موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 236341 / تحميل: 7123
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

١

٢

٣
٤

مقدّمة المركز

بقلم : الشيخ محمد الحسون

الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

انقسم المسلمون بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قسمين :

الأوّل : قال بإمامة وخلافة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ورفض خلافة أبي بكر ومن تبعه من بعده

الثاني : قال بخلافة أبي بكر ومن تبعه ، ورفض إمامة وخلافة الإمام عليعليه‌السلام

والقسم الأوّل يسمّون بالشيعة ، وأتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام

والقسم الثاني يسمّون بالسنّة ، وأتباع مدرسة الخلفاء

أمّا تسمية القسم الأوّل بـ « الرافضة » أو « الروافض » خاصةً ، دون غيرهم من المسلمين ، فهي تسمية باطلة ، لا أساس لها ؛ إذ سمعنا الكثير من علماء السنّة يعلّلون هذه التسمية للشيعة : بأنّهم رفضوا خلافة أبي بكر لذلك سمّوا بالرافضة ؛ إذ السنّة أيضاً رفضوا إمامة وخلافة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلماذا لا يسمّون بالرافضة ؟!

وقال لي بعض علمائهم معلّلاً هذه التسمية : أنتم رفضتم الحقّ لذلك سمّيناكم رافضة

٥

فأجبته : هذا أوّل الكلام ، فكلّ مذهب يدّعي أتباعه أنّهم على الحقّ ، وغيرهم على الباطل

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذا الاختلاف بين المسلمين مبنيّ على اختلافهم في منصب الإمامة

فالشيعة الإمامية يذهبون إلى أنّه منصب إلهي جعلي ، شأنه في ذلك شأن منصب النبوّة ، فكما أنّ الباري عزّ وجلّ هو الذي يختار من بين البشر أنبياءً ، كذلك هو الذي يختار من بينهم أئمة وخلفاء ، وليس للمسلمين دخل في هذا الأمر

والسنّة يذهبون إلى أنّه ليس كمنصب النبوّة ، بل أنّ الله سبحانه وتعالى أوكل هذا الأمر إلى المسلمين ، فإذا توفّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يجب على المسلمين أن يجتمعوا وينتخبوا خليفة لهم ، ولذلك فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، واختاروا من بينهم أبا بكر للخلافة

ونحن نناقش في اجتماع المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ لم يحضر فيه خيرة الصحابة كعليّعليه‌السلام وبني هاشم ، وسلمان والمقداد وأبي ذر وغيرهم

إضافةً لذلك فنحن نسألهم هذا السؤال : ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفّر في الشخص الذي يجب على الأمة أن تنتخبه ؟ فهل تضعون شروطاً خاصة ، أو أنّ الأمّة يحقّ لها أن تنتخب من شاءت ؟ كما يحقّ لكلّ مسلم أن يرشّح نفسه لهذا المنصب الخطير ؟

فعند مراجعتنا لأمهات كتبهم في هذا المجال : كالمواقف للقاضي الإيجي ، وشرحه للشريف الجرجاني ، وشرح القوشجي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ، وغيرها من المصادر الرئيسية عندهم

٦

نراهم يشترطون ثلاثة شروط في الذي يجب على الأمّة أن تنتخبه لهذا المنصب ، وهي :

الأول : العلم ، أي يكون عالماً بالأصول والفروع بحيث يمكنه من إقامة الحجج والبراهين على أحقيّة الإسلام ، ويمكنه دفع الشبهات الواردة من الكفّار

الثاني : العدالة ، أي العدالة في سيرته وسلوكه مع الناس ، وفي حكمه بينهم ، والعدالة في تقسيم الأموال

الثالث : الشجاعة ، أي يكون شجاعاً بحيث يمكنه تجهيز الجيوش والدفاع عن الدين

ولو وجّهنا هذا السؤال لكلّ مسلم منصف بغضّ النظر عن انتمائه المذهبي ، وهو : في أيّ شخص تتوفّر هذه الشروط بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أي من هو أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟

فهل يستطيع أحد من المسلمين المنصفين أن يتجاوز عليّاًعليه‌السلام في كونه أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟

والتاريخ أمامنا مليء بما يدلّ على هذا ، ولو أردنا إيراد ما لدينا من أدلّة في كون عليعليه‌السلام أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ، لاحتجنا إلى مصنّفات كثيرة ، ومن شاء الاطلاع والوقوف على حقيقة الأمر ، عليه أن يراجع مصادر السنّة نفسها ـ فضلاً عن مصادر الشيعة ـ ليقف بنفسه على صحة ما ندّعيه

ومن أجل التخلّص من هذا الإشكال ، نرى من السنّة مَن ذهب إلى القول بجواز تقديم المفضول على الفاضل

٧

ولا نريد الدخول في تفاصيل هذا الموضوع ، حتّى لا نخرج عن هدف المقدّمة ، وهو موكول إلى محلّ آخر إن شاء الله

ما الذي يمثّل رأي المذهب الإسلامي ؟

عرفنا في ما تقدّم من الكلام ، أنّ المسلمين اختلفوا في أمر مهم وأساسي ، وهو الإمامة

والاختلافات الواردة بين المسلمين ، سواء في العقائد والأحكام وغيرها ، ناشئة من ذلك الاختلاف :

إذ الشيعة يعتقدون بعصمة الإمام عليعليه‌السلام وأولاده الأئمةعليهم‌السلام ، وكون كلامهم وفعلهم وتقريرهم حجّة عليهم ، كما هو ثابت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ السنّة ـ وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن ـ تشمل أحاديث الأئمةعليهم‌السلام كما تشمل أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

وأتباع مدرسة الخلفاء لا يرون هذا المقام للإمام عليعليه‌السلام ولأولاده المعصومينعليهم‌السلام ، إذ الحجّة عندهم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط ، أما الأئمةعليهم‌السلام وإن كانوا من أهل البيت ، ويجب احترامهم وحبّهم ، إلا أنّهم يعتبرونهم من الأصحاب والتابعين والرواة والعلماء

ونتيجة لذلك فقد اختلفت الأحكام بين السنّة والشيعة ، بل اختلفت حتّى في دائرة أحدهما ، فانقسم السنّة إلى مذاهب كثيرة انتشر أربعة منها وهي : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنبلية

وانقسم الشيعة إلى عدّة مذاهب أيضاً عبر القرون الماضية ، انقرض أكثرها ، وبقي منها ثلاثة : الإمامية ، والزيدية ، والإسماعيلية وإن كانت الأخيرتان قليلة جداً الآن قياساً إلى الأولى

٨

وظهرت للمسلمين عموماً مباني وآراء جديدة لم تكن موجودة سابقاً ، لذلك تشعّبت آراؤهم واختلفت أحكامهم ، ممّا أدى ببعض العلماء إلى جمع هذه الآراء والأحكام المختلفة في كتب خاصة بها

