موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241024 / تحميل: 7268
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بعد هذه المقدّمة ، وبعد تفهيمنا هذا الأصل إلى الآخرين ، يمكن الجلوس على طاولة الحوار الهادف للوصول إلى الحقّ.

فأوّل ما نعرض على مَن خالفنا من المذاهب الأُخرى : مسألة الإمامة التي هي أصل الاختلاف ، ونذكر الأدلّة العقلية النابعة عن الوجدان والفطرة ، ومن ثّم ننتقل إلى الأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة.

فنستدلّ بالعقل بنفس الأدلّة العقلية على وجود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعثه للأُمّة من قبل الله تعالى وأنّه لطف ، وذلك لتتمّ الحجّة ، وأنّ الله تعالى من عدله لا يترك الأُمّة سُدى ، كذلك يمكن الاستدلال بنفس هذا الدليل على لزوم تعيين الإمام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الله لم يترك أُمّته سُدى ، بل عيّن لهم الأوصياء بعد النبيّ الخاتم ، كما عيّن لكُلّ نبي من الأنبياء السابقين وصيّاً.

ومن القرآن يمكن الاستدلال بآية التصدّق بالخاتم ، وآية الإنذار ، وآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وغيرها من الآيات.

ومن السنّة يمكن الاستدلال بحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث الولاية ، وغيرها من الأحاديث.

ولكُلّ مفردة من هذه المفردات توجد أبحاث مفصّلة ، تجدونها في المكتبة العقائدية من موقعنا ، وفي نفس الإجابة على الأسئلة العقائدية.

( مازن ـ ـ )

بالمعنى الأعم والأخص :

س : إنّي أحد المتابعين المهتمّين لموقعكم القيّم ، وخاصّة فقرة الأسئلة العقائدية.

هل إنّ رواية ترك عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين ـ في فترة خلافته أو بعدها ـ والتجائه إلى معاوية وقوله : الدنيا مع معاوية والآخرة مع علي صحيحة؟

١٠١

وهل صحيح أنّ جيش عمر بن سعد ـ الذي حارب الحسينعليه‌السلام في الطفّ ـ كان يتكوّن من أهل الكوفة؟ أي من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وممّن بايعوا الحسين في بادئ الأمر؟ وكم كانت نسبتهم في الجيش؟

ج : في الإجابة نقول :

أوّلاً : إنّ التاريخ وما ورد من روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام حول عقيل مضطرب كُلّ الاضطراب ، لذا لا يمكن لنا أن نخرج بنتيجة علمية مبتنية على أُسس صحيحة حول هذا الموضوع ، وإن كان بعض العلماء حاول أن يوجد بعض المبرّرات لما يُنسب إلى عقيل لتنزيه ساحته.

وثانياً : وأمّا عن شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة فإنّهم على قسمين :

١ ـ شيعة بالمعنى الأخصّ ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي ، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد ـ الذي حارب الإمام الحسينعليه‌السلام ـ بل إمّا استشهدوا مع الحسينعليه‌السلام ، أو كانوا في السجون ، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادة الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ شيعة بالمعنى الأعم ، يعني يحبّون أهل البيتعليهم‌السلام ، ويعتقدون بالتولّي ولا يعتقدون بالتبرّي ، ولا يرون أنّ الإمامة إلهية وبالنصّ ، وهؤلاء كان منهم من بايع الإمام الحسينعليه‌السلام في أوّل الأمر وصار إلى جيش عمر بن سعد.

وكُلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة فإنّما تحمل على الشيعة بالمعنى الأعم ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية ، وما إلى ذلك من أُصول التشيّع.

( محمّد الجعفري ـ المغرب ـ )

يدخّنون في المساجد :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يدخّنون في مساجدهم؟

١٠٢

ج : أوّلاً نذكر لكم أنّ أصل المبنى عند أكثر علماء الشيعة أنّ التدخين حلال ، لأنّ الأصل في الأُمور الإباحة ما لم يأت دليل من القرآن والسنّة ينصّ على التحريم.

هذا ، وإنّ مساجد الشيعة تقام فيها الجماعة ، والدروس الدينية ، وإحياء المناسبات الدينية لتثقيف المسلمين ، فالمساجد هي بيوت للعبادة بكُلّ ما تحمله لفظة العبادة من معنى.

وعليه ، فالتدخين عند الشيعة في المساجد غير صحيح ، وما يفعله بعض العوام من الناس فهذا غير محمول على أصل المذهب.

( محمّد علي الشاخوري ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

تكفير ابن باز لهم :

س : ما هو الدليل على أنّ ابن باز كان يحلّل دماء الشيعة وتكفيرهم في كُلّ شيء؟ ودمتم سالمين.

ج : قد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ـ المؤلّفة كلاً من عبد العزيز بن باز ، وعبد الرزاق عفيفي ، وعبد الله بن غديان ، وعبد الله ابن قعود ـ عدّة أسئلة حول الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، منها :

وجّه إلى اللجنة الدائمة سؤال عن حكم أكل ذبائح جماعة من الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، فأجابت اللجنة بقولها ما نصّه : « إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أنّ الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدّون عن الإسلام والعياذ بالله ، لا يحلّ الأكل من ذبائحهم ، لأنّها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله »(١) .

وقالت اللجنة في جواب آخر ما نصّه : « إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم علياً والحسن والحسين ونحوهم فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من

____________

١ ـ فتاوى اللجنة الدائمة ٢ / ٣٧٢.

١٠٣

ملّة الإسلام ، فلا يحلّ أن نزوّجهم المسلمات ، ولا يحلّ لنا أن نتزوّج من نسائهم ، ولا يحلّ لنا أن نأكل من ذبائحهم »(١) .

كما قالت اللجنة في جواب آخر عن حكم من يعتقد أنّ القرآن قد وقع فيه التحريف ـ يقصدون بهم الشيعة الإمامية ـ بقولها ما نصّه : « ومن قال : إنّه غير محفوظ ، أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضالّ مضلّ ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على ولي الأمر قتله مرتداً »(٢) .

وقال ابن باز حول الشيعة ما نصّه : « وأفيدكم بأنّ الشيعة فرق كثيرة وكُلّ فرقة لديها أنواع من البدع ، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثنا عشرية لكثرة الدعاة إليها ، ولما فيها من الشرك الأكبر كالاستغاثة بأهل البيت ، واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب ، ولاسيّما الأئمّة الاثني عشر حسب زعمهم ، ولكونهم يكفّرون ويسبّون غالب الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، نسأَلُ الله السلامة ممّا هم عليه من الباطل »(٣) .

وقال أيضاً : « وبذلك نكتشف بطلان جميع المذاهب الهدّامة والأكثر منحلة ، لأنّ من علم شرع الله وتبصّر في دينه ، وتفقّه في ذلك اتضح له كُلّ مذهب باطل ، وكُلّ فكر فاسد ، سواء كان ذلك فكراً خارجاً عن الدين بالكُلّية ، أو فكراً يزعم صاحبه أنّه من الإسلام ، وليس من الإسلام ، فتعرف المذاهب الهدّامة من شيوعية وغيرها ، وهكذا الأفكار والدعوات المنحرفة من الإمامية أو قومية أو غير ذلك ، ممّا يدعو إليه كثير من الناس ، فالقرآن الكريم والسنّة المطهّرة يحاربان كُلّ هذه الدعوات الباطلة ، فلا قومية ولا علمانية ، ولا شيوعية ولا بعثية ، ولا شيعية ولا بوذية ، ولا نصرانية ولا يهودية ، ولا غير ذلك.

____________

١ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٧٣.

٢ ـ المصدر السابق ٤ / ٩.

٣ ـ مجموع فتاوى ابن باز ٣ / ١١٠٨.

١٠٤

كتاب الله وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحاربون هذه المذاهب الباطلة ، وهذه الأفكار الزائفة ، ويبيّن القرآن والسنّة أنّ الحقّ في اتباع كتاب الله العظيم ، وسنّة رسول الله الأمين فقط ».

وسُئلت اللجنة أيضاً : ما حكم عوام الروافض الإمامية الإثنى عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أيّ فرقة من الفرق الخارجة عن الملّة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟

فأجابت : من شايع من العوام إماماً من أئمّة الكفر والضلال ، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً ، حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً ، قال الله تعالى :( قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) (١) وغير ذلك في الكتاب والسنّة كثير ؛ ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم ، وكذلك فعل أصحابه ، ولم يفرّقوا بين السادة والأتباع.

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبيّنا محمّد وآله وصحبه وسلم(٢) .

إذاً ، الدليل على تكفير الشيعة هو الفتاوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ، وفيهم ابن باز.

( عبد الله ـ عمان ـ ٢٨ سنة ـ دبلوم )

تأسيسهم للعلوم المختلفة :

س : ماذا قدّم المذهب الشيعي على مدى التاريخ للإسلام من ثقافات؟ العلم والأدب ، والطبّ والشعر ، والفلسفة والفيزياء ، والكيمياء والرياضيات ، وغيرها من العلوم الأُخرى مع ذكر أسماء العلماء ، وشكراً على المساعدة.

____________

١ ـ الأحزاب : ٦٧ ـ ٦٨.

٢ ـ فتاوى اللجنة الدائمة ٢ / ٣٧٦.

١٠٥

ج : لا يخفى أنّ لعلماء الشيعة السبق على غيرهم من الطوائف الإسلامية في تأسيس كثير من فنون العلوم الإسلامية ، نذكر في هذا المجال بعض مشاهير الشيعة في كُلّ علم ، مع مراعاة الأقدم منهم فالأقدم.

