دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136004 / تحميل: 5464
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

مانع من القول بأن العبارتين تنطبقان على مجموعة واحدة (كما يوضح ذلك ظاهر الآية ، لأنّ ضمير (والذي ذكر مرّة واحدة فقط).

وبهذا الشكل فإنّ الآية تتحدّث عن أناس هم من حملة الرسالة ومن العاملين به ، وتتحدّث عن أولئك الذين ينشرون في العالم ما ينزل به الوحي من كلام البارئعزوجل وهم يؤمنون به ويعملون به ، وهكذا فإنّ الآية تضم الأنبياء والأئمّة المعصومين والدعاء لنهج الأنبياء.

والملفت للنظر أنّ الاية عبّرت عن الوحي «بالصدق» وهو اشارة إلى أن. الكلام الوحيد الذي لا يحتمل وجود الكذب والخطأ فيه هو كلام الله الذي نزل به الوحي ، فإن سار الإنسان في ظلّ تعليمات نهج الأنبياء وصدقها فإنّ التقوى سوف تتفتح في داخل روحه.

الآية التالية تبيّن أنّ هناك ثلاث مثوبات بانتظار أفراد هذه المجموعة ، أي المصدقين ، إذ تقول في البداية :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ) .

لهذه الآية مفهوم واسع بحيث يشمل كلّ النعم المادية والمعنوية التي يمكن تصورها والتي لا يمكن تصورها.

وعلى ضوء هذه الآية يطرح البعض السؤال التالي : إذا طلب أحدهم أن يكون مقامه أرفع من مقام الأنبياء والأولياء ، فهل يعطى ذلك؟

علينا أن لا نغفل عن كون أهل الجنّة يدركون عين الحقيقة ، ولهذا لا يفكر أحد منهم بأمر يخالف الحقّ والعدالة ، ولا يتناسب مع أساس توازن اللياقات والكفاءات.

بعبارة اخرى : لا يمكن أن يحصل أشخاص لهم درجات مختلفة في الإيمان والعمل على نفس الجزاء ، فكيف يأمل أصحاب الجنّة في تحقيق أشياء مستحيلة؟! وفي نفس الوقت فإنّهم يعيشون في حالة روحية خالية من الحسد والغيرة ، وهم راضون بما رزقوا به.

٨١

وكما هو معلوم فإنّ المكافاة الإلهية في الآخرة وحتى التفضيل الإلهي للبعض دون البعض الآخر إنّما يتمّ على أساس اللياقة التي حصل عليها الإنسان في هذه الدنيا ، فالذي يعرف أنّ إيمانه وعمله في هذه الدنيا لم يصل إلى درجة إيمان وعمل الآخرين لا يأمل يوما ما أن يكون بمرتبتهم ، لإنّ ذلك أمل ورجاء غير منطقي.

وعبارة :( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) تبيّن عدم انقطاع اللطف الإلهي عن أولئك وكأنّهم ضيوف الله على الدوام ، وكلّ ما يطلبونه يوفر لهم.

وعبارة :( ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ) أقيم فيها الظاهر مقام ضمير الإشارة ، اشارة الى أن إحسانهم وعملهم الصالح كانا سببا في حصولهم على الأجر المذكور.

أمّا المكافأتان الثانية والثّالثة اللتان يمنحهما البارئعزوجل للمصدقين ، فيقول القرآن المجيد بشأنهما :( لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

كم هي عبارة جميلة ولطيفة! فمن جانب يدعون الله سبحانه وتعالى ليكفّر عنهم أسوأ ما عملوا بظلّ لطفه ، ويطهرهم من تلك البقع السوداء بماء التوبة ، ومن جهة اخرى يدعون الله ليجعل أفضل وأحسن أعمالهم معيارا للمكافأة ، وأن يجعل بقية أعمالهم ضمن ذلك العمل.

إنّ ما يتّضح من الآيات الكريمة هو أنّ الله استجاب لدعواهم ، عند ما غفر لهم وعفا عن أسوأ أعمالهم ، وجعل أفضل الأعمال معيارا للمكافأة.

من البديهي ، عند ما يشمل العفو الإلهي الزلّات الكبيرة ، فإنّ الزلات الصغيرة أولى بالشمول ، لأنّ الزلات الكبيرة هي التي تقلق الإنسان أكثر من أيّ شيء آخر ،

__________________

(١) في عودة قوله تعالى :( لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ ) ذكر المفسّرون آراء شتى بهذا الشأن ولكن التّفسير الذي يبدو أنسب هو أنّها تعود على الفعل (أحسنوا) ويفهم ذلك من كلمة المحسنين ، والتقدير (ذلك جزاء المحسنين أحسنوا ليكفر الله عنهم) نعم إنّهم عمدوا إلى عمل الإحسان كي يكفر الله عهم سيئاتهم ويغفر زلاتهم ويعطيهم أفضل الثواب.

٨٢

ولهذا السبب فإنّ المؤمنين كثيرا ما يفكرون بها.

وثمة سؤال يطرح نفسه هنا : إذا كانت الآيات السباقة تخص الأنبياء والمؤمنين من أتباعهم ، فكيف اقترف هؤلاء تلك الزلات الكبيرة؟

الجواب على هذا السؤال يتّضح من خلال الانتباه إلى أنّه عند ما ينسب عمل ما إلى مجموعة ، فهذا لا يعني أنّ الجميع قاموا بذلك العمل ، وإنّما يكفي أن تقوم به مجموعة صغيرة منهم ، فمثلا عند ما نقول : إن بني العباس خلفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون أيّ حق ، فإنّ هذا لا يعني أنّ الكل اعتلوا كرسي الخلافة ، وإنّما مجموعة منهم.

الآية المذكورة أعلاه تبيّن أنّ مجموعة من حملة الرسالة وأتباع نهجهم كانوا قد ارتكبوا بعض الأخطاء والزلّات ، وأنّ البارئعزوجل صفح عنهم وغفر لهم بسبب أعمالهم الصالحة والحسنة. على أيّة حال فإنّ ذكر الغفران والصفح قبل ذكر الثواب ، يعود إلى هذا السبب ، وهو أنّ عليهم في البداية أن يغتسلوا ويتطهروا ، ومن ثمّ الورود الى مقام القرب الالهي. يجب عليهم في البداية أن يريحوا أنفسهم من العذاب الإلهي كي يتلذذوا بنعم الجنّة.

* * *

مسألة :

الكثير من المفسّرين المسلمين من الشيعة والسنة نقلوا الرّواية التالية بشأن تفسير هذه الآية ، وهي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المقصود في( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ ) وأن الإمام عليعليه‌السلام هو المقصود في( صَدَّقَ بِهِ ) .

المفسّر الإسلامي الكبير العلّامة «الطبرسي» نقل ذلك في تفسيره (مجمع البيان) عن أهل البيت الأطهار ، ونقلها كذلك أبو الفتوح الرازي في تفسير (روح الجنان) عن نفس المصدر السابق. كما نقلت مجموعة من المفسّرين السنة ذلك عن أبي هريرة نقلا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن طرق اخرى ، ومن جملة من نقله

٨٣

العلّامة ابن المغازلي في (المناقب) و (العلّامة الگنجي) في (كفاية الطالب) والقرطبي في تفسيره والعلّامة السيوطي في (الدر المنثور) وكذلك (الآلوسي) في (روح المعاني)(١) .

ومثلما أشرنا من قبل فإنّ نقل مثل هذه التفاسير هو بيان أوضح المصاديق ، ومن دون أيّ شكّ فإنّ الإمام عليّعليه‌السلام يقف في مقدمة الصفّ الأوّل لأتباع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمصدّقين به ، وإنّه هو أول من صدّق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يوجد أحد من العلماء من ينكر هذه الحقيقة.

والاعتراض الوحيد الذي صدر عن بعض المفسّرين هو أنّ الإمام عليعليه‌السلام آمن بالرّسول وكان عمره ما بين (١٠) إلى (١٢) عاما ، وأنّه لم يكن مكلّفا في هذا السّن ولم يبلغ بعد سنّ الحلم.

هذا الكلام عجيب جدّا ، فكيف يمكن أن يكون مثل هذا الاعتراض صحيحا ، في الوقت الذي قبل فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسلام عليعليه‌السلام ، وقال له بأنّه (وزيره) و (وصيه) وأكّد مرارا وتكرارا في كلماته على أنّ عليا هو (أول المؤمنين) أو (أوّلكم إسلاما) وقد أوردنا في نهاية الآية (١٠) من سورة التوبة أدلة متعددة من كتب علماء أهل السنة وبصورة مفصلة.

* * *

__________________

(١) لمن يرغب الاطلاع أكثر عليه مراجعة كتاب إحقاق الحق ، المجلد الثّالث ، الصفحة ١٧٧ فما بعد ، وكتاب المراجعات ، الصفحة ٦٤ (المراجعة ١٢).

٨٤

الآيتان

( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧) )

سبب النّزول

الكثير من المفسّرين قالوا : إنّ مشركي قريش كانوا يخوفون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آلهتهم ويحذرونه من غضبها على أثر وصفه تلك الأوثان بأوصاف مزرية ، ويوعدونه بأنّه إن لم يسكت عنها فستصيبه بالأذى ، وللرد على كلامهم نزلت الآية المذكورة أعلاه(١) .

