موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576
المشاهدات: 213542
تحميل: 5998


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213542 / تحميل: 5998
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-01-0
العربية

٦ ـ روى مالك في « الموطّأ » عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لشهداء أُحد :« هؤلاء أشهد لهم » ، فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول الله إخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي » ، فبكى أبو بكر ، ثمّ بكى ، ثمّ قال : أئنّا لكائنون بعدك(١)

٧ ـ إنّ فاطمةعليها‌السلام قد دفنت ليلاً ، وصلّى عليها الإمام عليعليه‌السلام ، ولم يؤذن بها أبو بكر(٢)

« أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة »

رفض مالك بن نويرة دفع الزكاة له :

س : أردت أن استفسر عن بعض الأحداث التي جرت على مالك بن نويرة

لماذا رفض مالك دفع الصدقات لأبي بكر ؟ وهل كان موالياً لأمير المؤمنينعليه‌السلام كما يقال ؟ وهل حقّاً امتنع مالك من دفع الزكاة ؟ وهل الرافض لدفع الزكاة يحكم عليه بالكفر ؟

ج : ورد في رواياتنا : بأنّ مالك جاء إلى رسول الله في أواخر حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الخليفة بعده أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فولي الأمر الشرعي بنظر مالك وأتباعه كان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والصدقات لا تعطى إلى أحد إلّا لولي الأمر الشرعي

فامتنع مالك وقال : ندفع زكاتنا إلى فقرائنا

______________________

(١) الموطّأ ٢ / ٤٦٢ ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ٣٨

(٢) صحيح البخاري ٥ / ٨٢ ، صحيح مسلم ٥ / ١٥٤ ، صحيح ابن حبّان ١٤ / ٥٧٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٣٠٧ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٥٦٨ ، فتح الباري ٧ / ٣٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٨١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٢٩ ، مسند الشاميين ٤ / ١٩٨ ، الثقات ٣ / ٣٣٤ ، تاريخ المدينة المنوّرة ١ / ١٩٧

١٢١

ثمّ إنّ المانع من دفع الزكاة لا يحكم عليه بالكفر ، بأيّ صورة من الصور

« ـ ـ »

صحبته للنبيّ لم تكن بطلب منه :

س : بعد الشكر الجزيل على كلّ الجهود التي تبذلوها في خدمة الإسلام ، أرجو الإجابة على سؤالي التالي والذي يقول : لماذا كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار أبو بكر ، ولم يكن أحد سواه ؟

ج : أوّلاً : يجب أن نشير إلى أنّه لم ينفرد في هجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر فحسب ، كما في مفروض السؤال ، بل كان سواه معهما كما سيأتي

وثانياً : لابدّ من ملاحظة ظروف الواقعة المفروض فيها التكتّم ، وقلّة المصاحب ، والاحتياج إلى معرفة الطريق وغير ذلك

وثالثاً : إمكان دراسة الموضوع وملاحظته بأشكال متعدّدة ، فقد يقال : إنّه صاحبه خوفاً منه لا عليه ، أو كان يخشى منه البوح ، ولعلّه يشير إليه قوله تعالى :( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، أو تؤخذ الواقعة كنوع امتحان وفتنة من الله سبحانه لعباده

هذا ولم نجد في رواية من الخاصّة أو العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب من أبي بكر مصاحبته ، أو كان القرار على ذلك ، وهذه نكتة مهمّة ، بل كلّ ما هناك هو أنّه التقى به وهو في حال خروجه من مكّة ، فصاحبه معه ، وهذا قد فسّر بخوفه من أن يفشي عليه ويخبر عنه ، ولاشكّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب من أبي بكر في الغار أن يسكن وقد أخذته الرعدة ، وأخبره( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وهذه نكتة مهمّة

ثمّ أنّه قد صحبهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هجرته عامر بن فهر ـ مولى أبي بكر ـ وعبد الله

١٢٢

ابن اريقط الليثي ـ(١) ، بل كان معهم دليل باسم رقيد ، وقيل : هو عبد الله بن اريقط الليثي ، وفي أمالي الشيخ الطوسي : « واستتبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ابن أبي قحافة ، وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار »(٢)

وفي بعض الروايات : « إنّ أبا بكر لحق بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن أخبره أمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد انطلق إلى بئر ميمون فأدركه »(٣) ، ومثله في تفسير العيّاشي(٤) ، بل في « الخرائج والجرائح »(٥) : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسّس عن خبره وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم ـ فأخرجه معه إلى الغار ، ومثله في « شواهد التنزيل »(٦)

