دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136053 / تحميل: 5467
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

تتمة : [١٥]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام  : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (١) (٢) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (٣) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(١) البقرة ، مدنية ، ٢ : ٧.

(٢) أنظر الكشاف للزمخشري ١ : ٥٣.

(٣) مريم ، مكية ، ١٩ : ٤٥.

١٠١

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (١) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام  : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (٢) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [١٦ / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام  « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(٣) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(٤) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(٥) .

________________________

(١) طه ، مكية ، ١٢٠ : ٢٠.

(٢) التغابن ، مدنية ، ٦٤ : ١.

(٣) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير ١٧ : ٣٥.

(٤) تجريد الاعتقاد : ١٦٧.

(٥) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار ١ : ٢٤٥ ، كشّاف اصطلاحات

١٠٢

وهذا القول وإن كان مستبعداً بحسب الظاهر إلّا أنَّ إبطاله لا يخلو من إشكال ، كما أنَّ إثباته كذلك.

و قد استدلوا عليه : بأنَّه متحرك منتقل ، فإنه ينحدر من الشمس إلى الأرض ، وينتقل من مكان إلى آخر ، والأعراض ليست كذلك.

وأجاب القائلون بعَرضيّته : بأنه ليس ثمة حركة وانتقال ، وإنَّما هو حدوث ؛ فإن مقابلة الجسم الكثيف للمضيء معدّ لحدوث الضوء فيه ، والحركة والانتقال محض توهّم.

وسببه : أنَّ حدوث الضوء في الجسم السافل لما كان بسبب مقابلته للجسم العالي تُخيِّل أنَّه انحدر من العالي إلى السافل.

وحدوثه في القابل لما كان تابعاً لوضعه ومحاذاته للمضيء ـ بحيث إذا زالت تلك المحاذاة إلى قابل آخر زال الضوء عن الأول وحدث في ذلك الآخر ـ ظُنّ أنّه انتقل من الأول إلى الثاني.

واستدلوا على بطلان القول بجسميته : بأنّه محسوس بحس البصر ، فلو كان جسماً [١٦١ / ب] لكان ساتراً لما يحيط به ، وكان الأشد ضوءاً أشد استتاراً.

واعترض عليه : بأنَّ الحائل بين الرائي والمرئي إنَّما يستر المرئي إذا كان كثيفاً لعدم نفوذ شعاع البصر فيه أما إذا كان شفافاً فلا ؛ فإن صفحة البلّور تزيد ما خلفها ظهوراً وانكشافاً ، ولذلك يستعين بها الطاعنون في السن على قراءة الخطوط الدقيقة.

واُجيب عنه : بانه لو كان جسماً لم تكن كثرته موجبة لشدة الإحساس بما تحته ، لأنّ الحس يشتغل به ، فكلَّما كان أكثركان الاشتغال به أكثرفيقل الاحساس بما وراءه ، ألا ترى أنَّ تلك الصفحة إذا غلظت جدا أوجبت لما تحتها ستراً ، وأنَّ الاستعانة بالرقيقة منها إنَّما هي للعيون الضعيفة لاحتياجها إلى جمع

__________________

الفنون ١ : ٨٧٠ وغيرها.

١٠٣

الروح الباصرة ـ على ما بُينّ في موضعه ـ دون القوية ، بل هي حجاب لها عن رؤية ما وراءها. هكذا أورده شارح المواقف(١) ، والشارح الجديد للتجريد(٢) .

و أقول : في هذا الجواب نظر ، فإنَّ لهم أن يقولوا أنَّ الملازمة ممنوعة ، فإن بعض الأجسام الشفافة يوجب كثرتها وغلظها زيادة ظهور ما خلفها لحس البصر ، ولهذا ترى الشمس والقمر وسائر الكواكب حال كونها قريبة من الأفق ، أعظم منها حال كونها على سمت الرأس ، مع أنّها وهي على الاُفق ، أبعد عنّا منها وهي على سمت الراس بأزيد من نصف قطر الأرض ، كما لا يخفى على من له أدنى تخيل ؛ وما ذلك إلّا لأن سمك البخار وغلظه بين البصر والكوكب حال قربه من الأفق أكثر مما بينهما حال كونه على سمت الرأس كما بُيّن باستبانة الثاني من ثالثة [١٧١ / أ] كتاب الأصول.

وكذلك حال الصفحة من البلور ، فإنّها إذا رقّت جداً لم تؤثر في الإعانة على قراءة الخطوط الرقيقة ، بل لا بدّ لها من غلظ يعتدّ به ، ومن ثم نرى الطاعنين في السن ربما يستعينون بمضاعفتها على قراءة تلك الخطوط ، على أنّه لا يلزم من كون ازدياد ثخن البلور مؤدياً إلى ستر ما وراءه أن يكون ازدياد ثخن كلّ شفاف مؤدياً إلى ذلك.

ألا ترى أنّ ثخن مجموع كرتي الهواء والنار والأفلاك التي تحت فلك الثوابت تزيد على خمسة وعشرين ألف ألف فرسخ كما بينوه ، ومع ذلك لا تحجب أبصارنا عن رؤية ما وراءها ، ولم لا يجوز أن لا تصل مراتب ثخن الضوء ـ على تقدير جسميته ـ إلى حدّ يصير به عائقاً عن الاحساس بما خلفه ؛ وأن يكون الضوء بالنسبة إلى كلّ العيون بمنزلة الصفحة الغير الغليظة جدا من البلور بالنسبة إلى عيون الطاعنين في السن.

________________________

(١) شرح المواقف ٢ : ١٤٩ ، وما بعدها ، القسم الثاني من المبصرات.

(٢) شرح التجريد : ٢٤١ ، عند قول الخواجه نصير : « ولو كان الثاني جسماً لحصل ضد المحسوس ».

وأنظر كشف المراد : ٢٣٢.

١٠٤

فكما أنَّ هذه لا تبصر الأشياء الصغيرة والخطوط الدقيقة إلّا بتوسط تلك الصفحة ، فكذلك تلك لا تبصر شيئاً من الأشياء إلّا بتوسط الضوء ، وكما أنَّ هذه لا تشغل البصر عن الإحساس بما وراءها فكذلك تلك والله أعلم بحقائق الاُمور.

تبصرة :

لعلّهعليه‌السلام  أراد بالظلم في قوله : « نوّر بك الظُلَم » الأهوية المظلمة ، لا الظلمات أنفسها ، فإنّها لا تتصف بالنور.

و تجويز كونهعليه‌السلام  أراد ذلك مبني على أن الهواء يتكيّف بالضوء ، وهو مختَلَف فيه ، فالذين جعلوا اللون شرطاً في التكيف بالضوء منعوا منه.

و أورد عليهم : أنّا نرى عند الصبح ما يقارب الاُفق مضيئاً ، وما هو إلّا الهواء المتكيف بالضوء.

و أجابوا : بأن ذلك للأجزاء البخارية المختلطة به ، والكلام في الهواء الصّرف الخالي من الشوائب البخارية والدّخانية القابلة للضوء بسبب كونها متلونة في الجملة.

و رده الفخر الرازي : بأنّه يلزم من ذلك أن الهواء كلما كان أصفى كان الضوء الحاصل فيه قبل الطلوع وبعد الغروب أضعف ، وكلّما كان البخار والغبار فيه أكثر كان الضوء أقوى ؛ لكن الأمر بالعكس [١٧١ / ب](١) ، هذا كلامه ، وللتأمل فيه مجال واسع.

واستدل في الملخص على استضاءة الهواء بأنّه لو لم يتكيف بالضوء لوجب أن نرى بالنهار الكواكب التي في خلاف جهة الشمس ؛ لأن الكواكب باقية على ضوئها ، والحس لم ينفعل على ذلك التقدير من ضوء أقوى من ضوئها يمنع

________________________

(١) حكاه عنه شارح المواقف ٢ : ١٥٤.

١٠٥

الإحساس بها(١) .

والحق أن تكيّف الهواء بالضوء في الجملة مما لا ينبغي أن يرتاب فيه فارادتهعليه‌السلام  بالظُلم الأهوية المظلمة لا مانع منه.

ويجوز أن يريدعليه‌السلام  بالظُلَم الأجسام المظلمة سوى الهواء ، وهذا أحسن ؛ لاستغنائه عن تجشم الاستدلال على قبول الهواء للضوء ، وسلامته عن ثبوت الخلاف ، والله أعلم.

إكمال :

يمكن أن يكون مرادهعليه‌السلام  بتنوير الظلم إعدامها ، بإحداث الضوء في محالّها ، وهذا يبتني على القول بأن الظُلمه كيفية وجودية ، كما ذهب إليه جماعة ، وهذا الرأي وان كان الأكثر على بطلانه إلا أنّ دلائلهم على بطلانه ليست بتلك القوة ، فهو باق على أصل الإمكان إلى أن يذود عنه قاطع البرهان ، فلو جوّز مجوّز احتمال كونه أحد محامل كلامهعليه‌السلام  لم يكن في ذلك حرج.

و أجود تلك الدلائل ما ذكروا من : أنّ الظلمة لو كانت كيفية وجودية لكانت مانعة للجالس في الغار المظلم من رؤية من هو في هواء مضيء خارج الغار ، كما هي مانعة له من إبصار من هو في الغار ، وذلك للقطع بعدم الفرق في الحائل المانع من الإبصار بين أن يكون محيطا بالرائي أو بالمرئي أو متوسطاً بينهما.

و ربما منع ذلك بأنها ليست بمانعة ، بل إحاطة الضوء بالمرئي شرط للرؤية ، وهو منتف في الغار ر [١٨ / أ] ، أو يقال : العائق عن الرؤية هو الظلمة(٢) المحيطة بالمرئي لا الظلمة المحيطة بالرائي ، أو الظلمة مطلقاً.

وليس ذلك بأبعد مما يقال : شرط الرؤية هو الضوء المحيط بالمرئي ، لا

________________________

(١) الملخص : مخطوط.

(٢) في المصدر الآتي : « هو الضوء المحيط ». ولعل الصحيح المثبت بمقارنة ما بعده. وانظر شرح المراقف ٢ : ١٤٩.

١٠٦

الضوء المحيط بالرائي ، ولا الضوء مطلقاً.

وقولهم : لا فرق في الحائل بين أن يكون محيطاً بالرائي أو المرئي مسلّم فيما إذا كانت ذات الشيء مانعة من الإبصار ، لا فيما تكون مانعة بشرطه ، هكذا أورده الشارح الجديد للتجريد(١) ، وهو كلام جيّد لا غبار عليه.

