موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241595 / تحميل: 7282
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أحكامُ الصبي

وليس هناك شك من أنّ الصبيان - وهم براعم المستقبل، وهم المؤهّلون للتكليف الشرعي لاحقاً - يحتاجون أكثر من غيرهم إلى عين تحفظ مصالحهم الشخصية وحقوقهم المادية والأدبية.

وبطبيعة الحال، فإنّ حقوق الصبي والصبية تدخل ضمن الإطار الشرعي الذي جاء به الإسلام، فأمرَ بحفظها رعاية لمصلحتهما وحفظاً لشخصيتهما الاجتماعية حتى يصِلا مرحلة الرشد والبلوغ، وهذه الحقوق تشمل أحكاماً في الولاية والوصاية والعبادات والمعاملات.

أ - الحَجر قبل البلوغ

فقد أقرّ الإسلام شرعية الحَجر، وهو: منع الإنسان من التصرّف في أمواله كلياً أو جزئياً لمختلف الأسباب منها: المرض، والإفلاس، والسفه، والجنون، والصغر، وهو ثابت إجماعاً ونصاً، ومنه قوله تعالى: ( وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (1) ، وما ورد عن الإمام جعفر بن محمد (ع) في الرواية: ( انقطاع يُتم اليتيم الاحتلام وهو أشدّه، وإن احتلمَ ولم يؤنس منه

____________________

1 - النساء: 5.

١٤١

رشد وكان سفيهاً أو ضعيفاً، فليُمسك عنه وليه ماله ) (1) .

وأجمعَ الفقهاء على: أنّ الصغير ممنوع من التصرّفات المالية حتى يحصل له البلوغ والرشد.

ب - عبادات ومعاملات الصبي

والمشهور بين فقهاء الإمامية: أنّ عبادة الصبي - كأداء الصلاة والصوم والحج - شرعية لا تمرينية؛ لأنّ أدلّة التكاليف غير الملزمة لا مانع من شمولها للصبي، كما قال بعض الفقهاء، باعتبار أنّ العبادة حسنة بذاتها، وأنّ السبب الموجب لشرعيتها هو: إدراك الصبي بأنّه يتقرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى.

ومن الواضح أنّ وصية الصبي المميّز وصَدَقته في وجوه الخير جائزة، شرط أن يبلغ عشراً، كما ورد في روايات أئمة أهل البيت (ع)، ومنها رواية عن الإمام جعفر بن محمد (ع): ( إذا بلغَ الغلام عشر سنين جازت وصيته ) (2) ، ورواية أخرى: ( إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتقَ، أو تصدّق، أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز ) (3) ، وهو المشهور بين علماء الإمامية.

ولا شك أنّ الصبي يؤدَّب على ما يرتكبه من الكبائر، ويُغرم في ماله ما يُحدِث في مال الغير من تلفٍ أو عيب، باعتبار أنّ الحُكم الوضعي - الذي يتجه نحو صحّة العمل وفساده - يخصّ الصبيان كما يخصّ البالغين.

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 385.

2 - الكافي: ج 2، ص 242.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 272.

١٤٢

وللصبي جواز التملّك فيما يحوزه من المباحات، وله الحقّ فيما يُحييه من أرض المَوات.

إذاً، فإنّ عبادة الصبي ووصيته وتملّكه جائزة عند الفقهاء، ولكنّ الذي اختُلف فيه هو العقد الذي يعقده الصبي، أهوَ جائز أم لا؟ انقسم فقهاء الإمامية في الإجابة على هذا السؤال إلى فريقين:

الأول: المشهور بينهم أنّ عقد الصبي المميّز باطل حتى مع إذن الولي، عدا ما استُثني من الصدقة والوصية، كما جاء في الرواية عن الإمام (ع) المذكورة آنفاً، وكما ورد أيضاً في رواية أخرى: ( عَمدُ الصبي وخطأه واحد ) (1) ، فـ( إذا جمعنا الأدلّة بعضها إلى بعض، فمقتضاها عدم الاعتبار بما يصدر عن الصبي من الأفعال التي يُعتبر فيها القصد: كإنشاء العقود أصالة ووكالة، والقبض والاقباض، وكلّ التزام على نفسه من ضمان، أو إقرار، أو نذر، أو إيجاز ) (2) .

الثاني: قالوا بجواز معاملة الصبي المميّز وصحّتها مع إذن الولي، فـ( لا يبعد القول بصحّة عقد الصبي إذا كان بإذن الولي، كما اختاره جماعة، منهم المحقّق الأردبيلي، وقَبله فخر المحقّقين في الإيضاح ) (3) .

وقد ( نُسِبَ إلى الشيخ تارة، وبعض الأصحاب أخرى جواز بيعه إذا بلغَ عشراً عاقلاً.. والموجود في كتاب المبسوط روي أنّه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيداً، كان جائز التصرّف ) (4) ، و ( إذا جاز عتق الصبي ووصيته بالمعروف وغيرها - كما هو ظاهر الكثير من الروايات - فلا يبعد جواز بيعه وشرائه، وسائر معاملاته

____________________

1 - التهذيب: ج 10، ص 233.

2 - المكاسب للشيخ الأنصاري.

3 - نهج الفقاهة للسيد الحكيم: ص 183.

4 - مفتاح الكرامة كتاب المتاجر: ص 170.

١٤٣

إذا كان بصيراً رشيداً مميّزاً، يعرف نفعه وضرّه في المال، وطريق الحفظ والتصرّف، كما نجده في كثير من الصبيان، فإنّه قد يوجد بينهم مَن هو أعظم في هذه الأمور من آبائهم، فلا مانع أن يوقع الصغير العقد خصوصاً مع إذن الولي، وحضوره بعد تعيين الثمن ) (1) .

ج - الولاية والوصاية

ولا يتم الحَجر إلاّ بوجود ولي أو قيّم يرعى الصبي نيابة عن صاحبه، فتثبت الولاية بالدرجة الأولى للأب والجد في مرتبة واحدة على الصغير، والمجنون المتصل جنونه بالصغر، وإذا فُقدا معاً تكون الولاية لوصي أحدهما، والجد أولى من وصي الأب، وإذا افتُقد الوصي فالولاية للحاكم الشرعي، حيث إنّ ( الولاية ثابتة للأب والجد له من النسب شرعاً، فلا ولاية للأب رضاعاً، ولا لِمن أولده سِفاحاً، وثبوت الولاية لهما بالاشتراك بينهما مورد اتفاق النص والفتوى، وإن اختصّ الأب في أكثر النصوص إلاّ أنّ المراد منه ما يشمل الجد، بل يُقدّم عقده على عقد الأب مع المعارضة.

أمّا الولاية للوصي المنصوب من الموصي قيّماً على أطفاله، فهي ثابتة بالنص والإجماع، ولكن بحسب ما هو مجعول له من الموصي من حيث الإطلاق والتقييد، فإن أطلق فلا إشكال في نفوذ ما يتولّى من مصالحهم في حفظ نفوسهم وأموالهم، وأخذ الحقوق الراجعة إليهم، وغير ذلك من: بيع، وإجارة، ومزارعة، ومساقاة ونحو ذلك، كما لا إشكال في المنع عن فعل بعض ما كان للأب جوازه من حيث

____________________

1 - شرح الإرشاد للاردبيلي.

١٤٤

لأبوّة،... ولعلّ من ذلك تزويج الصغير والصغيرة، وإن كان قيّماً ) (1) .

ويُشترط في الولي والوصي: البلوغ، والرشد، والاتحاد في الدين، ويضاف إلى ذلك: شرط العدالة بالنسبة للحاكم الشرعي.

والمدار أن يكون التصرّف في مال القاصر من قِبل الولي أو الوصي على أساس مصلحة القاصر، واتفق الفقهاء على أنّ تصرّفات الولي إذا كانت نفعاً للمولى عليه فإنّها تنفذ، وإذا كانت ضرراً عليه فإنّها لا تنفذ؛ لمنافاتها الغرض الذي من أجله شُرّعت الولاية، كما يُستشعر ذلك من قوله (ص): ( أنت ومالكَ لأبيك... لا نُحب أن يأخذ الأب من مال ابنه إلاّ ما يحتاج إليه ممّا لابدّ منه، إنّ الله لا يُحب المفسدين ).

وللولي أن يتّجر بمال القاصر بأي شكل من الإشكال التي تجرّ ربحاً يصبّ في مصلحة الصبي، وعليه أن ينفق على الصبي بالمعروف دون تقتير أو إسراف، وإن كان الولي فقيراً يحقّ له أن يأكل من مال الصبي بالمعروف، ولا يحقّ له ذلك إن كان غنياً؛ لقوله تعالى: ( وَمَن كانَ غَنِيّاً فَليَستَعفف، وَمَن كانَ فَقيراً فَليَأكُل بِالمَعرُوفِ ) (2) .

ويشترط أيضاً: تعيين الوصي بالذات، وتعيين الموصى به، كما في رواية عمّار بن مروان، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ أبي حضرهُ الموت، فقيل له: أوصِ، فقال: هذا ابني ( يعني عمر )، فما صنع فهو جائز؟ قال أبو عبد الله (ع): ( فقد أوصى أبوك، وأوجز ) (3) .

ويحقّ للأب والجد تزويج الصبي، ولا يحقّ للوصي ذلك، ولا يحقّ للأبوين ولا للحاكم الطلاق عن الصبي؛ لعموم ( الطلاق بيد مَن أخذَ بالساق ).

____________________

1 - بُلغة الفقيه للسيد بحر العلوم.

2 - النساء: 6.

3 - التهذيب: ج 2، ص 399.

