موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576
المشاهدات: 211664
تحميل: 5817


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211664 / تحميل: 5817
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-01-0
العربية

استعارة الفروج :

« هاشم ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة »

مسألة مختلقة :

س : كثيراً ما يردّد أعداء الشيعة أنّ هناك ما يسمّى باستعارة الفروج في مذهب الإمامية ؟ فماذا يقصدون ؟ وما هي حقيقة ذلك ؟

ج : لاشكّ ولا ريب بأنّ أعداء الشيعة والتشيّع قد كرّسوا جهودهم لتضليل الرأي العام ، في سبيل النيل من سمعة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن يأبى الحقّ إلّا أن يظهر

وممّا افتروه في هذا المجال ، مسألة مختلقة سمّوها « استعارة الفروج » يريدون منها أن ينسبوا إلى الشيعة بأنّهم ـ والعياذ بالله ـ يعتقدون بالإباحية في الجنس !!( سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) (١)

وعلى أيّ حال ، فإنّ الموضوع واضح وجلّي ، وهو يختصّ بباب نكاح الجواري والإماء ، وتوضيحه : إنّ نكاح الإماء لا يكون بصيغة العقد ، بل بملك اليمين فقط ، فمالكها هو الأولى بها بالأصالة ، ولكن في حالة عدم الاقتراب منها ـ أو بعد الاقتراب والاستبراء ـ يحقّ لمالكها أن يزوّجها ممّن يشاء ، بمنحه له حصّة ملكيّته لها ، وعلى ضوء ما ذكرنا لا يحتاج هذا الزواج الجديد إلى صيغة النكاح ، بل ينعقد بالملكية التي وهبها المالك إيّاه

______________________

(١) النور : ١٦

٢٦١

وطبيعي أنّه لا يحقّ للمالك المجيز في هذه الفترة ـ فترة النكاح المشار إليه ـ أن ينكح ويقترب من أَمَتِه ، إلّا بعد انتهاء فترة النكاح المذكور واستبرائها

ثمّ إنّ هذه المسألة ليست اتفاقية عند جميع علماء الشيعة ، فمنهم من يقول بالمنع ، كما حكاه الشيخ الطوسيقدس‌سره في « المبسوط »(١) و « النهاية » ، والعلّامة الحلّيقدس‌سره في « المختلف »

ولرفع الاستغراب في هذا المجال ، نذكر فقرات من كتب أهل السنّة ، حتّى يتّضح أنّ الشيعة ليسوا متفرّدين في أمثال هذه الموارد :

١ ـ « وإن كانت المنكوحة أمة فوليّها مولاها ، لأنّه عقد على منفعتها فكان إلى المولى كالإجارة »(٢)

٢ ـ « إذا ملك مائة دينار ، وأمة قيمتها مائة دينار ، وزوّجها من عبد بمائة ، و »(٣)

ترى مشروعية تزويج الإنسان الحرّ أمته من غيره حتّى العبد

٣ ـ « رجل له جارية فقال : قد وطئتها ، لا تحلّ لابنه ، وإن كانت في غير ملكه ، فقال : قد وطئتها »(٤)

فترى فرض الوطء في غير الملك

٤ ـ « والأمة إذا غاب مولاها ليس للأقارب التزويج »(٥)

والمفهوم من العبارة ، أنّ المولى إذا كان حاضراً ، فله أن يزّوج أمته ممّن يشاء

٥ ـ « إذا أحلّ الرجل الجارية للرجل ، فعتقها له ، فإن حملت ألحق الولد به

______________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٤٦

(٢) المجموع ١٦ / ١٤٧

(٣) المصدر السابق ١٦ / ٢٩٣

(٤) البحر الرائق ٣ / ١٦٧

(٥) الفتاوى الهندية ١ / ٢٨٥

٢٦٢

ويحلّ الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه ، والمرأة لزوجها ، وهي أحلّ من الطعام ، فإن ولدت فولدها للذي أحلّت له ، وهي لسيّدها الأوّل

إذا أحلّت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته ، له جاريتها فليصبها وهي لها .

وهو حلال ، فإن ولدت ، فولدها حرّ .

امرأتي أحلّت جاريتها لابنها ، قال : فهي له »(١)

« أحمد ـ الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة »

هي نكاح الإماء :

س : هذه شبهة وردت في أحد منتديات مواقع الوهّابية ، أرجو الردّ السريع عليها

إعارة الفروج ، فقد روى الطوسي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر قال : قلت : الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال : « نعم ، لابأس به ، له ما أحلّ له منها »(٢)

أرجو المساعدة على ردّ تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً

ج : وما أسموه بإعارة الفروج ، فهو ليس تعبيراً صحيحاً ، وإنّما الصحيح أنّ يقال : أحكام نكاح الإماء ، لأنّ هذه الروايات واردة في أحكام الإماء اللاتي يشتريهن المسلمون بأموالهم ، وقد ورد في أحكامها ، كما عن العلّامة الحلّيقدس‌سره في « المختلف » : ( المشهور عند علمائنا إباحة وطء الإماء بتحليل المولى للغير

وقال ابن إدريس : إنّه جائز عند أكثر أصحابنا المحصّلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة ، والعمل عليه والفتوى به ، وفيهم من منع منه والحقّ الأوّل

وحجّتنا : قوله تعالى :( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (٣) وهو يصدق بملك ______________________