وقال الفخر الرازي في المباحث المشرقية : الظلمة أمر عدّمي ، لأنا إذا غمضنا العين كان حالنا كما إذا فتحناها في الظلمة ، فكما أنّا عند التغميض لا ندرك شيئاً ، فكذلك إذا فتحناها في الظلمة وجب أن لا ندرك كيفية في الجسم المظلم ، ولأنّا لو قدّرنا خلو الجسم عن النور من غير انضياف صفة اُخرى إليه لم يكن حاله إلّا هذه الظلمة ، ومتى كان كذلك لم تكن الظلمة أمراً وجودياً(٢) . إنتهى كلامه.

و أورد عليه : أنّه كلام ظاهري إقناعي ، يتطرق إليه الخدش والمنع من جوانبه ، ومثله في المقام البرهاني مما لا يصغى إليه.

توضيح حال :

أ رادعليه‌السلام  « بالزيادة والنقصان » زيادة نور القمر ونقصانه بحسب ما يظهر للحس ، لأن الزيادة والنقصان حاصلان له في الواقع وبحسب نفس الأمر ، لأن الأزيد من نصفه منير دائماً ، كما بيّن في محله ، وأمّا زيادته في الاجتماع ونقصانه في الاستقبال كما هو شأن الكرة الصغيرة المتنيرة من الكبيرة حالتي القرب والبعد فليس الكلام فيهما ، إنّما الكلام في الزيادة والنقصان المسببين عن البعد والقرب ، المدركين بالحس.

وربّما يتراءى لبعض الأفهام من ظاهر قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » أنّ زيادة نور القمر ونقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة ، وحاصلان في نفس الأمر ، كما هو معتقد كثير من الناس ، وهذا وإن كان ممكناً

________________________

(١) شرح التجريد لعلاء الدين القوشجي : ٢٤٢ ، عند شرح قول المحقق الطوسي : والظلمة عدم ملكة.

(٢) المباحث المشرقية ١ : ٣٠٤ ، ألفصل الثامن من الباب الثالث في الكيفيات المبصرة.

١٠٧

نظراً إلى قدرة الله تعالى ـ على أن يحدث في جرمه أول الشهر شيئاً يسيراً من النور ، ويزيده على التدريج إلى أن يصير بدراً ، ثم يسلبه عنه شيئاً فشيئاً إلى المحاق ـ إلّا أن حمل كلامهعليه‌السلام  على ما هو متفق عليه بين أساطين علماء الهيئة حتى عدّ من الحدسيات أليق وأولى ، وهم مع قطع النظر عما أوجب تحدّسهم بذلك إنّما اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، كشيث [١٨ / ب ] على نبينا وعليه السلام ، المشتهر في زمانهم بفيثاغورس ، وقيل : إنّه أغاتا ريمون(١) ؛ وكإدريس على نبيّنا وعليه السلام ، المدعو على لسانهم بهرمس.

و قد نقل جماعة من المفسرين منهم الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي طاب مثواه ـ عند تفسير قوله تعالى :( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) (٢) ـ أنّ علم الهيئة كان معجزة لهعليه‌السلام  (٣) .

و نقل السيد الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي الدين علي بن طاوس ـ قدس الله روحه ـ في كتاب فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم قولاً بأن أبرخس وبطليموس كانا من الأنبياء ، وأنّ أكثر الحكماء كانوا كذلك ، وإنما التبس على الناس أمرهم لأجل أسمائهم اليونانية(٤) (٥) . هذا ما نقله طاب ثراه ، ولا استبعاد فيه(٦) .

________________________

(١) اختلف في ضبطه ، فورد تارة « اغاثاريمون » وأخرى « اغاثاذيمون » وغيرها.

(٢) مريم : مكية ، ١٩ : ٥٦.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٥١٩ ، وأنظر أيضاً التفسير الكبير ٢١ : ٢٣٣ / الجامع لأحكام القرآن ١١ : ١١٧ / عرائس المجالس : ٤٩ / فرج المهموم : ٢١ ، ٥٠ ، ٧٨ ومواضع اخر.

(٤) فرج المهموم : ١٥١ حكاه عن كتاب ريحان المجالس وتحفة الموانس تاليف احمد بن الحسين بن علي الرحمي.

(٥) أي لما كانت اسماؤهم موافقة لأسماء بعض حكماء اليونان ، ألّذين ينسب إليهم فساد الإعتقاد ، أشتبه على الناس حالهم ، وظنوا أن أصحاب تلك الأسامي باجمعهم على نهج واحد من الاعتقاد ، منه ـ قدس سره ، هامش الأصل.

(٦) والذي يؤيد ما ذهبا إليه قدس الله ارواحهم رأي جمع من ألمؤرخين منهم المقدسي حيث يقول في كتابه : « ونبأه الله بعد وفاة آدم وأنزل عليه النجوم والطب واسمه عند اليونانيين هرمس »

١٠٨

وكلّ من له أدن خوض في هذا العلم الشريف لا يرتاب في أنّ اصول مطالبه متلّقاة من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ويحكم حكماً قطعياً لا يشوبه شوب شبهة بأنّ القوة البشرية لم تستقل بادراك خبايا حقائقه ولم تستبدّ باستنباط خفايا دقائقه ، وأنّ ما وصل إليه أصحاب هذا الفن بأرصادهم الجسمانية مقتبس من مشكاة أصحاب الأرصاد الروحانية سلام الله عليهم أجمعين.

إشارة فيها إنارة :

لمّا كان نور القمر مستفاداً من الشمس ، وكانت أعظم منه كما بُيّن في محله(١) ، كان الأكثرمن نصفه متسنيراً بضوئها دائماً والأقل من نصفه مظلماً دائماً ؛ لما ثبت في الشكل الثاني من مقالة أرسطرخس(٢) فى جرمي النيرين ، من

________________________

وكذلك في مورد آخر : « وأما الحرانية فانهم يقولون : لن تحصى اسماء الرسل الذين دعوا إلى ألله ، وان مشهورهم أراني ، أغتاذيمون ، ـ أو أغاثاذيمون ـ وهرمس ، وسولن جدّ أفلاطون لأمه ، ومن القدماء من يقول ، بنبوة أفلاطون ، وسقراط وأرسطاطاليس ». وحكى ابن أبي أصيبعة في عيون أنبائه عن ، كتاب مختار الحكم ما لفظه « وأما هرمس هذا فهو الأول ولفظه أرمس وهو أسم عطارد ، ويسمى عند أليونانيين أطرسمين ، وعند ألعرب إدريس ، وعند العبرانيين أخنوخ مولده بمصر » ونسب إلى أبي معشر البلخي في كتابه الالوف قوله : « وتسميه الفُرس اللهجد ، وتفسيره ذو ألعدل ، وهو الذي تذكر الحرانية نبوته وهو أول من تكلم في ألأشياء العلوية من الحركات النجومية ، وأن جده كيومرت ـ وهو آدم ـ علّمه ساعات الليل والنهار » ولم يقتصر ذلك على المؤرخين بل ذكره المفسرون أيضاً.

انظرللجميع : مروج الذهب ١ : ٥٠ و ٢ : ١٥٢ / طبقات الحكماء : ٥ ـ ١٠ / عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ١ ٣ ـ ٣٢ / البدء والتاريخ ٣ : ١٢ و ٣ : ٨ / تاريخ الحكماء : ١ و ٣٤٦ / تاريخ مختصر الدول ٧ ، ٨ / تاريخ علم الفلك : متفرقة / مجمع ألبيان ٣ : ٥١٩ / التفسير الكبير ٢١ : ٢٣٣ تفسير القرطبي ١١ / ١١٧ / العرائس : ٤٩ / الملل وألنحل ٢ : ٤٧ / فرج ألهموم : ٢٢ / مفاتيح العلوم : ١١٣ / البداية والنهاية ١ : ٩٩ / الكامل في التاريخ ١ : ٣٤ ـ ٣٥ / شرح حكمة الاشراق : ٢١.

(١) قد ثبت في الأجرام : أن ألشمس ستة آلاف وستمائة وأحد وأربعون مثلاً للقمر ، منه. قدّس سره ، هامش المخطوط.

(٢) ارسطرخس ، أو ارسطوخس ، يوناني اسكندراني ، خبير بعلم النجوم ـ الفلك ـ قيّم به ، من أوحدي الناس في زمانه ، له : حد الشمس والقمر. تلمذ عليه الملك بطليموس ، عاش في

١٠٩

 أ نّه إذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة أعظم منها كان المضيء من الصغرى(١) أعظم من نصفها(٢) ، والفصل المشترك بين المنير والمظلم منه دائرة قريبة من

________________________

القرن الثالث قبل الميلاد ، وجاء في آخر كتابه : أنّ ارسطرخس أصله أرشطو ، ومعناه الصالح ، وارخش ومعناه الرأس ، فركبوا واسقطوا الواو والألف تخفيفاً.

له ترجمة في تاريخ الحكماء : ٧٠ / الفهرست للنديم : ٣٣٠ / لغة نامه دهخدا « حرف الألف » : ١٨٢٣.

(١) وعلى هذا المطلب دليل لطيف سوى هذا أوردته في حواشي تشريح الأفلاك « منه » قدس ، هامش المخطوط.

(٢) لصعوبة الحصول على المصدر إليك نص الشكل الثاني : ( ب ) اذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة عظمى منها ، كان الجزء المضيء منها أعظم من نصفها ، فيقبل الضوء كرة مركزها( أ ) عن كرة أعظم مركزها( ب ). ، وليحط بهما مخروط رأسه ـ ح ـ ومحوره ( ح ب ) ، وليمر به سطح كيف أتفق ، ولتحدث عنه في الكرتين عظيمتا ( ج د ) و ( هـ ز ) وفي المخروط خط ( ح ج ، ح د ) ونصل ( ج د ، هـ ز ) فالقطعة من الكرة ألتي عليها( هـ ط ز ) وقاعدتها الدائرة التي قطرها( هـ ز ) هي التي تقبل الضوء لكونها محاذية لكرة ( د ج ـ ) لأن خير ( ج هـ ، د ز ) من خطوط الشعاعات الواصلة بينها ومركز الدائرة في قطعة ( هـ ط ز ) فهي أعظم من نصف الكرة وذلك ما أردناه.

إليك المخطط.

١١٠

العظيمة تسمى دائرة النور ، وتفصل أيضاً بين المرئي وغير المرئي منه دائرة اُخرى تسمى دائرة الرؤية ، وهي أيضا قريبة من العظيمة وليست عظيمة(١) ؛ لما ثبت في الشكل الرابع والعشرين من مناظر إقليدس(٢) أنّ ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها(٣) ، ويحيط به دائرة وهاتان الدائرتان يمكن أن تتطابقا

________________________

انظر : كتاب جرمي انيرين وبعديها : ٤ ، ضمن رسائل الخواجة نصير الدين الطوسي.

