موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576
المشاهدات: 211686
تحميل: 5817


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211686 / تحميل: 5817
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-01-0
العربية

وبأهله من أجل الإسلام والمسلمين ، لكن ابن القيّم ـ ومن قبله أُستاذه ابن تيمية ـ يجعل ذلك كلّه لأجل الدنيا ، ولأجل الكرسي ، ولأجل المُلك

ولا يجعله لله تعالى !! ويحكم بعقوبة الله المنزلة ، وهي منع ذرّية الحسين من ظهور المهدي فيها ، لأنّ الحسين طلب الدنيا فحرم منها !!

ويتحامل ابن القيّم على الشيعة فيقول : « وأمّا ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعدّ

قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب « الإرشاد » : وضعت الرافضة في فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت نحو ثلاثمائة ألف حديث

ولا تستبعد هذا فإنّك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال »(١)

وقال : « ومن ذلك حديث : « أكذب الناس الصبّاغون والصواغون » ، والحسّ يردّ هذا الحديث ، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم كالرافضة فإنّهم أكذب خلق الله »(٢)

وقال : « وأمّا الرافضة الإمامية : فلهم قول رابع وهو : أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري المنتظر ، ومن ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحسّ فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كلّ يوم ، يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون به أن يخرج إليهم : أُخرج يا مولانا ، أُخرج يا مولانا ، ثمّ يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه

ولقد أحسن من قال :

ما آن للسرداب أن يلد الذي

كلّمتموه بجهلكم ما آن

______________________

(١) المصدر السابق : ١٦٦

(٢) المصدر السابق : ٥٢

٣٤١

فعلى عقولكم العفا فإنّكم

ثلّثتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كلّ عاقل »(١)

فانظر إلى هذا الكلام وما فيه من التشنيع والتحامل على شيعة أهل البيتعليهم‌السلام

فابن القيّم الجوزية حاله معلوم بعد معرفة انتمائه المذهبي وتوجّهه الفكري ، فهو المعلّم الثاني في المدرسة السلفية بعد ابن تيمية ، وهو المكمّل لدرب أُستاذه في منهجه المختلف عن مناهج المسلمين ، وكلّ ما عند ابن تيمية من تحامل على المسلمين وعلى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وعلى شيعتهم فهو موجود عنده وزيادة ، وقد نقلنا إليك شطراً من كلماته

وقد ألّف ابن القيّم الجوزية كتباً متعدّدة في الردّ على المسلمين والتحامل عليهم منها :

١ ـ الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة : وقد بيّن فيه عقيدته السلفية ، وهجم بلسان لاذع على عموم المسلمين المخالفين لعقيدته المجسّمة

٢ ـ اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطّلة والجهمية : وهو كسابقه من حيث التعقيد والهجوم

وبعد هذا يتّضح الحال والموقف الذي يتّخذ تجاهه ، فنفس الموقف المأخوذ نحو ابن تيمية يؤخذ نحو ابن القيّم

« دينا ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالبة ثانوية »

موقفنا من عمر بن عبد العزيز والرشيد والأيوبي :

س : هل حقّاً أنّ عمر بن عبد العزيز ، وهارون الرشيد ، وصلاح الدين الأيوبي ممّن يعادون الشيعة ؟ وما الدليل على ذلك ؟

______________________

(١) المصدر السابق : ١٥٢

٣٤٢

ج : إنّ من تذكرين من بني أُمية ، وبني العباس ، وغيرهما لهم تواريخ تشهد بها كتب التاريخ والسير ، فلو تابعتِ كلّ واحدٍ منهما لوجدتي الحكم عليهم بنفسكِ ، وسيكون قراركِ موفّقاً في هذا الشأن

إنّ أية شخصية تاريخية سيكون موقفنا منها من خلال موقف تلك الشخصية من أهل البيتعليهم‌السلام ، وسأوقفكِ على قاعدة عامّة تستطيعين من خلالها تقييم الشخصيات التاريخية :

نحن الشيعة نقول بخلافة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وذلك لنصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه يوم الغدير ، وغيره من المواضع ، فقال :« من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ، ومن خلال نصوص كثيرة تثبت ولاية وخلافة الإمام عليعليه‌السلام ، كما أنّنا نقول : بأنّ الخلافة بالنصّ وليست بالشورى والإجماع ، كما يدّعي غيرنا

هكذا تسلسل الإمامة والخلافة في علي وأولادهعليهم‌السلام من الأئمّة الاثني عشر ، وكلّ من تجاوز هؤلاء الأئمّة يعدّ ظالماً وغاصباً مهما بلغ غايته من العدل والشجاعة وأمثالهما

فخلفاء بني أُمية ، وأمثالهم من بني العباس يعدّون غاصبين لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهم ليسوا شرعيين مع وجود الأئمّة ، فعمر بن عبد العزيز كان يعيش في حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وهارون الرشيد كان يعيش في زمن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وهكذا يعدّ كلّ واحد منهما غاصباً للخلافة التي نصّ عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

