقق أهداف شريعتها الخاتمة اقتضى غيبة خاتم أوصيائها الإمام المهديعليه‌السلام حتى تتأهل بشكل كامل لتحقق هذه الأهداف، وواضح أن هذا السبب مجمل بل إنه يشكل الإطار العام لعلل الغيبة التي تذكرها الطوائف الأخرى من الأحاديث الشريفة.

والملاحظ في هذه الطائفة من الأحاديث أنّها تعتبر أمر الغيبة من الأسرار الإلهية التي لا تتضح إلاّ بعد انتهاء الغيبة وظهور الإمام والتي لم يُؤذن بكشفها قبل ذلك، الأمر الذي يشير الى أن ما تذكره الأحاديث الشريفة لا يمثل كل العلل الموجبة للغيبة بل بعضها وثمة علل أخرى ليس من الصالح كشفها قبل الظهور ـ للجميع على الأقل ـ، ولكن الإيمان بها فرع الإيمان بحكمة الله تبارك وتعالى وأنه الحكيم الذي لا يفعل إلاّ ما فيه صلاح عباده.

ـــــــــــ

(١) الاحتجاج: ٢/٣٢٥ وعنه في معادن الحكمة: ٢/ ٣٠٦ وبحار الأنوار: ٣٥/ ١٧٦.

١٣١

٢ ـ العامل الأمني

مخافة القتل كما جرى مع غيبات أنبياء الله موسى وعيسى وغيرهمعليهم‌السلام ، والأمر في غاية الوضوح مع الإمام المهديعليه‌السلام الذي كانت السلطات العباسية تسعى سعياً حثيثاً لقتله كما رأينا سابقاً. وهذا السبب يصدق بشكل كامل على أصل وقوع الغيبة وفي الغيبة الصغرى على الأقل.

ومعلوم أن المقصود هو حفظ وجود الإمام لكونه حجة الله على خلقه ولكي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجته وهاد بأمره إليه تبارك وتعالى.

أما ما هو سبب اختصاص الغيبة بالإمام الثاني عشر لحفظ وجوده مع أن أباءه الطاهرينعليهم‌السلام كانوا أيضاً حجج الله على خلقه وقد تعرّضوا أيضاً للمطاردة والاغتيال فلم يمت أي منهم إلاّ بالسيف أو السم(١) ؟

فالجواب واضح، فهو ـ عجل الله فرجه ـ آخر الأئمة المعصومينعليهم‌السلام وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية وعلى يديه يحقق الله عز وجل وعده بإظهار الإسلام على الدين كله وتوريث الأرض للصالحين، فلابد من حفظ وجوده حتى ينجز هذه المهمة. يُضاف الى ذلك أن السلطات العباسية كانت عازمة على قتله وهو في المهد لعلمها بطبيعة مهمته الإصلاحية العامة.

أما في الغيبة الكبرى فهذه العلة تبقى مؤثرة مالم تتوفر جميع العوامل اللازمة لإنجاز مهمته مثل توفر الأنصار وغير ذلك، لأنه سيبقى غرضاً لسهام مساعي حكام الجور لإبادته قبل أن ينجز هذه المهمة الإصلاحية الكبرى كما جرى على آبائِهِعليهم‌السلام . وهذا الأمر واضح للغاية ويفهم من توضيحات الإمام الباقرعليه‌السلام لعبد الله بن عطاء في الحديث الثاني من هذه الطائفة.

ـــــــــــ

(١) اعتقادات الصدوق: ٩٩ وعنه في اعلام الورى للطبرسي: ٢/٢٩٧ ب٥ المسألة الاُولى من المسائل السبع في الغيبة، الفصول المهمة: ٢٧٢، .

١٣٢

٣ ـ السماح بوصول الحق للجميع لخروج ودائع الله

إنّ إخراج ودائع الله، المؤمنين من أصلاب قوم كافرين يشكّل عاملاً آخر، ولعل المقصود منه إعطاء الفرصة لوصول الدين الحق للجميع كي تتضح لهم أحقية الرسالة الإسلامية التي يحملها الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وبالتالي تبني أشخاص ينتمون الى المدارس الضالة والأخلاف المنحرفين، للأهداف المهدوية والانتقال بهم الى صفوف أنصار المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ .

وواضح أن هذه العلة تفسر تأخير ظهورهعليه‌السلام ، بصورة واضحة، مباشرة، وبالتالي تفسّر بصورة غير مباشرة ـ غيبته الى حين توفر هذا العامل من العوامل اللازمة لظهوره ـ عجل الله فرجه ـ، باعتبار أنّ ظهوره مقترن بالبدء الفوري في تنفيذ مهمته الإصلاحية الكبرى، التي تتضمن نزول العذاب الأليم على المنحرفين.

٤ ـ التمحيص الاعدادي لجيل الظهور

إنّ التمييز والتمحيص الإعدادي للمؤمنين بهعليه‌السلام يتحقّق من خلال الأوضاع الصعبة الملازمة لغيبتهعليه‌السلام ، ومعلوم أن الإيمان به وبغيبته هو بحدِّ ذاته عامل مهمّ في تمحيص الإيمان وتقوية الثابتين عليه لأنه يمثل مرتبة سامية من مراتب التحرر من أسر التصديق بالمحسوسات المادية فقط. ولذلك كان الإيمان بالغيب اُولى صفات المتقين كما تذكره الآيات الأولى من سورة البقرة، وقد طبقت الأحاديث الشريفة هذه الصفة على الإيمان بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في غيبته باعتباره من أوضح مصاديقها لا سيما إذا لاحظنا طول أمدها(١) .

ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة مدحاً بالغاً لمؤمني عصر الغيبة الثابتين على الالتزام بالشريعة السمحاء والنهج المهدوي رغم التشكيكات العقائدية الناتجة عن عدم ظهوره المشهود(٢) .

ـــــــــــ

(١) كفاية الأثر ٥٦، ينابيع المودة: ٤٤٢.

(٢) راجع مثل ماروي عن الكاظم عليه‌السلام في وصف المؤمنين الثابتين في عصر الغيبة: «اُولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة». كمال الدين: ٣٦١، كفاية الأثر: ٢٦٥.

١٣٣

واستناداً الى هذه العلة نفهم أن الغيبة عامل إعداد لأنصار المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال ترسيخ هذا الإيمان بالغيب الذي يتضمن التحرر من أسر الماديات والذي يؤهلهم لنصرة المهدي في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.

٥ ـ اتضاح عجز المدارس الاخرى

إنّ إثبات عجز المدارس الأخرى عن تحقيق السعادة والكمال المنشود للمجتمع البشري، فيه تأهيل واضح للمجتمع البشري عموماً للتفاعل الإيجابي مع المهمة الإصلاحية الكبرى للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ، فهو يزيل العقبات الصادّة عن هذا التفاعل المطلوب لتحقق الأهداف الإلهية خاصة فيما يرتبط بالانخداع بشعارات المدارس الأخرى المادية أو ذات الأصول السماوية والمنحرفة عنها بمرور الزمن .