١ ـ علم النحو : أوّل من أسّس هذا العلم هو أبو الأسود الدؤلي ، وهو من كبار التابعين الشيعة.

ومن مشاهيره : الخليل بن أحمد إمام البصريين ، محمّد بن الحسن الرواسي إمام الكوفيين ، حمران بن أعين أخو زرارة بن أعين ، الفرّاء يحيى بن زياد ، أبو العباس المبرّد ، الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو بكر الخوارزمي.

٢ ـ علم الصرف : أوّل من أسّس هذا العلم هو معاذ بن مسلم الهراء ، وهو من كبار الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو الفتح عثمان بن جنّي ، أبو جعفر الطبري ، الشيخ أحمد بن علي الماه آبادي ، محمّد بن الحسن الاسترآبادي الغروي.

٣ ـ علم اللغة : أوّل من أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبان بن تغلب ، ابن السكّيت ، أبو بكر بن دريد الأزدي ، الصاحب بن عبّاد ، محمّد بن سلمة اليشكري ، أبو الفضل الصابوني ، محمّد ابن يحيى بن محمّد الأرزني.

٤ ـ علم المعاني والبيان والبديع : أوّل من أسّس هذا العلم الإمام المرزباني أبو عبد الله محمّد بن عمران ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، الشيخ حسام الدين المؤذني ، الشيخ يحيى بن أحمد الكاشي ، صفي الدين الحلّي ، الشيخ إبراهيم ابن علي العاملي.

١٠٦

٥ ـ علم العروض : أوّل من أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبو عثمان المازني ، السيّد أبو الرضا فضل الله ضياء الدين الراوندي الحسين ، الشيخ أبو المحاسن شهاب الدين يوسف ، الشيخ عبد علي ابن رحمة الحويزي.

٦ ـ فنون الشعر وطرائقه :

ومن مشاهيره : النابغة الجعدي حبّان بن قيس المضري ، لبيد بن أبي ربيعة العامري ، الفرزدق ، الكميت الأسدي ، السيّد الحميري ، سفيان بن مصعب العبدي ، دعبل الخزاعي ، المفجّع ، ابن الرومي ، السيّد الشريف الرضي ، السيّد المرتضى ، أبو الحسين المهيار ، أبو الطيّب المتنبّي.

٧ ـ التاريخ والسير : أوّل من أسّس علم السير والآثار ، هو عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من خيار الشيعة.

وأوّل من أسّس علم المغازي ـ مغازي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته ـ هو محمّد بن إسحاق المطلبي.

وأوّل من أسّس علم الرجال ، هو أبو محمّد عبد الله بن جبلة الكناني.

وأوّل من صنّف في علم الفرق في الإسلام ، هو الحسن بن موسى النوبختي.

٨ ـ علم الحديث : أوّل من جمع الحديث النبوي في الإسلام ودوّنه ، هو أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أوّل من صنّف في الآثار ، هو سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفاري ، الأصبغ بن نباتة ، سليم بن قيس الهلالي ، ميثم التمّار ، جابر بن يزيد الجعفي ، زيد الشهيد ، زرارة بن أعين ، الشيخ الكليني ، الشيخ الطوسي ، الشيخ المجلسي ، الفيض الكاشاني ، الحرّ العاملي ، النوري الطبرسي.

٩ ـ علم الدراية : أوّل من دوّن في علم دارية الحديث ، هو أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، السيّد ابن طاووس ، الشيخ البهائي.

١٠٧

١٠ ـ علم الفقه : أوّل من دوّن في علم الفقه علي بن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن مشاهيره : سعيد بن المسيّب ، علي بن حمزة البطائني ، إبراهيم بن محمّد الثقفي ، صفوان بن يحيى البجلي ، علي بن أحمد الكوفي ، ابن الجنّيد ، ابن أبي عقيل ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي.

١١ ـ علم أُصول الفقه : أوّل من صنّف في مسائل علم أُصول الفقه ، هو هشام بن الحكم.

ومن مشاهيره : أبو سهل النوبختي ، ابن الجنيد ، ابن داود ، الشيخ المفيد ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي ، العلاّمة الحلّي ، المحقّق الحلّي.

١٢ ـ علوم القرآن : أوّل من وضع نقط المصحف ، هو أبو الأسود الدؤلي.

وأوّل من صنّف في القراءة ودوّن علمها ، هو أبان بن تغلب.

وأوّل من صنّف في فضائل القرآن ، هو أُبي بن كعب.

وأوّل من صنّف في مجاز القرآن ، هو الفرّاء يحيى بن زياد.

وأوّل من صنّف في أحكام القرآن ، هو محمّد بن السائب.

وأوّل من صنّف في علم تفسير القرآن ، هو سعيد بن جبير.

١٣ ـ علم الكلام : أوّل من ناظر في التشيّع ، هو الكميت بن زياد.

وأوّل من صنّف في علم أُصول العقائد ، هو علي بن إسماعيل بن ميثم التمّار.

١٤ ـ علم الأخلاق : أوّل من صنّف في علم الأخلاق ، هو إسماعيل بن مهران السكوني.

نكتفي بهذا المقدار ، وللمزيد راجع كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيّد حسن الصدر.

١٠٨

( البحرين ـ سنّي ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة )

يتأثّرون بالقرآن ويخشونه :

س : العجيب أنّنا نرى الشيعة وصل بهم الغلوّ في آل البيت بحيث يبكون حين يقرأ عليهم أبيات شعر في عزاء علي أو الحسين أو فاطمة ، ولم ترهم يتأثّرون حين تقرأ آيات من القرآن الحكيم؟ بالرغم من أنّ الله تعالى يقول : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا له مِنْ هَادٍ ) (١) .

وقال سبحانه : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) ، فجميعنا نحبّ آل البيت ، ولكن لا يعني أنّنا نصرف الدعاء لهم؟

ج : ادعاؤك بأنّ الشيعة غلاة لأنّهم يبكون على مصائب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يبكون من ذكر الله تعالى ، فهذا بهتان مبين وفرية علينا.

فإنّ أكثر الشيعة على مرِّ التاريخ متمسّكون بالثقل الأكبر القرآن الكريم ، ويتبعونه ويقدّسونه ، ويستشهدون بآياته على جميع مسائل الشريعة ، ويتعاهدون قراءته ، ويخشعون عند سماعه ، وهم أشدّ حبّاً لله ولكلامه.

وهذا أمر قلبي لا يعلمه إلاّ الله ، ولم يكونوا يوماً ممّن يتباكون بالدموع فقط ، وعلى الصوت الجميل القريب من الغناء يدغدغ المشاعر ، ويسمّوا أنفسهم خاشعين باكين من خشية الله تعالى ، وكُلّ ذلك مجانب للصواب ، وإنّما العبرة والصواب والمأمور به هو الخشوع والخشية والتأثّر والتقوى والهداية ، التي تنشأ من التدبّر في القرآن ، وليس صبّ الدموع المزعوم فقط.

____________

١ ـ الزمر : ٢٣.

٢ ـ الحشر : ٢١.

١٠٩

قال تعالى :( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (١) ، وقوله عزّ وجلّ :( أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (٢) ، وقوله تعالى :( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا له مِنْ هَادٍ ) (٣) فالخشوع هو الاحتياج والانكسار لله تعالى والإذعان للحقّ ، وكذلك الخشية بمعنى الخوف والتقوى التي يلزم منها الإذعان للحقّ.

فالخشوع والخشية قلبية ، وهذا العمل القلبي مطلوب وممدوح لأنّه ملازم للتقوى والإذعان للحقّ والهداية ، أمّا البكاء فهو تعبير ظاهري عن الخشية والخشوع وهو غير ملازم لها ، لأنّه قد يكون مفتعلاً ، وقد يكون لسبب آخر ، وقد يكون آنياً وقتياً ، وقد يكون صادقاً ، ولكن صاحبه في ضلال مبين ، كالخوارج أو النواصب ، أو المشرك أو المبتدع ، فبالتالي لا يجوز الحكم على الفرقة ، أو الشخص عن طريق البكاء ، بأنّه على صواب أو خطأ ، فلا تلازم في ذلك.

( ـ ـ سنّي )

ليسوا هم قتلة الحسينعليه‌السلام :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

يطرح سؤال مهمّ : من قتلة الحسين؟ أهم أهل السنّة ، أم معاوية ، أم يزيد بن معاوية ، أم من؟ إنّ الحقيقة المفاجئة أنّنا نجد العديد من كتب الشيعة تقرّر وتؤكّد أنّ شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين.

____________

١ ـ محمّد : ٢٤.

٢ ـ الزمر : ٢٢.

٣ ـ الزمر : ٢٣.

١١٠

فقد قال أبو جعفر الباقر : « ثمّ بايع الحسينعليه‌السلام من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثمّ غدروا به وخرجوا عليه ، وبيعته في أعناقهم وقتلوه »(١) .

والحسين يناديهم قبل أن يقتلوه : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم حين استصرختمونا ولهين ، فاصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً أوليائكم ، ويداً على أعدائكم »(٢) .

ثمّ ناداهم الحرّ بن يزيد أحد أصحاب الحسين ـ وهو واقف في كربلاء ـ فقال لهم : « أدعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر »(٣) .

ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه : أنّه لمّا دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال : « هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا »؟(٤) أي من قتلنا غيرهم.

هذه الأشياء ليس من تفسيري بل علماء السنّة يقولون هكذا ، هل هذا صحيح؟

ج : كأنّك هنا تريد أحد أمرين أو كلاهما معاً :

الأوّل : إنّ شيعة الحسينعليه‌السلام هم قتلته ، وهم الذين يبكون عليه.

