دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق10%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135970 / تحميل: 5462
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٩-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦ ـ حديث : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

السادس : في « مسند أحمد » وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ما معناه ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث « براءة » مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذا الحليفة(٢) بعث إليه عليّا فردّه ، فرجع أبو بكر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله! أنزل فيّ شيء؟!

قال :لا ، ولكنّ جبرئيل جاءني وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٤.

(٢) ذو الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة ، وهو من مياه جشم.

وموضع آخر بنفس الاسم ، هو بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة ، وليس بالموضع الذي قرب المدينة.

انظر : معجم البلدان ٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ رقم ٣٨٧١.

والمقصود في الحديث هو الموضع الأوّل دون الثاني!

(٣) مسند أحمد ١ / ٣ و ١٥١ وج ٣ / ٢١٢ و ٢٨٣ ومواضع أخر ، جامع الأصول ٨ / ٦٦٠ ح ٦٥٠٩ عن الجمع بين الصحاح الستّة.

وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٥٦ ح ٣٠٩٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٨٤٦٠ ـ ٨٤٦٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٦ ح ٧٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٤ ح ٩٤٦ و ٧٩٥ ح ١٠٩٠ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٢٣٢ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٨ ـ ٥٨٩ ح ١٣٥١ ، زوائد عبد الله بن

٦١

وقال الفضل(١) :

حقيقة هذا الخبر ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الثامنة من الهجرة بعث أبا بكر الصدّيق أميرا للحاجّ ، وأمره أن يقرأ أوائل سورة « براءة » على المشركين في الموسم(٢) ، وكان بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبائل العرب عهود ، فأمر أبا بكر بأن ينبذ إليهم عهدهم إلى مدّة أربعة أشهر ، كما جاء في صدر سورة « براءة » عند قوله تعالى :( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (٣) .

وأمر أيضا أبا بكر بأن ينادي في الناس أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يحجّ بعد العام مشرك.

فلمّا خرج أبو بكر إلى الحجّ بدا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر تبليغ

__________________

_ أحمد بن حنبل على المسند : ٣٥٣ ح ١٤٦ ، تفسير الطبري ٦ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ١٦٣٨٦ و ١٦٣٨٩ و ١٦٣٩٢ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٢١٥ ح ٤٥٧ ، أنساب الأشراف ٢ / ٨٥٧ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٧ ح ١٢٥٩٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٢٢ ح ٦٦١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣ ح ٤٣٧٤ ، ما نزل نم القرآن في عليّ : ٩٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، تفسير الثعلبي ٥ / ٨ ، تفسير الماوردي ٢ / ٣٣٧ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٢ ـ ٢٤٣ ح ٣٠٩ ـ ٣٢٧ ، تفسير البغوي ٢ / ٢٢٥.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٢٠.

(٢) لا يخفى عدم صحة قول الفضل هذا ، فإنّ سورة التوبة نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وبعد غزوة تبوك ، ولا خلاف في هذا ؛ انظر مثلا : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٢٢٦ ، الكشّاف ٢ / ١٧٢.

(٣) سورة التوبة ٩ : ٢.

٦٢

سورة براءة ؛ لأنّها كانت مشتملة على نبذ العهود وإرجاعها إلى أربعة أشهر ، وأنّ العرب كانوا لا يعتبرون نبذ العهد وعقده إلّا من صاحب العهد ومن أحد من قومه ، وأبو بكر كان من بني تيم ، فخاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعتبر العرب نبذ العهد وعقده إلى أربعة أشهر من أبي بكر ؛ لأنّه لم يكن من بني هاشم ، فبعث عليّا لقراءة سورة « براءة » ونبذ عهود المشركين ، وأبو بكر على أمره من إمارة الحجّ والنداء في الناس بأن لا يطوف في البيت عريان ، ولا يحجّ بعد العام مشرك.

فلمّا وصل عليّ إلى أبي بكر قال له أبو بكر : أمير؟

قال : لا ، بل مبلّغ لنبذ العهود.

فذهبا جميعا إلى أمرهم ، فلمّا حجّوا ورجعوا قال أبو بكر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فداك أبي وأمّي يا رسول الله! أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل من أهل بيتي

هذا حقيقة الخبر ، وليس فيه دلالة على نصّ ولا قدح في أبي بكر.

وأمّا ما ذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا ، ولكنّ جبرئيل أتاني » ، فهذا من ملحقاته ، وليس في أصل الحديث هذا الكلام.

* * *

٦٣

وأقول :

آثار الوضع في ما زعمه حقيقة الخبر ظاهرة ، والأدلّة على وضعه كثيرة

أوّلها : إنّه لو كان العرب لا يعتبرون عقد العهد ونبذه إلّا بمباشرة من له الأمر أو أحد أقاربه ، لما خالف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه القاعدة!

فهل خالفها عمدا تساهلا بتنفيذ أمر الله تعالى ، أو جهلا بما يعرفه الناس؟!

وكلّ ذلك لا يصحّ!

ثانيها : إنّ أبا بكر أشفق من عزله حتّى خاف أن يكون نزل به شيء كما ستسمع ، ولو كان عزله بعليّعليه‌السلام على مقتضى القاعدة لما أشفق ، ولا سيّما أنّه قد بقي بزعمهم على إمرة الحجّ والنداء بأن لا يطوف في البيت عريان ، وأن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وخصوصا قد صار عليّعليه‌السلام تحت إمرته في الحجّ كما زعموا!

فهل مع هذا كلّه محلّ لإشفاقه وبكائه لمجرّد العزل عن نبذ العهد إذا قضت به القاعدة؟!

ثالثها : إنّه لا وجه لهذه القاعدة المزعومة ؛ فإنّ العهد ونبذه إنّما يحتاجان إلى اليقين بحصولهما ممّن له الأمر ، فأيّ وجه لتخصيص قرابته دون خاصّته؟! لا سيّما والعهد المنبوذ في المقام هو الذي لم يف المشركون بشروطه ، فيكون منحلّا بنفسه ، وإنّما أجلهم الله ورسوله مع من لم يكن لهم عهد إلى أربعة اشهر إحسانا وتفضّلا.

٦٤

فلا بدّ بعد توقّف أداء هذا الأمر على النبيّ أو من هو منه ـ كما نطقت به الأخبار ـ أن يكون هناك خصوصيّة خارجة عن العادات!

رابعها : الأخبار المصرّحة بأنّ ذلك من خواصّ(١) عليّعليه‌السلام دون سائر أقاربه ، كما في « مسند أحمد »(٢) ، عن يحيى بن آدم السلولي ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ »(٣) .

وفيه أيضا عن حبشي بن جنادة مثل ذلك ، من ثلاثة طرق(٤) .

ومثله أيضا في « سنن الترمذي » بفضائل عليّعليه‌السلام ، وقال : حسن صحيح(٥) .

__________________

(١) الخواصّ : على صيغة منتهى الجموع « فواعل » ، جمع الخاصّ ؛ وقد يشكل بعضهم في استخدامه هنا ويقول : الصحيح أن يقال : « خصائص » ؛ وكلاهما جائز ، وقد ورد استعماله وشاع في كلام فقهاء الطائفة القدماء ومن بعدهم ، وهو صحيح من ناحية اللغة والاستعمال هنا ، والتقدير في كلام الشيخ المظفّرقدس‌سره : بأنّ ذلك الأمر هو من خواصّ عليّعليه‌السلام ؛ أي مختصّ به.

(٢) ص ١٦٤ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٣) وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ب‍ ١٨ ح ٨ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦ ح ٣٥١١ و ٣٥١٣ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٨ ، مرقاة المفاتيح ١٠ / ٤٦٤ ح ٦٠٩٢.

(٤) ص ١٦٥ من ج ٤. منهقدس‌سره .

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٩ ، وفيه : « حسن غريب » بدلا من « حسن صحيح ».

وهذا ممّا طالته يد الخيانة ، فأسقطت كلمة « صحيح » وأبقت كلمة « غريب » ؛ فقد جاءت الجملة هكذا : « هذا حديث حسن غريب صحيح » في نسخة شرحي سنن الترمذي ؛ فانظر : عارضة الأحوذي ٧ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ح ٣٧٤٠ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥١ ـ ١٥٢ ب‍ ٨٦ ح ٣٩٦٧.

٦٥

وفي « كنز العمّال » ، عن النسائي ، وابن ماجة(١) .

ونحوه في بعض الأخبار الآتية.

خامسها : الأخبار الدالّة على رجوع أبي بكر عند وصول عليّعليه‌السلام إليه

منها : ما رواه أحمد في مسنده(٢) ، عن أبي بكر ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ب‍ « براءة » لأهل مكّة : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مدّة فأجله إلى مدّته ، والله بريء من المشركين ورسوله.

قال : فسار بها ثلاثا ، ثمّ قال لعليّ :إلحقه! فردّ عليّ أبا بكر ، وبلّغها أنت ! ففعل.

فلمّا قدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر بكى ، قال : يا رسول الله! حدث فيّ شيء؟!

قال :ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي .

وحكاه في « كنز العمّال » بتفسير سورة التوبة(٣) ، عن ابن خزيمة ، وأبي عوانة ، والدارقطني في « الأفراد ».

ومنها : ما رواه أحمد أيضا(٤) ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : لمّا نزلت عشر

__________________

(١) ص ١٥٣ من ج ٦ [ ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٣ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٧ وص ١٢٨ ح ٨٤٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩.

(٢) ص ٣ من ج ١. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٢٤٦ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٤١٧ ح ٤٣٨٩ ]. منهقدس‌سره .

(٤) ص ١٥١ من الجزء الأوّل. منهقدس‌سره .