٦ ـ حفظ روح الرفض للظلم

إنّ الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فيزيل حكام الجور وحاكمية الفساد بالسيف بعد إتمام الحجة كاملة على المنحرفين خلال الغيبة الكبرى وما قبلها كما أشرنا الى ذلك في النقطة السابقة. فظهورهعليه‌السلام مقترن بالتحرك الجهادي الحاسم، فلا هدنة مع المنحرفين، ومن هنا يلزم توفر هذه الصفة في أتباعه أيضاً، ولعل هذا هو المقصود من تعبير الأحاديث الشريفة «لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية».

وواضح أن هذا الدور الحاسم يجعل تكالب الظالمين عليه أشد إذا كان وجوده ظاهراً قبل تحركه الإصلاحي الشامل وقبل توفر الظروف المناسبة لتحركه والعدد اللازم من الأنصار، فهو في هذه الحالة إما أن يهادن الظلمة ويجمّد أي نشاط له ولو كان غير حاسم كما كان حال آبائهعليهم‌السلام ، وفي ذلك أخطار كثيرة مثل إضعاف روح الرفض للظلم لدى المؤمنين وهم يرون أن إمامهم المكلف بإزالة الظلم بصورة كاملة صامت تجاهه، فضلاً عن أن هذا الموقف السلبي لن يوقف كيد الظالمين ومساعيهم المستمرة لقتله تخلصاً من هاجس دوره المرتقب; وإما أن يتحرك لإنجاز مهمته قبل توفر العوامل اللازمة لنجاحها وهذا الأمر يعني مقتله قبل أن يحقق شيئاً من مهمته الكبرى.

١٣٤

لذا فلابد من تجنب الظهور قبل اكتمال الأوضاع اللازمة لتحركه الإصلاحي الأكبر والاستتار في اسلوب الغيبة بما يمكنه من الاستمرار في نشاطه على صعيد توفير العوامل اللازمة لنجاح مهمته الكبرى عند الظهور.

٧ ـ صلاح أمره وأمر المؤمنين به

إن في الغيبة صلاح أمرهعليه‌السلام وأمر المؤمنين به، وهذه علة مجملة تحدد أحد أوجه الحكمة الإلهية في الأمر بالغيبة بأن في ذلك صلاح أمر الإمامة; ولعله بمعنى أن الغيبة هي أفضل اسلوب ممكن لقيام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بمهام الإمامة في ظل الأوضاع المضادة لأهداف الثورة المهدوية كما تقدم في الفقرة السادسة، وبأن فيها صلاح شيعته والمؤمنين به; ولعله بمعنى فتح آفاق التكامل والتمحيص في صفوفهم وأجيالهم المتلاحقة كما تقدم في الفقرة الرابعة حتى يُعد الجيل القادر ـ كماً وكيفاً ـ على الاستجابة لمقتضيات الثورة المهدوية الكبرى، أو أن يكون المقصود صلاحهم في حفظ وجودهم من الإبادة قبل تحقق المهمة الإصلاحية المطلوبة أو عجزهم عن نصرة الإمام بالصورة المطلوبة عند قيامه ـ دونما غيبة ـ كما جرى في موقف المسلمين من ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام وقبله من خلافة أخيه الإمام الحسن وأبيه أمير المؤمنين ـ سلام الله عليهم ـ .

٨ ـ عدم توفّر العدد المطلوب من الأنصار

والعامل الأخير هو عدم توفر العدد اللازم كماً والمناسب كيفاً من الأنصار لهعليه‌السلام في مهمته الإصلاحية الكبرى التي تحتاج الى عدد كاف من الأنصار وعلى مستويات عالية من الإخلاص للشريعة المحمدية وأهدافها والعلم بها وبمكائد أعدائها بحيث يمتلكون التجربة الجهادية اللازمة لخوض حركة الصراع الحاسمة مع الكفر والشرك والفسق والنفاق. وهذه العلة مكملة للعلة المذكورة في الفقرة الرابعة.

١٣٥

الفصل الثاني: إنجازات الإمام المهديعليه‌السلام في غيبته الكبرى

كما أشرنا في مقدمة الحديث فإن سيرة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وتحركاته في غيبته الكبرى تتمحور حول هدف التمهيد لظهوره والمساهمة في ازالة العلل الموجبة لغيبته، وعليه يمكننا القول بأنّه يعمل في سبيل ترشيد الأمة واستجماعها لخبرات أجيالها المتعاقبة; وفي سبيل إيصال الحق الى الجميع ودعم وتأييد العاملين من أجل نشر الإسلام النقي وحفظه، وهو يرعى عملية التمييز والتمحيص الإعدادي لجيل الظهور، ويكشف فشل المدارس الأخرى وعجزها عن تحقيق السعادة المنشودة للبشرية، ويساهم في حفظ روح الرفض للظلم ويحبط المساعي لقتلها. إنهعليه‌السلام يقوم بكل ذلك ولكن بأساليب خفية غير ظاهرة قد يتضح الكثير منها عند ظهوره كما يتضح دورهعليه‌السلام في الكثير من الحوادث الواقعة التي تصب في صالح تحقق الأهداف المتقدمة والتي لم تُعرف أسباب وقوعها أو أنّ ما عُرض من الأسباب لم يكن كافياً في تفسيرها.

رعايته للكيان الإسلامي

يقول الإمام المهديعليه‌السلام في رسالته الاُولى للشيخ المفيد: «... فإنّا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مُذ جنح كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء وأصطلمكم الأعداء»(١) .

إن الإمام يتابع أوضاع المؤمنين ويحيط علماً بالتطورات التي تحصل لهم ومحاولات الاستئصال والإبادة التي يتعرّضون لها ويتخذ الإجراءات اللازمة لدفع الأخطار عنهم بمختلف أشكالها، وهذه الرعاية هي أحد العوامل الأساسية التي تفسر حفظ أتباع مذهب أهل البيتعليهم‌السلام واستمرار وجودهم وتناميه على مدى الأجيال على الرغم من شدة الحملات التصفوية التي عرضوا لها والإرهاب الفكري الحاد الذي مورس ضدهم لقرون طويلة. فهذه التصفيات الجسدية والمحاربة الفكرية الواسعة التي شهدها التأريخ الإسلامي كانت قادرة ولا شك على إنهاء وجودهم جسدياً وفكرياً لولا الرعاية المهدوية.

ـــــــــــ

(١) الاحتجاج: ١/٣٢٣ وعنه في معادن الحكمة: ٢/ ٣٠٣.