(١) إعلم أن المحقق النيشابوري أستدل في شرح التذكرة على أن دائرة الرؤية غير عظيمة بأن اقليدس بيّن في الثامن والعشرين من كتاتبه في المناظر[١١] : أنّ ما بين العينين إذا كان اصغر من قطر الكرة رؤي أصغر من نصف. ونحن انما عدلنا عن هذا الاستلال لأنّ المحقق الطوسيقدس‌سره بيّن في تحرير مناظر اقليدس خلاف هذا الشكل ، وفي أخويه ، وهما إذا كان ما بين العين أعظم من قطر الكرة ، رؤي منها أعظم من نصفها ، وإلّا فإنّ المراد بالعين في هذا ألشكل واخويه هما عينا شخصين لا شخص واحد ، لا عينيه بمنزلة عين واحدة عند أصحاب المناظر ، كما صرح به المحقق البيرجندي في شرح التذكرة ، ويظهر من كلام القوم ، منه قدس سره ، هامش ألمخطوط.

(٢) اقليدس الأول ـ ومعناه المفتاح ـ أو اوقليدس بن نوقراطس الدمشقي بن برنيقس ، حكيم فيلسوف رياضي ، يوناني الجنس ، شامي الديار ، نجار الصنعة ، ولد في صور أو الاسكندرية ، أب الرياضيات الفعلية ، له مؤلفات في الهندسة والرياضيات غاية في النفع ، لا زالت هي الأساس في هذا العلم حتى بعد مرور ٢٣ قرناً عليها ، نقلت مؤلفاته إلى العربية بواسطة ألعالم العربي حنين بن إسحاق ، ونقحها ثابت بن قره حدود سنة ٢١١ هـ.

له حكم جليلة منها : قال له رجل : أني لا آلو جهداً في أن أفقدك حياتك ، فقال له : إنّي لا آلو جهداً في أن أفقدك غضبك.

قال له الملك بطليموس ـ وكان يحضر درسه في الرياضيات ـ يوماً ، بعد أن أعياه فهم الدرس : أما هناك طريقة أسهل لفهم الرياضيات؟ فقال له : ليس في ألرياضيات طريق ملكية!!.

وقال : العمل على الإنصاف ترك ألإقامة على المكروه. له مؤلفات منها : اصول اقليدس أو اقليدس تسمية للكتاب باسم المؤلف ، المناظر ، التحرير ، ألمرايا. وخير شروحها شرح الفيلسوف الأعظم الخواجة نصير الدين الطوسي.

له ترجمة في تاريخ اليعقوبي ١ : ١٢٠ / دائرة معارف القرن العشرين ١ : ٤٣٣ / دائرة معارف البستاني ٤ : ٩١ / تاريخ الحكماء : ٦٢ / فهرست النديم : ٣٢٥ / مختصر الدول : ٣٨ / طبقات الحكماء : ٣٩ رقم ١٤ / لغة نامة دهخدا : ٣١٦٩ من حرف الألف.

(٣) لما تقدم في الهامش الأسبق اليك نص المصدر :

ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها ، وتحيط بها دائرة ، فلتكن الكرة مركزها « أ » ، والبصر « ب » ، ونصل « ب أ » ، ونخرج سطحاً طر ـ به ، ونقطع ألدائرة العظمى في الكرة التي عليها

١١١

[١٩ / ] ، وقد تتفارقان إما متوازيتين أو متقاطعتين ، أو لا ذا ولا ذاك. كما أوضحناه في تعليقاتنا على فارسية الهيئة(١) ولنأخذهما هنا عظيمتين كما فعل بعض

________________________

« ج ح ط د » ، ونرسم على قطر « ب أ » دائرة « أ ب ج » ، ونصل « ب ج » ، « ب د » ، « أج » ، « أ د ». فلأن « أج ب » نصف دائرة تكون زاوية « أج ب » قائمة ، وكذلك زاوية « أ د ب » ، « د ب ج ب د » تماسان دأئرة « ج ح ط » ونصل « ج د » ونخرج من « أ » ، خط « ح أ ط » موازياً له ، فزاوية « ك » قائمة.

واذا أدرنا مثلث « ب ك ج » على محور « ب ك » ألثابت إلى أن يعود إلى موضعه رسمت نقطة « ج » دائرة على ألكرة ، وبكون « ب ج » في جميع المواضع مماسا للكرة ، فترى الكرة بمنزلة تلك الدائرة ، ويكون المرئي منها أقل من نصفها لأن نصف الكرة ما يحويه « ح ج » ، « د ط » و « ج د » المرئي من شعاعي « ب ج » ، « ك د » أقل منه وذلك ما أردناه. وإليك التخطيط :

أنظر كتاب المناظر : ١٠ ، منظر ( كد ) ضمن رسائل الخواجه نصير الدين الطوسي.

(١) إنّ التطابق قد يحصل في ألإجتماع المرئي ، ويقع في كسوف تام. والتواري يكون في الاستقبال إن اتصل سمتهما ، والمخروطي على الاستقامة. والتقاطع كما في التربيع. والتقارن بلا توار ولا تقاطع قد يتحقق في المحاق ، وفي الاستقبال أيضاً ، إذا لم يحصل الشرط المذكور ، منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٢

الأعلام ، اذ لا تفاوت في الحس بين كلّ منهما وبين العظيمة ، ونجعل ما يقارب التطابق تطابقاً ، ونقول :

ا ذا اجتمع الشمس والقمر(١) صار وجهه المضيء إليها ، والمظلم إلينا ، وتتطابق الدائرتان وهو المحاق ، فإذا بُعد عنها يسيراً تقاطعت الدائرتان على حوادّ ومنفرجات ، ويرى من وجهه المضيء ما وقع منه بين الدائرتين في جهة الحادتين اللتين إلى صوب الشمس وهو الهلال.

ولا تزإل هذه القطعة تتزايد بتزايد البعد عن الشمس والحوادّ تتعاظم ، وإلمنفرجات تتصاغر حتى يصير التقاطع بين الدائرتين على قوائم ، ويحصل التربيع ، فيرى من الوجه المضيء نصفه ، ولا يزال يتزايد المرئي من المضيء ويتعاظم انفراج الزاويتين الأوليين إلى وقت الاستقبال ، فتطابق الدائرتان مرة ثانية ويصير الوجه المضيء إلينا وإلى الشمس معاً ، وهو البدر.

ثم يقع التقارب فيعود تقاطع الدائرتين على المختلفات أولاً ، ثم على قوائم ثانياً ، وحصل التربيع الثاني(٢) ، ثم يؤول الحال إلى التطابق فيعود المحاق ، وهكذا إلى ما يشاء الله سبحانه.

________________________

(١) المراد باجتماعهما كون موضعهما نقطة من مركز التربيع والاجتماع ، إما مستتر إن مرّ بهما خط خارج من مركز العالم. أو مرئي إن مر بهما خط خارج من موضع الناظر ، ويقال له الإجتماع الكسوفي ، منه قدس سره. هامش المخطوط.

(٢) إنّما قلنا في التربيع الأول « يحصل » بصيغة المضارع وفي التربيع الثاني « حصل » بصيغة الماضي لملاحظة نكتة وهي : أن تقاطع تينك الدائرتين على قوائم إنّما يكون قبل ألتربيع الأول ، وبعد التربيع ألثاني بزمان قليل ، لا في آن التربيع ، والّا لزم وقوع قائمتين في المثلث الحاصل من الخطوط ، الواصل أحدها من مركزي الشمس ودائرة النور ، وألاخرى بين المركزين والبصر الذي هو بمنزلة مركز الأرض ، إحدى القائمتين عند مركز الأرض لأن وترها ربع الدور ، والاخرى عند مركز الشمس ومركزها عموداً على سطحها ، وكون ألواصل بين البصر ومركز هذه الدائرة في سطحها ، فيحيط هذان الخطان لا محالة بزاوية قائمة ، ولا يجوز أن يكون تقاطع تينك الدائرتين على زوايا قوائم بعد التربيع الأول ، وقبل الثاني ، وإلا لزم في المثلث عند البصر لكون وترها أكثر عند مركز الدائرة ، منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٣

 تبيان:

لا يخفي أن حكمهم بأن نور القمر مستفاداً من الشمس ليس مستنداً إلى مجرد ما يشاهد من اختلاف المتشكلات النورية بقربه وبعده عن الشمس ، فإنّ هذا وحده لا يوجب ذلك الحكم قطعاً ، بل لا بد مع ذلك من ضمّ أُمور اُخر ، كحصول الخسوف عند توسط الأرض بينه وبين الشمس ، إلى غيرذلك من الأمارات التي يوجب اجتماعها ذلك الحكم ، لجواز أن يكون نصفه مضيئاً من ذاته ونصفه مظلما ، ويدور على نفسه بحركة مساوية لحركة فلكه.

فإذا تحرك بعد المحاق يسيراً رأيناه هلالاً ، ويزداد فنراه بدراً ، ثم يميل نصفه المظلم شيئاً فشيئاً إلى أن يؤول إلى المحاق.

أ قول : وهذا هو مقصود ابن الهيثم(١) بلا شك ومرية ، لا ما ظنّه صاحب حكمة العين(٢) حيث قال : زعم ابن الهيثم : أن القمر كرة يصفها مضيء

________________________

(١) أبو علي ، الحسن بن ألحسن بن الهيثم ، وقيل : محمد بن الحسين ، علم من أعلام الرياضيات ، والطبيعيات ، وألطب ، والفلسفة ، فاضل النفس ، قوي ألذكاء ، لم يماثله أحد من أهل زمانه في الرياضيات ، لخص كثيراً من كتب ارسطو طاليس ، وشرحها ، وهكذا جالينوس ، كان حسن الخط جيده ، أصله من البصرة ، أقام في مصر اخريات عمره ، له المناظر الجامع في أصول الحساب ، الطب ، تحليل المسائل ألهندسية ، مقالة في الضوء ، اختلاف منظر القمر ، وغيرها كثير مات سنة ٤٣٠ هـ ١٠٣٨ م.

له ترجمة في : طبقات ألأطباء : ٥٥٠ / دائرة المعارف الاسلامية ١ : ٢٩٨ / تاريخ ألحكماء : ١٦٥ / تاريخ مختصر ألدول : ١٨٢ / كشف الظنون ١ : ١٣٨ / الأعلام ٦ : ٨٤ ، ٢ : ١٨٧ / معجم المؤلفين ٣ : ٢١٥.

