دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136054 / تحميل: 5467
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

تتمة : [١٥]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام  : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (١) (٢) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (٣) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(١) البقرة ، مدنية ، ٢ : ٧.

(٢) أنظر الكشاف للزمخشري ١ : ٥٣.

(٣) مريم ، مكية ، ١٩ : ٤٥.

١٠١

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (١) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام  : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (٢) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [١٦ / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام  « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(٣) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(٤) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(٥) .

________________________

(١) طه ، مكية ، ١٢٠ : ٢٠.

(٢) التغابن ، مدنية ، ٦٤ : ١.

(٣) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير ١٧ : ٣٥.

(٤) تجريد الاعتقاد : ١٦٧.

(٥) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار ١ : ٢٤٥ ، كشّاف اصطلاحات

١٠٢

وهذا القول وإن كان مستبعداً بحسب الظاهر إلّا أنَّ إبطاله لا يخلو من إشكال ، كما أنَّ إثباته كذلك.

و قد استدلوا عليه : بأنَّه متحرك منتقل ، فإنه ينحدر من الشمس إلى الأرض ، وينتقل من مكان إلى آخر ، والأعراض ليست كذلك.

وأجاب القائلون بعَرضيّته : بأنه ليس ثمة حركة وانتقال ، وإنَّما هو حدوث ؛ فإن مقابلة الجسم الكثيف للمضيء معدّ لحدوث الضوء فيه ، والحركة والانتقال محض توهّم.

وسببه : أنَّ حدوث الضوء في الجسم السافل لما كان بسبب مقابلته للجسم العالي تُخيِّل أنَّه انحدر من العالي إلى السافل.

وحدوثه في القابل لما كان تابعاً لوضعه ومحاذاته للمضيء ـ بحيث إذا زالت تلك المحاذاة إلى قابل آخر زال الضوء عن الأول وحدث في ذلك الآخر ـ ظُنّ أنّه انتقل من الأول إلى الثاني.

واستدلوا على بطلان القول بجسميته : بأنّه محسوس بحس البصر ، فلو كان جسماً [١٦١ / ب] لكان ساتراً لما يحيط به ، وكان الأشد ضوءاً أشد استتاراً.

واعترض عليه : بأنَّ الحائل بين الرائي والمرئي إنَّما يستر المرئي إذا كان كثيفاً لعدم نفوذ شعاع البصر فيه أما إذا كان شفافاً فلا ؛ فإن صفحة البلّور تزيد ما خلفها ظهوراً وانكشافاً ، ولذلك يستعين بها الطاعنون في السن على قراءة الخطوط الدقيقة.

واُجيب عنه : بانه لو كان جسماً لم تكن كثرته موجبة لشدة الإحساس بما تحته ، لأنّ الحس يشتغل به ، فكلَّما كان أكثركان الاشتغال به أكثرفيقل الاحساس بما وراءه ، ألا ترى أنَّ تلك الصفحة إذا غلظت جدا أوجبت لما تحتها ستراً ، وأنَّ الاستعانة بالرقيقة منها إنَّما هي للعيون الضعيفة لاحتياجها إلى جمع

__________________

الفنون ١ : ٨٧٠ وغيرها.

١٠٣

الروح الباصرة ـ على ما بُينّ في موضعه ـ دون القوية ، بل هي حجاب لها عن رؤية ما وراءها. هكذا أورده شارح المواقف(١) ، والشارح الجديد للتجريد(٢) .

و أقول : في هذا الجواب نظر ، فإنَّ لهم أن يقولوا أنَّ الملازمة ممنوعة ، فإن بعض الأجسام الشفافة يوجب كثرتها وغلظها زيادة ظهور ما خلفها لحس البصر ، ولهذا ترى الشمس والقمر وسائر الكواكب حال كونها قريبة من الأفق ، أعظم منها حال كونها على سمت الرأس ، مع أنّها وهي على الاُفق ، أبعد عنّا منها وهي على سمت الراس بأزيد من نصف قطر الأرض ، كما لا يخفى على من له أدنى تخيل ؛ وما ذلك إلّا لأن سمك البخار وغلظه بين البصر والكوكب حال قربه من الأفق أكثر مما بينهما حال كونه على سمت الرأس كما بُيّن باستبانة الثاني من ثالثة [١٧١ / أ] كتاب الأصول.

وكذلك حال الصفحة من البلور ، فإنّها إذا رقّت جداً لم تؤثر في الإعانة على قراءة الخطوط الرقيقة ، بل لا بدّ لها من غلظ يعتدّ به ، ومن ثم نرى الطاعنين في السن ربما يستعينون بمضاعفتها على قراءة تلك الخطوط ، على أنّه لا يلزم من كون ازدياد ثخن البلور مؤدياً إلى ستر ما وراءه أن يكون ازدياد ثخن كلّ شفاف مؤدياً إلى ذلك.

ألا ترى أنّ ثخن مجموع كرتي الهواء والنار والأفلاك التي تحت فلك الثوابت تزيد على خمسة وعشرين ألف ألف فرسخ كما بينوه ، ومع ذلك لا تحجب أبصارنا عن رؤية ما وراءها ، ولم لا يجوز أن لا تصل مراتب ثخن الضوء ـ على تقدير جسميته ـ إلى حدّ يصير به عائقاً عن الاحساس بما خلفه ؛ وأن يكون الضوء بالنسبة إلى كلّ العيون بمنزلة الصفحة الغير الغليظة جدا من البلور بالنسبة إلى عيون الطاعنين في السن.

________________________

(١) شرح المواقف ٢ : ١٤٩ ، وما بعدها ، القسم الثاني من المبصرات.

(٢) شرح التجريد : ٢٤١ ، عند قول الخواجه نصير : « ولو كان الثاني جسماً لحصل ضد المحسوس ».

وأنظر كشف المراد : ٢٣٢.

١٠٤

فكما أنَّ هذه لا تبصر الأشياء الصغيرة والخطوط الدقيقة إلّا بتوسط تلك الصفحة ، فكذلك تلك لا تبصر شيئاً من الأشياء إلّا بتوسط الضوء ، وكما أنَّ هذه لا تشغل البصر عن الإحساس بما وراءها فكذلك تلك والله أعلم بحقائق الاُمور.

تبصرة :

لعلّهعليه‌السلام  أراد بالظلم في قوله : « نوّر بك الظُلَم » الأهوية المظلمة ، لا الظلمات أنفسها ، فإنّها لا تتصف بالنور.

و تجويز كونهعليه‌السلام  أراد ذلك مبني على أن الهواء يتكيّف بالضوء ، وهو مختَلَف فيه ، فالذين جعلوا اللون شرطاً في التكيف بالضوء منعوا منه.

و أورد عليهم : أنّا نرى عند الصبح ما يقارب الاُفق مضيئاً ، وما هو إلّا الهواء المتكيف بالضوء.

و أجابوا : بأن ذلك للأجزاء البخارية المختلطة به ، والكلام في الهواء الصّرف الخالي من الشوائب البخارية والدّخانية القابلة للضوء بسبب كونها متلونة في الجملة.

و رده الفخر الرازي : بأنّه يلزم من ذلك أن الهواء كلما كان أصفى كان الضوء الحاصل فيه قبل الطلوع وبعد الغروب أضعف ، وكلّما كان البخار والغبار فيه أكثر كان الضوء أقوى ؛ لكن الأمر بالعكس [١٧١ / ب](١) ، هذا كلامه ، وللتأمل فيه مجال واسع.

واستدل في الملخص على استضاءة الهواء بأنّه لو لم يتكيف بالضوء لوجب أن نرى بالنهار الكواكب التي في خلاف جهة الشمس ؛ لأن الكواكب باقية على ضوئها ، والحس لم ينفعل على ذلك التقدير من ضوء أقوى من ضوئها يمنع

________________________

(١) حكاه عنه شارح المواقف ٢ : ١٥٤.

١٠٥

الإحساس بها(١) .

والحق أن تكيّف الهواء بالضوء في الجملة مما لا ينبغي أن يرتاب فيه فارادتهعليه‌السلام  بالظُلم الأهوية المظلمة لا مانع منه.

ويجوز أن يريدعليه‌السلام  بالظُلَم الأجسام المظلمة سوى الهواء ، وهذا أحسن ؛ لاستغنائه عن تجشم الاستدلال على قبول الهواء للضوء ، وسلامته عن ثبوت الخلاف ، والله أعلم.

إكمال :

يمكن أن يكون مرادهعليه‌السلام  بتنوير الظلم إعدامها ، بإحداث الضوء في محالّها ، وهذا يبتني على القول بأن الظُلمه كيفية وجودية ، كما ذهب إليه جماعة ، وهذا الرأي وان كان الأكثر على بطلانه إلا أنّ دلائلهم على بطلانه ليست بتلك القوة ، فهو باق على أصل الإمكان إلى أن يذود عنه قاطع البرهان ، فلو جوّز مجوّز احتمال كونه أحد محامل كلامهعليه‌السلام  لم يكن في ذلك حرج.

و أجود تلك الدلائل ما ذكروا من : أنّ الظلمة لو كانت كيفية وجودية لكانت مانعة للجالس في الغار المظلم من رؤية من هو في هواء مضيء خارج الغار ، كما هي مانعة له من إبصار من هو في الغار ، وذلك للقطع بعدم الفرق في الحائل المانع من الإبصار بين أن يكون محيطا بالرائي أو بالمرئي أو متوسطاً بينهما.

و ربما منع ذلك بأنها ليست بمانعة ، بل إحاطة الضوء بالمرئي شرط للرؤية ، وهو منتف في الغار ر [١٨ / أ] ، أو يقال : العائق عن الرؤية هو الظلمة(٢) المحيطة بالمرئي لا الظلمة المحيطة بالرائي ، أو الظلمة مطلقاً.

وليس ذلك بأبعد مما يقال : شرط الرؤية هو الضوء المحيط بالمرئي ، لا

________________________

(١) الملخص : مخطوط.

(٢) في المصدر الآتي : « هو الضوء المحيط ». ولعل الصحيح المثبت بمقارنة ما بعده. وانظر شرح المراقف ٢ : ١٤٩.