الثاني : إنّ قتلة الحسينعليه‌السلام هم الشيعة فلا ربط لذلك بيزيد وبني أُمية ، وبالتالي كُلّ ما ورد من ذمّ لا يعود لابن زياد ، وابن مرجانه ، وعمر بن سعد ، ويزيد بل يرجع على الشيعة.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٣.

٢ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٤.

٣ ـ الإرشاد ٢ / ١٠٠.

٤ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٤٥.

١١١

ونأتي لمعالجة القضيتين ، أمّا الأُولى فنقول : هذه المقولة قديمة جدّاً وليست جديدة ، ومثلها مقولة معاوية بن سفيان حينما قتل عمّار بن ياسر ، حيث كان معلوماً لدى العموم أنّ الفئة الباغية هي التي تقتل عمّار بن ياسر ، فبعد مقتل عمّار تبيّن للناس أنّ معاوية وحزبه بغاة ، وليسوا على حقّ موهوم ، وهو دم عثمان فضلاً عن حقّ واقعي ، فأطلق معاوية مقولته المشهورة : لم نقتله نحن ، بل قتله من جاء به ، وهو علي بن أبي طالب ، فقلب الأمر ظهراً على عقب ، وجعل علياً هو قاتل عمّار ، وبالتالي يكون علي بن أبي طالبعليه‌السلام ـ والعياذ بالله ـ هو الباغي ، طبقاً لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يكون على حقّ ، إذ ذلك لازم لمقولة معاوية.

وقد ردّ علماء السنّة وحتّى السلفية على معاوية مقولته هذه ، وحكموا ببطلانها(١) .

ومن المعلوم أنّ الكوفة من الحواضر الإسلامية المستحدثة ، والتي فتحت متأخّراً ، وكان مكانها من اليهود والنصارى كثير كما يذكر الطبري وغيره.

وكان إحدى تشكيلتها السكّانية هم المسلمون ، وهؤلاء المسلمون جديدو عهدٍ بالإسلام ، لا يعرفون بعد النبوّة فضلاً عن الإمامة ، وقد تولّى عليها حكّام من طرف الخليفة عمر ، وربّاهم على التربية العمرية ، بحيث إنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام عندما أراد منعهم من صلاة التراويح ، صاحوا جميعاً في المسجد : وا عمراه ، واضطر إلى الاصطدام معهم(٢) .

____________

١ ـ سبل السلام ٣ / ٢٥٨ ، أحكام القرآن للجصّاص ٣ / ٥٣٢ ، المناقب : ٢٣٤ ، مسند أحمد ٢ / ١٦١ و ٤ / ١٩٩ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٤٢٥ ، أنساب الأشراف : ٣١٧.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣.

١١٢

وتولّى أمرتها أبو موسى الأشعري المعروف بالعداء لعليعليه‌السلام ، فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري : « أنّ علي بن أبي طالب حينما خرجت عليه عائشة في واقعة الجمل ، أرسل إلى أبي موسى الأشعري أن يدعوا الناس للخروج مع عليعليه‌السلام ، فأبى وثبّط عزائم الناس حتّى اضطر عليعليه‌السلام إلى عزله »(١) .

وبعد أن قدم الإمام عليعليه‌السلام الكوفة سعى بكُلّ جهده إلى أن يفهّمهم الإسلام ، فضلاً عن الإمامة ، وقد ذكر ذمّهم في كثير من خطبه ، ولمّا استشهدعليه‌السلام تولّى خلافة الكوفة المغيرة بن شعبة من قبل معاوية ، وأخذ يربّي الناس على بغض علي وآل علي ، إلى أن أوصل بهم الأمر إلى أن يسبّ علياً على المنبر علناً ، ويأمر أولياءه بالسبّ(٢) .

في ظلّ هذه الأجواء تصل الأُمور إلى يزيد ، ويبلغ الظلم أوجه ، إذ تصل الخلافة إلى مستوى الطلقاء ، وهم بنو أُمية ، ثمّ تصل إلى دعي من أدعياء الطلقاء ، وهو يزيد ذو التربية النصرانية ، التي لا تعرف معنى الإسلام ، فضلاً عن حقوق المسلمين ، وفي ظلّ هذه الأُمور يرسل يزيد إلى الحسينعليه‌السلام أن بايعني ، فيأبى الحسين ويخرج إلى العراق ، فيكتب يزيد إلى عامله على الكوفة عبيد الله بن زياد : إنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلى زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلاد ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد(٣) ، وصرّح بوثاقة رجاله.

والإمام الحسينعليه‌السلام عندما رفض البيعة دعا إلى إقامة العدل والحقّ ، وأطلق كلمته المشهورة ـ والصحيحة سنداً ـ إذ قال : « قد نزل ما ترون من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، وانشمر حتّى لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، إلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا

____________

١ ـ فتح الباري ١٣ / ٤٨.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١.

٣ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٣.

١١٣

يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما »(١) .

فعقد العزم سيّد الشهداءعليه‌السلام للخروج على حكم الطلقاء ، ودعا الناس إلى ذلك ، وأجاب من أجاب ، وأبى من أبى ، وممّن بعث إليه بالنصرة قسم من أهل الكوفة ، فأرسلوا إليه على أن يقدم عليهم ، والحسينعليه‌السلام كان عازماً على الخروج ، سواء بايعته الناس على النصرة أو لا ، ودليل ذلك أنّه بعد أن خذلوه لم يتراجع ، لأنّ قولته المتقدّمة «والحياة مع الظالمين إلاّ برما » لم يغيّرها خذل الخاذلين ، وتراجع بعض من المبايعين.

ثمّ أنّ أهل الكوفة ، هذا المجتمع الخليط من المسلمين والنصارى واليهود ، وصاحب التركيبة الاجتماعية الغريبة ، لما مرّ عليه من حكم القرآن المتمثّل بعليعليه‌السلام ، وحكم الجاهلية المتمثّل بمعاوية وخليفته المغيرة بن شعبة ، ثمّ جاء يزيد وسلّط عليه عن أصلاب الأدعياء ، وهو عبيد الله بن زياد بن أبيه ، فهذا المجتمع عندما نريد أن نحكم عليه بأنّه شيعي ، وبايع الحسين وخذله ، لابدّ أن تتوفّر فيه أوّلاً : كونه شيعياً ، وثانياً : كونه بأجمعه خذل الحسينعليه‌السلام .

أمّا القضية الأُولى وهي كونه شيعياً : فالشيعي له اصطلاحان لغوي وشرعي ، اللغوي يعني الناصر( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) (٢) ، أي من أنصاره وأعوانه ومن المؤازرين له ، والمعنى الاصطلاحي : يعني من يعتقد بأحقّية علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالخلافة ، وأنّه الخليفة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مخاطباً علياً : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه » الحديث المتواتر الذي صرّح بتواتره الشيخ محمد ناصر الدين الألباني(٣) ، وغيره من العلماء.

____________

١ ـ المصدر السابق ٩ / ١٩٢ ، المعجم الكبير ٣ / ١١٤ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢١٧ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٠ ، تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٠٥ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٧٠.

٢ ـ الصافات : ٨٣.

٣ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٤٤.

١١٤

فمن بايع الحسين؟ ولم ينصره؟ وخرج عليه في جيش يزيد ، أي معنىً من معاني الشيعي يصدق عليه؟ هل يصدق عليه المعنى اللغوي ، أو المعنى الشرعي ، أو كليهما؟

والجواب : إنّه لا يصدق عليه أي معنىً من المعنيين ، وذلك لأنّ المعنى اللغوي أُخذ فيه النصرة والمؤازرة ، وهؤلاء لم ينصروا ولم يؤازروا ، وإنّما وعدوا الحسينعليه‌السلام بالنصرة ، ولم يفوا بالوعد ، وهذا ليس نصرة ، وإنّما وعد بالنصرة ، والنصرة هي المؤازرة والمعاونة ، فأيّ تشيّع لغوي يصدق عليهم؟ وهذا من المغالطات التي يستخدمها السلفية لنصرة الطلقاء وأبناء الأدعياء ، ويقولون : الشيعة هم قتلوا الحسينعليه‌السلام ، مع أنّ هؤلاء لا يصدق عليهم التشيّع بجميع معانيه ، لأنّه لم ينصر ولم يؤازر ، وإنّما وعد بالنصر والمؤازرة ولم يفِ.

وأمّا المعنى الشرعي للتشيّع ، فلا يصدق عليه ، إذ متى اعتقدوا بالنصّ على خلافة الحسينعليه‌السلام ، ومتى صرّحوا بذلك؟! وهم النصرة والمؤازرة لا تصدق عليهم ، فكيف يصدق عليهم الولاء والاعتقاد بخلافة الحسينعليه‌السلام ؟!

أضف إلى ذلك أنّ مسلم بن عقيل حين ورد الكوفة ، ودعا الناس إلى الحسينعليه‌السلام ، واجتمع حوله من اجتمع ، وكان الوالي عليها من قبل يزيد النعمان ابن بشير ، فلم يبادر إلى المنع ، وكان جاسوس يزيد مسلم بن سعيد الحضرمي ، فكتب إلى يزيد بن معاوية ما يجري في الكوفة ، وموقف النعمان بن بشير ، فبعث يزيد بكتاب إلى عبيد الله بن زياد ، وكان واليه على البصرة في ضمّ ولاية الكوفة له ، وأمره بأن يقتل مسلم بن عقيل ، ويترصّد الحسينعليه‌السلام ومحاربته ، وجاء عبيد الله بن أبيه الكوفة ، وتوعّد أهلها بالقتل ، وقتل وسجن من لم يرجع ، أي الشيعة الثابتين(١) .