١٤٥

وفي الحالات الاستثنائية: كدفع الأذى، أو إنقاذ نفس، يستطيع الولي ( أن يرشي الظالم من مال القاصر لتخليصه وإطلاقه، بل لو طمعَ الظالم في ماله وجب عليه أن يعطيه ما لا يقدر على دفعه إلاّ به ) (1) .

أمّا الوصاية ، ويعبّر عنها بالوصية العهدية أيضاً، فهي: ( ولاية على إخراج حقّ أو استيفائه، أو على طفل، أو مجنون يملك الموصي الولاية عليه بالأصالة كالأب والجد، أو بالواسطة كالوصي المأذون في الإيصاء ) (2) .

والوصاية: إيقاع، ونوع من أنواع الولاية فلا يجوز للوصي، الذي عهده الموصي برعاية أطفاله ووفاء ديونه، بالتنازل عنها والاستقالة منها؛ لأنّها حكم لا يسقط بالإسقاط، ولكن للموصي أن يرجع عن الوصاية ما دام حيّاً، أمّا الوصي فتصبح الوصاية ملزمة له إذا علم بها ولم يردّ، وكذلك إذا تعذّر إبلاغ الموصي الردّ لغيابه أو موته، حيث ورد عن الإمام الصادق (ع): ( إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب، فليس له أن يردّ وصيته؛ لأنّه لو كان شاهداً وأبى أن يقبلها طلبَ غيره ) (3) . ولا تثبت الوصاية إلاّ بشهادة عدلين، ولا تُقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات، ولا شهادة رجل مع اليمين.

وإذا خان الوصي، فقد انعزل تلقائياً، حيث تبطل جميع تصرّفاته دون تدخّل الحاكم الشرعي؛ لأنّ الوصاية تستدعي الأمانة وحفظ مصلحة الطفل شرعاً، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه، كما يقول الفقهاء.

____________________

1 - مفتاح الكرامة: باب الوصية.

2 - الجواهر: باب الوصية.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 282.

١٤٦

ولا يضمن الوصي إلاّ مع التعدّي والتفريط، حيث ورد أنّ رجلاً أوصى إلى رجل وأمره أن يعتق عنه نسمة بستمئة درهم من ثلثه، فانطلقَ الوصي، وأعطى الستمئة درهم رجلاً يحجّ بها عنه؟ فقال أبو عبد الله (ع): ( يَغرم الوصي ستمئة درهم من ماله، ويجعله فيما أوصى الميّت في عتق نَسَمة ) (1) .

وللوصي أن يأخذ أجرة المِثل من المال الموصى به للطفل، كما جاء في جواب الإمام جعفر بن محمد (ع) عمّن تولّى مال اليتيم، هل له أن يأكل منه؟ قال: ( ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر، فليأكل بقدر ذلك ).

وإذا مات الأب بلا وصية، أو مات الوصي، وكان للميت أطفال، أُرجع النظر في أمرهم إلى الحاكم الشرعي؛ لأنّه ولي مَن لا وليّ له، وإذا تعذّر ذلك قامَ الأُمناء الصالحون من المؤمنين ( على ما هو المشهور بين الفقهاء من ثبوت الولاية لهم على مثل ذلك؛ للنصوص المعتبرة المستفيضة المؤيّدة بما دلّ على الحسبة ) (2) .

د - البلوغ والرشد الشرعي

والبلوغ هو: سنّ التكليف الشرعي للذكر والأنثى، وهو ليس موضوعاً من الموضوعات الشرعية، بل هو من الأمور البيولوجية الطبيعية.

____________________

1 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 277.

2 - الجواهر: باب الوصية.

١٤٧

وقد ذكرَ الفقهاء أنّ من علامات البلوغ: الاحتلام، وهو خروج المني للذكر والأنثى في أيّ سن كان، في اليقظة أو في المنام؛ للنص الحكيم: ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) (1) ، ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ) (2) ، والمشهور من قول رسول الله (ص): ( رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ) (3) .

ومن علاماته أيضاً: ظهور الشَعر الخشن على العانة، فـ( لا عبرة بالشَعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن، ثمّ يزول، ويعبّر عنه بالزغب، وقيّدوا الشعر بشَعر العانة؛ لعدم اعتبار غيره كشَعر الإبط والشارب واللحية، فلا عبرة بشيء من ذلك عندنا إذ لم يثبت كون ذلك دليلاً على البلوغ، وإن كان الأغلب تأخّرها عنه ) (4) .

أمّا الأنثى بالخصوص، فإنّ دليل بلوغها - إضافة إلى الاحتلام - هو: الحيض والحمل، فـ( لا خلاف كونهما دليلَين على سبق البلوغ، أمّا الحيض فقد علّق الشارع أحكام المكلّف عليه في عدّة أخبار، منها قول الرسول الأعظم (ص): ( لا تُقبل صلاة إلاّ بخمار )، وقوله: ( إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يُرى منها إلاّ هذا )، وأشار إلى الوجه والكفّين، أمّا الحمل فهو مسبوق بالإنزال؛ لأنّ الولد لا يُخلق إلاّ من ماء الرجل وماء المرأة، كما نبّه عليه تعالى بقوله: ( مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ) ، أي: مختلطة من ماء الرجل والمرأة، فهو دليل على سبق البلوغ ) (5) .

وإذا اشتبه البلوغ، فإنّه يُرجع إلى الشارع في معرفة السنّ، حيث ثبتَ

____________________

1 - النور: 59.

2 - النساء: 5.

3 - سفينة البحار للقمّي: ص 530.

4 - المسالك للشهيد الثاني.

5 - المصدر السابق.

١٤٨

عن أهل البيت (ع) أنّ سن بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، وسن بلوغ الأنثى تسع سنين، وهذا هو المشهور، كما ورد في قوله (ع) عندما سُئل: متى يؤخذ الذكر أو الأنثى في الحدود التامة؟ قال: ( إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوجت ودخلَ بها ولها تسع سنين ذهبَ عنها اليُتم، ودُفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأُقيمت عليها الحدود التامة وأُخذت لها وبها، والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يُشعر، أو ينبت قبل ذلك ) (1) .

ويثبت بلوغ الصبية والصبي بمجرّد إقرارهما عن غير يمين، إذا ادّعيا البلوغ بالاحتلام في وقت يكون من المحتمل بلوغهما فيه، ويثبت رشده أو رشدها: بالاختيار، والتواتر، وشهادة رجُلين عدلين في الذَكر، وشهادة رجل وامرأتين أو أربع نساء في الأثنى، على المشهور.

ومجمل القول: ( إنّ البلوغ من الأمور الطبيعية المعروفة في اللغة والعرف، وليس من الموضوعات الشرعية التي لا تُعلم إلاّ من جهة الشارع، كألفاظ العبادات، بل ذكرَ أهل اللغة ترتيب أحوال الإنسان، وأنّ له في كلّ حال اسماً مخصوصاً في الرجال والنساء من أول الخِلقة إلى حال الشيخوخة...

وعلى كل حال، فلا يخفى على مَن لاحظ كلماتهم: أنّ من المعلوم لغة وعرفاً أنّ الغلام متى احتلمَ بلغَ وأدركَ، وخرج عن حدّ الطفولة أو دخلَ إلى حدّ الرجولة، وكذا الجارية إذا أدركت وأعصرت فإنّها تكون امرأة كغيرها من النساء.

نعم، يُرجع إلى الشرع في مبدأ السن الذي يحصل به البلوغ، مثلاً إذا حصل فيه الاشتباه، بخلاف الاحتلام والحيض والحمل ونحوهما ممّا لا ريبَ

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 292.

١٤٩

في صدق البلوغ معها لغة وعرفاً، ولو للتلازم بينهما ) (1) .

____________________

1 - الجواهر.

١٥٠

الولايةُ في الزواج

ومن نافلة القول أن نذكر استقلال الأنثى البالغة الرشيدة، والذكر البالغ الرشيد في اختيار الشريك المناسب في الزواج، فلا يضع الإسلام عليهما سلطاناً أو ولياً يحدّد من حرّيتهما في اختيار الفرد اللائق في حياتهما الزوجية اللاحقة، ولكن حفظاً لمصلحتهما، شجّع الإسلام إيثار إذْن الولي واختياره على اختيارهما.

فالولاية: سلطة شرعية جعلية للفرد الكامل على المولّى عليه الناقص؛ حفاظاً على مصلحة الناقص، ومن أمثلة هؤلاء: الصغير، والسفيه، والمجنون من الذكور والإناث، فجعل الشارع عليهم الولاية في الزواج، فقد اتفق الفقهاء على أنّ الولي ينفرد بزواج الصغير والمجنون والسفيه، ذكراً كان أم أنثى.

والبالغ الراشد يستقلّ في زواجه ولا ولاية لأحد عليه، وكذلك البالغة الراشدة فلا سلطان لأحد عليها، وإنّها تتزوّج بمَن تشاء دون قيد أو شرط، حيث إنّ ( المشهور في محلّ البحث نقلاً وتحصيلاً بين الفقهاء القدماء والمتأخرين: سقوط الولاية عنها، بل عن الشريف المرتضى في كتاب الانتصار والناصريات الإجماع عليه ) (1) ؛ لأنّ الولاية والاستقلال في التصرّف حقّ لكل إنسان بالغ راشد ذكراً كان أو أنثى.

وقوله تعالى: ( فَانكِحُوا ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساءِ مَثنى وَثُلاث وَرُباع ) (2) ، يدلّ على عموم إباحة الزواج و صحته دون الرجوع إلى إذْن الولي إلاّ ما خرجَ بدليل.