وورد في « الصراط المستقيم » قالوا : إنّما أباته ـ أي علياًعليه‌السلام ـ لعلمه أنّ الإسلام لا ينهدم بقتله ، واستصحب أبا بكر لعلمه بخلافته

قلنا : قد رويتم أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« الخلافة بعدي ثلاثون سنة » على أعمار الأربعة ، فكيف يحرص عليه خاصّة دون غيره ، بل قد روي أنّه صحبه خوفاً من أن ينم عليه

قال ابن طوطي :

ولمّا سرى الهادي النبيّ مهاجراً

وقد مكر الأعداء والله أمكر

وصاحب في المسرى عتيقاً مخافة

لئلا بمسراه لهم كان يخبر

وله كلام هناك فراجعه(٧)

______________________

(١) العدد القوية : ١٢٠ ، المحبر : ١٩٠

(٢) الأمالي للشيخ الطوسي : ٤٦٦

(٣) الطرائف : ٤٠٨

(٤) تفسير العيّاشي ١ / ١٠١

(٥) الخرائج والجرائح ١ / ١٤٤

(٦) شواهد التنزيل ١ / ١٢٩

(٧) الصراط المستقيم ١ / ١٧٦

١٢٣

مضافاً إلى ذلك يلزم عدم وجود أهمّية لعمر بن الخطّاب ، إذ إنّ ذا الخصوصية هو أبو بكر فقط ، مع أنّ هذا ينافي ما تعتقدونه في عمر بن الخطّاب وموقعيته المهمّة في الرسالة من موافقة الله له في آرائه واقتراحاته ، ومن أنّ العدل تمثّل به ، ومات بموته ، فما ذكرتموه من الاستدلال يرد عليكم أيضاً

« مروة ـ مصر ـ »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ردّ غير مقنع ، أو كان الله بغير قادر أن يعيق أبا بكر لو كانت الفكرة من صحبته خشية أن يخبر عن الرسول ؟

ج : إنّ الله تعالى قادر على أن يعيق ، لكنّه لا يعيق ، لأنّ ذلك يستلزم الإلجاء والجبر ، كما لم يعق يوم كسرت رباعية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوم ضرب بالحجارة في بداية بعثته ، وغير ذلك كثير

وهذه هي سنّة الله في الحياة ، ليتميّز من يفعل الخير أو الشر ، وإتمام الحجّة على العباد( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (١)

وهناك فرق بين أن يجبر الله أبا بكر على عدم الإخبار ، وبين تصرّف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكمة وتدبير مع ذلك الموقف

« بو حلوفة العربي ـ الجزائر ـ سنّي ـ ٣٤ سنة ـ ماجستير في اللغة الفرنسية »

صلاة جماعته المزعومة :

س : هل يعتبر أبو بكر أولى بالخلافة ؟ ونحن نعلم أنّ الرسول أمره بالصلاة ______________________

(١) آل عمران : ١٧٩

١٢٤

جماعة ، هل معنى ذلك أنّ الرسول أعطى الشرعية لأبي بكر ؟ بأن يكون الخليفة والإمام الأوّل على المسلمين

ج : إنّ رواية صلاة أبي بكر مخدوشة سنداً ودلالةً ، فإنّ رواتها بأجمعهم مجروحون ـ كما نصّ عليه أرباب الجرح والتعديل في الرجال ـ أو أنّ بعض الطرق مرسلة ، فلا حجّية لها مطلقاً

وأمّا الدلالة فمردودة بوجوه شتّى ، منها : إنّ أبا بكر كان مأموراً ـ كغيره من الصحابة ـ بالخروج مع جيش أُسامة ، والمتخلّف عن أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعتبر فاسقاً ، وعليه فهل يعقل أن يأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بإمامة الفاسق ؟!

هذا ومع فرض قبول الحديث ، فإنّ خروجه للصلاة لم يكن بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدليل عليه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما سمع بخروج أبي بكر للصلاة ، خرج متّكئاً على عليعليه‌السلام والعباس ـ مع ما كان عليه من شدّة المرض ـ ونحّى أبا بكر

« أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة»

الروايتان لا تثبتان له فضيلة :

س : ما هو قولكم في هاتين الروايتين ، الأُولى : عن بعث الإمام عليعليه‌السلام لإبلاغ سورة براءة ، وردّ أبي بكر