نعم ، يمكن أن يكون لعمر بن عبد العزيز خصوصية رفع السبّ والشتم عن عليعليه‌السلام ، بعد أن جعلوه بنو أُمية سنّة ، وهذا موقف جيّد ورائع ، إلّا أنّه لا يزال يعدّ غاصباً لمنصب أهل البيتعليهم‌السلام الشرعي

أمّا هارون الرشيد ، فرواياتنا ـ نحن الشيعة ـ متّفقة ومتواترة على قتله للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وقد دسّ له السمّ ، بعد أن سجنه أربعة عشر عاماً ظلماً وعدواناً ، ولاحق من خلال ذلك شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقتل منهم ، وسجن

٣٤٣

وشرّد المئات من الشيعة دون ذنب ، إلّا كونهم أتباع أئمّة آل البيتعليهم‌السلام

أمّا صلاح الدين الأيوبي ، فالمعروف عنه ، قضاؤه على دولةٍ شيعية في مصر ، تعدّ من أهمّ الدول الشيعية ، وهي الدولة الفاطمية ، فقتلهم ولاحقهم وشرّدهم ، حتّى عرف صلاح الدين الأيوبي شخصية سيئة في التاريخ الشيعي ، ويمكنكِ الرجوع إلى كتب التاريخية ، كـ « الكامل في التاريخ » لابن الأثير ، و « مروج الذهب » للمسعودي ، و « تاريخ اليعقوبي » ، وغيرها لتقفين على الحقيقة

« دينا ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالبة ثانوية »

تعقيب على الجواب السابق :

يحار المرء في الوصول إلى حقيقة شخصية صلاح الدين وسبر أغوار نفسيته ، ولكن المنصف إذا أبحر بعمق في سفينة المؤرّخ والمفكّر الكبير السيّد حسن الأمين عبر كتابه « صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين » يمكن أن يصل إلى شاطئ فيه الكثير من الصور واللوحات التي تعبّر إن لم يكن عن كلّ الحقيقة فأكثرها جلاء في حياة هذا الرجل

يقول السيّد الأمين : « إنّ صلاح الدين الأيوبي لم يكد يطمئن إلى النصر الرائع في تلك المعركة ، حتّى أسرع إلى القيام بعمل لا يكاد الإنسان يصدّقه ، لولا أنّه يقرأ بعينيه تفاصيله الواضحة ، فيما سجّله مؤرّخو تلك الحقبة ، المؤرّخون الذين خدرت عقولهم روائع استرداد القدس ، فذهلوا عمّا بعده ، لم تتخدّر أقلامهم ، فسجّلوا الحقائق كما هي ، وظلّ تخدير العقول متواصلاً من جيل إلى جيل ، تتعامى حتّى عما هو كالشمس الطالعة

حصل بعد حطين أنّ صلاح الدين الأيوبي آثر الراحة بعد العناء ، والتسليم بعد التمرّد ، فأسرع يطلب إلى الإفرنج إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام »(١)

______________________

(١) صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين : ١٤٤

٣٤٤

ولكي يتوصّل صلاح الدين إلى إحلال السلام ، وإنهاء حالة الحرب مع الصليبيين ، رضخ بصورة مذهلة وغريبة إلى كلّ الشروط التي اشترطوها عليه أثناء المفاوضات ، ومنها : التنازل للصليبيين عن الكثير من المدن التي كان صلاح الدين قد استردها منهم بالحرب ، حيفا ويافا وقيسارية ونصف اللد ، ونصف الرملة وعكّا وصور ، وسوى ذلك ، حتّى صارت لهم فلسطين إلّا القليل(١)

إضافة إلى ما وراء ذلك من اعتراف بوجودهم وإقرار لاحتلالهم ، ورفع العنت والمعاناة عن رقابهم الموضوعة تحت سيوف المجاهدين ، وإعطائهم الفرصة الذهبية للراحة ، والاستعداد التام للانقضاض على القدس من جديد ، الأمر الذي حصل فعلاً بعد موت صلاح الدين

ويقول الدكتور حسين مؤنس : « ثمّ دخلوا في مفاوضات مع صلاح الدين انتهت بعقد صلح الرملة ، الذي نصّ على أن يترك صلاح الدين للصليبيين شريطاً من الساحل ، يمتد من صور إلى يافا ، وبهذا العمل عادت مملكة بيت المقدس ـ التي انتقلت إلى طرابلس ـ إلى القوّة بعد أن كانت قد انتهت ، وتمكّن ملوكها من استعادة الساحل حتّى بيروت ، وبذلك تكون معظم المكاسب التي حقّقها صلاح الدين ـ فيما عدا استعادته لبيت المقدس ـ قد ضاعت »(٢)

متى يكون الجنوح للسلم ؟

إنّه لأمر غريب حقّاً وعجيب جدّاً بل ومريب أن يجنح إلى السلم قائد لجيش منتصر ، ثمّ إنّ هذا الذي جنح إليه صلاح الدين هل هو سلم أم استسلام ؟!