والبعض قال : عند ما عزم خالد على كسر العزى بأمر من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال المشركون : إياك يا خالد فبأسها شديد. فضرب خالد أنفها بالفأس وهشمها وقال : كفرانك يا عزى لا سبحانك ، سبحان من أهانك ، إنّي رأيت الله قد أهانك(٢) .

ولكن قصة خالد هذه التي كانت بعد فتح مكّة كما يبدو ، لا يمكن أن تكون سببا لنزول الآية لأنّ كلّ سورة الزمر (مكية) ولهذا لعلها من قبيل التطابق.

__________________

(١) تفسير الكشاف ومجمع البيان وأبو الفتوح الرازي وفي ظلال مع اختلافات جزئية.

(٢) مجمع البيان ذيل آيات البحث (هذه الرواية وردت أيضا في الكشاف والقرطبي وبصورة مختصرة).

٨٥

التّفسير

إن الله كاف!

تتمة لتهديدات البارئعزوجل التي وردت في الآيات السابقة للمشركين ، والوعد التي لأنبيائه ، تتطرق الآية الأولى في بحثنا لتهديد الكفّار( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) .

إن قدرة البارئعزوجل أقوى وأعظم من كلّ القدرات الأخرى ، وهو الذي يعلم بكلّ احتياجات ومشكلات عباده ، والذي هو رحيم بهم غاية الرحمة واللطف ، كيف يترك عباده المؤمنين لوحدهم أمام أعاصير الحوادث وعدوان بعض الأعداء؟

ومع أن سبب نزول هذه الآية ـ طبقا لما جاء في الرّوايات التي ذكرناها ـ هو للرد على التخويف والتهديد بغضب الأصنام ، لكن معنى الآية أوسع ، ويتّسع لكلّ تهديد يهدد به الإنسان بما هو دون الله.

على أية حال ، فإنّ في هذه الآية بشرى لكلّ السائرين في طريق الحقّ والمؤمنين الحقيقيين ، خاصّة أولئك الذين يعيشون أقلية في بعض المجتمعات ، والمحاطين بمختلف أشكال التهديد من كلّ جانب.

الآية تعطيهم الأمل والثبات ، وتملأ أرواحهم بالنشاط وتجعل خطواتهم ثابتة ، وتمحو الآثار النفسية لصدمات تهديدات الأعداء ، نعم فعند ما يكون الله معنا فلا نخاف غيره ، وإن انفصلنا وابتعدنا عنه فسيكون كلّ شيء بالنسبة لنا رهيبا ومخيفا.

وكتتمة للآية السابقة والآية التالية اشارة إلى مسألة (الهداية) و (الضلالة) وتقسم الناس إلى قسمين : (ضالين) و (مهتدين) وكل هذا من الله سبحانه وتعالى ، كي تبيّن أنّ جميع العباد محتاجون لرحمته ، ومن دون إرادته لا يحدث شيء في هذا العالم ، قال تعالى :( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) .

٨٦

( وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ ) .

ومن البديهي أنّ الضلالة لا تأتي من دون سبب ، وكذلك الهداية بل إن كلّ حالة منهما هي استمرار لإرادة الإنسان وجهوده ، فالذي يضع قدمه في طريق الضلال ، ويبذل أقصى جهوده من أجل إطفاء نور الحقّ ، ولا يترك أدنى فرصة تتاح له لخداع الآخرين وإضلالهم ، فمن البديهي أنّ الله سيضله ، ولا يكتفي بعدم توفيقه وحسب ، وإنّما يعطّل قوى الإدراك والتشخيص التي لديه عن العمل ، ويوصد قلبه الأقفال ويغطي عينيه بالحجب ، وهذه هي نتيجة الأعمال التي ارتكبها.

أمّا الذين يعزمون على السير إلى الله سبحانه وتعالى بنوايا خالصة ، ويخطون الخطوات الأولى في هذا المسير ، فإنّ نور الهداية الإلهية يشعّ لينير لهم الطريق ، وتهبّ ملائكة الرحمن لمساعدتهم ولتطهير قلوبهم من وساوس الشياطين ، فتكون إرادتهم قوية ، وخطواتهم ثابتة ، واللطف الإلهي ينقذهم من الزلّات.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن المجيد كشاهد على تلك القضايا ، وما أشدّ جهل الذين فصلوا بين مثل هذه الآيات وبقية آيات القرآن واعتبروها شاهدا على ما ورد في المذهب الجبري ، وكأنّهم لا يعلمون أن آيات القرآن تفسّر إحداها الأخرى. بل إن القرآن الكريم بقول في نهاية هذه الآية :( أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ ) وهو خير شاهد على هذا المعنى.

وكما هو معروف فإنّ الانتقام الإلهي هو بمعنى الجزاء على الأعمال المنكرة التي اقترفها الإنسان ، وهذا يشير إلى أن إضلاله سبحانه وتعالى للإنسان هو بحدّ ذاته نوع من أنواع الجزاء وردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه ، وبالطبع فإن هدايته سبحانه وتعالى للإنسان هي بحد ذاتها نوع أنواع الثواب ، وهي ردّ فعل للأعمال الصالحة والخالصة التي يقوم بها الإنسان(١) .

* * *

__________________

(١) يقول الراغب في مفرداته : كلمة (نقمة) تعني العقوبة والجزاء.

٨٧

بحثان

١ ـ الهداية والإضلال من الله :

«الهداية» : في اللغة تعني التوجيه والإرشاد بلطف ودقّة(١) ، وتنقسم إلى قسمين (بيان الطريق) ، و (الإيصال إلى المطلوب) وبعبارة اخرى (هداية تشريعية) و (هداية تكوينية)(٢) .

ولتوضيح ذلك نقول : إنّ الإنسان يصف أحيانا الطريق للسائل بدقّة ولطف وعناية ويترك السائل معتمدا على الوصف في قطع الطريق والوصول إلى المقصد المطلوب. وأحيانا اخرى يصف الإنسان الطريق للسائل ومن ثمّ يمسك بيده ليوصله إلى المكان المقصود.

وبعبارة اخرى : الشخص المجيب في الحالة الأولى يوضّح القانون وشرائط سلوك الطريق للشخص السائل كي يعتمد الأخير على نفسه في الموصول إلى المقصد والهدف ، أمّا في الحالة الثانية ، فإضافة إلى ما جاء في الحالة الأولى ، فإنّ الشخص المجيب يهيء مستلزمات السفر ، ويزيل الموانع الموجود ، ويحلّ المشكلات ، إضافة إلى أنّه يرافق الشخص السائل في سلوك الطريق حتّى الوصول إلى مقصده النهائي لحمايته والحفاظ عليه.

و (الإضلال) هو النقطة المقابلة لـ (الهداية).

فلو ألقينا نظرة عامة على آيات القرآن لا تضح لنا ـ بصورة جيدة ـ أنّ القرآن يعتبر أنّ الضلالة والهداية من الله ، أي أن الاثنين ينسبان إلى الله ، ولو أردنا أن نعدد كل الآيات التي تتحدث بهذا الخصوص ، لطال الحديث كثيرا ، ولكن نكتفي بذكر ما جاء في الآية (٢١٣) من سورة البقرة :( وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ

__________________

(١) «مفردات» مادة (هدى).

(٢) نلفت الانتباه إلى أن الهدآية التكوينية هنا قد استخدمت بمعناها الواسع ، حيث تشمل كل أشكال الهدآية عدا الهدآية التي تأتي عن طريق بيان الشرائع والتوجيه إلى الطريق.

٨٨

مُسْتَقِيمٍ ) وفي الآية (٩٣) من سورة النحل :( وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . وأمثال هذه الآيات ـ الخاصة بالهداية أو الضلال أو أحدهما ـ ورد في آيات كثيرة من القرآن المجيد(١) .

وأكثر من هذا ، فقد جاء في بعض الآيات نفي قدرة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الهداية وتحديد القدرة على الهداية بالله سبحانه وتعالى ، كما ورد في الآية (٥٦) من سورة القصص :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . وفي الآية (٢٧٢) من سورة البقرة :( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) .

الدراسة السطحية لهذه الآيات وعدم إدراك معانيها العميقة أدى الى زيغ البعض خلال تفسيرهم لها وانحرافهم عن طريق الهداية ووقوعهم في فخاخ المذهب الجبري ، حتّى أنّ بعض المفسّرين المعروفين لم ينجوا من هذا الخطأ الكبير ، حيث اعتبروا الضلالة والهداية وفي كلّ مراحلها أمرا جبريا ، والأدهى من ذلك أنّهم أنكروا أصل العدالة كي لا ينتقض رأيهم ، لأنّ هناك تناقضا واضحا بين عقيدتهم وبين مسألة العدالة والحكمة الإلهية ، فإذا كنا أساسا نقول بالجبر ، فلا يبقى هناك داع للتكليف والمسؤولية وإرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية.