____________

١ ـ أُنظر : فتح الباري ٧ / ٧٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٦٦ ، أنساب الأشراف : ٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ١٨ / ٢٩٥ ، الثقات ٢ / ٣٠٩ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٢٥ ، الإصابة ٢ / ٧٠.

١١٥

ومن ذلك نعرف أن أهل الكوفة ، ممّن وعد نصرة الحسينعليه‌السلام ، إمّا تخاذل ولم يفِ بوعده ، وهذا ليس شيعياً لا بمعناه اللغوي ولا الشرعي كما هو واضح ، وإمّا تعرّض للقتل أو السجن وهذا معروف حكمه ، وإمّا وعد بنصره لكنّه من بطش عبيد الله بن زياد انقلب وخرج مع جيش يزيد لقتل الحسين ، فهذا يبرأ منه التشيع لغة وشرعاً.

فهذه المقولة وهي : أنّ الشيعة هم قتلة الحسين لا أساس لها من الصحّة ، وإنّما يلهج بها نابتة الطلقاء والأدعياء نصراً لآبائهم ، وسيراً على منهجهم في قتل آل البيت ، وعترتهم الطاهرة ، التي هي عدل القرآن ، المأمورين باتباعها.

( البحرانية ـ البحرين ـ ١٨ سنة ـ طالبة ثانوية )

لغة واصطلاحاً وتاريخاً :

س : ما هو المقصود بالتشيّع؟ ومن هم الشيعة؟

ج : إنّ معنى الشيعة لغة كما ورد في كتب اللغة : شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره ، والفرقة على حدة ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنّث ، وقد غلب هذا الاسم على من يتولّى علياً وأهل بيتهعليهم‌السلام حتّى صار اسماً لهم خاصّاً.

قال الشيخ السبحاني : « الشيعة لغة هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم ، يقال تشايعَ القوم إذا تعاونوا ، وربّما يُطلق على مطلق التابع ، قال تعالى :( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (١) .

وأمّا اصطلاحاً : فتطلق على من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمّة الناس بعده ، نصبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه »(٢) .

____________

١ ـ الصافات : ٨٣ ـ ٨٤.

٢ ـ بحوث في الملل والنحل ٦ / ٧.

١١٦

وقال السيّد محسن الأمين : « وكانت هذه اللفظة تقال على من شايع علياًعليه‌السلام قبل موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده »(١) .

أمّا تاريخ الشيعة والتشيّع ، فقال عنه السيّد الأمين : « وسواء أكان إطلاق هذا الاسم عليهم يوم الجمل أم في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بعد يوم الجمل ، فالقول بتفضيل عليعليه‌السلام وموالاته الذي هو معنى التشيّع كان موجوداً في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستمر بعده إلى اليوم »(٢) .

وأمّا الشيخ السبحاني فقال عنه : « وأمّا تاريخاً : والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة ، هم الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة ، ولم يغيّروه ولم يتعدّوا عنه إلى غيره ففزعوا في الأُصول والفروع إلى علي وعترته الطاهرة »(٣) .

فليس للتشيّع تاريخ وراء تاريخ الإسلام ، ولا للشيعة أُصول سوى أنّهم رهط من المسلمين الأوائل في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن جاء بعدهم عبر القرون ، وجاء في مدح هذه التسمية ما رواه أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال : «ليهنئكم الاسم » ، قلت : وما هو جعلت فداك؟ قال : «الشيعة » ، قلت : إنّ الناس يعيّروننا بذلك ، قال :أمّا تسمع قول الله : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) وقوله : ( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) (٤) .

والشيعة فرق ومذاهب شتّى ، فمنها نحن الإمامية الاثنا عشرية ، ومنها : الزيدية والإسماعيلية ، والواقفية والفطحية ، والكيسانية والناووسية ، وغيرهم ، فإذا أطلق لفظ الشيعة أو الرافضة أو الإمامية فإنّما يقصدون الطائفة

____________

١ ـ أعيان الشيعة ١ / ١٨.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٩.

٣ ـ بحوث في الملل والنحل ٦ / ١٠٢.

٤ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢٢٣.

١١٧

المنصورة ، والفرقة الناجية الإمامية الإثنى عشرية ، أوّل أئمّتهم أمير المؤمنين ونفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبو سبطي وريحانتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّدا شباب أهل الجنّة ، علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام ، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئت ظلماً وجَوراً.

( محمّد الشوحة ـ الأردن ـ ٢٦ سنة ـ طالب جامعة )

لا توجد فيها المفضّلة :

س : ماذا يقصد الوهّابية بقولهم : إنّ المفضّلة من الشيعة هم معتدلون أقرب للسنّة ، وعليه من هم هذه الفئة من الشيعة؟

ج : إنّ مذهب التشيّع مذهب عريق وأصيل ، ويحاول المشكّكون والمخالفون النيل منه بشتّى الوسائل ، ومنها ما ذكرته ، وغيره من التشكيكات في أصل نشأة التشيّع ، مستغلّين بعض الوسائل التي يستخدمها الشيعة في الحفاظ على كيانهم ووجودهم ، كمسألة التقية التي حوفظ من خلالها على المذهب بعدم التصريح بالمعتقد ، وبعض الاختلافات مع العامّة في الفروع ، ممّا جعلهم يستغلّون ذلك في النيل من أيّ شخص يصرّح ببعض ذلك ، أو قيامهم بالتفكيك بين الشيعة وجعلهم طوائف متعدّدة ، بسبب بوح شخص بمسألة وبوح آخر بغيرها ، وهكذا حتّى جعلوا للشيعة عشرات الفرق حسب ذلك.

وهذه الفرقة ـ المفضّلة ـ هي إحدى الفرق المختلقة منهم ، للتشكيك بتكامل مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث جعلوا بعض الشيعة يفضّلون عليّاً على أبي بكر وعمر فحسب ، وبعضها يفضّله على عثمان فقط ، وبعضهم كابن سبأ ـ وفي حقيقته ونسبته إلى الشيعة كلام كثير ـ يسبّ الشيخين ويتبرّأ منهما ، ويؤمن بأنّ الخلافة في علي وبنيه ، وبعضهم كجابر الجعفي يؤمن بالرجعة فقط ، وآخر يؤمن بالبداء فقط ، وآخر يغلو في علي ويعبده ، وهكذا دواليك.

١١٨

فكُلّ هذه المحاولات لإضعاف المذهب أوّلاً ، ولتشويهه والحطّ منه ومن معتنقيه ثانياً ، ولإضاعة المذهب بين فرق متعدّدة غير واضحة ، لكُلّ فرقة مسألة واحدة ، أو مسألتين يشذّون فيها عن بقية المسلمين ، حتّى لا يُعبأ بهم ولا يُلتفت إليهم ، وبالتالي لا يكون هنالك مذهب متكامل أصيل يجسّد التمسّك بأهل البيت ، كما أمر بذلك النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الثقلين وغيره.

فنطالبهم بذكر أسماء المفضّلة لعليعليه‌السلام على الشيخين ، وعددهم وإثبات كونهم شيعة وأتباع علي ، وأنت تنقض كلامك بأنّ علياًعليه‌السلام كان ينكر ذلك ، ويقيم عليهم الحدّ ، فأتني بشخص واحد فقط أقام عليعليه‌السلام عليه الحدّ بسبب تفضيله على الشيخين ، أُنظر كيف كذّبوا على أنفسهم ، وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.

( كامل غني عزيز العبيدي ـ العراق ـ ٤٥ سنة ـ خريج إعدادية )

لا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة :

س : لماذا الشيعة دائماً مظلومين وغير مرغوب بهم في بعض المجالات؟ هل لأنّ الإمام علي عليه‌السلام كان غير مرغوب فيه؟ أم لأنّ الشيعة أخذوا البساطة من الإمام علي عليه‌السلام ؟ أم ما هو السبب؟

ج : الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يكن بسيطاً أو ساذجاً ـ حاشاه ـ بل هو اعلم وأحكم وأشجع الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نعم كان غير مرغوب به لأنّه صاحب حقّ ، وينادي بالحقّ ، ويطبّق الحقّ في جميع المحافل وعلى أعلى المستويات.

وكان كحال أبي ذررضی‌الله‌عنه حين قال : إنّ قول الحقّ لم يدع لي صديقاً.

وكذلك لكون أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته أيضاً مخالفين لهم ، ولديهم من الفضائل والعلم والتميّز على أقرانهم والحظوة والاحترام في داخل المذهب ، فهم محسودون ويتمنّى مخالفوهم زوال ذلك عنهم إليهم ، فيقومون دائماً بسحب البساط

١١٩

من تحت أقدام الشيعة ، وكذلك يقومون بتفضيل أنفسهم والتعالي علينا من دون أيّ سبب أو دليل من أجل حطام الدنيا ، وكما فعل ذلك من قبل معاوية ويزيد.

وكذلك فإنّ الإمامعليه‌السلام وشيعته لا يظلمون ولا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة ، وكما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنّه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ولكن كُلّ غدرة فجرة ، وكُلّ فجرة كفرة ، ولكُلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة ، والله ما أستغفل بالمكيدة ، ولا أستغمز بالشديدة »(١) .

والأوضاع الآن خير دليل على حقيقة ذلك وواقعه من قبل شيعة عليعليه‌السلام ، فموقف الشيعة عموماً والمرجعية خصوصاً كان ناصعاً كالشمس في رابعة النهار في بثّ روح التسامح والتآخي والتعاون ، ونسيان الآلام التي كان بعض مخالفيهم يسومونهم منها سوء العذاب ، فاستبدلوا الانتقام بالعفو والنسيان ، وأبدلوا خوفهم بالأمان.