(١) المصنّف للصنعاني ٧ / ٢١٥ ـ ٢١٧

(٢) الاستبصار ٣ / ١٣٦

(٣) النساء : ٣

٢٦٣

المنفعة ، كما يصدق بملك الرقبة

وما رواه محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : سألته عن رجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال :« هي له حلال ما أحلّ منها » )(١)

وقال ابن العلّامةقدس‌سره في « إيضاح الفوائد » : « اعلم أنّ السيّد ـ أي المالك للأمة ـ يملك منفعتين من أمته ، منفعة الاستمتاع ومنفعة الاستخدام ، فإذا زوّجها عقد على إحدى منفعتيها ، وبقيت المنفعة الأُخرى ، فيستوفيها في وقتها وهو النهار ، ويسلّمها إلى الزوج وقت الاستراحة والاستمتاع ، وهو الليل »(٢)

وقال المحقّق الكركيقدس‌سره في « جامع المقاصد » : « والصيغة وهو لفظ التحليل ، مثل أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حلّ من وطئها ، والأقرب إلحاق الإباحة به

ولو قال : أذنت لك ، أو سوّغت ، أو ملكت فكذلك

ولا تستباح بالعارية ، ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع .

والشرط الرابع : الصيغة ، ولا خلاف في اعتبارها ، لأنّ الفروج لا يكفي في حلّها مجرّد التراضي ، ولا أيّ لفظ اتفق ، بل لابدّ من صيغة متلقّاة من الشرع ، وقد اجمعوا على اعتبار لفظ التحليل ، وبه وردت النصوص ، فيقول : أحللت لك وطء فلانة ، أو جعلتك في حلّ من وطئها »(٣)

فنقول : أين الإعارة للفروج ؟ وقد سمعت قول العلماء أنفاً : أنّه لا يستباح بالعارية ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع !! وإنّما صيغة التحليل المذكورة مستفادة من أدلّة الشرع ، وفق روايات صحيحة ذكرها العلماء في متون استدلالاتهم في باب أحكام الإماء ، فليراجع ثمّة

______________________

(١) مختلف الشيعة ٧ / ٢٦٩

(٢) إيضاح الفوائد ٣ / ١٦٨

(٣) جامع المقاصد ١٣ / ١٨٢

٢٦٤

الإسراء والمعراج :

« أحمد ـ البلوشي ـ السعودية »

معناهما وأهدافهما :

س : ما معنى الإسراء والمعراج وما هي أسبابه ونتائجه ؟

ج : لقد أسرى النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بروحه وجسده من مكّة المكرّمة إلى بيت المقدس ، كما في سورة الإسراء ، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة

ثمّ عرجصلى‌الله‌عليه‌وآله بروحه وجسده من بيت المقدس إلى السماء ، كما جاء في سورة الإسراء ، ووردت بذلك الأخبار الكثيرة ، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة

وأمّا أهداف الإسراء والمعراج فهي :

أوّلاً : إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة ، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها ، وإدراك أسرارها ، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن العشرين ، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه ، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب

ثانياً : إنّ هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل ، وقد بيّن الله سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية ، فقال :( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) (١)

وإذا كان الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء ، وإذا كانت مهمّته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره ، فإنّ من الطبيعي أن

______________________

(١) الإسراء : ١.

٢٦٥

يعدّه الله سبحانه إعداداً جيّداً لذلك ، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعض آثار عظمة الله تعالى في عمليةٍ تربوية رائعة ، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه ، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره ، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذى التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده

ثالثاً : لقد كان الإنسان ولاسيّما العربي آنذاك يعيش في نطاق ضيّق ، وذهنية محدودة ، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية ، أو القريبة من الحسّ ، التي كانت تحيط به ، أو يلمس آثارها عن قرب

فكان ـ والحالة هذه ـ لابدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب ، الذي استخلفه الله فيه ، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه ، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه ، واستكشاف أسراره ، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه ، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه ، ومن ذلك الواقع المزري الذي يعاني منه ، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة ، وكلّ جيل وإلى الأبد

رابعاً : والأهمّ من ذلك : أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه ، ويدرك بديع صنعه ، وعظيم قدرته ، من أجل أن يثق بنفسه ودينه ، ويطمئن إلى أنّه بإيمانه بالله إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق ، لا يختار له إلّا الأصلح ، ولا يريد له إلّا الخير ، قادر على كلّ شيء ، ومحيط بكلّ الموجودات

خامساً : إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية ، ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية ، وغزو الفضاء ، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالدٍ ، هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً ، وليطمئن المؤمنون ، وليربط الله على قلوبهم ، ويزيدهم إيماناً(١)

______________________

(١) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم ٣ / ٣٤

٢٦٦

« سمير حسن ـ السعودية ـ »

كيفية رؤية النبيّ فيهما :

س : هل إنّ ما رآه النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الإسراء والمعراج كان برؤية قلبية فقط ؟ أم أنّها كانت قلبية وبصرية أيضاً ؟

أرجو الإجابة على سؤالي مدعماً بأقوال المعصومينعليهم‌السلام ، وغفر الله لكم ، وشكر مساعيكم في نشر العقيدة الحقّة

ج : تعتقد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، والزيدية ، والمعتزلة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسري يقظة بجسمه وروحه إلى بيت المقدس لقوله تعالى :( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) ، وعرج إلى السماوات لقوله تعالى :( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ )

ودلّت عليه الروايات المتواترة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام والصحابة ، كابن عباس وابن مسعود ، وجابر وحذيفة وأنس ، وعائشة وأُمّ هاني

وعليه تكون رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في معراجه رؤية بصرية وقلبية للسماوات ، فرأى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنّة والنار بعينه الشريفة ، ورأى جبرائيل على ما هو عليه ، من الهيئة التي خلقه الله تعالى عليها ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (١) قال :« رأى جبرائيل على ساقه الدرّ » (٢)

نعم رأى ربّه برؤية قلبية لا بصرية ، فعن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه عزّ وجلّ ؟

قال :« نعم ، أما سمعت الله يقول : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) لم يره
______________________

(١) النجم : ١٨

(٢) التوحيد : ١١٦

٢٦٧

بالبصر ولكن رآه بالفؤاد » (١)

ونذكر لكم روايتين تدلّان على هذا المعتقد :

١ ـ عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :« جاء جبرائيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ واحد باللّجام ، وواحد بالركاب ، وسوّى الآخر عليه ثيابه » (٢)

٢ ـ عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :« لمّا أُسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت المقدس ، حمله جبرائيل على البراق ، فأتيا بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء ، وصلّى بها ، وردّه » (٣)

« حسين جابر ـ السويد »

الكتب المؤلّفة حولهما :

س : ما هي الكتب المؤلّفة عن الإسراء والمعراج ؟ أرجو منكم الجواب ، في أمان الله

ج : يمكنكم مراجعة الكتب التالية للاطلاع على مسألة الإسراء والمعراج :

١ ـ علم اليقين ١ / ٤٨٩ ٢ ـ حقّ اليقين ١ / ١٦٨ ٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٣ / ٧ ٤ ـ الصحيح من سيرة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ٣ / ١٥

« ـ ـ »

كيفية رؤيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقضايا المستقبل :

س : ورد في أحاديث المعراج أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في هذه الجولة الملكوتية بعض أصحاب الجنّة والنار من أُمّته فيهما ، فما هو التخريج لهذه القضية ؟ مع أنّنا
______________________

(١) نفس المصدر السابق

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٣

(٣) الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٣٣

٢٦٨

نعلم بوقوع هذه المثوبات أو العقوبات فيما بعد ، أي أنّ المحاسبة ومن ثمّ إعطاء النتائج لأفعال العباد سوف تكون في القيامة

ج : نعم جاء في نصوص المعراج ما ذكرتم ، ولكن الذي يظهر بعد التوفيق بين الأدلّة العقلية والنقلية في المقام هو : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد الصور المثالية لهؤلاء الأشخاص ولتلك الأحداث ، لا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رآها بنحو القضية الخارجية والواقعية ، وبهذا ينحلّ الأشكال المذكور ، ولا يبقى أيّ استبعاد في المقام

وقد تنبّه لردّ هذا المحذور المتوهّم بعض أساطين المذهب قديماً وحديثاً ، منهم الشيخ الطبرسيقدس‌سره ، حيث قال في معرض جوابه : « فيحمل على أنّه رأى صفتهم أو أسماءهم »(١)

« ـ السعودية ـ »

كيفية تكليم الله للنبيّ :

س : كيف كلّم الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المعراج ؟ وهل رأى الله ؟ وإنّني سمعت أنّه كلّمه بصوت الإمام عليعليه‌السلام ، فما هي الأدلّة على ذلك من كتب أهل السنّة ؟ وشكراً

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية قائمة على عدم إمكانية رؤية الله تعالى ـ رؤية حسّية ومادّية ـ وكذا الكلام في نوعية كلامه سبحانه وتعالى مع ما سواه( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) (٢) ،( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) (٣) ، فكلّ ما روي أو نقل أو قيل خلاف ذلك فهو إمّا مؤوّل ، أو مطروح من رأسه ، فإنّ القول بالتجسيم باطل مستحيل ، كما قرّر ذلك في مباحث علم الكلام

______________________

(١) مجمع البيان ٦ / ٢١٥

(٢) الأنعام : ١٠٣

(٣) الشورى : ٥١

٢٦٩

وأمّا مخاطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلسان الإمام عليعليه‌السلام في المعراج ، فهي من مناقب وفضائل الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وقد جاء هذا الموضوع ـ مضافاً إلى المصادر الشيعة ـ في كتب أهل السنّة أيضاً ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : المناقب للخوارزمي(١) ، ينابيع المودّة(٢) ، المناقب المرتضوية للكشفي(٣) ، أرجح المطالب(٤) ، وغيرها

« محمود البحراني ـ البحرين ـ ١٧ سنة ـ طالب ثانوية »

ما رآهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الجنّة والنار كان تمثيلاً لهم :

س : في الروايات التي جاءت عن الإسراء والمعراج أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى أشكال التعذيب والجنّة والنار ، وسؤالي : كيف رأى النبيّ هؤلاء المعذّبين والمعذّبات في النار ؟ أليس عذاب النار في الآخرة ؟ أم أنّه رآهم في البرزخ ؟ ولكم الشكر الجزيل

ج : إنّ رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك كرؤيته للأنبياءعليهم‌السلام في السماء ، فالروايات دلّت على أنّ الله تعالى مثّل له أرواحهم في أجساد تشبه أجسادهم التي كانت لهم في الدنيا ، ولهذا استطاع أن ينعتهم لقريش