١٣٦

حفظ الاسلام الصحيح وتسديد العمل الاجتهادي

إنّ الإمام المهديعليه‌السلام يقوم أيضاً في غيبته الكبرى بحفظ الإسلام النقي الذي يحمله مذهب أهل البيتعليهم‌السلام . وهذه المهمة من المهام الرئيسة للإمامة، ومن مظاهر قيامهعليه‌السلام بها في غيبته تسديد العمل الاجتهادي للعلماء والفقهاء ومنع إجماعهم على باطل بطريقة أو باُخرى: «لأن هذه الآثار والنصوص في الأحكام موجودة مع مَن لا يستحيل منه الغلط والنسيان، ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك والكتمان. وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلاّ بوجود معصوم يكون من ورائهم، شاهد لأحوالهم، عالم بأخبارهم، إن غلطوا هداههم، أو نسوا ذكّرهم أو كتموا، علم الحق من دونهم.

وإمام الزمانعليه‌السلام وإن كان مستتراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم ويعلم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، أو ضلّوا عن الحق لما وسعته التقية ولأظهره الله سبحانه ومنع منه الى أن يبين الحق وتثبت الحجة على الخلق»(١) .

والمقصود من الظهور هنا ليس الظهور العام بل المحدود لبعض العلماء وبالمقدار اللازم لتبيان الحق، وهذه من القضايا التي بحثها العلماء في باب الإجماع، فمثلاً يقول العلاّمة السيد محمد المجاهد في كتابه مفاتيح الأصول: «... البناء على قاعدة اللطف التي لأجلها وجب على الله نصب الإمام فإنها تقضي ردهم لو اتفقوا على الباطل فإنه من أعظم الألطاف، فإن امتنع حصوله بالطرق الظاهرة فبالأسباب )الخفية( إن وجود الإمامعليه‌السلام في زمن الغيبة لطف قطعاً; فيثبت فيه كل ما أمكن; لوجود المقتضي وانتفاء المانع. وإن هذا اللطف قد ثبت وجوبه قبل الغيبة فيبقى بعده بمقتضى الأصل )إضافة الى( أن النقل المتواتر قد دل على بقائه.

وقد ورد ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام بألفاظ ومعان متقاربة، فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لكل بدعة يُكاذب بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلاً يذب عنه ويعلن الحق ويرد كيد الكائدين«، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أهل البيت «أن فيهم في كل خلف عدولاً ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين«.

ـــــــــــ

(١) كنز الفوائد للعلامة الكراجكي: ٢/ ٢١٩.

١٣٧

وفي المستفيض عنهمعليهم‌السلام «إن الارض لا تخلو إلاّ وفيها عالم اذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم الى الحق وإن نقصوا شيئاً تمم ذلك ولولا ذلك لالتبس عليهم أمرهم ولم يفرقوا بين الحق والباطل».

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في عدة طرق: «اللَّهُمَّ إنك لا تخلي الارض من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك..»، وفي بعضها: «لابد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم الى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك ولئلا يضل تُبّع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم أو مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فيهم، بها عاملون».

وفي تفسير قوله تعالى:( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) )ورد (في عدّة روايات: «أن المنذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي كل زمان إمام منا يهديهم الى ماجاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »، وفي بعضها )عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في الآية(: «والله ماذهبت منا ومازالت فينا الى الساعة».

وعن أبي عبد الله ) الامام الصادقعليه‌السلام (قال: «ولم تخل الارض مُنذ خلقها الله تعالى من حجة له فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولن تخلو الى أن تقوم الساعة ولولا ذلك لم يعبد الله، قيل: كيف ينتفع الناس بالغائب المستور؟! قالعليه‌السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب».

وعن الحجة القائمعليه‌السلام قال: «وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأنظار السحاب، وإني لأمان أهل الارض كما أن النجوم أمان أهل السماء».

والاخبار في هذا المعنى أكثر من أن تُحصى، ومقتضاها تحقق الرد عن الباطل والهداية الى الحق; من الإمام في زمن الغيبة والمراد حصولها بالاسباب

١٣٨

الخفية كما يشعر به حديث السحاب )الانتفاع بالإمام كالانتفاع بالشمس إذا غيبها السحاب( دون الظاهرة فانها منتفية بالضرورة، ولا ينافي ذلك تضمن بعضها الاعلان بالحق فانه من باب الاسناد الى السبب...»(١) .

تسديد الفقهاء في عصر الغيبة

وكما أشرنا عند الحديث عن نظام «السفارة والنيابة الخاصة» في الغيبة الصغرى، فإن هذا النظام كان تمهيداً لإرجاع الأمة في الغيبة الكبرى الى الفقهاء العدول كممثلين لهعليه‌السلام ينوبون عنهم كقيادة ظاهرة أمر بالرجوع إليها في توقيعه الصادر الى إسحاق بن يعقوب: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم».

وقد أشار الأئمةعليهم‌السلام من قبل الى هذا الدور المهم للعلماء في عصر الغيبة الكبرى، فمثلاً روي عن الامام علي الهاديعليه‌السلام أنه قال: «لولا مَن يبقى بعد غيبة قائمكم عليه الصلاة والسلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومَردته، ومِن فخاخ النواصب; لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دينه. ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله»(٢) .

والمستفاد من قولهعليه‌السلام «فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم» أن الفقهاء العدول يمثلون في الواقع واسطة بين الاُمة والإمام ـ عجل الله فرجه ـ الأمر الذي يعني أن يحظى بعضهم ـ وخاصةً الذين يحظون بمكانة خاصة في توجيه الاُمة ودور خاص فكري أو سياسي في قيادتها ـ بتسديد من قبل

ـــــــــــ

(١) مفاتيح الأصول: ٤٩٦ ـ ٤٩٧، باب الاجماع.

(٢) الاحتجاج: ٢/٢٦٠ .

١٣٩

الإمام ـ عجل الله فرجه ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالخصوص في التحركات ذات التأثير على مسيرة الأمة وحركة الإسلام، فهو يتدخل بما يجعل هذه التحركات في صالح الأمة أو بما يدفع عنها الاخطار الشديدة الماحقة، وقد نقلت الكثير من الروايات الكاشفة عن بعض هذه التدخلات والتي لم تنقل أو لم تدون أكثر بكثير. وقسم منها يكون التدخل من قبل الإمام بصورة مباشرة وقسم آخر يكون بصورة غير مباشرة عبر أحد أوليائه(١) .

