موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241519 / تحميل: 7277
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

٤ - الطموح والاختبار:

نصادف أحياناً نوعاً من المشاكل التي تظهر جراء الاختبار ومحاولة أحد الزوجين امتحان الآخر ووضعه على المحك ، ومعرفة مدى الأهمية التي يضمرها له.وفي هذه الحالة فإنّ عدم تحقيق واحدة من تلك الطموحات سيضرب القاعدة والأساس في الصميم ، وبالتالي يعرّض مصير الأسرة للخطر.وينبغي في مثل هذه الحالات أن يتصرف الطرف الآخر بلباقة إذا لم يمكنه تحقيق طموح شريك حياته.

٥ - الإرهاق الناشئ عن العمل:

تنشأ بعض الإختلافات بسبب شعور أحد الزوجين بأنّ شريكه لا يقدر مدى ما يعانيه من تعب وإرهاق في سبيل تحصيل لقمة العيش ، فهو يشعر على الأقل بأنّه وحيد دون سند ، أو حتى تشجيع ، وفي هذه الحالة تتراكم في أعماقه المشاعر الدفينة والعُقد التي سرعان ما تنفجر لسبب أو آخر على صورة نزاع أو خلاف حاد ، كفرصة للانتقام.

٦ - عدم التحمل:

لقد سبق وأن أشرنا إلى هذه النقطة ، حيث يوجد الكثير من الأفراد ، بسبب التربية الخاطئة ، لا طاقة لهم على التحمل والصبر ، فهم يطمحون إلى العيش في دلال دائم يتطلب من الطرف الآخر المراقبة المستمرة وتنفيذ كل رغباته ، وهو أمر لا يمكن توفره دائماً لدى الطرف الآخر ، أو ربما يتوفر لبعض الوقت ثم يفتر أو ينعدم ، وفي هذه الحالة يثور الطرف المدلّل مطالباً بحقه.

٧ - عدم تفهم الطرفين بعضهما:

وأخيراً ، فإنّ أحد بواعث النزاع ، الذي يعصف بالحياة الزوجية هو غياب التفاهم وعدم إدراك الزوجين بعضهما البعض.وقد تنشأ هذه الظاهرة من جراء الاختلاف الكبير في العمر ، أو المستوى الثقافي ، الأمر الذي يضع كلاً منهما في واد بعيد عن الآخر ، فهذا ينشد السفر والمرح ، وذاك ينشد التحقيق

٤١

والبحث.وهذا ( التناقض ) - إذا صح التعبير - سيدقّ إسفينه في الحياة الزوجية.

وفي هذه العجالة يمكن إضافة بواعث أخرى لدى الطرفين ، كوجود حالة من الطفولة ، الخوف من الحياة ، الهروب من المسؤولية ، الممارسات الفظّة إلخ.

عوامل تضاعف من حالات الطموح:

ما أكثر العوامل التي تنفخ في بالون الطموح وتبعده عن أرض الواقع ، فمثلاً التطلع إلى حياة الآخرين خاصة أولئك الذين يعيشون في بحبوحة من العيش ، إضافة إلى ما تُشيعه بعض أجهزة الإعلام بمختلف وسائل التعبير من ثقافة منحرفة ، عن دنيا الخيال وعالم العناد ، الذي يبعد الإنسان ويجعله يعيش في دوامة من الخيال التي تحرفه عن الطريق.

بحث في الطموحات:

إن الطموحات التي تنشأ في ظل الزواج أمر لا يعترض عليه أحد ، بل إنّ الحياة الزوجية الخاوية من الطموح لا معنى لها. ولكن ، الحديث هنا عن حدود الطموح ومدى منطقيته ، ذلك أن بعض الطموحات التي تخرج عن دائرة المعقول لها آثار سلبية تهدد نفس الحياة الزوجية بالدمار.

أن تطمح المرأة مثلاً لأن يُجسِّد زوجها دور العاشق دائماً ، أو أن يطمح الرجل في رؤية زوجته تلعب دور الأم في تدليله على الدوام ، إنّ مثل هذه الطموحات هي حالة طفولية بعيدة عن التفكير الناضج.صحيح أنّ الزوجين بحاجة إلى قدر من الأمومة والأبوة في التعامل ، شرط أن لا تتعدى الحدود المعقولة.

ضرورة كبح جماح الرغبات:

تحتاج الحياة الزوجية إلى قدر من القناعة وضبط النفس أمام الكثير من الرغبات التي لا يمكن تحقيقها ، وهذه الحالة مطلوبة من المرأة في كثير

٤٢

من الأحيان ، خاصة إذا كان زوجها محدود الإمكانات ؛ حيث سيساعد ذلك على حل الكثير من المشكلات وتذليل العديد من العقبات التي قد تعترض طريق الحياة الزوجية.

إن التمتع بالحياة الزوجية لا ينشأ في ظل الطموحات العريضة والملوّنة ، بل إنّ الطموحات التي تخرج عن حدّها قد تصدّع الحياة المشتركة وتصيبها بالشلل ، إنّ الحياة المشتركة تتطلب من الإنسان أن يكون واقعياً في طموحه ، صبوراً في تحقيق ما يصبو إليه ، وتتطلب منه السعي المتواصل دون كلل أو ملل.

٤٣

الفصل الثالث

الشكوك وسوء الظن

الزواج ، في حقيقته ، نوع من الاتصال والاتحاد بين عالمين مختلفين ، وحياتين لهما خصائص مختلفة.والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين ، بل يعني التمتع بالحياة سوية ، والشعور بالاستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة.