أمّا المعتقدون بمذهب الإختيار وأن الإنسان مخير في هذه الدنيا ـ وأن العقل السليم لا يقبل مطلقا بأن الله سبحانه وتعالى يجبر مجموعة من الناس على سلوك سبيل الضلال ثمّ يعاقبهم على عملهم ذلك ، أو أنّه يهدي مجموعة اخرى إجباريا ثم يمنحها ـ من دون أي سبب ـ المكافأة والثواب ، ويفضلها على الآخرين لأدائها عملا كانت قد أجبرت على القيام به –

فهؤلاء انتخبوا لأنفسهم تفاسير اخرى لهذه الآيات ، كان أهمها :

١ ـ إنّ المراد من الهداية الإلهية هي الهداية التشريعية التي تأتي عن طريق

__________________

(١) ومنها ما ورد في السور والآيات التالية (فاطر ـ ٨) و (الزمر ـ ٢٣) و (المدثر ـ ٣١) و (البقرة ـ ٢٧٢) و (الأنعام ـ ٨٨) و (يونس ـ ٢٥) و (الرعد ـ ٢٧) و (إبراهيم ـ ٤).

٨٩

الوحي والكتب السماوية وإرسال الأنبياء والأوصياء ، إضافة إلى إدراك العقل والشعور ، أمّا انتهاج السبيل فهو في عهدة الإنسان في كافة مراحل حياته. وبالطبع فإنّ هذا التّفسير يتطابق مع الكثير من الآيات القرآنية التي تتناول موضوع الهداية ، ولكن هناك آيات كثيرة اخرى لا يمكن تطابقها مع هذا التّفسير ، لأنّ فيها نوعا من الصراحة فيما يخص (الهداية التكوينية) و (الإيصال إلى الهدف) كما ورد في الآية (٥٦) من سورة القصص :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . في حين أنّنا نعرف أنّ الهداية التشريعية والتوجيه نحو الطريق الصحيح ، هي الواجب الرئيسي للأنبياء.

٢ ـ مجموعة اخرى من المفسّرين فسّروا الهداية والضلال اللذين لهما هنا طابع تكويني على أنّهما الثواب والعقاب ، والإرشاد إلى طريق الجنّة والنّار ، وقالوا بأن البارئعزوجل يهدي المؤمنين إلى طريق الجنّة ، ويضل عنها الكافرين.

إن هذا المعنى صحيح بالنسبة لعدّة آيات فقط ، ولكنّه لا يتطابق مع آيات اخرى تتحدث عن الهداية والإضلال بصورة مطلقة.

٣ ـ مجموعة ثالثة قالت : إنّ المراد من الهداية هو تهيئة الأسباب والمقدمات التي توصل إلى الغرض المطلوب ، والمراد من الضلالة هو عدم توفير تلك الأسباب والمقدمات أو حجبها عنهم ، والتي عبّر عنها البعض بـ (التوفيق) و (سلب التوفيق) لأنّ التوفيق يعني تهيئة المقدمات للوصول إلى الهدف ، وسلب التوفيق يعني عدم تهيئة تلك المقدمات.

ووفقا لهذا فإنّ الهداية الإلهية لا تعني أنّ البارئعزوجل يجبر الإنسان على الوصول إلى الهدف ، وإنّما يضع الوسائل المطلوبة للوصول تحت تصرفهم واختيارهم ، وعلى سبيل المثال ، وجود مربّ جيد ، بيئة سالمة للتربية ، أصدقاء وجلساء صالحين ، وأمثالها ، كلها من المقدمات ، ورغم وجود هذه الأمور فإنّه لا يجبر الإنسان على سلوك سبيل الهداية.

٩٠

وثمّة سؤال يبقى مطروحا ، وهو : لماذا يشمل التوفيق مجموعة دون اخرى؟ المنحازون لهذا التّفسير عليهم أن ينتبهوا إلى حكمة أفعال البارئعزوجل ويعطوا دلائل لهذا الاختلاف ، فمثلا يقولون : إنّ عمل الخير هو سبب التوفيق الإلهي ، وتنفيذ الأعمال الشريرة تسلب التوفيق من الإنسان.

وعلى أيّة حال فإنّ هذا التّفسير جيد ولكن الموضوع ما زال أعمق من هذا.

٤ ـ إنّ أدق تفسير يتناسب مع كلّ آيات الهداية والضلال ، ويفسرها جميعا بصورة جيدة من دون أن يتعارض أدنى تعارض مع المعنى الظاهري ، وهو أنّ الهداية التشريعية التي تعني (إراءة الطريق) لها خاصية عامّة وشاملة ، ولا توجد فيها أي قيود وشروط ، كما ورد في الآية (٣) من سورة الدهر :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) وفي الآية (٥١) من سورة آل عمران :( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ومن البديهي أن دعوة الأنبياء هي مظهر دعوة الله تعالى. لأن كلّ ما عند النّبي هو من الله.

وبالنسبة إلى مجموعة من المنحرفين والمشركين ورد في الآية (٢٣) من سورة النجم :( وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ) .

أمّا الهداية التكوينية فتعني الإيصال إلى الغرض المطلوب ، والأخذ بيد الإنسان في كلّ منعطفات الطريق ، وحفظه وحمايته من كلّ الأخطار التي قد تواجهه في تلك المنعطفات حتى إيصاله إلى ساحل النجاة ، وهي أي الهداية التكوينية ـ موضع بحث الكثير من آيات القرآن الأخرى التي لا يمكن تقييدها بأية شروط ، فالهداية ، هذه تخصّ مجموعة ذكرت أوصافهم في القرآن ، أمّا الضلال الذي هو النقطة المقابلة للهداية فإنه يخص مجموعة اخرى ذكرت أوصافهم أيضا في القرآن الكريم.

ورغم وجود بعض الآيات التي تتحدث عن الهداية والإضلال بصورة مطلقة ، إلا أن هناك الكثير من الآيات الأخرى التي تبيّن ـ بدقة ـ محدوديتهما ، وعند ما

٩١

تضع الآيات (المطلقة) إلى جانب (المحدودة) يتّضح المعنى بصورة كاملة ، ولا يبقى أي غموض أو إبهام في معين الآيات ، كما أنّها ـ أي الآيات ـ تؤّكد بشدة على مسألة الإختيار وحرية الإرادة عند الإنسان ولا تتعارض معهما.

الآن يجب الانتباه إلى التوضيح التالي :

القرآن المجيد يقول في إحدى آياته :( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ) وفي مكان آخر يقول البارئعزوجل :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (١) وهذا يبيّن أن الظلم مقدمة للظلال. ومن هنا يتّضح أن الفسق ، أي عدم إطاعة أوامر البارئ تعالى وهو مصدر الضلال.

وفي موضع آخر نقرأ :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) (٢) ، وهنا اعتبر الكفر هو الذي يهيء أرضية الضلال.

وقد ورد في آية اخرى :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ ) (٣) يعني أنّ الكذب والكفر هما مقدمة الضلال.

والآية التالية تقول :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٤) أي أن الإسراف والكذب يسببان الضلالة.

وبالطبع ، فإنّ ما أوردناه كان جزاء يسيرا من آيات القرآن التي تتناول هذا الموضوع ، فبعض الآيات وردت مرات عديدة في سورة القرآن المختلفة وهي تحمل المعاني والمفاهيم.

إن ما يمكن استنتاجه هو أنّ القرآن الكريم يؤكّد على أنّ الضلالة الإلهية تشمل كلّ من توفرت فيه هذه الصفات (الكفر) و (الظلم) و (الفسق) و (الكذب).

(الإسراف) فهل أن الضلالة غير لائقة بمن تتوفر فيه مثل هذه الصفات!

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٨.

(٢) البقرة ، ٢٦٤.

(٣) الزمر ، ٣.

(٤) غافر ، ٢٨.

٩٢

وبعبارة اخرى : هل ينجو قلب من يتصف بتلك الصفات القبيحة ، من الغرق في الظلمات والحجب؟!

وبعبارة اخرى أوضح : أنّ لهذه الأعمال والصفات آثارا تلاحق الإنسان شاء أم أبى ، إذ ترمي بستائرها على عينيه وأذنيه وعقله ، وتؤدي به إلى الضلال ، ولكون خصوصيات كلّ الأشياء وتأثيرات كلّ الأسباب إنّما هي بأمر من الله ، ومن الممكن أيضا أن ينسب الإضلال إليه سبحانه وتعالى في جميع هذه الموارد ، وهذه النسبة هي أساس اختيار الإنسان وحرية إرادته.

هذا فيما يتعلق بالضلالة ، أمّا فيما يخص الهداية ، فقد وردت في القرآن المجيد شروط وأوصاف تبيّن أنّ الهداية لا تقع من دون سبب وخلاف الحكمة الإلهية.

وقد استعرضت الآيات التالية بعض الصفات التي تجعل الإنسان مستحقا للهداية ومحاطا باللطف الإلهي ، منها :( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١) .

إذن فاتباع أمر الله ، وكسب مرضاته يهيئان الأرضية للهداية الإلهية.

وفي مكان آخر نقرأ :( إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ) (٢) إذن فالتوبة والإنابة تجعلان الإنسان مستحقا للهداية.

وفي آية اخرى ورد :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٣) فالجهاد ، وخاصة (الجهاد الخالص في سبيل الله) هو من الشروط الرئيسية للهداية.

وأخيرا نقرأ في آية اخرى :( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) (٤) أي أن قطع مقدار من طريق الهداية هو شرط للاستمرار فيه بلطف البارئعزوجل .

__________________

(١) المائدة ، الآية ١٦.

(٢) الرعد ، الآية ٢٧.