وهذا النوع من التمثيلات ليس بممتنع عقلاً ، وكذلك ما ورد من التمثيلات التي رآهاصلى‌الله‌عليه‌وآله لأقوام يتنعّمون في الجنّة ، وآخرون يعذّبون في النار ، فهي نوع من التشبيه الحقيقي لمقامات الصالحين في معارج القرب ، وكذلك في بواطن صور المعاصي ونتائج الأعمال ، فيحمل ما ورد في ذلك على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى صفتهم وأسماءهم ، ولا مانع من أنّها نوع من التمثيلات البرزخية التي تصوّر الأعمال بنتائجها

______________________

(١) المناقب : ٣٧

(٢) ينابيع المودّة : ٨٣

(٣) المناقب المرتضوية : ١٠٤

(٤) أرجح المطالب : ٥٠٧

٢٧٠

الإسماعيلية :

عقائدها :

س : ما هي صحّة المذهب الإسماعيلي ؟ وهل لكم أن توضّحوه من كلّ جوانبه ؟ جزاكم الله خير جزاء ، وأعانكم على كلّ الأعداء ، إنّه سميع مجيب الدعاء

ج : إنّ المذهب الإسماعيلي منتسب إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام

وتاريخ وفاة إسماعيل فيه اختلاف ، والصحيح أنّه توفّي سنة ١٤٥ هـ ، يعني ثلاث سنوات قبل استشهاد أبيه الإمام الصادقعليه‌السلام ، لأنّهعليه‌السلام استشهد سنة ١٤٨ هـ

والإمام الصادقعليه‌السلام فعل بجنازة إسماعيل ما لم يفعل بأحد أبداً ، فقبل أن يحمل نعشه ، جاء وفتح عن وجهه ، واشهد الحاضرين كلّهم على أنّ هذا المسجّى الميت ابنه إسماعيل ، الذي مات حتف أنفه ، ثمّ حينما حملت الجنازة من المدينة إلى البقيع ، كانعليه‌السلام بين فترة وفترة ، يأمر أن يضعوا الجنازة ، فيفتح عن وجهه ، ويشهد الناس على أن هذا الميت هو ابنه إسماعيل ، مات حتف أنفه

وفي هذا دلالة قاطعة ، على أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يرى في عمله هذا حفظ التشيّع والإمامة ، فلابدّ من دفع هذا الباطل ، وإن لم يكن ذلك اليوم قائماً فإنّه سيقوم فيما بعد ، كما يشهد التاريخ القطعي أنّ هذا الباطل قام فيما بعد

ثمّ إنّ الذين كانوا يأخذون من إسماعيل مبدأ حركة لهم ، ومركز نشاط هؤلاء أدّعو دعوتين :

الدعوى الأُولى : إنّ الإمامة كانت في إسماعيل زمن أبيه ، والإمامة إذا

٢٧١

كانت في أحد فإنّها لا تستبدل بغيره ، بل تنتقل إلى من يرثه بالإمامة

فصحيح أنّ إسماعيل مات زمن أبيه ، ولكن الإمامة كانت فيه فلا تستبدل ولا تعطى إلى أخيه موسى بن جعفر ، وإنّما تنتقل منه إلى ابنه محمّد بن إسماعيل ، الذي هو الإمام الثاني للإسماعيلية ، وعلى هذا الرأي أكثر الإسماعيلية ، الذين عاصروا الإمام الصادقعليه‌السلام ، وعاصروا الإمام الكاظمعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه

الدعوى الثانية : إنّ إسماعيل ثبت موته ، ولكنّه قام من قبره بعد ثلاثة أيّام ، وعاد إلى الحياة ثمّ غاب ، وقد رؤي سنة ١٥٣ هـ في سوق البصرة ، وله كرامات ومعجزات

هذه الدعوى الثانية عليها ألف ملزم وملزم ، لأنّ التاريخ وكثير من الاعتبارات تشهد على بطلانها

وأساس الكلام في الدعوى الأُولى ، أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام لم ينصّ يوماً ما على أنّ الإمام بعده إسماعيل ، بل هناك روايات كثيرة تدلّ على أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام في حياته ، بل ومنذ أن كان الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام صبيّاً في المهد ، كان ينصّ على أن ابنه موسى هو الإمام بعده

وهذه الروايات جاءت بعضها في كتاب « الكافي » للشيخ الكليني ، في باب النصّ على إمامة موسى بن جعفرعليهما‌السلام

نعم الشيعة البعيدين عن الإمامعليه‌السلام ، كان يُخيّل إليهم أنّ الإمامة لا تكون إلّا في أكبر أولاد الإمامعليه‌السلام ، لهذا كانوا يرون أو يتنبّؤون بأنّ الإمامة سوف تكون في إسماعيل

ولمّا توفّي إسماعيل بدا لله تعالى ، أي أظهر الله تعالى جهلهم ، بعد أن كان هذا الجهل خافياً ، بأنّ الإمام ليس هو إسماعيل ، وإنّما الإمام الذي يكون حيّاً بعد وفاة الإمام الصادقعليه‌السلام ، هو الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام

فهذا معنى ما ورد في الحديث :« بدا لله في إسماعيل » (١) ،« بدا » لا أنّه
______________________