فكانوا خير من طبّق قاعدة العفو عند المقدرة ، والحديث في هذا المجال ذو شجون ويبكي العيون ، ولكنّنا نقتصر على النزر اليسير الذي ذكرناه ، لعلّه يكفي في هذه العجالة.

( ـ ـ )

الاستبصار عمل يثاب عليه :

س : هل ترك أحد المذاهب والتشيّع وموالاة أهل البيت والتأسّي بهم يثاب عليه الإنسان ، أو أنّه يعاقب؟ وشكراً.

ج : إنّ التحوّل إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام عمل كبير يثاب عليه المستبصر أعظم الثواب ، وينال من الجزاء أعظم الجزاء ، لأنّه عمل يصحّح للإنسان أعماله ، ويتقبّل الله أعماله بذلك العمل أحسن القبول ، أمّا الأعمال السابقة

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢١١.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأقول مجيباً : أنّ المسافة ليست قريبة أبداً ، فبعض الروايات تذكر أنّ البعث كان بعد ثلاثة أيّام ، والأكثر تؤكّد بأنّ علياً لحق بهم عند الجحفة ، والجحفة أقرب إلى مكّة منها إلى المدينة

وكذلك لم تذكر أية رواية ـ ولو ضعيفة أو موضوعة ـ بأنّ أبا بكر قد رجع والتحق بالبعثة ، بل هناك رواية صحيحة وصريحة تؤكّد إرجاع أبي بكر بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فوراً

عن أبي بكر نفسه : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ببراءة لأهل مكّة ، لا يحجّ بعد العام مشرك قال : فسار بها ثلاثاً ، ثمّ قال لعليعليه‌السلام ألحقه فَرُدّ عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت ، قال : ففعل ، فلمّا قدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر قال : يا رسول الله ، حدث فيّ شيء ؟ قال :« ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أُمرت ألا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي » (١)

قال ابن حجر : « في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله ثقات »(٢)

٧ ـ أمّا ما ذكروه من علّة إرسال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً بدلاً عن أبي بكر ـ من عادة العرب عند نقض العهود ، بأن يأتي نفس من تعاهد معهم ، أو قريبه لنقض العهد المبرم ـ فباطل ومردود من وجوه منها :

أ ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أعلم بهذه العادات وغيرها ، فكم من مشكلة تدخّل بحلّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكم من مشكلة رآها وصادفها ، بل كم من حديث يذكر فيها للصحابة عادات الجاهلية وأعرافهم لاسيّما الحسنة منها لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق » (٣) ، فلولا علمه بأخلاق وعادات وتقاليد العرب في زمنه ______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣ ، مسند أبي يعلى ١ / ١٠٠ ، كنز العمّال ٢ / ٤١٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٧ ، جواهر المطالب ١ / ٩٧

(٢) مجمع الزوائد ٣ / ٢٣٩

(٣) الجامع لأحكام القرآن ٧ / ٣٤٥ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٥٠٥ و ٧ / ٦ ، لسان العرب ١٠ /
٨٧ ، كشف الخفاء ١ / ٢١١ .

١٨١

وغير زمنه لما قال :« لأتمم » ، فإتمامها يدلّ على إقرارها والاعتراف بها ، وهو فرع معرفتها والعلم بها ، فلماذا لم ينتبه لذلك منذ البداية ؟ وكذلك أبو بكر ، فهو عربي وكبير السنّ ، فكيف غابت عنه تلك الأعراف والتقاليد ، حيث بعثه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! بل لو سلّمنا عدم معرفتهما لذلك أو نسيانهما ، فكيف استغرب واستهجن عزله عن تلك المهمّة معترضاً سائلاً : أنزل فيّ شيء ؟

وكذلك لم يخبر عليعليه‌السلام ولا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه العادة ، ليطيب خاطره ، بل أخبره بأنّ العزل إلهي لا عرفي ولا جاهلي !!

ب ـ إنّ الروايات جميعاً ذكرت تبليغ آيات براءة ، وليس في شيء من القرآن أو الروايات نقض لعهد سابق ، بل كلّ الروايات تشير إلى أنّ المهلة المحدّدة في القرآن بأربعة اشهر ، كانت لمن كان عهده لأقلّ من تلك المدّة ، أو لمن لا عهد له مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا من كان عهده يطول عن تلك المدّة فعهده إليها ، فالبعث كان لتأكيد العهود واحترامها لا نقضها ، فأين نقض العهد الذي يستدعي أن يحضر من عقده أو قريبه ؟!

ج ـ هنالك من هو أقرب من علي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نسباً ووجاهة عند قريش ، كعمّه العباس وعقيل وغيرهما ، فلماذا أرسل علياً ؟ الذي أعتذر من النبيّ ـ كما في بعض الروايات ـ من عدم قابليته على الكلام بصوت مرتفع بين الناس ، فدعا له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال له :« أمّا أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت » ، فوافق على الذهاب لخوفه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفدائه بنفسه ، وقال :« فإن كان ولابدّ فسأذهب أنا » (١)

وهذا الإصرار من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على علي يؤكّد عدم صحّة ادعائهم ، وخصوصاً أنّ الروايات تؤكّد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :« إلّا أنا أو رجل منّي » ، وقد أكّد مراراً وتكراراً كما روى البخاري وغيره قوله لعليعليه‌السلام :« أنت منّي
______________________

(١) مسند أحمد ١ / ١٥٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٤٦

١٨٢

وأنا منك » ، وكذلك : «ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » ، فهذه المنزلة وهذا الاختصاص لعليعليه‌السلام مع وجود غيره أقرب نسباً ، أو أكبر سنّاً ، أو أكثر قبولاً عند قريش والمشركين ، والإصرار عليهعليه‌السلام ، لابدّ أنّ وراءه سرّاً ومغزى ؟!

د ـ بل هناك روايات تنقل أنّ أبا بكر أرسل أبا هريرة وآخرين يؤذّنون في الناس ، وكان علي يؤذّن معهم ، كما يدّعي أبو هريرة ، فيناوبون معه ، فهل هؤلاء المؤذّنون ـ كأبي هريرة والآخرين الذين أرسلهم أبو بكر ـ أقرب للنبيّ من أبي بكر ؟ وهل يصلحون لذلك أكثر منه ؟ فلماذا عزل إذاً ؟!

٨ ـ وعلى كلّ حال حتّى لو صحّ أنّه ذهب للحجّ ، وأكمل المناسك ، فإنّه لو تنزّلنا وأثبتنا له ذلك فهي ليست فضيلة ، لأنّ ذلك قد ثبت لمن لا فضيلة له ، ولا سابقة في الموسم الذي سبقه ، فقد أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عتاباً بن أسيد ـ الذي أسلم في الفتح ، وكان من الطلقاء ـ على الحجّ عام ثمانية بعد عمرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل هذا يعني أنّ عتاباً أفضل الصحابة ؟ أو أنّه صاحب سابقة وفضيلة ، وأفضل أهل مكّة ؟!

ولو طلبنا منكم الإنصاف والتعامل مع الفضائل على حدّ سواء ، فإنّكم أنتم لا تستطيعون أن تجعلوا هذا البعث فضيلة ، لأنّكم حكمتم سابقاً على فضيلة واضحة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّها ليست كذلك ، وذلك حينما خلّفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة عندما ذهب إلى تبوك ، وقال له :« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (١) ، وقلتم : بأنّ تخليفه على المدينة ليس فضيلة ، لأنّ
______________________

(١) فضائل الصحابة : ١٣ ، شرح صحيح مسلم ١٥ / ١٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٦١ ، مسند أبي داود : ٢٩ ، المصنّف للصنعاني ٥ / ٤٠٦ و ١١ / ٢٢٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ و ٨ / ٥٦٢ ، مسند ابن راهويه ٥ / ٣٧ ، مسند سعد بن أبي وقّاص : ٥١ و ١٠٣ و ١٣٩ ، الآحاد والمثاني ٥ / ١٧٢ ، كتاب السنّة : ٥٥١ و ٥٨٦ و ٥٩٥ و ٦١٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٤ و ١٠٨ و ١١٣ و ١٢٠ و ١٢٥ و ١٤٤ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٨ و ٦٤ و ٧٦ و ٨٠ و ٨٥ و ١١٦ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٨٦ و ٢ / ٦٦ و ٨٦ و ٩٩ و

١٨٣

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد خلّف عليها سابقاً أُناساً عاديين ـ كابن أُمّ مكتوم ـ وجعلتم النصّ المدح له ليس إلّا تطييباً للخاطر ، وأوّلتموه شرّ تأويل ، مع ما ينصّ من عدم الفرق إلّا في النبوّة

أمّا حادثة أبي بكر ، ففيها العزل وأخذ براءة ، وفيها عدم ثبوت حجّته من أصلها ، وفيها أنّ حجَّه كان كحجّ أهل الجاهلية ، وفيها أنّه لم يمدح من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيها أنّه قد حجّ بالناس في السنة الماضية لحجّه أحد الطلقاء ، وكلّ ذلك وأنتم تثبتون الفضيلة ، بل الأفضلية لأبي بكر ، بمثل هذه الأوهام ، وترفضون أيّ فضل لعليعليه‌السلام ، ولو نصّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________________________