١٠٦

الضوء المحيط بالرائي ، ولا الضوء مطلقاً.

وقولهم : لا فرق في الحائل بين أن يكون محيطاً بالرائي أو المرئي مسلّم فيما إذا كانت ذات الشيء مانعة من الإبصار ، لا فيما تكون مانعة بشرطه ، هكذا أورده الشارح الجديد للتجريد(١) ، وهو كلام جيّد لا غبار عليه.

وقال الفخر الرازي في المباحث المشرقية : الظلمة أمر عدّمي ، لأنا إذا غمضنا العين كان حالنا كما إذا فتحناها في الظلمة ، فكما أنّا عند التغميض لا ندرك شيئاً ، فكذلك إذا فتحناها في الظلمة وجب أن لا ندرك كيفية في الجسم المظلم ، ولأنّا لو قدّرنا خلو الجسم عن النور من غير انضياف صفة اُخرى إليه لم يكن حاله إلّا هذه الظلمة ، ومتى كان كذلك لم تكن الظلمة أمراً وجودياً(٢) . إنتهى كلامه.

و أورد عليه : أنّه كلام ظاهري إقناعي ، يتطرق إليه الخدش والمنع من جوانبه ، ومثله في المقام البرهاني مما لا يصغى إليه.

توضيح حال :

أ رادعليه‌السلام  « بالزيادة والنقصان » زيادة نور القمر ونقصانه بحسب ما يظهر للحس ، لأن الزيادة والنقصان حاصلان له في الواقع وبحسب نفس الأمر ، لأن الأزيد من نصفه منير دائماً ، كما بيّن في محله ، وأمّا زيادته في الاجتماع ونقصانه في الاستقبال كما هو شأن الكرة الصغيرة المتنيرة من الكبيرة حالتي القرب والبعد فليس الكلام فيهما ، إنّما الكلام في الزيادة والنقصان المسببين عن البعد والقرب ، المدركين بالحس.

وربّما يتراءى لبعض الأفهام من ظاهر قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » أنّ زيادة نور القمر ونقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة ، وحاصلان في نفس الأمر ، كما هو معتقد كثير من الناس ، وهذا وإن كان ممكناً

________________________

(١) شرح التجريد لعلاء الدين القوشجي : ٢٤٢ ، عند شرح قول المحقق الطوسي : والظلمة عدم ملكة.

(٢) المباحث المشرقية ١ : ٣٠٤ ، ألفصل الثامن من الباب الثالث في الكيفيات المبصرة.

١٠٧

نظراً إلى قدرة الله تعالى ـ على أن يحدث في جرمه أول الشهر شيئاً يسيراً من النور ، ويزيده على التدريج إلى أن يصير بدراً ، ثم يسلبه عنه شيئاً فشيئاً إلى المحاق ـ إلّا أن حمل كلامهعليه‌السلام  على ما هو متفق عليه بين أساطين علماء الهيئة حتى عدّ من الحدسيات أليق وأولى ، وهم مع قطع النظر عما أوجب تحدّسهم بذلك إنّما اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، كشيث [١٨ / ب ] على نبينا وعليه السلام ، المشتهر في زمانهم بفيثاغورس ، وقيل : إنّه أغاتا ريمون(١) ؛ وكإدريس على نبيّنا وعليه السلام ، المدعو على لسانهم بهرمس.

و قد نقل جماعة من المفسرين منهم الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي طاب مثواه ـ عند تفسير قوله تعالى :( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) (٢) ـ أنّ علم الهيئة كان معجزة لهعليه‌السلام  (٣) .

و نقل السيد الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي الدين علي بن طاوس ـ قدس الله روحه ـ في كتاب فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم قولاً بأن أبرخس وبطليموس كانا من الأنبياء ، وأنّ أكثر الحكماء كانوا كذلك ، وإنما التبس على الناس أمرهم لأجل أسمائهم اليونانية(٤) (٥) . هذا ما نقله طاب ثراه ، ولا استبعاد فيه(٦) .

________________________

(١) اختلف في ضبطه ، فورد تارة « اغاثاريمون » وأخرى « اغاثاذيمون » وغيرها.

(٢) مريم : مكية ، ١٩ : ٥٦.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٥١٩ ، وأنظر أيضاً التفسير الكبير ٢١ : ٢٣٣ / الجامع لأحكام القرآن ١١ : ١١٧ / عرائس المجالس : ٤٩ / فرج المهموم : ٢١ ، ٥٠ ، ٧٨ ومواضع اخر.

(٤) فرج المهموم : ١٥١ حكاه عن كتاب ريحان المجالس وتحفة الموانس تاليف احمد بن الحسين بن علي الرحمي.

(٥) أي لما كانت اسماؤهم موافقة لأسماء بعض حكماء اليونان ، ألّذين ينسب إليهم فساد الإعتقاد ، أشتبه على الناس حالهم ، وظنوا أن أصحاب تلك الأسامي باجمعهم على نهج واحد من الاعتقاد ، منه ـ قدس سره ، هامش الأصل.

(٦) والذي يؤيد ما ذهبا إليه قدس الله ارواحهم رأي جمع من ألمؤرخين منهم المقدسي حيث يقول في كتابه : « ونبأه الله بعد وفاة آدم وأنزل عليه النجوم والطب واسمه عند اليونانيين هرمس »

١٠٨

وكلّ من له أدن خوض في هذا العلم الشريف لا يرتاب في أنّ اصول مطالبه متلّقاة من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ويحكم حكماً قطعياً لا يشوبه شوب شبهة بأنّ القوة البشرية لم تستقل بادراك خبايا حقائقه ولم تستبدّ باستنباط خفايا دقائقه ، وأنّ ما وصل إليه أصحاب هذا الفن بأرصادهم الجسمانية مقتبس من مشكاة أصحاب الأرصاد الروحانية سلام الله عليهم أجمعين.

إشارة فيها إنارة :

لمّا كان نور القمر مستفاداً من الشمس ، وكانت أعظم منه كما بُيّن في محله(١) ، كان الأكثرمن نصفه متسنيراً بضوئها دائماً والأقل من نصفه مظلماً دائماً ؛ لما ثبت في الشكل الثاني من مقالة أرسطرخس(٢) فى جرمي النيرين ، من

________________________

وكذلك في مورد آخر : « وأما الحرانية فانهم يقولون : لن تحصى اسماء الرسل الذين دعوا إلى ألله ، وان مشهورهم أراني ، أغتاذيمون ، ـ أو أغاثاذيمون ـ وهرمس ، وسولن جدّ أفلاطون لأمه ، ومن القدماء من يقول ، بنبوة أفلاطون ، وسقراط وأرسطاطاليس ». وحكى ابن أبي أصيبعة في عيون أنبائه عن ، كتاب مختار الحكم ما لفظه « وأما هرمس هذا فهو الأول ولفظه أرمس وهو أسم عطارد ، ويسمى عند أليونانيين أطرسمين ، وعند ألعرب إدريس ، وعند العبرانيين أخنوخ مولده بمصر » ونسب إلى أبي معشر البلخي في كتابه الالوف قوله : « وتسميه الفُرس اللهجد ، وتفسيره ذو ألعدل ، وهو الذي تذكر الحرانية نبوته وهو أول من تكلم في ألأشياء العلوية من الحركات النجومية ، وأن جده كيومرت ـ وهو آدم ـ علّمه ساعات الليل والنهار » ولم يقتصر ذلك على المؤرخين بل ذكره المفسرون أيضاً.

انظرللجميع : مروج الذهب ١ : ٥٠ و ٢ : ١٥٢ / طبقات الحكماء : ٥ ـ ١٠ / عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ١ ٣ ـ ٣٢ / البدء والتاريخ ٣ : ١٢ و ٣ : ٨ / تاريخ الحكماء : ١ و ٣٤٦ / تاريخ مختصر الدول ٧ ، ٨ / تاريخ علم الفلك : متفرقة / مجمع ألبيان ٣ : ٥١٩ / التفسير الكبير ٢١ : ٢٣٣ تفسير القرطبي ١١ / ١١٧ / العرائس : ٤٩ / الملل وألنحل ٢ : ٤٧ / فرج ألهموم : ٢٢ / مفاتيح العلوم : ١١٣ / البداية والنهاية ١ : ٩٩ / الكامل في التاريخ ١ : ٣٤ ـ ٣٥ / شرح حكمة الاشراق : ٢١.

(١) قد ثبت في الأجرام : أن ألشمس ستة آلاف وستمائة وأحد وأربعون مثلاً للقمر ، منه. قدّس سره ، هامش المخطوط.

(٢) ارسطرخس ، أو ارسطوخس ، يوناني اسكندراني ، خبير بعلم النجوم ـ الفلك ـ قيّم به ، من أوحدي الناس في زمانه ، له : حد الشمس والقمر. تلمذ عليه الملك بطليموس ، عاش في

١٠٩

 أ نّه إذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة أعظم منها كان المضيء من الصغرى(١) أعظم من نصفها(٢) ، والفصل المشترك بين المنير والمظلم منه دائرة قريبة من

________________________

القرن الثالث قبل الميلاد ، وجاء في آخر كتابه : أنّ ارسطرخس أصله أرشطو ، ومعناه الصالح ، وارخش ومعناه الرأس ، فركبوا واسقطوا الواو والألف تخفيفاً.

له ترجمة في تاريخ الحكماء : ٧٠ / الفهرست للنديم : ٣٣٠ / لغة نامه دهخدا « حرف الألف » : ١٨٢٣.

(١) وعلى هذا المطلب دليل لطيف سوى هذا أوردته في حواشي تشريح الأفلاك « منه » قدس ، هامش المخطوط.