وكلّ واحد من أصحاب هذه الآراء والأحكام يذهب إلى صحّة ما يدّعيه ، ويُخطّئ من خالفه ، بل وصل الأمر إلى أكثر من هذا أحياناً ، إذ طعن بعضهم بمخالفه ورماه بالجهل ، بل بالفسق ، بل بالخروج عن المذهب ، أو الخروج عن الدين

لذلك نشاهد بعض السنّة يذهب إلى تكفير الشيعة والطعن بأعلامهم ، لا لسبب ، بل لأنهم شيعة ، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك إذ وثّقوا مخالفيهم ورووا الحديث عنهم وإن كانوا ارتكبوا الجرائم البشعة كقتل الإمام الحسينعليه‌السلام

بل إنّ أتباع المذاهب السنيّة المختلفة طعن بعضهم بالبعض الآخر ، واتهمه بالخروج عن الدين أحياناً ، وسوف نورد جملة من هذه الأقوال قريباً

والآن فلنورد هذا السؤال : ما الذي يمثّل رأي كلّ مذهب إسلامي ؟

فنقول : لا شكّ أنّ في كلّ مذهب آراء شاذّة ، أي قال بها عدد قليل من علماء ذلك المذهب فهل أنّ هذه الآراء الشاذّة هي التي تمثّل ذلك المذهب ؟ أو أنّ الذي يمثّله آراء أكثر علماء المذهب ؟ الذي يعبّر عنه بالمشهور ؟

ومن الطبيعي أن يكون جواب : أنّ ما عليه أكثر علماء أي مذهب إسلامي هو الذي يمثّل رأي ذلك المذهب ، ولا يُلتفت إلى الآراء الشاذّة التي قال بها عدد قليل من العلماء

٩

كلمات بعض علماء السنّة في الشيعة وأعلامهم :

وهي تشمل على :

(أ) اختلاق روايات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذمّ الرافضة

(ب) كلام بعض علمائهم في ذمّ الرافضة

(ج) ذمّ رواة الشيعة وأعلامهم ؛ لأنّهم رافضة

(د) مدح وتوثيق أعداء أهل البيتعليهم‌السلام المعروفين بالنصب الذي كانوا يسبّون عليّاًعليه‌السلام ،والّذين شاركوا في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام

(هـ) فتاوى بعض علماء السنّة المتأخّرين في تكفير الشيعة

(١) أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) في مجمع الزوائد : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : يا علي سيكون في أمّتي قوم ينتحلون حبّ أهل البيت ، لهم نبز يُسمّون الرافضة ، قاتلوهم فإنّهم مشركون »

وعلّق عليه بقوله : « رواه الطبري ، وإسناده حسن »(١)

(٢) قال أحمد بن حجر الهيتمي ( ت ٩٧٣ هـ ) بعد ما نقل أحاديث في تبديع وتضليل والتوعّد بالنار لأهل البدع : « وسيتلى عليك ما تعلم منه علماً قطعياً أنّ الرافضة والشيعة ونحوهما من أكابر أهل البدعة ، فيتناولهم هذا الوعيد الذي في هذه الأحاديث ، على أنه ورد فيهم أحاديث بخصوصهم »

وأخذ بنقل الأحاديث التي تكفّر الرافضة(٢)

(٣) حكى محمّد عبد الحليم بن تيمية ( ت ٧٢٨ هـ ) عن عبد الله بن
______________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ٧٤٩

(٢) الصواعق المحرقة ١ : ١٢

١٠

ادريس ( ت ١٩٢ هـ ) قوله : « ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا(١) الكفّار ـ يعني الرافضة ـ »(٢)

(٤) قال محمّد بن أبي سهل السرخسي ( ت ٤٨٣ هـ ) في المبسوط : « وأما الروافض قاتلهم الله تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ويحرّمون الخِريَت »(٣)

(٥) قال عبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني ( ت ٥٦٢ هـ ) في الأنساب : « قال الشعبي : لعن الله الروافض لو كانوا من الطير لكانوا رُخماً ، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً »(٤)

(٦) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في سير أعلام النبلاء ، في كلامه عن العشرة المبشّرين بالجنّة : « فأبعد الله الرافضة ما أغواهم وأشدّهم !! كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة »(٥)

وقال في مكان آخر : « لكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية ، فبعداً لهم »(٦)

وقال أيضاً نقلاً عن الشافعي أنّه قال : « لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة »(٧)

______________________

(١) أي شابهوا

(٢) الصارم المسلول ١ : ٥٨١

(٣) المبسوط ١١ : ٢٣٠

(٤) الأنساب ٥ : ٢١٨

(٥) سير أعلام النبلاء ١ : ٤٠

(٦) المصدر السابق ٦ : ٢٥٥

(٧) المصدر نفسه ١٠ : ٨٩

١١

وقال في ميزان الاعتدال : « قال أشهب : سُئل ما لك عن الرافضة فقال : لا تكلّمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون »

وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : لم أرَ أشهد بالزور من الرافضة

وقال مؤمل بن أهاب : سمعت يزيد بن هارون يقول : يُكتب عن كلّ صاحب بُدعة إذا لم يكن داعية إلى الرافضة ، فإنهم يكذبون

وقال محمّد بن سعيد ابن الأصبهاني : سمعت شريكاً يقول : إحمل العلم عن كلّ من لقيت ، إلا من الرافضة ، يضعون الحديث ويتّخذونه ديناً(١)

(٧) قال محمّد بن يوسف الصالحي الشامي ( ت ٩٤٢ هـ ) في سبيل الهدى والرشاد : « وأمّا أعداء الله الرافضة فيقولون : عزله بعلي(٢) ، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم »(٣)

(٨) في ترجمة مروان بن الحكم ، قال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تهذيب التهذيب : « وعاب الإسماعيلية على البخاري تخريج حديثه ، وعدّ من موبقاته أنّه رمى طلحة ـ أحد العشرة ـ يوم الجمل ، وهما جميعاً مع عائشة ، فقتل ، ثمّ وثب على الخلافة بالسيف »(٤)

ومعلوم لدى الجميع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه وزغاً ، ولعنه ، ورفض أن يدعو له

قال محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ هـ ) في المستدرك ،
______________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٧

(٢) أي في إبلاغ سورة البراءة

(٣) سبل الهدى والرشاد : ٣١٠

(٤) تهذيب التهذيب ١٠ : ٨٢

١٢

نقلاً عن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال : « كان لا يولد لأحدٍ مولود إلا أُتي به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا له ، فأُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : « الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون »

ثم قال : « وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه »(١) أي البخاري ومسلم

ومعلوم أنّ مروان بن الحكم كان يسبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام في خطبة الصلاة

قال محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ( ت ١٢٥٥ هـ ) في نيل الأوطار : « كانوا في زمن مروان يتعمّدون ترك سماع الخطبة ؛ لما فيها من سبّ من لا يستحقّ السبّ ـ وهو علي ـ والإفراط في مدح بعض الناس ـ وهو معاوية ـ »(٢)