١٣٢ و ١٢ / ٣١٠ ، أمالي المحاملي : ٢٠٩ و ٢٥١ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ١٦ و ٣٧١ ، المعجم الصغير ٢ / ٢٢ و ٥٤ ، المعجم الأوسط ٢ / ١٢٦ و ٣ / ١٣٩ و ٤ / ٢٩٦ و ٥ / ٢٨٧ و ٦ / ٧٧ و ٨٣ و ٧ / ٣١١ و ٨ / ٤٠ ، المعجم الكبير ١ / ١٤٨ و ٢ / ٢٤٧ و ٤ / ١٨٤ و ٥ / ٢٠٣ و ١١ / ٦٣ و ١٢ / ١٥ و ٧٨ و ٢٤ / ١٤٦ ، نظم درر السمطين : ١٠٧ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ٥ / ٧٢٤ و ٩ / ١٦٧ و ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٣ و ١٣ / ١٠٦ و ١٥٨ و ١٦٣ و ١٩٢ و ١٦ / ١٨٦ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، كشف الخفاء ٢ / ٣٨٢ ، شواهد التنزيل ١ / ١٩٢ و ٢ / ٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ١ / ٢٦٦ و ٧ / ٢٧٧ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٣ ، الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ٣٠٦ و ٢ / ٣١٥ و ٤١٣ و ٣ / ٢٠٧ و ٤ / ٢٢٩ و ٥ / ١٩٩ و ٦ / ٦٨ و ٢١٦ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٦٣ و ٨ / ٥٢ و ١١ / ٤٣٠ و ١٢ / ٣٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٣١ و ١٣ / ١٥١ و ٢٠ / ٣٦٠ و ٢١ / ٤١٥ و ٣٠ / ٣٥٩ و ٣٨ / ٧ و ٣٩ / ٢٠١ و ٤١ / ١٨ و ٤٢ / ٤٢ و ٥٣ و ١٠٠ و ١١١ و ١١٥ و ١٣٩ و ١٤٥ و ١٥٢ و ١٥٩ و ١٦٥ و ١٧١ و ١٧٧ و ١٨٢ و ٥٤ / ٢٢٦ و٥٩ / ٧٤ و ٧٠ / ٣٥ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٣ و ٢٥ / ٤٢٣ و ٣٢ / ٤٨٢ و ٣٥ / ٢٦٣ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٠ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٦١ و ٧ / ٣٦٢ و ١٢ / ٢١٤ و ١٤ / ٢١٠ و ١٥ / ٤٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، أنساب الأشراف : ٩٤ ، و ١٠٦ ، الجوهرة : ١٤ و ٦٢ ، البداية والنهاية ٥ / ١١ و ٧ / ٢٥١ و ٣٧٠ و ٣٧٤ و ٨ / ٨٤ ، جواهر المطالب ١ / ٥٨ و ١٧١ و ١٩٧ و ٢١٢ و ٢٩٦ ، سبل الهدى والرشاد ٥ / ٤٤١ و ١١ / ٢٩١ و ٢٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ١٥٦ و ١٦٠ و ٣٠٩ و ٤٠٤ و ٢ / ٩٧ و ١١٩ و ١٥٣ و ٢٣٧ و ٣٠٢ و ٣٨٩ و ٣ / ٢١١ و ٣٦٩ و ٤٠٣

١٨٤

« ـ ـ »

لم يأمره النبيّ بالصلاة :

س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول الله من كتب أهل السنّة ؟

ج : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة في تلك الأيّام الثلاثة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى ، ونستدلّ على مدّعانا بأُمور منها :

١ ـ التناقض الشديد في الروايات ، فمرّة تطلب عائشة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأمر عمر بالصلاة وليس أبا بكر ، ومرّة تطلب عائشة من حفصة ذلك ، وأُخرى أنّ أبا بكر طلب من عائشة أن تطلب ذلك وتقوله للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُخرى يؤمر عمر بالصلاة ، فيسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صوته ، فيغضب ويقول :« فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون » (١) ، وأُخرى يقدّم أبو بكر عمر ، فيجيبه عمر : بأنّك أحقّ بها ، ولا يذكر رفض النبيّ لصلاته ، وأُخرى يخرج النبيّ فينظر لهم ويبتسم ويرجع ، وأُخرى يذهب فيصلّي إماماً ، وأُخرى مأموماً خلف أبي بكر ، وهكذا ، فأيّها نصدّق ؟ وهو أمر واحد وحادثة واحدة ، وهذه الأحاديث لا يمكن الجمع بينها ، وكلّها صحيحة عندهم !!

وإجاباتهم عنها بتعدد الأمر والحادثة ، وهذا لا يتلائم ولا يصحّ مهما فعلوا وأوّلوا مع أكثر الروايات ، فمثلاً الرواية التي تذكر إمامة عمر للناس بالصلاة لم يكن أبو بكر موجوداً حينها ، والروايات التي تذكر طلب عائشة وحفصة إمامة عمر بدلاً من أبي بكر لا تذكر أنّ أبا بكر غير موجود ، بل تذكر وجوده وإمامته ، وطلبهن لإمامة عمر إن كان بعد إمامة عمر ، ورفض النبيّ لها ، فذلك لا يعقل ، لأنّ النبيّ أوضح رفضه ، ويكون طلبهن معصية واضحة ، وإن كان طلبهن له قبل إمامة عمر ، فقد بيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جوابه لهن : بأنّ الله
______________________

(١) المحلّى ٤ / ٢١٠ ، مسند أحمد ٤ / ٣٢٢ ، سنن أبي داود ٢ / ٤٠٥

١٨٥

يأبى ذلك والمؤمنون ، فكيف اجتهد عمر في مقابل النصّ ؟ وقام بإمامة الناس بعد نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عدم قبول إمامته للصلاة بالناس

٢ ـ إنكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله على بعض نسائه وهو في تلك الحالة الشديدة إنكاراً لاذعاً ، وهذا يعني فداحة الفعل وخطورته ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهن :« إنّكن صواحب يوسف » (١) ، وهذا التشبيه قال عنه الباجي : « أراد أنّهن قد دعون إلى غير صواب ، كما دعين ، فهن من جنسهن »(٢)

وقال النووي : « قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« صواحب يوسف » أي في تظاهرهن على ما يردن وإلحاحهن فيه ، كتظاهر امرأة العزيز ونسوتها على صرف يوسفعليه‌السلام عن رأيه في الاعتصام »(٣)

وإمّا قول من قال بأنّ وجه المشابهة في إظهار خلاف ما في الباطن أو لكثرة الإلحاح فقط ، فذلك الفعل لا يستحقّ هذا التشبيه وهذا التوبيخ ، وأخلاق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أرفع من أن ينكر على نسائه ويشبههن بنساء عاصيات ، وهو على تلك الحال من عدم استطاعته الخروج للصلاة !! وخصوصاً فإنّ نواياهن وما في الباطن الذي كشفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تبح به إحداهن أبداً ، إنّما كان نية حسنة وليس منكراً أو معصية ، وإنّما هو أمر مشروع بل مستحبّ

والمعروف لدى الجميع ، بأنّ صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف ، ولا مراجعة له أو إلحاح في شيء ، وإنّما افتتن بأسرهن بحبّه ، وأرادت كلّ واحدة منهن مثل ما أرادت صاحبتها فأشبهن حالهن ، ولهذا التفسير شاهد يدلّ عليه ، وهو عن ابن عباس قال : « لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه ، كان في بيت عائشة ، فقال :« أدعو لي علياً » ، قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر ، قال :« أدعوه » ، قالت حفصة : يا رسول الله ندعو لك عمر ، قال :
______________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١٦٢

(٢) تنوير الحوالك : ١٨٨

(٣) المجموع شرح المهذّب ٤ / ٢٤٢

١٨٦

« أدعوه » ، قالت أُمّ الفضل : يا رسول الله ندعو لك العباس ، قال :« أدعوه » ، فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً فسكت

فقال عمر : قوموا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال :« مروا أبا بكر يصلّي بالناس » ، فقالت عائشة : إنّ أبا بكر رجل حصر ، ومتى لا يراك الناس يبكون ، فلو أمرت عمر يصلّي بالناس ، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس ، ووجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ومات في مرضه ذاكعليه‌السلام »(١)

فهذا النصّ للحديث يدلّ قطعاً على حال قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهن :« إنّكن صواحب يوسف » ، فطلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً ، وعدم طاعته في ذلك ، وأنّ كلّ واحدة منهن أرادت ما تحبّ وتريد ، لا ما يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي كلّ واحدة أرادت
لنفسها ما أرادت الأُخرى ، وهذا ما صدر من صواحب يوسف .

أمّا ما أوّله أكثرهم من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد صاحبة يوسف لا الصواحب ، وكذلك قال :« إنّكن » وأراد عائشة ، فهو تحريف واضح ، وخلاف للظاهر ، بل يشهد على بطلانه شاهد واضح ، وهو قول حفصة لعائشة بعد هذا القول من النبيّ : والله ما كنت لأصيبَ منك خيراً

وقال نفس هؤلاء المؤوّلين : لعلّها تذكّرت من عائشة أيضاً مسألة المغافير ، فهذا القول ألا يعني شمولها بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهل فهمت حفصة منه الإلحاح البريء من الطلب ؟ أم التظاهر وطلب الفضل والاختصاص بخلاف إرادة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وصرفه عنها إلى ما يُرِدن

٣ ـ إنكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتلك الصلاة ، والاهتمام ببيان ذلك بوسائل متعدّدة على ما كان يعانيهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ثقل ومرض ، فمرّة يسمع عمر يصلّي فيقول :« فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون » ، ومرّة يسمع أبا بكر يصلّي ، فيخرج يهادى
______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٥٦ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٩١ ، شرح معاني الآثار ١ / ٤٠٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٨٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٨ / ١٨

١٨٧

بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ، ويقولون : وجد في نفسه خفّة ـ فأي خفّة هذه التي لا يستطيع معها لا المشي ولا الوقوف ؟ بل جلس وعزل أبا بكر عن إمامته وبيّن رفضه ـ بسوء حالته وجلوسه مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس » (١)