فقال أبو بكر : بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله ، أنت أمرت علياً أن أخذ هذه الآيات من يدي ؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ، ولكن العليّ العظيم ، أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا من هو منّي ، وأمّا أنت فقد عوّضك الله بما حمّلك من آياته ، وكلّفك من طاعاته ، الدرجات الرفيعة ، والمراتب الشريفة ، أمّا أنّك إن دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّاً بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، فأنت من خيار شيعتنا ، وكرام أهل مودّتنا » فسري بذلك عن أبي بكر

والرواية الثانية : قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر : « أما ترضى يا أبا بكر أنّك صاحبي في الغار » ؟ فما هو القول المبين في هذا الكلام من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٢٥

لأبي بكر ؟ هل هي موضوعة أم من الزيادات ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : إنّ مبنى التحقيق عند علماء الشيعة ـ خلافاً لغيرهم ـ يفرض عليهم أن يعرضوا كافّة أسانيد الروايات للنقد العلمي ، فما ثبتت صحّته فهو مقبول ، وما لم تثبت فهم في حلٍّ منه ، ولا يلزم من هذه القاعدة الحكم بالوضع لتمام أجزاء الرواية ، إذ قد يكون الدسّ والتحريف مسّ جزءً منها ، فكلّ ما في الأمر أنّ الحديث الذي لم يثبت سنده بالطريق الصحيح لا يمكن الاعتماد عليه في الاستدلال

وفي مورد السؤال نقول : بأنّ الرواية الأُولى منقولة في التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام (١) ، ولا يخفى ما في سندها من ضعف

وأمّا الرواية الثانية : فهي منقولة في تفسير فرات الكوفي(٢) ، ولكن لم يرد لها سند صحيح ومعتبر ، فالحكم عليها كالحكم على الرواية الأُولى

ومع غضّ النظر عن السند فلا تدلّ الرواية الأُولى على فضيلة خاصّة ، لورود شرط فيها كما ذكرتموه« إن دمت … » ، وينتفي المشروط بانتفاء شرطه كما هو واضح ، وهذا نظير ما صدر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مجال تقريضه لشعر حسّان بن ثابت في غديريّته قائلاً :« لا تزال ـ يا حسّان ـ مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك » ، علماً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بانحراف حسّان عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في أُخريات أيّامه ، فهذا من إعلام النبوّة ، إذ هو تنبيه لأبي بكر حتّى لا يزل ، ولا ينسى العهود والمواثيق التي أخذهاصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، وتناساها فيما بعد

وأمّا الرواية الثانية : فليس فيها أيّة فضيلة ، فإنّ مجرد الصحبة لا تدلّ على ميزة ، خصوصاً بعدما نعلم بأنّ هذه الصحبة لم تكن مدروسة ومقصودة من قبل ، بل بعدما أطّلع أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذه معه ، حتّى لا يطّلع عليه أحد

______________________

(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري : ٥٩٩

(٢) تفسير فرات الكوفي : ١٦١

١٢٦

« علي طاهر العبد اللطيف ـ السعودية ـ ٣٨ سنة ـ خرّيج متوسطة »

مناظرة الشيخ المفيد حول صحبته :

س : في آية الغار :( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) المخاطب هو أبو بكر ، ألا تعد هذه فضيلة له ؟ أرجو إفادتنا بالجواب مع التفاصيل ، والله يحفظكم ويجعلكم ذخراً لنشر فضائل أهل البيت

ج : نرسل لكم مناظرة الشيخ المفيدقدس‌سره مع عمر في المنام ، ومن خلالها يتّضح الجواب على سؤالكم :

قال الشيخ المفيدقدس‌سره : « رأيت في المنام سنة من السنين ، كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق ، فرأيت حلقة دائرة ، فيها أُناس كثير ، فقلت : ما هذا ؟

فقالوا : هذه حلقة فيها رجل يعظ

قلت : ومن هو ؟

قالوا : عمر بن الخطّاب ، ففرّقت الناس ، ودخلت الحلقة ، فإذا أنا برجل يتكلّم على الناس بشيء لم أحصله ، فقطعت عليه الكلام

وقلت : أيّها الشيخ ، أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى :( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) (١)

فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر في هذه الآية على ستة مواضع :

الأوّل : أنّ الله تعالى ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر أبا بكر وجعله ثانيه ، فقال :( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ )

والثاني : وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال :( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ )

والثالث : أنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فجمع بينهما بما تقتضي الرتبة فقال :( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ )

______________________

(١) التوبة : ٤٠

١٢٧

والرابع : أنّه أخبر عن شفقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفقه به ، لموضعه عنده فقال :( لَا تَحْزَنْ )