قال الله تعالى في محكم التنزيل :( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٣)

______________________

(١) الأعلاق الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة : ١٧٣

(٢) أطلس تاريخ العالم : ٢٦٩

(٣) الأنفال : ٦١

٣٤٥

يلاحظ أنّ الله تعالى قد اشترط في هذه الآية الكريمة أن يجنح المعتدون أنفسهم إلى السلم ، فيجنح إليه عندئذ المسلمون ، وهذا يعني أنّ الهزيمة الأكيدة قد حاقت بالأعداء ، ولاحت لهم بوادرها ، فجبنوا عن متابعة الحرب ، وجنحوا إلى طلب الصلح حفظاً على أرواحهم وأنفسهم ، ولم يعودوا مؤهّلين إلى تقديم شروط ، وباتوا مستعدّين للاستجابة للشروط التي يفرضها عليهم المسلمون ، وغنيّ عن البيان أنّ المسلمين بما هم مكلّفون بتبليغ الإسلام إلى البشرية جمعاء ، وبما هم مأُمورون به من العدل والإنصاف ، وتأليف قلوب الكفّار ليسلّموا لله ، ويؤمنوا بالحقّ الذي جاء من عنده ، لن يشترطوا في شروطهم ، ولن يجعلوها شروطاً تعجيزية مجحفة ، بل سيقتصرون من الشروط على سبيل المثال لا الحصر على فتح الطريق أمام حرّية الدعاة في التبليغ ، ونشر نور الرسالة الربانية

استرداد الأسرى من المؤمنين ـ إن كان هناك أسرى ـ أو تبادلهم مع الأسرى من الكفّار المقاتلين

الجلاء التام الكامل عن كلّ شبر من الأرض الإسلامية التي دخلها الكفّار أو احتلوها أثناء الحرب

وربما دفع جزية للمسلمين ، حتّى لا يفكّر الكفّار مستقبلاً في نقض هذه الشروط

ولكن شيئاً من هذا لم يحصل بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين المعتدين فما الذي حصل إذاً ؟

١ ـ إنّ صلاح الدين هو الذي طلب الصلح والهدنة ، وبادر إليها رغم أنّه المنتصر في معركة حطين التي انتهت بتحرير القدس

٢ ـ الصليبيون استغلوا استغلالاً كبيراً هذه المبادرة السلمية من صلاح الدين ، وفرضوا عليه شروطهم كاملة

٣ ـ لم يحقّق صلاح الدين أيّاً من مقتضيات الجنوح الإسلامي إلى السلم ،

٣٤٦

فالصليبيون لا يزالون محتلّين لمنطقة كبيرة جدّاً من البلاد الإسلامية

٤ ـ وزاد من سوء هذا الجنوح إلى السلم تنازل صلاح الدين للصليبيين عن مناطق أُخرى ، ومدن مهمّة كانت في يده

كلّ هذا في الوقت الذي لم يكن فيه صلاح الدين في حالة ضعف أو تقهقر ، بل كان في حالة عظيمة من الانتصار والتقدّم والقوّة ، بل وكان الخليفة الناصر العباسيّ يلحّ عليه في أن يمدّه بجيش الخلافة ، وكان ذلك إيذاناً بنصر كاسح على الصليبيين المعتدين ، سيؤدّي إلى طردهم خارج البلاد الإسلامية ، والتنكيل بهم تنكيلاً يجعل الرعب يدبّ في قلوب من خلفهم من الكفّار ، بحيث لا يراودهم أي أمل ، ولو في مجرد التفكير مستقبلاً بالاعتداء على ديار المسلمين ، طبقاً لقوله عزّ من قائل :( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (١)

فلماذا جنح صلاح الدين إلى السلام مع الصليبيين ؟

هنا لابدّ أن يثور في الفكر سؤال كبير ، وبحث عن السبب الذي دفع صلاح الدين إلى إيقاف الحرب مع الصليبيين ، والجنوح الشديد نحو مسالمتهم ، وعقد معاهدة الصلح معهم بهذا الشكل المريب ، وهو السؤال الذي لم يبخل التاريخ بالإجابة عنه بصراحة ووضوح ، ومن قبل أقرب المقرّبين من المؤرّخين إلى صلاح الدين

لو كان صلاح الدين مجاهداً في سبيل الله والإسلام لالتزم بالتعاليم الإسلامية بشكل عامّ ، وبالأحكام المتعلّقة بالسلم والحرب بشكل خاصّ ، وواقع الحال يؤكّد غير ذلك

ولو كان صلاح الدين بطلاً قوميّاً كما يدّعون له لاختار أن يستمر في الحرب حتّى يطهّر الأرض العربية من رجس الغزاة المعتدين ، ويكنس منها كلّ
______________________

(١) الأنفال : ٥٧

٣٤٧

أثر للصليبيين ، قبل أن يفكّر بالخلود إلى الراحة والدعة ، وموادعة أعداء الأُمّة ، الرابضين في أهمّ مدنها وبقاعها ، والجاثمين فوق صدور أبنائها

إنّه لا مفرّ أمامنا من الاعتراف : إنّ صلاح الدين الأيوبي ما هو إلّا طالب لسلطة وملك ، حازهما بكلّ خسّة ونذالة ، وطامح لمجد شخصيّ ناله بالغدر والخيانة ، ولم تكن الدواعي الإسلامية والدوافع القومية لتخطر على باله ، أو لتحتلّ حيّزاً ولو صغيراً في قلبه