وتأوّلوا ذلك أيضاً وقالوا : إنّه منسوخ بفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأخير في مرضه ، فهلا بيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك النسخ ، أو فهمه أحد الصحابة ، بل ثبت أنّ أسيد بن حضير ، وجابر بن عبد الله الأنصاري صلّيا بجماعة ، وهم قعود مرضى ، وأمروا جماعتيهما بالجلوس ، واثبتوا الحديث الذي سردناه في وجوب صلاة المأمومين جلوساً أن صلّى الإمام جالساً ، فأيّ بيان بعد هذا يبيّنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله برفضه لإمامة أبي بكر وإبطال صلاته ، كما فعل مع عمر

فقد نقل : أنّهم تفرّقوا عن عمر لمّا سمعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ينكر إمامته ، ونقلوا : أنّ أبا بكر قد أعاد صلاتهم لمّا رجع عن السفح ، الخ

ويشهد لكلامنا قول السندي عند شرحه حديث مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلاته : « واستدلّ الجمهور بهذا الحديث على نسخ حديث إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً وهذا يفيد الاضطراب في هذه الواقعة ، ولعلّ سبب ذلك عظم المصيبة ، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة لا يخلو عن خفاء ، والله تعالى أعلم »(٢)

٤ ـ بعض الروايات تصرّح وبعضها تشير إلى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصدر عنه أمر لأحد معيّن للصلاة بالناس ، فصلاة عمر بالناس بأمر عبد الله بن زمعة لا بأمر
______________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٣٠٠ ، صحيح البخاري ١ / ١٦٩ ، سنن أبي داود ١ / ١٤٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٧٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٢٢٤ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٢٩٢ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٤٧٠

(٢) حاشية السندي على النسائي ٢ / ١٠٠

١٨٨

النبيّ ، وإنّما قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« مر الناس فليصلّوا » (١) ، وكذلك الرواية الأُخرى التي يرويها أحمد عن أنس قال : لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي توفّى فيه ، أتاه بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال بعد مرّتين :« يا بلال قد بلّغت ، فمن شاء فليصل ، ومن شاء فليدع » (٢) ، فجعل روحي فداه بعد تبليغه وإنكاره عليهم ما عقدوه من جماعة بإمامة أبي بكر أو عمر المشيئة لهم بالصلاة ، أو عدم الصلاة ، كما قال تعالى :( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٣)

ويدلّ على إنكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفعلهم وإصراره عليه رواية البخاري عن أنس : « إنّ المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين ، وأبو بكر يصلّي بهم ، ففاجأهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم صفوف ، فتبسّم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظنّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رأوه ، فأشار بيده أن أتمّوا ، ثمّ دخل الحجرة ، وأرخى الستر ، وتوفّي ذلك اليوم »(٤)

ويتّضح منها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في حالة صحّية أفضل من تلك ، وأنّه قام لوحده ورفع الستر ووجه مستنير ، فلماذا لم يخرج ويصلّي جماعة ؟ وقد صلّى قبلها وهو يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ؟! فإن كان هناك حريص على الجماعة كما تزعمون ، فيجب أن يكون هنا أحرص كما هو واضح ، وإن كان بتلك الحالة يقصد التنبيه إلى إنكاره إمامة أبي بكر للناس ، فهنا الدلالة أوضح ، لأنّه يستطيع الصلاة معهم ولم يصل

______________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٣٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٢٦٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٧٥

(٢) مسند أحمد ٣ / ٢٠٢ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨١ ، مسند أبي يعلى ٦ / ٢٦٤ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٤ ، كنز العمّال ٧ / ٢٦٢

(٣) الكهف : ٢٩

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٦٠

١٨٩

وكذلك نكوص أبي بكر ، وافتتان الناس واضطرابهم ، بل يصفهم في رواية : حتّى وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، ولم يفهموا رضا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حالهم كما يزعمون ، وإلّا لما نكص وتأخّر أبو بكر لمّا وجد من قدرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أداء الصلاة ، ولكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن سابقاً ، وأنكر عليهم تلك الصلاة ، وهم بقوا على ما هم عليه مصرّين ، فبيّن لهم إنكار فعلهم بترك الصلاة معهم ، وهو قادر على الأداء ، أرخى الستر ومات من يومهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ؟

ولكلامي هذا شاهد في عزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روى سهل بن سعد الساعدي : « أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغه أنّ بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلح بينهم في أُناس معه ، فحبس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس ؟ قال : نعم إن شئت ، فأقام بلال ، وتقدّم أبو بكر ، فكبّر للناس ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي بين الصفوف حتّى قام في الصفّ ، فأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التفت ، فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأشار إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمره أن يصلّي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ، ورجع القهقرى وراءه حتّى قام في الصفّ ، فتقدّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى بالناس »(١)

فهذا الحديث يدلّ على جرأة أبي بكر في إمامة الناس دون أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو حتّى علمه ، وإنكار النبيّ لفعله واضح من شقّه للصفوف ، وعدم إسكاته للناس حين صفّقوا ، وأكثروا التصفيق بل فهموا كلّهم ، وفهم أبو بكر بأنّ النبيّ هو الذي يجب أن يصلّي ، وأنّه غير راضٍ بهذه الصلاة ، بل استعان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمصلّين في الإنكار على أبي بكر ، ولم يحاول الدخول من بيته كما
______________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٦٩

١٩٠

تعوّد في سائر أحواله ، بل دخل مسرعاً حتّى لا يشغله شاغل في البيت ، ليبيّن إنكاره بصورة مهذّبة كما عوّدنا دائماً

٥ ـ وممّا يكذّب التعيين ويصطدم معه مسألة اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يصلّي هو بنفسه ، وعدم استسلامه للمرض الشديد الذي كان يعانيه ، فقد أُغمي عليه ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرّة يصرّ على الخروج والصلاة بالناس ، ويتوضّأ حتّى يغمى عليه من شدّة المرض ، ولم يترك ذلك حتّى سمع أصواتهم يصلّون ، فخرج وأنكر ، وفعل ما فعل بصلاته ، وخروجه وهو يهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ، وعزله أبا بكر ، بل صلّى قاعداً وبقي المسلمون قائمين ، مع قوله لهم مراراً وتكراراً ، وتطبيقاً :« إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً ، وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس » (١)

وبرّروا هذه المخالفة بقولهم : بأنّ أبا بكر كان مأموماً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والناس يأتمّون بأبي بكر ، وهذه المخالفة وهذا التبرير أسوأ من الذنب ، إذ لا توجد لدينا في الإسلام صلاة ذات إمامين ، بل ثبت أنّ هناك مخالفتين عند المسلمين في تصرّفهم ذاك ، لا يمكن تأويله أو قبوله

فينبغي القول : بأنّ المسلمين اختاروا أبا بكر إماماً برغم إنكار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، كما أنكر إمامة عمر في السابق ، ويأتي أبو بكر بعد ذلك ليقدّمه ، ويجيبه عمر : بأنّك أولى بها منّي ، كما فعلوا في سقيفة بني ساعدة ، حذوَ القذة بالقذةَ ، ويشهد على قولنا هذا ما قاله ابن عمر وابن عباس والإمام عليعليه‌السلام للمسلمين ، حينما كانوا يبلّغون أحكاماً مخالفة للأحكام الصادرة عن الشيخين ، فيقول ابن عباس : « ألا تخافون أن يخسف الله بكم الأرض ، أقول
______________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٣٠٠ ، صحيح البخاري ١ / ١٦٩ ، سنن أبي داود ١ / ١٤٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٧٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٢٢٤ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٢٩٢ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٤٧٠

١٩١

لكم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر »(١)

ويدلّ أيضاً على تفضيلهم أبا بكر وعمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وميلهم لهما ومن دون دليل ، حديث ابن عمر : « كنّا في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا نفاضل بينهم »(٢)

وعن ابن عمر أيضاً : « كنّا نقول في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من يكون أولى الناس بهذا الأمر ؟ فنقول : أبو بكر ثمّ عمر »(٣)

وغيرها من أدلّة وافية كافية تدعم ما ذهبنا إليه من ميلهم وانحرافهم عن أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو أبي بكر وعمر

وأخيراً : فممّا يبطل ذلك الأمر المزعوم هو : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شدّد وأكّد في إنفاذ جيش أُسامة ، وفيه كلّ شيوخ قريش ، حتّى إنّهم اعترضوا كيف يولّي فتى لم يبلغ مبلغ الرجال على شيوخ قريش ؟ واعترضوا وأبوا أن يخرجوا ، وقرعهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مريض يشتكي رأسه ، فخرج معصوب الرأس ، مرتقياً المنبر رادّاً عليهم ، فعن ابن عمر قال : أمّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسامة على قوم ، فطعنوا في إمارته ، فقال :« إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة » (٤)

وهذا الحديث يبيّن أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يخرج الجميع سوى أهل بيته نفيراً عامّاً ، وأمّر عليهم فتى صغيراً ، وكلّ ذلك قبل أن يمرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّهم
______________________

(١) الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٢ / ١٤٨ و ٤ / ٥٨١ و ٥ / ٦٥٠ ، ١١ / ٣٥٥ ، مسند أحمد ١ / ٣٣٧ ، الشرح الكبير ٣ / ٢٣٩ ، المغني لابن قدامة ٣ / ٢٣٩ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٣٧ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٤٣

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٠٣ ، فتح الباري ٧ / ١٤ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٣٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ١٤٨

(٣) فتح الباري ٧ / ١٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٢٨٧

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٨٤ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٥٣٥ ، مسند أحمد ٢ / ٢٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣١

١٩٢

اعترضوا وأبوا الخروج والانقياد لعبد أسود صغير السنّ ، فمرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يخرجوا ، فأخّروا أنفسهم كثيراً ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يزداد مرضه ، وهو يستصرخهم :« جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه » (١) ، حتّى خرجوا ورجعوا ، وخرجوا وعسكروا قريباً من المدينة ، ثمّ أصرّوا على المعصية ، وحدث ما حدث من رجوعهم وتركهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجّى ، وذهبوا ليتآمروا في السقيفة

فهذه أحوالهم وهذه طاعتهم ، فانظر بإنصاف لقضية الصلاة وبعث أُسامة ، فسترى ما فيهما من تشابه ، وقارن بين إرادة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإرادة البعض من المسلمين

ولنا هنا أن نسأل : كيف يأمر النبيّ أبا بكر بالصلاة وهو يعلم أنّه بعثه في جيش أُسامة ؟! ثمّ كيف يكون أبو بكر في المدينة ليؤمّ المسلمين في المسجد ، وهو خارجها معسكراً في سرية أُسامة ؟!