(٢) لصعوبة الحصول على المصدر إليك نص الشكل الثاني : ( ب ) اذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة عظمى منها ، كان الجزء المضيء منها أعظم من نصفها ، فيقبل الضوء كرة مركزها( أ ) عن كرة أعظم مركزها( ب ). ، وليحط بهما مخروط رأسه ـ ح ـ ومحوره ( ح ب ) ، وليمر به سطح كيف أتفق ، ولتحدث عنه في الكرتين عظيمتا ( ج د ) و ( هـ ز ) وفي المخروط خط ( ح ج ، ح د ) ونصل ( ج د ، هـ ز ) فالقطعة من الكرة ألتي عليها( هـ ط ز ) وقاعدتها الدائرة التي قطرها( هـ ز ) هي التي تقبل الضوء لكونها محاذية لكرة ( د ج ـ ) لأن خير ( ج هـ ، د ز ) من خطوط الشعاعات الواصلة بينها ومركز الدائرة في قطعة ( هـ ط ز ) فهي أعظم من نصف الكرة وذلك ما أردناه.

إليك المخطط.

١١٠

العظيمة تسمى دائرة النور ، وتفصل أيضاً بين المرئي وغير المرئي منه دائرة اُخرى تسمى دائرة الرؤية ، وهي أيضا قريبة من العظيمة وليست عظيمة(١) ؛ لما ثبت في الشكل الرابع والعشرين من مناظر إقليدس(٢) أنّ ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها(٣) ، ويحيط به دائرة وهاتان الدائرتان يمكن أن تتطابقا

________________________

انظر : كتاب جرمي انيرين وبعديها : ٤ ، ضمن رسائل الخواجة نصير الدين الطوسي.

(١) إعلم أن المحقق النيشابوري أستدل في شرح التذكرة على أن دائرة الرؤية غير عظيمة بأن اقليدس بيّن في الثامن والعشرين من كتاتبه في المناظر[١١] : أنّ ما بين العينين إذا كان اصغر من قطر الكرة رؤي أصغر من نصف. ونحن انما عدلنا عن هذا الاستلال لأنّ المحقق الطوسيقدس‌سره بيّن في تحرير مناظر اقليدس خلاف هذا الشكل ، وفي أخويه ، وهما إذا كان ما بين العين أعظم من قطر الكرة ، رؤي منها أعظم من نصفها ، وإلّا فإنّ المراد بالعين في هذا ألشكل واخويه هما عينا شخصين لا شخص واحد ، لا عينيه بمنزلة عين واحدة عند أصحاب المناظر ، كما صرح به المحقق البيرجندي في شرح التذكرة ، ويظهر من كلام القوم ، منه قدس سره ، هامش ألمخطوط.

(٢) اقليدس الأول ـ ومعناه المفتاح ـ أو اوقليدس بن نوقراطس الدمشقي بن برنيقس ، حكيم فيلسوف رياضي ، يوناني الجنس ، شامي الديار ، نجار الصنعة ، ولد في صور أو الاسكندرية ، أب الرياضيات الفعلية ، له مؤلفات في الهندسة والرياضيات غاية في النفع ، لا زالت هي الأساس في هذا العلم حتى بعد مرور ٢٣ قرناً عليها ، نقلت مؤلفاته إلى العربية بواسطة ألعالم العربي حنين بن إسحاق ، ونقحها ثابت بن قره حدود سنة ٢١١ هـ.

له حكم جليلة منها : قال له رجل : أني لا آلو جهداً في أن أفقدك حياتك ، فقال له : إنّي لا آلو جهداً في أن أفقدك غضبك.

قال له الملك بطليموس ـ وكان يحضر درسه في الرياضيات ـ يوماً ، بعد أن أعياه فهم الدرس : أما هناك طريقة أسهل لفهم الرياضيات؟ فقال له : ليس في ألرياضيات طريق ملكية!!.

وقال : العمل على الإنصاف ترك ألإقامة على المكروه. له مؤلفات منها : اصول اقليدس أو اقليدس تسمية للكتاب باسم المؤلف ، المناظر ، التحرير ، ألمرايا. وخير شروحها شرح الفيلسوف الأعظم الخواجة نصير الدين الطوسي.

له ترجمة في تاريخ اليعقوبي ١ : ١٢٠ / دائرة معارف القرن العشرين ١ : ٤٣٣ / دائرة معارف البستاني ٤ : ٩١ / تاريخ الحكماء : ٦٢ / فهرست النديم : ٣٢٥ / مختصر الدول : ٣٨ / طبقات الحكماء : ٣٩ رقم ١٤ / لغة نامة دهخدا : ٣١٦٩ من حرف الألف.

(٣) لما تقدم في الهامش الأسبق اليك نص المصدر :

ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها ، وتحيط بها دائرة ، فلتكن الكرة مركزها « أ » ، والبصر « ب » ، ونصل « ب أ » ، ونخرج سطحاً طر ـ به ، ونقطع ألدائرة العظمى في الكرة التي عليها

١١١

[١٩ / ] ، وقد تتفارقان إما متوازيتين أو متقاطعتين ، أو لا ذا ولا ذاك. كما أوضحناه في تعليقاتنا على فارسية الهيئة(١) ولنأخذهما هنا عظيمتين كما فعل بعض

________________________

« ج ح ط د » ، ونرسم على قطر « ب أ » دائرة « أ ب ج » ، ونصل « ب ج » ، « ب د » ، « أج » ، « أ د ». فلأن « أج ب » نصف دائرة تكون زاوية « أج ب » قائمة ، وكذلك زاوية « أ د ب » ، « د ب ج ب د » تماسان دأئرة « ج ح ط » ونصل « ج د » ونخرج من « أ » ، خط « ح أ ط » موازياً له ، فزاوية « ك » قائمة.

واذا أدرنا مثلث « ب ك ج » على محور « ب ك » ألثابت إلى أن يعود إلى موضعه رسمت نقطة « ج » دائرة على ألكرة ، وبكون « ب ج » في جميع المواضع مماسا للكرة ، فترى الكرة بمنزلة تلك الدائرة ، ويكون المرئي منها أقل من نصفها لأن نصف الكرة ما يحويه « ح ج » ، « د ط » و « ج د » المرئي من شعاعي « ب ج » ، « ك د » أقل منه وذلك ما أردناه. وإليك التخطيط :

أنظر كتاب المناظر : ١٠ ، منظر ( كد ) ضمن رسائل الخواجه نصير الدين الطوسي.

(١) إنّ التطابق قد يحصل في ألإجتماع المرئي ، ويقع في كسوف تام. والتواري يكون في الاستقبال إن اتصل سمتهما ، والمخروطي على الاستقامة. والتقاطع كما في التربيع. والتقارن بلا توار ولا تقاطع قد يتحقق في المحاق ، وفي الاستقبال أيضاً ، إذا لم يحصل الشرط المذكور ، منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٢

الأعلام ، اذ لا تفاوت في الحس بين كلّ منهما وبين العظيمة ، ونجعل ما يقارب التطابق تطابقاً ، ونقول :

ا ذا اجتمع الشمس والقمر(١) صار وجهه المضيء إليها ، والمظلم إلينا ، وتتطابق الدائرتان وهو المحاق ، فإذا بُعد عنها يسيراً تقاطعت الدائرتان على حوادّ ومنفرجات ، ويرى من وجهه المضيء ما وقع منه بين الدائرتين في جهة الحادتين اللتين إلى صوب الشمس وهو الهلال.

ولا تزإل هذه القطعة تتزايد بتزايد البعد عن الشمس والحوادّ تتعاظم ، وإلمنفرجات تتصاغر حتى يصير التقاطع بين الدائرتين على قوائم ، ويحصل التربيع ، فيرى من الوجه المضيء نصفه ، ولا يزال يتزايد المرئي من المضيء ويتعاظم انفراج الزاويتين الأوليين إلى وقت الاستقبال ، فتطابق الدائرتان مرة ثانية ويصير الوجه المضيء إلينا وإلى الشمس معاً ، وهو البدر.

ثم يقع التقارب فيعود تقاطع الدائرتين على المختلفات أولاً ، ثم على قوائم ثانياً ، وحصل التربيع الثاني(٢) ، ثم يؤول الحال إلى التطابق فيعود المحاق ، وهكذا إلى ما يشاء الله سبحانه.

________________________

(١) المراد باجتماعهما كون موضعهما نقطة من مركز التربيع والاجتماع ، إما مستتر إن مرّ بهما خط خارج من مركز العالم. أو مرئي إن مر بهما خط خارج من موضع الناظر ، ويقال له الإجتماع الكسوفي ، منه قدس سره. هامش المخطوط.

(٢) إنّما قلنا في التربيع الأول « يحصل » بصيغة المضارع وفي التربيع الثاني « حصل » بصيغة الماضي لملاحظة نكتة وهي : أن تقاطع تينك الدائرتين على قوائم إنّما يكون قبل ألتربيع الأول ، وبعد التربيع ألثاني بزمان قليل ، لا في آن التربيع ، والّا لزم وقوع قائمتين في المثلث الحاصل من الخطوط ، الواصل أحدها من مركزي الشمس ودائرة النور ، وألاخرى بين المركزين والبصر الذي هو بمنزلة مركز الأرض ، إحدى القائمتين عند مركز الأرض لأن وترها ربع الدور ، والاخرى عند مركز الشمس ومركزها عموداً على سطحها ، وكون ألواصل بين البصر ومركز هذه الدائرة في سطحها ، فيحيط هذان الخطان لا محالة بزاوية قائمة ، ولا يجوز أن يكون تقاطع تينك الدائرتين على زوايا قوائم بعد التربيع الأول ، وقبل الثاني ، وإلا لزم في المثلث عند البصر لكون وترها أكثر عند مركز الدائرة ، منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٣

 تبيان:

لا يخفي أن حكمهم بأن نور القمر مستفاداً من الشمس ليس مستنداً إلى مجرد ما يشاهد من اختلاف المتشكلات النورية بقربه وبعده عن الشمس ، فإنّ هذا وحده لا يوجب ذلك الحكم قطعاً ، بل لا بد مع ذلك من ضمّ أُمور اُخر ، كحصول الخسوف عند توسط الأرض بينه وبين الشمس ، إلى غيرذلك من الأمارات التي يوجب اجتماعها ذلك الحكم ، لجواز أن يكون نصفه مضيئاً من ذاته ونصفه مظلما ، ويدور على نفسه بحركة مساوية لحركة فلكه.