ومن هنا ، نستطيع أن نفهم مبادرته لإيقاف الحرب ، وسعيه الحثيث لعقد الصلح مع الصليبيين ، ومحاولاته المتكرّرة لثني الخليفة العباسي الناصر عن إرسال أيّ جيش إلى فلسطين لمعاضدته في قتال الصليبيين ، وطردهم من الديار الإسلامية(١)

كان نور الدين زنكي ولي نعمة صلاح الدين ، قد طلب إليه أن يزحف من مصر ، في حين يزحف نور الدين من الشام ، ويحصرا الصليبيين بين الجيشين ممّا يسهل القضاء عليهم ، فأبى ذلك صلاح الدين ، لأنّه اعتقد أنّه إذا زال الصليبيون أصبح تابعاً لنور الدين ، ولمّا أدرك أنّ نور الدين عازم على القدوم بنفسه إلى مصر ليؤدّبه ، احتمى منه بالصليبيين ، كما نصّ على ذلك ابن الأثير ، وأبو شامة وابن العديم وغيرهم

على أنّ صلاح الدين الذي أبرم هذا الصلح مع الصليبيين ، ورسم هذه الصورة الهزيلة لجيشه ، زاعماً في رسالته للخليفة أنّ جيشه قد ملّ القتال وسئم الحرب ، وغدا عاجزاً ضعيفاً عن مواصلة الكرّ والفرّ ، كان يعدّ لحرب جديدة ، ولكن لا لإنقاذ الوطن الإسلامي من خطر الصليبيين هذه المرّة ، وإنّما لتوسيع رقعة مملكته الخاصّة على حساب ممالك إسلامية أُخرى ، لأنّ إنقاذ الوطن الإسلامي من الصليبيين يحدّ من نفوذه ويقلّل من هيمنته ، أمّا القتال في
______________________

(١) صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين : ١١٧

٣٤٨

مناطق أُخرى ، فإنّه يزيد من نفوذه ويكثر من هيمنته ، فإذا ضمن ذلك فليبق الصليبيون في بلاد الشام ، ولو أنّ المناطق التي عزم على القتال فيها هي مناطق أجنبية يريد إدخالها ضمن المناطق الإسلامية لهان الأمر ، ولكن صلاح الدين الذي عزم على مسالمة الصليبيين وإنهاء الحرب معهم والتسليم بوجودهم ، صلاح الدين هذا كان يخطّط لغزو البلاد الإسلامية ، وسفك دماء المسلمين ، تحقيقاً لمطامعه الشخصية ، عزم على ترك الصليبيين في أمان ، واتجه لترويع المسلمين الآمنين

ويذكر ابن الأثير في تاريخه ، وابن كثير في « البداية والنهاية » : إنّ صلاح الدين كان عازماً على أن يغزو بنفسه بلاد الأناضول ، التي كانت وقتذاك بلاداً إسلامية ، يحكمها أولاد قلج أرسلان السلجوقي ، وأن يوجّه أخاه « العادل » لغزو بلاد « خلّاط » ، والدخول منها إلى أذربيجان ، ومن ثمّ بلاد العجم ، لكن المنية عاجلت صلاح الدين ، وحالت بينه وبين الإقدام على جريمة أُخرى من جرائمه الكثيرة في حقّ الإسلام والمسلمين

ما الذي فعله صلاح الدين ؟ نقول بكلّ صراحة :

١ ـ قضى صلاح الدين على الدولة الفاطمية في مصر ، وأباد المكتبات العظيمة ، وشتّت الكتب التي سهروا طويلاً على جمعها وترتيبها ، ووضعوها بين أيدي العلماء ، لينهلوا من معينها الفيّاض ، ونكّل بأتباعهم وأشياعهم بكلّ قسوة ووحشية

هذه الدولة العظيمة ، التي كانت طوال فترة حكمها ، السدّ المنيع أمام أطماع الروم البيزنطيين ، والحارس القوي اليقظ على ثغور دولة الإسلام ، سواء في الشام بالمشرق ، أو في إفريقيا بالمغرب ، متابعة في ذلك الدور العظيم ، الذي كانت تقوم به قبلها الدولة الحمدانية في حلب ، بقيادة سيف الدولة الحمداني ، والتي قضى عليها هي الأُخرى أسياد صلاح الدين وآباؤه

٢ ـ اكتفى صلاح الدين بالنصر الذي حقّقه في معركة حطين ، والتي انتهت

٣٤٩

بانتزاع القدس من أيدي الصليبيين ، وبدلاً من متابعة الحرب ، واضعاً يده في يد الخليفة الناصر العباسي حتّى طرد الصليبيين من كافّة الأرجاء والمدن الإسلامية ، آثر مصلحته الشخصية في بسط نفوذه على بلاد الشام ، وتمكين ملكه فيها ، بعيداً عن نفوذ الخليفة ، أو تدخّله في شؤون تصريفه لأُمور مملكته هذه

ولتحقيق هذه الغاية بادر إلى مسالمة الصليبيين وموادعتهم ، بل إلى التحالف معهم لقتال جيش الخلافة لو جاء إلى فلسطين ، هذه المسالمة التي تنازل صلاح الدين من أجل الوصول إليها ، عن معظم مدن فلسطين ولبنان للصليبيين ، واعترف لهم بشرعية وجودهم فيها خلافاً لتعاليم الإسلام ورغبة المسلمين ، بما فيهم الخليفة الناصر العباسي