(٢) هو : علي بن عمر بن علي ، المعروف بدبيران المنطقي ، أو الكاتبي القزويني ، الشافعي ، من أساتذة فنون الحكمة وألكلام ، والطب والنجوم ، و. و. و. ، دعاه الخواجه نصير الدين الطوسي للمشاركة في رصد مراغة سنة ٦٥٠ فأجاب ، وبدأ أعماله وتحقيقاته هناك مع زملائه ألأفاضل. تتلمذ على جمع منهم النصير الطوسي ، ومحمد بن أشرف الحكيم الحسيني ، والأثير ألاساغوجي ، وكان له تلامذة يشار إليهم بالبنان ، منهم : العماد القزويني ، والكازروني ، وألعلامة الحلي. له مؤلفات منها : رسالة إثبات الواجب ، الشمسية في المنطق ، عين القواعد ،

١١٤

 ونصفها مظلم ، وتتحرك على نفسها ، فاذا مال النصف المضيء إلينا نراه هلالاً ، وتتحرك بحيث يصيرنصفها المضيء كله إلينا عند المقابلة وعلى هذا دائماً.

ثم قال : وهوضعيف ، وإلّا لما انخسف [٢٠ / ] في شيء من الاستقبالات أصلاً(١) ، انتهى كلامه.

وقد وافقه صاحب المواقف في هذا الظن قائلاً : إنَّ الخسوف يبطل كلام ابن الهيثم(٢) .

و هذا منهما عجيب ، وابن الهيثم أرفع شانا في هذا العلم من أن يظن صدور مثل هذا عنه ، وكلامه ينادي بأنّ قصده ما ذكرناه ، حيث قال : إنّ التشكلات النورية للقمر لا يوجب الجزم بأن نوره مستفاد من الشمس ، لاحتمال أن يكون القمركرة نصفها مضيء ونصفها مظلم ، ويتحرك على نفسه ، فيرى هلالاً ، ثم بدراً ، ثم ينمحق ، وهكذا دائماً(٣) انتهى كلامه ، وهو كلام لا غبار عليه أصلاً.

والعجب أنّ هذا الكلام نقله شارح حكمة العين(٤) عنه ، ولم يتفطن لما هو مقصوده منه ، فإياك وقلة التأمل.

________________________

بحر الفوائد ، جامع الدقائق ، المفصل في شرح المحصل ، وحكمة العين أو عين القواعد وغيرها كثير.

مات سنة ٦٧٨ وقيل ٦٧٥ هـ = ١٢٧٩ ـ ١٢٧٦ م.

له ترجمة في فوات الوفيات ٣ : ٥٦ رقم ٣٤٦ / الاعلام ٤ : ٣١٥ / تاريخ مختصر الدول : ٢٨٧ / تاريخ الفلك : ٣٦ / معجم المؤلفين ٧ : ١٥٩ / مقدمة حكمة العين فارسية / كشف الظنون ١ : ٦٨٥ / هدية العارفين ١ : ٧١٣ ناسباً له إلى التشيع / هدية الأحباب : ٢٤٢.

(١) حكمة العين ، ذيل المبحث الخامس من المقالة الثالثة من القسم الثاني في العلم الطبيعي. وانظر شرح حكمة العين للبخاري : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٢) المواقف : ٢١٤ ، وانظر شرح الشريف الجرجاني ٢ / ٤٣٧ ، المقصد الثالث في كسوف الشمس ، من القسم الثاني في الكواكب ، من الموقف الرابع في الجواهر.

(٣) أنظر الهامش رقم (١).

(٤) انظر الهامش رقم (٢).

١١٥

إرشاد :

لعلك تقول ـ عند ملاحظة قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » ـ : أنَّ حصول الإمتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر ، فما معنى حصول الامتهان له بزيادة النور؟ فاقول فيه وجهان :

ا لأول : أنّه لمّا كان أحد وجهيه مستنيراً بالشمس دائماً ، وكانت زيادة نوره إنما هي بحسب إحساسنا فقط ، وقد سخره الأمر الالهي لأن يتحرك في النصف الأول من الشهر على نهج لا يزيد به المنير منه في كل ليلة إلّا شيئاً يسيراً ، لا يستطيع أن يتخطاه ، ولا يقدر على أن يتعدّاه ، أثبتعليه‌السلام  له الامتهان ، بسبب إذلاله وتسخيره للزيادة على هذا الوجه المقرر ، والنهج الخاص. وقد شبّه بعضهم حال القمر ، في ظهور القدر المرئيّ منه شيئاً فشيئاً في النصف الأول من الشهر إلى أن يصير بدراً ، ثم استتاره شيئاً فشيئاً في النصف الثاني إلى أن يختفي ؛ بما إذا أمر السيد عبده بان لا يكشف النقاب عن وجهه للناظرين إلّا على التدريج شيئاً فشيئاً في مدة معينة ، وأنّه متى انكشف وجهه بأجمعه فليبادر في الحال إلى ستره ، وارخاء النقاب عليه شيئاً فشيئاً إلى أن يختفي بأجمعه عن الأبصار.

ا لوجه الثاني : أن يكون مرادهعليه‌السلام  الامتهان [٢١ / ] بمجموع الزيادة والنقصان ، أعني التغير من حال إلى حال ، وعدم البقاء على شكل واحد ، ولعل هذا الوجه أقرب ، وهو جار فيما نسبهعليه‌السلام  إليه من الامتهان بالطلوع والافول ، والإنارة والكسوف.

و يمكن أن يوجه امتهانه بالإنارة بوجه آخر ، وهو : أن يراد بها إعطاؤه النور للغير ـ كوجه الأرض مثلاً ـ لا اتصافه هو بالنور ، فان الإنارة والإضاءة كما جاءا في اللغة لازمين فقد جاءا متعديين أيضاً(١) ، وحينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف

________________________

(١) انظر لسان العرب ١ : ١١٢ / الصحاح ١ : ٦٠ ، مادة « ضوء » فيهما.

ولسان العرب ٥ : ٢٤٠ / الصحاح ٢ / ٨٣٩ ، مادة « نور » فيهما.

١١٦

كسفه للشمس ، ليتم المقابلة ، ويصير المعنى امتهنك بأن تفيض النور على الغير تارة وتسلبه عنه أُخرى ، ولو أريد المعنى الشامل للخسوف أو نفس الخسوف أيضا لم يكن فيه بعد ، والله أعلم.

تمهيد :

لمّا كانت الشمس ملازمة لمنطقة البروج ، وكانت أعظم من الأرض(١) كان المستنير بأشعتها أعظم من نصفها ، والمظلم أقل كما عرفت سابقاً ، وحصل مخروط مؤلف من قطعتين ، ترتسم احداهما من الخطوط الشعاعية الواصلة بين الشمس وسطح الأرض ، ويسمى مخروط النور والمخروط العظيم ، والاخرى من ظل الأرض وتسمى مخروط الظلّ ، والمخروط الصغير ، ويحيط به طبقة يشوبها ضوء مع بياض يسير ، ثم طبقة اُخرى يشوبها مع ضوء يسيرصفرة ، ثم طبقة أخرى يشوبها يسير حمرة ، وهذه الطبقات الثلاث تظهر للبصر في المشرق من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بهذا الترتيب ، وبعكسه بعد غروبها في المغرب ، وقاعدة المخروط العظيم [٢٢ / ] على كرة الشمس منصّفة بمنطقة البروج ، وسهمه في سطحها ، وينتهي رأسه في أفلاك الزهرة عند كون الشمس في الأوج ، وفيما دونه فيما دونها ، وقاعدة المخروط الصغير صغيرة على وجه الأرض ، وهي الفصل المشترك بين المنير منها والمظلم ، وهذان المخروطان يتحركان(٢) على سطح الأرض كأنهما جبلان شامخان ، يدوران حولها على التبادل ، أحدهما أبيض ساطع ، والاخر أسود حالك ، عليه ملابس متلونة ، ويتحرك الأبيض من المشرق إلى المغرب ، وهو النهار لمن هو تحته ، والأسود بالعكس وهو الليل لمن هو تحته ، فتبارك الله أحسن الخالقين.

________________________

(١) لما ثبت في الأجرام : أن الشمس مائة وستة وستون مثلاً وربع وثلثي مثل الأرض. منه ، قدس سره ، هامش الأصل.

(٢) وحركتها بقدر الفاضل بين حركة الفلك الأعلى ـ أعني الحركة اليومية ـ والحركة الحاصلة للشمس. وفي التحفة : إن هذه الحركة بحسب الحركة الأولى ، وفيه ما فيه ، ولعل مراده ما ذكرناه ، وإن كانت عبارته قاصرة عن مراده منه ، قدس سره. هامش المخطوط.

١١٧

وإذا توهّمنا سطحاً كرّياً مركزه مركز العالم ، يمر بمركز القمر وبالمخروط الصغير فالدائرة الحادثة منه على جرم القمر تسمى صفحة القمر ، والحادثة على سطح المخروط دائرة الظّل ، ومركزها على منطقة البروج.

تلويح فيه توضيح :

إذا لاقى القمر مخروط الظّل في الاستقبال ، ووقعت صفحته كلّها أو بعضها في دائرة الظل ، انقطعت الأشعة الشمسيّة عنه كلاً أو بعضا ، وهو الخسوف الكلّي أو الجزئي ، ولكون غاية عرض القمر ـ وهي خمسة أجزاء ـ أعظم من مجموع نصفي قطري صفحته ودائرة الظلّ ، لم ينخسف في كلّ استقبال(١) [٢٣ / أ] ، بل إذا كان عديم العرض ، أو كان عرضه ـ وهو بُعد مركزه عن مركز دائرة الظل ـ أقل من نصفها(٢) إذ لو كان مساويا لها ماسّ القمر محيط دائرة الظلّ من خارج على نقطة في جهة عرضه ، ولم ينخسف ، وان كان أكثر فبطريق أولى ، أما إن كان العرض أقل من النصفين انخسف أقل من نصف قطره إن كان العرض الأقل أكبر من نصف قطر دائرة الظلّ ، ونصف قطره إن كان مساويا له ، لمرور دائرة الظلّ بمركز الصفحة حينئذ ، وأكثر منه(٣) إن كان أقل منه ، وأكثرمن فضل نصف قطر دائرة الظلّ على نصف قطر القمر ، وكله(٤) غير(٥) ماكث إن كان مساوياً لفضل نصف قطر دائرة الظلّ على نصف قطر القمر ، لمماسّة القمر محيط الظلّ من داخل على نقطة في جهة عرضه ، وماكثاً بحسب ما

________________________

(١) لو كان مدار القمر في سطح منطقة البروج ، لا نخسف في كل استقبال ، لكون مركز دائرة الظلّ أبداً منها ، لكنه لما كان القمر في منطقة الحامل لم يدخل شيء منه في دائرة الظل إلآ إذا قارب وهذا ظاهرجلي. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٢) أي : من مجموع نصفي الشطرين. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٣) أي : وانخسف أكثر من نصفي قطره لا كلّه إن كان العرض أقل من نصف قطر دائرة الظل وأكثر من عليه. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٤) أي : والخسف كلّه حال كون الخسوف غير ماكث. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٥) بالنصب حال من « كلّه » منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٨

يقع في دائرة الظل إن كان أقل من هذا الفصل ، وغاية المكث إذا كان عديم العرض ، وأول الخسوف يشبه أثراً دخانياً ، ثم يزداد تراكماً بازدياد توغل القمر في الظلّ ، بان كان عرضه أقل من عشر دقائق كان لونه أسود حالكاً ، وإلى عشرين فأسود ضارباً إلى خضرة ، وإلى ثلاثين فإلى حمرة ، وإلى أربعين فإلى صفرة ، وإلى خمسين فأغبر ، وإلى ستين فأشهب.