فإذا تحرك بعد المحاق يسيراً رأيناه هلالاً ، ويزداد فنراه بدراً ، ثم يميل نصفه المظلم شيئاً فشيئاً إلى أن يؤول إلى المحاق.

أ قول : وهذا هو مقصود ابن الهيثم(١) بلا شك ومرية ، لا ما ظنّه صاحب حكمة العين(٢) حيث قال : زعم ابن الهيثم : أن القمر كرة يصفها مضيء

________________________

(١) أبو علي ، الحسن بن ألحسن بن الهيثم ، وقيل : محمد بن الحسين ، علم من أعلام الرياضيات ، والطبيعيات ، وألطب ، والفلسفة ، فاضل النفس ، قوي ألذكاء ، لم يماثله أحد من أهل زمانه في الرياضيات ، لخص كثيراً من كتب ارسطو طاليس ، وشرحها ، وهكذا جالينوس ، كان حسن الخط جيده ، أصله من البصرة ، أقام في مصر اخريات عمره ، له المناظر الجامع في أصول الحساب ، الطب ، تحليل المسائل ألهندسية ، مقالة في الضوء ، اختلاف منظر القمر ، وغيرها كثير مات سنة ٤٣٠ هـ ١٠٣٨ م.

له ترجمة في : طبقات ألأطباء : ٥٥٠ / دائرة المعارف الاسلامية ١ : ٢٩٨ / تاريخ ألحكماء : ١٦٥ / تاريخ مختصر ألدول : ١٨٢ / كشف الظنون ١ : ١٣٨ / الأعلام ٦ : ٨٤ ، ٢ : ١٨٧ / معجم المؤلفين ٣ : ٢١٥.

(٢) هو : علي بن عمر بن علي ، المعروف بدبيران المنطقي ، أو الكاتبي القزويني ، الشافعي ، من أساتذة فنون الحكمة وألكلام ، والطب والنجوم ، و. و. و. ، دعاه الخواجه نصير الدين الطوسي للمشاركة في رصد مراغة سنة ٦٥٠ فأجاب ، وبدأ أعماله وتحقيقاته هناك مع زملائه ألأفاضل. تتلمذ على جمع منهم النصير الطوسي ، ومحمد بن أشرف الحكيم الحسيني ، والأثير ألاساغوجي ، وكان له تلامذة يشار إليهم بالبنان ، منهم : العماد القزويني ، والكازروني ، وألعلامة الحلي. له مؤلفات منها : رسالة إثبات الواجب ، الشمسية في المنطق ، عين القواعد ،

١١٤

 ونصفها مظلم ، وتتحرك على نفسها ، فاذا مال النصف المضيء إلينا نراه هلالاً ، وتتحرك بحيث يصيرنصفها المضيء كله إلينا عند المقابلة وعلى هذا دائماً.

ثم قال : وهوضعيف ، وإلّا لما انخسف [٢٠ / ] في شيء من الاستقبالات أصلاً(١) ، انتهى كلامه.

وقد وافقه صاحب المواقف في هذا الظن قائلاً : إنَّ الخسوف يبطل كلام ابن الهيثم(٢) .

و هذا منهما عجيب ، وابن الهيثم أرفع شانا في هذا العلم من أن يظن صدور مثل هذا عنه ، وكلامه ينادي بأنّ قصده ما ذكرناه ، حيث قال : إنّ التشكلات النورية للقمر لا يوجب الجزم بأن نوره مستفاد من الشمس ، لاحتمال أن يكون القمركرة نصفها مضيء ونصفها مظلم ، ويتحرك على نفسه ، فيرى هلالاً ، ثم بدراً ، ثم ينمحق ، وهكذا دائماً(٣) انتهى كلامه ، وهو كلام لا غبار عليه أصلاً.

والعجب أنّ هذا الكلام نقله شارح حكمة العين(٤) عنه ، ولم يتفطن لما هو مقصوده منه ، فإياك وقلة التأمل.

________________________

بحر الفوائد ، جامع الدقائق ، المفصل في شرح المحصل ، وحكمة العين أو عين القواعد وغيرها كثير.

مات سنة ٦٧٨ وقيل ٦٧٥ هـ = ١٢٧٩ ـ ١٢٧٦ م.

له ترجمة في فوات الوفيات ٣ : ٥٦ رقم ٣٤٦ / الاعلام ٤ : ٣١٥ / تاريخ مختصر الدول : ٢٨٧ / تاريخ الفلك : ٣٦ / معجم المؤلفين ٧ : ١٥٩ / مقدمة حكمة العين فارسية / كشف الظنون ١ : ٦٨٥ / هدية العارفين ١ : ٧١٣ ناسباً له إلى التشيع / هدية الأحباب : ٢٤٢.

(١) حكمة العين ، ذيل المبحث الخامس من المقالة الثالثة من القسم الثاني في العلم الطبيعي. وانظر شرح حكمة العين للبخاري : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٢) المواقف : ٢١٤ ، وانظر شرح الشريف الجرجاني ٢ / ٤٣٧ ، المقصد الثالث في كسوف الشمس ، من القسم الثاني في الكواكب ، من الموقف الرابع في الجواهر.

(٣) أنظر الهامش رقم (١).

(٤) انظر الهامش رقم (٢).

١١٥

إرشاد :

لعلك تقول ـ عند ملاحظة قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » ـ : أنَّ حصول الإمتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر ، فما معنى حصول الامتهان له بزيادة النور؟ فاقول فيه وجهان :

ا لأول : أنّه لمّا كان أحد وجهيه مستنيراً بالشمس دائماً ، وكانت زيادة نوره إنما هي بحسب إحساسنا فقط ، وقد سخره الأمر الالهي لأن يتحرك في النصف الأول من الشهر على نهج لا يزيد به المنير منه في كل ليلة إلّا شيئاً يسيراً ، لا يستطيع أن يتخطاه ، ولا يقدر على أن يتعدّاه ، أثبتعليه‌السلام  له الامتهان ، بسبب إذلاله وتسخيره للزيادة على هذا الوجه المقرر ، والنهج الخاص. وقد شبّه بعضهم حال القمر ، في ظهور القدر المرئيّ منه شيئاً فشيئاً في النصف الأول من الشهر إلى أن يصير بدراً ، ثم استتاره شيئاً فشيئاً في النصف الثاني إلى أن يختفي ؛ بما إذا أمر السيد عبده بان لا يكشف النقاب عن وجهه للناظرين إلّا على التدريج شيئاً فشيئاً في مدة معينة ، وأنّه متى انكشف وجهه بأجمعه فليبادر في الحال إلى ستره ، وارخاء النقاب عليه شيئاً فشيئاً إلى أن يختفي بأجمعه عن الأبصار.

ا لوجه الثاني : أن يكون مرادهعليه‌السلام  الامتهان [٢١ / ] بمجموع الزيادة والنقصان ، أعني التغير من حال إلى حال ، وعدم البقاء على شكل واحد ، ولعل هذا الوجه أقرب ، وهو جار فيما نسبهعليه‌السلام  إليه من الامتهان بالطلوع والافول ، والإنارة والكسوف.

و يمكن أن يوجه امتهانه بالإنارة بوجه آخر ، وهو : أن يراد بها إعطاؤه النور للغير ـ كوجه الأرض مثلاً ـ لا اتصافه هو بالنور ، فان الإنارة والإضاءة كما جاءا في اللغة لازمين فقد جاءا متعديين أيضاً(١) ، وحينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف

________________________

(١) انظر لسان العرب ١ : ١١٢ / الصحاح ١ : ٦٠ ، مادة « ضوء » فيهما.

ولسان العرب ٥ : ٢٤٠ / الصحاح ٢ / ٨٣٩ ، مادة « نور » فيهما.

١١٦

كسفه للشمس ، ليتم المقابلة ، ويصير المعنى امتهنك بأن تفيض النور على الغير تارة وتسلبه عنه أُخرى ، ولو أريد المعنى الشامل للخسوف أو نفس الخسوف أيضا لم يكن فيه بعد ، والله أعلم.

تمهيد :

لمّا كانت الشمس ملازمة لمنطقة البروج ، وكانت أعظم من الأرض(١) كان المستنير بأشعتها أعظم من نصفها ، والمظلم أقل كما عرفت سابقاً ، وحصل مخروط مؤلف من قطعتين ، ترتسم احداهما من الخطوط الشعاعية الواصلة بين الشمس وسطح الأرض ، ويسمى مخروط النور والمخروط العظيم ، والاخرى من ظل الأرض وتسمى مخروط الظلّ ، والمخروط الصغير ، ويحيط به طبقة يشوبها ضوء مع بياض يسير ، ثم طبقة اُخرى يشوبها مع ضوء يسيرصفرة ، ثم طبقة أخرى يشوبها يسير حمرة ، وهذه الطبقات الثلاث تظهر للبصر في المشرق من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بهذا الترتيب ، وبعكسه بعد غروبها في المغرب ، وقاعدة المخروط العظيم [٢٢ / ] على كرة الشمس منصّفة بمنطقة البروج ، وسهمه في سطحها ، وينتهي رأسه في أفلاك الزهرة عند كون الشمس في الأوج ، وفيما دونه فيما دونها ، وقاعدة المخروط الصغير صغيرة على وجه الأرض ، وهي الفصل المشترك بين المنير منها والمظلم ، وهذان المخروطان يتحركان(٢) على سطح الأرض كأنهما جبلان شامخان ، يدوران حولها على التبادل ، أحدهما أبيض ساطع ، والاخر أسود حالك ، عليه ملابس متلونة ، ويتحرك الأبيض من المشرق إلى المغرب ، وهو النهار لمن هو تحته ، والأسود بالعكس وهو الليل لمن هو تحته ، فتبارك الله أحسن الخالقين.

________________________

(١) لما ثبت في الأجرام : أن الشمس مائة وستة وستون مثلاً وربع وثلثي مثل الأرض. منه ، قدس سره ، هامش الأصل.