٦٦

آيات من براءة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر فبعثه بها ، ثمّ دعاني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي :أدرك أبا بكر! فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم.

فلحقته بالجحفة(١) ، فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله! نزل فيّ شيء؟!

قال :لا ، ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

ونقله في « كنز العمّال » ، عن أبي الشيخ ، وابن مردويه(٢) .

ونحوه في « الكشّاف » أيضا(٣) .

وهذا مصدّق لما نقله المصنّفرحمه‌الله من قول جبرئيل.

ومنها : ما رواه أحمد في مسنده(٤) ، عن أنس ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ب‍ « براءة » مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، قال : ثمّ دعاه فبعث بها عليّا.

ونحوه في « سنن الترمذي » في تفسير سورة « التوبة » ، وقال : هذا حديث حسن(٥) .

__________________

(١) الجحفة ـ بالضمّ ، ثمّ السكون والفاء ـ : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على انظر : معجم البلدان ٢ / ١٢٩ رقم ٢٩٥٥.

(٢) ص ٢٤٧ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٤٢٢ ح ٤٤٠٠ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : زوائد عبد الله بن أحمد على المسند : ٣٥٣ ح ١٤٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ١٧٢.

(٤) ص ٢٨٣ ج ٣. منهقدس‌سره .

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٢٥٦ ح ٣٠٩٠.

٦٧

وفي « كنز العمّال » ، نقلا عن ابن أبي شيبة(١) .

ومنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك » ، في كتاب المغازي(٢) ، عن ابن عمر ، من حديث قال فيه : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر وعمر ب‍ « براءة » إلى أهل مكّة فانطلقا ، فإذا هما براكب ، فقالا : من هذا؟!

قال :أنا عليّ يا أبا بكر! هات الكتاب الذي معك!

فأخذ عليّ الكتاب فذهب به ، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة ، فقالا : ما لنا يا رسول الله؟!

قال : ما لكما إلّا خير ، ولكن قيل لي : [ إنّه ] لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك

سادسها : الأخبار المصرّحة بأنّ عليّا بعث أيضا بأن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ؛ كالذي رواه الترمذي في سورة التوبة وصحّحه(٣) ، عن زيد بن تبيع(٤) ، قال : « سألنا عليّا بأيّ شيء بعثت

__________________

(١) ص ٢٤٩ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٤٣١ ح ٤٤٢١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٦ ح ٧٢.

(٢) ص ٥١ من الجزء الثالث [ ٣ / ٥٣ ح ٤٣٧٤ ]. منهقدس‌سره .

(٣) وهذا ممّا طالته يد الخيانة كذلك ، فأسقطت كلمة « صحيح » من متن كتاب سنن الترمذي ؛ فقد جاءت الجملة في سنن الترمذي هكذا : « هذا حديث حسن » فقط ، بينما جاءت في نسخة شرحي سنن الترمذي هكذا : « هذا حديث حسن صحيح » ؛ فانظر : عارضة الأحوذي ٦ / ١٨٤ ذ ح ٣١٠٣ ، تحفة الأحوذي ٨ / ٣٨٨ ذ ح ٣٢٨٨.

(٤) كذا في الأصل ، وفي المصدر : يثيع ؛ والظاهر أنّه الصواب ؛ فهو : زيد بن يثيع ـ أو أثيع ـ الهمداني الكوفي ؛ انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٢٤٥ رقم ٢٢١٨ ، التاريخ الكبير ٣ / ٤٠٨ رقم ١٣٥٦ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٤ / ٢٥١ ، الإكمال ١ / ١٢ باب أثيع ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٩٠ رقم ٢١١٤ ، ميزان الاعتدال

٦٨

في الحجّة؟

قال :بعثت بأربع : أن لا يطوف بالبيت عريان ؛ ومن كان بينه وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ؛ ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة ؛ ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا »(١) .

ونقله في « كنز العمّال »(٢) ، عن الحميدي ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، والعدني ، وأبي داود ، وابن مردويه ، والدارقطني ، وجماعة(٣) .

وكالذي رواه الحاكم في « المستدرك »(٤) ، وصحّحه ، عن أبي هريرة ، قال : « كنت في البعث الّذين بعثهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليّ ببراءة إلى مكّة ؛ فقال له ابنه أو رجل آخر : فبم كنتم تنادون؟

قال : كنّا نقول : لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن ، ولا يحجّ بعد العام

__________________

٣ / ١٥٨ رقم ٣٠٣٥ ، الكاشف ١ / ٢٩٥ رقم ١٧٧٤ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٣٩ رقم ٢٢٣٤ ، تعجيل المنفعة : ١٧٤ رقم ٣٤٩ ، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٣٥٥ رقم ٢٢٨٣.

(١) سنن الترمذي ٥ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ح ٣٠٩٢.

وانظر : سنن الترمذي ٣ / ٢٢٢ ب‍ ٤٤ ح ٨٧١ كتاب الحجّ ، وقال عنه : « حديث عليّ حديث حسن » ؛ وقال عنه ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي ٢ / ٢٩٩ ح ٨٧٢ : « الحديث مشهور بأبي هريرة ، وهو كلّه حسن صحيح » ، وقال عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي ٣ / ٥١٩ ذ ح ٨٧٢ : « أخرجه الشيخان » ، وهو إشعار بصحّته ؛ فتأمّل!

(٢) ص ٣٣١ من الجزء المذكور [ ٢ / ٤٢٢ ح ٤٤٠٢ ]. منهقدس‌سره .

(٣) انظر : مسند الحميدي ١ / ٢٦ ح ٤٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٤ / ٤٢٠ ح ٥ ، سنن الدارمي ٢ / ٤٨ ح ١٩١٨ ، مسند أحمد ١ / ٧٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٥١ ح ٤٥٢ ، العلل الواردة في الأحاديث ـ للدارقطني ـ ٣ / ١٦٤ رقم ٣٢٩.

(٤) ص ٣٣١ من الجزء الثاني ، تفسير سورة براءة [ ٢ / ٣٦١ ح ٣٢٧٥ ]. منهقدس‌سره .

٦٩

مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فإنّ أجله أربعة أشهر ؛ فناديت حتّى صحل(١) صوتي ».

وروى الطبري في تفسيره نحو هذين الحديثين ، عن عليّ ، وابن عبّاس ، وأبي هريرة ، من عدّة طرق(٢) .

فثبت بما ذكرنا كذب ما زعمه الفضل حقيقة الخبر ، وظهر أنّ أبا بكر رجع قبل الحجّ معزولا ، لا لقضاء قواعد العرب بإرسال عليّعليه‌السلام ، بل لتوقّف مثل هذا العمل عند الله سبحانه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّعليه‌السلام ؛ لأنّه منه ونفسه

فلا بدّ أن يكون نصب أبي بكر ، ثمّ عزله بعليّعليه‌السلام في أثناء الطريق بعد اشتهار نصبه ، إنّما هو للتنبيه من الله تعالى ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أنّ أبا بكر غير صالح للقيام مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ، فلا يصلح ـ بالأولويّة ـ للزعامة العظمى بعده!

وللتنبيه أيضا على أنّ مثل هذا العمل إذا لم يصلح إلّا لمن هو من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفسه ، فالإمامة أولى!

ففيه إرشاد إلى فضل عليّ ، وأنّه هو المتعيّن للقيام مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الإمامة والزعامة العامّة دون سائر الناس ، ولو أرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام من أوّل الأمر لم يحصل ذلك التنبيه والإرشاد(٣) .

__________________

(١) صحل صوته : بحّ صوته ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ مادّة « صحل ».

(٢) تفسير الطبري ٦ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ح ١٦٣٨٢ ـ ١٦٣٨٥.

(٣) وانظر : الإمامة في أهمّ الكتب الكلامية : ٦٨ ـ ٧٢ قضيّة إبلاغ سورة براءة تعقيبا على « شرح المواقف ».

٧٠

٧ ـ حديث اختصاص المناجاة بعليّ

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السابع : في الجمع بين الصحاح الستّة ، وتفسير الثعلبي ، ورواية ابن المغازلي الشافعي آية المناجاة ، واختصاص أمير المؤمنينعليه‌السلام بها ، « تصدّق بدينار حال المناجاة ، ولم يتصدّق أحد قبله ولا بعده ».

ثمّ قال عليّعليه‌السلام :إنّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ) (٢) الآية.

وبي خفّف الله تعالى عن هذه الأمّة ، فلم تنزل في أحد بعدي (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٥.

(٢) سورة المجادلة ٥٨ : ١٢.

(٣) جامع الأصول ٢ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ح ٨٣٦ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، تفسير الثعلبي ٩ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٦٩ ح ٣٧٢ و ٣٧٣ ؛ وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٣٧٩ ح ٣٣٠٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ح ٨٥٣٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٥ ح ٦٢ ـ ٦٣ ، مسند عبد ابن حميد : ٥٩ ـ ٦٠ ح ٩٠ ، تفسير الحبري : ٣٢٠ ح ٦٥ ، تفسير الطبري ١٢ / ٢٠ ح ٣٣٧٨٨ ـ ٣٣٧٩١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٧ ـ ٤٨ ح ٦٩٠٢ ـ ٦٩٠٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٦٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٢٤ ح ٣٧٩٤ وصحّحه هو والذهبي ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٤٩ ،

٧١

وقال الفضل(١) :

قد ذكرنا أنّ هذا من فضائل أمير المؤمنين ، ولم يشاركه أحد في هذه الفضيلة ، وهي مذكورة في الصحاح ، ولكن لا تدلّ على النصّ المدّعى.