والخامس : أخبر أنّ الله معهما على حدّ سواء ، ناصراً لهما ودافعاً عنهما ، فقال :( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )

والسادس : أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تفارقه سكينته قط ، قال :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) (١)

فهذه ستة مواضع تدلّ على فضل أبي بكر من آية الغار ، حيث لا يمكنك ولا غيرك الطعن فيها

فقلت له : حبرت كلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه ، وإنّي بعون الله سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف

أمّا قولك : إنّ الله تعالى ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل أبا بكر معه ثانيه ، فهو إخبار عن العدد ، ولعمري لقد كانا اثنين ، فما في ذلك من الفضل ؟! فنحن نعلم ضرورة أنّ مؤمناً ومؤمناً ، أو مؤمناً وكافراً ، اثنان فما أرى لك في ذلك العدّ طائلاً تعتمده

وأمّا قولك : إنّه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فإنّه كالأوّل لأنّ المكان يجمع الكافر والمؤمن ، كما يجمع العدد المؤمنين والكفّار

وأيضاً : فإنّ مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار ، وفي ذلك يقول الله عزّ وجلّ :( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) (٢)

وأيضاً : فإنّ سفينة نوحعليه‌السلام قد جمعت النبيّ ، والشيطان ، والبهيمة ، والكلب ، والمكان لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة ، فبطل فضلان

______________________

(١) التوبة : ٢٧

(٢) المعارج : ٣٧

١٢٨

وأمّا قولك : إنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فإنّه أضعف من الفضلين الأوّلين ، لأنّ اسم الصحبة تجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قوله تعالى :( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) (١)

وأيضاً : فإنّ اسم الصحبة يطلق على العاقل والبهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل بلسانهم ، فقال الله عزّ وجلّ :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) (٢) أنّه قد سمّوا الحمار صاحباً ، فقال الشاعر(٣) :

إنّ الحمار مع الحمير مطية

فإذا خلوت به فبئس الصاحب

وأيضاً : قد سمّوا الجماد مع الحيّ صاحباً ، فقالوا ذلك في السيف وقالوا شعراً :

زرت هنداً وكان غير اختـيان

ومعي صاحب كتوم اللسـان(٤)

يعني : السيف ، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل والبهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأيّ حجّة لصاحبك فيه ؟!

وأمّا قولك : إنّه قال :( لَا تَحْزَنْ ) ، فإنّه وبال عليه ومنقصة له ، ودليل على خطئه لأنّ قوله :( لَا تَحْزَنْ ) نهي ، وصورة النهي قول القائل : لا تفعل ، فلا يخلو أن يكون الحزن قد وقع من أبي بكر طاعة أو معصية ، فإن كان طاعة فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينهى عن الطاعات ، بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كانت معصية ، فقد نهاه النبيّ عنها ، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنّه نهاه

وأمّا قولك : إنّه قال :( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر أنّ الله معه ، ______________________

(١) الكهف : ٣٥

(٢) إبراهيم : ٤

(٣) وهو أُمية بن الصلت ، الصراط المستقيم ٣ / ١٣٦

(٤) وقد ورد في كنز الفوائد : ٢٠٣ هكذا :

زرت هنداً وذاك بعد اجتناب

ومعي صاحب كتوم اللسان

١٢٩

وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع ، كقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١)

وقد قيل أيضاً : إنّ أبا بكر قال : يا رسول الله حزني على علي بن أبي طالب ما كان منه ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب

وأمّا قولك : إنّ السكينة نزلت على أبي بكر ، فإنّه ترك للظاهر ، لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده الله بالجنود ، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (٢)

فإنّ كان أبو بكر هو صاحب السكينة ، فهو صاحب الجنود ، وفي هذا إخراج للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النبوّة ، على أنّ هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيراً ، لأنّ الله تعالى أنزل السكينة على النبيّ في موضعين ، كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها ، فقال في أحد الموضعين :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (٣) ، وقال في الموضع الآخر :( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) (٤) ولما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة ، فقال :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) ، فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة ، كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدلّ إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان ، فلم يحر جواباً ، وتفرّق الناس ، واستيقظت من نومي »(٥)

______________________

(١) الحجر : ٩

(٢) التوبة : ٤١

(٣) الفتح : ٢٦

(٤) التوبة : ٢٧

(٥) شرح المنام : ٣٠ ، الاحتجاج ٢ / ٣٢٨ ، كنز الفوائد : ٢٠٣

١٣٠

« علي المؤمن ـ السعودية ـ سنّي »