(٢) وحركتها بقدر الفاضل بين حركة الفلك الأعلى ـ أعني الحركة اليومية ـ والحركة الحاصلة للشمس. وفي التحفة : إن هذه الحركة بحسب الحركة الأولى ، وفيه ما فيه ، ولعل مراده ما ذكرناه ، وإن كانت عبارته قاصرة عن مراده منه ، قدس سره. هامش المخطوط.

١١٧

وإذا توهّمنا سطحاً كرّياً مركزه مركز العالم ، يمر بمركز القمر وبالمخروط الصغير فالدائرة الحادثة منه على جرم القمر تسمى صفحة القمر ، والحادثة على سطح المخروط دائرة الظّل ، ومركزها على منطقة البروج.

تلويح فيه توضيح :

إذا لاقى القمر مخروط الظّل في الاستقبال ، ووقعت صفحته كلّها أو بعضها في دائرة الظل ، انقطعت الأشعة الشمسيّة عنه كلاً أو بعضا ، وهو الخسوف الكلّي أو الجزئي ، ولكون غاية عرض القمر ـ وهي خمسة أجزاء ـ أعظم من مجموع نصفي قطري صفحته ودائرة الظلّ ، لم ينخسف في كلّ استقبال(١) [٢٣ / أ] ، بل إذا كان عديم العرض ، أو كان عرضه ـ وهو بُعد مركزه عن مركز دائرة الظل ـ أقل من نصفها(٢) إذ لو كان مساويا لها ماسّ القمر محيط دائرة الظلّ من خارج على نقطة في جهة عرضه ، ولم ينخسف ، وان كان أكثر فبطريق أولى ، أما إن كان العرض أقل من النصفين انخسف أقل من نصف قطره إن كان العرض الأقل أكبر من نصف قطر دائرة الظلّ ، ونصف قطره إن كان مساويا له ، لمرور دائرة الظلّ بمركز الصفحة حينئذ ، وأكثر منه(٣) إن كان أقل منه ، وأكثرمن فضل نصف قطر دائرة الظلّ على نصف قطر القمر ، وكله(٤) غير(٥) ماكث إن كان مساوياً لفضل نصف قطر دائرة الظلّ على نصف قطر القمر ، لمماسّة القمر محيط الظلّ من داخل على نقطة في جهة عرضه ، وماكثاً بحسب ما

________________________

(١) لو كان مدار القمر في سطح منطقة البروج ، لا نخسف في كل استقبال ، لكون مركز دائرة الظلّ أبداً منها ، لكنه لما كان القمر في منطقة الحامل لم يدخل شيء منه في دائرة الظل إلآ إذا قارب وهذا ظاهرجلي. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٢) أي : من مجموع نصفي الشطرين. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٣) أي : وانخسف أكثر من نصفي قطره لا كلّه إن كان العرض أقل من نصف قطر دائرة الظل وأكثر من عليه. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٤) أي : والخسف كلّه حال كون الخسوف غير ماكث. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٥) بالنصب حال من « كلّه » منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٨

يقع في دائرة الظل إن كان أقل من هذا الفصل ، وغاية المكث إذا كان عديم العرض ، وأول الخسوف يشبه أثراً دخانياً ، ثم يزداد تراكماً بازدياد توغل القمر في الظلّ ، بان كان عرضه أقل من عشر دقائق كان لونه أسود حالكاً ، وإلى عشرين فأسود ضارباً إلى خضرة ، وإلى ثلاثين فإلى حمرة ، وإلى أربعين فإلى صفرة ، وإلى خمسين فأغبر ، وإلى ستين فأشهب.

و ابتداء الانجلاء من شرقي القمر [٢٣ / ب] ، كما أن ابتداء الخسوف كذلك.

تنبيه وتبيين :

الأحوال المشهورة الحاصلة للقمر كثيرة ، فبعضها يشاركه فيها سائر الكواكب ، كالإنارة والطلوع والأُفول ونحوها ، وهي كثيرة ولا حاجة داعية إلى ضبطها ، وبعضها امور تختص به لا توجد في غيره من الكواكب ، وقد اعتنى أهل الهيئة بالبحث عنها ، وأشهرها ستة :

سرعة الحركة ، واختلاف تشكلاته النورية ، واكتسابه النور من الشمس ، وخسوفه لحيلولة الأرض بينهما ، وحجبه لنورها بالكسف لها ، وتفاوت أجزاء صفحته في النور وهو المسمى بالمحو.

وهذه الأحوال الستة يمكن فهمها من كلامهعليه‌السلام  بعضها بالتصريح وبعضها بالتلويح.

أمّا سرعة حركته واختلاف تشكّلاته فظاهر ؛ وأمّا كسفه للشمس وخسوفه فلما مرّ من حمل الكسوف في كلامهعليه‌السلام  على ما يشمل الأمرين معاً ؛ وأمّا اكتسابه النور من الشمس فلدلالة اختلاف التشكّلات مع الخسوف عليه.

فهذه الأمور الخمسة تفهم من كلامهعليه‌السلام  على هذا النهج ، وبقي الأمر السادس ـ أعني تفاوت أجزائه في النور ـ فإنّ في إشعار كلامهعليه‌السلام  به نوع خفاء ؛ ويمكن أن يومىء إليه قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة

١١٩

و النقصان ». فإن المراد زيادة النور ونقصانه ، ولا معنى لتفاوت أجزائه في النور إلّا زيادته في بعض ونقصانه في بعض آخركما لا يخفى [٢٤ / أ].

فقد تضمن كلامهعليه‌السلام  مجموع تلك الأحوال الستة المختصة بالقمر ، وقد مر الكلام في الأربعة الاُول منها ، وبقي الكلام في الأخيرين فنقول :

أ مّا الكسوف : فهو ذهاب الضوء عن جرم الشمس في الحسّ كلّا أو بعضاً ، لستر القمر وجهها المواجه لنا كلاً أو بعضاً ، وذلك عند كونهما بحيث يمرخط خارج من البصر بهما ، إمّا مع اتحاد موضعيهما المرئيين ، أو كون البعد بينهما أقل من مجموع نصفي قطريهما ، فلو تساويا ماسّها ولا كسف ، وإن زاد الأول فبالأولى ، فإن وقع مركزاهما على الخط المذكور كسفها كلّها بلا مكث ، إن كان قطراهما متساويين حساً ، ومع مكثه إن كان قطراها أصغر ، وبقي منها حلقة نورانية إن كان قطرها أعظم ، وإن لم يقعا على ذلك الخط كسف منها بعضاً أبداً إلّا إذا كان قطره أعظم حسا فقد يكسفها حينئذ كلا ، وربما يبقي منها حلقةً نورانية مختلفة الثخن أو قطعة نعلية إن كان قطره أصغر.

و لمّا كان الكسوف غير عارض للشمس لذاتها ، بل بالقياس إلى رؤيتها بحسب كيفية توسط القمر بينها وبين الأبصار ، أمكن وقوعه في بقعة دون أُخرى ، مع كون الشمس فوق أفقيهما ، وكونه في احداهما كلّياً أو أكثر ، وفي أُخرى جزئياً أو أقل ، وابتداء الكسوف من غربيّ الشمس ، كما أنّ ابتداء الانجلاء كذلك.

تتمة :

وأمّا محو القمر : ـ وهي الظلمة المحسوسة في صفحته ـ فأمره ملتبس ، والآراء فيه متشعبة والأقوال متخالفة ، وابن سينا في الشفاء(١) أطنب في بيان

________________________

(١) الشفاء ، الطبيعيات ٢ : ٣٧ ، الفصل الخامس أحوال الكواكب ومحو القمر.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وقال الفضل(١) :

ما ذكره من علم أمير المؤمنين ، فلا شكّ أنّه من علماء الأمّة والناس محتاجون إليه فيه ، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف ، فلا نزاع لأحد فيه.

وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي ، فصحيح.

وأمّا ما ذكره من صحاح البغوي ، فإنّه قال : « الحديث غريب ، لا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك ، وإسناده مضطرب »(٢) .

فكان ينبغي أن يذكر ما ذكروه من معائب الحديث ؛ ليكون أمينا في النقل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٣٩ الطبعة الحجرية.

(٢) مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢.

٣٢١

وأقول :

لا يخفى ما في كلامه من التنافي ؛ لأنّ قوله : « إنّه من علماء الأمّة » يدلّ على أنّه فرد من جماعة لا فضل له عليهم ؛ وقوله : « كيف لا؟! وهو وصيّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف » يدلّ على فضله على غيره!

وقد استدلّ المصنّفرحمه‌الله على أعلميّة أمير المؤمنين بأمور :

الأوّل : « إنّه كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم » إلى آخره.

وهو دليل إقناعي ، ذكره تقريبا إلى أذهان السامعين ، وإلّا فعلم أمير المؤمنينعليه‌السلام كعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رشحة من الفيض الإلهي ، سوى إنّ علم عليّعليه‌السلام بواسطة النبيّ ، وعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بواسطة جبرئيل.

فكما إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحتاج في علمه إلى ملازمة جبرئيل ، فكذا عليّ لا يحتاج إلى ملازمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كيف؟! وقد علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام واحد ألف باب من العلم ، يفتح له من كلّ باب ألف باب(١) !

الثاني : إنّه قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ » كما في

__________________

(١) الرسالة اللدنّيّة ـ للغزّالي ـ : ٢٣٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٨٥ ، مطالب السؤول : ١١٨ ، فرائد السمطين ١ / ١٠١ ح ٧٠ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٦ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٢٤ ، كنز العمّال ١٣ / ١١٤ ـ ١١٥ ح ٣٦٣٧٢.

٣٢٢

« الاستيعاب » بترجمة عليّ(١)

وفي « الصواعق »(٢) ، نقلا عن الطبراني ، وأبي يعلى ، والعقيلي ، وابن عساكر

ورواه الحاكم في « المستدرك »(٣) .

وروى البخاري في تفسير قوله تعالى :( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) من سورة البقرة(٤) ، أنّ عمر قال : أقرأنا أبيّ ، وأقضانا عليّ(٥) .

ونحوه في « الاستيعاب »(٦) .

ووجه الاستدلال به ظاهر من كلام المصنّفرحمه‌الله .