أصحاب الإمامعليه‌السلام في غيبته الكبرى

يُستفاد من عدد من الأحاديث الشريفة أن للامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ جماعة من الأولياء المخلصين يلتقون به باستمرار في غيبته الكبرى ومن أهل كل عصر، وتصرح بعض الأحاديث الشريفة بأن عددهم ثلاثين شخصاً، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في الغيبة بأسانيدهما عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة»(٢) ، وروى الكليني بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والاُخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه إلاّ خاصة شيعته والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه»(٣) ، وتصرح بعض الأحاديث الشريفة بأن الخضرعليه‌السلام من مرافقيه في غيبته(٤) . ولعلهعليه‌السلام يستعين بهؤلاء الأولياء ـ ذوي المراتب العالية في الاخلاص ـ في

ـــــــــــ

(١) جمع الشيخ كريمي الجهرمي مجموعة من هذه الروايات في كتاب ترجمه للعربية تحت عنوان: «رعاية الامام المهدي للمراجع والعلماء الاعلام» منشورات دار ياسين البيروتية والكتاب مطبوع بالفارسية في قم.

(٢) الكافي: ١/ ٣٤٠، غيبة النعماني: ١٨٨، تقريب المعارف للحلبي: ١٩٠.

(٣) الكافي: ١/ ٣٤٠، غيبة النعماني: ١٧٠، تقريب المعارف: ١٩٠.

(٤) كمال الدين: ٣٩٠ وعنه في اثبات الهداة: ٣/ ٤٨٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وقال الفضل(١) :

ما ذكره من علم أمير المؤمنين ، فلا شكّ أنّه من علماء الأمّة والناس محتاجون إليه فيه ، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف ، فلا نزاع لأحد فيه.

وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي ، فصحيح.

وأمّا ما ذكره من صحاح البغوي ، فإنّه قال : « الحديث غريب ، لا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك ، وإسناده مضطرب »(٢) .

فكان ينبغي أن يذكر ما ذكروه من معائب الحديث ؛ ليكون أمينا في النقل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٣٩ الطبعة الحجرية.

(٢) مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢.

٣٢١

وأقول :

لا يخفى ما في كلامه من التنافي ؛ لأنّ قوله : « إنّه من علماء الأمّة » يدلّ على أنّه فرد من جماعة لا فضل له عليهم ؛ وقوله : « كيف لا؟! وهو وصيّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف » يدلّ على فضله على غيره!

وقد استدلّ المصنّفرحمه‌الله على أعلميّة أمير المؤمنين بأمور :

الأوّل : « إنّه كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم » إلى آخره.

وهو دليل إقناعي ، ذكره تقريبا إلى أذهان السامعين ، وإلّا فعلم أمير المؤمنينعليه‌السلام كعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رشحة من الفيض الإلهي ، سوى إنّ علم عليّعليه‌السلام بواسطة النبيّ ، وعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بواسطة جبرئيل.

فكما إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحتاج في علمه إلى ملازمة جبرئيل ، فكذا عليّ لا يحتاج إلى ملازمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كيف؟! وقد علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام واحد ألف باب من العلم ، يفتح له من كلّ باب ألف باب(١) !

الثاني : إنّه قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ » كما في

__________________

(١) الرسالة اللدنّيّة ـ للغزّالي ـ : ٢٣٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٨٥ ، مطالب السؤول : ١١٨ ، فرائد السمطين ١ / ١٠١ ح ٧٠ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٦ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٢٤ ، كنز العمّال ١٣ / ١١٤ ـ ١١٥ ح ٣٦٣٧٢.

٣٢٢

« الاستيعاب » بترجمة عليّ(١)

وفي « الصواعق »(٢) ، نقلا عن الطبراني ، وأبي يعلى ، والعقيلي ، وابن عساكر

ورواه الحاكم في « المستدرك »(٣) .

وروى البخاري في تفسير قوله تعالى :( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) من سورة البقرة(٤) ، أنّ عمر قال : أقرأنا أبيّ ، وأقضانا عليّ(٥) .

ونحوه في « الاستيعاب »(٦) .

ووجه الاستدلال به ظاهر من كلام المصنّفرحمه‌الله .

الثالث : ما رواه الترمذي وذكره البغوي ، وقد سبق الكلام في سنده ودلالته في الحديث التاسع عشر(٧) .

ولا يفترق الحال بين الحديثين ، حيث قال في أحدهما : «أنا مدينة العلم » ، وفي الآخر : «أنا دار الحكمة » ؛ وذلك للتلازم بينهما ؛ فإنّ من يكون بابا لعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بدّ أن تنكشف له وجوه الحكمة ، فيكون بابا لحكمته.

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١١٠٢.

(٢) في الفصل الثالث ، من الباب الثالث ، في الحديث الرابع والتسعين [ ص ١٢٠ ].

منه قدس‌سره .

وانظر : المعجم الصغير ١ / ٢٠١ ، مسند أبي يعلى ١٠ / ١٤١ ح ٥٧٦٣ ، الضعفاء الكبير ٢ / ١٥٩ رقم ٦٦٤ ، تاريخ دمشق ٤٧ / ١١٢.

(٣) ص ٥٥٣ ح ٣ [ ٣ / ٦١٦ ح ٦٢٨١ ]. منهقدس‌سره .

(٤) سورة البقرة ٢ : ١٠٦.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٤٦ ح ٨.

(٦) الاستيعاب ٣ / ١١٠٢.

(٧) راجع مبحث الحديث ١٩ ، في الصفحات ١٧١ ـ ١٨١ من هذا الجزء.

٣٢٣

وإنّما لم يذكر المصنّفرحمه‌الله قول البغوي : « وإسناده مضطرب » ؛ لأنّ الاضطراب الذي أراده ، هو رواية بعضهم للحديث عن سويد(١) ، عن عليّعليه‌السلام ؛ ورواية بعض آخر له عن سويد ، عن الصنابحي(٢) ، عن عليّعليه‌السلام ؛ وهو ليس بعيب في الحديث بعد اعتبار الصنابحي.

على أنّه لو كان عيبا ، لم يلزم التعرّض لمثله بعد استفاضة طرق الحديث ، وتصحيح جماعة من علمائهم لبعضها(٣) .

تنبيه :

لفظ الحديث في النسخة التي عندنا من صحيح الترمذي : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها »(٤) ، والمصنّفرحمه‌الله نقله بلفظ : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، وصحّح الفضل نقله(٥) ، وقد نقله ابن حجر عن الترمذي باللفظين معا(٦) ، فلعلّه رواه باللفظين في مقامين!

كما إنّ البغوي ذكر الحديث في « الحسان » لا في « الصحاح » ،

__________________

(١) هو : سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي الكوفي ، وثّقه ابن معين والعجلي ، وتوفّى سنة ٨٠ ه‍ وقيل ٨٢ ه‍ ؛ أنظر : تهذيب التهذيب ٣ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥ رقم ٢٧٧١.

(٢) هو : أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة المرادي ، وثّقه ابن سعد ؛ انظر : لسان الميزان ٧ / ٥٠٩ رقم ٥٨٣٥.