و ( المرأة إذا كانت ثيِّباً، مالكة لأمرها، نافذاً أمرها في البيع والشراء والعتق

____________________

1 - الجواهر: كتاب النكاح.

2 - النساء: 3.

١٥١

والهبة في مالها، غير مولّى عليها لفساد عقلها، جازَ لها العقد على نفسها لِمن شاءت من الأكفّاء، سواء كان أبوها حيّاً أو ميّتاً، إلاّ أنّ الأفضل لها مع وجود الأب ألاّ تعقد على نفسها إلاّ برضاه ) (1) .

ويؤكد ذلك العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)، منها: ( البكرُ التي لها الأب لا تتزوّج إلاّ بإذن أبيها، وإذا كانت مالكة أمرها تزوّجت متى شاءت ) (2) ، وجوابه (ع) عندما سُئل عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألَها مع أبيها أمر؟ فقال: ( ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ) (3) ، وفي رواية أخرى: ( إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد، وتُعطي مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائز، تتزوّج إن شاءت بغير إذْن وليّها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بأمر وليها ) (4) ، وقوله: ( تعطي مالها من تشاء ) يعني نفي السفه عنها.

و ( الروايات الدالّة على استقلال البكر معتضدة أو منجبرة بفتوى الأكثر ودعوى الإجماع ) (5) ، ولكن نفي الولاية في زواج البنت لا يستدعي الخروج عن العرف، فـ ( يستحب لها إيثار اختيار وليّها على اختيارها، بل يكره لها الاستبداد، كما أنّه يكره لِمن يريد نكاحها، أن لا يستأذن وليها... بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضاً، بل يستحب أن تلقي أمرها إلى أخيها مع عدم الوالد والوالدة؛ لأنّه بمنزلتهما في الشَفَقة ) (6) ، ولكن إذا عَضلها الولي ( وهو: أن لا

____________________

1 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى للشيخ الطوسي: ص 467.

2 - الكافي: ج 2، ص 25.

3 - الوسائل: ج 14، ص 203.

4 - التهذيب: ج 2، ص 221.

5 - المكاسب للشيخ الأنصاري.

6 - الجواهر: كتاب النكاح.

١٥٢

يزوّجها من كفء مع رغبتها، فإنّه يجوز لها أن تُزوّج نفسها ولو كرهاً، إجماعاً ) (1) .

واتفق الفقهاء على: أنّ للأب والجد من طرف الأب تزويج الصغير، ذكراً كان أم أنثى، ولكن ليس لهما الطلاق عن الزوج الصغير، كما يستفاد من قوله (ع) عندما سُئل عن الصبي يتزوّج الصبية، هل يتوارثان؟ فقال: ( إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم ، قال السائل: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال الإمام: لا ) (2) .

ولا ولاية للحاكم الشرعي في زواج الصغير ذكراً كان أم أنثى، أمّا في حالة الجنون فإنّ ( ولاية الحاكم تثبت على مَن بلغَ غير رشيد بجنون، ولم يكن له ولي من حيث القرابة، و تجدّد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحاً له بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر كونه مجمعاً عليه ) (3) .

____________________

1 - شرائع الإسلام: ج 2، ص 277.

2 - التهذيب: ج 2، ص 223.

3 - الجواهر: كتاب النكاح.

١٥٣

الوصيةُ الشرعية

ومن أجل انتقال الثروة النقدية والعينية من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق بشكل منتظم وشرعي، لابدّ من إنشاء الوصية الشرعية، تمليكية كانت أو عهدية، ومقدارها الثلث فقط مع وجود الوارث؛ لأنّ الثلثين الباقيين يوزّعان على الورثة حفظاً لحقوقهم المالية من الضياع، ومع عدم وجود الوارث يجوز إنشاء الوصية بجميع الثروة المالية.

فالوصية هي: تفويض فرد بتصرّف معيّن بعد موت الولي، وصاغها الفقهاء بأنّها: تمليك عين أو منفعة مضاف إلى ما بعد الموت، وشرعيتها ثابتة بضرورة الدين؛ لقوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيكُم إذا حَضَرَ أَحَدَكُم المَوتُ إِنْ تَرَكَ خَيراً الوَصِيّةُ لِلوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ بِالمَعرُوفِ ) (1) ، وقوله (ص): ( مَن لم يحسن عند الموت وصيته، كان نقصاً في مروءته وعقله ) (2) .

وأجمعَ الفقهاء على استحباب الوصية، وعليه يُحمل قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيكُم ) في الآية السابقة، وتثبت الوصية بشهادة عدلين.

ومن الطبيعي أنّ الوصية الشرعية تقسم إلى قسمين: عهدية، وتمليكية .

فالوصية العهدية: إيقاع يتم بمجرّد الإيجاب ولا يحتاج إلى قبول، كمَن أوصى لآخر برعاية أطفاله ووفاء ديونه أو استيفائها، فيجب - عندئذ - تنفيذها دون الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

والوصية التمليكية: كالعقد، حيث تحتاج إلى إيجاب وقبول، كمَن أوصى بمالٍ لشخص معيّن.

____________________

1 - البقرة: 180.

2 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 267.

١٥٤

وتتحقّق الوصية بشكليها، بوجود الإرادة المعبّر عنها بالقول أو الفعل، حيث ( يجوز أن يكون القبول فعلاً دالاً على الرضا بالإيجاب بلا خلاف ) (1) .

ولمّا كان للوصية آثار مالية ومعنوية على الأفراد في النظام الاجتماعي، فقد حرّمَ الإسلام لِمن سمعَ محتوى تلك الوصية تبديلها أو تغييرها بأيّ شكل من الإشكال؛ للنص الحكيم: ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) .

ولكن يجوز للوصي الرجوع عن وصيته ما دام حياً حتى لو كانت تمليكاً لشخص معيّن؛ للروايات المروية عن أهل البيت (ع)، ومنها: ( لصاحب الوصية أن يرجع فيها، ويُحدث في وصيته ما دام حياً ) (3) ، ( للرجل أن يغيّر وصيته، فيَعتِق مَن كان أمرَ بملكه، ويملك مَن كان أمرَ بعتقه، ويعطي مَن كان حَرَمه، ويَحرم مَن كان أعطاه ما لم يمُت ) (4) .

ويُشترط في الموصي: أن يكون أهلاً للتصرّفات المالية، ولا تصحّ من غيره، كالصغير غير المميّز والمجنون إذ لا إدراك لهما، والمكرَه لعدم وجود الإرادة، والسفيه لحرمانه شرعاً من التصرّفات المالية، وذهب المشهور إلى أنّ الصبي المميّز إذا أتمّ العشرة من عمره جازت وصيته بالخير والمعروف، كما ذكرنا ذلك آنفاً.

ويشترط في الموصى له: الوجود حين إنشاء الوصية فلا تصح الوصية لمعدوم؛ لأنّ الوصية تمليك منفعة لفرد موجود واقعاً.

____________________

1 - الجواهر: باب الوصية.

2 - البقرة: 181.

3 - التهذيب: ج 2، ص 387.

4 - الكافي: ج 2، ص 237.

١٥٥

وتصح الوصية للحمل في بطنها على شرط وجوده حين الإنشاء، أو الكتابة، وإذا تبيّن أنّ الحمل كان توأماً، ذكراً وأنثى، قُسّم الموصى به بينهما بالسوية؛ لأنّ حكم الوصية يختلف عن حكم الميراث.

وتصح الوصية لأهل الذمّة، وهم: أفراد أهل الكتاب ممّن يدفعون الجزية للمسلمين؛ لقوله تعالى: ( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (1) .

وذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز الوصية للحربي؛ لقوله (ع): ( أعطِ [ الوصية ] لِمن أُوصيَ له، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، إنّ الله يقول: ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ) (2) ، و ( دعوى عدم قابلية الحربي للمِلك واضحة العدم، فالأقوى الجواز مطلقاً من غير فرق بين الحربي وغيره ) (3) .

ولا شك أنّ الوصية تُخرج من أصل التركة إذا كانت واجباً مالياً: كالوصية بديون الناس، أو ديون الله: كالزكاة، والخُمس، وردّ المظالم، والكفّارات.

وقد اتفق الفقهاء على أنّها تخرج من الأصل إذا لم يعيّن إخراجها من الثلث؛ لقوله تعالى: ( مِن بَعدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِها أو دَين ) (4) ، وللرواية الواردة عن الإمام جعفر بن محمد (ع) عندما سُئل عن رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته، فلمّا حضرتهُ الوفاة حسبَ جميع ما فرّط فيه ممّا لزمه من الزكاة، ثمّ أوصى أن يُخرج ذلك فيُدفع إلى مَن يجب له؟ فقال (ع):

____________________

1 - الممتحنة: 8.

2 - الوسائل: ج 13، ص 417.

3 - الجواهر: باب الوصية.

4 - النساء: 11.

١٥٦

( جائز، يُخرج ذلك من جميع المال؛ إنّما هو بمنزلة الديون لو كان عليه، ليس للورثة شيء، حتى يؤدّى ما أوصى به من الزكاة ) (1) .

وتُخرج الوصية من أصل التركة أيضاً إذا كان واجباً مالياً وبدنياً كالحج، ودليله رواية عن الإمام الصادق (ع)، فقد سُئل عن رجل توفي، وأوصى أن يُحجّ عنه؟ قال: ( إن كان صرورة فمِن جميع المال، وإن كان تطوّعاً فمِن ثلثه ) (2) .

أمّا إذا كانت الوصية في الواجب البدني كالصوم والصلاة، فالمشهور أنّها تُخرج من الثلث إن أوصى بها، ولا يجب إخراجها إن لم يوصِ بها؛ لأنّ قضاء ما فاته من الصوم والصلاة واجبة على الولد الأكبر.