الثالث : ما رواه الترمذي وذكره البغوي ، وقد سبق الكلام في سنده ودلالته في الحديث التاسع عشر(٧) .

ولا يفترق الحال بين الحديثين ، حيث قال في أحدهما : «أنا مدينة العلم » ، وفي الآخر : «أنا دار الحكمة » ؛ وذلك للتلازم بينهما ؛ فإنّ من يكون بابا لعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بدّ أن تنكشف له وجوه الحكمة ، فيكون بابا لحكمته.

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١١٠٢.

(٢) في الفصل الثالث ، من الباب الثالث ، في الحديث الرابع والتسعين [ ص ١٢٠ ].

منه قدس‌سره .

وانظر : المعجم الصغير ١ / ٢٠١ ، مسند أبي يعلى ١٠ / ١٤١ ح ٥٧٦٣ ، الضعفاء الكبير ٢ / ١٥٩ رقم ٦٦٤ ، تاريخ دمشق ٤٧ / ١١٢.

(٣) ص ٥٥٣ ح ٣ [ ٣ / ٦١٦ ح ٦٢٨١ ]. منهقدس‌سره .

(٤) سورة البقرة ٢ : ١٠٦.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٤٦ ح ٨.

(٦) الاستيعاب ٣ / ١١٠٢.

(٧) راجع مبحث الحديث ١٩ ، في الصفحات ١٧١ ـ ١٨١ من هذا الجزء.

٣٢٣

وإنّما لم يذكر المصنّفرحمه‌الله قول البغوي : « وإسناده مضطرب » ؛ لأنّ الاضطراب الذي أراده ، هو رواية بعضهم للحديث عن سويد(١) ، عن عليّعليه‌السلام ؛ ورواية بعض آخر له عن سويد ، عن الصنابحي(٢) ، عن عليّعليه‌السلام ؛ وهو ليس بعيب في الحديث بعد اعتبار الصنابحي.

على أنّه لو كان عيبا ، لم يلزم التعرّض لمثله بعد استفاضة طرق الحديث ، وتصحيح جماعة من علمائهم لبعضها(٣) .

تنبيه :

لفظ الحديث في النسخة التي عندنا من صحيح الترمذي : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها »(٤) ، والمصنّفرحمه‌الله نقله بلفظ : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، وصحّح الفضل نقله(٥) ، وقد نقله ابن حجر عن الترمذي باللفظين معا(٦) ، فلعلّه رواه باللفظين في مقامين!

كما إنّ البغوي ذكر الحديث في « الحسان » لا في « الصحاح » ،

__________________

(١) هو : سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي الكوفي ، وثّقه ابن معين والعجلي ، وتوفّى سنة ٨٠ ه‍ وقيل ٨٢ ه‍ ؛ أنظر : تهذيب التهذيب ٣ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥ رقم ٢٧٧١.

(٢) هو : أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة المرادي ، وثّقه ابن سعد ؛ انظر : لسان الميزان ٧ / ٥٠٩ رقم ٥٨٣٥.

(٣) راجع الأجزاء ١٠ ـ ١٢ من موسوعة « نفحات الأزهار » ، ففيها تفصيل كلّ ما يتعلّق بحديث مدينة العلم ، سندا ودلالة ، طرقا ومتنا ، رواته ، ألفاظه ، شواهد الحديث ، تصحيح أسانيده ، وتفنيد ما أثير ما حوله من شكوك وشبهات!

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣.

(٥) تقدّم آنفا في الصفحة ٣٢١.

(٦) في الفصل الثاني من الباب التاسع [ الصواعق المحرقة : ١٨٩ ]. منهقدس‌سره .

٣٢٤

بحسب نسخة « المصابيح »(١) التي عندنا ، فيحتمل خطأها ، ويحتمل خطأ المصنّفرحمه‌الله ، والفضل ـ أيضا ـ بإقراره للمصنّف على نقله!

* * *

__________________

(١) مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢.

٣٢٥

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

وفيه (٢) : عن أبي الحمراء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب »(٣) .

وروى البيهقي ، بإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب »(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٦.

(٢) أي في حقّهعليه‌السلام ، عطفا على قول العلّامة الحلّيقدس‌سره : « وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه : » المتقدّم آنفا في الصفحة ٣١٩ ؛ فلاحظ!

(٣) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٣ ح ٧٠ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٠ ح ٢٥٦ ، شواهد التنزيل ١ / ٧٨ ـ ٨٠ ح ١١٦ و ١١٧ وص ١٠٦ ح ١٤٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣١٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١٩٦ ، ذخائر العقبى : ١٦٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٣ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٦٣ ح ١.

(٤) رواه أحمد في « المسند » ، ورواه أحمد البيهقي في « الصحيح » ، كما في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ١٦٨.

وانظر : تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩١ ، مطالب السؤول : ٩٧ ، كفاية الطالب : ١٢١ ـ ١٢٢ ب‍ ٢٣ ، الفصول المهمّة : ١٢٣ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٠٧.

٣٢٦

وقال الفضل(١) :

خان في هذا النقل ؛ لأنّه ذكر أنّ في « صحاح البغوي » هذا الحديث ، وهذا كذب باطل ؛ فإنّ الحديث لم يذكره البغوي أصلا ، لا في « صحاحه » ولا في « حسانه » ، وأثر الوضع على هذا الحديث ظاهر.

ولا شكّ أنّه منكر ـ مع ما نسبه إلى البيهقي ـ ؛ لأنّه يوهم أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء ، وهذا باطل ؛ فإنّ غير النبيّ لا يكون أفضل من النبيّ.

وأمّا أنّه موهم لهذا المعنى ؛ لأنّه جمع فيه من الفضائل ما تفرّق في الأنبياء ، والجامع للفضائل أفضل ممّن تفرّق فيه الفضائل ، وأمثال هذا من موضوعات الغلاة ، وإن صحّ فيمكن حمله على أنّ له كمال هذه الفضائل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٤٠ الطبعة الحجرية.

٣٢٧

وأقول :

لم يفهم الفضل مراد المصنّفرحمه‌الله ؛ فإنّ الضمير في قوله : « فيه » لو رجع إلى « صحاح البغوي » لقال : « وفيها ».

كما إنّه لا يرجع إلى « صحيح الترمذي » ؛ لعدم ذكره للحديث في مناقب عليّعليه‌السلام ، ويبعد ذكره له في محلّ آخر.

فالظاهر أنّه راجع إلى « حقّه » في قول المصنّف سابقا : « وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه »(١) ، وما أبعد الخيانة عن المصنّفرحمه‌الله !

ويحتمل سقوط حديث آخر نقله المصنّف من كتاب آخر ، فيعود الضمير إلى ذلك الكتاب ، ولا يبعد ـ على هذا ـ أنّه « مسند أحمد » ؛ فإنّ المصنّفرحمه‌الله ينقل عنه كثيرا ، وهو موجود فيه بحسب ما ذكره ابن أبي الحديد(٢) ، وصاحب « ينابيع المودّة »(٣) ، كما نقلاه أيضا عن البيهقي.

لكنّي لم أجده في « المسند » ، ولا يبعد أنّه من يد التصرّف!

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن الحاكم ، أنّه أخرج عن أبي الحمراء مرفوعا : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، ونوح في فهمه ، وإبراهيم في حلمه ، ويحيى في زهده ، وموسى في بطشه ، فلينظر إلى عليّ »(٤) .

__________________

(١) تقدّم آنفا في الصفحة ٣١٩.

(٢) ص ٤٤٩ من المجلّد الثاني [ ٩ / ١٦٨ ]. منهقدس‌سره .

(٣) في الباب الأربعين [ ١ / ٣٦٣ ح ١ ]. منهقدس‌سره .

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٥.

٣٢٨

ونقل عن ابن الجوزي ، أنّه قال : « موضوع » ؛ متعلّلا باشتمال سنده على أبي عمر الأزدي ، وهو متروك(١) .

وتعقّبه السيوطي بأنّ له طريقا آخر عن أبي سعيد ، أخرجه ابن شاهين في « السنّة » عنه ، قال : كنّا حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل عليّ ، فأدام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النظر إليه ، ثمّ قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى هذا »(٢) .

ونقل السيوطي طريقا آخر لابن شاهين عن أبي الحمراء(٣) .

فعليه يكون الحديث كثير الطرق ومعتبرا ، وإن فرض ضعف كلّ من أسانيده(٤) ، مع أنّه قد رواه صاحب « المواقف » وما أعلّ سنده هو ولا الشارح(٥) .

ولا يضرّ اختلاف خصوصيّاته بحذف بعض الأنبياء وتبديل صفاتهم ؛ لجواز تعدّد أقوال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو خطأ بعض الرواة.

ولا ريب بدلالة الحديث على فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام على الأمّة

__________________

(١) الموضوعات ١ / ٣٧٠.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٥.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٥.

(٤) لقد روى هذا الحديث الشريف الصحيح طائفة كبيرة من الرواة والحفّاظ والعلماء المعتمدين عند أهل السنّة ، فبلغوا أكثر من أربعين رجل ، من رجال الصحاح ، وأصحاب المسانيد ، ومشاهير العلماء ؛ فراجع الجزء ١٩ من « نفحات الأزهار » لترى أسانيد حديث التشبيه ، وأسماء أشهر رواته ومخرّجيه ، وكذا دلالة الحديث على إمامة الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام .

(٥) المواقف : ٤١٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٩.

٣٢٩

وإمامته لهم ؛ لدلالته على فضله على هؤلاء الأنبياء العظام ، فكيف بآحاد الأمم؟!

وذلك لأنّه صرّح بأنّ عليّاعليه‌السلام جمع ما تفرّق في أعاظم الأنبياء من الأوصاف ، التي كلّ واحدة منها أعظم الأفراد من نوعها.

ودعوى أنّ غير النبيّ لا يكون أفضل منه ، دعوى بلا حجّة.

نعم ، لا يجوز أن يكون النبيّ مفضولا لواحد من أمّته ، كما يحكم به العقل ، وإن خالف به بعض القوم كما سبق في « مباحث النبوّة » لله(١) .