* * *

__________________

أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ٢٣٠ ، شواهد التنزيل ٢ / ٢٣١ ـ ٢٤٣ ح ٩٤٩ ـ ٩٦٧ ، تفسير البغوي ٤ / ٢٨٣ ، تفسير الكشّاف ٤ / ٧٦ ، تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، تفسير النيسابوري ٦ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٩٩ ح ١.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٢٦.

٧٢

وأقول :

قد أوضحنا دلالتها على إمامته ، فراجع وتبصّر(١) !

__________________

(١) انظر : ج ٥ / ٣١ ـ ٣٨ من هذا الكتاب.

وقد ردّ نظام الدين النيسابوري ، المتوفّى سنة ٧٢٨ ه‍ ، في تفسيره ٦ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦ على ما أشكل به القاضي عبد الجبّار والفخر الرازي على هذه الفضيلة ، فقال ما نصّه : « قال القاضي : هذا لا يدلّ على فضله على أكابر الصحابة ؛ لأنّ الوقت لعلّه لم يتّسع للعمل بهذا الفرض.

وقال فخر الدين الرازي [ تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٣ ] : سلّمنا أنّ الوقت قد وسع ، إلّا أنّ الإقدام على هذا العمل ممّا يضيّق قلب الفقير الذي لا يجد شيئا ، وينفّر الرجل الغني ، ولم يكن في تركه مضرّة ؛ لأنّ الذي يكون سببا للألفة أولى ممّا يكون سببا للوحشة.

وأيضا : الصدقة عند المناجاة واجبة ، أمّا المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة ، بل الأولى ترك المناجاة ؛ لما بيّنّا من أنّها كانت سببا لسآمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت : هذا الكلام لا يخلو عن تعصّب مّا!

ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضوليّة عليّ رضي الله عنه في كلّ خصلة؟!

ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة؟!

فقد روي عن ابن عمر : كان لعليّ رضي الله عنه ثلاث ، لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حمر النّعم : تزويجه بفاطمة رضي الله عنها ، وإعطاؤه الراية يوم خبير ، وآية النجوى.

وهل يقول منصف : إنّ مناجاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نقيصة؟!

على أنّه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة ، وإنّما ورد تقديم الصدقة على المناجاة ، فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين : سدّ خلّة بعض الفقراء ، ومن جهة محبّة نجوى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففيها القرب منه ، وحلّ المسائل العويصة ، وإظهار أنّ نجواه أحبّ إلى المناجي من المال ».

٧٣

٨ ـ حديث المباهلة

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

الثامن : آية المباهلة : في « الجمع بين الصحيحين » ، أنّه لمّا أراد المباهلة لنصارى نجران احتضن الحسين ، وأخذ بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعليّ يمشي خلفها ، وهو يقول لهم : ذادعوت فأمّنوا (٢) .

فأيّ فضل أعظم من هذا ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يستسعد(٣) بدعائه ، ويجعله واسطة بينه وبين ربّه تعالى؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٥.

(٢) الجمع بين الصحيحين ١ / ١٩٨ ذ ح ٢٠٨ ، وقد مرّ تخريج حديث نزول الآية الكريمة مفصّلا في ج ٤ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ؛ فراجع!

(٣) الإسعاد : المعونة ؛ والمساعدة : المعاونة ، وساعده مساعدة وسعادا وأسعده : أعانه ، ويستسعد به : أي يستعين به ويعدّه سعدا ويمنا.

انظر مادّة « سعد » في : لسان العرب ٦ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، تاج العروس ٥ / ١٦.

٧٤

وقال الفضل(١) :

قصّة المباهلة مشهورة ، وهي فضيلة عظيمة كما ذكرنا ، وليس فيه دلالة على النصّ.

وأمّا ما ذكره من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستسعد بدعائه ، فهذا لا يدلّ على احتياج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى دعاء أهل بيته وتأمينهم ، ولكن عادة المباهلة كما ذكر الله في القرآن أن يجمع الرجل أهله وقومه وأولاده ؛ ليكون أهيب في أعين المباهلين ، ويشمل البهلة إيّاه وقومه وأتباعه ، وهذا سرّ طلب التأمين منهم ، لا أنّه استعان بهم وجعلهم واسطة بينه وبين ربّه ليلزم أنّهم كانوا أقرب إلى الله منه.

هذا يفهم من كلامه ومن معتقده الميشوم الباطل!

نعوذ بالله من أن يعتقد أنّ في أمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كان أقرب إلى الله منه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٢٧.

٧٥

وأقول :

لا ريب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ صالح مقرّب ، لا يرى لنفسه استحقاقا في استجابة دعائه ، ولا يجعل الاعتماد على نفسه ، بل يتوسّل إلى الإجابة بأنواع الوسائل التي يقتضيها المقام ، كتعظيم الله سبحانه ، وتمجيده بأسمائه الحسنى ، والتملّق له بحمده وشكر نعمائه وإظهار المذلّة والخضوع لجنابه الأرفع قولا وفعلا ؛ بأن يجلس على الأرض ويعفّر وجهه بالتراب مثلا.

وربّما تقتضي أهمّيّة المطلوب أن يجمع معه المقرّبين ؛ لاحتمال أنّ للاجتماع مدخليّة في حصول الإجابة ، أو مبادرتها ، أو كونها تخصّ أحدهم لخصوصيّة هناك.

فحينئذ لا مانع من استسعاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعاء أهل بيتهعليهم‌السلام ، واستعانته بهم في التأمين على دعائه ، وجعلهم واسطة بينه وبين ربّه ، وإن كان هو أقرب منهم إلى الله تعالى ، ولا سيّما إذا كان المراد ـ مع ذلك ـ إظهار فضلهم على سائر الأمّة من الأقارب والأباعد والأكابر والأصاغر.

فلا معنى لما زعمه الفضل من لزوم أنّهم أقرب إلى الله منه ، وليس هو معتقدا للمصنّفرحمه‌الله ، ولا يجوّزه أحد منّا ، ولكن يجوّزه بعض القوم كما عرفت(١) ، أنّ ابن حزم نقله عن الباقلّاني الأشعري ، وهو لازم مذهب الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين.

__________________

(١) في الجزء الأوّل ، ص ٣٧٤ ، المبحث الثاني من مباحث النبوّة [ ٤ / ٣٠ ـ ٣٧ مبحث عصمة الأنبياء ]. منهقدس‌سره .

وانظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٢٨٤.

٧٦

وبالجملة : المباهلة إنّما تقع بين الخصمين ، ومن المعلوم أنّ خصم أهل نجران هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة ، لكن لمّا كان إدخال عليّ وفاطمة والحسنين معه في المباهلة يشتمل على فوائد ، أدخلهم معه

الأولى : إظهار اعتماده على أنّه المحقّ ؛ فإنّ إدخال أعزّ الناس في محلّ الخطر دليل على ذلك ، وعلى اعتقاده بالنجاح والسلامة.

الثانية : الاستسعاد بهم والاستعانة بدعائهم ؛ ولذا أمرهم بالتأمين على دعائه ، ولا وجه لما قاله الفضل من أنّ سرّ طلب التأمين شمول البهلة لهم لا الاستعانة بدعائهم ؛ فإنّ خروجهم معه كاف في شمول البهلة لهم بلا حاجة إلى تأمينهم.

ولو كان التأمين هو السرّ في شمول البهلة لهم ، فمن أين علم شمولها لقوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأتباعه ، ولم يأخذهم معه ، وما أراد تأمينهم؟!

الثالثة : بيان فضلهم على الأمّة بإشراكهم معه كما أمر الله تعالى ، دون أقاربه وخاصّته ، في إثبات دعوى النبوّة بالمقام الشهير المشهود ؛ فإنّه منزلة عظمى ، لا سيّما لعليّعليه‌السلام الذي عبّر الله سبحانه عنه بنفس النبيّ.

ودعوى أنّ عادة المباهلة أن يجمع الرجل أهله وقومه وأولاده ، كاذبة ـ كما سبق في الآية السادسة(١) ، وإلّا لما خالفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولاعترض عليه النصارى في المخالفة ـ ؛ كدعوى شمول البهلة للأتباع ، وإلّا لأدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله معه ولو واحدا منهم!

وكون وجوده هو الأصل والمدار فيستغني عن وجودهم ، وارد في المرأة والطفلين بالأولويّة ، فلم لا استغنى عنهم؟!

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ من هذا الكتاب.

٧٧

ومن المضحك قوله : « ليكون أهيب في عيون المباهلين » ، فإنّه لو كان الداعي لوجودهم هو الهيبة ، فلم خصّ شابّا وامرأة وطفلين ، وترك المشايخ الكبار ، والحفدة(١) ، والأنصار؟!

وقد مرّ في الآية السادسة ما يزيدك تحقيقا وبيانا للمطلوب(٢) .

ثمّ إنّ غاية ما قلنا هو استسعاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستعانته في الدعاء على المبطلين بمن طهّرهم الله عن الرجس تطهيرا ، وقد زعم القوم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسعد بالدعاء لنفسه الشريفة بعمر بن الخطّاب ، وهو أعظم من الاستسعاد في الأوّل ، ولم يستنكره القوم ؛ لأنّه متعلّق بأوليائهم!

روى ابن حجر في « الصوّاعق » ، في فضائل عمر ، أنّ رسول الله قال له : « لا تنسنا يا أخي من دعائك ».(٣)

وفي رواية أخرى قال له : « يا أخي أشركنا في صالح دعائك ، ولا تنسنا »(٤) .

بل رووا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسعد بأبي بكر وعمر وعثمان في حفظ نفسه المقدّسة ، وجعلهم واسطة لسلامته!