(٣) راجع الأجزاء ١٠ ـ ١٢ من موسوعة « نفحات الأزهار » ، ففيها تفصيل كلّ ما يتعلّق بحديث مدينة العلم ، سندا ودلالة ، طرقا ومتنا ، رواته ، ألفاظه ، شواهد الحديث ، تصحيح أسانيده ، وتفنيد ما أثير ما حوله من شكوك وشبهات!

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣.

(٥) تقدّم آنفا في الصفحة ٣٢١.

(٦) في الفصل الثاني من الباب التاسع [ الصواعق المحرقة : ١٨٩ ]. منهقدس‌سره .

٣٢٤

بحسب نسخة « المصابيح »(١) التي عندنا ، فيحتمل خطأها ، ويحتمل خطأ المصنّفرحمه‌الله ، والفضل ـ أيضا ـ بإقراره للمصنّف على نقله!

* * *

__________________

(١) مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢.

٣٢٥

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

وفيه (٢) : عن أبي الحمراء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب »(٣) .

وروى البيهقي ، بإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب »(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٦.

(٢) أي في حقّهعليه‌السلام ، عطفا على قول العلّامة الحلّيقدس‌سره : « وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه : » المتقدّم آنفا في الصفحة ٣١٩ ؛ فلاحظ!

(٣) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٣ ح ٧٠ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٠ ح ٢٥٦ ، شواهد التنزيل ١ / ٧٨ ـ ٨٠ ح ١١٦ و ١١٧ وص ١٠٦ ح ١٤٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣١٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١٩٦ ، ذخائر العقبى : ١٦٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٣ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٦٣ ح ١.

(٤) رواه أحمد في « المسند » ، ورواه أحمد البيهقي في « الصحيح » ، كما في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ١٦٨.

وانظر : تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩١ ، مطالب السؤول : ٩٧ ، كفاية الطالب : ١٢١ ـ ١٢٢ ب‍ ٢٣ ، الفصول المهمّة : ١٢٣ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٠٧.

٣٢٦

وقال الفضل(١) :

خان في هذا النقل ؛ لأنّه ذكر أنّ في « صحاح البغوي » هذا الحديث ، وهذا كذب باطل ؛ فإنّ الحديث لم يذكره البغوي أصلا ، لا في « صحاحه » ولا في « حسانه » ، وأثر الوضع على هذا الحديث ظاهر.

ولا شكّ أنّه منكر ـ مع ما نسبه إلى البيهقي ـ ؛ لأنّه يوهم أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء ، وهذا باطل ؛ فإنّ غير النبيّ لا يكون أفضل من النبيّ.

وأمّا أنّه موهم لهذا المعنى ؛ لأنّه جمع فيه من الفضائل ما تفرّق في الأنبياء ، والجامع للفضائل أفضل ممّن تفرّق فيه الفضائل ، وأمثال هذا من موضوعات الغلاة ، وإن صحّ فيمكن حمله على أنّ له كمال هذه الفضائل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٤٠ الطبعة الحجرية.

٣٢٧

وأقول :

لم يفهم الفضل مراد المصنّفرحمه‌الله ؛ فإنّ الضمير في قوله : « فيه » لو رجع إلى « صحاح البغوي » لقال : « وفيها ».

كما إنّه لا يرجع إلى « صحيح الترمذي » ؛ لعدم ذكره للحديث في مناقب عليّعليه‌السلام ، ويبعد ذكره له في محلّ آخر.

فالظاهر أنّه راجع إلى « حقّه » في قول المصنّف سابقا : « وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه »(١) ، وما أبعد الخيانة عن المصنّفرحمه‌الله !

ويحتمل سقوط حديث آخر نقله المصنّف من كتاب آخر ، فيعود الضمير إلى ذلك الكتاب ، ولا يبعد ـ على هذا ـ أنّه « مسند أحمد » ؛ فإنّ المصنّفرحمه‌الله ينقل عنه كثيرا ، وهو موجود فيه بحسب ما ذكره ابن أبي الحديد(٢) ، وصاحب « ينابيع المودّة »(٣) ، كما نقلاه أيضا عن البيهقي.

لكنّي لم أجده في « المسند » ، ولا يبعد أنّه من يد التصرّف!

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن الحاكم ، أنّه أخرج عن أبي الحمراء مرفوعا : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، ونوح في فهمه ، وإبراهيم في حلمه ، ويحيى في زهده ، وموسى في بطشه ، فلينظر إلى عليّ »(٤) .

__________________

(١) تقدّم آنفا في الصفحة ٣١٩.

(٢) ص ٤٤٩ من المجلّد الثاني [ ٩ / ١٦٨ ]. منهقدس‌سره .

(٣) في الباب الأربعين [ ١ / ٣٦٣ ح ١ ]. منهقدس‌سره .

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٥.

٣٢٨

ونقل عن ابن الجوزي ، أنّه قال : « موضوع » ؛ متعلّلا باشتمال سنده على أبي عمر الأزدي ، وهو متروك(١) .

وتعقّبه السيوطي بأنّ له طريقا آخر عن أبي سعيد ، أخرجه ابن شاهين في « السنّة » عنه ، قال : كنّا حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل عليّ ، فأدام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النظر إليه ، ثمّ قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى هذا »(٢) .

ونقل السيوطي طريقا آخر لابن شاهين عن أبي الحمراء(٣) .

فعليه يكون الحديث كثير الطرق ومعتبرا ، وإن فرض ضعف كلّ من أسانيده(٤) ، مع أنّه قد رواه صاحب « المواقف » وما أعلّ سنده هو ولا الشارح(٥) .

ولا يضرّ اختلاف خصوصيّاته بحذف بعض الأنبياء وتبديل صفاتهم ؛ لجواز تعدّد أقوال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو خطأ بعض الرواة.

ولا ريب بدلالة الحديث على فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام على الأمّة

__________________

(١) الموضوعات ١ / ٣٧٠.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٥.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٥.

(٤) لقد روى هذا الحديث الشريف الصحيح طائفة كبيرة من الرواة والحفّاظ والعلماء المعتمدين عند أهل السنّة ، فبلغوا أكثر من أربعين رجل ، من رجال الصحاح ، وأصحاب المسانيد ، ومشاهير العلماء ؛ فراجع الجزء ١٩ من « نفحات الأزهار » لترى أسانيد حديث التشبيه ، وأسماء أشهر رواته ومخرّجيه ، وكذا دلالة الحديث على إمامة الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام .

(٥) المواقف : ٤١٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٩.

٣٢٩

وإمامته لهم ؛ لدلالته على فضله على هؤلاء الأنبياء العظام ، فكيف بآحاد الأمم؟!

وذلك لأنّه صرّح بأنّ عليّاعليه‌السلام جمع ما تفرّق في أعاظم الأنبياء من الأوصاف ، التي كلّ واحدة منها أعظم الأفراد من نوعها.

ودعوى أنّ غير النبيّ لا يكون أفضل منه ، دعوى بلا حجّة.