ونفس هذا الكلام قاله قبله ابن حجر ( ت ٨٥٢ هـ ) في فتح الباري(٣)

وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في ميزان الاعتدال : « وله أعمال موبقة ، نسأل الله السلامة ، رمى طلحة بسهم ، وفعل وفعل »(٤)

وقال في سير أعلام النبلاء : « فلمّا رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله ، وجرح يومئذٍ وكان يوم الحرّة مع مسرف بن عقبة يحرّضه على قتال أهل المدينة »(٥)

(٩) في ترجمة عمر بن سعد ، قال ابن حجر ( ت ٨٥٢ هـ ) في تقريب
______________________

(١) مستدرك الصحيحين ٤ : ٤٧٩ وانظر : الفتن للمروزي ( ت ٢٨٨ هـ ) : ٧٣ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ( ت ٨٤٥ هـ ) ١٢ : ٢٧٥ ، والسيرة الحلبية للحلبي ( ت ١٠٤٤ هـ ) ١ : ٥٠٩

(٢) نيل الأوطار ٣ : ٣٧٥

(٣) فتح الباري ٢ : ٣٧٦

(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ٨٩

(٥) سير أعلام النبلاء ٣ : ٧٩

١٣

التهذيب : « صدوق ، ولكنه مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الّذين قتلوا الحسين بن علي »(١)

علماً بأن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ( ت ٢٦١ هـ ) عدّه من الثقات وذكره في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « مدني ثقة ، كان يروي عن أبيه أحاديث ، وروى الناس عنه ، وهو الذي قتل الحسين »(٢)

(١٠) وفي ترجمة شبث بن ربعي ، وثّقه عدّة من الحفاظ ، وعدّه أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ( ت ٢٦١ هـ ) من الثقات وأورده في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « كان أوّل من أعان على قتل عثمان ـ رضي الله عن عثمان ـ وهو أول من حرّر الحرورية ، وأعان على قتل الحسين بن علي »(٣)

وقال أبو الحجّاج يوسف المزّي ( ت ٧٤٢ هـ ) في تهذيب الكمال : « وقال الدارقطني : يقال : إنّه كان مؤذّن سجاح ثم أسلم بعد ذلك ، روى له أبو داود والنسائي »(٤)

وأورد خير الدين الزركلي ( ت ١٣٦٩ هـ ) ترجمته مشيراً إلى تأريخه الأسود قائلاً : « أدرك عصر النبوّة ، ولحق بسجاح المنبئة ، ثم عاد إلى الإسلام ، وثار على عثمان ، وكان ممّن قاتل الحسين ، ثمّ ولي شرطة الكوفة »(٥)

وموقف هذا الرجل يوم العاشر من المحرّم سنة ٦١ هـ معروف ، فهو أحد قادة الجيش الذين خرجوا لقتال الحسينعليه‌السلام ، وله مواقف مخزية ذلك اليوم

______________________

(١) تقريب التهذيب ١ : ٧١٧

(٢) معرفة الثقات ٢ : ١٦٦

(٣) معرفة الثقات ١ : ٤٤٨

(٤) تهذيب الكمال ١٢ : ٣٥٢

(٥) الأعلام ٣ : ١٥٤

١٤

(١١) وفي ترجمة الخارجي عمران بن حطّان ، يقول أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تهذيب التهذيب : « قال العجلي : بصري تابعي ثقة

وقال أبو داود : ليس من أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج ، ثمّ ذكر عمران بن حطّان

وذكره ابن حبّان في الثقات

وقال يعقوب بن شيبة : أدرك جماعة من الصحابة ، وصار في آخره أن رأى رأي الخوارج ، وكان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمّه رأت رأي الخوارج ، فتزوّجها ليردّها ، فصرفته إلى مذهبها

وقال ابن حبّان في الثقات : كان يميل إلى مذهب الشراة

وقال ابن البرقي : كان حرورياً

وقال المبرّد في الكامل : كان رأس العقد من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم »

وهو الذي يمدح عبد الرحمن الملجم ، قاتل عليعليه‌السلام ويقول :

يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حيناً فأحسبه

أوفى البريّة عند الله ميزانا(١)

(١٢) قال أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ) في تاريخ بغداد : « كان عيسى بن مهران المستعطف من شياطين الرافضة ومردتهم »(٢)

______________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ : ١١٣ وانظر : الاستيعاب لابن عبد البرّ ( ت ٤٦٣ هـ ) ٣ : ١١٢٨ ، والبداية والنهاية لابن كثير ( ت ٧٧٤ هـ ) ٧ : ٣٦٤ ، والإصابة ٥ : ٢٣٢

(٢) تاريخ بغداد ١١ : ١٦٨

١٥

(١٣) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في ميزان الاعتدال عن علي بن هاشم : « ولغلوّه ترك البخاري إخراج حديثه فإنّه يتجنّب الرافضة كثيراً ، كأنّه يخاف من تديّنهم بالتقيّة ولا نراه يتجنّب القدريّة ولا الخوارج ، ولا الجهميّة ، فإنّهم على بُدعهم يلزمون الصدق »(١)

(١٤) وفي ترجمة أزهر بن عبد الله بن جميع الحرازي الحمصي ، قال أحمد بن عبد الله الخزرجي ( ت القرن العاشر ) في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : « ناصبيّ صدوق اللهجة »(٢)

وقال عنه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ٧٤٨ هـ ) في الكاشف : « ناصبي ، د ، ن ، س »(٣) أي روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي

وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تقريب التهذيب : « حمّصي ، صدوق ، تكلّموا فيه للنصب »(٤)

وقال في تهذيب التهذيب : « قال ابن الجارود في كتاب الضعفاء : كان يسبّ عليّاً وكان في الخيل الذين سبوا أنس بن مالك ، فأتين به الحجّاج وقد وثّقه العجلي وابن حبان »(٥)

(١٥) وفي ترجمة أبي لبيد لمازة بن زبار الأزدي الجهضمي ، قال محمّد ابن أحمد بن عثمان الذهبي ( ٧٤٨ هـ ) في الكاشف : « لمازة بن زبار ، أبو الوليد الجهضمي . فيه نصب ، وُثّق »(٦)

______________________

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ١٦٠

(٢) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : ٢٥

(٣) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة ١ : ٢٣١

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٧٥

(٥) تهذيب التهذيب ١٠ : ١٧٩

(٦) الكاشف ٢ : ١٥١

١٦

وقال في ميزان الاعتدال : « بصري ، حضر وقعة الجمل ، وكان ناصبيّاً ، ينال من علي رضي الله تعالى عنه ، ويمدح يزيد »(١)

وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تهذيب التهذيب : « قال موسى بن إسماعيل عن مطر بن حمران : كنّا عند أبي لبيد ، فقيل له : أتحبّ عليّاً ؟

فقال : أحبّ علياً !! وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستّة آلاف

وذكره ابن حبّان في الثقات

وقال عباس الدوري : عن يحيى بن معين : حدّثنا وهب بن جرير عن أبيه عن ابن لبيد وكان شتّاماً