٣ ـ في عام ١١٩٠ م أصدر صلاح الدين مرسوماً دعا فيه اليهود إلى الاستيطان في القدس(١)

وبهذا المرسوم انفتح الطريق منذ ذلك اليوم لقيام دولة إسرائيل ، وما وصلت إليه في عصرنا الحاضر من طغيان وفساد في الأرض

٤ ـ قبل أن يموت صلاح الدين ، قام بتقسيم البلاد التي كان يحكمها بين ورثته على الشكل الذي يحدده ابن كثير كما يلي :

مصر : لولده العزيز عماد الدين أبي الفتح

دمشق وما حولها : لولده الأفضل نور الدين علي

حلب وما إليها : لولده الظاهر غازي غياث الدين

الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدان كثيرة على قاطع الفرات : لأخيه العادل

حماه : لابن أخيه محمّد بن تقي الدين عمر

______________________

(١) أُنظر : الموسوعة اليهودية ١٤ / ٦٦٩

٣٥٠

حمص والرحبة وغيرها : لابن عمّه أسد الدين بن شيركوه

اليمن : لأخيه ظهير الدين سيف الإسلام طفتكين بن أيوب

بعلبك : لابن أخيه بهرام شاه بن فروخ شاه

بصرى : للظافر بن الناصر

ويضيف ابن كثير بعد هذا النصّ قائلاً : « ثمّ شرعت الأُمور بعد صلاح الدين تضطرب وتختلف في جميع الممالك »

ويقول الدكتور حسين مؤنس واصفاً تلك القسمة : « قسّم صلاح الدين الإمبراطورية ممالك بين أولاده واخوته وأبناء أخويه ، كأنّها ضيعة يملكها ، لا وطناً عربياً إسلامياً ضخماً يملكه مواطنوه » !

ثمّ يقول عمّا آل إليه الحال بين ورثة صلاح الدين : « عملوا أثناء تنافسهم بعضهم مع بعض ، على منح بقايا الصليبيين في أنطاكية وطرابلس وعكا امتيازات جديدة ، فتنازل لهم السلطان » العادل « عن الناصرة ، وكانت بقية من أهل مملكة بيت المقدس الزائلة قد أقامت في عكا ، واستمسكت بلقب « ملوك بيت المقدس » ، فاعترف لهم به هذا « العادل » في ثلاث معاهدات ، وحاول الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب ، أن يتحالف مع الصليبيين على عمّه « العادل » وعندما أقبل الإمبراطور فريدريك الثاني يقود الحملة الصليبية السادسة ، ونزل عكا سنة ١٢٢٧ م ، أسرع الملك « الكامل » سلطان مصر وتنازل له عن بيت المقدس ، وجزء من أرض فلسطين يمتدّ من الساحل إلى البلد المقدّس ، ووقّع معاهدة بذلك في ١٨ شباط ١٢٢٩ م ، وفي سنة ١٢٤٤ م تقدّم أيوبي آخر هو الصالح إسماعيل صاحب دمشق ، فجعل للصليبيين الملكية الكاملة لبيت المقدس ، وسلّم لهم قبة الصخرة »

ويعقب السيّد الأمين على ذلك فيقول : لم يكد صلاح الدين يموت حتّى استقلّ كلّ واحد من ورثته بما ورثه عن صلاح الدين ، وتمزّقت البلاد وفقدت وحدتها ، وتشتّت الشعب قطعاً قطعاً لا تربطها رابطة ، ولم يقنع كلّ وارث بما

٣٥١

ورثه ، بل راح كلّ واحد منهم يطمع فيما في يد غيره ، ويستعين على غريمه بالصليبيين .

فماذا بقي لصلاح الدين ؟ هذا ممّا يمكن أن يتفاخر به مؤيّدوه بتحرير القدس ، وقد أدّت تصرّفاته الرعناء ومطامعه الشخصية إلى أن يعود الصليبيون إلى القدس ؟!

إنّ هذه الحقائق عن مخازي صلاح الدين الأيوبي لم ينفرد بها السيّد الأمين ، ولم يخترعها من عند نفسه ، وإنّما انتزعها من بطون كتب التاريخ ، وخاصّة من المؤرّخين الذين عاصروا صلاح الدين ، والفترة التي تلت عصره ، وكانوا من المقرّبين إليه والأثيرين عنده ، وقام مشكوراً بجهد كبير ليكشف لنا هذه الحقائق الناصعة ، مأخوذة من مؤرّخين لا يرقى الشكّ إلى ولائهم لصلاح الدين ، وبالتالي إلى صدق ما كتبوه عنه وعن ورثته ، من مثل العماد الأصفهاني ، والقاضي بهاء الدين بن شدّاد ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والنعمان بن محمّد ، والمقريزي ، وابن القلانسي ومن إليهم ، ونقله عنهم بعد ذلك جمع كثير من المؤرّخين المعاصرين ، منهم الدكتور حسن إبراهيم حسن ، والدكتور طه أحمد شرف ، والدكتور حسين مؤنس ، وسواهم