__________________

(١) الحفدة : الأعوان والخدمة ، واحدهم : حافد ؛ انظر : لسان العرب ٣ / ٢٣٥ مادّة « حفد ».

(٢) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ وما بعدها من هذا الكتاب ، وانظر مبحث آية المباهلة في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٣٤٢ ـ ٤٦٦.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٤٩ ح ٦١ ؛ وانظر : سنن أبي داود ٢ / ٨١ ح ٤٩٨ ، مسند أحمد ١ / ٢٩.

(٤) الصواعق المحرقة : ١٤٩ ح ٦٢ ؛ وانظر : سنن ابن ماجة ٢ / ٩٦٦ ح ٢٨٩٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٢٣ ح ٣٥٦٢ ، مسند أحمد ٢ / ٥٩.

٧٨

روى البخاري وغيره ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صعد إلى أحد ومعه هؤلاء القوم ، فرجف بهم ، فضربه برجله وقال : « أثبت! فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد »(١) ، فإنّه دالّ على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسعد بهم ، وجعلهم واسطة لحفظ نفسه وأنفسهم كما استسعد بنفسه لذلك ؛ وهو بالضرورة أعظم من جعل آل محمّد واسطة إلى لعن أهل نجران ؛ فتدبّر!

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٧٤ ح ١٧٢ وص ٧٨ ح ١٨٢ وص ٨٣ ح ١٩٥ ، سنن أبي داود ٤ / ٢١٢ ح ٤٦٥١ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣ ح ٣٦٩٦ و ٣٦٩٧ ، مسند أحمد ٥ / ٣٣١ و ٣٤٦.

٧٩

٩ ـ حديث المنزلة

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

التاسع : في مسند أحمد من عدّة طرق ، وفي صحيح البخاري ومسلم من عدّة طرق ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج إلى تبوك(٢) استخلف عليّا في المدينة وعلى أهله ، فقال عليّ : ما كنت أوثر أن تخرج في وجه إلّا وأنا معك.

فقال :أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟! (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٦.

(٢) تبوك ـ بالفتح ، ثمّ الضمّ ، وواو ساكنة ـ : موضع بين وادي القرى والشام ، بينها وبين المدينة اثنتا عشرة مرحلة ، وفيها كانت غزوة تبوك سنة ٩ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٢ / ١٧ رقم ٢٤٤٥.

(٣) مسند أحمد ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ وج ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ وج ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، صحيح البخاري ٥ / ٨٩ ح ٢٠٢ وج ٦ / ١٨ ح ٤٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ كتاب الفضائل ـ باب فضائل أمير المؤمنين.

وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤ وص ٥٩٩ ح ٣٧٣٠ و ٣٧٣١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ـ ٤٣ ح ١١٥ وص ٤٥ ح ١٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٤ ح ٨١٣٨ ـ ٨١٤٣ وص ١١٩ ـ ١٢٥ ح ٨٤٢٩ ـ ٨٤٤٩ من طرق كثيرة وص ٢٤٠ ح ٨٧٨٠ ، مسند الطيالسي : ٢٨ و ٢٩ ح ٢٠٥ و ٢٠٩ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٠٦ ح ٩٧٤٥ وج ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٩٠ ، مسند الحميدي ١ / ٣٨ ح ٧١ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦ ـ ١٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ ح ١١ ـ ١٥ وج ٨ / ٥٦٢

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الصفحة ٥٢٣

معذور، لا من حيث العقاب ولا من جهة سائر الاثار، بمعنى أن شيئا من آثار الشئ المجهول عقابا أو غيره من الاثار المترتبة على ذلك الشئ في حق العالم لا يرتفع عن الجاهل لاجل جهله.

وقد إستثنى الاصحاب من ذلك القصر والاتمام والجهر والاخفات، فحكموا بمعذورية الجاهل في هذين الموضعين.

وظاهر كلامهم إرادتهم العذر من حيث الحكم الوضعي، وهي الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة.

وهو الذي يقتضيه دليل المعذورية في الموضعين أيضا.

فحينئذ يقع الاشكال في أنه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الاحكام المجهولة للمكلف المقصر، فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا.

وما يأتي به من الاتمام المحكوم بكونه مسقطا، إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب، وإن كان مأمورا به فكيف يجتمع الامر به مع فرض وجود الامر بالقصر.

ودفع هذا الاشكال، إما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعي المتروك، وإما بمنع تعلقه بالمأتي به، وإما بمنع التنافي بينهما.

فالاول: إما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم، وكذا الجهر والاخفات.

وإما بمعنى معذوريته فيه، بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع، يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا، بخلاف الحكم الواقعي.

وهذا الجاهل وإن لم يتوجه إليه خطاب مشتمل على حكم ظاهري، كما في الجاهل بالموضوع، إلا أن مستغنى عنه بإعتقاده لوجوب هذا الشئ عليه في الواقع.

وإما من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع وكونه مؤاخذا على ترك التعلم، فلا يجب عليه القصر، لغفلته عنه.

نعم يعاقب على عدم إزالة الغفلة، كما تقدم إستظهاره من صاحب المدارك و من تبعه.

وإما من جهة تسليم تكليفه بالواقع، إلا أن الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة لقبح خطاب العاجز.

وان كان العجز بسوء إختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر، لكنه ليس مأمورا به حتى يجتمع مع فرض وجود الامر بالاتمام.

لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور، حيث أن الظاهر منهم كما تقدم بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة إلى الجاهل.

ولذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب، إذ لولا النهي حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان.

والثاني: منع تعلق الامر بالمأتي به وإلتزام أن غير الواجب مسقط عن الواجب، فإن قيام ما

١٢١

الصفحة ٥٢٤

اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعي غير ممتنع.

نعم قد يوجب إتيان غير الواجب فوات الواجب فيحرم، بناء على دلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد، كما في آخر الوقت، حيث يستلزم فعل التمام فوت القصر.ويرد هذا الوجه أن الظاهر من الادلة كون المأتي به مأمورا به في حقه.

مثل قوله عليه السلام في الجهر والاخفات: (تمت صلاته)، ونحو ذلك.

والموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب نمنع عدم وجوب البدل، بل الظاهر في تلك الموارد سقوط الامر الواقعي وثبوت الامر بالبدل، فتأمل.

والثالث: بما ذكره كاشف الغطاء، رحمه الله، من أن التكليف بالاتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر، فقد كلفه بالقصر والاتمام على تقدير معصية في التكليف بالقصر.

وسلك هذا الطريق في مسألة الضد في تصحيح فعل غير الاهم من الواجبين المضيقين، إذا ترك المكلف الامتثال بالاهم.

ويرده: أنا لا نعقل الترتب في المقامين، وإنما يفعل ذلك فيما إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقق معصية الاول.

كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة الترابية فكلف لضيق الوقت بالبراء‌ة.

الثالث إن وجوب الفحص إنما هو في إجراء الاصل في الشبهة الحكمية الناشية من عدم النص أو إجمال بعض ألفاظه او تعارض النصوص.

أما إجراء الاصل في الشبهة الموضوعية: فإن كانت الشبهة في التحريم، فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص.

ويدل عليه إطلاق الاخبار، مثل قوله عليه السلام: (كل شئ لك حلال حتى تعلم)(١)، وقوله: (حتى يستبين لك غير هذا او تقوم به البينة)(٢)، وقوله: (حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة)(٣)، وغير ذلك، السالم عما يصلح لتقييدها.

وإن كانت الشبهة وجوبية، فمقتضى أدلة البراء‌ة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا وهو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد.

مثل قول المولى لعبده: (أكرم العلماء أو المؤمنين)، فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين، إلا أنه قد يترا اى أن بناء

____________________

(١) الكافي (الفروع) ج ٦، ص ٣٣٩.

(٢) الكافي، ج ٥، ص ٣١٣.

(٣) الكافي (الفروع)، ج ٦، ص ٣٣٩: (كل شئ كل حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة).

ص ٢٢٤.

١٢٢

الصفحة ٥٢٥

العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط.

كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبائها أو إضافتهم أو إعطاء كل واحد منهم دينارا.

فإنه قد يدعى أن بناء‌هم على الفحص عن أولئك وعدم الاقتصار على المعلوم إبتداء مع إحتمال وجود غيرهم في البلد.

قال في المعالم، في مقام الاستدلال على وجوب التبين في خبر مجهول الحال بآية التثبت في خبر الفاسق: (إن وجوب التثبت فيها متعلق بنفس الوصف، لا بما تقدم العلم به منه.

ومقتضى ذلك إرادة الفحص والبحث عن حصوله وعدمه.

ألا ترى أن قول القائل: (أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما)، يقتضي إرادة السؤال والفحص عمن جمع الوصفين، لا الاقتصار على من سبق العلم بإجتماعهما فيه)(١)، إنتهى.

وأيد ذلك المحقق القمي، رحمه الله، في القوانين ب‍ (أن الواجبات المشروطة بوجود شئ إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده.فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط.مثل أن من شك في كون ماله بمقدار إستطاعة الحج، لعدم علمه بمقدار المال.

لا يمكنه أن يقول: إني لا أعلم أني مستطيع ولا يجب علي شئ، بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنه واجد للاستطاعة أو فاقد لها.

نعم لو شك بعد المحاسبة في أن هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا، فالاصل عدم الوجوب حنيئذ)(١).

ثم ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدم عنه(٢).

وأما كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة: فقد أفتى جماعة منهم، كالشيخ والفاضلين وغيرهم، بأنه لو كان له فضة مغشوشة بغيرها وعلم بلوغ الخالص نصابا وشك في مقداره وجب التصفية، ليحصل العلم بالمقدار أو الاحتياط بمقدار ما تيقن معه البراء‌ة.