وقد بيّنّا في آية « المباهلة » وغيرها ، أنّ عليّا أفضل من جميع النبيّين سوى ابن عمّه سيّد المرسلين(٢) .

وقد تواتر عندنا أنّ عليّا سيّد الوصيّين(٣) ، ومن جملتهم الأنبياء ، كيوشع بن نون وصيّ موسىعليه‌السلام .

* * *

__________________

(١) ( لله ) راجع : ج ٤ / ٣٣ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ ـ ٤٠٨ من هذا الكتاب.

(٣) انظر مثلا : شرح الأخبار ١ / ٢٢٣ ذ ح ٢٠٧ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٦١ ح ٢٠ وص ٧٤ ذ ح ٤٢ ، الخصال : ٥٧٥ ، معاني الأخبار : ٣٧٣ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٤٤٢ ح ٩٩١ ، الحائريات ـ ضمن « الرسائل العشر » للشيخ الطوسي ـ : ٣٠٦ ، تفصيل وسائل الشيعة ٧ / ٢٠ ح ٦.

٣٣٠

العلوم كلّها مستندة إليه

قال المصنّف ـقدس‌سره ـ(١) :

وأيضا : جميع العلوم مستندة إليه

أمّا الكلام وأصول الفقه ؛ فظاهر ، وكلامه في « النهج » يدلّ على كمال معرفته في التوحيد والعدل ، وجميع جزئيات علم الكلام والأصول.

وأمّا الفقه ؛ فالفقهاء كلّهم يرجعون إليه

أمّا الإمامية ؛ فظاهر(٢)

وأمّا الحنفية ؛ فإنّ أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة(٣) ، وهو تلميذ الصادقعليه‌السلام (٤)

وأمّا الشافعية ؛ فأخذوا عن محمّد بن إدريس الشافعي(٥) ، وهو

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٧.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٧ و ١٨.

(٣) هو : أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي ، مولى تيم ، إمام الحنفية وأصحاب الرأي ، وأحد الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ؛ ولد سنة ٨٠ ه‍ ، ونشأ بالكوفة ، طلبه المنصور العبّاسي لتولّي القضاء فأبى ، فحبسه إلى أن مات سنة ١٥٠ ه‍ ، وقيل : إنّ المنصور سمّه.

انظر : تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢٣ رقم ٧٢٩٧ ، المنتظم ٥ / ١٨٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ٨٧.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٦٨ رقم ٩٩٤.

(٥) هو : أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي ، إمام الشافعية ، وأحد الأئمّة الأربعة

٣٣١

قرأ على محمّد بن الحسن(١) تلميذ أبي حنيفة ، وعلى مالك ؛ فرجع فقهه إليهما(٢)

وأمّا أحمد بن حنبل(٣) ؛ فقرأ على الشافعي ؛ فرجع فقهه إليه(٤) .

وأمّا مالك(٥) ؛ فقرأ على اثنين :

__________________

عند أهل السنّة والجماعة ؛ ولد بفلسطين ، وحمل منها إلى مكّة ، وانتقل إلى مصر سنة ١٩٩ ه‍ حتّى توفّي بها سنة ٢٠٤ ه‍ ، من أشهر آثاره : كتاب الأمّ ، المسند ، أحكام القرآن ، الرسالة في أصول الفقه.

انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٥٦ رقم رقم ٤٥٤ ، المنتظم ٦ / ١٣٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢١٠.

(١) هو : أبو عبد الله محمّد بن الحسن بن فرقد الشيباني ، مولاهم ، صاحب أبي حنيفة ، وإمام أهل الرأي ، أصله من دمشق من قرية حرستا وولد بواسط ، ونشأ بالكوفة ، سمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه ، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة ؛ انتقل إلى بغداد وولّاه الرشيد القضاء بالرقّة ، ثمّ عزله ، ولمّا خرج الرشيد إلى خراسان صحبه فمات في الريّ سنة ١٨٩ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ٢ / ١٧٢ رقم ٥٩٣ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٦٧ ، المنتظم ٥ / ٥٣٢ ، الجواهر المضيّة ٣ / ١٢٢ رقم ١٢٧٠.

(٢) انظر : حلية الأولياء ٩ / ٧٥ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ ، تاريخ دمشق ٥١ / ٢٦٧ رقم ٦٠٧١.

(٣) هو : أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل ، إمام أهل الحديث ، وأحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ، أصله من مرو ، وكان أبوه والي سرخس ، توفّي سنة ٢٤١ ه‍ ؛ ومن أشهر مصنّفاته « المسند ».

انظر : تاريخ بغداد ٤ / ٤١٢ رقم ٢٣١٧ ، المنتظم ٦ / ٤٨٨ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٧٣.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

(٥) هو : أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي ، إمام المالكية ، وأحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ، ولد سنة ٩٣ ه‍ بالمدينة ونشأ بها ، ورووا أنّ أمّه حملت به ثلاث سنين ؛ صنّف « الموطّأ » بأمر من المنصور

٣٣٢

أحدهما : ربيعة الرأي(١) ، وهو تلميذ عكرمة ، وهو تلميذ عبد الله ابن عبّاس ، وهو تلميذ عليّعليه‌السلام (٢) .

والثاني : مولانا جعفر بن محمّد الصادق

وكان الخوارج تلامذة له(٣) .

وأمّا النحو ؛ فهو واضعه(٤) .

وكذا علم التفسير(٥)

قال ابن عبّاس : حدّثني أمير المؤمنينعليه‌السلام في باء( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من أوّل الليل إلى الفجر ولم يتمّ(٦) .

* * *

__________________

العبّاسي ، وتوفّي سنة ١٧٩ ه‍.

انظر : حلية الأولياء ٦ / ٣١٦ ، ترتيب المدارك ١ / ١١٠ ـ ١١٢ ، المنتظم ٥ / ٤٢٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٤٣.

(١) هو : أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ التيمي المدني ، مولى آل المنكدر ، صاحب الرأي والقياس ، أدرك بعض الصحابة والتابعين ، وكان صاحب الفتوى بالمدينة المنوّرة ، روى عنه مالك بن أنس وسفيان الثوري وشعبة بن الحجّاج والليث بن سعد وغيرهم ، قدم على أبي العبّاس السفّاح في الأنبار ليولّيه القضاء ؛ وتوفّي في الأنبار سنة ١٣٦ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ٨ / ٤٢٠ رقم ٤٥٣١ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٥٧ رقم ١٥٣ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٨٣ رقم ١٩٧٣.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

(٣) انظر : مطالب السؤول : ١١١ ـ ١١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ٢٠.

(٥) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٩.

(٦) ينابيع المودّة ١ / ٢١٤ ح ١٩ وج ٣ / ٢١١.

٣٣٣

وقال الفضل(١) :

ذكر أنّ أبا حنيفة قرأ على الصادق ، ثمّ ذكر أنّ الشافعي قرأ على محمّد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة ، وعلى مالك ، فرجع فقهه إليهما.

ويفهم من هذا أنّ كلّ من قرأ على أحد يرجع فقهه إليه ، فيرجع فقه جميع الأئمّة على هذا التقدير إلى الصادق.

وفقه الصادق عنده لا شكّ أنّه حقّ وصدق ، فلم يبق له بعد هذا الكلام اعتراض على الأئمّة الأربعة.

وأمّا قوله : إنّ الشافعي قرأ على محمّد بن الحسن ؛ فهو كذب وباطل.

وأمّا قوله : إنّ جميع العلوم من الفقه والأصول والكلام يرجع إلى أمير المؤمنين

فإن أراد أنّ أصحاب هذه العلوم ما استفادوا في تدوين هذه العلوم من غير كلام أمير المؤمنين ؛ فهو ممنوع.

وإن أراد أنّهم استفادوا من كلامه أيضا كما استفادوا من كلام باقي علماء الصحابة ؛ فهو حقّ لا شكّ فيه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٤٣ الطبعة الحجرية.

٣٣٤

وأقول :

ما فهمه من كلام المصنّفرحمه‌الله ، وزعم أنّه لا يبقى بعده اعتراض على أئمّتهم ، خطأ ظاهر ؛ إذ ليس معنى الرجوع إليه اتّفاق فتاويهم معه ، بل معناه أنّه أساس تحصيلهم ومنشأ قوّتهم ، وإن خالفوه في أمور خطيرة وأحكام كثيرة استحسنوها بآرائهم ، وقاسوها بمقاييسهم!(١) .

ومنه يعلم أنّ ترديده في معنى رجوع العلوم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام غير حاصر.

فإنّ مراد المصنّفرحمه‌الله : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أساس تلك العلوم ،

__________________

(١) ومن أمثلة مخالفة الطلّاب لشيوخهم : مخالفة الشافعي لمالك في مسائل كثيرة جدّا ، كالمسح ، ووقت صلاة المغرب ، وعدد كلمات الأذان ، فعنده تسعة عشر كلمة وعند مالك سبعة عشر كلمة ، وخالفه بالجهر بالبسملة ، وعند مالك لا تقرأ من أصلها ، وفي الجمع بين الظهر والعصر ، وفي الكلام حال خطبة الجمعة ، والتكبير في العيدين ، وفي مسائل الصيام ، والزكاة ، والحجّ ، وناقضه في مسائل كثيرة في كتاب البيوع إلى الإجارة ؛ فقال الشافعي باشتراط الإيجاب والقبول قولا بين البائع والمشتري ليدلّ على تراضيهما ؛ وقال مالك : لا يشترط ؛ وكذا في باقي أبواب الفقه.

انظر : طبقات الفقهاء ١ / ٤٩ ـ ٩٤.

وخالف أبو يوسف والشيباني شيخهما أبا حنيفة بمسائل كثيرة جدّا ، كما هو واضح لمن تتبّع موارد فتياهم.

وهذا أبو الحسن الأشعري ، إمام الأشاعرة ، الذي أنهى شطرا من حياته يأخذ من المعتزلة وشيخهم الجبّائي ، إلّا أنّه تبرّأ من الاعتزال وردّ على المعتزلة في مصنّفاته ؛ وبالرغم من ذلك نرى أنّ الأشعري يخالف عقيدة أهل الحديث في مسائل كثيرة ، وما ذلك إلّا بسبب الاعتزال وأثره فيه.