(١) الإمامة والتبصرة : ١٥

٢٧٢

جعله إماماً ثمّ عزله عن الإمامة ، بل يعني أظهر الله تعالى علمه بعد أن كان مخفيّاً ، وأظهر للناس جهلهم بعد أن كان يخيّل أنّهم عالمون بالإمام بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وأنّه ابنه الأكبر إسماعيل

فقامت الدعوة الإسماعيلية على أساس ، أنّ الإمام بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ـ بحسب الرتبة ـ هو إسماعيل ، وأنّه مات وهو إمام ، ولم تسلب منه الإمامة إلى أخيه ، وإنّما انتقلت بالإرث إلى ابنه محمّد ، هذا أساس الدعوة الإسماعيلية

نعم ، من يقول بأنّه قام بعد ثلاثة أيّام من موته ، ورجع حيّاً ، وغاب عن أعين الناس ، هذه الدعوى لا يصدّقها عاقل ، وإنّما يقبلها البسطاء جدّاً

ثمّ إنّ هناك كلام لهم موجود في مصادر الإسماعيلية ، ويعترف به الكثير منهم ، وهو بأنّ الإمام الصادقعليه‌السلام حينما توفّي نصّ على ابنه الإمام الكاظمعليه‌السلام ، ومن هنا قسّموا الإمامة إلى قسمين : إمامة مستقرّة ، وإمامة مستودعة

والإمامة المستودعة يستودعها الله تعالى في آخر تستّراً وتحفّظاً على الإمام الذي استقرّت به الإمامة الإلهية

فيدّعون أنّ إمامة الإمام الكاظمعليه‌السلام إمامة مستودعة ، تستّراً على الإمامة المستقرّة الإلهية ، التي كانت عند إسماعيل ، ثمّ استقرّت في ابنه محمّد ، هذا المعتقد يردّه ما بيّنّاه بصورة مجملة

وأمّا الحديث عن أُصول العقائد الإسماعيلية ؟ فإنّهم يدّعون أنّ للشريعة باطناً ـ وهو أهمّ جانب في الشريعة ـ وظاهراً

وأنّ الاهتمام لابدّ وأن يكون بباطن الشريعة ، وأمّا ظاهر الشريعة فلا يتقيّدون به أبداً

والأدلّة على ذلك كثيرة ، منها : إنّ الإمام بعد محمّد بن إسماعيل ، يسمّونه بقائم القيامة ، ويقولون بأنّه عند انتقال الإمامة إليه قامت القيامة ، ومعنى قيام القيامة : أنّ التكاليف كلّها سقطت عن جميع المكلّفين ، لأنّ هذه التكاليف موضوعها هذه الحياة الدنيا ، وإذا قامت القيامة سقطت التكاليف !!

فيدّعون أنّه بقيام قائم القيامة ، وهو الإمام الثالث ـ بعد إسماعيل وابنه

٢٧٣

محمّد ـ سقطت التكاليف ، وبقي باطن الشريعة يؤخذ به ، إلى أن انتقلت دولة الفاطميين من المغرب إلى مصر ، فرأى المعزّ لدين الله أنّ أكبر اتهام وزلّة ومأخذ عليهم ، أنّ جماعة الفاطميين لا يأخذون بظاهر الشريعة ، فلا يحرّمون ما حرّمه الله ، ولا يلتزمون بما أوجبه الله ، فأعلن بأنّ الأحكام الظاهرية لم تسقط ، وأنّه يجب على من يعتقد بإمامة إسماعيل الأخذ بظاهر الشريعة وباطنها معاً إلى زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي

ثمّ إنّ فرقة الدروز تعتقد : بأنّ الحاكم بأمر الله هو أفضل من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يعلم بباطن الشريعة وظاهرها ، وفي نفس الوقت كان يعلم أنّ الأساس هو العمل بباطن الشريعة دون ظاهرها ، ولكنّه خدع الناس بالتزامه بالظاهر ، وأمّا الحاكم بأمر الله فهو ألقى ثوب الظاهر وأظهر الباطن

ثمّ إنّ الإسماعيلية على قسمين : إسماعيلية شرقية ـ ويسمّون الآن بالأقاخانية ـ وإسماعيلية غربية ـ ويسمّون بالمستعلية أو البهرة أو الداودية ـ وإسماعيلية الأقاخانية لا يتقيّدون بأيّ حكم من ضروريات الدين ، فلا يحجّون ولا يصلّون ولا يزكّون ولا ، بل ولا يأتون إلى زيارة العتبات المقدّسة

نعم الإسماعيلية المستعلية يتقيّدون بالأحكام الإلهية ، فيحجّون و ويأتون إلى زيارة العتبات المقدّسة ، ولكن لا يأتون إلى زيارة الإمام الكاظمعليه‌السلام ، ومن بعده من الأئمّةعليهم‌السلام ، لعدم اعتقادهم بهم كأئمّة

« أبو صافية اليامي ـ السعودية ـ إسماعيلي ـ ٤٠ سنة ـ متخصّص في الفقه والفكر الإسلامي »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : إنّه ليحزّ في نفسي أن أجد مثل هذه الإجابة الفجّة الخاطئة من منسوبي طائفة نكنّ لها كلّ الودّ والحبّ ، ولم يدر في خلدي أبداً أنّ إخواننا الإمامية سوف يقعون في نفس المستنقع الذي وقع فيه غيرهم من دعاة الفرقة والتناحر ،