نعم إستشكل في التحرير في وجوب ذلك، وصرح غير واحد من هؤلاء، مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب، بأنه لا يجب التصفية، والفرق بين المسألتين مفقود إلا ما ربما يتوهم من أن العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب، بخلاف ما لم يعلم به.

وفيه: أن العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدرة المتيقن ودوران الامر بين الاقل والاكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا.ألا ترى أنه لو علم بالدين وشك في قدره، لم

____________________

(١) معالم الدين، ص ٢٠١.

(٢) القوانين المحكمة، ص ٢٢٤.

١٢٣

الصفحة ٥٢٦

يوجب ذلك الاحتياط والفحص، مع أنه لو كان هذا المقدار يمنع من إجراء البراء‌ة قبل الفحص لمنع منها بعده، إذ العلم الاجمالي لا يجوز معه الرجوع إلى البراء‌ة ولو بعد الفحص.

وقال في التحرير في باب نصاب الغلات: (ولو شك في البلوغ، ولا مكيال هنا ولا ميزان، ولم يوجد، سقط الوجوب دون الاستحباب)(١) إنتهى.وظاهره جريان الاصل مع تعذر الفحص وتحصيل العلم.

وبالجملة فما ذكروه من إيجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكن في بعض افراد الاشتباه في الموضوع مشكل.

وأشكل منه فرقهم بين الموارد، مع ما تقرر عندهم من أصالة نفي الزائد عند دوران الامر بين الاقل والاكثر.

وما ما ذكره صاحب المعالم، رحمه الله، وتبعه عليه المحقق القمي، رحمه الله، من تقريب الاستدلال بآية التثبت على رد خبر مجهول الحال من جهة إقتضاء تعلق الامر بالموضوع الواقعي المقتضي وجوب الفحص عن مصاديقه وعدم الاقتصار على القدر المعلوم(٢) فلا يخفي ما فيه، لان رد خبر مجهول الحال ليس مبنيا على وجوب الفحص عند الشك وإلا لجاز الاخذ به ولم يجب التبين فيه بعد الفحص واليأس عند العلم بحاله، كما لا يجب الاعطاء في المثال المذكور بعد الفحص عن حال المشكوك وعدم العلم بإجتماع الوصفين فيه، بل وجه رده قبل الفحص وبعده أن وجوب التبين شرطي، ومرجعه إلى إشتراط قبول الخبر في نفسه من دون إشتراط التبين فيه بعدالة المخبر.

فإذا شك في عدالته شك في قبول خبره في نفسه، والمرجع في هذا الشك والمتعين فيه عدم قبول، لان عدم العلم بحجية شئ كاف في عدم حجيته.

ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء إعتبار الفحص ثم العمل بالبراء‌ة، كبعض الامثلة المتقدمة.فإن إضافة جميع علماء البلد أو أطبائهم لا يمكن للشخص الجاهل إلا بالفحص.

فإذا حصل العلم ببعض، واقتصر على ذلك نافيا لوجوب إضافة من عداه بأصالة البراء‌ة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين عد مستحقا للعقاب والملامة عند إنكشاف ترك إضافة من يتمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد.ومن هنا يمكن أن يقال في مثال الحج المتقدم: إن العلم بالاستطاعة في أول ازمنة حصولها

____________________

(١) تحرير الاحكام، ص ٦٢.

(٢) معالم الدين، ص ٢٠١.

١٢٤

الصفحة ٥٢٧

يتوقف غالبا على المحاسبة.فلو بنى الامر على تركها ونفي وجوب الحج بأصالة البراء‌ة لزم تأخير الحج عن أول سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الاشخاص، لكن الشأن في صدق هذه الدعوى.

وأما ما استند إليه المحقق المتقدم من أن الواجبات المشروطة يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا العلم بوجوده ففيه: أنه مسلم، ولا يجدي، لان الشك في وجود الشرط يوجب الشك في وجوب المشروط وثبوت التكليف والاصل عدمه.

غاية الامر الفرق بين إشتراط التكليف بوجود الشئ وإشتراطه بالعلم به، إذ مع عدم العلم في الصورة الثانية نقطع بإنتفاء التكليف من دون حاجة إلى الاصل وفي الصورة الاولى يشك فيه، فينفى بالاصل.

١٢٥

الصفحة ٥٢٨

وأما الكلام في مقدار الفحص

فملخصه أن حد الفحص هو اليأس عن وجدان الدليل فما بأيدينا من الادلة ويختلف ذلك بإختلاف الاعصار.

فإن في زماننا هذا إذا ظن المجتهد بعدم وجود دليل التكليف في الكتب الاربعة وغيرها من الكتب المعتبرة في الحديث التي يسهل تناولها على نوع أهل العصر، على وجه صار مأيوسا، كفى ذلك منه في إجراء البراء‌ة.

أما عدم وجوب الزائد، فللزوم الحرج وتعطيل إستعلام سائر التكاليف، لان إنتهاء الفحص في واقعة إلى حد يحصل العلم بعدم وجود دليل التكليف يوجب الحرمان من الاطلاع على دليل التكليف في غيرها من الوقائع.

فيجب فيها إما الاحتياط، وهو يؤدي إلى العسر، وإما لزوم التقليد لمن بذل فيها جهده على وجه علم بعدم دليل التكليف فيها.

وجوازه ممنوع، لان هذا المجتهد المتفحص ربما يخطئ ذلك المجتهد في كثير من مقدمات إستنباطه للمسألة.

نعم لو كان جميع مقدماته مما يرتضيها هذا المجتهد وكان التفاوت بينهما أنه أطلع على ما لم يطلع هذا، أمكن أن يكون قوله حجة في حقه.

لكن اللازم حينئذ أن يتفحص في جميع المسائل إلى حيث يحصل الظن بعدم وجود دليل التكليف، ثم الرجوع إلى هذا المجتهد.فإن كان مذهبه مطابقا للبراء‌ة كان مؤيدا لما ظنه من عدم الدليل.وإن كان مذهبه مخالفا للبراء‌ة كان شاهد عدل على وجود دليل التكليف.

فإن لم يحتمل في حقه الاعتماد على الاستنباطات الحدسية أو العقلية من الاخبار، أخذ بقوله في وجود دليل وجعل فتواه كروايته.

ومن هذا القبيل ما حكاه غير واحد، من أن القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عن إعواز النصوص.

والتقييد بإعواز النصوص مبني على ترجيح النص المنقول بلفظه على الفتوى التي يحتمل الخطأ في النقل بالمعنى.

وإن احتمل في حقه إبتناء فتواه على الحدس والعقل، لم يكن دليل على إعتباره في حقه وتعين العمل بالبراء‌ة.

١٢٦

الصفحة ٥٢٩

تذنيب ذكر الفاضل التوني لاصل البراء‌ة شروطا أخر الاول: أن لا يكون إعمال الاصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى، مثل أن يقال، في أحد الانائين المشتبهين: الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه، فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الاخر أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا و عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة، فإن إعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الاناء الاخر أو الملاقي أو الماء.

أقول: توضيح الكلام في هذا المقام أن إيجاب العمل بالاصل لثبوت حكم آخر إما بإثبات الاصل المعمول به لموضوع أنيط به حكم شرعي، كأن يثبت بالاصل براء‌ة ذمة الشخص الواجد لمقدار الدين مانع عن الاستطاعة، فيدفع بالاصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال.

ومنه المثال الثاني، فإن أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا يوجب الحكم بقلته التي أنيط بها الانفعال.

وإما لاستلزام نفي الحكم به حكما يستلزم عقلا أو شرعا أو عادة ولو في هذه القضية الشخصية لثبوت حكم تكليفي في ذلك المورد أو في مورد آخر، كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الانائين.

فإن كان إيجابه للحكم على الوجه الاول، كالمثال الثاني، فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الاصل، لجريان أدلته من العقل والنقل من غير مانع.ومجرد إيجابه حكما وجوديا آخر لا يكون مانعا عن جريان أدلته.كما لا يخفى على من تتبع الاحكام الشرعية والعرفية.ومرجعه في الحقيقة إلى رفع المانع.

فإذا إنحصر الطهور في ماء مشكوك الاباحه بحيث لو كان محرم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين.

فلا مانع من إجراء أصالة الحل وإثبات كونه واجدا للطهور فيجب عليه الصلاة.

١٢٧

الصفحة ٥٣٠

ومثاله العرفي ما إذا قال المولى لعبده: (إذا لم يكن عليك شغل واجب من قبلي فاشتغل بكذا).

فإن العقلاء يوجبون عليه الاشتغال بكذا إذا لم يعلم بوجوب شئ على نفسه من قبل المولى.

وإن كان على الوجه الثاني الراجح إلى وجود العلم الاجمالي بثبوت حكم مردد بين حكمين: فإن أريد بإعمال الاصل في نفي أحدهما إثبات الاخر، ففيه: أن مفاد أدلة أصل البراء‌ة مجرد نفي التكليف دون إثباته وإن كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفي.

فإن الاحكام الظاهرية إنما تثبت بمقدار مدلول أدلتها ولا يتعدى إلى أزيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت، إلا أن يكون الحكم الظاهري الثابت بالاصل موضوعا لذلك الحكم الاخر، كما ذكرنا في مثال براء‌ة الذمة عن الدين والحج، وسيجئ توضيح ذلك في باب تعارض الاستصحابين.

وإن أريد بإعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الاثبات، فهو جار، إلا أنه معارض بجريانه في الاخر.