وإذا كان الموصى به على وجه التبرّع فحسب، أي ليس واجباً، فالوصية تنفذ بمقدار الثلث فقط، مع وجود الوارث؛ للرواية المروّية عن رسول الله (ص) عندما سأله أحدهم: ( أنا ذو مال، ولا يرثني إلاّ ابنة لي، أفأتصدّق بثلثَي مالي؟ قال الرسول: ( لا، قال الرجل: فالشطر؟ قال الرسول: لا، قال الرجل: فالثلث؟ قال الرسول: الثلث، والثلث كثير؛ إنّك إن تذر ورَثَتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس )، ومع عدم وجود الوارث فإنّه يستطيع أن ( يوصي بماله حيث شاء في المسلمين، والمساكين، وابن السبيل ) (3) .

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 381.

2 - التهذيب: ج 2، ص 397.

3 - التهذيب: ج 2، ص 386.

١٥٧

أحكامُ الإرث

وبطبيعة الحال، فإنّ للأفراد المُنضوين تحت سقف واحد - والمنضمّين لعائلة واحدة - حقّاً مالياً في النفقة والإرث.

والإرث: يمثل شكلاً من أشكال الثروة المالية المتداولة بين الأجيال المتعاقبة بحدود العلاقة النسبية والسببية، وقد حدّدها الإسلام بصورة دقيقة من أجل الحفاظ على حقوق الأفراد في النظام الاجتماعي، مُشعراً بأنّ المال مجرّد وسيلة عملية لتسهيل إشباع حاجات الأفراد على اختلاف أعمارهم وأجناسهم في المجتمع الإنساني، فإذا مات الفرد وانتفت حاجاته الاجتماعية تعيّن توزيع المال الذي تركه على الأفراد الذين خلّفهم في العائلة المنتسب إليها.

فالإرث: ما هو إلاّ عملية انتقال تركة الميت الحقوقية إلى ورثته المقرّرين شرعاً، والتركة: اسم للأشياء التي يتركها الميت: كالعين، أو الدين، أو الحقّ المالي، أو حقّ الرهن، أو حقّ الشُفعة أو غير ذلك.

والملاحظ أنّ الشريعة أوجبت تقسيم الحقوق المتعلّقة بالتركة على النحو التالي: ( إخراج الكفن أولاً، والدَين ثانياً، والوصية ثالثاً، والسهام رابعاً ) (1) ، فالتجهيز الواجب للميت من: كفن، وغسل، ودفن مقدّم على الديون، وبعد التجهيز يبدأ بوفاء الديون، للناس كانت أم لله: كالخُمس، والزكاة، والكفّارات، وردّ المظالم، وحَجّة الإسلام.

____________________

1 - الجواهر: كتاب الإرث.

١٥٨

وبعد ذلك يقسّم الباقي أثلاثاً حيث تخرج الوصايا بغير الواجب المالي من الثلث، ويقسّم الثلثان بين الورثة على كتاب الله وسنّة نبيه؛ لقوله (ع): ( أول شيء يُبدأ به من المال: الكفن، ثمّ الدَين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث ) (1) .

ولا شك أنّ الموجِب للإرث أمران: النسب، والسبب ، ويترتّب السبب إمّا على الزوجية أو على الولاء (2) .

أمّا النسب أو القرابة: فتثبت بعلاقة الولادة الشرعية بين فردين، وذلك بانتهاء أحدهما إلى الآخر: كانتهاء الأبناء والأحفاد إلى الأب أو الجد، أو بانتهاء الاثنين إلى فرد ثالث كالأخوة والأعمام والأخوال، وللقرابة في الميراث ثلاثة مراتب غير متداخلة، حيث لا يرث فرد من المرتبة الثانية مع وجود وارث من المرتبة الأولى، ولا من المرتبة الثالثة مع وجود فرد من المرتبة الثانية، وهذه المراتب:

1 - الأبوان فقط من غير ارتفاع، والأولاد وإن نزلوا.

2 - الأجداد وإن ارتفعوا، والأخوة وأولادهم وإن نزلوا.

3 - الأعمام والأخوال وأولادهم وإن نزلوا شرط صدق اسم القرابة عليهم عرفاً.

وفي السبب: فإنّ الزوجية تجتمع في الميراث مع جميع المراتب، فيرث أحد الزوجين من الآخر الفرض المقدّر له شرعاً من النصف والربع والثمن، وسنتعرّض لذلك لاحقاً.

ويتحقّق الولاء الموجب للإرث إمّا عن طريق العتق، فيرث السيد عبده بشرط أن يعتقه تبرّعاً، وإمّا عن طريق ضمان الجريرة: وهو اتفاق اثنين لا وارث قريب لهما، على أن يضمن كلّ منهما جناية الآخر كأن يقول أحدهما: عاقدتُك على أن تنصرني وأنصرك، وتعقل عني وأعقل عنك،

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 240.

2 - مجمع البيان: ج 3، ص 18.

١٥٩

وترثني وأرثك، فيقول الآخر: قبلت، أو يكون الضمان من جانب واحد فيقول المضمون للضامن: عاقدتك على أن تنصرني، وتدفع عنّي، وتعقل عنّي وترثني، فيقول الآخر: قبلت.

وأمّا عن طريق ولاء الإمام، فإذا مات الفرد وترك مالاً ولا وارث له، كان ميراثه للإمام، إلاّ إذا كان الميت زوجاً أخذت الزوجة الربع وسُلِّم الباقي للإمام؛ لأنّ الإمام وارث مَن لا وارث له، قال الشيخ الصدوق: ( متى كان الإمام ظاهراً فماله للإمام، ومتى كان الإمام غائباً فماله لأهل بلده متى ما لم يكن له وارث ولا قرابة أقرب إليه منهم بالبلد به ) (1) ؛ لأنّ علياً (ع) كان يقول في الرجل يموت ويترك مالاً وليس له أحد: ( أعطِ المال همشاريجه ) (2) ، أي: أهل بلده.

ويثبت الإرث إذا وجِد المقتضي، وانتفى المانع، بمعنى أنّه لابدّ من وجود الوارث الشرعي الذي يحقّ له استلام المال المخصّص في الإرث، ولابدّ من انعدام العوائق التي تعيق ذلك الانتقال المالي من المورث إلى الوارث.

فمن الموانع: اختلاف الدِين، والقتل، والرق، فالمسلم يرث غير المسلم ولا يصح العكس؛ للروايات المتضافرة عن أئمة أهل البيت (ع) ومنها: ( لا يرث الكافر المسلم ) (3) ، و( لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم ولا يرثونا، إنّ الله عزّ وجل لم يزدنا بالإسلام إلاّ عزاً ) (4) ، و ( لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين، ويرث المسلمون اليهود والنصارى ) (5) .

____________________

1 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 242.

2 - الكافي: ج 7، ص 169.

3 - التهذيب: ج 9، ص 372.

4 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 244.

5 - الاستبصار: ج 4، ص 190.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

عرض كافّة الرسائل والمدوّنات والمجموعات على أئمّتهمعليهم‌السلام ، حتّى مع فرض إمكان الاتصال بهم ، وعدم المانع من ذلك

وعلى سبيل المثال ، لم تعرض الأُصول الأربعمائة ـ التي هي من المجموعات الأُم في تدوين الكافي ـ بأجمعها أو أكثرها على الأئمّةعليهم‌السلام ؛ بل وحتّى في زمن الصادقينعليهما‌السلام ـ الذي كان العصر الذهبي بالنسبة لانتشار الفكر الشيعي ـ ومع حرّية الاتصال بهماعليهما‌السلام في الجملة ، لم يرد دليل مقنع على التزام أو إلزام أصحاب المجموعات الروائية ـ أو ما تسمّى بالأُصول ـ بعرض أحاديثهم على الإمامعليه‌السلام

نعم ، هناك بعض الموارد الاستثنائية ، باقتراح بعض الرواة أو وجوه الشيعة ، ولكن الكلام في القاعدة في المقام

رابعاً : لعلّ المغزى من وراء هذا الإجراء ـ عدم لزوم العرض ـ كان هو التمهيد لعملية الاجتهاد شيئاً فشيئاً في الأوساط العلمية عند الشيعة ؛ فالإمامعليه‌السلام كان يريد أن يرقى الفكر الشيعي ـ تحسّباً لفترة الغيبة الكبرى المتوقّعة ـ ويتهيّأ لفترة الغيبة وعدم حضورهعليه‌السلام ، فيبني أُسس الاجتهاد ، ويخوض في مجاله حتّى يتحمّل الفجوة ، ووجود المعصومعليه‌السلام إلى أمد طويل ، حتّى يظهر الله أمره إن شاء الله تعالى

« أحمد ـ قطر ـ ٣٦ سنة ـ طالب ثانوية »

ترجمة سعد بن عبادة :

س : نشكركم على جهودكم في إفادة الناس وبالأخصّ الشيعة ، وسؤالي هو : ما رأي الشيعة في سعد بن عبادة ؟

ج : ننقل لكم كلمات من ترجمته :

قال السيّد علي ابن معصوم : « سعد بن عبادة بن دلهم بن حارثة بن أبي حزينة ابن تغلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري ، كان

٣٨١

سيّد الخزرج وكبيرهم ، يكنّى أبا ثابت وأبا قيس ، من أعاظم الصحابة ، وهو أحد النقباء ، شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلّها ما خلا بدرا ـ فإنّه تهيّأ للخروج فلدغ فأقام وكان جواداً ـ وكان له جفنة تدور مع رسول الله في بيوت أزواجه

عن يحيى بن كثير قال : كان لرسول الله من سعد بن عبادة جفنة ثريد في كلّ يوم ، تدور معه أينما دار من نسائه ، وكان يكتب في الجاهلية بالعربية ، ويحسن القول والرمي ، والعرب تسمّي من اجتمعت فيه هذه الأشياء الكامل ، ولم يزل سعد سيّداً في الجاهلية والإسلام ، وأبوه وجدّه وجدّ جدّه لم يزل فيهم الشرف ، وكان سعد يجير فيجار وذلك لسؤدده ، ولم يزل هو وأصحابه أصحاب إطعام في الجاهلية والإسلام

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :« الجود شيمة ذلك البيت » ، يعني بيتهم ـ وهو الذي اجتمعت عليه الأنصار ليولّوه الخلافة ـ.