(٣) العنكبوت ، الآية ٦٩.

(٤) محمّد ، الآية ١٧.

٩٣

نستنتج من ذلك أنّه لو لم تكن هناك توبة وإنابة من العبد ، ولا اتباع لأوامر الله ، ولا جهاد في سبيله ولا بذل الجهد وقطع مقدار من طريق الحق ، فإن اللطف الإلهي لا يشمل ذلك العبد ، وسوف لا يمسك البارئ بيده لإيصاله إلى الغرض المطلوب.

فهل أنّ شمول هؤلاء الذين يتحلون بهذه الصفات بالهداية هو أمر عبث ، أو أنّه دليل على هدايتهم بالإجبار؟

من الملاحظ أنّ آيات القرآن الكريم في هذا المجال واضحة جدّا ومعناها ظاهر ، ولكن الذين عجزوا عن الخروج بنتيجة صحيحة من آيات الهداية والضلال ابتلوا بمثل هذا الابتلاء و (لأنّهم لم يشاهدوا الحقيقة فقد ساروا في طيق الخيال).

إذن يجب القول بأنّهم هم الذين اختاروا لأنفسهم سبيل (الضلال).

على أية حال ، فإنّ المشيئة الإلهية في آيات الهداية والضلال لم تأت عبثا ومن دون أي حكمة ، وإنّما تتمّ بشرائط خاصّة ، بحيث تبيّن تطابق حكمة البارئعزوجل مع ذلك الأمر.

٢ ـ الاتكال على لطف الله

يعتبر الإنسان كالقشة الضعيفة في مهب الرياح العاتية التي تهب هنا وهناك في كلّ لحظة من الزمان ، ويمكن أن تتعلق هذه القشة بورقة أو غصن مكسور تأخذه الرياح أيضا مع تلك القشة الضعيفة ، ونرميهما جانبا ، وحتى إذا تمكنت يد الإنسان من الإمساك بشجرة كبيرة فإنّ الأعاصير والرياح العاتية تقتلع أحيانا تلك الشجرة من جذورها ، أمّا إذا لجأ الإنسان إلى جبل عظيم فإن أعتى الأعاصير لا تتمكن من أن تزحزح ذلك الجبل ولو بمقدار رأس إبرة من مكانه.

الايمان بالله بمثابة هذا الجبل والاعتماد والاتكال على غير الله بمثابة الاعتماد على الأشياء الواهية ، ولهذا السبب يقول البارئعزوجل في الآيات

٩٤

المذكورة أعلاه :( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ) الإعتقاد والإيمان بما جاء في هذه الآية يضيف للإنسان شجاعة واعتمادا على النفس ، وتطمئن خواطره وتهدئها ، كي يصمد ويثبت أمام الحوادث كالجبل ، ولا يخاف حشود الأعداء ، ولا يستوحش من قلّة عدد أتباعه أو أصحابه ، ولا تعبث المشاكل الصعبة بروحه الهادئة المستقرة ، وقد ورد في الحديث «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف»

* * *

٩٥

الآيات

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) )

التّفسير

هل إن آلهتكم قادرة على حل مشاكلكم؟

الآيات السابقة تحدثت عن العقائد المنحرفة للمشركين والعواقب الوخيمة التي حلّت بهم ، أمّا آيات بحثنا هذا فإنّها تستعرض دلائل التوحيد كي تكمل البحث السابق بالأدلة ، كما تحدثت الآيات السابقة عن دعم البارئعزوجل لعباده وكفاية هذا الدعم ، والآيات أعلاه تتابع هذه المسألة مع ذكر الدليل.

في البداية تقول الآية :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٩٦

العقل والوجدان لا يقبلان أن يكون هذا العالم الكبير الواسع بكل هذه العظمة مخلوق من قبل بعض الكائنات الأرضية ، فكيف يمكن للعقل أن يقبل أنّ الأصنام التي لا روح فيها ولا عقل ولا شعور هي التي خلقت هذا العالم ، وبهذا الشكل فإنّ القران يحاكم أولئك إلى عقولهم وشعورهم وفطرتهم ، كي يثبّت أول أسس التوحيد في قلوبهم ، وهي مسألة خلق السماوات والأرض.

وفي المرحلة التالية تتحدث الآيات عن مسألة الربح والخسارة ، وعن مدى تأثيرها على نفع أو ضرر الإنسان ، كي تثبت لهم انّ الأصنام لا دور لها في هذا المجال ، وتضيف( قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ ) (١) .

والآن بعد أن اتّضح أنّ الأصنام ليس بإمكانها أن تخلق شيئا ولا باستطاعتها أن تتدخل في ربح الإنسان وخسارته ، إذن فلم نعبدها ونترك الخالق الأصلي لهذا الكون ، والذي له اليد الطولى في كلّ ربح وخسارة ، ونمد أيدينا إلى هذه الموجودات الجامدة التي لا قيمة لها ولا شعور؟ وحتى إذا كانت الآلهة ممن يمتلك الشعور كالجن أو الملائكة التي تعبد من قبل بعض المشركين ، فإنّ مثل هذا الإله ليس بخالق ولا يمكنه أن يتدخل في ربح الإنسان وخسارته ، وكنتيجة نهائية وشاملة يقول البارئعزوجل ( قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) .

آيات القرآن المجيد أكّدت ـ ولعدّة مرات ـ على أنّ المشركين يعتقدون بأنّ الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض(٢) . وهذا الأمر يبيّن أن الموضوع كان بالنسبة للمشركين من المسلّمات ، وهذا أفضل دليل على بطلان الشرك ، لأن توحيد خالق الكون والاعتراف بمالكيته وربوبيته أفضل دليل على (توحيد

__________________

(١) المفسّرون واللغويون يفسّرون (أفرأيتم) بأنّها تعطي معنى (أخبروني) في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مانع من تفسيرها بمعناها الأصلى وهو رؤية العين أو القلب.

(٢) العنكبوت (٦١) و (٦٣) ، لقمان (٣١) ، الزخرف (٩) و (٨٧).

٩٧

المعبود) ومن كلّ هذا نخلص إلى أن التوكل لا يكون إلّا على الله مع صرف النظر عن عبادة غيره.

وإذا أمعنا النظر في المواجهة التي حدثت بين إبراهيم محطم الأصنام والطاغية نمرود الذي ادعى الربوبية والقدرة على إحياء الناس وإماتتهم ، والذي أنبهت وتحير في كيفية تنفيذ طلب إبراهيمعليه‌السلام عند ما طلب منه أن يجعل الشمس تشرق من المغرب إن كان صادقا في ادعاءاته ، مثل هذه الادعاءات التي يندر وجودها حتى في أوساط عبدة الأصنام ، لا يمكن أن تصدر إلا من أفراد ذوي عقول ضعيفة ومغرورة وبلهاء كعقل نمرود.

والملفت للنظر أنّ الضمير العائد على تلك الآلهة الكاذبة في هذه الآيات ، إنّما جاء بصيغة جمع المؤنث (هن ـ كاشفات ـ ممسكات ـ) وذلك يعود لأسباب :

أوّلا : إنّ الأصنام المعروفة عند العرب كانت تسمى بأسماء مؤنثة اللات ومناة والعزى).

ثانيا : يريد البارئعزوجل بهذا الكلام تجسيد ضعيف هذه الآلهة أمامهم ، وطبقا لمعتقداتهم ، لأنّهم كانوا يعتقدون بضعف وعجز الإناث.

ثالثا : لأنّ هناك الكثير من الآلهة لا روح فيها ، وصيغة جمع المؤنث تستخدم عادة بالنسبة إلى تلك الموجودات الجامدة ، لذا فقد استفيد منها في آيات بحثنا هذا.

كما يجب الالتفات إلى أنّ عبارة( عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) تعطي معنى الحصر بسبب تقدم كلمة (عليه) وتعني أن المتوكلين يتوكلون عليه فقط.

الآية التالية تخاطب أولئك الذين لم يستسلموا لمنطق العقل والوجدان بتهديد إلهي مؤثر ، إذ تقول :( قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) ما هو أصل كلمة (مكانة)؟ وماذا تعني؟ أغلب المفسّرين واللغويين قالوا : إنّها تعني المكان والمنزلة ، وهي من مادة

٩٨

ستعلمون بمن سيحل عذاب الدنيا المخزي والعذاب الخالد في الآخرة( مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ) .

وبهذا الشكل فإنّ آخر كلام يقال لأولئك هو : إمّا أن تستسلموا لمنطق العقل والشعور وتستجيبوا لنداء الوجدان ، أو أن تنتظروا عذابين سيحلان بكم ، أحدهما في الدنيا وهو الذي سيخزيكم ويفضحكم ، والثّاني في الآخرة وهو عذاب دائمي خالد ، وهذا العذاب أنتم اعددتموه لأنفسكم ، وأشعلتم النيران في الحطب الذي جمعتموه بأيديكم.

* * *

__________________

(كون) ولأنّها تستخدم كثيرا بمعنى المكان لهذا يتصور أنّ الميم فيها أصلية ، ولذا أصبح جمع تكسيرها (أمكنة) أما صاحب (لسان العرب) ، فقد ذكر أنّ أصلها (مكنة) و (تمكن) والتي تعني القدرة والاستطاعة ، وعلى أية حال فإنّ مفهوم الآية يكون في الحالة الأولى : ابقوا على مواقفكم ، وفي الحالة الثانية : ابذلوا كلّ ما لديكم من جهد وطاقة.