فاللازم إما إجراؤه فيهما، فيلزم طرح ذلك العلم الاجمالي لاجل العمل بالاصل، وإما إهماله فيهما، فهو المطلوب، وإما إعمال أحدهما بالخصوص، فترجيح بلا مرجح.نعم لو لم يكن العلم الاجمالي في المقام مما يضر طرحه لزم العمل بهما.كما تقدم أنه أحد الوجهين فيما إذا دار الامر بين الوجوب والتحريم.

وكيف كان، فسقوط العمل بالاصل في المقام لاجل المعارض، ولا إختصاص لهذا الشرط بأصل البراء‌ة، بل يجري في غيره من الاصول والادلة.

ولعل مقصوده صاحب الوافية ذلك، وقد عبر هو، رحمه الله، [ عن هذا الشرط ] في باب الاستصحاب بعدم المعارض.

وأما أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا، فقد عرفت أنه لا مانع من إستلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقي، فإنه نظير أصالة البراء‌ه من الدين المستلزم لوجوب الحج.

وقد فرق بينهما المحقق القمي، رحمه الله، حيث إعترف بأنه لا مانع من إجراء البراء‌ة في الدين وإن إستلزم وجوب الحج، ولم يحكم بنجاسة الماء مع جريان أصالة عدم الكرية، جمعا بينها وبين أصالة طهارة الماء.

ولم يعرف وجه فرق بينهما أصلا.(١)

____________________

(١) القوانين المحكمة، ص ٢٧٢

١٢٨

الصفحة ٥٣١

ثم إن مورد الشك في البلوغ كرا الماء المسبوق بعدم الكرية.وأما المسبوق بالكرية، فالشك في نقصانه من الكرية والاصل هنا بقاؤها.

ولو لم يكن مسبوقا بحال، ففي الرجوع إلى طهارة الماء، للشك في كون ملاقاته مؤثرة في الانفعال، فالشك في رافعيتها للطهارة، أو إلى النجاسة، لان الملاقاة مقتضية للنجاسة والكرية مانعة عنها بمقتضى قوله عليه السلام: (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ)، ونحوه، مما دل على سببية الكرية، لعدم الانفعال المستلزمة لكونها مانعة عنه، والشك في المانع في حكم العلم بعدمه، وجهان.

وأما أصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة، فهو في نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجري فيه الاصل، نعم نفس الكرية حادثة، فإذا شك في تحققها حين الملاقاة حكم بأصالة عدمها.وهذا معنى عدم تقدم الكرية على الملاقاة.

لكن هنا أصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية، وهو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية فيتعارضان.

ولا وجه لما ذكره من الاصل.

وقد يفصل فيها بين ما كان تاريخ واحد من الكرية والملاقاة معلوما، فإنه يحكم بأصالة تأخر المجهول بمعنى عدم ثبوته في زمان يشك في ثبوته فيه فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة، وقد يجهل التأريجاه بالكلية.

وقضية الاصل في ذلك التقارن، ومرجعه إلى نفي وقوع كل منهما في زمان يحتمل وقوعه فيه، وهو مقتضى ورود النجاسة على ما وكر حال الملاقاة فلا يتنجس به)(١)، إنتهى.

وفيه: أن تقارن ورود النجاسة والكرية موجب لانفعال الماء، لان الكرية مانعة عن الانفعال بما يلاقيه بعد الكرية على ما هو مقتضى قوله عليه السلام: (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ)، فإن الضمير المنصوب راجع إلى الكر المفروض كريته، فإذا حصلت الكرية حال الملاقاة كان المفروض الملاقاة غير كر، فهو نظير ما إذا حصلت الكرية بنفس الملاقاة فيما إذا تمم الماء النجس كرا بطاهر والحكم فيه النجاسة، إلا أن ظاهر المشهور فيما نحن فيه الحكم بالطهارة.

بل إدعى المرتضى، قدس سره، عليه الاجماع حيث استدل بالاجماع على طهارة كر رأى فيه نجاسة لم يعلم تقدم وقوعها على الكرية على كفاية تتميم النجس كرا في زوال نجاسته.

ورده الفاضلان وغيرهما بأن الحكم بالطهارة هنا لاجل الشك في حدوث سبب النجس، لان الشك مرجعه إلى الشك في كون الملاقاة مؤثرة لوقوعها قبل الكرية أو غير مؤثرة، لكنه يشكل، بناء

____________________

(١) الفصول الغروية، ص ٣٥٤.

١٢٩

الصفحة ٥٣٢

على أن الملاقاة سبب للانفعال والكرية مانعة.

فإذا علم بوقوع السبب في زمان لم يعلم فيه وجود المانع، وجب الحكم بالمسبب، إلا أن الاكتفاء بوجود السبب من دون إحراز عدم المانع ولو بالاصل محل تأمل، فتأمل.

الثاني: أن لا يتضرر بأعمالها مسلم.كما لو فتح قفس طائر فطار، أو حبس شاة فمات ولدها، أو أمسك رجلا فهرب دابته.

فإن إعمال البراء‌ة فيها يوجب تضرر المالك، فيحتمل إندراجه في قاعدة الاتلاف وعموم قوله: (لا ضرر و لا ضرار).

فإن المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع، وإلا فالضرر غير منفي، فلا علم حينئذ ولا ظن بأن الواقعة غير منصوصه، فلا يتحقق شرط التمسك بالاصل من فقدان النص، بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعي بالضار، ولكن لا يعلم أنه مجرد التغزير أو الضمان أو هما معا، فينبغي له تحصيل العلم بالبراء‌ة ولو بالصلح(١).

ويرد عليه: أنه إن كان قاعدة نفي الضرر معتبرة في مورد الاصل، كان دليلا، كسائر الادلة الاجتهادية الحاكمة على البراء‌ة، وإلا فلا معنى للتوقف في الواقعة وترك العمل بالبراء‌ة، ومجرد إحتمال إندراج الواقعة في قاعدة الاتلاف أو الضرر لا يوجب رفع اليد عن الاصل.

والمعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الاثم والتعزير إن كان متعمدا، وإلا فلا يعلم وجوب شئ عليه، فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراء‌ة ولو بالصلح.

وبالجملة، فلا يعلم وجه صحيح لما ذكره في خصوص أدلة الضرر، كما لا وجه لما ذكره في تخصيص مجرى الاصل بما إذا لم يكن جزء عبادة، بناء على أن المثبت لاجراء العبادة هو النص، لان النص قد يصير مجملا وقد لا يكون نص في المسألة.

فإن قلنا بجريان أصل عدم العبرة بالعلم بثبوت التكليف المردد بين الاقل والاكثر فلا مانع منه، وإلا فلا مقتضي له، وقد قدمنا ما عندنا في المسألة.

____________________

(١) الوافية، ص، مخطوط.

١٣٠

الصفحة ٥٣٣

[ قاعدة لا ضرر ] وحيث جرى ذكر حديث نفي الضرر والضرار ناسب بسط الكلام في ذلك في الجملة فنقول: قد إدعى فخرالدين في الايضاح، في باب الرهن، تواتر الاخبار على نفي الضرر والضرار.

فلا نتعرض من الاخبار الواردة في ذلك إلا لما هو أصح ما في الباب سندا وأوضحه دلالة.وهي الرواية المتضمنة لقصة سمرة بن جندب مع الانصاري.

وهي ما رواه غير واحد عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (إن سمرة بن جندب كان له عذق، وكان طريقه إليه في جوف منزل لرجل من الانصار، وكان يجئ إلى عذقه بغير إذن من الانصاري.

فقال الانصاري: يا سمرة ! لا تزال تفجأنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليها، وإذا دخلت فاستأذن.

فقال: لا أستأذن في طريقي إلى عذقي.

فشكاه الانصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

فأتاه، فقال: إن فلانا قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل.

فقال: يا رسول الله ! أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله " ص ": خل عنه ولك عذق في مكان كذا.

قال: لا.

قال: فلك إثنان.

فقال: لا أريد.

فجعل " ص " يزيد حتى بلغ عشر أعذق.

فقال " ص ": خل عنه ولك عشر أعذق في مكان كذا، فأبى، فقال: خل عنه ولك بها عذق في الجنة.

فقال: لا أريد.

فقال له روسول الله " ص ": إنك رجل مضار، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن.

قال عليه السلام: ثم أمر بها رسول الله " ص " فقلعت، ثم رمي بها إليه.

وقال له رسول الله " ص " إنطلق

١٣١

الصفحة ٥٣٤

فاغرسها حيث شئت)(١)، الخبر.

وفي رواية أخرى موثقة: (إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الانصار وكان منزل الانصاري بباب البستان وفي آخرها -: قال رسول الله صلى الله عليه وآله للانصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر ولا ضرار)(٢)، الخبر.

وأما معنى اللفظين، فقال في الصحاح: (الضر خلاف النفع.وقد ضره وضاره بمعنى.والاسم الضرر ثم قال: والضرار المضارة)(٣).

وعن النهاية الاثيرية: (في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).الضر ضد النفع.

ضره يضره ضرا وضرار. وأضر به يضره إضرار. فمعنى قوله: لا ضرر: لا يضر الرجل أخاه بنقصه شيئا من حقه. والضرار فعال من الضر، أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. والضرر فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، والضرر إبتداء الفعل، والضرار الجزاء عليه. وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به. والضرار أن تضره بغير أن تنفع. وقيل: هما بمعنى. والتكرار للتأكيد)(٤) إنتهى.

وعن المصباح: (ضره يضره)، من باب قتل: إذا فعل به مكروها، وأضر به. يتعدى بنفسه ثلاثيا وبالباء رباعيا.