وقد أختلف أصحابنارضي‌الله‌عنه في شأنه ، فعدّه بعضهم من المقبولين ، واعتذر عن دعواه الخلافة بما روى عنه أنّه قال : لو بايعوا علياً لكنت أوّل من بايع

وبما رواه محمّد بن جرير الطبري عن أبي علقمة ، قال : قلت لسعد بن عبادة ، وقد مال الناس لبيعة أبي بكر : تدخل فيما دخل فيه المسلمون

قال : إليك عنّي فو الله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :« إذا أنا متّ تضلّ الأهواء ، ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحقّ يومئذ مع علي » ، وكتاب الله بيده ، لا نبايع لأحد غيره ، فقلت له : هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول الله ؟ فقال : سمعه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن

قلت : بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلّهم ، فحلف أنّه لم يهم بها ، ولم يردّها وأنّهم لو بايعوا علياً كان أوّل من بايع سعد

وزعم بعضهم أنّ سعداً لم يدع الخلافة ، ولكن لما اجتمعت قريش على أبي
بكر يبايعونه ، قالت لهم الأنصار : أمّا إذا خالفتم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّه

٣٨٢

وخليفته وابن عمّه ، فلستم أولى منّا بهذا الأمر ، فبايعوا من شئتم ، ونحن معاشر الأنصار نبايع سعد بن عبادة ، فلمّا سمع سعد ذلك ، قال : لا والله لا أبيع ديني بدنياي ، ولا أبدل الكفر بالأيمان ، ولا أكون خصماً لله ورسوله ، ولم يقبل ما اجتمعت عليه الأنصار ، فلمّا سمعت الأنصار قول سعد سكتت ، وقوي أمر أبي بكر

وقال آخرون : دعوى سعد الخلافة أمر كاد أن يبلغ أو بلغ حدّ التواتر ، وكتب السير ناطقة بأنّ الأنصار هم الذين سبقوا المهاجرين إلى دعوى الخلافة ، فلم يتمّ لهم الأمر ، وما زعمه بعضهم خلاف المشهور

فقد روى أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري في التاريخ : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قبض ، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، وأخرجوا سعد بن عبادة ليولّوه الخلافة وكان مريضاً ، فخطبهم ودعاهم إلى إعطاء الرياسة والخلافة ، فأجابوه ثمّ ترادد الكلام ، فقالوا : فإن أبى المهاجرون وقالوا : نحن أولياؤه وعترته ؟

فقال قوم من الأنصار نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال سعد : فهذا أوّل الوهن ، وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه أن أخرج إلي ، فأرسل أنّي مشغول ، فأرسل إليه عمر أخرج فقد حدث أمر لابدّ من أن تحضره ، فخرج فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ، ومعهما أبو عبيدة فتكلّم أبو بكر ، فذكر قرب المهاجرين من رسول الله ، وإنّهم أولياؤه وعترته ، ثمّ قال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا نفتات عنكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأُمور .

فقال اسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه : والله لئن لم تبايعوه ليكون للخزرج عليكم الفضيلة ، فقاموا فبايعوا أبا بكر ، فأنكر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه ، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كلّ جانب ، ثمّ حمل سعد بن عبادة إلى داره ، فبقى أيّاماً وأرسل إليه أبو بكر ليبايع ، فقال :

٣٨٣

لا والله حتّى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي ، واضرب بسيفي ما أطاعني ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجنّ والأنس ما بايعتكم ، حتّى أعرض على ربّي

فقال عمر : لا ندعه حتّى يبايع

فقال بشير بن سعد : إنّه قد لجّ وليس بمبايع لكم حتّى يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه أهل بيته ، وطائفة من عشيرته ، ولا يضركم تركه ، إنّما هو رجل واحد فاتركوه ، وجاءت أسلم فبايعت ، فقوى بهم جانب أبي بكر وبايعه الناس »(١)

وقال السيّد علي البروجردي : « سعد بن عبادة ، في المجالس ما يظهر منه جلالته ، وأنّه ما كان يريد الخلافة لنفسه بل لعليعليه‌السلام ، وقد ورد في السير مدحه وتبجيله ، إلّا أنّه روي عن عليعليه‌السلام :« أوّل من جرّأ الناس علينا سعد ، فتح باباً ولجه غيره ، وأضرم ناراً لهبها عليه وضوءها لأعدائه »

وفي كتاب المجالس : العجب أنّهم يجعلون ذنب سعد بوله قائماً ، ويذكر البخاري في صحيحه ذلك من السنن النبوية

أقول : وقد نقل عن البلاذري في تاريخه : أنّ عمر بعث محمّد بن مسلمة الأنصاري ، وخالد بن الوليد من المدينة ليقتلاه ، فرمى إليه كلّ منهما سهماً فقتلاه

وفي روضة الصفا أنّه بتحريك بعض الأعاظم

فالنقل المذكور بأنّه قتلته طائفة من الجنّ من الأراجيف والأباطيل التي كانت عادتهم على ذكرها .

وعن محكي كتاب الاستيعاب : كان عقبياً نقيباً سيّداً جواداً مقدّماً وجيهاً ، له سيادة ورئاسة ، يعترف له قومه بها ، وتخلّف عن بيعة أبي بكر ، وخرج من
______________________

(١) الدرجات الرفيعة : ٣٢٥

٣٨٤

المدينة ولم يرجع إليها ، إلى أن مات بحوران من أرض الشام »(١)

« ـ سنّي ـ »

ابن أبي الحديد والقندوزي ليسا من الشيعة :

س : ملاحظة : ولكنّني تعجبت من أمر كيف خفي عليك ، وهو أنّك وفي ضوء استشهادك بكتب أهل السنّة ، قد اختلط عليك أمر مهمّ ، وهو أنّك ذكرت مصادر لعلماء لا يعدّون من أهل السنّة ، بل ربما عدّوا من الشيعة ، وهذا ـ كما تعلم ـ لا يصحّ في مقام الاستدلال على المحاور المخالف ، لاحظ أخي ما يلي :

قلت أنت : ويكفي في المقام ما يشير إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة ، إذ يعترف بالصراحة بأفضلية الإمامعليه‌السلام عليهما ، وعلى غيرهما بعبارة : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الأفضل .

واسمح لي أن أقول : بأنّ ابن أبي الحديد ، لم يكن من أهل السنّة ، بل كان شيعياً مغالياً ، ثمّ تحوّل إلى معتزلي ، وإليك بيان ذلك من قول أحد علماء الشيعة :

قال شيخكم الخوانساري : عزّ الدين عبد الحميد بن أبي الحسين بهاء الدين محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدايني ، صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبّعين ، وأعاظم النبلاء المتبحّرين ، موالياً لأهل العصمة والطهارة ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين ، وغلوّه في أمير المؤمنينعليه‌السلام شرحه الشريف ، الجامع لكلّ نفيسة وغريب ، والحاوي لكلّ نافحة ذات طيب(٢)

وأيضاً استشهدت بكتاب « ينابيع المودّة » ، وأقول : مؤلّفه هو سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفّى سنة ١٢٩٤ هجرية

______________________

(١) طرائف المقال ٢ / ٨٦

(٢) روضات الجنات ٥ / ٢٠

٣٨٥

من يتأمّل كتابه يعلم أنّ مؤلّفه شيعي ، وإن لم يصرّح علماء الشيعة بذلك ، لكن آقا بزرك الطهراني عدّ كتابه هذا من مصنّفات الشيعة ، في كتابه « الذريعة إلى تصانيف الشيعة »(١) ، ولعلّ من مظاهر كونه من الشيعة ، ما ذكره في كتابه « ينابيع المودّة » عن جعفر الصادق عن آبائهعليهم‌السلام ، قال : « كان عليعليه‌السلام يرى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت ، وقال له : لولا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوّة ، فإن لم تكن نبيّاً ، فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه ، بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء »(٢)

وروى عن جابر ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا سيّد النبيين وعلي سيّد الوصيين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أوّلهم علي ، وأخرهم القائم المهدي »(٣)

وعن جابر أيضاً قوله : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا جابر إنّ أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، المعروف بالباقر ـ ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام ـ ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة ، لا يثبت على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان »(٤)

فإنّ من يروي مثل هذه الروايات لا يمكن أن يكون سنّياً

ج : أمّا قولك أنّ ابن أبي الحديد شيعي المذهب ، فهذا غير صحيح لعدّة أُمور :
______________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢٥ / ٢٩٠