٩٩

الآيات

( إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) )

التّفسير

الله سبحانه يتوفى الأنفس :

بعد ذكر دلائل التوحيد ، وبيان مصير المشركين والموحدين ، تبيّن الآية الأولى ـ في هذا البحث ـ حقيقة مفادها أن قبول ما جاء في كتاب الله أو عدم قبوله إنّما يعود بالفائدة أو الضرر عليكم ، وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرّ عليكم في هذا

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

إنّه صاحب الحوض ، واللواء ، والصراط ، والإذن

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المطلب الرابع : في أنّه صاحب الحوض ، واللواء ،

والصراط ، والإذن.

روى الخوارزمي ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ يوم القيامة على الحوض ، لا يدخل الجنّة إلّا من جاء بجواز من عليّ »(٢) .

وعنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى جبرئيل أن يجلس على باب الجنّة ، فلا يدخلها إلّا من معه براءة من عليّ عليه‌السلام »(٣) .

__________________

فصيحا مفوّها ، برع في إنشاء الخطب ، أخذ علم العربية عن جار الله الزمخشري ، وتخرّج به جماعة ، من مصنّفاته : مناقب الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، مناقب الإمام أبي حنيفة.

انظر : الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة ٣ / ٥٢٣ رقم ١٧١٨ ، المختصر المحتاج إليه من ذيل تاريخ بغداد ـ للذهبي ـ : ٣٦٠ رقم ١٣٤١ ، كشف الظنون ٢ / ١٨٣٧ و ١٨٤٤ ، هديّة العارفين ٦ / ٤٨٢ ، معجم البلدان ٢ / ٤٥٤ رقم ٤٤٤٤.

(١) نهج الحقّ : ٢٦١.

(٢) لم نجده بهذا اللفظ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧١ ح ٤٨ وص ٣١٠ ح ٣٠٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٠ ح ١٥٦.

(٣) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ح ٣٢٤ ، وانظر : تاريخ

٤٨١

وعن جابر بن سمرة ، قال : قيل : يا رسول الله! من صاحب لوائك في الآخرة؟

قال : «صاحب لوائي في الآخرة ، صاحب لوائي في الدنيا ، عليّ ابن أبي طالب »(١) .

وعن عبد الله بن أنس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنّم ، لم يجز عليه إلّا من معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام »(٢) .

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

فلينظر العاقل إذا كانت مثل هذه وأضعافها أضعافا مضاعفة يرويها السنّة في صحاح الأخبار عندهم ، والآيات ـ أيضا ـ موافقة لها ثمّ يتركونها ، هل يجوز له تقليدهم؟!

ومع ذلك لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ولا رذيلة ولا معصية ألبتّة ، والتجأوا في التقليد إلى قوم رووا عنهم كلّ رذيلة ، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة في قضايا كثيرة! ولنذكر هنا بعضها في مطالب

* * *

__________________

أصفهان ١ / ٤٠٠ ح ٧٥٥ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٨ ح ١٧٢ ، فرائد السمطين ١ / ٢٨٩ ح ٢٢٨ ؛ وراجع : ج ٥ / ٧ ـ ٨ من هذا الكتاب!

(١) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٥٨ ح ٣٦٩ ؛ وانظر الصفحة ٤٢٤ ـ ٤٢٥ من هذا الجزء.

(٢) انظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧١ ح ٤٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢١٩ ح ٢٨٩ ؛ وراجع الصفحة ١٩٩ ه‍ ٣ من هذا الجزء.

٤٨٢

وقال الفضل(١) :

من ضروريّات الدين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب الحوض المورود ، والشفاعة العظمى ، والمقام المحمود يوم القيامة.

وأمّا أنّ عليّا صاحب الحوض ، فهو من مخترعات الشيعة ولم يرد به نقل صحيح.

وهذا الرجل ، الذي ينقل كلّ مطالبه من كتب أصحابنا ، لم ينقل هذا منهم ؛ وذلك لأنّه لم يصحّ فيه نقل عندنا.

ولكن ما ذكره لمّا كان من الفضائل والمناقب لمولانا عليّ بن أبي طالب ، فنحن لا ننكره ؛ لأنّ كلّ ما نقل من فضائله وفضائل أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما لم يكن سببا إلى الطعن في أفاضل الصحابة ، فنتسلّمه ونوافقه فيه ؛ لأنّ فضائلهم لا تحصى ، ولا ينكره إلّا منكر نور الشمس والقمر.

وأمّا ما ذكره ، أنّ أمثال هذه الأخبار يرويها السنّة ، وهي في صحاح الأخبار عندهم ، والآيات أيضا موافقة لها ، ثمّ يتركونها ، هل يجوز لهم تقليدهم؟!

فإنّ أهل السنّة يعملون بكلّ حديث وخبر صحيح بشرائطها.

ولكن كما صحّ عندهم الأحاديث الدالّة على فضل عليّ بن أبي طالب وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كذلك صحّ عندهم الأحاديث الدالّة على

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٦٧ الطبعة الحجرية.

٤٨٣

فضائل الخلفاء الراشدين ، فهم يجمعون بين الأحاديث الصحاح ، وينزلون كلّا منزله الذي أنزله الله ، ولا ينقصون أحدا ممّن صحّ فيه هذا الحديث

والشيعة ينقلون الأحاديث من كتب أصحابنا ممّا يتعلّق بفضائل أهل البيت ، ويسكتون عن فضائل الخلفاء وأكابر الصحابة ؛ ليتمشّى لهم الطعن والقدح ، وهذا غاية الخيانة في الدين.

وأيّة خيانة أعظم من أنّ رجلا ذكر بعض كلام أحد ممّا يتعلّق بشيء ، وترك البعض الآخر بما يتعلّق بعين ذلك الشيء ، ليتمشّى به مذهبه ومعتقده؟!

ونعوذ بالله من هذه العقائد الفاسدة.

ثمّ ما ذكره ، أنّ أهل السنّة « لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ولا رذيلة ولا معصية ألبتّة ».

فجوابه أن نقول :

أيّها الجاهل العاميّ ، الضالّ العاصي! الشيعة ينسبون أنفسهم إلى الأئمّة الاثني عشر

أترى أئمّة أهل السنّة والجماعة يقدحون في أهل بيت النبوّة والولاية؟!

أتراهم ـ يا أعمى القلب! ـ أنّهم يفترون مثلك ومثل أضرابك على الأئمّة ، ويفترون المطاعن والمثالب ممّا لم يصحّ به خبر ، بل ظاهر عليه آثار الوضع والبطلان ، ولا كظهور البدر ليلة الأضحيان؟!

ثمّ ذكر أنّهم « التجأوا في التقليد إلى قوم رووا عنهم كلّ رذيلة ، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة ».

فجوابه : إنّهم لم يرووا عمّن يقلّدونه رذيلة أصلا ، بل هو يفتري

٤٨٤

الكذب عليهم ، ومن هاهنا يريد أن يشرع في مطاعن الخلفاء ، ويبدأ بأبي بكر الصدّيق

ونحن نقول له : أنت لا تروي شيئا يعتدّ به إلّا من صحاحنا ، وها نحن قبل شروعك في مطاعن أبي بكر الصدّيق ، نذكر شيئا يسيرا من فضائله المذكورة في صحاحنا.

وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السنّة أنّها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام ، فعملّها وجعلها وديعة عند الإمام جعفر الصادق ، فلمّا توفّي حسب الناس أنّه من كلامه(١)

والله أعلم بحقيقة هذا الكلام ، وهذا من المشهورات

مع هذا ، لا ثقة لأهل السنّة بالمشهورات ، بل لا بدّ من الإسناد الصحيح حتّى يصحّ الرواية.

وأمّا صحاحنا ، فقد اتّفق العلماء أنّ كلّ ما عدّ من الصحاح ـ سوى التعليقات في الصحاح الستّة ـ لو حلف بالطلاق أنّه من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من فعله وتقريره ، لم يقع الطلاق ، ولم يحنث(٢) .

وها نحن نشرع في بعض فضائل الصدّيق ؛ إظهارا للحقّ ، الحقيق

__________________

(١) نقول : إن كان يقصد باليهودي هو من يسمّى ب‍ « عبد الله بن سبأ » ، فلنا أن نتساءل ـ على فرض ثبوت شخصية ابن سبأ ـ ، أنّه كيف لقي الإمام الصادقعليه‌السلام ، المستشهد سنة ١٤٨ ه‍؟! فإنّ ابن سبأ ـ على ما يروى ويدّعى ـ كان في عصر عثمان ، وهو الذي ألّب الناس عليه ، وأجّج نار الثورة حتّى قتل ، وهو الذي أحرقه الإمام عليّعليه‌السلام وأصحابه ، فكيف اجتمع بالإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، وهو متأخّر عنه بزمن طويل ، حتّى يودعه كتبه الموضوعة المختلقة؟!

(٢) انظر : شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ١ / ٢٨ ، مقدّمة ابن الصلاح : ١٦.

وراجع : ج ١ / ٣٩ من هذا الكتاب!