والاسم الضرر.

وقد يطلق على نقص في الاعيان.

وضاره مضارة وضرارا بمعنى ضره)(٥)، إنتهى.

وفي القاموس: (الضر ضد النفع، وضاره يضاره ضرارا.

ثم قال: والضرر سوء الحال ثم قال: الضرار الضيق)(٦) إنتهى.

إذا عرفت ما ذكرناه، فاعلم أن المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر.

بمعنى أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد، تلكيفيا كان أو وضعيا.

فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفي بالخبر.

وكذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك.وكذلك وجوب

____________________

(١) الكافي، ج ٥، ص ٢٩٤.

(٢) تهذيب الاحكام، ج ٧، ص ١٤٦.

(٣) الصحاح، ج ٢، ص ٧١٩.

(٤) النهاية، ج ٣، ص ٨٢.

(٥) المصباح، ج ٢، ص ٤٩٢.

(٦) القاموس، ج ٢، ص ٧٧

١٣٢

الصفحة ٥٣٥

الوضوء على من لا يجد الماء إلا بثمن كثير.وكذلك سلطنة المالك على الدخول إلى عذقه وإباحته له من دون إستيذان من الانصاري.وكذلك حرمة الترافع عند حكام الجور إذا توقف أخذ الحق عليه.ومنه براء‌ة ذمة الضار من تدارك ما أدخله من الضرر.

إذ كما أنه تشريع حكم يحدث معه الضرر منفي بالخبر، كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث، بل يجب أن يكون الحكم المشروع في تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك الضرر كأن لم يحدث.

إلا أنه قد ينافي هذا قوله (لا ضرار)، بناء على أن معنى الضرار المجازاة على الضرر.

وكذا لو كان بمعنى المضارة التي هي من فعل الاثنين، لان فعل البادي منهما ضرر قد نفي بالفقرة الاولى فالضرار المنفي بالفقرة الثانية إنما يحصل بفعل الثاني.

وكأن من فسره بالجزاء على الضرر أخذه من هذا المعنى، لا على أنه معنى مستقل.

ويحتمل أن يراد من النفي النهي عن إضرار النفس أو الغير إبتداء أو مجازاة.

لكن لا بد أن يراد بالنهي زائدا على التحريم الفساد وعدم المضي، للاستدلال به في كثير من رواياته على الحكم الوضعي دون محض التكليف.فالنهي نظير الامر بالوفاء في الشروط والعقود.فكل إضرار بالنفس أو الغير محرم غير ماض على من أضره.وهذا المعنى قريب من الاول، بل راجع إليه.

والاظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها في الروايات وفهم العلماء هو المعنى الاول.

ثم إن هذه القاعدة حاكمة على جميع المعلومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضرري، كأدلة لزوم العقود، وسلطنة الناس على أموالهم، ووجوب الوضوء على واجدإ الماء، وحرمة الترافع إلى حكام الجور، وغير ذلك.

وما يظهر من غير واحد من التعارض بين العمومات المثبتة للتكليف وهذه القاعدة، ثم ترجيح هذه، إما بعمل الاصحاب وإما بالاصول، كالبراء‌ة في مقام التكليف وغيرها في غيره، فهو خلاف ما يقتضيه التدبر في نظائرها، من أدله رفع الحرج، ورفع الخطأ والنسيان، ونفي السهو على كثير السهو، ونفي السبيل على المحسنين، ونفي قدرة العبد على شئ، ونحوها.مع أن وقوعها في مقام الامتنان يكفي في تقديمها على العمومات.

والمراد بالحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال دليل آخر من حيث إثبات حكم لشئ أو نفيه عنه.

فالاول مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب أو بشهادة العدلين، فإنه حاكم على ما دل على أنه لا صلاة إلا بطهور، فإنه يفيد بمدلوله اللفظي على أن ما

١٣٣

الصفحة ٥٣٦

ثبت من الاحكام للطهارة، في مثل لا صلاة إلا بطهور وغيرها، ثابت للمتطهر بالاستصحاب أو بالبينة.

والثاني مثل الامثلة المذكورة.

وأما المتعارضان فليس في أحدهما دلالة لفظية على حال الاخر من حيث العموم خصوص، وإنما يفيد حكما منافيا لحكم الاخر.

وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحققهما واقعا يحكم بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما المعين إن كان الاخر أقوى منه.

فهذا الاخر الاقوى قرينة عقلية على المراد من الاخر.وليس في مدلوله اللفظي تعرض لبيان المراد منه.

ومن هنا ملاحظة الترجيح في القرينة، لان قرينيته بحكم العقل بضميمة المرجح.

أما إذا كان الدليل بمدلوله اللفظي كاشفا عن حال الاخر، فلا يحتاج إلى ملاحظة مرجح له بل هو متعين للقرينة بمدلوله له، وسيأتي لذلك توضيح في تعارض الاستحصابين، إن شاء الله تعالى.

ثم إنه يظهر مما ذكرنا من حكومة الرواية وورودها في مقام الامتنان نظير أدلة نفي الحرج والاكراه أن مصلحة الحكم الضرري المجعول بالادلة العامة لا تصلح أن تكون تداركا للضرر، حتى يقال إن الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة إلى المتضرر وإن الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفي، بل ليس ضررا.

توضيح الفساد: أن هذه القاعدة تدل على عدم جعل الاحكام الضررية وإختصاص ادلة الاحكام بغير موارد الضرر.

نعم لولا الحكومة ومقام الامتنان كان للتوهم المذكور مجال.

وقد يدفع: بأن العمومات الجاعلة للاحكام إنما تكشف عن المصلحة في نفس الحكم ولو في غير مورد الضرر.

وهذه المصلحة لا يتدارك بها الضرر الموجود في مورده، فإن الامر بالحج والصلاة مثلا يدل على عوض ولو مع عدم الضرر.

ففي مورد الضرر لا علم بوجود ما يقابل الضرر.

وهذا الدفع أشنع من أصل التوهم، لانه إن سلم عموم الامر بصورة الضرر كشف عن وجود مصلحة يتدارك بها الضرر في هذا المورد.

مع أنه يكفي حينئذ في تدارك الضرر الاجر المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله: (أفضل الاعمال أحمزها)(١)، وما اشتهر في الالسن وارتكز في العقول من: (أن الاجر على قدر المشقة)، فالتحقيق في دفع التوهم المذكور ما ذكرناه من (الحكومة) و (الورود) في مقام الامتنان.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكم ٢٤٩: (أفضل الاعمال ما أكرهت نفسك عليه).

١٣٤

الصفحة ٥٣٧

ثم إنك قد عرفت بما ذكرنا أنه لا قصور في القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا أو دلالة.

إلا أن الذي يوهن فيها هي كثيرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي.كما لا يخفى على المتتبع.

خصوصا على تفسير الضرر بإدخال المكروه، كما تقدم، بل لوبني عى العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد.

ومع ذلك فقد إستقرت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للاحكام وعدم رفع اليد عنها إلا بمخصص قوي في غاية الاعتبار، بحيث يعلم منهم إنحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة.

ولعل هذا كاف في جبر الوهن المذكور وإن كان في كفايته نظر، بناء على أن لزوم تخصيص الاكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك.

غاية الامر تردد بين العموم وإرادة ذلك المعنى، وإستدلال العلماء لا يصلح معينا خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافي لمقام الامتنان وضرب القاعدة إلا أن يقال مضافا إلى منع أكثرية الخارج وإن سلمت كثرته -: إن الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوان واحد جامع لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل.

وقد تقرر أن تخصيص الاكثر لا إستهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لافراد هي أكثر من الباقي.

كما إذا قيل: (أكرم الناس)، ودل دليل على إعتبار العدالة، خصوصا إذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب.ومن هنا ظهر وجه صحة التمسك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها.

كما في قوله عليه السلام: (المؤمنون عن شروطهم)(١) وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود)(٢)، بناء على إرادة العهود، كما في الصحيح.

ثم إنه يشكل الامر من حيث أن ظاهرهم في الضرر المنفي الضرر النوعي لا الشخصي، فحكموا بشرعية الخيار للمغبون نظرا إلى ملاحظة نوع البيع المغبون وإن فرض عدم تضرره في خصوص مقام.

كما إذا لم يوجد راغب في المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع، لكونه في معرض الاباق أو التلف أو الغصب.

وكما إذا لم يترتب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع، بل كان له فيه نفع.

وبالجملة، فالضرر عندهم في بعض الاحكام حكمة لا يعتبر إطرادها، وفي بعض المقامات يعتبرون إطرادها، مع أن ظاهر الرواية إعتبار الضرر الشخصي، إلا أن يستظهر منها إنتفاء الحكم

____________________

(١) الكافي (الفروع)، ج ٥، ص ٤٠٤ وسائل الشيعة، ج ٦ ص ٣٢٥.

(٢) المائدة: ١

١٣٥

الصفحة ٥٣٨

رأسا إذا كان موجبا للضرر غالبا وإن لم يوجب دائما، كما قد يدعى نظير ذلك في أدلة نفي الحرج.

ولو قلنا بأن التسلط على ملك الغير بإخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار أو شفعة ضرر أيضا، صار الامر أشكل.

إلا أن يقال: إن الضرر أوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار، فتأمل.

ثم إنه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين، فمع فقد المرجح يرجع إلى الاصول والقواعد الاخر.

كما أنه إذا أكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للاضرار على الناس، فإنه يرجع إلى قاعدة نفي الحرج، لا إلزام الشخص تحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج.وقد ذكرنا توضيح ذلك في مسألة التولي من قبل الجائر من كتاب المكاسب.