وأخيراً : هذا هو صلاح الدين الأيوبي ، وهذه هي شخصيّته الحقيقية كما أفصح عنها التاريخ ، لم يكن مجاهداً إسلامياً ، ولا بطلاً قومياً عربياً ، وإنّما كان مجرد طالبٍ لسلطة ، وطامع بملك ، وقد نالهما عبر مراحل طويلة من خداعه للمسلمين والعرب ، فباسم الجهاد سالم الصليبيين بل وتحالف معهم ، وباسم الجهاد قاتل شعوباً إسلامية ، وقضى على دول إسلامية في مصر واليمن وسواهما ، وكان قاسياً جدّاً لدرجة الوحشية مع المسلمين الذين يحكمهم ، ومتسامحاً لدرجة مريبة جدّاً مع اليهود والصليبيين

ولابأس أن ننقل في هذا الختام ، حديث الدكتور حسين مؤنس عن سيرة صلاح الدين مع الشعب ، والمعاملة السيئة والقاسية التي كان هو وعمّاله

٣٥٢

يعاملون بها الناس : « كانت مشاريعه ومطالبه متعدّدة لا تنتهي ، فكانت حاجته للمال لا تنتهي ، وكان عمّاله من أقسى خلق الله على الناس ، ما مرّ ببلده تاجر إلّا قصم الجُباةُ ظهره ، وما بدت لأيّ إنسان علامة من علامات اليسار إلّا أُنذر بعذاب من رجال السلطان ، وكان الفلّاحون والضعفاء معه في جهد ، ما أينعت في حقولهم ثمرة إلّا تلقفها الجُباةُ ، ولا بدت سنبلة قمح إلّا استقرّت في خزائن السلطان ، حتّى أملق الناس في أيّامه ، وخلّفهم على أبواب محن ومجاعات حصدت الناس حصداً »(١)

هذا هو صلاح الدين الأيوبي على حقيقته الكاملة ، ولكن الناس خدّرتهم أنباء الفتوحات المزيّفة ، والبطولات الموهومة ، فلم يعودوا يميّزون بين الغثّ والثمين ، ولا بين الصدف والجوهر ، وكلّ هذا بفضل التعتيم المستمر على حوادث التاريخ ، والتزوير المخطّط من قبل حواشي السلاطين

أضف إلى ذلك أنّ الناس عندما يهبطون إلى درك من الضعف والعجز يحاولون أن يفتّشوا عن بطولات لهم في التاريخ ، وعندما لا يجد هؤلاء لهم أبطالاً حقيقيين لا يضيرهم أن يستظلّوا تحت سقف أبطال مزيّفين ، ولا يكتفون بذلك بل يجعلون منهم أبطالاً أسطوريين ، يقاتلون طواحين الهواء باسمهم وتحت راياتهم ، ولله في خلقه شؤون ، والحمد لله ربّ العالمين

« اللواتي ـ عمان »

المأمون ليس شيعياً :

س : هل يعتبر المأمون العباسيّ من الشيعة أم لا ؟

ج : إنّ المأمون أحد الخلفاء العباسيين ، احتلّ منصب الخلافة ، وهو يعلم أنّه ليس له ، وهو الذي سقى الإمام الرضاعليه‌السلام السمّ

______________________

(١) مجلة الثقافة / العدد ٤٦٢

٣٥٣

نعم سبب هذه الشبهة : هو ما كان يظهر على لسانه بين الحين والآخر من الكلمات ، فيها اعتراف بأحقّية أهل البيتعليهم‌السلام للخلافة ، وكما تعلمون ، فإنّ الخلفاء كلّهم يعلمون بأنّ منصب الخلافة والإمامة ليس حقّاً لهم ، ولكن بعضهم كان يتجاهل هذا بالمرّة ، والبعض الآخر ـ ومنهم المأمون ـ كان يظهر على لسانه الحقّ

« إبراهيم عبد الله ـ البحرين ـ »

قيمة كتاب سليم عند الإمامية :

س : ما هي قيمة كتاب سليم بن قيس الهلالي ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : قال عنه العلّامة آقا بزرك الطهرانيقدس‌سره ما نصّه :

« سليم بن قيس الهلالي ، أبي صادق العامري ، الكوفي التابعي

أدرك أمير المؤمنين علياً ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، والباقرعليهم‌السلام ، وتوفّي في حياة علي بن الحسين ، متستّراً عن الحجّاج أيّام إمارته ، هو من الأُصول القليلة ، التي أشرنا إلى أنّها ألّفت قبل عصر الصادقعليه‌السلام

قال أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في كتاب الغيبة : ليس بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمّةعليهم‌السلام خلاف في أنّ كتاب سليم ابن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأُصول ، التي رواها أهل العلم ، وحملة حديث أهل البيتعليهم‌السلام ، أقدمها لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل ، إنّما هو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، والمقداد وسلمان الفارسي ، وأبي ذر ، ومن جرى مجراهم ، ممّن شهد رسول الله ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسمع منهما ، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ، وتعوّل عليها