نعم ، لا يجوز أن يكون النبيّ مفضولا لواحد من أمّته ، كما يحكم به العقل ، وإن خالف به بعض القوم كما سبق في « مباحث النبوّة » لله(١) .

وقد بيّنّا في آية « المباهلة » وغيرها ، أنّ عليّا أفضل من جميع النبيّين سوى ابن عمّه سيّد المرسلين(٢) .

وقد تواتر عندنا أنّ عليّا سيّد الوصيّين(٣) ، ومن جملتهم الأنبياء ، كيوشع بن نون وصيّ موسىعليه‌السلام .

* * *

__________________

(١) ( لله ) راجع : ج ٤ / ٣٣ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ ـ ٤٠٨ من هذا الكتاب.

(٣) انظر مثلا : شرح الأخبار ١ / ٢٢٣ ذ ح ٢٠٧ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٦١ ح ٢٠ وص ٧٤ ذ ح ٤٢ ، الخصال : ٥٧٥ ، معاني الأخبار : ٣٧٣ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٤٤٢ ح ٩٩١ ، الحائريات ـ ضمن « الرسائل العشر » للشيخ الطوسي ـ : ٣٠٦ ، تفصيل وسائل الشيعة ٧ / ٢٠ ح ٦.

٣٣٠

العلوم كلّها مستندة إليه

قال المصنّف ـقدس‌سره ـ(١) :

وأيضا : جميع العلوم مستندة إليه

أمّا الكلام وأصول الفقه ؛ فظاهر ، وكلامه في « النهج » يدلّ على كمال معرفته في التوحيد والعدل ، وجميع جزئيات علم الكلام والأصول.

وأمّا الفقه ؛ فالفقهاء كلّهم يرجعون إليه

أمّا الإمامية ؛ فظاهر(٢)

وأمّا الحنفية ؛ فإنّ أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة(٣) ، وهو تلميذ الصادقعليه‌السلام (٤)

وأمّا الشافعية ؛ فأخذوا عن محمّد بن إدريس الشافعي(٥) ، وهو

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٧.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٧ و ١٨.

(٣) هو : أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي ، مولى تيم ، إمام الحنفية وأصحاب الرأي ، وأحد الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ؛ ولد سنة ٨٠ ه‍ ، ونشأ بالكوفة ، طلبه المنصور العبّاسي لتولّي القضاء فأبى ، فحبسه إلى أن مات سنة ١٥٠ ه‍ ، وقيل : إنّ المنصور سمّه.

انظر : تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢٣ رقم ٧٢٩٧ ، المنتظم ٥ / ١٨٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ٨٧.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٦٨ رقم ٩٩٤.

(٥) هو : أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي ، إمام الشافعية ، وأحد الأئمّة الأربعة

٣٣١

قرأ على محمّد بن الحسن(١) تلميذ أبي حنيفة ، وعلى مالك ؛ فرجع فقهه إليهما(٢)

وأمّا أحمد بن حنبل(٣) ؛ فقرأ على الشافعي ؛ فرجع فقهه إليه(٤) .

وأمّا مالك(٥) ؛ فقرأ على اثنين :

__________________

عند أهل السنّة والجماعة ؛ ولد بفلسطين ، وحمل منها إلى مكّة ، وانتقل إلى مصر سنة ١٩٩ ه‍ حتّى توفّي بها سنة ٢٠٤ ه‍ ، من أشهر آثاره : كتاب الأمّ ، المسند ، أحكام القرآن ، الرسالة في أصول الفقه.

انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٥٦ رقم رقم ٤٥٤ ، المنتظم ٦ / ١٣٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢١٠.

(١) هو : أبو عبد الله محمّد بن الحسن بن فرقد الشيباني ، مولاهم ، صاحب أبي حنيفة ، وإمام أهل الرأي ، أصله من دمشق من قرية حرستا وولد بواسط ، ونشأ بالكوفة ، سمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه ، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة ؛ انتقل إلى بغداد وولّاه الرشيد القضاء بالرقّة ، ثمّ عزله ، ولمّا خرج الرشيد إلى خراسان صحبه فمات في الريّ سنة ١٨٩ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ٢ / ١٧٢ رقم ٥٩٣ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٦٧ ، المنتظم ٥ / ٥٣٢ ، الجواهر المضيّة ٣ / ١٢٢ رقم ١٢٧٠.

(٢) انظر : حلية الأولياء ٩ / ٧٥ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ ، تاريخ دمشق ٥١ / ٢٦٧ رقم ٦٠٧١.

(٣) هو : أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل ، إمام أهل الحديث ، وأحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ، أصله من مرو ، وكان أبوه والي سرخس ، توفّي سنة ٢٤١ ه‍ ؛ ومن أشهر مصنّفاته « المسند ».

انظر : تاريخ بغداد ٤ / ٤١٢ رقم ٢٣١٧ ، المنتظم ٦ / ٤٨٨ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٧٣.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

(٥) هو : أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي ، إمام المالكية ، وأحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ، ولد سنة ٩٣ ه‍ بالمدينة ونشأ بها ، ورووا أنّ أمّه حملت به ثلاث سنين ؛ صنّف « الموطّأ » بأمر من المنصور

٣٣٢

أحدهما : ربيعة الرأي(١) ، وهو تلميذ عكرمة ، وهو تلميذ عبد الله ابن عبّاس ، وهو تلميذ عليّعليه‌السلام (٢) .

والثاني : مولانا جعفر بن محمّد الصادق

وكان الخوارج تلامذة له(٣) .

وأمّا النحو ؛ فهو واضعه(٤) .

وكذا علم التفسير(٥)

قال ابن عبّاس : حدّثني أمير المؤمنينعليه‌السلام في باء( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من أوّل الليل إلى الفجر ولم يتمّ(٦) .

* * *

__________________

العبّاسي ، وتوفّي سنة ١٧٩ ه‍.

انظر : حلية الأولياء ٦ / ٣١٦ ، ترتيب المدارك ١ / ١١٠ ـ ١١٢ ، المنتظم ٥ / ٤٢٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٤٣.

(١) هو : أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ التيمي المدني ، مولى آل المنكدر ، صاحب الرأي والقياس ، أدرك بعض الصحابة والتابعين ، وكان صاحب الفتوى بالمدينة المنوّرة ، روى عنه مالك بن أنس وسفيان الثوري وشعبة بن الحجّاج والليث بن سعد وغيرهم ، قدم على أبي العبّاس السفّاح في الأنبار ليولّيه القضاء ؛ وتوفّي في الأنبار سنة ١٣٦ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ٨ / ٤٢٠ رقم ٤٥٣١ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٥٧ رقم ١٥٣ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٨٣ رقم ١٩٧٣.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

(٣) انظر : مطالب السؤول : ١١١ ـ ١١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ٢٠.

(٥) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٩.