٤٨٥

بالتحقيق ، فنقول :

أوّل خلفاء الإسلام : أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة ، من أولاد تيم ابن مرّة ، ونسبه يتّصل برسول الله في مرّة ، كان له ولدان : تيم وكلاب ، فكلاب هو أبو قصيّ ، وقصيّ جدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتيم هو جدّ أبي بكر الصدّيق.

وكان أبو بكر الصدّيق قبل البعثة من أكابر قريش وأشرافها ، وصناديدها ، وكان قاضيا حكما بينهم ، وكان صاحب أموال كثيرة ، حتّى اتّفق جميع أرباب التواريخ ، أنّه لم يبلغ مال قريش مبلغ مال أبي بكر.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصادقه ويحبّه ، ويجلس في دكّانه ، وهو كان يحبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله محبّة شديدة ، لا يفارقه ليلا ولا نهارا ، وكان يعين رسول الله بماله وأسبابه.

فلمّا بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يظهر حال نبوّته في أوّل الأمر على الناس ، فذكر لأبي بكر فصدّقه ، وقال رسول الله : « ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلّا وأظهر تردّدا ما خلا أبي(١) بكر »(٢) ( كما قال )(٣) .

فأخذ أبو بكر يدعو الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فآخر ذلك اليوم الذي أسلم أتى بعيون قبائل قريش ممّا(٤) كانوا يصادقونه في مكّة ، وهم :

عثمان بن عفّان ـ من عيون بني أميّة ـ ، وسعد بن أبي وقّاص ـ من

__________________

(١) كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والصواب لغة : « أبا »!

(٢) انظر : البداية والنهاية ٣ / ٢٢.

(٣) كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والعبارة مضطربة ومبهمة ، وذلك غير عزيز من فصاحة وبلاغة الفضل! ولعلّ في العبارة سقطا ، وربّما كان مراده : « فكان الأمر كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أبي بكر » ؛ فلاحظ!

(٤) كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والصواب لغة : « ممّن »!

٤٨٦

أشراف بني زهرة ـ ، وطلحة بن عبيد الله ـ من أشراف تيم ـ ، والزبير بن العوّام ـ من أشراف بني أسد بن عبد العزّى ـ ، وغيرهم من الأشراف ، فبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإسلام(١) .

ثمّ أخذ في الدعوة ، ولا يقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر إلّا بمشاورته وهو يدعو الناس!

وكان عاقلا لبيبا مدبّرا ، مقبول القول ، وكان يبذل ماله في إعانة المسلمين وفي تشهير الإسلام.

وروي في الصحيح ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر ، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته ، لا تبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر »(٢) .

وفيه ـ أيضا ـ : عن عبد الله بن مسعود ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ولكنّه أخي وصاحبي ، وقد اتّخذ الله صاحبكم خليلا »(٣) .

وفي الصحاح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما لأحد عندنا يد إلّا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإنّ له عندنا يدا يكافئه الله يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قطّ ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإنّ صاحبكم خليل الله »(٤) .

__________________

(١) انظر : السيرة الحلبية ١ / ٤٤٩.

(٢) انظر : صحيح البخاري ١ / ٢٠١ ح ١٢٥ ، صحيح مسلم ٧ / ١٠٨.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٠٨.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٦٨ ـ ٥٦٩ ح ٣٦٦١.

٤٨٧

ثمّ لمّا أخذ الكفّار في إيذاء المسلمين وتعذيبهم ، قام أبو بكر بأعباء أذيّة قريش وإعانة المعذّبين ، والذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما هو مشتهر معلوم لا يحتاج إلى بيانه.

وكان يشتري المعذّبين من الكفّار ، واشترى بلال بن رباح ، وفدى غيره من الصحابة ، وابتلي بلاء حسنا لا يكون فوقها مرتبة حتّى جاء وقت الهجرة فصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، وأنزل الله فيه :( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) (١) .

وأثنى الله عليه في كتابه العزيز في مواضع عديدة ممّا يطول ذكرها ، ولو لا أنّ الكتاب غير موضوع لذكر التفاصيل ، لفصّلنا مناقبه في عشر مجلّدات!

ثمّ بعد الهجرة أقام يحفظ الدين والجهاد ، ولم يقدر أحد من الشيعة أن يدّعي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غزا غزوة وتخلّف عنه أبو بكر حتّى توفّي.

وإجماع الأمّة على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقدّمه على أصحابه ويفضّله عليهم ، وهو لم يفارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قطّ في غزاة ، ولا سفر ، ولا فرّ في غزوة ، ومن ادّعى خلاف ذلك فهو مفتر كذّاب ، مخالف لضرورات الدين.

ذكر في « صحيح البخاري » ، عن محمّد بن الحنفيّة ، قال : قلت لأبي : أيّ الناس خير بعد النبيّ؟

قال : أبو بكر.

قلت : ثمّ من؟

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٤٠.

٤٨٨

قال : عمر.

قال : [ و ] خشيت أن يقول : عثمان ، قلت : ثمّ أنت؟

قال : ما أنا إلّا رجل من المسلمين(١) .

انظروا معاشر العقلاء! إنّ أمير المؤمنين عليّ هكذا يذكر الخلفاء ، ثمّ جاء ابن المطهّر الأعرابي ، البوّال على عقبيه ، ويضع لهم المطاعن ، قاتله الله من رجل سوء بطّاط(٢) .

وأيضا : عن عبد الله بن عمر ، قال : كنّا في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نعدل بأبي بكر أحدا ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ لا نفاضل بينهم(٣) .

وفي رواية : كنّا نحن نقول ـ ورسول الله حيّ ـ : أفضل أمّة النبيّ بعده أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان(٤) .

وفي الصحاح : عن ابن عمر ، عن رسول الله ، أنّه قال لأبي بكر : « أنت صاحبي في الغار ، وصاحبي في الحوض »(٥) .

وفيها : عنه ، قال : قال رسول الله : « أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ يأتي أهل البقيع فيحشرون معي ، ثمّ ينتظر أهل

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٧١ ح ١٦٨.

(٢) البطّاط : صانع البطّات ، جمع البطّة ؛ وهي الدبّة بلغة أهل مكّة ؛ لأنّها تعمل على شكل البطّة من الحيوان ، أو هو إناء كالقارورة يوضع فيه الدهن وغيره ؛ انظر مادّة « بطط » في : لسان العرب ١ / ٤٣١ ، تاج العروس ١٠ / ١٩٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ٨٢ ح ١٩٣.

(٤) سنن أبي داود ٤ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٤٦٢٨.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٥٧٢ ح ٣٦٧٠.

٤٨٩

مكّة حتّى تحشر بين الحرمين »(١) .

وفي الصحاح : عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتاني جبرئيل فأخذ بيدي فأراني باب الجنّة الذي يدخل منه أمّتي.

فقال أبو بكر : يا رسول الله! وددت أنّي كنت معك حتّى أنظر إليه.

فقال رسول الله : أما إنّك يا أبا بكر أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي »(٢) .

والأخبار في هذا أكثر من أن تحصى

ثمّ لمّا قرب وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعله في مرضه إماما للناس ؛ ليكون تلويحا إلى خلافته ، وهذا كالمتواتر عند المسلمين ، ولم يتردّد واحد في أنّ أبا بكر في أيّام مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤمّ الناس.

وفي الصحاح : عن عائشة ، قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه : « ادعي لي أبا بكر أباك ، وأخاك ، حتّى أكتب كتابا ، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ ، ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر »(٣) .

وفي الصحاح : عن جبير بن مطعم ، قال : أتت النبيّ امرأة فكلّمته في شيء ، فأمرها أن ترجع إليه ، قالت ، يا رسول الله! أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ ـ كأنّها تريد الموت ـ.

قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر(٤) .

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨١ ح ٣٦٩٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٠٥ ح ٣٧٣٢.

(٢) سنن أبي داود ٤ / ٢١٢ ح ٤٦٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٧ ح ٤٤٤٤.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١١٠ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٣٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٥٣.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٧ / ١١٠.

٤٩٠

والأخبار الدالّة على الإشارة بخلافته كثيرة ، وهي تعارض الأخبار الدالّة على خلافة عليّ.

والإجماع فضل زائد ودليل تامّ على صحّة خلافته.

ثمّ إنّ الرجل السوء يذكر لمثل هذا الرجل المطاعن ، لعن الله كلّ مخالف طاعن.

وكنت حين بلغت باب المطاعن أردت أن أطوي عنه كشحا ، ولا أذكر منه شيئا ؛ لأنّها تؤلم خاطر المؤمن ، ويفرح بها المنافق الفاسد الدين ؛ لأنّ من المعلوم أنّ الدين قام في خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين.

ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون ، فرح بأنّ الدين المحمّدي لا اعتداد به ؛ لأنّ هؤلاء المطعونين ـ حاشاهم ـ كانوا مؤسّسي هذا الدين ، وهذا ثلمة عظيمة في الإسلام ، وتقوية كاملة للكفر ، أقدم به الروافض ، لا أفلحوا!

ولكن رأيت لو أنّي أترك هذا الباب ولم أجاوبه ، يظنّ الناس أنّ ما أورده من الأباطيل كان كلاما متينا ، ونقلا صحيحا لا يقدر على مجاوبته ، فعزمت أن أجري على وفق ما جريت في هذا الكتاب ، من ذكر كلامه والردّ عليه ، والله الموفّق.