السكينة لم تنزل عليه :

س : سؤالي حول آية :( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ )

إذا كانت الصحبة لا تعبّر عن كرامة لأبي بكر ، وذلك لأنّها تشمل الكافر والمؤمن ، والحيوان والجماد ، وأنّ السكينة لا تنزل إلّا على المؤمنين

فالسؤال موجّه للشيعة : إذا آمنا بهذه التفاسير فما هي قيمة أبي بكر ؟

هل نعتبره مثل كلب أصحاب الكهف ؟ أعتقد أنّه من واجبنا الاعتراف ، ولو بنسبة ١% أنّ أبا بكر صاحب ، أختاره الله ليكون مع النبيّ ، وأنّه لابأس به على الأقلّ

أمّا بالنسبة للسكينة ، وأنّها لا تنزل إلّا على المؤمنين ، وأنّها نزلت على النبيّ دون أبي بكر ، فإنّنا نرى السكينة نزلت على أبي بكر ، عندما بايع تحت الشجرة ، وأنّه ممّن رضي الله عنهم ، حيث كان ممّن حضروا بدراً ، فلماذا هذا الإجحاف في حقّ الرجل ؟

نعم قد يكون مغتصب للخلافة ، لكن علينا أن نكون موضوعيين في تفسير آية الغار ، ولا نقلّل قيمة الرجل ـ على الأقلّ في هذا الموقف فقط ـ بشكل يعكس نفسية الشيعة تجاه أبي بكر

فليس من المعقول أن تكون آية الغار ضدّ أبي بكر ، وليست في صالحه ، فهل أصبحت صحبة النبيّ والسير معه مذمّة ؟!

ج : للإجابة على هذا السؤال لابدّ من الرجوع إلى القرآن الكريم ، والنظر في آياته البيّنات كي يتّضح لنا ما هي وظيفة الله تعالى ، وما هي وظيفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما هي وظيفة الناس تجاه الله تعالى والنبوّة

وبعد معرفة الوظائف الثلاث لتلك الذوات الثلاث نستطيع معرفة الجواب عن السؤال ، أو بالأحرى معرفة أنّ السؤال صحيح أم ليس بصحيح ؟

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده يصرّح بأنّ الله تعالى غنيّ عن العالمين ، لا يحتاج إلى غيره ، مهما كان ذلك الغير نبيّاً أو من عامّة الناس

١٣١

قال الله تعالى :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (١)

وقال تعالى :( وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (٢)

وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (٣)

وقال تعالى :( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنصّ على غنى الله تعالى عن كلّ شيء ، موجوداً أو غير موجود ، حيّاً أو غير حيّ ، إنساناً أو حيواناً أو جماداً أو أيّاً كان ، وعليه يتفرّع السؤال التالي وهو : لماذا خلق الله الخلق ؟

وهذا السؤال وإن كان خارج البحث لكنّه يرتبط به من قريب ، حيث إنّ التسلسل في البحث يقتضي وجوده ، أو قل : إنّ البحث مبنيّ على نقاط متسلسلة منها هذا السؤال ، فهو وإن كان غريباً عن البحث نوعاً ما ، لكنّه له ارتباط في البحث من جهة أُخرى

والجواب : إنّ الله تعالى خلق الخلق لمصلحة عائدة إليهم ، وراجعة إلى أنفسهم ، إذ لو لم يخلق الله الخلق لما كان هناك ثواب وعقاب ، ولا منازل ودرجات ، ولا جنّة ولا نار ، ولا غير ذلك من الأُمور الكثيرة التي أُسّست بعد الخلقة !

وغاية الخلق هي وصول كلّ مخلوق إلى كماله المطلوب له والمرسوم ضمن خطّ سيره ، فالخلق كمال للمخلوق ، بواسطته يستطيع السير والوصول إلى ما يشاء من كمال وفعلية

______________________

(١)ـ آل عمران : ٩٧

(٢) إبراهيم : ٨

(٣) فاطر : ١٥

(٤) الزمر : ٧

١٣٢

وبعد خلق الله تعالى لخلقه ، فما هي وظيفته تجاههم ؟ أو قل : ما هو المطلوب منه ؟ نقول : يدرك العقل بأنّ المطلوب من الله تعالى ـ بعد أن خلق الخلق ـ أن يعرّفهم بنفسه ، ويرشد خلقه إليه وإلى الطريق الذي رسمه إليهم