(٦) ينابيع المودّة ١ / ٢١٤ ح ١٩ وج ٣ / ٢١١.

٣٣٣

وقال الفضل(١) :

ذكر أنّ أبا حنيفة قرأ على الصادق ، ثمّ ذكر أنّ الشافعي قرأ على محمّد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة ، وعلى مالك ، فرجع فقهه إليهما.

ويفهم من هذا أنّ كلّ من قرأ على أحد يرجع فقهه إليه ، فيرجع فقه جميع الأئمّة على هذا التقدير إلى الصادق.

وفقه الصادق عنده لا شكّ أنّه حقّ وصدق ، فلم يبق له بعد هذا الكلام اعتراض على الأئمّة الأربعة.

وأمّا قوله : إنّ الشافعي قرأ على محمّد بن الحسن ؛ فهو كذب وباطل.

وأمّا قوله : إنّ جميع العلوم من الفقه والأصول والكلام يرجع إلى أمير المؤمنين

فإن أراد أنّ أصحاب هذه العلوم ما استفادوا في تدوين هذه العلوم من غير كلام أمير المؤمنين ؛ فهو ممنوع.

وإن أراد أنّهم استفادوا من كلامه أيضا كما استفادوا من كلام باقي علماء الصحابة ؛ فهو حقّ لا شكّ فيه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٤٣ الطبعة الحجرية.

٣٣٤

وأقول :

ما فهمه من كلام المصنّفرحمه‌الله ، وزعم أنّه لا يبقى بعده اعتراض على أئمّتهم ، خطأ ظاهر ؛ إذ ليس معنى الرجوع إليه اتّفاق فتاويهم معه ، بل معناه أنّه أساس تحصيلهم ومنشأ قوّتهم ، وإن خالفوه في أمور خطيرة وأحكام كثيرة استحسنوها بآرائهم ، وقاسوها بمقاييسهم!(١) .

ومنه يعلم أنّ ترديده في معنى رجوع العلوم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام غير حاصر.

فإنّ مراد المصنّفرحمه‌الله : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أساس تلك العلوم ،

__________________

(١) ومن أمثلة مخالفة الطلّاب لشيوخهم : مخالفة الشافعي لمالك في مسائل كثيرة جدّا ، كالمسح ، ووقت صلاة المغرب ، وعدد كلمات الأذان ، فعنده تسعة عشر كلمة وعند مالك سبعة عشر كلمة ، وخالفه بالجهر بالبسملة ، وعند مالك لا تقرأ من أصلها ، وفي الجمع بين الظهر والعصر ، وفي الكلام حال خطبة الجمعة ، والتكبير في العيدين ، وفي مسائل الصيام ، والزكاة ، والحجّ ، وناقضه في مسائل كثيرة في كتاب البيوع إلى الإجارة ؛ فقال الشافعي باشتراط الإيجاب والقبول قولا بين البائع والمشتري ليدلّ على تراضيهما ؛ وقال مالك : لا يشترط ؛ وكذا في باقي أبواب الفقه.

انظر : طبقات الفقهاء ١ / ٤٩ ـ ٩٤.

وخالف أبو يوسف والشيباني شيخهما أبا حنيفة بمسائل كثيرة جدّا ، كما هو واضح لمن تتبّع موارد فتياهم.

وهذا أبو الحسن الأشعري ، إمام الأشاعرة ، الذي أنهى شطرا من حياته يأخذ من المعتزلة وشيخهم الجبّائي ، إلّا أنّه تبرّأ من الاعتزال وردّ على المعتزلة في مصنّفاته ؛ وبالرغم من ذلك نرى أنّ الأشعري يخالف عقيدة أهل الحديث في مسائل كثيرة ، وما ذلك إلّا بسبب الاعتزال وأثره فيه.

٣٣٥

ومنشأ قوّة البحث والاجتهاد فيها ، وإن استفاد العلماء رواية بعض الأحكام أو رواية تفسير بعض الآيات من غيره ؛ وهو غير ما أراده في شقّي الترديد.

ولا يمكن أن ينكر أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام منشأ التحصيل وسبب قوّة البحث والاستنباط والاجتهاد في علم الكلام ، والأصول ، والنحو ، بل والفقه والتفسير ، فإنّ أعظم من ينظر إليه فيهما هو ابن عبّاس ، وهو تلميذ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لا في عرضه(١) .

وأمّا ابن مسعود ؛ فعلمه بالنسبة إلى علم أمير المؤمنين به كقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط ؛ إذ ليس هو بأعظم من ابن عبّاس ، وهو قد كان كذلك(٢) .

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح نهج البلاغة » : « ومن العلوم :

علم تفسير القرآن ، وعنه أخذ ومنه تفرّع ، وإذ رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك ؛ لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عبّاس.

وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنّه تلميذه وخرّيجه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمّك؟

فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط »(٣) .

بل علمه وعلم جميع الصحابة بالنسبة إلى علم أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١) مراد الشيخ المظفّرقدس‌سره أنّ ابن عبّاس في العلم ليس في مصافّ ومنزلة الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام العلميّة ، أي أنّه لا يترتّب معه ترتيبا عرضيا ، بل يترتّب معه ترتيبا طوليا ؛ لأنّ علمه امتداد من علم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) أي : ابن عبّاس.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ١٩.

٣٣٦

كذلك

فأين هم ممّن عنده علم الكتاب(١) ، وباب مدينة علم الرسول(٢) ، ومن يقول : «سلوني قبل أن تفقدوني »(٣) ؟!

وهل يتصوّر منصف أن يكون أصلا في الكلام والتفسير والفقه من لا يعرف أنّ الله سبحانه لا يحويه مكان؟! ويقول : هو في السماء على العرش!! في جواب السائل : أين هو؟(٤)

ومن لا يعرف مفردات الكتاب ـ كالأبّ(٥) ، والكلالة(٦) ـ فضلا عن مركنباته المتشابهة؟!

ويضرب السائل عن تفسير :( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ) (٧) ، فرارا عن

__________________

(١) راجع مبحث آية( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ، في ج ٥ / ١١٥ ـ ١١٩ من هذا الكتاب.

(٢) راجع مبحث حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، في الصفحات ١٧١ ـ ١٨٢ من هذا الجزء.

(٣) سيأتي في الصفحة ٣٥٤ من هذا الجزء.

(٤) هو عمر بن الخطّاب.

انظر مثلا : شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة ـ لللالكائي ـ ٣ ـ ٤ / ٤٣٠ و ٤٣٨ رقم ٦٥٨ ، النقض على بشر المريسي ١ / ٥١٧ ، اجتماع الجيوش الإسلامية : ٨٤ ـ ٨٦.