و ابتداء الانجلاء من شرقي القمر [٢٣ / ب] ، كما أن ابتداء الخسوف كذلك.

تنبيه وتبيين :

الأحوال المشهورة الحاصلة للقمر كثيرة ، فبعضها يشاركه فيها سائر الكواكب ، كالإنارة والطلوع والأُفول ونحوها ، وهي كثيرة ولا حاجة داعية إلى ضبطها ، وبعضها امور تختص به لا توجد في غيره من الكواكب ، وقد اعتنى أهل الهيئة بالبحث عنها ، وأشهرها ستة :

سرعة الحركة ، واختلاف تشكلاته النورية ، واكتسابه النور من الشمس ، وخسوفه لحيلولة الأرض بينهما ، وحجبه لنورها بالكسف لها ، وتفاوت أجزاء صفحته في النور وهو المسمى بالمحو.

وهذه الأحوال الستة يمكن فهمها من كلامهعليه‌السلام  بعضها بالتصريح وبعضها بالتلويح.

أمّا سرعة حركته واختلاف تشكّلاته فظاهر ؛ وأمّا كسفه للشمس وخسوفه فلما مرّ من حمل الكسوف في كلامهعليه‌السلام  على ما يشمل الأمرين معاً ؛ وأمّا اكتسابه النور من الشمس فلدلالة اختلاف التشكّلات مع الخسوف عليه.

فهذه الأمور الخمسة تفهم من كلامهعليه‌السلام  على هذا النهج ، وبقي الأمر السادس ـ أعني تفاوت أجزائه في النور ـ فإنّ في إشعار كلامهعليه‌السلام  به نوع خفاء ؛ ويمكن أن يومىء إليه قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة

١١٩

و النقصان ». فإن المراد زيادة النور ونقصانه ، ولا معنى لتفاوت أجزائه في النور إلّا زيادته في بعض ونقصانه في بعض آخركما لا يخفى [٢٤ / أ].

فقد تضمن كلامهعليه‌السلام  مجموع تلك الأحوال الستة المختصة بالقمر ، وقد مر الكلام في الأربعة الاُول منها ، وبقي الكلام في الأخيرين فنقول :

أ مّا الكسوف : فهو ذهاب الضوء عن جرم الشمس في الحسّ كلّا أو بعضاً ، لستر القمر وجهها المواجه لنا كلاً أو بعضاً ، وذلك عند كونهما بحيث يمرخط خارج من البصر بهما ، إمّا مع اتحاد موضعيهما المرئيين ، أو كون البعد بينهما أقل من مجموع نصفي قطريهما ، فلو تساويا ماسّها ولا كسف ، وإن زاد الأول فبالأولى ، فإن وقع مركزاهما على الخط المذكور كسفها كلّها بلا مكث ، إن كان قطراهما متساويين حساً ، ومع مكثه إن كان قطراها أصغر ، وبقي منها حلقة نورانية إن كان قطرها أعظم ، وإن لم يقعا على ذلك الخط كسف منها بعضاً أبداً إلّا إذا كان قطره أعظم حسا فقد يكسفها حينئذ كلا ، وربما يبقي منها حلقةً نورانية مختلفة الثخن أو قطعة نعلية إن كان قطره أصغر.

و لمّا كان الكسوف غير عارض للشمس لذاتها ، بل بالقياس إلى رؤيتها بحسب كيفية توسط القمر بينها وبين الأبصار ، أمكن وقوعه في بقعة دون أُخرى ، مع كون الشمس فوق أفقيهما ، وكونه في احداهما كلّياً أو أكثر ، وفي أُخرى جزئياً أو أقل ، وابتداء الكسوف من غربيّ الشمس ، كما أنّ ابتداء الانجلاء كذلك.

تتمة :

وأمّا محو القمر : ـ وهي الظلمة المحسوسة في صفحته ـ فأمره ملتبس ، والآراء فيه متشعبة والأقوال متخالفة ، وابن سينا في الشفاء(١) أطنب في بيان

________________________

(١) الشفاء ، الطبيعيات ٢ : ٣٧ ، الفصل الخامس أحوال الكواكب ومحو القمر.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

ولديها(١) .

وقد وجدت حديث سيادتهما وحدهما ، أو مع أمّهما ، في « مسند أحمد » ، عن أبي سعيد ، من عدّة طرق(٢)

وعن حذيفة من طريقين(٣)

واعلم أنّه جاء في بعض ما أشرنا إليه من الأخبار أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة إلّا ابني الخالة عيسى ويحيى(٤) .

والظاهر أنّه من قلم التصرّف ؛ لأنّ المراد بالشباب : إمّا الشباب في الدنيا أو في الآخرة

لا شكّ أنّه لا يراد الأوّل ؛ لأنّ الحسنين في أيّام كلام جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله كانا طفلين ، وبلحاظ ما بلغاه من السنّ ، كان الحسن كهلا والحسين شيخا

كما أنّ عيسى حينما رفعه الله تعالى قد بلغ سنّ الكهولة أو تجاوزه ؛ لقوله تعالى :( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (٥) ، وحينما ينزله يوم خروج المهديّ عجّل الله فرجه يكون من أكبر الأنبياء سنّا

__________________

(١) كما في : سنن الترمذي ٥ / ٦١٩ ح ٣٧٨١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٩٥ ح ٨٣٦٥ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٩٩٠ ح ١٤٠٦ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٣ ح ١٠٠٥ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٩٦ ح ٤٨٣٥ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢٠٧ وج ١٤ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٢) ص ٣ و ٦٢ و ٦٤ و ٨٢ ج ٣. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٣٩١ و ٣٩٢ ج ٥. منهقدس‌سره .

(٤) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٢ ح ٤٧٧٨ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٦ ح ٢٦٠٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٢.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ٤٦.

٤٦١

فكيف يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » ثمّ يستثني عيسى؟!

فلا بدّ أن يكون المراد : هو الشباب في الآخرة.

وحينئذ فلا وجه لاستثناء عيسى ويحيى وحدهما ، والناس كلّهم شباب في الجنّة ، ومنهم من هو أفضل من يحيى ، كنوح وإبراهيم وموسى.

فلا بدّ أن يكون الاستثناء باطلا ، ويكون الحسنان سيّدي شباب أهل الجنّة من دون استثناء ، كما تواترت به أخبارنا(١) ، واستفاضت به بقيّة أخبارهم(٢) .

__________________

(١) انظر مثلا : كتاب سليم ٢ / ٧٣٤ ح ٢١ ، قرب الإسناد : ١١١ ح ٣٨٦ ، الغيبة ـ للنعماني ـ : ٦٥ ح ١ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ / ٣٠ ح ١٢ وص ٣٦ ح ٥٦ ، الخصال : ٣٢٠ ح ١ وص ٥٥٠ و ٥٧٥ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٧٤ ح ٤٢ وص ١١٢ ح ٩٠ وص ١٨٧ ح ١٩٦ وص ٢٤٥ ذ ح ٢٦٢ وص ٥٢٤ وص ٥٦٠ ح ٧٤٨ وص ٥٧٥ ح ٧٨٧ وص ٦٥٢ ح ٨٨٨ ، كمال الدين : ٢٥٨ ح ٣ وص ٢٦٣ ح ١٠ وص ٦٦٩ ح ١٤ ، معاني الأخبار : ١٢٤ ح ١ ، دعائم الإسلام ١ / ٣٧ ، كفاية الأثر : ٣٨ و ١٠٠ و ١٠٢ و ١٢٤ و ١٤٤ ـ ١٤٥ و ٢٢٢ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ٢ / ٢٧ و ٩٧ ، الأمالي ـ للمفيد ـ : ٢١ ح ٢ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٨٥ ح ١٢٧ وص ٣١٢ ح ٦٣٤ ، مئة منقبة : ٤٢ رقم ٢ ، الاحتجاج ١ / ١٥٨ ، إعلام الورى ١ / ٤٠٧ ، روضة الواعظين ١ / ٣٣٧ ح ٣٤٦ وص ٣٦٠ ح ٣٨١ ، الخرائج والجرائح ١ / ٢٣٧ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٤٥.

(٢) بل يمكن القول بأنها قد تجاوزت حدّ الاستفاضة وبلغت التواتر بناء على ما هو المعتمد عندهم في بلوغ حد التواتر ، فقد حدّده بعضهم بالأربعة ، وقيل : خمسة ، كما عن الباقلّاني ، وقيل : سبعة ، وقيل : عشرة ، كما عن الإصطخري ، وقيل غير ذلك. انظر : شرح شرح نخبة الفكر : ١٦٤ ، تدريب الراوي ٢ / ١٧٦.

وقد روي هذا الحديث ـ كما تقدّم ـ من طريق : الإمام عليّ عليه السلام ، والإمام

٤٦٢

ولم يخرج من العموم إلّا جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه المتكلّم ، مع كون خروجه ضروريّا

وأبوهما ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كثير من هذه الأخبار : «وأبوهما خير منهما » ، كما رواه الحاكم في « المستدرك »(١) ، من طريق عن ابن مسعود ، وطريق عن ابن عمر ، واتّفق هو والذهبي على صحّة حديث ابن مسعود.