* * *

٤٩١

وأقول :

لا ريب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو صاحب الحوض ، ولكنّ عليّا هو المتولّي عليه ، فهو صاحبه أيضا ، كما أنّ لواء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة ـ وهو لواء الحمد ـ بيد عليّعليه‌السلام أيضا ، كما صرّحت بهذا كلّه أخبار القوم(١) ، فضلا عن أخبارنا(٢) .

فمنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك »(٣) ، عن عليّ بن أبي طلحة ،

__________________

(١) فلم يكن ذلك من مخترعات الشيعة كما ادّعاه ابن روزبهان ، بل رواه جمع من أئمّة وحفّاظ وأعلام أهل السنّة ، فانظر ـ علاوة على ما تقدّم في الصفحتين ٤٨١ و ٤٨٢ من هذا الجزء ، وما سيأتي في الصفحات التالية منه ـ : المعجم الأوسط ١ / ١١٠ ح ١٩٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، مطالب السؤول : ٨١ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٨٢ و ٣٨٣.

وانظر مادّة « صيد » في : الفائق في غريب الحديث ٢ / ٣٢٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٦٥ ، لسان العرب ٧ / ٤٥١.

(٢) انظر مثلا : كتاب سليم ٢ / ٧٠٨ ح ١٦ وص ٧٤٧ ح ٢٤ ، بصائر الدرجات : ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ح ١١ ، تفسير فرات ٢ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ح ٤٩٨ و ٤٩٩ ، تفسير القمّي ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، تفسير العيّاشي ٢ / ١١٦ ح ١٢٧ ، كفاية الأثر : ١٠١ ، علل الشرائع ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ب‍ ١٣٠ ح ٦ وص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ب‍ ١٣٧ ح ١ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٧٢ ح ٦٣ وج ٢ / ٥٢ ـ ٥٣ ح ١٨٩ ، الخصال : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ح ١٩ وص ٤١٥ ـ ٤١٦ ح ٥ و ٦ وص ٥٧٣ و ٥٨٢ ـ ٥٨٣ ح ٧ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ١٧٨ ح ١٨٠ وص ٤٠٢ ح ٥٢٠ وص ٥٨٦ ح ٨٠٧ وص ٧٥٦ ح ١٠١٩ ، الأمالي ـ للمفيد ـ : ٢٧٢ ذ ح ٣ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٢٠٩ ح ٣٥٩ ، فضائل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ لابن شاذان ـ : ٦٩ ـ ٧٠ ح ٩٤ و ٩٥ ، إعلام الورى ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٨٥.

(٣) ص ١٣٨ ج ٣ [ ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٩ ]. منهقدس‌سره .

٤٩٢

وصحّحه ، أنّ الحسنعليه‌السلام ، قال لمعاوية بن حديج :أنت السابّ لعليّ والله إن لقيته ـ وما أحسبك تلقاه ـ يوم القيامة ، لتجده قائما على حوض رسول الله يذود عنه رايات المنافقين.

ونحوه في « الصواعق » ، عن الطبراني(١) .

ومنها : ما في « الصواعق » ـ أيضا ـ ، عن الطبراني :يا عليّ! معك يوم القيامة عصا من عصيّ الجنّة تذود بها المنافقين عن الحوض (٢) .

ومنها : ما في « الصواعق » ، عن أحمد : أعطيت في عليّ خمسا ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الثانية : فلواء الحمد بيده ، آدم ومن ولده تحته.

وأمّا الثالثة : فواقف على حوضي ، يسقي من عرف من أمّتي(٣) .

ونحوه في « كنز العمّال »(٤) .

وروى في « الكنز » ـ أيضا ـ ، عن الطبراني ، عن عليّعليه‌السلام :إنّي أذود عن حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيديّ هاتين القصيرتين ؛ الكفّار

__________________

وانظر : السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٣٤٦ ح ٧٧٦ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ١٣٩ ـ ١٤١ ح ٦٧٧١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠.

(١) في المقصد الثالث من المقاصد المتعلقة بالآية الرابعة عشرة ، وهي آية المودّة [ الصواعق المحرقة : ٢٦٥ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الكبير ٣ / ٨١ ـ ٨٢ ح ٢٧٢٧ وص ٩١ ـ ٩٢ ح ٢٧٥٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٦٥ ، وانظر : المعجم الصغير ٢ / ٨٩ ، فردوس الأخبار ٢ / ٤٨٢ ح ٨٣١٤ ، ذخائر العقبى : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٣.

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٦٥ ، وانظر : فضائل الصحابة ٢ / ٨٢٢ ح ١١٢٧ ، ذخائر العقبى : ١٥٥ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٨٤.

(٤) ص ٤٠٢ و ٤٠٣ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٥٢ ح ٤٦٤٧٦ وص ١٥٤ ح ٣٦٤٧٩ ]. منهقدس‌سره .

٤٩٣

والمنافقين (١) .

وروى فيه ـ أيضا(٢) ـ ، عن عمر ـ من حديث طويل ـ ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فيه :وأنت تتقدّمني بلواء الحمد ، وتذود عن حوضي.

وفيه ـ أيضا(٣) ـ : عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ :أنت أمامي يوم القيامة ، فيدفع إليّ لواء الحمد ، فأدفعه إليك ، وأنت تذود الناس عن حوضي.

وقد ذكر كثير من أخبارهم أمر اللواء فقط ، كخبر « الكنز »(٤) ، عن الديلمي ، عن أبي سعيد :يا عليّ! أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

وخبره الآخر(٥) ، عن الخطيب ، والرافعي ، عن عليّعليه‌السلام ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له :سألت الله يا عليّ فيك خمسا ـ إلى أن قال : ـأعطاني فيك أنّ أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ، وأنت معي ، معك لواء الحمد ، وأنت تحمله بين يديّ تسبق به الأوّلين والآخرين.

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ / ١٥٧ ح ٣٦٤٨٤ ، وانظر : المعجم الأوسط ٥ / ٣٦٧ ح ٥١٥٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٦ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٣.

(٢) ص ٣٩٣ ج ٦ [ ١٣ / ١١٧ ذ ح ٣٦٣٧٨ ]. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٤٠٠ ج ٦ [ ١٣ / ١٤٥ ح ٣٦٤٥٥ ]. منهقدس‌سره .

(٤) ص ١٥٥ ج ٦ [ ١١ / ٦١٢ ح ٣٢٩٦٥ ]. منهقدس‌سره .

(٥) ص ١٥٩ ج ٦ [ ١١ / ٦٢٥ ح ٣٣٠٤٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ بغداد ٤ / ٣٣٩ رقم ٢١٦٧ ، التدوين في أخبار قزوين ٢ / ٤٢ رقم ٨٦٣.

٤٩٤

وروى نحوه في محلّ آخر(١) .

وحكى(٢) عن الطبراني ، عن بريدة ، قالوا : يا رسول الله! من يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال :من يحسن أن يحملها إلّا من حملها في الدنيا ؛ عليّ بن أبي طالب.

.. إلى غيرها من الأخبار المصرّحة بأنّ عليّا صاحب حوض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولوائه في الآخرة(٣) ، وقد ذكر قسما منها في « ينابيع المودّة »(٤) .

وأمّا روايات الإذن ، التي ذكر قسما منها المصنّفرحمه‌الله (٥) ، الدالّة على أنّه لا يدخل الجنّة ، ولا يجوز الصراط ، إلّا من بيده جواز وبراءة من عليّعليه‌السلام ، فمستفيضة.

وقد تقدّم بعضها في الآية الحادية عشرة ، وهي قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٦) ، فراجع(٧) !

وأمّا ما زعمه الفضل من الخيانة في نقل فضائل أهل البيتعليهم‌السلام من كتبهم والسكوت عن فضائل خلفائهم ، فخطأ ؛ لأنّا ننقل فضائل

__________________

(١) ص ٣٩٦ ج ٣ [ ١٣ / ١٢٩ ح ٣٦٤١١ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٣٩٨ ج ٦ [ ١٣ / ١٣٦ ح ٣٦٤٢٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الكبير ٢ / ٢٤٧ ح ٢٠٣٦ عن جابر.

(٣) راجع ما مرّ في الصفحات ٤٨١ و ٤٨٢ و ٤٩٣ ـ ٤٩٤ من هذا الجزء.

(٤) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٧ ح ١٠ و ١٣ ـ ١٧.

(٥) تقدّم ذلك في الصفحتين ٤٨١ و ٤٨٢ من هذا الجزء.

(٦) سورة الصافّات ٣٧ : ٢٤.

(٧) راجع : ج ٥ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤٩٥

أهل البيت من كتبهم للاحتجاج بها عليهم ، مع علمنا بصحّتها ؛ لورودها في أخبارنا ، وإن كانت أخبارهم متلجلجة البيان.

وأمّا ما رووه في فضائل من خالف أهل البيت ، فنحن نعتقد كذبه ، وأنّه ممّا حدث في أيّام معاوية وبعده طلبا للدراهم البيض ، والدنانير الصفر ، ومراغمة لآل محمّد ، وتقرّبا لأهل الخلاف ، كما سبق في المقدّمة(١) .