ومثله: إذا كان تصرف المالك في ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه، فإنه يرجع إلى عموم: (الناس مسلطون على أموالهم)(١)، ولو عد مطلق حجره عن التصرف في ملكه ضررا، لم يعتبر في ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرف فيه، فيرجع إلى عموم التسلط.

ويمكن الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج، لان منع المالك لدفع الضرر الغير حرج وضيق عليه، إما لحكومته إبتداء على نفي الضرر وإما لتعارضهما والرجوع إلى الاصل.

ولعل هذا أو بعضه منشأ إطلاق جماعة وتصريح آخرين بجواز تصرف المالك في ملكه وإن تضرر الجار: بأن يبني داره مدبغة أو حماما أو بيت القصارة أو الحدادة بل حكي عن الشيخ والحلبي وإبن زهرة دعوى الوفاق عليه.

ولعله أيضا منشأ ما في التذكرة من: (الفرق بين تصرف الانسان في الشارع المباح بإخراج روشن أو جناح وبين تصرفه في ملكه) حيث اعتبر في الاول عدم تضرر الجار بخلاف الثاني، فإن المنع من التصرف في المباح لا يعد ضررا بل فوات إنتفاع.

نعم ناقش في ذلك صاحب الكفاية - مع الاعتراف بأنه المعروف بين الاصحاب بمعارضة عموم التسلط لعموم نفي الضرر، قال في الكفاية: (ويشكل جواز ذلك فيما إذا تضرر الجار تضررا فاحشا.

كما إذا حفر في ملكه بالوعة ففسد بها بئر الغير، أو جعل حانوته في صف العطارين حانوت حداد، أو جعل داره مدبغة أو مطبخة)(٣)، إنتهى.

واعترض عليه تبعا للرياض بما حاصله: (إنه لا معنى للتأمل بعد إطباق

____________________

(١) عوالي اللئالي، ج ٣، ص ٢٠٨.

(٢) تذكرة الفقهاء، ج ٢، ص ١٨٢.

(٣) كفاية الاحكام، ص ٢٤١.

١٣٦

الصفحة ٥٣٩

الاصحاب نقلا وتحصيلا والخبر المعمول عليه بل المتواتر من: (أن الناس مسلطون على أموالهم)، وأخبار الاضرار على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الادلة محمولة على ما إذا لم يكن له غرض إلا الاضرار، بل فيها كخبر سمرة إيماء إلى ذلك.

سلمنا، لكن التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه، والترجيح للمشهور للاصل والاجماع)(١)، إنتهى.

ثم فصل المعترض بين أقسام التصرف بأنه إن قصد به الاضرار من دون ان يترتب عليه جلب نفع أو دفع ضرر، فلا ريب في أنه يمنع.

كما دل عليه خبر سمرة بن جندب، حيث قال له النبي صلى الله عليه وآله: (إنك رجل مضار) وإذا ترتب عليه نفع أو دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير، فإنه جائز قطعا.وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.وأما إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمل عادة، فإنه جائز على كراهية شديدة.وعليه بنوا كراهة التولي من قبل الجائز لدفع ضرر يصيبه.وأما إذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمل عادة لنفع يصيبه، فإنه لا يجوز له ذلك.وعليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك.وعليه بنى جماعة كالفاضل في التحرير والشهيد في اللمعة الضمان إذا أجج نارا بقدر حاجته مع ظنه التعدي إلى الغير.

وأما إذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك، فإنه يجوز له دفع ضرره وإن تضرر جاره أو أخوه المسلم.

وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر إلى أن قال والحاصل: أن أخبار الاضرار فيما يعد إضرار معتدا به عرفا، والحال أنه لا ضرر بذلك على المضر، لان الضرر لا يزال بالضرر)(٢)، إنتهى.

أقول: الاوفق بالقواعد تقديم المالك، لان حجر المالك عن التصرف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير، فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة ونفي الحرج، نعم في الصورة الاولى التي يقصد المالك مجرد الاضرار من غير غرض في التصرف يعتد به لا يعد فواته ضررا.

والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف أشد من ضرر الغير أو أقل، إما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر كما سيجئ، وإما لحكومة نفي الحرج على نفي الضرر.

فإن تحمل الغير على الضرر ولو يسيرا، لاجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا، حرج وضيق.

ولذا إتفقوا على أنه يجوز للمكره الاضرار على الغير بما دون

١٣٧

الصفحة ٥٤٠

القتل، دفع الضرر عن نفسه، ولو كان أقل من ضرر الغير.هذا كله في تعارض ضرر المالك و ضرر الغير.

وأما في غير ذلك فهل يرجع إبتداء إلى القواعد الاخر أو بعد الترجيح بقلة الضرر؟ وجهان بل قولان.

يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة وبعض موارد الدروس ورجحه غير واحد من المعاصرين.

ويمكن أن ينزل عليه ما عن المشهور، من أنه لو أدخلت الدابة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين كسر القدر وضمن قيمته صاحب الدابة، معللا بأن الكسر لمصلحته، فيحمل إطلاق كلامهم على الغالب، من أن ما يدخل من الضرر على مالك الدابة، إذا حكم عليه بتلف الدابة وأخذ قيمتها، أكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه وأخذ قيمته.

وبعبارة أخرى: تلف إحدى العينين وتبدلها بالقيمة أهون من تلف الاخرى.

وحينئذ فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابة، بما في المسالك من (أنه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط يكون المصلحة مشتركة بينها).

وكذلك حكمهم بضمان صاحب الدابة إذا دخلت في دار لا تخرج إلا بهدمها، معللا بأنه لمصلحة صاحب الدابة.

فإن الغالب أن تدارك المهدوم أهون من تدراك الدابة.

والله العالم.

قد تمت الكتاب بعون الملك الوهاب وباعانة جناب المستطاب ميرزا محمد هادي سلمه الله طالقاني الاصل وطهراني المسكن بيد أقل الطلاب [..] تحريرا في شهر ذي حجة الحرام سنة ١٢٦٧.

[ وقد كتب المصنف، عليه الرحمة، في الهامش: ](بسم الله الرحمن الرحيم) (قد قوبل بنسخة صححها بيده الجانية العبد الاحقر مرتضى الانصاري) [ وفي أدناه نقش خاتمة الشريف: ] (لا إله إلا الله الملك الحق المبين، عبده مرتضى الانصاري)

١٣٨

الصفحة ٥٤١

المقام الثاني في الاستصحاب وهو، لغة، أخذ الشئ مصاحبا.

ومنه: إستصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة.

وعند الاصوليين عرف بتعاريف، أسدها وأخضرها: (إبقاء ما كان).

والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء.ودخل الوصف في الموضوع مشعر بعليته للحكم.

فعلة الابقاء هو أنه كان، فيخرج إبقاء الحكم لاجل وجود علته او دليله.

وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة ب‍ (أنه إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الاول)(١).

بل نسبه شارح الدروس إلى القوم، فقال: (إن القوم ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه)(٢).

وأزيف التعاريف تعريفه ب‍ (أنه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الان السابق مشكوك البقاء في الان اللاحق)(٣).

إذ لا يخفى أن كون حكم أو وصف كذلك هو محقق مورد الاستصحاب ومحله، لا نفسه.

ولذا صرح في المعالم كما عن غاية المأمول ب‍ (أن أستصحاب الحال، محله أن يثبت حكم في وقت ثم يجئ وقت آخر ولا يقوم دليل على إنتفاء ذلك الحكم، فهل يحكم ببقائه على ما كان، وهو الاستصحاب)(٤)، إنتهى.

ويمكن توجيه التعريف المذكور: بأن المحدود هو الاستصحاب المعدود من الادلة.

وليس الدليل إلا ما أفاد العلم أو الظن بالحكم، والمفيد للظن الحكم في الان اللاحق ليس إلا

____________________

(١) زبدة الاصول، ص ٧٢.

(٢) مشارق الشموس في شرح الدروس، ص ٧٦.

(٣) القوانين المحكمة، ص ٢٧٥.

(٤) معالم الدين، ص ٢٣١

١٣٩

الصفحة ٥٤٢

كونه يقيني الحصول في الان السابق مشكوك البقاء في الان ا للاحق، فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الامارات إلا بما ذكره، قدس سره.

لكن فيه: أن الاستصحاب كما صرح به هو، قدس سره، في أول كتابه -: (إن أخد من العقل كان داخلا في الدليل العقلي، وإن أخذ من الاخبار فيدخل في السنة)(١).

وعلى كل تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره، لان دليل العقل هو حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي.

وليس هنا إلا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان.

والمأخوذ من السنة ليس إلا وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان، فكون الشئ معلوما سابقا مشكوكا فيه لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.

نعم ذكر المختصر: (أن معنى إستصحاب الحال أن الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء)(٢).

فإن كان الحد هو خصوص الصغرى على التعريف المذكور، وإن جعل خصوص الكبرى إنطبق على تعاريف المشهور.

وكأن صاحب الوافية إستظهر منه كون التعريف مجموع المقدمتين، فوافقه في ذلك، فقال: (إن الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال، فيقال: إن الامر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه، وكل ما كان كذلك فهو باق)(٣)، إنتهى.ولا ثمرة مهمة في ذلك.

____________________

(١) القوانين المحكمة، ج ٢ ص ١٣.

(٢) شرح مختصر الاصول، ج ٢، ص ٢٨٤.

(٣) الوافية، ص مخطوط

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582