قلت : زاد العقيلي : وقال وهب : قلت لأبي : من كان يشتم ؟

قال : كان يشتم علي بن أبي طالب

وأخرجه الطبري من طريق عبد الله بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، حدّثني الزبير بن خريت ، عن أبي لبيد ، قال : قلت له : لِم تسبّ علياً ؟

قال : أسبّ رجلاً قتل منّا خمسمائة وألفين والشمس هاهنا

وقال ابن حزم : غير معروف العدالة »(٢)

وقال في تقريب التهذيب : « صدوق ناصبي »(٣)

وبعد ما لاحظ ابن حجر التناقض الواضح بين توثيق النواصب والطعن في الشيعة ، قال ضمن ترجمة زيارة : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبيّ غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً ، ولا سيّما أنّ علياً ورد في حقّه « لا يُحبّه إلا
______________________

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤١٩

(٢) تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٠

(٣) تقريب التهذيب ٢ : ٤٧

١٧

مؤمن ولا يُبغضه إلا منافق »(١)

انظر واعجب ، فعلماء السنّة خالفوا القاعدة ، إذ مقتضاها الأخذ بقول الشيعي المحبّ ؛ لأنه مؤمن ، والمؤمن صادق بشهادة القرآن وطرح قول المبغض ؛ لأنّه منافق ، والمنافق كاذب بشهادة القرآن

ثمّ أخذ ابن حجر بالاعتذار عن قومه بما هو أقبح من ذنبه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون

والآن فلننقل فتاوى بعض علمائهم المتأخّرين في الشيعة الإمامية

عبدالعزيز بن باز(٢)

السوال :

من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة ، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنّة وبينهم ؟

الجواب :

التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة غير ممكن ؛ لأنّ العقيدة مختلفة ، فعقيدة أهل السنّة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يدعى معه أحد ، لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ، وأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب ، ومن عقيدة أهل السنّة محبّة الصحابة رضي الله عنهم جميعاً والترضّي عنهم ، والإيمان بأنّهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء ،
______________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ : ٤١١

(٢) من موقع www .binbaz .org

المصدر : مجلة المجاهد ـ السنة الأولى ـ عدد ١٠ ـ شهر صفر ١٤١٠هـ ـ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ـ الجزء الخامس

١٨

وأنّ أفضلهم أبو بكر الصدّيق ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ علي ، رضي الله عن الجميع ، والرافضة خلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما ، فكما أنّه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنّة ، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة ؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها

السوال :

وهل يمكن التعامل معهم لضرب العدو الخارجي كالشيوعية وغيرها ؟

الجواب :

لا أرى ذلك ممكناً ، بل يجب على أهل السنّة أن يتحدوا وأن يكونوا أمّة واحدة وجسداً واحداً ، وأن يدعوا الرافضة أن يلتزموا بما دلّ عليه كتاب الله وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم من الحقّ ، فإذا التزموا بذلك صاروا إخواننا وعلينا أن نتعاون معهم ، أمّا ما داموا مصرّين على ما هم عليه من بغض الصحابة وسبّ الصحابة إلا نفراً قليلاً ، وسبّ الصديق وعمر ، وعبادة أهل البيت كعلي ـ رضي الله عنه ـ وفاطمة والحسن والحسين ، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر أنّهم معصومون وأنّهم يعلمون الغيب ؛ كلّ هذا من أبطل الباطل ، وكلّ هذا يخالف ما عليه أهل السنّة والجماعة

ابن جبرين(١)

السوال :

ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنّة لفقراء الرافضة ـ الشيعة ـ وهل تبرأ ذمّة المسلم الموكّل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا ؟

______________________

(١) من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ ابن جبرين : ص ٣٩

١٩

الجواب :

لقد ذكر العلماء في مؤلّفاتهم في باب أهل الزكاة أنّها لا تُدفع لكافر ، ولا مبتدع ، فالرافضة بلا شكّ كفّار لأربعة أدلّة :

الأول : طعنهم في القرآن ، وادعاؤهم أنّه حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألّفه النوري وسماه : « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب » وكما في كتاب « الكافي » ، وغيره من كتبهم ، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذّب لقوله تعالى :( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )

الثاني : طعنهم في السنّة وأحاديث الصحيحين ، فلا يعملون بها لأنّها من رواية الصحابة الذين هم كفّار في اعتقادهم ، حيث يعتقدون أنّ الصحابة كفروا بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريّته ، وسلمان وعمار ، ونفر قليل ، أمّا الخلفاء الثلاثة ، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا ، فهم كفّار ، فلا يقبلون أحاديثهم ، كما في كتاب « الكافي » وغيره من كتبهم

الثالث : تكفيرهم لأهل السنّة ، فهم لا يصلّون معكم ، ومن صلّى خلف السنّي أعاد صلاته ، بل يعتقدون نجاسة الواحد منّا ، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا ، ومن كفّر المسلمين ، فهو أولى بالكفر ، فنحن نكفّرهم كما كفّرونا وأولى

الرابع : شركهم الصريح بالغلو في علي وذرّيته ، ودعاؤهم مع الله ، وذلك صريح في كتبهم ، وهكذا غلّوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا بربّ العالمين ، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم ثمّ إنّهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنّة ، ولا يتصدّقون على فقراء أهل السنّة ، ولو فعلوا فمع البغض الدفين ، يفعلون ذلك من باب التقية ، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لقد كنت في ما مضى أسجد للشمس وأعبد الأصنام ، وكنت غارقة في الزينة والتجميل ، وكنت أتصور أنّي أعلى الناس في الدنيا.

أمّا الآن فإنّني أفهم أنّني ضعيفة جدّا وهذه الزخارف والزبارج لا تروي ظمأ الإنسان ولا تبلّ غليل روحه!.

ربّاه أتيت إليك مسلمة مع سليمان نادمة عن سالف عمري ، خاضعة عنقي إليك. الطريف هنا أنّها تقول : أسلمت مع سليمان ، فتستعمل كلمة (مع) ليتجلّى أن الجميع إخوة في السبيل إلى الله! لا كما يعتاده الجبابرة إذ يتسلط بعضهم على رقاب بعض ، وترى جماعة أسيرة في قبضة آخر.

فهنا لا يوجد غالب ومغلوب ، بل الجميع ـ بعد قبول الحق ـ في صف واحد!.

صحيح أن ملكة سبأ كانت قد أعلنت إيمانها قبل ذلك أيضا ، لأنّنا سمعنا عن لسانها في الآيات آنفة الذكر( وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) .

إلّا أن إسلام الملكة هنا وصل إلى أوجه ، لذلك أكّدت إسلامها مرّة أخرى.

إنها رأت دلائل متعددة على حقانية دعوة سليمان.

فمجيء الهدهد بتلك الحالة الخاصّة!

وعدم قبول سليمان الهدية الثمينة المرسلة من قبلها.