وباعتبار أنّه لا يمكن أن يتّصل الله مباشرة مع خلقه ، فرداً كان أو جماعة لاختلاف الذاتين ، فعليه يوجد هناك بين الله تعالى وخلقه رسلاً ومبعوثين ؛ يبيّنون ربّهم تعالى للناس ، ويعرّفونهم له ، فإذاً وظيفة الله تعالى هي إرسال الرسل ، ولا يتعدّى أكثر من ذلك ، وهذا ما يدركه العقل وينطق به الشرع

قال الله تعالى :( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) (١)

وقال تعالى :( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (٢)

وقال تعالى :( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (٣) ، فالله تعالى عليه إرسال الرسل والأنبياء إلى خلقه بعد خلقهم ، كي يعرّفوا الناس بالله تعالى ، وبالتعاليم التي كتبها لعباده ، حتّى لا يبقى هنالك حجّة ، وينتفي العذر عمّن اختار الضلال على الهدى

هذه الوظيفة التي يدركها العقل ونطق بها الشرع لله تعالى ، أمّا الضلال أو الهدى فبيد الإنسان ، ولا مدخلية لله تعالى به ، وإلّا لزم الجبر بالباطل على الله تعالى

فإذاً الله عزّ وجلّ لا يجب عليه إلّا أن يرسل رسل تكشف للناس حقيقة خلقهم وسببه ، وتبيّن لهم طريق الهدى من الضلال

وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم لا نجده يدلّ على عدالة الصحابة ، وإنّ
______________________

(١) النساء : ١٦٥

(٢) البقرة : ٢١٣

(٣) الكهف : ٥٦

١٣٣

للصحبة قيمة بحدّ ذاتها ، ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالموازين الشرعية والقواعد النبوية ، والاستدلال ببعض الآيات الدالّة على المدح ، وترك الآيات الأُخرى الدالّة على الذمّ قسمة ضيزى ، لا ترضي الله ورسوله ولا الباحث المنصف المنقّب عن الحقّ ، وإليك شطراً من الآيات التي نزلت في ذمّ بعض الصحابة

قال تعالى :( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) (١)

وقال أيضاً :( كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٢)

وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (٣)

وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٤)

وقال تعالى :( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ) (٥)

وقال عنهم يوم أُحد :( حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) (٦)

______________________

(١) البقرة : ٨٥

(٢) التوبة : ٦٩

(٣) الصف : ٢ ـ ٣

(٤) التوبة : ٣٨ ـ ٣٩

(٥) التوبة : ٢٥

(٦) آل عمران : ١٥٢

١٣٤

وقال عنهم يوم الأحزاب :( وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) (١)

وقال عنهم :( تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) (٢)

وقال تعالى عن أصحاب الإفك الذين رموا زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم من الصحابة :( فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) (٣)

وقال عن المظاهر لزوجته وهو صحابي :( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ) (٤)

وقال تعالى في حقّ أبي بكر وعمر ـ وهما اللذان جُعلا في القمّة وأصبحا هرم الإسلام ورأسه ـ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) (٥)

حتّى قال ابن مليكة : كاد الخيّران أن يهلكا أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر قال نافع : لا احفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلّا خلافي ، قال : ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ) (٦)

ولم يتوقّف الله تعالى في توبيخ أبي بكر لرفع صوته عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجل صحبته في الغار أو غيرها ، بل عاتبهما وأنزل في حقّ رفع الصوت عند النبيّ توبيخاً وتنبيهاً لهما ، ممّا يدلّل على أنّ الصحبة لوحدها لو كانت كافية لما وقع
______________________

(١) الأحزاب : ١٠

(٢) الممتحنة : ١

(٣) النور : ١٣

(٤) المجادلة : ٢

(٥) الحجرات : ٢

(٦) صحيح البخاري ٦ / ٤٦

١٣٥

التوبيخ على مجرد رفع الصوت

وقال الله تعالى عن الوليد بن عقبة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (١)

وقال :( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (٢)

وقال تعالى في حقّهم أيضاً :( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (٣)

فالله تعالى قد بيّن في هذه الآيات أنّ من الصحابة من استمتع بخلاقه كما استمتع الذين من قبله ، وأنّ بعضهم تحبط أعماله كما حبطت أعمال الأُمم الماضية ، وأنّ بعضهم يقول ما لا يفعل ، وأن هذا يعقبه مقت كبير عند الله ، وأنّهم يتثاقلون كلّما دعوا إلى الجهاد مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم يتّكلون على كثرتهم ويعجبون بها ، وينسون أنّ أمر النصر والهزيمة بيد الله ، وأنّهم يتنازعون ويعصون الرسول ، وبعضهم يريد الدنيا ، وأنّهم يظنّون بالله الظنونا ، ويسرّون بالمودّة إلى الكفّار ، وهذا خلاف ما أمروا به من الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين ، وحكم على بعضهم بالكذب ، وحكم على آخرين بأنّهم يقولون المنكر والزور ، وهدّد بعضهم بإبطال الأعمال عندما لا يتأدّبون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرفعون أصواتهم فوق صوت النبيّ ، وهما الخيّران أبو بكر وعمر حتّى وصلوا إلى الهلاك