(٥) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٤٩ ، تفسير الطبري ١٢ / ٤٥١ ح ٣٦٣٦٧ ـ ٣٦٣٧٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٥٩ ح ٣٨٩٧ ، تفسير الثعلبي ١٠ / ١٣٤ ، تفسير الماوردي ٦ / ٢٠٨ ، شعب الإيمان ٢ / ٤٢٤ ح ٢٢٨١ ، تاريخ بغداد ١١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، كنز العمّال ٢ / ٣٢٨ ح ٤١٥٤ و ٤١٥٥.

(٦) انظر : صحيح مسلم ٥ / ٦١ ، مسند أحمد ١ / ٤٨ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩١٠ ـ ٩١١ ح ٢٧٢٦ و ٢٧٢٧ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ح ٣١٨٦ ـ ٣١٨٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٢٢٤ وج ٨ / ١٥٠.

(٧) سورة الذاريات ٥١ : ١.

٣٣٧

جوابه(١) ؟!

ويقرّ بأنّ المخدّرات أفقه منه(٢) ؟!.

وأمّا تكذيبه للمصنّفرحمه‌الله في دعوى قراءة الشافعي على محمّد بن الحسن ، فمن الجهل!

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح النهج » : « ومن العلوم : علم الفقه ، وهوعليه‌السلام أصله وأساسه ، وكلّ فقيه في الإسلام عيال عليه ومستفيد من فقهه.

أمّا أصحاب أبي حنيفة ؛ كأبي يوسف(٣) ، ومحمّد(٤) ، وغيرهما(٥) ، فأخذوا عن أبي حنيفة.

__________________

(١) انظر : مسند البزّار ١ / ٤٢٣ ح ٢٩٩ ، تفسير القرطبي ١٧ / ٢١ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٣٣ ، الدرّ المنثور ٧ / ٦١٤.

(٢) انظر : سنن سعيد بن منصور ١ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٥٩٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٢٣٣ ، تمهيد الأوائل : ٥٠١ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ٢ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٠٨ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٤ وقال : « رواه أبو يعلى ».

(٣) هو : أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي البغدادي ، القاضي ، صاحب أبي حنيفة وتلميذه ، وهو أوّل من نشر مذهبه ، ولد بالكوفة سنة ١١٣ ه‍ ، وتفقّه بالحديث والرواية ، ثمّ لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي ، ولي القضاء ببغداد أيّام المهدي والهادي والرشيد العبّاسيّين ، وهو أوّل من دعي قاضي القضاة ، ومات في أيّام الرشيد العبّاسي وهو على القضاء سنة ١٨٢ ه‍ ؛ ومن مصنّفاته : الخراج ، الآثار ، الردّ على مالك بن أنس.

انظر : تاريخ بغداد ١٤ / ٢٤٢ رقم ٧٥٥٨ ، المنتظم ٥ / ٤٥١ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٤٨ ، الجواهر المضيّة ٣ / ٦١١ رقم ١٨٢٥.

(٤) هو : محمّد بن الحسن الشيباني ؛ انظر ترجمته المتقدّمة آنفا في الصفحة ٣١٧.

(٥) مثل : زفر بن الهذيل ، المتوفّى سنة ١٥٨ ه‍ ؛ والحسن بن زياد اللؤلؤي ، المتوفّى سنة ٢٠٤ ه‍ ؛ انظر مثلا : الجواهر المضيّة ٢ / ٥٦ رقم ٤٤٨ وص ٢٠٧ رقم ٥٩٦.

٣٣٨

وأمّا الشافعي ؛ فقرأ على محمّد بن الحسن(١) ، فيرجع فقهه ـ أيضا ـ إلى أبي حنيفة.

وأمّا أحمد بن حنبل ؛ فقرأ على الشافعي ، فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة ؛ وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمّد ، وقرأ جعفر على أبيه ، وينتهي الأمر إلى عليّعليه‌السلام .

وأمّا مالك بن أنس ؛ فقرأ على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عبّاس ، وقرأ عبد الله بن عبّاس على عليّ(٢) .

وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك ، كان لك ذلك »(٣) (٤) .

* * *

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٥٦ رقم ٤٥٤ ، تاريخ دمشق ٥١ / ٢٦٧ رقم ٦٠٧١ ، تهذيب الكمال ١٦ / ٤٠ رقم ٥٦٣٦ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٧ رقم ١ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٦٢ رقم ٣٥٤ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢١١ حوادث سنة ٢٠٤ ه‍.

(٢) بل أخذ مالك عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام مباشرة ، حاله كحال أبي حنيفة.

انظر : التاريخ الكبير ٢ / ١٩٨ رقم ٢١٨٣ ، الجرح والتعديل ٢ / ٤٨٧ رقم ١٩٨٧ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٦ / ١٣١ ، حلية الأولياء ٣ / ١٩٩ رقم ٢٣٦ ، تهذيب الكمال ٣ / ٤١٩ رقم ٩٣٣ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٤٤ رقم ١٥٢١ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٦٨ رقم ٩٩٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

(٤) وانظر : نفحات الأزهار ١ / ١٠٣ ـ ١٠٥ رقم ٨ ، في بيان انتشار العلوم في البلاد الإسلامية بواسطة الإمام عليّعليه‌السلام .

٣٣٩

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ(١) :

وعلم الفصاحة إليه منسوب ، حتّى قيل في كلامه : « إنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق »(٢) ، ومن كلامه تعلّم الفصحاء.

قال ابن نباتة(٣) : « حفظت من كلامه ألف خطبة ، ففاضت ثمّ فاضت »(٤) .

وأمّا المتكلّمون ، فأربعة ؛ معتزلة ، وأشاعرة ، وشيعة ، وخوارج وانتساب الشيعة معلوم

والخوارج كذلك ؛ فإنّ فضلاءهم رجعوا إليه(٥) .

وأمّا المعتزلة ؛ فإنّهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء(٦) ، وهو تلميذ أبي

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٤.

(٣) هو : أبو يحيى عبد الرحيم بن محمّد بن إسماعيل بن نباتة الحذاقي الفارقي ، صاحب الخطب المنبرية ، قالوا : كان ديّنا ورعا ، فصيحا بليغا مقدّما في علوم الأدب ، وأجمعوا على أنّ خطبه لم يعمل مثلها في موضوعها ، وكان يحفظ « نهج البلاغة » وعامّة خطبه بألفاظها ومعانيها ، ولي خطابة حلب لسيف الدولة الحمداني ، وسمع على المتنبّي بعض ديوانه ، ولد في ميّافارقين سنة ٣٣٥ ه‍ وتوفّي بها سنة ٣٧٤ ه

انظر : وفيات الأعيان ٣ / ١٥٦ رقم ٣٧٣ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٥٠ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٨ ، شذرات الذهب ٣ / ٨٣.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٤.

(٥) مطالب السؤول : ١١١ ـ ١١٢.

(٦) هو : أبو حذيفة واصل بن عطاء المخزومي ، مولاهم البصري ، ولد بالمدينة سنة

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582