٣٣٥

ومنشأ قوّة البحث والاجتهاد فيها ، وإن استفاد العلماء رواية بعض الأحكام أو رواية تفسير بعض الآيات من غيره ؛ وهو غير ما أراده في شقّي الترديد.

ولا يمكن أن ينكر أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام منشأ التحصيل وسبب قوّة البحث والاستنباط والاجتهاد في علم الكلام ، والأصول ، والنحو ، بل والفقه والتفسير ، فإنّ أعظم من ينظر إليه فيهما هو ابن عبّاس ، وهو تلميذ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لا في عرضه(١) .

وأمّا ابن مسعود ؛ فعلمه بالنسبة إلى علم أمير المؤمنين به كقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط ؛ إذ ليس هو بأعظم من ابن عبّاس ، وهو قد كان كذلك(٢) .

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح نهج البلاغة » : « ومن العلوم :

علم تفسير القرآن ، وعنه أخذ ومنه تفرّع ، وإذ رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك ؛ لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عبّاس.

وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنّه تلميذه وخرّيجه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمّك؟

فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط »(٣) .

بل علمه وعلم جميع الصحابة بالنسبة إلى علم أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١) مراد الشيخ المظفّرقدس‌سره أنّ ابن عبّاس في العلم ليس في مصافّ ومنزلة الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام العلميّة ، أي أنّه لا يترتّب معه ترتيبا عرضيا ، بل يترتّب معه ترتيبا طوليا ؛ لأنّ علمه امتداد من علم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) أي : ابن عبّاس.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ١٩.

٣٣٦

كذلك

فأين هم ممّن عنده علم الكتاب(١) ، وباب مدينة علم الرسول(٢) ، ومن يقول : «سلوني قبل أن تفقدوني »(٣) ؟!

وهل يتصوّر منصف أن يكون أصلا في الكلام والتفسير والفقه من لا يعرف أنّ الله سبحانه لا يحويه مكان؟! ويقول : هو في السماء على العرش!! في جواب السائل : أين هو؟(٤)

ومن لا يعرف مفردات الكتاب ـ كالأبّ(٥) ، والكلالة(٦) ـ فضلا عن مركنباته المتشابهة؟!

ويضرب السائل عن تفسير :( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ) (٧) ، فرارا عن

__________________

(١) راجع مبحث آية( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ، في ج ٥ / ١١٥ ـ ١١٩ من هذا الكتاب.

(٢) راجع مبحث حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، في الصفحات ١٧١ ـ ١٨٢ من هذا الجزء.

(٣) سيأتي في الصفحة ٣٥٤ من هذا الجزء.

(٤) هو عمر بن الخطّاب.

انظر مثلا : شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة ـ لللالكائي ـ ٣ ـ ٤ / ٤٣٠ و ٤٣٨ رقم ٦٥٨ ، النقض على بشر المريسي ١ / ٥١٧ ، اجتماع الجيوش الإسلامية : ٨٤ ـ ٨٦.

(٥) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٤٩ ، تفسير الطبري ١٢ / ٤٥١ ح ٣٦٣٦٧ ـ ٣٦٣٧٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٥٩ ح ٣٨٩٧ ، تفسير الثعلبي ١٠ / ١٣٤ ، تفسير الماوردي ٦ / ٢٠٨ ، شعب الإيمان ٢ / ٤٢٤ ح ٢٢٨١ ، تاريخ بغداد ١١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، كنز العمّال ٢ / ٣٢٨ ح ٤١٥٤ و ٤١٥٥.

(٦) انظر : صحيح مسلم ٥ / ٦١ ، مسند أحمد ١ / ٤٨ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩١٠ ـ ٩١١ ح ٢٧٢٦ و ٢٧٢٧ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ح ٣١٨٦ ـ ٣١٨٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٢٢٤ وج ٨ / ١٥٠.

(٧) سورة الذاريات ٥١ : ١.

٣٣٧

جوابه(١) ؟!

ويقرّ بأنّ المخدّرات أفقه منه(٢) ؟!.

وأمّا تكذيبه للمصنّفرحمه‌الله في دعوى قراءة الشافعي على محمّد بن الحسن ، فمن الجهل!

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح النهج » : « ومن العلوم : علم الفقه ، وهوعليه‌السلام أصله وأساسه ، وكلّ فقيه في الإسلام عيال عليه ومستفيد من فقهه.

أمّا أصحاب أبي حنيفة ؛ كأبي يوسف(٣) ، ومحمّد(٤) ، وغيرهما(٥) ، فأخذوا عن أبي حنيفة.

__________________

(١) انظر : مسند البزّار ١ / ٤٢٣ ح ٢٩٩ ، تفسير القرطبي ١٧ / ٢١ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٣٣ ، الدرّ المنثور ٧ / ٦١٤.

(٢) انظر : سنن سعيد بن منصور ١ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٥٩٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٢٣٣ ، تمهيد الأوائل : ٥٠١ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ٢ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٠٨ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٤ وقال : « رواه أبو يعلى ».

(٣) هو : أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي البغدادي ، القاضي ، صاحب أبي حنيفة وتلميذه ، وهو أوّل من نشر مذهبه ، ولد بالكوفة سنة ١١٣ ه‍ ، وتفقّه بالحديث والرواية ، ثمّ لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي ، ولي القضاء ببغداد أيّام المهدي والهادي والرشيد العبّاسيّين ، وهو أوّل من دعي قاضي القضاة ، ومات في أيّام الرشيد العبّاسي وهو على القضاء سنة ١٨٢ ه‍ ؛ ومن مصنّفاته : الخراج ، الآثار ، الردّ على مالك بن أنس.

انظر : تاريخ بغداد ١٤ / ٢٤٢ رقم ٧٥٥٨ ، المنتظم ٥ / ٤٥١ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٤٨ ، الجواهر المضيّة ٣ / ٦١١ رقم ١٨٢٥.

(٤) هو : محمّد بن الحسن الشيباني ؛ انظر ترجمته المتقدّمة آنفا في الصفحة ٣١٧.

(٥) مثل : زفر بن الهذيل ، المتوفّى سنة ١٥٨ ه‍ ؛ والحسن بن زياد اللؤلؤي ، المتوفّى سنة ٢٠٤ ه‍ ؛ انظر مثلا : الجواهر المضيّة ٢ / ٥٦ رقم ٤٤٨ وص ٢٠٧ رقم ٥٩٦.

٣٣٨

وأمّا الشافعي ؛ فقرأ على محمّد بن الحسن(١) ، فيرجع فقهه ـ أيضا ـ إلى أبي حنيفة.

وأمّا أحمد بن حنبل ؛ فقرأ على الشافعي ، فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة ؛ وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمّد ، وقرأ جعفر على أبيه ، وينتهي الأمر إلى عليّعليه‌السلام .

وأمّا مالك بن أنس ؛ فقرأ على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عبّاس ، وقرأ عبد الله بن عبّاس على عليّ(٢) .

وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك ، كان لك ذلك »(٣) (٤) .

* * *

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٥٦ رقم ٤٥٤ ، تاريخ دمشق ٥١ / ٢٦٧ رقم ٦٠٧١ ، تهذيب الكمال ١٦ / ٤٠ رقم ٥٦٣٦ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٧ رقم ١ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٦٢ رقم ٣٥٤ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢١١ حوادث سنة ٢٠٤ ه‍.

(٢) بل أخذ مالك عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام مباشرة ، حاله كحال أبي حنيفة.

انظر : التاريخ الكبير ٢ / ١٩٨ رقم ٢١٨٣ ، الجرح والتعديل ٢ / ٤٨٧ رقم ١٩٨٧ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٦ / ١٣١ ، حلية الأولياء ٣ / ١٩٩ رقم ٢٣٦ ، تهذيب الكمال ٣ / ٤١٩ رقم ٩٣٣ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٤٤ رقم ١٥٢١ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٦٨ رقم ٩٩٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

(٤) وانظر : نفحات الأزهار ١ / ١٠٣ ـ ١٠٥ رقم ٨ ، في بيان انتشار العلوم في البلاد الإسلامية بواسطة الإمام عليّعليه‌السلام .

٣٣٩

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ(١) :

وعلم الفصاحة إليه منسوب ، حتّى قيل في كلامه : « إنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق »(٢) ، ومن كلامه تعلّم الفصحاء.

قال ابن نباتة(٣) : « حفظت من كلامه ألف خطبة ، ففاضت ثمّ فاضت »(٤) .

وأمّا المتكلّمون ، فأربعة ؛ معتزلة ، وأشاعرة ، وشيعة ، وخوارج وانتساب الشيعة معلوم

والخوارج كذلك ؛ فإنّ فضلاءهم رجعوا إليه(٥) .

وأمّا المعتزلة ؛ فإنّهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء(٦) ، وهو تلميذ أبي

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٤.

(٣) هو : أبو يحيى عبد الرحيم بن محمّد بن إسماعيل بن نباتة الحذاقي الفارقي ، صاحب الخطب المنبرية ، قالوا : كان ديّنا ورعا ، فصيحا بليغا مقدّما في علوم الأدب ، وأجمعوا على أنّ خطبه لم يعمل مثلها في موضوعها ، وكان يحفظ « نهج البلاغة » وعامّة خطبه بألفاظها ومعانيها ، ولي خطابة حلب لسيف الدولة الحمداني ، وسمع على المتنبّي بعض ديوانه ، ولد في ميّافارقين سنة ٣٣٥ ه‍ وتوفّي بها سنة ٣٧٤ ه

انظر : وفيات الأعيان ٣ / ١٥٦ رقم ٣٧٣ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٥٠ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٨ ، شذرات الذهب ٣ / ٨٣.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٤.

(٥) مطالب السؤول : ١١١ ـ ١١٢.

(٦) هو : أبو حذيفة واصل بن عطاء المخزومي ، مولاهم البصري ، ولد بالمدينة سنة

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582