وإحضار عرشها في فترة قصيرة من مدى بعيد.

وأخيرا مشاهدة قدرة سليمان الاعجازية ، وما لمسته فيه من أخلاق دمثة لا تشبه أخلاق الملوك!

* * *

بحثان

١ ـ عاقبة أمر ملكة سبأ

كان هذا كل ما ورد في القرآن المجيد عن ملكة سبأ إذ آمنت أخيرا ولحقت

٨١

بالصالحين لكن هل عادت إلى وطنها بعد إيمانها ، وواصلت حكمها من قبل سليمان ، أو بقيت عند سليمان وتزوجت منه؟! أو تزوجت من أحد ملوك اليمن المشهورين باسم «تبّع»؟

هذه الأمور لم يشر إليها القرآن الكريم ، لأنّها لا علاقة لها بالهدف الأصلي الذي يبتغيه القرآن من المسائل التربوية! إلّا أن المؤرّخين والمفسّرين كلّا منهم اختار رأيا ، ولا نجد ضرورة في الخوض في ذلك ، وإن كان المشهور ـ طبقا لما قاله أغلب المفسّرين ـ أنّها تزوّجت من سليمان نفسه(١) .

إلّا أنّه ينبغي أن نذكّر بهذا الأمر المهم ، وهو أنّه وردت أساطير كثيرة حول سليمان وجنوده وحكومته وخصوصيات ملكة سبأ. وجزئيات حياتها أيضا ، ممّا يصعب على عامة الناس تمييزها من الحقائق التاريخية ، وربّما يغشّي هذه الحقائق التاريخية. ظلّ مظلم من الخرافات يشوه وجهها الناصع وهذه هي نتيجة الخرافات المتداخلة في الحقائق التي ينبغي أن تراقب مراقبة تامّة!.

٢ ـ خلاصة عامة عن حياة سليمان

ما ورد عن سيرة سليمان وحالاته في الثلاثين آية آنفة الذكر ، يكشف عن مسائل كثيرة ، قرأنا قسما منها في أثناء البحث ، ونشير إلى القسم الآخر إشارة عابرة :

١ ـ إنّ هذه القصّة تبدأ بالحديث عن موهبة (العلم الوافر) التي وهبها الله لسليمان بن داود ، وتنتهي بالتسليم لأمر الله ، وذلك التوحيد أساسه العلم أيضا.

٢ ـ هذه القصّة تدل على أن غياب طائر أحيانا (في تحليقة استثنائية) قد يغير مسير تأريخ أمّة ، ويجرها من الفساد إلى الصلاح ، ومن الشرك إلى الإيمان وهذا مثل عن بيان قدرة الله ، ومثل من حكومة الحق!.

__________________

(١) الآلوسي في روح المعاني.

٨٢

٣ ـ إنّ هذه القصّة تكشف عن أن نور التوحيد يشرق في جميع القلوب ، حتى الطائر الذي يبدو ظاهرا أنّه صامت ، فإنّه يخبر عن أسرار التوحيد العميقة!.

٤ ـ ينبغي من أجل لفت نظر الإنسان إلى القيمة الواقعية له وهدايته نحو الله ، أن يدمّر غروره وكبرياؤه أولا ليماط عن وجه ستار الظلام ، كما فعل سليمان ، فدمر غرور ملكة سبأ وذلك بإحضار عرشها ، وإدخالها الصرح الممرد الذي حسبته لجة.

٥ ـ إنّ الهدف النهائي في حكومة الأنبياء ليس التوسع في رقعة الأرض ، بل الهدف هو ما قرأناه في آخر آية من الآيات محل البحث ، وهو أن يعترف الظالم بذنبه ، وأن يسلم لربّ العالمين ، ولذلك فإن القرآن ختم بهذه «اللطيفة» القصّة المذكورة.

٦ ـ إنّ روح الإيمان هي التسليم ، لذلك فقد أكّد سليمان عليه في كتابه إلى ملكة سبأ.

٧ ـ قد يكون بعض الناس مع ما لديه من قدرة عظيمة لا ترقى إليه قدرة الآخرين ، محتاجا إلى موجود ضعيف كالطائر مثلا ، لا إلى علمه فحسب ، بل قد يستعين بعلمه أيضا ، وقد تحقّره نملة بما هي عليه من ضعف!

٨ ـ إنّ نزول هذه الآيات في مكّة حيث كان المسلمون تحت نير العدو ، وكانت الأبواب موصدة بوجوههم ، هذا النّزول كان له مفهومه الخاص. وهو تقوية معنويات المسلمين وتسلية قلوبهم ، واحياء أملهم بلطف الله ورحمته والانتصارات المقبلة.

* * *

٨٣

الآيات

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) )

التّفسير

صالح في ثمود :

بعد ذكر جانب من قصص موسى وداود وسليمانعليه‌السلام فإنّ هذه الآيات تتحدث عن قصّة رابع نبيّ ـ وتبيّن جانبا من حياته مع قومه ـ في هذه السورة ، وهي ما جاء عن صالحعليه‌السلام وقومه «ثمود»!

إذ يقول القرآن :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ) (١) .

وكما قيل من قبل : إنّ التعبير بـ «أخاهم» الوارد في قصص كثير من الأنبياء ، هو إشارة إلى منتهى المحبّة والإشفاق من قبل الأنبياء لأممهم ، كما أن في بعض المواطن إشارة الى علاقة القربى «الروابط العائلية للأنبياء بأقوامهم».

__________________

(١) جملة (أن اعبدوا الله) مجرورة بحرف جر مقدر وأصلها : ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا بعبادة الله.

٨٤

وعلى كل حال ، فإنّ جميع دعوة هذا النّبي العظيم تلخصت في جملة( أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ) . أجل ، إنّ عبادة الله هي عصارة كل تعليمات رسل الله.

ثمّ يضيف قائلا :( فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ ) (١) . المؤمنون من جهة والمنكرون المعاندون من جهة أخرى.

وقد عبر في الآيتين ٧٥ و ٧٦ من سورة الأعراف عن الفريقين ، بالمستكبرين والمستضعفين :( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) .

وبالطبع فإنّ هذه المواجهة بين الفريقين «الكفار والمؤمنين» تصدق في شأن كثير من الأنبياء ، بالرغم من أن بعض الأنبياء بقوا محرومين حتى من هذا المقدار القليل من الأنصار حيث وقف كل افراد قومهم ضدهم.

فأخذ صالحعليه‌السلام ينذرهم ويحذرهم من عذاب الله الأليم إلّا أنّ أولئك لم يستجيبوا له وتمسكوا بعنادهم وطلبوا منه بإصرار أن إذا كنت نبيّا فليحل بنا عذاب الله «وقد صرحت الآية ٧٧ من سورة الأعراف بأنّهم سألوا نبيّهم نزول العذاب»( وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) .

إلّا أن صالحا أجابهم محذرا و( قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) .