ونقله في « كنز العمّال »(٢) بلفظه ، أو بلفظ : «وأبوهما أفضل منهما » ، عن ابن عساكر ، عن عليّعليه‌السلام

وعن النسائي وابن عساكر ، عن ابن عمر ؛ وعن الطبراني ، عن قرّة ومالك بن الحويرث(٣)

ونقله أيضا بعد ذلك(٤) ، عن الديلمي ، عن أنس ؛ وعن الطبراني ،

__________________

الحسين بن عليّعليه‌السلام ، وعمر بن الخطّاب ، وأبي هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وحذيفة بن اليمان ، وقرّة بن إياس ، وأسامة بن زيد ، ومالك بن الحويرث ، والبراء ابن عازب ، وابن عمر ، وبريدة ، وأنس بن مالك ، وجهم ، وابن عبّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وابن أبي رمثة ، وبعض طرق أبي سعيد الخدري

فهذه ثمانية عشر طريقا لم يرد فيها الاستثناء ؛ فلاحظ!

(١) ص ١٦٧ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٨٢ ح ٤٧٧٩ و ٤٧٨٠ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٢٠ من الجزء السادس [ ١٢ / ١١٢ ح ٣٤٢٤٦ و ٣٤٢٤٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ دمشق ١٣ / ٢٠٩.

(٣) كنز العمّال ١٢ / ١١٥ ح ٣٤٢٥٩ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٤٩ ح ٨٥٢٥ ـ ٨٥٢٧ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢٠٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٩ ح ٢٦١٧ وج ١٩ / ٢٩٢ ح ٦٥٠.

نقول : لم ترد فقرة « وأبوهما أفضل ـ أو : خير ـ منهما » في رواية النسائي ، كما إنّ سنده ينتهي إلى أبي سعيد بدل ابن عمر ؛ فلاحظ!

(٤) ص ٢٢٢ ج ٦ [ ١٢ / ١٢٢ ح ٣٤٢٩٣ و ٣٤٢٩٥ ]. منهقدس‌سره .

٤٦٣

عن حذيفة.

ولو سلّم صحّة الاستثناء المذكور ، فهو كالنصّ في سيادة الحسنين لبقيّة الأنبياء ، وهو الشرف الذي لا يوازى ، ودليل فضلهما على بقيّة الأنبياء ، فكيف بآحاد أمّتنا وغيرها؟!

وإنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سيّدا شباب أهل الجنّة » ولم يقل : « [ سيّدا ](١) أهل الجنّة » ؛ للإشارة إلى أنّ أهل الجنّة شباب كلّهم.

وفي بعض أخبارنا أنّ جميع أهل الجنّة شباب إلّا محمّدا وعليّا وآدم ونوحا وإبراهيم ، فإنّهم شيب.

وعليه : فيتّجه التقييد بالشباب ، ويرتفع الإشكال عن خروج محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام .

هذا ، ولمّا أراد بعض القوم أن يناظر الحسنين بالشيخين ، وضع على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة(٢) ، وما تصوّر أنّهما في الدنيا بلغا سنّ الشيخوخة حتّى في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ أهل الجنّة شباب لا كهل فيهم.

وقد ذكر في « ميزان الاعتدال » حديث أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة ، بترجمة محمّد بن كثير الصنعاني ، كما ذكرناه بترجمته في مقدّمة الكتاب ، وذكرنا أنّ ابن المديني بعدما سمع روايته لهذا الحديث قال : « لا أحبّ

__________________

وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٣٨٥ ح ٧٢٢٧ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٧ ـ ٣٨ ح ٢٦٠٨.

(١) أثبتناه لضرورة النسق.

(٢) كنز العمّال ١٣ / ١٠ ح ٣٦١٠٤ و ٣٦١٠٥.

٤٦٤

أن أراه »(١) .

وينبغي التعرّض ـ أيضا ـ لما رواه المصنّفرحمه‌الله ، عن جابر ، من ركوب الحسنينعليهما‌السلام على ظهر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقوله : «نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما »(٢)

فنقول : نقله في « كنز العمّال » ، في فضائل الحسنين(٣) ، عن ابن عديّ ، والرامهرمزي في « الأمثال » ، وعن ابن عساكر من ثلاثة طرق ، وكلّهم عن جابر ، إلّا أنّه قال في إحدى روايات ابن عساكر : دخلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يمشي بينهما(٤) ، فقلت : نعم الجمل جملكما ؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ونعم الراكبان هما »(٥) .

ونقله أيضا عن الطبراني ، عن سلمان ـ بقصّة طويلة أخرى ـ ، قال : « كنّا حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاءت أمّ أيمن ، فقالت : يا رسول الله! لقد ضلّ الحسن والحسين ، وذلك رأد(٦) النهار.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :قوموا فاطلبوا ابنيّ !

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٢٤٥ رقم ٢٩٨ من هذا الكتاب ، وانظر : ميزان الاعتدال ٦ / ٣١٢ رقم ٨١٠٦.

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٤٥١.

(٣) ص ١٠٨ من الجزء السابع [ ١٣ / ٦٦٣ ح ٣٧٦٨٧ وص ٦٦٤ ح ٣٧٦٨٩ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ٢٥٩ رقم ١٤٠٤ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٤) في المصدر : « بهما » ، وهو المناسب لتتمّة الحديث ؛ فلاحظ!

(٥) كنز العمّال ١٣ / ٦٦٤ ح ٣٧٦٩٠ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢١٦.

(٦) الرّأد : رونق الضحى ، وقيل : هو بعد انبساط الشمس وارتفاع النهار ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٧٩ مادّة « رأد ».

٤٦٥

وأخذ كلّ رجل تجاه وجهه ، وأخذت نحو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، [ فلم يزل حتّى أتى سطح جبل ] ، وإذا الحسن والحسين يلتزق كلّ واحد منهما صاحبه ، وإذا شجاع(١) قائم على ذنبه يخرج من فيه شبه النار ، فأسرع إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالتفت مخاطبا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ انساب فدخل بعض الأحجرة ، ثمّ أتاهما فأفرق بينهما ومسح وجوههما ، وقال : «بأبي وأمّي أنتما! ما أكرمكما على الله ! » ، ثمّ حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر.

فقلت : طوبى لكما! نعم المطيّة مطيّتكما.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :ونعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما »(٢) .

وروى الترمذي ، في مناقب الحسنين ، عن ابن عبّاس ، قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حامل الحسن(٣) على عاتقه ، فقال رجل : نعم المركب ركبت يا غلام!

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :ونعم الراكب هو (٤) .

ورواه الحاكم في فضائل الحسن(٥) .

__________________

(١) شجاع ـ بالضمّ والكسر ـ : هي الحيّة الذكر ، وقيل : الحيّة مطلقا ؛ انظر مادّة « شجع » في : النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٤٤٧ ، لسان العرب ٧ / ٣٨.

(٢) كنز العمّال ١٣ / ٦٦٢ ـ ٦٦٣ ح ٣٧٦٨٥ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ ح ٢٦٧٧.

(٣) كذا في الأصل ، وفي المصدر : « الحسين ».

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٠ ح ٣٧٨٤.

(٥) ص ١٧٠ من الجزء الثالث [ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٦ ح ٤٧٩٤ ]. منهقدس‌سره .

وقال الحاكم : « حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه ».

٤٦٦

وقريب من ذلك ما رواه الحاكم(١) في « المستدرك » أيضا ، في فضائل الحسنينعليهما‌السلام ، وصحّحه ، عن أبي هريرة ، قال : « كنّا نصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العشاء ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا ، فإذا عاد عادا ، فلمّا صلّى جعل واحدا هاهنا ، وواحدا هاهنا.

فقلت : يا رسول الله! ألا أذهب بهما إلى أمّهما؟

قال : لا.

فبرقت برقة ، فقال :إلحقا بأمّكما .

فما زالا يمشيان في ضوئها حتّى دخلا ».

ومثله في « مسند أحمد » من طريقين ، عن أبي هريرة(٢) .

ونقله في « كنز العمّال »(٣) ، عن ابن عساكر ، من طريقين ، عن أبي هريرة.

وأمّا أحاديث حبّ النبيّ للحسنين فمتواترة ، ومن أحسنها ما رواه الحاكم(٤) وصحّحه ، عن أبي هريرة ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :من أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

ونقله في « كنز العمّال »(٥) ، عن أحمد في « مسنده » ، وابن ماجة.

__________________

(١) ص ١٦٧ ج ٣ [ ٣ / ١٨٣ ح ٤٧٨٢ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٥١٣ من الجزء الثاني. منهقدس‌سره .

(٣) ص ١٠٩ من الجزء السابع [ ١٣ / ٦٦٩ ح ٣٧٧٠٦ و ٣٧٧٠٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ دمشق ١٣ / ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٤) ص ١٦٦ ج ٣ [ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٢ ح ٤٧٧٧ ]. منهقدس‌سره .

ووافقه الذهبي في « تلخيص المستدرك » ، وقال : « صحيح ».

(٥) ص ٢٢٠ من الجزء السادس [ ١٢ / ١١٦ ح ٣٤٢٦٨ ]. منهقدس‌سره .

٤٦٧

وروى الحاكم ـ أيضا ـ قبل الحديث المذكور ، وصحّحه على شرط الشيخين ، عن سلمان ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :الحسن والحسين ابناي ، من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبني أحبّ (١) الله ، ومن أحبّ (٢) الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار.

وتعقّبه الذهبيّ بقوله : « هذا حديث منكر ، وإنّما رواه بقيّ بن خالد(٣) بإسناد آخر واه ، عن زاذان ، عن سلمان »(٤) .

أقول :

حقّا له أن يستنكره ؛ لأنّه يستوجب دخول أكثر أوليائه النار ، ومجرّد روايته بإسناد آخر واه لا يمنع من روايته بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، ولذا لم يناقش الذهبيّ في هذا الإسناد!

__________________

وانظر : مسند أحمد ٢ / ٢٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١ ح ١٤٣.

(١) كذا في الأصل ، وفي المصدر : « أحبّه ».

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصدر : « أحبّه ».

(٣) كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، والصحيح : « مخلد ».

وهو : أبو عبد الرحمن بقيّ بن مخلد الأندلسي القرطبي ، الحافظ ، ولد في حدود سنة ٢٠٠ ه‍ ، أو قبلها بقليل ، وتفقّه في إفريقيّة ، وحمل الحديث عن أهل الحرمين ومصر والشام والعراق ، كان ذا خاصّة من أحمد بن حنبل ، وجاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي ، له من المصنّفات : تفسير ومسند وجزء في ما روي في الحوض والكوثر توفّي سنة ٢٧٦ ه‍.