______________________

(١) الملل والنحل ١ / ٢٣

١٩٣
١٩٤

أبو طالب :

« اللواتي ـ عمان ـ »

هو الحجّة قبل النبيّ :

س : يقول المعصومعليه‌السلام : « لولا الحجّة لساخت الأرض » ، ومن المعلوم أنّ الحجّة في يومنا هذا هو الإمام المهديعليه‌السلام ، فمن هو الحجّة في الفترة التي قبل أن يكون النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة ؟

ج : قد جاء في رواياتنا ، أنّ الحجّة قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو أبو طالبرضي‌الله‌عنه

قال العلّامة المجلسيقدس‌سره : « وقد أجمعت الشيعة على إسلامه ، وأنّه قد آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوّل الأمر ، ولم يعبد صنماً قط ، بل كان من أوصياء إبراهيمعليه‌السلام »(١)

ولكنّه كان يعمل بالتقية ، أي لم يظهر أنّه حجّة ، وإلّا لقتل كأهل الكهف

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان ، وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرّتين » (٢)

______________________

(١) بحار الأنوار ٣٥ / ١٣٨

(٢) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧٠

١٩٥

« إبراهيم عبد الله ـ السعودية ـ »

آية عدم الاستغفار للمشركين لم تنزل في حقّه :

س : هل صحيح أنّ آية :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) نزلت في أبي طالب ؟

ج : لا يخفى عليكم : أنّ معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من بيت مال المسلمين في سبيل تزوير الأحاديث ، وتحريف الآيات النازلة في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام ، فوضع في حقّ الإمام عليعليه‌السلام وأبيه أبي طالبعليه‌السلام الأراجيف والتهم انتقاماً منهما

ومن تلك التهم التي وضعها هي : أنّ أبا طالبعليه‌السلام مات مشركاً ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستغفر لعمّه ، فنزلت الآية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له ، وذلك من خلال وضع الأحاديث المحرّفة في شأن نزول هذه الآية ، والتي ترويها بعض الكتب السنّية ، منها : ما جاء في « صحيح البخاري » عن ابن المسيّب عن أبيه : إنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنده أبو جهل ، فقال : أي عم ، قل : لا اله إلّا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمية : يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطّلب ، فلم يزالا يكلّمانه ، حتّى قال آخر شيء كلّمهم به : على ملّة عبد المطلب ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : لاستغفرن لك ما لم أُنه عنه ، فنزلت :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (١)

وبهذا المضمون وردت روايات أُخرى بأسانيد مختلفة

والجواب عن هذه الشبهة ، تارة يقع عن الحديث ، وأُخرى عن الآية

أمّا الحديث ففيه : إنّ رواته ورواة الأحاديث الأُخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به ، فالروايات إذاً ضعيفة السند ، خصوصاً وأنّ راويها سعيد بن المسيّب ، الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، بين التعديل والتجريح ، ومن
______________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٤٧ ، التوبة : ١١٣

١٩٦

القادحين فيه ابن أبي الحديد في « نهج البلاغة »(١) ، حيث سلكه في عداد المنحرفين عن عليعليه‌السلام ، وأنّ في قلبه شيئاً منه

إذاً كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً في قدح عليعليه‌السلام من شخص متهم عليه ؟

وإذا عرفنا أنّ سعيداً هو القائل : « من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم على معاوية ، كان حقيقاً على الله أن لا يناقشه الحساب »(٢) ، فحينئذ نعرف بعد ما أوضح موقفه من معاوية ، قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حقّ أبي طالبعليه‌السلام

وأمّا الآية ففيها :

١ ـ تدلّنا رواية البخاري على أنّ الآية نزلت عند احتضار أبي طالب ، ولكنّا إذا رجعنا إلى نزولها وجدناها مدنية ، فبين وفاة أبي طالب ونزول هذه الآية ، ما يزيد على ثمانية أعوام

فمجرى الحديث يدلّ على استمرار استغفار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّه ـ وهو كذلك ـ ولم ينقطع إلّا عند نزول هذه الآية :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ )

وهنا نتساءل : كيف جاز للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر لعمّه في الفترة التي بعد موته حتّى نزول هذه الآية ؟ وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه ، وتنهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ، قبل نزول هذه الآية بأمد طويل ، من تلك الآيات قوله :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ) (٣) فهل يجوز للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر لعمّه ، ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين ؟

٢ ـ هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية

على سبيل المثال :

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠١

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٥٩ / ٢٠٧

(٣) المجادلة : ٢٢ ، وقوله في سورة النساء : ١٣٩ و ١٤٤ ، وآل عمران : ٢٨ ، والمنافقون : ٦ ،
وغيرها .

١٩٧

أ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام قال :« سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزلت الآية المذكورة » (١)

ب ـ وفي رواية أُخرى : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم ؟ فنزلت(٢)

٣ ـ اختلف في تفسير الآية ، فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي ، أي : أن الآية تنفي عن الرسول أنّه كان يستغفر للمشركين ، لا أنّها تنهاه عن الاستغفار

إذاً كلّ من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقرّ له بالنبوّة والعصمة ، والعمل الحقّ

٤ ـ لو سلّمنا بحديث البخاري ، فإنّ قول أبي طالب : على ملّة عبد المطّلب ، ليس سوى دليل على إيمانه ، أليست ملّة عبد المطّلب هي الحنفية ، ففي الحقيقة آمن أبو طالب طبقاً لهذه الرواية ، وأنّه أعلن عن إيمانه بشكل تورية ، حتّى لا يشعر به الكفّار من قريش آنذاك

والخلاصة : إنّ الآية لم تنزل بحقّ أبي طالبعليه‌السلام ، وإنّه مات مؤمناً لا مشركاً

« بدر ـ عمان »

الأدلّة على إيمانه من كتب الفريقين :

س : ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟

______________________

(١) الغدير ٨ / ١٢ ، مسند أحمد ١ / ٩٩ و ١٣١ ، الجامع الكبير ٤ / ٣٤٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٣٥ ، فتح الباري ٨ / ٣٩١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٥٨ ، كنز العمّال ٢ / ٤٢١ ، جامع البيان ١١ / ٦٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٠٧ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٨٢ ، فتح القدير ٢ / ٤١١

(٢) فتح الباري ٨ / ٣٩١ ، جامع البيان ١١ / ٥٧ ، زاد المسير ٣ / ٣٤٥ ، أسباب نزول الآيات : ١٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٦ / ٣٢٩

١٩٨

ج : فقد أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالبعليه‌السلام تبعاً لأئمّتهمعليهم‌السلام

والأحاديث الدالّة على إيمانه والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : « منية الراغب في إيمان أبي طالب » للشيخ الطبسي

وقد أُلّف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب ، من السنّة والشيعة على حدّ سواء ، وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : « أبو طالب مؤمن قريش » للأُستاذ عبد الله الخنيزي

هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب « الغدير » للعلّامة الأمينيقدس‌سره في الجزء السابع والثامن منه

وقد نقل العلّامة الأميني عن جماعة من أهل السنّة : أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في « أسنى المطالب » ، والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : « شهاب الأخبار » ، والتلمساني في « حاشية الشفاء » ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم

بل لقد حكم عدد منهم كابن وحشي ، والاجهوري ، والتلمساني بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر(١)

بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب :

١ ـ ما روي عن الأئمّةعليهم‌السلام والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا يدلّ على إيمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد

٢ ـ نصرته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحمّله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته
______________________

(١) أُنظر : الغدير ٧ / ٣٨١

١٩٩

بمكانته في قومه ، وحتّى بولده ، أكبر دليل على إيمانه

٣ ـ استدلّ سبط ابن الجوزي على إيمانه ، بأنّه لو كان أبو طالب كافراً ، لشنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعداء الإمام عليعليه‌السلام (١)

٤ ـ تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً ، فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه ، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : « فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنّه لم تكن آحادها متواترة ، فمجموعها يدلّ على أمر مشترك ، وهو تصديق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومجموعها متواتر »(٢)

٥ ـ قد صرّح أبو طالب في وصيّته بأنّه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن

وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة(٣)

٦ ـ ترحّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته ، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلّا على المسلم

٧ ـ وبعد كلّ ما تقدّم نقول : إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه ، إنّما يستفاد من أُمور أربعة :

أ ـ من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين

ب ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة

ج ـ من موقف النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله منه ، فالموقف المرضي ثابت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله تجاه
______________________

(١) أبو طالب مؤمن قريش : ٢٧٤ ، عن تذكرة الخواص : ١١

(٢) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧٨

(٣) روضة الواعظين : ١٤٠ ، الغدير ٧ / ٣٦٦

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576