وروي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبّينا كتاب سليم بن قيس الهلالي ، فليس عنده من أمرنا شيء ، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً ، وهو أبجد الشيعة ، وهو سر من أسرار آل محمّد عليهم‌السلام … »

٣٥٤

كتاب سليم هذا من الأُصول الشهيرة عند الخاصّة والعامّة ، قال ابن النديم : هو أوّل كتاب ظهر للشيعة

ومراده أنّه أوّل كتاب ظهر فيه أمر الشيعة ، كما أشير إليه في الحديث ، في توصيفه بأنّه أبجد الشيعة

وقال القاضي بدر الدين السبكي ، المتوفّي سنة ٧٦٩ هـ ، في محاسن الوسائل في معرفة الأوائل : إنّ أوّل كتاب صنّف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلالي …

نقل كثير من قدماء الأصحاب في كتبهم ، كإثبات الرجعة ، والاحتجاج ، والاختصاص ، وعيون المعجزات ، ومن لا يحضره الفقيه ، وبصائر الدرجات ، والكافي ، والخصال ، وتفسير فرات ، وتفسير محمّد بن العباس بن ماهيار ، والدر النظيم في مناقب الأئمّة المهاميم ، من كتاب سليم بأسانيد متعدّدة ، تنتهي أكثرها إلى أبان بن أبي عياش فيروز ، الذي ناوله سليم الكتاب ، وأوصاه به قرب موته ، ولكن يرويه غير أبان أيضاً عن سليم … »(١)

« إبراهيم عبد الله ـ البحرين ـ »

قيمة بعض الكتب ومؤلّفيها عند الإمامية :

س : ما هي قيمة الكتب التالية ، ومؤلّفيها عند الإمامية : « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، « مروج الذهب » للمسعودي ، « الفتوح » لابن أعثم الكوفي ، « تاريخ اليعقوبي » ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : بالنسبة إلى ابن أبي الحديد ، فهو معتزلي في الأُصول ، وحنفي في الفروع ، وشرحه على نهج البلاغة وإن كان مفيداً جدّاً ، إلّا أنّه قد حوى من الموضوعات التي لا يمكن الموافقة عليها ، واشتمل أيضاً على ردود على كبار علمائنا في كثير من المباحث العقائدية

______________________

(١) الذريعة ٢ : ١٥٢

٣٥٥

وأمّا المؤرّخون الثلاثة ـ ابن أعثم الكوفي ، صاحب كتاب « فتوح الإسلام » ، والمسعودي صاحب كتاب « مروج الذهب » ، واليعقوبي صاحب كتاب « تاريخ اليعقوبي » ـ الذين سألت عنهم ، فقد ينسبون كلّهم ، أو بعضهم إلى التشيّع ، وعلى كلّ حال ، فإنّ كتبهم التاريخية من المصادر المعروفة المشهورة التي يرجع إليها في البحوث العلمية والتاريخية ، وأمّا أن نعتقد بصحّة كلّ ما جاء في هذه الكتب ، وأمثالها من الكتب التاريخية ، فهذا غير صحيح

ويمتاز المسعودي بتأليفه كتاباً في إثبات الوصية لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذا ما يقوّي كونه من الشيعة

« إحسان ـ ألمانيا ـ ٣٣ سنة ـ طالب علم »

ردّ الشبهات عن السيّدة سكينة بنت الحسين :

س : الإخوة الأعزّاء في مركز الأبحاث العقائدية

في شاشات التلفزيون يعرض مسلسل تاريخي « الحجّاج الثقفي » لعنة الله على أعداء أهل البيتعليهم‌السلام

هذا المسلسل يحمل في طيّاته مغالطة عن بنت الإمام الحسينعليه‌السلام ، وبنت فاطمة الزهراء وعليعليهما‌السلام ، وبنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي السيّدة سكينةعليها‌السلام

في المسلسل شخصية السيّدة بأنّها تجالس الرجال والشعراء ، وتحدّثهم ، وأنّها قد تزوّجت من مصعب بن الزبير ، وهو موالٍ لأخيه عبد الله بن الزبير ، ومن المعلوم لدى الكثير منّا أنّ آل الزبير هم يكنّون العداوة والبغضاء لأهل البيتعليهم‌السلام

فهل يصدّق البعض منّا ما يعرض على شاشات التلفزيون ؟ وهل وصل الأمر إلى المغالطة والكذب في سيرة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ وهل هذا حقّاً حدث ؟! عقولاً حيارى تحتاج لنور يضيء الظلام الذي استغرقت فيه

قد يدخل الشكّ لبعض العقول ، وللذين لا يملكون المعرفة عن حياة السيّدة سكينةعليها‌السلام ، وحياة مصعب بن الزبير ، فهذه العقول تحتاج للنور ، ننتظر نور أقلامكم أخوتي ، نوّر الله دربكم بنور الولاية

٣٥٦

نسأل الله أن يثبّتنا على الولاية لعلي وآلهعليهم‌السلام ، وموفّقين لكلّ خير

هذا ونكون لكم شاكرين سرعة الإجابة ، علماً أنّ الإجابة سوف توضع في إحدى المنتديات الشيعية