انظر : تاريخ دمشق ١٠ / ٣٥٤ رقم ٩٣٥ ، طبقات الحنابلة ١ / ١١٢ رقم ١٤١ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٨٥ رقم ١٣٧ ، تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٢٩ رقم ٦٥٦ ، طبقات الحفّاظ : ٢٨١ رقم ٦٣٣.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨١ ح ٤٧٧٦.

٤٦٨

وحكى نحوه في « كنز العمّال »(١) ، عن أبي نعيم وابن عساكر ، عن سلمان ؛ وعن أبي نعيم ، عن أبي هريرة ؛ لكن بهذا اللفظ : «من أحبّهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله جنّات النّعم ، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله جهنّم ، وله عذاب مقيم ».

وأمّا حديث فداء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنه إبراهيم للحسينعليه‌السلام ، فقد وردت به أخبارنا أيضا(٢) .

وحكاه السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن الخطيب ، وقال : « زعم ابن الجوزي أنّه موضوع ، آفته محمّد بن الحسن النقّاش »(٣) .

وفيه ـ مع ما عرفت في مقدّمة الكتاب من أنّ من روى فضيلة لأهل البيت ثقة فيها(٤) ـ : إنّ النقّاش ممّن أثنى عليه أبو عمرو الداني(٥) ، وكان شيخ المقرئين في عصره ، ورحل إلى عدّة مدائن في طلب

__________________

(١) ص ٢٢١ ج ٦ [ ١٢ / ١١٩ ـ ١٢٠ ح ٣٤٢٨٤ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ دمشق ١٤ / ١٥٦ ، معرفة الصحابة ٢ / ٦٦٩ ح ١٧٩٧.

(٢) انظر : مناقب آل أبي طالب ٤ / ٨٨ ـ ٨٩ ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : ٢٠٢ ح ٢٨٩.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، وانظر : تاريخ بغداد ٢ / ٢٠٤ رقم ٦٣٥ ، الموضوعات ١ / ٤٠٧.

(٤) راجع : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٥) قال الداني فيه : « النقّاش جائز القول ، مقبول الشهادة » ؛ انظر : غاية النهاية في طبقات القرّاء ٢ / ١٢١ ذيل الرقم ٢٩٣٨.

أمّا الداني فهو : أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي ، مولاهم الأندلسي ، القرطبي ثمّ الداني ، ويعرف بابن الصيرفي ، صاحب التصانيف الكثيرة في القراءات والقرآن ، ولد سنة ٣٧١ ه‍ ، وتوفّي سنة ٤٤٤ ه‍ ودفن

٤٦٩

العلم ، واحتيج إليه ، كما ذكره في « ميزان الاعتدال »(١) ، فأيّ داع له ـ وهو من أهل السنّة ـ إلى وضع هذا الحديث ، ويسقط نفسه بين قومه؟!

* * *

__________________

بمقبرة دانية.

والداني : نسبة إلى دانية ، وهي مدينة بالأندلس من أعمال بلنسية ، على ضفة البحر شرقا ، مرساها عجيب يسمّى السّمّان ، ولها رساتيق واسعة كثيرة التين والعنب واللوز.

انظر : سير أعلام النبلاء ١٨ / ٧٧ رقم ٣٦ ، معجم البلدان ٢ / ٤٩٤ رقم ٤٦٧١.

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ١١٥ رقم ٧٤١٠.

وقال فيه الذهبي ـ كذلك ـ ما نصّه : « أبو بكر النقّاش ، محمّد بن الحسن بن محمّد بن زياد بن هارون الموصلي ، ثمّ البغدادي ، المقرئ ، المفسّر ، أحد الأعلام ، ولد سنة ستّ وستّين ومئتين ».

انظر : معرفة القرّاء الكبار : ٢٩٤ رقم ٢٠٩.

٤٧٠

محبّته وموالاته

قال المصنّف ـ قدّس الله نفسه ـ(١) :

المطلب الثالث : في محبّته

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما في « مسند أحمد بن حنبل » ، وقد أخذ بيد حسن وحسين ـ : «من أحبّني وأحبّ هذين وأحبّ أباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة »(٢) .

وعن حذيفة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أحبّ أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها الله تعالى ، ثمّ قال لها : كوني ، فكانت ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي »(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو اجتمع الناس على حبّ عليّ لم يخلق الله النار »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «حبّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة ، وبغض عليّ

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٥٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ٧٧ ، ورواه في فضائل الصحابة ٢ / ٨٦٢ ـ ٨٦٣ ح ١١٨٥ ، وقد تقدّم تخريجه عن جمع من الحفّاظ في مبحث الحديث الخامس والعشرين ، في الصفحة ٢٣٥ من هذا الجزء ، فراجع!

(٣) انظر : فضائل الصحابة ٢ / ٨٢٦ ح ١١٣٢ ، حلية الأولياء ١ / ٨٦ وج ٤ / ١٧٤ رقم ٢٧٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٢ ـ ٢٠٤ ح ٢٦٠ ـ ٢٦٤.

(٤) فردوس الأخبار ٢ / ٢٠٣ ح ٥١٧٥ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٦٧ ح ٣٩ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٠٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٧٢ ح ٩ وج ٢ / ٢٩٠ ح ٨٣٠.

٤٧١

سيّئة لا ينفع معها حسنة »(١) .

وقال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعليّعليه‌السلام !

قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من أحبّ عليّا فقد أحبّني ، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني »(٢) .

ومن « المناقب » لخطيب خوارزم ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحبّ عليّا قبل الله منه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه.

ألا ومن أحبّ عليّا أعطاه بكلّ عرق في بدنه مدينة في الجنّة.

ألا ومن أحبّ آل محمّد أمن الحساب والميزان والصراط.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء.

ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة الله »(٣) .

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى(٤)

__________________

(١) فردوس الأخبار ١ / ٣٤٧ ح ٢٥٤٧ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧٥ ـ ٧٦ ح ٥٦ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٠٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٧٠ ح ٤ وص ٣٧٥ ح ٦ وج ٢ / ٧٥ ح ٥٤ وص ٢٩٢ ح ٨٤١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ح ٤٦٤٨ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠١ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٦٩ ـ ٧٠ ح ٤٤ ، وانظر : المعجم الكبير ٢٣ / ٣٨٠ ح ٩٠١ وفيه زيادة : « ومن أبغضني فقد أبغض الله ».

(٣) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧٢ ـ ٧٣ ح ٥١ ، مقتل الحسينعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧٢ ح ١٥ ، وانظر : تفسير الكشّاف ٣ / ٤٦٧ ، تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، تفسير القرطبي ١٦ / ١٦ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٥٥ ح ٥٢٤ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٢٢ ، جواهر العقدين : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٤) انظر : جواهر العقدين : ٣١٧ ـ ٣٤٠ ، الصواعق المحرقة : ٢٥٩ ـ ٢٧٤ وص ٣٣٩ ـ ٣٤٨.

٤٧٢

وآيات القرآن دالّة عليه

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلأَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) ، جعل مودّة عليّ وآله أجرا لرسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمة ، ولما هو أهله ، وأحبّوني لحبّ الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي »(٣) .

ومن « مناقب » الخوارزمي : عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من ناصب عليّا الخلافة بعدي فهو كافر ، وقد حارب الله ورسوله »(٤) .

ومنه : عن معاوية بن حيدة القشيري(٥) ، قال : سمعت

__________________

(١) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٢) تفسير البغوي ٤ / ١١١ ، تفسير الكشّاف ٣ / ٤٦٧ ، زاد المسير ٧ / ١١٧ ، تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ١٦٧ ، تفسير القرطبي ١٦ / ١٦ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٣٦٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١١٥ ، الدرّ المنثور ٧ / ٣٤٨ ، فتح القدير ٤ / ٥٣٧ ، روح المعاني ٢٥ / ٤٩.

(٣) رواه رزين العبدري في « الجمع بين الصحاح الستّة » نقلا عن « سنن أبي داود » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٤٦٤ ح ٧٤٩ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ ح ٣٧٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٦ ح ٢٦٣٩ وج ١٠ / ٢٨١ ح ١٠٦٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٦ ، حلية الأولياء ٣ / ٢١١ ، تاريخ بغداد ٤ / ١٦٠ رقم ١٨٣٣ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٥١ ح ١٨٠.

(٤) أخرجه الخوارزمي في كتابه كما في « مناقب عليّ » ـ للعيني الحيدرآبادي ـ : ٥٢ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٣ ح ٦٨.

(٥) كان في الأصل : « عن معاوية بن وحيد ، بخطّ القشيري » ، ووضع المصنّفقدس‌سره في المخطوط الحرف « خ » على كلمة « بخطّ » إشارة إلى أنّها نسخة بدل ؛ وكلّ ذلك

٤٧٣

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ : «يا عليّ! لا يبالي من مات وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا »(١) .

ومنه : عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : «كذب من زعم أنّه يبغضك ويحبّني »(٢) .

وعن أبي هريرة ، قال : أبصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وحسنا وحسينا وفاطمة ، فقال : «أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم »(٣) .

ومنه : عن ابن عبّاس ، قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : «أنت سيّد في الدنيا ، وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أحبّني

__________________

تصحيف ، وما أثبتناه في المتن هو الصحيح.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٢٥ رقم ٢٨٥٥ ، تاريخ الثقات ـ للعجلي ـ : ٤٣٢ رقم ١٥٩٢ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٣ / ٣٧٤ ، معرفة الصحابة ٥ / ٢٥٠٣ رقم ٢٦٥٨ ، الاستيعاب ٣ / ١٤١٥ رقم ٢٤٣٤ ، أسد الغابة ٤ / ٤٣٢ رقم ٤٩٧٥ ، تهذيب الكمال ١٨ / ١٩٨ رقم ٦٦٤٣ ، الإصابة ٦ / ١٤٩ رقم ٨٠٧١.

(١) انظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٦ ح ٧٤ ، فردوس الأخبار ٢ / ٤٨٢ ح ٨٣١٢ ، وراجع الصفحة ١٨٥ من هذا الجزء.

(٢) انظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٧ ح ٧٥ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧٦ ح ٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٦٨ ، كفاية الطالب : ٣٢٠.

(٣) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٥٦ ح ٣٨٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ح ١٤٥ ، مسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، فضائل الحصابة ٢ / ٩٦٢ ح ١٣٥٠ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٠ ح ٢٦١٩ ـ ٢٦٢١ وج ٥ / ١٨٤ ح ٥٠٣٠ و ٥٠٣١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٢ / ٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥١٢ ح ٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٦١ ح ٦٩٣٨ ، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ ٢ / ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦١ ح ٤٧١٣ و ٤٧١٤ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٥ ح ٩٠ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٩٠ ح ٤٨١٧ ، تاريخ دمشق ١٤ / ١٤٤ و ١٥٧ ـ ١٥٨ ، بغية الطلب ٦ / ٢٥٧٦.