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٣٩

(٣) المصدر السابق ٣ / ٢٩١

(٤) المصدر السابق ٣ / ٣٩٩

٣٨٦

الأوّل : ما يذكره من الردّ على السيّد المرتضى ، ودِفاعه عن خلافة الخلفاء الثلاثة ، وأنّها خلافة شرعية ، قول لا يقوله شيعي ، فضلاً عن أن يقوله مغالي في عليعليه‌السلام ، فهل أنّ المغالي في عليعليه‌السلام يدفع الخلافة عنه إلى غيره ؟ أو يثبتها له بمقتضى غلوّه ؟ راجع بداية « شرح نهج البلاغة » تجد هذا الكلام

الثاني : تصريحه بأنّه ليس بشيعي وإمامي ، وذلك عندما قال في معرض شرحه على الخطبة الشقشقية ، بعد أن ذكر : « أمّا الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها ، وتذهب إلى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنّه غصب حقّه

وأمّا أصحابنا »(١)

فلاحظ هنا : ذكر نفسه وأصحابه مقابل الإمامية ، بل تبرّأ من قول الإمامية ، فأين الغلوّ ؟ بل أين التشيّع ؟ فضلاً عن الغلوّ

الثالث : قوله : « وتزعم الشيعة أنّ رسول الله ، وهذا عندي غير منقدح »(٢)

فلو كان شيعياً ، لما أخرج نفسه عن معتقد الإمامية وقال : « وهذا عندي غير منقدح »

الرابع : قوله : « فإن قلت : هذا نصّ صريح في الإمامة ، فما الذي تصنع المعتزلة بذلك » ؟

قلت : يجوز أن يريد أنّه إمامهم ـ أي عليعليه‌السلام ـ في الفتاوى والأحكام الشرعية ، لا في الخلافة(٣)

فهنا ابن أبي الحديد ، يدفع قول من يقول بأنّ خلافة عليعليه‌السلام بالنصّ ، مع أنّ نكران النصّ على إمامة علي ليس من معتقدات الشيعة ، فضلاً عن الغلاة

وهناك الكثير من تلك القرائن ، فراجع شرح النهج ، وخصوصاً في الأجزاء الأربعة الأول

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٥٧

(٢) المصدر السابق ١ / ١٦١

(٣) المصدر السابق ٣ / ٩٨

٣٨٧

فإن قلت : إذاً على ماذا تحمل كلام الخونساري ؟

قلنا : إنّ الخوانساري صرّح بكونه من علماء أهل السنّة ، ولكن للأسف لم تنقل تمام كلامه ، بل قمت بالتقطيع وحذف الكلمات التي لا تعجبك حتّى تضلّل على الناس ، كما هي عادة أسلافك من الوهّابيين

وننقل نصّ كلام الخونساري حول ابن أبي الحديد ، والقارئ هو الذي يحكم بيننا

« الشيخ الكامل الأديب المؤرّخ عزّ الدين عبد الحميد بن أبي الحسين بهاء الدين محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدايني الحكيم الأُصولي المعتزلي ، المعروف بابن أبي الحديد

صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، هو من أكابر الفضلاء المتتبّعين ، وأعاظم النبلاء المتبحّرين ، موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة ، وإن كان في زيّ أهل السنّة والجماعة ، منصفاً غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ، ومعترفاً في ذلك المصاف بأنّ الحقّ يدور مع والد الحسنين ، رأيته بين علماء العامّة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم »

ثمّ على فرض أنّه عدّه من علماء الشيعة فهنا قد اعتمد على حدسه واجتهاده ، ومِن الواضح أنّه في مجال التراجم لا يُعتمد على النقل ، فيما لو كان منشأه الحدس والاجتهاد ، بل على ما كان منشأه الحسّ ، وقد تقدّم فيما ذكرناه لك من القرائن الأربعة ما يؤكّد أنّ الخوانساري اعتمد على حدسه ، ولا يُتبع في ذلك ، ثمّ إنّ الخوانساري لم يصرّح بأنّه من الإمامية ، وإنّما قال : إنّه موالي ، وهي كلمة يمكن أن تأوّل

وفي الختام : نودُّ أن نبيّن : أنّ هناك فرقاً بين الشيعي والمحبّ ، فإنّ الشيعي من يتّبع ويقفو أثر الأئمّةعليهم‌السلام ، وأمّا المحبّ فهو من لا يبغض آل محمّدعليهم‌السلام ، وسنذكر لك بعض الذين يحبّون آل محمّد إلّا أنّهم ليسوا بشيعة

ونرجو التوجّه إلى شيء : وهو أنّ إلصاق تهمة الرفض والتشيّع لكلّ من

٣٨٨

يذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام حتّى ترد رواياتهم منهجاً قديماً اتخذه الكثير من أصحاب الرجال ، وهو لا يخفى على من مارس كتبهم ، ولا يسع المجال لبسط الكلام فيه ، ولكن خذ هذه القاعدة ، وقس عليها كلّ ما يرد عليك من أمثال ما ذكرت في سؤالك

وأمّا في قولك : بأنّ صاحب كتاب ينابيع المودّة شيعي ، فهو أيضاً غير ثابت ، لبطلان الدليلين اللذين تقدّمت بهما

أمّا الأوّل : وهو أنّه ذكر في كتاب الذريعة ، وكلّ مَن ذكر في الذريعة ، فهو شيعي ، إذاً فالقندوزي شيعي

والجواب عن هذا القياس الذي أضمرت كبراه : بأنّا نمنع الكبرى ، بدليل أنّ الطهراني ذكر من كان صابئياً ، فضلاً عمّن كان سنّياً ، فحول كتاب التاجي ، قال صاحب الذريعة ما نصّه : « كتاب التاجي : المؤلّف باسم عضد الدولة المعروف بتاج الملّة ، ألّفه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي ، المتوفّى ٣٨٤ ، وهو صابئي »(١)

وأيضاً ذكر من علماء العامّة ، صاحب « فرائد السمطين » ، حيث قال : « للحمويني من العامّة »(٢)

فمع اعترافه بأنّه من العامّة ، ومع ذلك يذكر كتابه ، وذلك لأنّ الطهراني أورد في كتابه الكثير من كتب أهل السنّة ، التي روت فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، أو شروح نهج البلاغة لعلماء أهل السنّة ، وإن كان عنوان الكتاب يدلّ على أنّ الكتاب مختصّ بالمؤلّفين الشيعة ، ولكنّه ذكر بعض الكتب التي تصبّ في أهل البيتعليهم‌السلام ، وإن كان مؤلّفوها من علماء السنّة ، وذلك من باب المسامحة والتجوّز

______________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٣ / ٢١١

(٢) المصدر السابق ١٦ / ١٣٦

٣٨٩

وأمّا الثاني : وهو أنّ الذي يروي هذه الروايات لا يكون سنّياً فهذا غير مطّرد ، فهناك الكثير من أهل السنّة المعتدلين غير المتعصّبين قد ذكروا فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، ونقلوا تلك الروايات ، نذكر منهم :

١ ـ محمّد بن إدريس الشافعي صاحب كتاب الأُم ، ذكر في حبّه لآل محمّدعليهم‌السلام ما نصّه :

« إن كان رفضاً حبّ آل محمّد

فليشهد الثقـلان أنّي رافضـي(١) »

ومع هذا القول ، هل يمكن لأحد أن يقول بتشيّعه ؟

٢ ـ من الذين نقلوا حديث الثقلين بلفظ وعترتي ، لا بلفظ وسنّتي :

١ ـ عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه(٢)

٢ ـ الحسين بن إسماعيل أبو عبد الله الضبّي المحاملي ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه(٣)

٣ ـ دعلج بن أحمد السجزي ، أخرج روايته لحديث الثقلين الحاكم النيسابوي(٤) ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه(٥)

٤ ـ الحاكم النيسابوري في مستدركه(٦) ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه(٧)

٥ ـ أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره لقوله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا
______________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٩ / ٢٠ و ٥١ / ٣١٧ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٨

(٢) لسان الميزان ٣ / ٣٣٨

(٣) تاريخ بغداد ٨ / ١٩

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩

(٥) الأعلام ٢ / ٣٤٠ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٨١

(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩

(٧) تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٣٩

٣٩٠

بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (١) في كتاب الكشف والبيان ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه(٢)

وإن شئت ذكرنا لك الكثير منهم ، وهذا لا يدلّ على تشيّعهم ، بل هم فقط نقلوا لنا ذلك ، نعم لو صرّحوا بأنّ هذا مذهبنا ، أو هو مذهب أصحابنا ، لدلّ على أنّهم شيعة

« ناجي ـ الكويت ـ ٣٦ سنة »

ترجمة المغيرة بن شعبة :

س : أُريد ترجمة المغيرة بن شعبة مع المصادر

ج : ولد المغيرة بن شعبة الثقفي سنة عشرين قبل الهجرة ، ومات في الكوفة ، ودفن فيها سنة خمسين للهجرة ، وله سبعين سنة

ولهذا عدّه الشيخ الطوسيقدس‌سره في رجاله في أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

كان صاحب غدر ومكر ، ففي كتاب « الغارات » قال : ( ذكر عند عليعليه‌السلام وجدّه مع معاوية ، فقالعليه‌السلام :« وما المغيرة ، إنّما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه من قومه فتك بهم ، وركبها منهم فهرب ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كالعائذ بالإسلام ، والله ما أرى أحد عليه منذ ادّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً ، ألا وأنّه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة ، يجانبون الحقّ ، ويسعرون نيران الحرب ، ويوازرون الظالمين » )(٣)

وعن الشعبي قال : « سمعت قبيصة بن جابر يقول : صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أنّ مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلّا بمكر ، لخرج من أبوابها كلّها »(٤)

______________________

(١) آل عمران : ١٠٣

(٢) طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ٣٨٠ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٣٥