فلم تفكرون بعذاب الله دائما وتستعجلونه؟ ألا تعلمون أن عذاب الله إذا حلّ بساحتكم ختم حياتكم ولا يبقى مجال للايمان؟

تعالوا واختبروا صدق دعوتي في البعد الايجابي والأمل في رحمة الله في

__________________

(١) كلمة (فريقان) تثنية ، وفعلها مسند إلى ضمير الجميع ، وذلك لأنّ كل فريق يتألف من جماعة فأخذ الجمع بنظر الإعتبار

٨٥

ظل الإيمان به( لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) !.

علام تسألون عن نزول العذاب وتصرون على السيئات؟! ولم هذا العناد وهذه الحماقة؟!

لم يكن قوم صالح ـ وحدهم ـ قد طلبوا العذاب بعد انكارهم دعوة نبيّهم ، فقد ورد في القرآن المجيد هذا الأمر مرارا في شأن الأمم الآخرين ، ومنهم قوم هود «كما في الآية ٧٠ من سورة الأعراف».

ونقرأ في شأن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما واجهه به بعض المشركين المعاندين ، إذ قالوا :( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) .(١) وهذا أمر عجيب حقّا أن يريد الإنسان اختبار صدق دعوة نبيّه عن طريق العقاب المهلك ، لا عن طريق طلب الرحمة! مع أنّهم يعلمون يقينا احتمال صدق دعوة هؤلاء الأنبياء «يعلمون ذلك في قلوبهم وإن أنكروه بلسانهم».

وهذا الأمر يشبه حالة ما لو أدعى رجل بأنّه طبيب ، فيقول : هذا الدواء ناجع شاف ، وذلك الدواء ضار مهلك. ونحن من أجل أن نختبر صدقه نستعمل الدواء المهلك!!

فهذا منتهى الجهل والتعصب ولمرض الجهل الكثير من هذه الافرازات.

وعلى كل حال ، فإنّ هؤلاء القوم المعاندين بدلا من أن يصغوا لنصيحة نبيّهم ويستجيبوا له ، واجهوه باستنتاجات واهية وكلمات باطلة! منها أنّهم( قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ) ولعل تلك السنة كانت سنة قحط وجدب ، فقالوا : إنّ هذا البلاء والمشاكل والعقبات كلّها بسبب قدوم هذا النّبي وأصحابه فهم مشئومون

__________________

(١) الأنفال ، الآية ٣٢.

٨٦

جلبوا الشقاء لمجتمعنا!!

فكانوا يحاولون مواجهة دعوة نبيّهم صالح ومنطقه المتين بحربة التطير ، التي هي حربة المعاندين الخرافيين.

لكنّه ردّ عليهم و( قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ) فهو الذي يبتليكم بسبب أعمالكم بهذه المصائب التي أدت إلى هذه العقوبات.

في الحقيقة إن ذلك اختبار وإمتحان إلهي كبير لكم ، أجل( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) .

هذه امتحانات وفتن إلهية هذه إنذارات وتنبيهات لينتبه ـ من فيهم اللياقة من غفلتهم ، ويصلحوا انحرافهم ويتجهوا نحو الله!.

* * *

بحث

«التطيّر والتفاؤل»

«التطيّر» مأخوذ من مادة «طير» وهو معروف ، إذ يعني ما يطير بجناحين في الجوّ ، ولما كان العرب يتشاءمون غالبا من بعض الطيور ، سمي الفأل غير المحبوب تطيّرا ، وهو في قبال «التفأل» ومعناه الفأل الحسن المحبوب.

وقد وردت في القرآن الإشارة إلى هذا المعنى مرارا وهي أن المشركين الخرافيّين كانوا يواجهون أنبياءهم بحربة التطير ، كما نقرأ ذلك في قصّة موسى وأصحابه( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ) (١) .

وفي الآيات ـ محل البحث ـ أظهر قوم «ثمود» المشركون رد فعلّهم في

__________________

(١) الأعراف ، ١٣١.

٨٧

مقابل نبيّهم «صالح» بالتطير أيضا.

وأساسا ، ونقرأ في سورة «يس» أن المشركين تطيّروا من مجيء رسل المسيحعليه‌السلام الى «انطاكية» (يس ـ ١٨).

فإنّ الإنسان لا يمكن أن يقف أمام الحوادث على حال واحدة ، فلا بدّ أن يفسّر آخر الأمر لكل حادثة علة فإذا كان الإنسان مؤمنا موحدا لله ، فإنّه يرجع العلل إلى ذاته المقدسة تعالى طبقا لحكمته ، فكل شيء عنده بمقدار ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. ولو استند إلى العلم في تحليل العلة والمعلول الطبيعيين ، فستحل مشكلته ايضا ، وإلّا فإنّه سينتج أوهاما وخرافات لا أساس لها أوهاما لا حد لها وأحدها «التطير» والفأل السيء!

مثلا كان عرب الجاهلية إذا رأوا الطائر يتحرك من اليمين نحو الشمال عدوّه فألا حسنا ، وإذا رأوه يتحرك من الشمال «اليسار» نحو اليمين عدّوه فألا سيئا ، ودليلا على الخسران أو الهزيمة! وغيرها من الخرافات الكثيرة عندهم(١) .

واليوم يوجد ـ من قبيل هذه الخرافات والأوهام ـ الكثير في مجتمعات لا تؤمن بالله ، وإن حققت نصرا من حيث العلم والمعرفة ، بحيث لو سقطت «مملحة» على الأرض أقلقتهم إلى حد كبير! ويستوحشون من الدار أو البيت أو الكرسي المرقم بـ ١٣ ، وما زالت سوق المنجمين وأصحاب الفأل رائجة غير كاسدة! فهناك مشترون كثر «للطالع والبخت»!.

إلّا أنّ القرآن جمع كل هذه الأمور فجعلها في جملة موجزة قصيرة فقال :( طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ) .

__________________

(١) يشير الكميت الأسدي إلى بعض هذه الخرافات في قصيدته البائية فيقول :

ولا أنا ممن يزجر الطير همّه

أصاح غراب أم تعرض ثعلب

ولا السانحات البارحات عشية

أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب (المصحح).

٨٨

أجل ، فطائركم وطالعكم وانتصاركم وهزيمتكم وتوفيقكم وفشلكم كله عند الله ، الله الحكيم الذي يهب عطاياه لمن كانت عنده اللياقة ، واللياقة بدورها انعكاس تنعكس عن الايمان والأعمال الصالحة أو الطالحة!.

وهكذا فإنّ الإسلام يدعو أتباعه ليخرجهم من وادي الخرافة إلى الحقيقة ، ومن المفازة(١) إلى الصراط المستقيم.

«كان لنا بحث مفصل في مجال التطير والتفاؤل ذيل الآية ١٣١ من سورة الأعراف».

* * *

__________________

(١) المفازاة تأتي بمعنى الفوز ، وتأتى بمعنى الهلاك فهي من الأضداد في اللغة ـ وهنا معناها الصحراء المهلكة (المصحح).