ج : في مقام الجواب نورد لكم بحثاً مفصّلاً حول حياة هذه السيّدة الجليلة ، اقتبسناه من كتاب « أعلام النساء المؤمنات » ، مع إجرّاء بعض التعديلات ، وذلك لاقتضاء الضرورة لأمثال هكذا أبحاث ، للدفاع عن الحقيقة وردّ الشبهات :

السيّدة سكينة بنت الإمام الحسينعليه‌السلام

أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي

وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة ، والزهرة الباسمة الناظرة ، كانت سيّدة نساء عصرها ، وأحسنهنّ أخلاقاً ، ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الجميلة ، والكرم الوافر ، والعقل التامّ ، تتّصف بنبل الفعال ، وجميل الخصال ، وطيب الشمائل ، وذات عبادة وزهد

يقول عنها الإمام الحسينعليه‌السلام :« وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل » (١)

كان الإمام الحسينعليه‌السلام يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أُمّها الرباب الشعر ، قال :

لعمـركَ أنّـني لأحـبّ داراً

تحـلّ بها سـكيـنـة والرباب

أحـبّـهما وأبذل جلّ مـالي

وليس للائـمـي فـيـهـا عـتـاب

ولست لهم وإن عتـبوا مطـيعاً

حياتـي أو يعلّيني التـراب(٢)

وفي هذه الأسطر القليلة ، نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة :
______________________

(١) الكنى والألقاب : ٢ / ٤٦٥

(٢) البداية والنهاية ٨ / ٢٢٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٩ / ١٢٠ ، الإصابة ١ / ٣٥٥ ، أنساب الأشراف : ١٩٦ ، ينابيع المودّة ٣ / ٩ و ١٥٢

٣٥٧

في كربلاء :

لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها ، وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبيّ ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ، ثمّ الشام فالمدينة المنوّرة

وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع أُذهلت سكينة ، حتّى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسينعليه‌السلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداءعليه‌السلام ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها ، وهو يقول :

سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي

منك البكاء إذا الحِمـام دهـاني

لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةً

مادام منّي الروح في جـثـماني

فإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالـذي

تأتينه يـا خـيرة الـنـسـوان(١)

وبعد مصرع الحسينعليه‌السلام ، ومجيء جواده إلى الخيام عارياً ، وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : وا قتيلاه ، وا أبتاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا غربتاه ، وا بعد سفراه ، وا كربتاه

فلمّا سمع باقي الحرم خرجن ، فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وا محمّداه

وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسينعليه‌السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه ، وتبثّه ما اختلج في صدرها من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحّيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة ، وجرّوها عنه بالقهر

______________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٥٧ ، مقتل الحسين لابن مخنف : ١٩٤ ، ينابيع المودّة ٣ / ٧٩

٣٥٨

شعرها :

لم نجد من شعرها إلّا أبيات قليلة ، قالتها ترثي أباها الحسينعليه‌السلام ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينةعليها‌السلام من مجالسة الشعراء ، والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسينعليه‌السلام ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين ، وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية

ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ، ترثي أباها الحسينعليه‌السلام :

لا تعذليه فهمّ قاطعٌ طُرقه

فعينه بدموع ذُرَّفٍ غدقة

إنّ الحسين غداة الطفّ يرشقه

ريب المنون فما أن يُخطيء الحدقة

بكفّ شرّ عباد الله كلّهم

نسل البغايا وجيش المرّق الفسقة

يا أُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكم

غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه

الويل حلّ بكم إلّا بمن لحقه

صيّرتموه لأرماح العِدى درقة

يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً

لا تبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقة

لكن على ابن رسول الله فانسكبي

قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة

زواجها :

لم يسلم أهل البيتعليهم‌السلام من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتّى شيعتهم ومحبّيهم لاقوا ما لاقوا من شتّى أنواع التهم والافتراءات ، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً

فعند مطالعتكَ للتاريخ ، لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الاتهامات ، فعلي يشرب الخمر ! وأبوه مات كافراً ! وعبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينبعليها‌السلام يسمع الغناء ويطرب !

وأمّا مسألة تعدّد الزوجات والأزواج ، فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها

٣٥٩

عند المؤرّخين ، فالحسنعليه‌السلام يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، وأُم كلثوم وقصّة زواجها من عمر بن الخطّاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وزواجها من حفيد عثمان بن عفّان ، ثمّ تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدّد أزواجها

قالت الدكتورة بنت الشاطئ بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الأسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذّاً ، حتّى ليشطّر الاسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين ، فكان منه زوجان : عبد الله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم

ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجية تتبّعاً دقيقاً ، يعتمد على اليقين التاريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التاريخ النقلي بوجه عامّ ، وهو هنا في موضع زوجية سكينة ، أبعد من أن يُلتمس ، وأعزّ من أن يُدرك أو ينال

فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع ، حتّى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح ، الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية ، أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية ، وقرائن غالبة

لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل ، لو أنّه توزّع بين مراجع شتّى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها ، أو أصلها ، أو ادعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح ، والوزن والمقابلة ، والتعديل والترجيح ، ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد ، دون محاولة من مؤلّفها للفصل بينها ، أو

٣٦٠