٢٧٤

الذين يكيلون التهم جزافاً ، ويرمون المؤمنين بما هم منه براء ، طلباً منهم إلى إشباع رغباتهم ، وتحكيم أهوائهم بلا دليل ولا برهان ، وإمعاناً منهم في زيادة الهوة ومساهمة في توسيع دائرة الفرقة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل

ونقول : مع الأسف لقد جازف المجيب في كثير من المعلومات التي أوردها ولم يحالفه التوفيق ، لأنّه لم يراع حرمة الأمانة العلمية ، ولم يتوخّ الدقّة والإنصاف فيما أورده

وبالرغم من أنّني لن أردّ على جميع الأخطاء التي وردت في مجمل إجابتك ، لكن سوف أُعلّق على بعض النقاط ، آمل أن تجد عندكم إنصافاً ، وأن تأخذ مكانها كملحق على الإجابة السابقة

أوّلاً : كأنّك تشير بطرف خفي أنّ جميع الأحاديث الواردة في مدى الحبّ والتقدير الشديدين من الإمام الصادقعليه‌السلام للإمام إسماعيل تعتبر عن مجرد احترام ظاهر ، وكأنّك تريد أن تقول : إنّ الإمام جعفرعليه‌السلام كان يبطن شيئاً آخر اتجاه ابنه الأكبر إسماعيل ، وهذا ما تنفيه الروايات الصحيحة عنه في كتب السيرة ، وفي كتب الإمامية على وجه الخصوص

ثانياً : أردت أن تحوّر الحادثة الفريدة ، والتصرّف الذي لم يسبق له مثيل عند كشف جنازة الإمام إسماعيل ، والإشهاد عليها ، لتلويها بما يوافق هواك

فلئن كان الصادقعليه‌السلام يتخوّف على محبّي إسماعيل من اعتقاد إمامته ، فإنّ هذا لعمري لأكبر دليل أنّ الأمر قد تفشّى في الشيعة أنّه الإمام بعد أبيه ، وقد كان بإمكانه أن ينصّ على أحد أبنائه الآخرين جهراً ، وينفي الإمامة منه بدلاً من أخذ الشهادات على وفاته بهذه الطريقة الغريبة

وممّا لا جدل فيه : إنّ كثيراً من الشيعة يعلمون أنّ الإمامة في إسماعيل في حياة الصادقعليه‌السلام بشهادة الكثير من الإمامية ، ومنهم على سبيل المثال النوبختي في كتاب فرق الشيعة وغيره ، وبشهادتك نفسك حيث قلت : وعلى هذا الرأي أكثر الإسماعيلية ، الذين عاصروا الإمام الصادقعليه‌السلام

ومن فمك أدينك ، وفي هذا ما يدلّ على أنّ الهوى قد حجبك عن رؤية الحقيقة

٢٧٥

ثالثاً : قولك : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام لم ينصّ يوماً ما على أنّ الإمام بعده إسماعيل

فهو قول تخالفه الروايات والوقائع التاريخية ، ورويتم مثل ما روينا أنّ الإمامة في إسماعيل ، وعندما أعيتكم الحيل لجأتهم إلى أنّ المشيئة الإلهية قد تغيّرت إرضاء لهواكم ، فاخترعتم نظرية البداء الباطلة ، بقولكم المزعوم : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل »(١) ، فلا تحاولوا تفسيرها بشيء من التلفيق والتأويل المعوج عندما انكشفت للجميع وظهر بطلانها ، ولا يصلح العطّار ما أفسد الدهر

رابعاً : ادعاؤك أنّ الإسماعيلية ترى أنّ الجانب الباطني للشريعة أهمّ من الجانب الظاهري ، فقول من جانبه الصواب ولم ينظر بعين الإنصاف ، فالإسماعيلية المحقّة أتباع الأئمّة الفاطميين الأطهار ، تطفح تآليفهم بالردّ على من يدّعي ترجيح أيّ جانب على الآخر ، وإنّما يرون أنّهما سيّان ، يؤكّد كلّ منهما الآخر ، ويشدّه ويؤيّده ، وإن استطعت أن تنقل لنا مصدر معلوماتك فأورده مشكوراً لنتدبّره ، ولا أظنّك تستطيع

أمّا قولك ـ : وإنّ الاهتمام لابدّ وأن يكون بباطن الشريعة ، وأمّا ظاهر الشريعة فلا يتقيّدون به أبداً ـ فأطم وأشنع ، ومن يكيل التهم جزافاً فالله حسيبه

وقولك : أنّ الإمام المعزّ لدين الله هو الذي أعاد أحكام الشريعة فبهتان عظيم ، وقول مفترى عار عن الصحّة ، تكذّبه الحقائق التاريخية ، ومؤلّفات علمائنا عن بكرة أبيهم ، وليس له سند علمي ولا تاريخي ولا نقلي ، وإنّي أربأ بإخواننا الإمامية ، وهم الذين اكتووا وتضرّروا كثيراً من أقوال المشنّعين المفترين ، أن يسلكوا هذا المسلك المخزي من الكذب والبهتان والمجازفة بالتهم الشنيعة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير

وأربأ بهم عن كيل الأباطيل على طائفة كبيرة ملأت الأرض نوراً وعلماً ،
______________________

(١) المسائل العكبرية : ١٠٠ ، تفسير القمّي ١ / ٤٠

٢٧٦

وأعادت للإسلام ولمذهب أهل البيتعليهم‌السلام رونقه وبهاءه بعد اندراسه ، وأحيوا ما أماته الظالمون منه ، فعاد غضّاً طرياً كما كان بديئاً ولو كره الظالمون