٨٩

الآيات

( وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣) )

التّفسير

تآمر تسعة رهط في وادي القرى :

نقرأ هنا قسما آخر من قصّة «صالح» وقومه ، حيث يكمل القسم السابق ويأتي على نهايته ، وهو ما يتعلق بالتآمر على قتل «صالح» من قبل تسعة «رهط»(١) من المنافقين والكفار ، وفشل هذا التآمر! في وادي القرى منطقة «النّبي صالح وقومه».

__________________

(١) «الرهط» من الناس ما لا يقل عن الثلاثة ولا يزيد عن العشرة ، وهو اسم جنس لا مفرد له من نوعه ويجمع على أراهط وأرهاط ـ ولا يكون في الرهط امرأة (المصحح).

٩٠

يقول القرآن في هذا الشأن( وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) .

ومع ملاحظة أنّ «الرّهط» يعني في اللغة الجماعة التي تقلّ عن العشرة أو تقلّ عن الأربعين ، فإنّه يتّضح أن كلّا من المجموعات الصغيرة التسع كان لها منهج خاص ، وقد اجتمعوا على أمر واحد ، وهو الإفساد في الأرض والإخلال بالمجتمع (ونظامه الاجتماعي) ومبادئ العقيدة والأخلاق فيه.

وجملة «لا يصلحون» تأكيد على هذا الأمر ، لأنّ الإنسان قد يفسد في بعض الحالات ثمّ يندم ويتوجه نحو الإصلاح إنّ المفسدين الواقعيين ليسوا كذلك ، فهم يواصلون الفساد والإفساد ولا يفكرون بالإصلاح!.

وخاصّة أن الفعل في الجملة «يفسدون» فعل مضارع ، وهو يدل على الاستمرار ، فمعناه أن إفسادهم كان مستمرا وكلّ رهط من هؤلاء التسعة كان له زعيم وقائد ويحتمل أن كلّا ينتسب إلى قبيلة!.

ولا ريب أن ظهور «صالح» بمبادئه السامية قد ضيّق الخناق عليهم ، ولذلك تقول الآية التالية في حقّهم :( قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) .

«تقاسموا» فعل أمر ، أيّ اشتركوا جميعا في اليمين ، وتعهّدوا على هذه المؤامرة الكبرى تعهدا لا عودة فيه ولا انعطاف!.

الطريف أنّ أولئك كانوا يقسمون بالله ، ويعني هذا أنّهم كانوا يعتقدون بالله ، مع أنّهم يعبدون الأصنام ، وكانوا يبدأون باسمه في المسائل المهمّة كما يدل هذا الأمر على أنّهم كانوا في منتهى الغرور و «السكر» بحيث يقومون بهذه الجناية الكبرى على اسم الله وذكره!! فكأنّهم يريدون أن يقوموا بعبادة أو خدمة مقبولة إلّا أنّ هذا نهج الغافلين المغرورين الذين لا يعرفون الله والضالين عن الحق.

وكلمة «لنبيتنّه» مأخوذة من «التبييت» ، ومعناه الهجوم ليلا ، وهذا التعبير

٩١

يدلّ على أنّهم كانوا يخافون من جماعة صالح وأتباعه ، ويستوحشون من قومه لذلك ومن أجل أن يحققوا هدفهم ولا يكونوا في الوقت ذاته مثار غضب أتباع صالح ، اضطروا إلى أن يبيتوا الأمر ، واتفقوا أن لو سألوهم عن مهلك النّبي ـ لأنّهم كانوا معروفين بمخالفته من قبل ـ حلفوا بأن لا علاقة لهم بذلك الأمر ، ولم يشهدوا الحادثة أبدا.

جاء في التواريخ أن المؤامرة كانت بهذه الصورة ، وهي أن جبلا كان في طرف المدينة وكان فيه غار يتعبّد فيه صالح ، وكان يأتيه ليلا بعض الأحيان يعبد الله فيه ويتضرع إليه ، فصمّموا على أن يكمنوا له هناك ليقتلوه عند مجيئه في الليل ، ويحملوا على بيته بعد استشهاده ثمّ يعودوا إلى بيوتهم ، وإذا سئلوا أظهروا جهلهم وعدم معرفتهم بالحادث.

فلمّا كمنوا في زاوية واختبئوا في ناحية من الجبل انثالت صخور من الجبل تهوي إلى الأرض ، فهوت عليهم صخرة عظيمة فأهلكتهم في الحال!

لذلك يقول القرآن في الآية التالية :( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

ثمّ يضيف قائلا :( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

وكلمة (مكر) ـ كما بينّاها سابقا ـ تستعملها العرب في كل حيلة وتفكير للتخلص أو الاهتداء إلى أمر ما ولا تختص بالأمور التي تجلب الضرر ، بل تستعمل بما يضر وما ينفع فيصح وصف المكر بالخير إذا كان لما ينفع ، ووصفه بالسوء إذا كان لما يضرّ قال سبحانه :( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) . وقال :( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) ! «فتأملوا بدقّة» يقول الراغب في المفردات المكر صرف الغير عما يقصده فبناء على هذا إذا نسبت هذه الكلمة إلى الله فإنّها تعني إحباط المؤامرات الضارة من قبل

٩٢

الآخرين ، وإذا نسبت إلى المفسدين فهي تعني الوقوف بوجه المناهج الإصلاحية ، والحيلولة دونها.

ثمّ يعبّر القرآن عن كيفية هلاكهم وعاقبة أمرهم فيقول :( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا ) .

فلا صوت يسمع منها

ولا حركة تتردد

ولا أثر من تلك الزخارف والزبارج والنعم والمجالس الموبوءة بالذنوب والخطايا.

أجل ، لقد أذهبهم ريح عتوّهم وظلمهم ، واحترقوا بنار ذنوبهم فهلكوا جميعا( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

إلّا أن الأخضر لم يحترق باليابس ، والأبرياء لم يؤخذوا بجرم الأشقياء بل سلم المتقون( وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ عقوبة ثمود

تختلف تعابير آيات القرآن في موضوع هلاك قوم صالح «ثمود».

فتارة يأتي التعبير عن هلاكهم بالزلزلة( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) .(١)

وتارة يقول : «عنهم» القرآن :( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) (٢) .

وتارة يقول :( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ) (٣) .

__________________

(١) الأعراف ، الآية ٧٨.

(٢) الذاريات ، ٤٤.

(٣) هود ، ٦٧.

٩٣

إلّا أنّه لا منافاة بين هذه التعابير الثلاثة أبدا لأنّ «الصاعقة» هي الشعلة الكبيرة بين السحاب والأرض المقرونة بصيحة عظيمة واهتزاز شديد في الأرض «ذكرنا تفصيلا عن الصيحة السماوية في ذيل الآية ٦٧».

٢ ـ روى بعض المفسّرين أن أصحاب صالح الذين نجوا معه كانوا أربعة آلاف رجل ، وقد خرجوا بأمر الله من المنطقة الموبوءة بالفساد إلى حضر موت»(١) .