(٣) الغارات ٢ / ٥١٦

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٦٠ / ٥٠ ، تهذيب الكمال ٢٨ / ٣٧٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٣٥٩

٣٩١

كان صاحب فظّة وغلظة ، فقد جعله عمر على البحر والياً ، فكرهه الناس لسوء خلقه وتصرّفاته فعزله ، ثمّ جعله على البصرة والياً ، فبقي عليها ثلاث سنين ، ثمّ غضب عليه فعزله ، ثمّ جعله على الكوفة والياً

فعن ابن سيرين : « كان الرجل يقول للآخر : غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة فولاه الكوفة »(١)

كان صاحب رشوة ، ففي أُسد الغابة : « وأوّل من رشا في الإسلام ، أعطى يرفأ حاجب عمر شيئاً ، حتّى أدخله إلى دار عمر »(٢)

كان زانياً ومطلاقاً ، فعن قتادة : « إنّ أبا بكرة ، ونافع بن الحارث بن كلدة ، وشبل بن معبد ، شهدوا على المغيرة بن شعبة أنّهم رأوه يولجه ويخرجه ، وكان زياد رابعهم ، وهو الذي أفسد عليهم

فأمّا الثلاثة فشهدوا بذلك فقال عمر حين رأى زياداً : إنّي لا أرى غلاماً كيّساً ، لا يقول إلّا حقّاً ، ولم يكن ليكتمني ، فقال : لم أر ما قالوا ، لكنّي رأيت ريبة ، وسمعت نفساً عالياً ، قال : فجلدهم عمر وخلا عن زياد »(٣)

قال ابن المبارك : « كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصففن بين يديه ، وقال : إنّكن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق ، ولكنّي رجل مطلاق ، أنتنّ طلاق »(٤)

عن ابن وهب : « سمعت مالك يقول : كان المغيرة بن شعبة نكّاحاً للنساء ، وكان ينكح أربعاً جميعاً ، ويطلقهن جميعاً »(٥)

وكان المغيرة يسبّ علياًعليه‌السلام ويلعنه ، ففي « تاريخ الطبري » : « وأقام المغيرة
______________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٨ ، معجم البلدان ١ / ٤٣٧

(٢) أُسد الغابة ٤ / ٤٠٧

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٦٠ / ٣٣ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٨٥

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٦٠ / ٥٤

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٦٠ / ٥٥ ، تهذيب الكمال ٢٨ / ٣٧٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٣٦٠

٣٩٢

على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذمّ عليعليه‌السلام والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان ، واللعن لهم »(١)

وعن عبد الله بن ظالم قال : « لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون علياًعليه‌السلام »(٢)

وأمر ـ هو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية ـ حجر بن عدي أن يقوم في الناس ، فيلعن علياًعليه‌السلام ، فأبى ذلك ، فتوعّده(٣)

وقد قال رسول الله ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله :« من سبّ علياً فقد سبّني » ، وهذا الحديث قد صحّحه الهيثمي في « مجمع الزوائد »(٤) ، وهكذا صحّحه الذهبي ، ورواه أحمد في مسنده وغيره(٥)

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً :« يا علي لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (٦) وهو أيضاً حديث صحيح السند

وهناك موارد كثيرة تدلّ على نفاق المغيرة

منها : قد صرّح بنفاقه عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، ففي الطبري ـ بعد
______________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ١٨٨

(٢) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٣٠ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٣

(٣) شرح نهج البلاغة ٤ / ٥٨

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠

(٥) مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠ و ٢٩٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٢ و ٢ / ١٠٢ و ١٥٦ و ٢٧٤ و ٣٩٥

(٦) مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، فتح الباري ١ / ٦٠ و ٧ / ٥٨ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٥١ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٦ و ١٤ / ٤٢٦ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٦ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٠

٣٩٣

ذكر إنكار الناس على عثمان توليه ابن عامر ـ فقال عثمان : « وولّيت شبيهاً بمن كان عمر يولّي ، أنشدك الله يا علي ، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال :« نعم » ، قال : فتعلم أنّ عمر ولاه ؟ قال :« نعم » ، قال : فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر »(١)

وذكر الطبري ـ بعد ذكر بيعة عبد الرحمن لعثمان ـ : « وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن : يا أبا محمّد قد أصبت إذ بايعت عثمان ، وقال لعثمان : لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا ، فقال عبد الرحمن : كذبت يا أعور لو بايعت غيره لبايعته ، ولقلت هذه المقالة »(٢)

وروى عنه أنّه قال : « وددت والله أنّي لو علمت ذلك ، إنّي والله ما رأيت عثمان مصيباً ، ولا رأيت قتله صواباً »(٣)

وقال فيه الإمام عليعليه‌السلام :« فإنّه والله دائباً يلبس الحقّ بالباطل ، ويموّه فيه ، ولن يتعلّق من الدين إلّا بما يوافق الدنيا » (٤)

وهو معدن كلّ شرّ ومنبعه ، فهو الذي أشار على أبي بكر وعمر على تصدّي الأمر حتّى يكون لأمثاله حظّ ، كما أنّه أشار عليهما بجعل نصيب للعباس لتضعيف أمر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأشار على معاوية باستلحاق زياد به حتّى يكمل استيلاؤه ، وأشار عليه باستخلافه ابنه السكّير ، لئلا يعزله معاوية عن الإمارة

وقال ابن الأثير : ( وكان المغيرة يدّعي أنّه ألقى خاتمه في قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزل ليأخذه ، فكان آخرهم عهداً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يصحّ ذلك ، ولم يحضر دفنه فضلاً عن أن يكون آخرهم عهداً به ، وسئل عليعليه‌السلام عن قول المغيرة ، فقال :« كذب آخرنا عهداً به قثم » )(٥)

______________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٣٧٦

(٢) المصدر السابق ٣ / ٢٩٨

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٦٠ / ٤٤

(٤) الأمالي للشيخ المفيد : ٢١٨

(٥) أُسد الغابة ١ / ٣٤

٣٩٤

« حمد ـ قطر ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة »

تقييمنا للصحيحين :

س : رغم اطلاعي على عشرات بل ربما المئات من مواقع الشيعة المتميّزة ، ولكنّي أجد نفسي مأسوراً لموقعكم ، وكلّ مرّة أدخله أشعر أنّني أدخله للمرّة الأُولى ، ونسأل الله لكم التوفيق في خدمة الإسلام والمسلمين ومذهب الحقّ ، مذهب أهل البيتعليهم‌السلام

سؤالي : ما هو موقف الشيعة الإمامية من الصحيحين البخاري ومسلم ؟ وكتب الحديث الأُخرى ؟ أرجو التوضيح

ج : إنّ لتقييم صحيحي البخاري ومسلم مجالاً واسعاً ويحتاج إلى بحث طويل ، ولكن نذكر هنا بعض النقاط المسجلّة عليهما ، وتشترك الصحاح الأُخرى معها في بعضها :

١ ـ ضعف بعض رجال الصحيحين ، وأنّهم غير موثقين في علم الرجال

٢ ـ العصبية الشديدة التي تحلّى بها مؤلّفا الكتابين

٣ ـ الفترة الزمنية الطويلة الممتدّة بين زمن صدور الحديث وتاريخ تدوينه ، مع النظر إلى دواعي وأسباب الجعل والوضع

٤ ـ تقطيع بعض الأحاديث عند البخاري تمشياً لذوقه ورأيه

٥ ـ النقل بالمعنى ، كما يلاحظ في صحيح البخاري

٦ ـ تتميم وتكميل صحيح البخاري بوسيلة الآخرين

٧ ـ ملاحظة كثرة الأحاديث المخالفة للأدلّة العقلية والدينية فيهما

وللإطلاع على تفاصيل هذه النقاط ، راجع كتاب « أضواء على الصحيحين » للشيخ محمّد صادق النجمي

مع ملاحظة أنّ بعض علماء ومحقّقي أهل السنّة يتّفقون معنا في الرأي ، بل بعضهم طعنوا في شخص البخاري ومسلم ، ولكن أنّى لأصواتهم أن يصل إلى الأسماع تحت هذه الضوضاء المتعمّدة !

ويمكنك مراجعة كتيب : « البخاري وصحيحه » للشيخ حسين غيب غلامي ،

٣٩٥

الموجود على صفحتنا ، وأيضاً يفيدك الرجوع إلى كتاب « نظرة عابرة إلى الصحاح الستة » لعبد الصمد شاكر

« أبو ياسين ـ الكويت ـ ٢٤ سنة »

موقف الشيعة من عمر بن عبد العزيز :

س : جزاكم الله خير الجزاء على هذا المجهود العظيم ، الذي تبذلونه في سبيل إعلاء كلمة الحقّ ، والدفاع عن مذهبنا الطاهر بموالاة الرسول وآل بيتهعليهم‌السلام

إخواني لي سؤال عن هذه الفقرة التالية :

جاء في كتاب « الخرائج والجرائح » ، قال أبو بصير : ( كنت مع الباقرعليه‌السلام في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصران ، متكئاً على مولى له ، فقالعليه‌السلام : « ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، ويعيش أربع سنين ثمّ يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ، ويلعنه أهل السماء » فقلنا : يا ابن رسول الله ، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال : « يجلس في مجلسنا ، ولا حقّ له فيه ، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده » )(١)

السؤال هو : ما هو موقفنا نحن الشيعة من الخليفة عمر بن عبد العزيز ؟ وهل هذا الحديث المنقول عن الباقرعليه‌السلام صحيح أم لا ؟ وإذا كان صحيحاً هل معناه أن لا نترّحم على هذا الخليفة ؟ وما سبب رأي الإمامعليه‌السلام به ـ أي بالخليفة ـ هذا ولكم جزيل الشكر