خامساً : أمّا افتراءاتك على الإمام الحاكم بأمر الله معزّ الإسلام وبدر التمام ، صاحب العلوم المضيئة والأنوار البهية فكسابقتها مبنية على غير أساس ، فمن يتصدّر للإجابة والفتوى فيما لا يعلم فتلك مصيبة عظيمة ، ومنقصة لا تليق بإخواننا الإثنا عشرية ، وكان الأولى بك أن ترجع إلى الكتب التي ألّفها الإمام الحاكم ودعاته الأبرار في الردّ على انحراف الدروز واعتقادهم الفاسد ، وتبرئ الإمام الحاكم من باطلهم وكفرهم لا أن تحكّم الهوى ، وتبني أحكامك على أقوال المتخرّصين من أعداء أهل البيتعليهم‌السلام ، راجع على سبيل المثال : كتاب الرسالة الواعظة في الردّ على ترهات الدروز وضلالهم ، من تأليف حميد الدين أحمد بن عبد الله الكرماني ، أكبر دعاة الإمام الحاكم بأمر الله ، فقد أتى فيها من الحجج والبراهين بما يفنّد زورك وكذبك

سادساً : أمّا كلامك الموجّه إلى الآغاخانية في عدم تقيّدهم بشيء من ضروريّات الدين ، فليس لدي المعرفة الكافية عن ممارساتهم ، وعيب بي أن أتصدّر للردّ نيابة عنهم حمية بلا علم ولا دليل ، والتهمة متوجّهة إليهم والردّ متحتّم عليهم

هذا ما أحببت أن أضيفه ، والله يجمع أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما فيه صلاحها ، وأن يبعدها عن ما يوقعها في شباك الفرقة والتنابز بالألقاب ، ورمي الغافلين بما هم منه براء

ج : لعلّ من الطبيعي أن تدافع عن عقيدتك بهذا الدفاع ، وترى ما يقال عنها خاطئاً ، ولكن مثل ما تدعو جميع الفرق للبحث عن الحقيقة ومعرفة الفرقة الناجية ، لابدّ أن يكون الكلام شاملاً لكم ولنا أيضاً ، فنحن ندعو جميع المسلمين للبحث الموضوعي البعيد عن التعصّب والعاطفة ، ومن حقّك أن تستمر في متابعة أقوالنا ، ولك الحقّ في الردّ على أيّ قول لا تراه صحيحاً ، حتّى نتوصّل وإيّاك إلى معرفة الحقيقة

وهذا لا يعني أنّنا نسعى للفرقة والتناحر ، بل نحن مع الحوار الهادئ المبني

٢٧٧

على الودّ والمحبّة لجميع من يطلب الحقيقة ، ونحن نجيب عن النقاط التي ذكرتها ونرجو الوصول إلى الحقّ من دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام

أوّلاً : أنّ ما يبطنه الإمام الصادقعليه‌السلام لإسماعيل هو أنّه ليس الإمام بعده ، وإن كان يظهر له الحبّ والاحترام هذا ما كنّا نعنيه ، وإذا وردت من الروايات ما يشير إلى وجود احترام وتقدير ، فإنّ الإمامة الصحيحة لا تعرف بالحبّ والاحترام ، بل تحتاج إلى تعريف من الله تعالى أنّه هو الإمام ، والإمام الصادقعليه‌السلام كان يعلم أن إسماعيل ليس هو الإمام بعده لعلامات موجود فيه ، يعرفونها منذ ولادته ، ويتناقلونها أباً عن جدّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالتعامل معه كان لا يتعدّى الحبّ والتقدير لأحد أبنائه بل أكبرهم

ثانياً : نحن لا ننكر أنّ بعض الشيعة قد توهّم أنّ الإمام بعد الصادقعليه‌السلام هو إسماعيل ، باعتبار أنّه أكبر الأولاد ، وهذا التوهّم لا يكفي في جعل إسماعيل إماماً ، بل لابدّ من نصّ ، والنصّ موجود في حقّ أخيه ، وما فعله الإمام الصادقعليه‌السلام من أخذ الشهادات هي شيء إضافي ، ليثير انتباه المتوهّمين ، وللتأكيد عدم الإمامة في إسماعيل ، وهذا الوهم الحاصل عند بعض الشيعة الناتج من كون إسماعيل أكبر الأولاد هو الذي أشرنا إليه بقولنا : وعلى هذا أكثر الإسماعيلية

ونحن نذكر لك نصّاً واحداً أشار فيه الإمام الصادقعليه‌السلام على إمامة موسى الكاظم ، وهناك المزيد ، فعن أبي جعفر الضرير ، عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام وعنده إسماعيل ابنه ، فسألته عن قبالة الأرض ، فأجابني فيها ، فقال له إسماعيل : يا أبه ، إنّك لم تفهم ما قال لك !

قال ـ الراوي ـ : فشقّ ذلك عليّ ، لأنّا كنّا يومئذ نأتمّ به بعد أبيه ، فقال ـ الإمام لإسماعيل ـ :« إنّي كثيراً ما أقول لك : الزمني وخذ منّي فلا تفعل » ، قال : فطفق إسماعيل وخرج ، ودارت بي الأرض ، فقلت : إمام يقول لأبيه : إنّك لم تفهم ، ويقول له أبوه :« إنّي كثيراً ما أقول لك تقعد عندي ، وتأخذ منّي ، فلا تفعل » !