٣ ـ «خاوية» من (الخواء) على وزن (الهواء) معناه السقوط والهويّ والانهدام ، وقد يأتي الخواء بمعنى الخلو وهذا التعبير ورد في سقوط النجم وهويّه ، إذا قالوا «خوى النجم» أي هوى.

ويرى الراغب في المفردات أن الأصل في «خوى» هو الخلو ويرد هذا التعبير في البطون الغرثى ، والجوز الخالي ، والنجوم التي لا تعقب الغيث ، كان عرب الجاهلية يعتقدون أن كل نجم يظهر في الأفق يصحبه الغيث! «المطر».

٤ ـ روي عن ابن عباس أنّه قال : استفدت من القرآن أن الظلم يخرب البيوت ويهدمها ، ثمّ استدل بالآية الكريمة( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا ) (٢) .

وفي الحقيقة فإن تأثير الظلم في تخريب البيوت والمدن والمجتمعات لا يقاس بأي شيء ، فالظلم يأتي بالصاعقة المهلكة ، والظلم يزلزل ويدمر والظلم له أثر كأثر الصيحة ـ في السماء ـ المهلكة المميتة ، وقد أكد التأريخ مرارا هذه الحقيقة وأثبتها ، وهي أن الدنيا قد تدوم مع الكفر ، إلّا أنّها لا تدوم مع الظلم أبدا.

٥ ـ ما لا شك فيه أن عقاب ثمود «قوم صالح» كان بعد أن عقروا الناقة «قتلوها» وكما يقول القرآن في الآيات (٦٥) ـ (٦٧) من سورة هود :( فَعَقَرُوها

__________________

(١) راجع الطبرسي في مجمع البيان ، والآلوسي في روح المعاني ، والقرطبي في تفسيره المعروف ، ذيل الآيات محل البحث.

(٢) مجمع البيان ذيل الآية محل البحث

٩٤

فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ، فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

فبناء على هذه الآيات لم ينزل العذاب مباشرة بعد المؤامرة على قتل صالح ، بل الاحتمال القوي أن الجماعة الذين تآمروا على قتله أهلكوا فحسب ، ثمّ أمهل الله الباقين ، فلمّا قتلوا الناقة أهلك الله جميع الظالمين والآثمين الكافرين.

وهذه هي نتيجة الجمع بين آيات هذه السورة ، والآيات الواردة في هذا الشأن في سورتي الأعراف وهود.

وبتعبير آخر : في الآيات محل البحث جاء بيان إهلاكهم بعد مؤامرتهم على قتل نبيهم صالح ، أمّا في سورتي الأعراف وهود فبيان هلاكهم بعد عقرهم الناقة. ونتيجة الأمرين أنّهم حاولوا قتل نبيّهم ، فلمّا لم يفلحوا أقدموا على قتل الناقة (وعقرها) التي كانت معجزته الكبرى ونزل عليهم العذاب بعد أن أمهلوا ثلاثة أيام.

ويحتمل أيضا أنّهم أقدموا على قتل الناقة أولا ، فلما هدّدهم نبيّهم صالح بنزول العذاب بعد ثلاثة أيّام حاولوا قتله ، فأهلكوا دون أن يفلحوا في قتله(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير روح البيان ذيل الآية محل البحث

٩٥

الآيتان

( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) )

التّفسير

انحراف قوم لوط!

بعد ذكر جوانب من حياة موسى وداود وسليمان وصالحعليهم‌السلام مع أممهم وأقوامهم ، فإنّ النّبي الخامس الذي وردت الإشارة إليه في هذه السورة : نبيّ الله العظيم «لوط».

وليست هذه أوّل مرّة يشير القرآن إلى هذا الموضوع ، بل تكررت الإشارة إليه عدّة مرّات ، كما في سورة الحجر ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، وسورة الأعراف.

وهذا التكرار والتشابه ، لأنّ القرآن ليس كتابا تاريخيا كي يتحدث عن الموضوع مرّة ولا يعود إليه بل هو كتاب تربوي إنساني ونعرف انّ المسائل التربوية قد تقتضي الظروف أحيانا أن تكرر الحادثة ويذكر بها مرارا ، وأن ينظر إليها من زوايا مختلفة ، ويستنتج من جهاتها المتعددة.

٩٦

وعلى كل حال فإنّ حياة قوم لوط المشهورين بالانحراف الجنسي والعادات السيئة المخزية الأخرى ، كما أنّ عاقبة حياتهم الوخيمة يمكن أن تكون لوحة بليغة لأولئك السادرين في شهواتهم وإن سعة هذا التلوث بين الناس تقتضي أن يكرر ما جرى على قوم لوط مرارا.

يقول القرآن : في الآيتين محل البحث أوّلا :( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) (١) .

«الفاحشة» كما أشرنا إليها من قبل ، تعني الأعمال السيئة القبيحة ، والمراد منها الانحراف الجنسي وعمل اللواط المخزي.

وجملة( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) إشارة إلى أنّكم ـ يعني قوم لوط ـ ترون بأم أعينكم قبح هذا العمل وآثاره الوخيمة ، وكيف تلوّث مجتمعكم من قرنه إلى قدمه به وحتى الأطفال في غير مأمن من هذا العمل القبيح ، فعلام تبصرون ولا تتنبهون!

وأمّا ما يحتمله بعضهم من أن جملة «تبصرون» إشارة إلى أنّهم كانوا يشهدون فعل اللواط «بين الفاعل والمفعول» فهذا المعنى لا ينسجم وظاهر التعبير ، لأنّ لوطا يريد أن يحرّك «وجدانهم» وضمائرهم ، وأن يوصل نداء فطرتهم إلى آذانهم فكلام لوط نابع من البصيرة ورؤية العواقب الوخيمة لهذا العمل والتنبه منه.

ثمّ يضيف القرآن قائلا :( أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ) .

وقد ورد التعبير عن هذا العمل القبيح بالفاحشة ، ثمّ وضحه أكثر لئلا يبقى أي إبهام في الكلام ، وهذا اللون من الكلام واحد من فنون البلاغة لبيان المسائل المهمة.

__________________

(١) يحتمل أن «ولوطا» منصوب بالفعل (أرسلنا) الذي سبق ذكره في الآيات المتقدمة ، ويحتمل أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره (اذكر) وحيث جاء بعد الكلمة (إذ قال) فالاحتمال الثّاني أنسب

٩٧

ولكي يتّضح بأن الدافع على هذا العمل هو الجهل ، فالقرآن يضيف قائلا :( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) .

تجهلون بالله وتجهلون هدف الخلق ونواميسه وتجهلون آثار هذا الذنب وعواقبه الوخيمة ، ولو فكرتم في أنفسكم لرأيتم أن هذا العمل قبيح جدّا ، وقد جاءت الجملة بصيغة الاستفهام ليكون الجواب نابعا من أعماقهم ووجدانهم ، فيكون أكثر تأثيرا.

* * *

٩٨

بداية الجزء العشرون

من

القرآن الكريم

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576