٤٧٤

أحبّ الله عزّ وجلّ (١) ، وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدوّ الله ، ويل لمن أبغضك »(٢) .

* * *

__________________

(١) وفي نسخة : « وحبيبي حبيب الله عزّ وجلّ ». منهقدس‌سره .

(٢) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٢٧ ح ٣٣٧ ، وانظر : فضائل الصحابة ٢ / ٧٩٧ ح ١٠٩٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٦ رقم ١٥٧.

وقد تقدّم تخريجه في ج ١ / ١٢ ه‍ ٢ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

٤٧٥

وقال الفضل(١) :

ما ذكر في هذا المطلب من وجوب محبّة أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيّما عليّ بن أبي طالب ، فهو أمر لا منازع فيه ، والأخبار والآثار والدلائل على هذا المقصود عند أهل السنّة والجماعة كثيرة.

ولكن ذكر في هذا المطلب أخبارا منكرة موضوعة ، ظاهر عليها أثر الوضع والنّكارة(٢) والمجهولية.

ولكن ما يتعلّق بذكر الفضائل لا يتعرّض لكونه موضوعا أو مجهولا ؛ لأنّ ذكر الفضائل مقصود ، ولا يتعلّق بالمذهب ولا يتوجّه إليه ردّ.

وأمّا ما ذكره من « مناقب الخوارزمي » نقلا عن أبي ذرّ ، أنّه قال : «من ناصب عليّا الخلافة بعدي فهو كافر » ، فهذا حديث موضوع ، منكر ، لا يرتضيه العلماء ، وأكثر ما ذكر من « مناقب الخوارزمي » ، فكذلك.

وهذا الخوارزمي رجل كأنّه شيعيّ مجهول ، لا يعرف بحال ، ولا يعدّه العلماء من أهل العلم ، بل لا يعرفه أحد ، ولا اعتداد برواياته وأخباره!

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٦٥ الطبعة الحجرية.

(٢) النّكر والنّكر والنّكارة والنّكراء ـ لغة ـ : الدهاء والفطنة ، والنّكر والنّكر : المنكر والأمر الشديد ؛ انظر : تاج العروس ٧ / ٥٥٧ مادّة « نكر ».

وفي الاصطلاح ، فإنّ الحديث المنكر : هو ما يرويه غير الثقة خلافا لما عليه المشهور ، بخلاف الشاذّ الذي يرويه الثقة خلافا لما عليه المشهور.

انظر : شرح شرح نخبة الفكر : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، علوم الحديث : ٧٦ ـ ٧٩ ، تدريب الراوي ١ / ٢٣٩.

٤٧٦

وأقول :

قد سبق كثير ممّا ذكره المصنّفرحمه‌الله هنا وبيّنّا ثبوته(١) ، ولو احتجنا إلى إثبات الباقي لذكرناه ، وفي « المستدرك » و « الكنز » أكثره(٢) ، لكن لا حاجة إليه بعد قوله سبحانه :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلأَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٣) ، وغيرها من الآيات(٤)

وبعد استفاضة الروايات في وجوب حبّهم وفضله ، وأنّ حبّهم علامة الإيمان ، وبغضهم علامة النفاق ، وأنّ من أحبّهم أحبّ الله ورسوله ، ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله.

والإنسان في غنى عن البحث في سند الأحاديث المتعلّقة بحبّهم وبغضهم ؛ لاشتهارها ، بل تواترها معنى.

وإذا تأمّلت كثرة ما ورد في الترغيب بحبّهم ، والتحذير من بغضهم ، والوصيّة فيهم بالكيفيّات المختلفة ، والوجوه المتعدّدة ، لعلمت أنّ ذلك لم يكن إلّا لأمر في الأصحاب ، وإلّا لو كانوا كما يظنّ الظانّون ، لما احتاجوا إلى ذلك ؛ لقضاء العادة بحبّهم لأهل البيتعليهم‌السلام ، واحترامهم لهم ؛ لقربهم

__________________

(١) تقدّم في ج ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٦ من هذا الكتاب ، وفي الصفحات ١٤٢ و ١٨٤ و ٢٣٥ و ٤٣٢ من هذا الجزء.

(٢) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٨ ـ ١٤٥ ح ٤٦٤٠ ـ ٤٦٥٧ وص ١٦١ ـ ١٦٢ ح ٤٧١٣ ـ ٤٧١٧ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ح ٣٤١٩٤ ـ ٣٤٢٠٦ وج ١٣ / ١٣٩ وما بعدها.

(٣) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٤) راجع : ج ٤ / ٢٩٧ ـ ٤٣٥ وتمام الجزء الخامس من هذا الكتاب.

٤٧٧

من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلا عن أهليّتهم في أنفسهم وكثرة آثار عليّعليه‌السلام في الإسلام

فلا بدّ أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علم ما نقوله ، من بغض غالب الأصحاب لهم ، وظلمهم إيّاهم ، وأنّ النفاق قد فشا فيهم وانقلبوا على الأعقاب!

بل لو تأمّل المنصف أخبار حبّهم وبغضهم لم يفهم منها إلّا إرادة وجوب التمسّك بهم ، فهي بيان لإمامتهم ، ولسان في وجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم ، وإلّا فالحبّ والبغض من حيث هما ليسا بتلك الأهميّة التي اشتمل عليها الكتاب والسنّة.

وبهذا يعلم صحّة ما رواه أبو ذرّرحمه‌الله ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : «من ناصب عليّا الخلافة [ بعدي ] فهو كافر »

وما زعمه ـ من كونه منكرا موضوعا ـ تامّ على مذهبه ، وإلّا فبالنظر إلى الخبر بنفسه لا نكارة فيه ، وهو وأشباهه حجّة عليهم.

ويؤيّده ما في « كنز العمّال »(١) ، عن الدارقطني في « الأفراد » ، عن ابن عبّاس : «عليّ باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ».

وما في « الكنز » أيضا ، عن عليّ ، وجابر ، وابن مسعود ، بطرق : «عليّ خير البشر ، فمن أبى فقد كفر »(٢) .

ورواه السيوطي في « اللآلئ » ، عن ابن عديّ ، بسنده عن أبي سعيد ؛

__________________

(١) ص ١٥٣ ج ٣ [ ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٠ ]. منهقدس‌سره .

(٢) كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ ح ٣٣٠٤٥ و ٣٣٠٤٦ ، وانظر : تاريخ بغداد ٣ / ١٩٢ رقم ١٢٣٤ وج ٧ / ٤٢١ رقم ٣٩٨٤.

٤٧٨

وعن أبي الحسن بن شاذان الفضلي ، بسنده عن حذيفة(١) .

فهو كثير الطرق ، حقيق بالاعتبار

.. إلى نحوها من الأخبار(٢) .

ولا يخفى أنّ قول الفضل : « ولكن ما يتعلّق بذكر الفضائل لا يتعرّض لكونه موضوعا » إلى آخره(٣)

مناف لما ذكره في أوّل المبحث الخامس ، حيث قال : « يشترط في ذكر الفضائل أن يروى من الصحاح المعتبرة ، ومن العلماء الّذين اعتمدهم الناس » إلى آخره(٤) .

والظاهر أنّ السبب في هذا العدول إرادته رواية فضائل أوليائه قريبا ، لتقبل على علّاتها ولا يلتفت إلى وضعها!

وأمّا ما طعن به الخوارزمي ، فليس إلّا لرواياته في فضائل أهل البيت ، والحال أنّه قد استفاض أكثرها بطرق أخر عن غيره ، بل كلّها بلحاظ شواهدها ومناسباتها.

وهو ممّن لا يجهل عند القوم ، فقد روى عنه ابن حجر ، وكنّاه ب‍ « أبي بكر » في « الصواعق » ، في المقصد الثاني من المقاصد المتعلّقة بالآية الرابعة عشرة ، من الآيات الواردة في أهل البيتعليهم‌السلام (٥) .

وقد ذكره الذهبيّ في « الميزان » ، بترجمة « محمّد بن عبد الله بن

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ١٠ رقم ٨٨٨.

(٢) راجع : جواهر العقدين : ٣٤١ ـ ٣٥٨ ، الصواعق المحرقة : ٢٦٤ ـ ٢٦٧ و ٣٥٧.

(٣) تقدّم آنفا في الصفحة ٤٧٦.

(٤) انظر الصفحة ٢٨٦ من هذا الجزء.

(٥) الصواعق المحرقة : ٢٦٣.

٤٧٩

محمّد البلوي » ، فقال ـ بعد ما ذكر حديثا في فضل عليّعليه‌السلام ـ : « رواه أخطب خوارزم »(١) .

وذكره أيضا بترجمة « محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان » ، فإنّه ذكر في ترجمته أحاديث له في فضائل عليّعليه‌السلام ، ثمّ قال :

« ولقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجّال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيّد عليّ »(٢) .

ولو لا أنّ الرجل كبير المنزلة عندهم ، مسلّم الوثاقة بينهم ، لعرفت كيف رمته سهام ألسنتهم ، وطعنت فيه أسنّة أقلامهم!

فهذا ابن شاذان قد سمعت ما قال الذهبيّ فيه ، وهو لم يرو إلّا اليسير من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فكيف بالخوارزمي وقد روى الكثير لو لا فضله الكبير بينهم؟!

وغاية ما طعن به ابن تيميّة على خبث لسانه أن قال : « ليس الحديث من صنعته »(٣) ، ذكر هذا في ردّه ل‍ « منهاج الكرامة ».

فكأنّه لا يكون من أهل صنعة الحديث إلّا أن يترك رواية فضائل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يروي ما يتحمّله رأي ابن تيميّة خاصّة(٤) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٢٠٦ رقم ٧٧٦٣.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٤ ـ ٥٥ رقم ٧١٩٦.

(٣) انظر : منهاج السنّة ٥ / ٤١ ـ ٤٢ وج ٧ / ٦٢.

(٤) وخطيب ـ أو : أخطب ـ خوارزم هو : ضياء الدين أبو المؤيّد الموفّق ـ أو : موفّق الدين ـ بن أحمد بن محمّد المكّي ، الخوارزمي ، الحنفي ، ولد سنة ٤٨٤ ه‍ ، وتوفّي بخوارزم سنة ٥٦٨ ه‍.

من أفاضل أعيان علماء أهل السنّة وفقهائهم ومحدّثيهم ، كان شاعرا بليغا وأديبا

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582