٢٧٨

قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، وما على إسماعيل أن لا يلزمك ؟ ولا يأخذ عنك ، إذا كان ذلك وأفضت الأُمور إليه ، علم منها الذي علمته من أبيك حين كنت مثله ؟ قال : فقال :« إنّ إسماعيل ليس منّي كأنا من أبي »

قال : فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فمن بعدك ـ بأبي أنت وأُمّي ـ ؟ فقد كانت في يدي بقية في نفسي ، وقد كبرت سنّي ، ودقّ عظمي ، وجاء أجلي ، وأنا أخاف أن أبقى بعدك ، قال : فرددت عليه هذا الكلام ثلاث مرّات ، وهو ساكت لا يجيبني ، ثمّ نهض في الثالثة وقال :« لا تبرح » ، فدخل بيتاً كان يخلو فيه ، فصلّى ركعتين ، يطيل فيهما ، ودعا فأطال الدعاء ، ثمّ دعاني ، فدخلت عليه ، فبينا أنا عنده ، إذ دخل عليه العبد الصالح ، وهو غلام حدث ، وبيده درّة ، وهو يبتسم ضاحكاً ، فقال له أبوه :« بأبي أنت وأُمّي ، ما هذه المخفقة التي أراها بيدك » ؟

فقال :« كانت مع إسحاق يضرب بها بهيمة له ، فأخذتها منه » ، فقال :« أدن منّي » ، فالتزمه وقبّله وأقعده إلى جانبه ، ثمّ قال :« إنّي أجد بابني هذا ما كان يعقوب يجد بيوسف »

قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، زدني .

قال الإمام الصادق :« قم ، فخذ بيده ، فسلّم عليه ـ أي على الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ـفهو مولاك وإمامك من بعدي ، لا يدّعيها فيما بيني وبينه أحد إلّا كان مفترياً ، يا فلان إن أخذ الناس يميناً وشمالاً فخذ معه ، فإنّه مولاك وصاحبك ، أمّا أنّه لم يؤذن لي في أوّل ما كان منك »

قال : فقمت إليه فأخذت بيده فقبّلتها ، وقبّلت رأسه ، وسلّمت عليه ، وقلت : أشهد أنّك مولاي وإمامي ، إلى أن يسأل الراوي الإمام : بأبي أنت وأُمّي أخبر بهذا ؟ قال :« نعم ، فأخبر به من تثق به ، وأخبر به فلاناً وفلاناً ـ رجلين من أهل الكوفة ـوارفق بالناس ، ولا تلقين بينهم أذى »

قال : فقمت فأتيت فلاناً وفلاناً ، وهما في الرحل ، فأخبرتهما الخبر ، وأمّا

٢٧٩

فلان فسلّم ، وقال : سلّمت ورضيت ، وأمّا فلان فشقّ جيبه ، وقال : لا والله لا أسمع ولا أطيع ، ولا أقرّ حتّى أسمع منه .

فلمّا جاء إلى الإمام قال له :« ابني موسى إمامك ومولاك بعدي ، لا يدّعيها أحد فيما بيني وبينه إلّا كاذب ومفتر » (١)

والحادثة الفريدة التي ذكرناها تصرّف طبيعي من إمام معصوم ، وزعيم لطائفة الحقّ في أن يدفع عن اتباعه أيّ توهّم ، كأن يعتقدوا بقاء إسماعيل حيّاً وغيبته ، ولا يحكم العقل بأنّه لا يكون مثل هذا التصرّف من الإمامعليه‌السلام إلّا إذا كان أكثر الشيعة يعتقدون بإمامة إسماعيل ، بل العقل يحكم بالعكس ، وأنّ وظيفة الإمامعليه‌السلام ـ الذي هو لطف من الله ـ تحتّم عليه دفع الشبهات ، حتّى عن العدد القليل من أصحابه ، بل الواحد ، بل قد يحصنهم قبل الشبهة ، والشواهد من الروايات على ذلك كثيرة ، فاستفادة أكثر الإسماعيلية من فعل الإمام بإسماعيل هنا ما هو إلّا توهّم ومبالغة

فقولك ـ : فإنّ هذا لعمري لأكبر دليل أنّ الأمر قد تفشّى في الشيعة ـ لهو تسرّع في القول لا يقبله العقل العلمي ، ولابأس من الإشارة أنّه بعد أن فعل الإمامعليه‌السلام بإسماعيل ما فعل عاد الكثير ممّن كانوا يتوهّمون أنّ الإمامة ستكون في إسماعيل إلى الحقّ بإمامة موسى الكاظمعليه‌السلام ، وهي الفائدة المرجوة من فعل الإمامعليه‌السلام

ثمّ من قال لك أنّا نستدلّ على إمامة موسى الكاظمعليه‌السلام بما فعله الإمام الصادقعليه‌السلام بإسماعيل ؟ ومن قال لك أنّ الإمام لم ينصّ على الإمام بعده ؟ بل إنّ الإمامعليه‌السلام فعل الأمرين ، وهو غاية التدبير والتبليغ ، فقد نصّ على الإمام الكاظمعليه‌السلام في زمن حياة إسماعيل وعند وفاته وبعدها ، كما كشف عن وجه إسماعيل ليثبت للشيعة موته القطعي دفعاً لأيّ توهّم أو شبهة

______________________

(١) الإمامة والتبصرة : ٦٦

٢٨٠