وحكم على بعضهم بأنّهم لا يعقلون ، وعلى آخرين بالفسق ، وحذّر الله
______________________

(١) الحجرات : ٦

(٢) الحجرات : ٧

(٣) التوبة : ٧٥ ـ ٧٧

١٣٦

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من طاعتهم في كثير من الأُمور ، فكيف يكون عادلاً من تكون طاعته مضرّة ومؤدّية إلى الهلاك وقوانينه ؟

وأخبر الله تعالى عن إخلاف بعضهم للوعد ، فيعاهد الله ثمّ لا يفي فيتحوّل إلى منافق ، وأخبر بأنّ منهم منافقون لا يعلمهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أخبر النبيّ من أنّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلّا القليل ، مثل همل النعم

فإذاً القرآن الكريم قد ذمّ الصحابة ، وأشار إلى أنّ هنالك عيوباً فيهم ، ومن أُولئك الصحابة أبو بكر وعمر ، وقد كادا أن يهلكا كما يقول ابن أبي مليكة ، مع أنّ أبا بكر صاحب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، وهاجر معه ليلة الهجرة ، وزوّج ابنته وخليفته كما تزعمون

فالصحبة الغارية لو كانت من الحصون التي تمنع من الذمّ والعتاب لما كان هنالك مبرّر لهذا التوبيخ ، وبما أنّ التوبيخ حاصل وواقع فإذاً يدلّنا القرآن على أنّ الصحبة الغارية لوحدها لا تنفع ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالشرع

وكذلك إذا رجعنا إلى الآثار النبوية نجد أنّها لا تجعل للصحبة وحدها منزلة ووصفاً ممدوحاً ، بل الصحابة أنفسهم ما كانوا يعتقدون بذلك أيضاً كما سنجد

فالآثار النبوية كحديث الحوض القائل بلسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :« يردن عليّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري » (١) ، وفي لفظ آخر :« فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (٢)

وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه » (٣) ، ومعنى عدم رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عدم دخولهم الجنّة ، وإلّا لو دخلوها لرأوهصلى‌الله‌عليه‌وآله للروايات
______________________

(١) صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، المصنّف للصنعاني ١١ / ٤٠٦

(٢) صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ١٣٢

(٣) ـ مسند أحمد ٦ / ٢٠٩ و ٢١٧ ، مسند ابن راهويه ٤ / ١٤٠ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٣٦

١٣٧

الكثيرة الواردة من طرقهم من رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بل رؤية الله تعالى ، وهي الفيصل الفارق بين المؤمن والكافر

وهذا الحديث تحقيق لحديث آخر علّقه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما قال :« إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنّي أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا فتهلكوا ، كما هلك من كان قبلكم » (١)

وهذا الحديث تحقّق في الصحابة كما بيّنه الحديث السابق ، وكما بيّنه علماء السنّة ، قال ابن تيمية : « وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفّره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الذين قاتلوه وسبّوه ، وأمّا شيعة علي الذين شايعوه بعد التحكيم وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم ، فكان فيهما من التقابل وتلاعن بعضهم وتكافر بعضهم ما كان »(٢)

فإذاً الآثار النبوية تدلّ على أنّ الصحبة لوحدها لا تكون كافية في حسن السلوك والمدح والعدالة والرضا إن لم يكن معها التزام بالضوابط الرسالية والتعاليم النبوية

وكذلك الصحابة لم يكن يعتقدون بأنّ الصحبة لوحدها ذات ميزة أو حاجز ومانع يستطيع الصاحب التحصّن به ، وإن خالف التعاليم الإلهية والسنن النبوية ، فهذا ابن عباس يقول : « يقول أحدهم : أبي صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان مع رسول الله ولنعل خلق خير من أبيه »(٣)

وكان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة الطلقاء الذين لم يسلموا ، ولكن استسلموا يوم الفتح ـ كما يقول عمّار بن ياسر ـ وفيهم شرذمة من التابعين ، وهؤلاء نشأوا على بغض علي وأهل البيتعليهم‌السلام كما اعترف بذلك الذهبي(٤)