ج : إنّ موقف الشيعة من جميع الخلفاء واحد ، فكلّهم يشتركون في اغتصابهم للخلافة ، التي هي حقّ من حقوق الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، ولا يختلف في ذلك سواء اظهروا العدل ، أو اظهروا الجور ، فكلّهم يستحقّون العذاب الأليم يوم القيامة ، ومن قضى بين المسلمين بحقّ ، وهو ليس أهلاً للقضاء
______________________

(١) الخرائج والجرائح ١ / ٢٧٦

٣٩٦

والحكم بين المسلمين فهو في النار ، كما ورد في معنى بعض الروايات

ولا يخفى عليك أنّ اللعن ورد على آل مروان كما في زيارة عاشوراء ، وعن الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث طويل ، يصف بها النار ومن يدخلها ، فيقولعليه‌السلام :« وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أُمية لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة ، يدخلون من ذلك الباب فتحطّمهم النار حطماً ، لا تسمع لهم فيها واعية ، ولا يحيون فيها ولا يموتون » (١) ، وقد ورد أنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أُمية وآل مروان

والإمام ذكر في نهاية الحديث المعني ما يوضّح سبب قوله ذلك ، وهو جلوس عمر في مجلسهم الذي خصّهم الله به ، ولكن ذكر حقيقة عمر بن عبد العزيز على لسان الأئمّةعليهم‌السلام لا يختصّ بهذه الرواية ، فغيرها كثير ، فأنظر مثلاً « دلائل الإمامة » للطبري الشيعي ، و « الصراط المستقيم » ، و « بصائر الدرجات » ، و « الثاقب في المناقب » ، و « الخرائج والجرائح » ، وغيرها من المصادر

« ـ ـ »

مصادر كشف عمرو بن العاص لعورته :

س : أقوم بمناظرة مع أحد الطلبة السنّة ، وقد ذكرت له حادثة مبارزة الإمام عليعليه‌السلام مع عمرو بن العاص ، وأنّ الأخير كشف عن عورته للفرار ، فلم يصدّق ، وطلب منّي الدليل من كتب التاريخ السنّية ، فأرجو إعطائي المصادر ، ورقم الصفحات إن أمكن

ج : قال البيهقي : « دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس ، فلمّا رآه مقبلاً استضحك ، فقال يا أمير المؤمنين : اضحكَ الله سنك وأدامَ سرورك ، وأقرَّ عينك ، ما كلّ ما أرى يوجب الضحك ؟ فقال معاوية : خطر ببالي يوم صفّين ، يوم بارزتَ أهلَ العراق ، فحَمَل عليك علي بن أبي طالب ، فلمّا غشيكَ
______________________

(١) الخصال : ٣٦١

٣٩٧

طرحتَ نفسكَ عن دابتك ، وأبديتَ عورتكَ ، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ أما والله لقد واقفت هاشمياً منافياً ، ولو شاء أن يقتلك لقتلك »(١)

وذكرت هذا المعنى عدّة مصادر سنّية معتبرة أُخرى(٢)

« أبو علي ـ أمريكا ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة »

الزبير محاسب على أفعاله :

س : لديّ سؤال ، وأتمنّى منكم الإجابة ، أفادكم الله

ما هو رأي مدرسة آل البيتعليهم‌السلام في الزبير ابن عمّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وهل توقّف عن مقاتلة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في واقعة الجمل ؟ جزاكم الله عنّا وعنكم خير الجزاء ، نسألكم الدعاء

ج : قبل وقوع معركة الجمل خرج الإمام عليعليه‌السلام لطلب الزبير ، وحدّثه عن خروجه ، وما هو عذره أمام الله في ذلك الخروج ، وذكّره بحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يقاتل علياً فرجع الزبير ، وقيل : أنّه رجع نادماً على فعلته ، ورجع أمير المؤمنينعليه‌السلام مسروراً ، وقيل : أنّ سبب ندم الزبير وعودته عن القتال هو معرفته أنّ عمّار بن ياسر مع عليعليه‌السلام ، وهو يعلم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عمّار تقتلك الفئة الباغية »(٣)

ولكن هذا الندم وخروجه عن المعركة قد لا يكفي في نجاة الزبير من الحساب الشديد ، ويؤيّد ذلك ما ورد :« إنّ الزبير وقاتله في النار » (٤)

______________________

(١) الغدير ٢ / ١٦٣ عن المحاسن والمساوئ ١ / ٣٨

(٢) أُنظر : عيون الأخبار ١ / ٢٦٢ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ١٠٧ و ٣١٧ ، أنساب الأشراف : ٣٠٥ ، جواهر المطالب ٢ / ٣٨

(٣) مسند أحمد ٢ / ١٦١ ، صحيح مسلم ٨ / ١٨٦ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٣٣ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٨ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٨٩ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٤٢ ، فتح الباري ١ / ٤٥١ ، مسند أبي داود : ٨٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٧٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٢٠ ، الطبقات الكبرى ١ / ٢٤١

(٤) وقعة الجمل : ١٣٧ ، الأنوار العلوية : ٢١٥

٣٩٨

أمّا ما ورد من الأحاديث التي تبشّر قاتل الزبير بالنار فقط ، دون الإشارة إلى مصير الزبير ، فذلك لأنّ قاتله كان مستحقّاً للنار من عدّة جهات ، بالإضافة إلى إعطائه الأمان للزبير وغدره به ، وقتله في أثناء الصلاة كما قيل ، وكان خروج قاتل الزبير على أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم النهروان كاشفاً عن عدم إيمانه وتصديقه بأحقّية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وما كان قتله للزبير إلّا بدوافع شخصية

والمحصّل من كلّ هذا : إنّ قاتل الزبير وإن كان مستحقّاً للنار ، لكن الزبير يبقى أيضاً محاسباً عن أفعاله ، وبالخصوص خروجه على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عليه لتحقيق التوبة إرجاع الجيش عن محاربة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أو المحاولة على الأقلّ ، بل يجب عليه المقاتلة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما فعل الحرّ بن يزيد الرياحيّ مع الإمام الحسينعليه‌السلام

« يعقوب الشمّري ـ اسكتلندا ـ ١٨ سنة ـ طالب »

مذهب اليعقوبي والأصفهاني والمسعودي :

س : هل صحيح أنّ كلّ من الكتب التالية : تاريخ اليعقوبي ، مقاتل الطالبيين ، تاريخ المسعودي ، تعتبر مصادر شيعية ؟

ج : الكتب الثلاثة المذكورة هي كتب تاريخ وسير ومقاتل ، فيرد فيها الغثّ والثمين ، ولابدّ من تمحيصها أو تمحيص الخبر والحديث المنقول قبل الاعتماد عليه والركون إليه

على أنّ اليعقوبي لم يثبت تشيّعه ، وأبا الفرج الأصفهاني كان زيدي المذهب ومرواني النسب

وأمّا المسعودي فبما أنّ السبكي ذكره في طبقاته(١) ، فلذا يعدّ من علماء العامّة ؛ ومن جانب آخر بما أنّه صاحب كتاب إثبات الوصية لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيحتمل قويّاً أن يكون من الشيعة

______________________

(١) طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ٣٢٣

٣٩٩

وبالجملة ، لا يخفى أنّ مبنى الشيعة في العمل بما في الكتب والأخبار والأحاديث هو : البحث السندي أوّلاً ، ثمّ البحث الدلالي ، ولا يشذّ من هذه القاعدة أيّ كتاب وتصنيف إلّا القرآن الكريم

« كرّار أحمد المصطفى ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة ومبلّغ دين »

ما نسب إلى حجر بن عدي مفتعل :

س : هل كان حجر بن عدي هو صاحب مقولة : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين للإمام الحسنعليه‌السلام ؟ وعلى اعتبار صحّة هذا الكلام ألا يكون ذلك من أخطائه الفادحة التي تخرجه من ملّة الشيعة ؟ حيث من أهمّ شروط الانتساب للتشيّع الاعتقاد بأنّ الحسن المجتبىعليه‌السلام إمام مفترض الطاعة ، خصوصاً وأنّنا نعتبر هذا الصحابي من خلّص أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام

ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّدعليهم‌السلام

ج : ورد في بعض الكتب غير المعتبرة هذا القول منسوباً إلى حجر بن عدي بسند مرسل وضعيف ، لوجود ثقيف البكّاء المجهول ، أو غير الموثّق فيه

ومضافاً إلى عدم حجّية النسبة المذكورة ـ لوهن سندها من جهتين ـ نجد عامّة المصادر من الفريقين تصرّح بأنّ القائل لهذه المقولة هو شخص آخر ، وفي أكثرها أنّه سفيان بن أبي ليلى(١)

على أنّ العبارة المذكورة لا تليق أن تنسب إلى أيّ شخص من شيعة الإمامعليه‌السلام ، فكيف يعقل أن تصدر ممن ثبت أنّه من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والإمام الحسنعليه‌السلام ، وهو الذي قتل صبراً لولائه ؟!

______________________

(١) أُنظر : مناقب أمير المؤمنين ٢ / ١٢٨ و ٣١٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٥ ، اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٢٧ ، الاختصاص : ٨٢ ، مقاتل الطالبين : ٤٤ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٦ و ٤٤ ، ذخائر العقبى : ١٣٩ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٥٧ ، نقد الرجال ٢ / ٣٣٢ ، جامع الرواة ١ / ٣٦٥ ، تاريخ بغداد ١٠ / ٣٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٧٩ ، تهذيب الكمال ٦ / ٢٥٠ ، وغيرها من المصادر

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576