وليت شعري ، كيف يطلب منّا أن نعتمد ما ليس حجّة عندنا؟! بل تواتر لدينا عكسه ، وظهر لنا ضدّه ، حتّى علمنا ـ كما دلّت عليه أخبارهم ـ أنّ كلّ ضلال وقع إنّما أساسه من رووا لهم الفضائل من يوم منعوا نبيّ الرحمة عن كتابة كتاب لا يضلّ المسلمون بعده أبدا(٢) .

وأمّا ما نال به كرامة الإمام العلّامة المصنّفرحمه‌الله لقوله : « لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة » إلى آخره

ففيه : إنّه أيّ مانع لهم عن القدح بهم لو وجدوا إليه سبيلا ، وليسوا عندهم بأعظم وأحبّ من خلفائهم ، وقد نقلوا عنهم ما نقلوا؟! كما ستعرفه(٣) .

وأمّا قوله : « أنت لا تروي شيئا يعتدّ به إلّا من صحاحنا »

ففيه : إنّه إن أراد أنّ صحاحهم ممّا يعتدّ بها حتّى عندنا ، فليس بصحيح ، وليس ما نرويه منها إلّا للاحتجاج به عليهم ؛ لأنّه حجّة عندهم.

وإن أراد أنّها ممّا يعتدّ بها عندهم خاصّة ، فذكره لما فيها من

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٧ ـ ٢٥ من هذا الكتاب.

(٢) انظر : ج ٤ / ٩٣ و ٢٦٧ من هذا الكتاب.

(٣) سيأتي تفصيله في موضعه من الجزء السابع إن شاء الله.

٤٩٦

فضائل أوليائهم لا فائدة فيه ؛ لعدم حاجة أصحابه إلى نقلها ، وعدم صلوحها للاحتجاج بها علينا ؛ وهذا غير خفيّ عليه.

ولكن ، وما حيلة المضطرّ إلّا ركوبها(١)

أو لأنّه يريد أن يخدع السذّج بها وبما لفّقه ، ممّا لا يخفى حتّى على أهل المعرفة من قومه.

وأمّا قوله : « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السنّة » إلى آخره

ففيه : إنّه لو صحّ نقله للشهرة عند أصحابه ، فهي ليست أوّل شهرة كاذبة أريد بها تشييد الباطل ، فقد اشتهر عندهم إدخال ـ من زعموه ـ ربّهم رجله في نار جهنّم حتّى تقول : قط قط(٢) .

واشتهر بينهم إلقاء الشيطان على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة ترتجى(٣) .

واشتهر عندهم رقص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأكمامه واستماعه للغناء الباطل دون عمر وأبي بكر(٤) .

__________________

(١) عجز بيت مشهور يتمثّل به ، للكميت بن زيد الأسدي ( ٦٠ ـ ١٢٦ ه‍ ) ، من البحر الطويل ، وتمام البيت :

وإن لم يكن إلّا الأسنّة مركب

فلا رأي للمحمول إلّا ركوبها

انظر : جمهرة أشعار العرب : ٧٩٠ رقم ٤٩ ، ديوان الكميت ١ / ١٠٢ رقم ٤٩.

وورد البيت بلفظ آخر ، هكذا :

إذا لم تكن إلّا الأسنّة مركب

فلا رأي للمضطرّ إلّا ركوبها

انظر : لباب الآداب : ١٦٤.

(٢) راجع : ج ١ / ٥٠ وج ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٦ من هذا الكتاب.

(٣) راجع : ج ٤ / ١٨ و ٤٣ ـ ٤٩ من هذا الكتاب.

(٤) راجع : ج ٤ / ٧٤ ـ ٨٧ من هذا الكتاب.

٤٩٧

إلى غير ذلك من المشهورات الباطلة قطعا.

ولو كان لهذا الرجل معرفة ، لما روى هذه الشهرة عن أصحابه ؛ لأنّها تكشف عن كون شهراتهم من هذا القبيل ، مخالفة للضرورة والوجدان ، فإنّ كتب الشيعة مملوءة بالنقل عن إمامهم الصادقعليه‌السلام ، وما أحد نقل عن كتاب له ، وإنّما يروون عن لسانه وألسنة الأئمّة الميامين ومراسلاتهم ، وها هي ذي كتب الشيعة بمنظر لمن أراد الاطّلاع عليها.

وأمّا ما زعمه ، من اتّفاق علمائهم على أنّ كلّ ما في الصحاح لو حلف بالطلاق إلى آخره

ففيه : إنّ من حلف كذلك حانث جزما ؛ لأمور :

الأوّل : إنّ كثيرا ممّا فيها متناف ، فكيف تصدق كلّها؟!

الثاني : اشتمالها على ما فيه نقص لله ورسوله ـ كما سبق في مباحث النبوّة(١) ـ وهما منزّهان عن النقص.

الثالث : إنّ الكثير من رواتها كذبة فسقة ـ كما تقدّم في المقدّمة(٢) ـ ، فكيف يحلف الحالف على صدقهم ولا يحنث؟!

الرابع : إنّ بعض أخبارها واضحة الكذب ؛ كالذي رواه البخاري في أواخر الجزء الثاني ، في باب مقدم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه المدينة ، عن عثمان ، قال : « أمّا بعد ، فإنّ الله بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ ، وكنت ممّن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث به محمّد ، ثمّ هاجرت هجرتين ،

__________________

(١) انظر : ج ٤ / ١٧ ـ ١٧٠ ، وراجع : ج ١ / ٤٩ ـ ٥٢ ، من هذا الكتاب.

(٢) انظر : ج ١ / ٥٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤٩٨

ونلت صهر رسول الله ، وبايعته ، فو الله ما عصيته ولا غششته حتّى توفّاه الله »(١) ، فإنّه قد ثبت عصيانه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو بفراره في الغزوات ، كفراره في أحد ثلاثة أيّام(٢) .

فإذا وقع مثل هذا الكذب في الرواية ، فكيف لا يحنث الحالف؟!

ونحوه ـ في ظهور الكذب ـ ما رواه البخاري ـ أيضا ـ ، في باب هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل إلى المدينة وهو مردف أبا بكر ، وأبو بكر شيخ يعرف ، ونبيّ الله شابّ لا يعرف(٣) الحديث.

فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أكبر سنّا ، وشأنا ، وبيتا ، وأثرا ، وشهرة ، بدعوته التي تستدعي القصد إليه ورؤيته ومعرفته ، فكيف كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شابّا لا يعرف ، وأبو بكر شيخا يعرف؟!

ونحوهما كثير!!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة صحاحهم ، فعليك بمراجعة مقدّمة الكتاب(٤) ، وكفاك أنّ عمدة أحاديثها تنتهي إلى عائشة ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وهم ليسوا محلّ الاعتماد ، فضلا عن السند الذي ينتهي إليهم.

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ١٦٨ ح ٤٠٥.

(٢) انظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٩ ، أنساب الأشراف ١ / ٣٩٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٩ ، تفسير الفخر الرازي ٩ / ٦٤ تفسير الآية ١٥٩ من سورة آل عمران ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢١ و ٢٢ و ٢٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٢ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٨٩ ح ٨١٠٢.

وراجع : الصفحات ٤٠٠ و ٤١٤ و ٤١٦ من هذا الجزء.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ١٦١ ح ٣٩٢.

(٤) راجع : ج ١ / ٤١ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤٩٩

أمّا عائشة ؛ فلما سبق من بغضها لأمير المؤمنين(١) ، وما سيأتي في المآخذ ، من صدور الكبائر عنها(٢) .

على أنّها قد روت كثيرا من النقص للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي يعلم الإنسان بكذبه(٣) ، ونسبت إليه جهله بنبوّته في أوّل البعثة حتّى عرّفته خديجة وورقة نبوّته ، وهو مخالف لضرورة الدين ، كما مرّ بيانه في مباحث النبوّة(٤) .

وأمّا ابن عمر ؛ فيعلم حاله من عدّة وقائع

منها : ما نقله الفضل عنه ، من تفضيل الصحابة لأبي بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، على وجه كان مفروغا عنه عندهم ، وأنّهم يتركون بعد الثلاثة سائر الصحابة بلا تفضيل بينهم ، فيكون عليّ من سائر المسلمين لا يرون له فضلا على غيره(٥) .

وقد تعقّبه صاحب « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنّه بعد ما روى حديث ابن عمر المذكور ، قال : « وهو الذي أنكر [ ه‍ ](٦) ابن معين ، وتكلّم فيه بكلام غليظ ؛ لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر ، أنّ عليّا أفضل الناس بعد عثمان ، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه

وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان

__________________

(١) راجع الصفحات ١٤٩ ـ ١٥١ من هذا الجزء!

(٢) سيأتي ذلك في موضعه من الجزء السابع إن شاء الله.

(٣) انظر مثلا : ج ٤ / ٦٤ ـ ٨٧ و ١٤٢ ـ ١٤٥ و ١٥٢ ـ ١٥٩ من هذا الكتاب.

(٤) انظر : ج ٤ / ١٣٧ ـ ١٤٢ من هذا الكتاب.

(٥) مرّ ذلك في الصفحة ٤٨٩ من هذا الجزء.

(٦) كان في الأصل والمصدر : « أنكر » ؛ وما أضفناه مقتضى اللغة والكلام.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582