______________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ٦٨ ، المعجم الكبير ١٧ / ٢٧٩

(٢) مجموعة الفتاوى ٤ / ٤٣٦

(٣) مجمع الزوائد ١ / ١١٣

(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ١٢٨

١٣٨

وكذلك تحقّق الارتداد والنكوص على الأعقاب من قبل الصحابة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يخبرنا بذلك الصحابي البراء بن عازب عندما سأله المسيّب يقول : طوبى لك صحبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبايعته تحت الشجرة ، فيجيبه البراء ـ الذي هو من أصحاب بيعة الشجرة ـ بقوله : « يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده » !!(١)

أي إنّنا غيّرنا وبدّلنا فلم تعد تبعيتنا تنفعنا ، مادام لم نلتزم بها من عدم التبديل والتغيير

فإذاً الصحبة بما هي صحبة لا تجعل لصاحبها فضيلة أو منزلة أو مقام في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية ، وفي كلمات الصحابة ، وفي كلمات العلماء ، كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم

والصحبة تصبح ذات منزلة وصاحبها محمود إذا انضمّ إليها الالتزام بالقوانين الشرعية ، وعدم التبديل والتغيير والنكوص على الأعقاب ، عند ذلك يكون للصحبة ميزة وفضيلة

وأمّا ما ذكرته من « أنّ الله اختاره ليكون مع النبيّ » فهذا كلام لا دليل عليه ، إذ لم تشر له آية أو رواية أو أثر تاريخي ولو كان ضعيفاً ، فيبقى إطلاق الكلام من دون مسوّغ ومبرّر

وأمّا نزول السكينة فهي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب السياق الذي نزلت فيه الآيات والضمائر السابقة عليها ، قال تعالى :( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (٢)

فلاحظ الكلمات : تنصروه ، نصره ، أخرجه ، سكينته ، عليه ، أيده

فهذه الضمائر السابقة واللاحقة كلّها ترجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا وجه لإقحام أبي بكر في المقام أصلاً ، خصوصاً بعد ملاحظة الهيئة التشكيلية
______________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٦٦

(٢) التوبة : ٤٠

١٣٩

للآية ، أو التصوير الفنّي لطرح المسألة ، فهنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من بيته مهاجراً من المشركين ، وهم من خلفه يتّبعوه ويقتفوا أثره ، فليجأ إلى الغار ، ويقتفوا أثرهم إلى الغار ، وهنا يحزن أبو بكر لأنّ المشركين قد أدركوهم ، وتأخذه الرعدة والشدّة والوجد

وهنا وفي هذه اللحظة يلتفت الرسول إلى أبي بكر مع أنّه متوجّه إلى الله تعالى ، وهو في حالة التوجّه يلتفت إليه ويقول :( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، ومادام الله معنا فلا معنى للحزن إذاً !

وهنا يأتي الجواب الإلهي والنصر الربّاني فتنزّل السكينة عليه ، أي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتأييد الربّاني بجنود من الملائكة يمنعون الكفّار من رؤية الرسول

فالتصوير الفنّي للقصّة لا ينسجم ويصبح مختلاً إذا أرجعنا ضمير السكينة إلى أبي بكر ، مع غيابه عن القصّة كاملة من أوّلها وإلى آخرها ، وهذا ما ذكره مفسّرو السنّة أيضاً ، فارجع مثلاً إلى : « صفوة التفاسير » ، « روح المعاني » ، « تفسير القرآن العظيم » ، « فتح القدير » ، « تفسير الثعلبي » ، « تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن » ، « تفسير البحر المحيط » ، وغير ذلك من التفاسير التي صرّحت أو نقلت بأنّ أغلب رأي الجمهور هو رجوع الضمير إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

ويمكن تقرير الدلالة بشكل أوضح فنقول : إنّ الآية المباركة ليس فيها دلالة على فضيلة لأبي بكر بتاتاً ، وذلك إنّ الفضل إن كان في قوله تعالى :( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) فليس فيه فضيلة ، وإنّما أبو بكر متمّم للعدد واحد ، فالرسول الأوّل وأبو بكر ثانيه فلا فضيلة في ذلك

ولا فضيلة ـ أيضاً ـ في قوله تعالى :( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) لأنّ ذلك لا يدلّ على أكثر من انضمام شخص إلى آخر في مكان واحد ، وهذا ليس فضيلة ، إذ يمكن اجتماع المؤمن والكافر في مكان واحد

١٤٠