ولذا ، فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل ، والصفاء والتفاؤل ، وإلاّ فلا يمكن لها الاستمرار بسلام.

من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة هو التشاؤم ، وسوء الظن ، الذي يهدد السلام العائلي بالخطر ؛ ذلك أنّه ينسف في بدايته عُرى التفاهم ، وبالتالي يفجِّر الصراع.

صور من سوء الظن:

ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب ؛ فمرّة يظهر سوء الظن في الجانب الاقتصادي ، حيث يشعر أحد الطرفين بأنّ الآخر يخفي هذا الجانب دونه ، فقد تظن المرأة - مثلاً - بأنّ زوجها يتقاضى مرتباً أكثر بكثير مما يعلن عنه ، وأنّه ربما يدَّخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها.

ومرّة يظهر الشك في جانب آخر يرتبط بالعفّة وطهارة الثوب ، في حين ليس هناك سوى الشك فقط ، الذي ينجم عادة عن الغيرة.

ومرّة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر حيث يشكّك أحد الطرفين

٤٤

ويظن بأنّ الآخر يتآمر عليه ، وأنّه قد يستهدف القضاء عليه.وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الحب الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز هذه العواطف المتبادلة والودِّ المشترك.

الآثار المدمرّة:

للتشاؤم في جميع صوره آثاره المدمِّرة في الحياة الزوجية ، وقد يجرّ في بعض الأحيان إلى الطلاق وانهيار الأسرة ، أو قد يعصف بسمعة أحد الطرفين ، الذي يجد نفسه في موقف صعب لا يمكنه فيه من رد الاعتبار إلى كرامته المهدورة.

إنّ سوء الظن ينسف ، أوّل ما ينسف ، أساس الاتحاد بين الزوجين ويفقدهما القابلية على الاستمرار ، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة، والتعبير عن الاحتقار، ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم ، وأنّها مليئة بالآلام التي لا يمكن علاجها.

من الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن هو زوال الإحساس بالعزة والكرامة ، ممّا يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم ، إذ إنّ الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر ، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب وانكشاف الواقع إذا صح التعبير.

بواعث الشك:

من الضروري الإشارة إلى الأسباب والبواعث التي تمكن وراء الشكوك وإساءة الظن ؛ وعلى أساس البحث - من خلال رسائل الشباب - وبعض وجهات النظر يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - التسيّب:

قد يبدو الزوجان من خلال المعاشرة مع الآخرين في حالة من التحلل وعدم الالتزام ، خاصة لدى حضورهما معاً في المحافل العامة ، وخاصة في أحاديثهما أو إطلاق الضحكات التي تجعلهم محلاً للإنتقاد ، وقد يبدو أنّهما متساهلان في ذلك ، ولكن التراكمات تتجمع في الأعماق مما تولّد الحقد الذي يظهر في أوّل فرصة مناسبة.

٤٥

٢ - الغيرة:

وهي أحد عوامل سوء الظن والشك ، إذ إنّهما تُضخِّم الرؤية لدى أحد الطرفين ، وتجعله يرى الأشياء في غير ما هي عليه ، ممّا تدفعه إلى تعنيف الطرف الآخر بشدة متّهماً إياه بالعمل على تدمير الحياة الزوجية.

٣ - الأنانية والمغامرة:

يعاني بعض الشباب من استمرار حالة الطفولة ، ولذا فإنّهم يتصرفون كما لو كانوا أولاداً طائشين ، فبمجرد ما تصوِّر لهم أوهامهم شيئاً تتأجّج في أعماقهم روح المغامرة ، ومن ثمّ يبدأ النزاع الذي يحاول البعض - ومع الأسف - تصعيده إطلاقاً من لؤمهم وانحطاط نفوسهم.

٤ - السرية في العمل:

قد يشعر الرجل أو المرأة بوجود أعمال في الخفاء ، الأمر الذي يثير الشكوك لديهما.وعندما تتجذر حالة الشك في النفس تتحول إلى سوء ظن مزمن يفسر الأمور على غير حقيقتها ، وبالتالي يفجّر حالة الصراع.

٥ - الأمراض:

المراد من الأمراض هنا الأمراض النفسية بصورها المتعددة ، فهناك حالة الوسوسة التي قد يعاني منها الرجل أو المرأة ، فيجرّ حياتهما المشتركة إلى الشقاء ، وهناك الضعف العصبي ، أو بعض العُقد القديمة التي تعود إلى أيام الطفولة ، وكل ما يجعل الروح تعيش في حالة من الضيق بالآخرين والتشكيك بهم.

٦ - الحرمان:

قد ينشأ سوء الظن كنتيجة لحرمانٍ تعرض له أحد الزوجين في فترة سابقة وتولّد لديه إحساس بالمرارة ، وهزّ جميع الثوابت في أعماقه ، فإذا به يشكك في كل شيء ، وإذا به يحاسب زوجه حساباً عسيراً من أجل شيء تافه.

٤٦

٧ - وضع القيود:

يحاول البعض وضع القيود في أيادي أزواجهم ، بحيث يشلّهم عن الحركة ، بل وحتى التنفس في جوّ صحي ، ممّا يدفع بالطرف المقابل إلى الشعور باستحالة استمرار الحياة الزوجية بهذه الوتيرة ، ومن ثم التمرد ومحاولة التخلص من الوضع المهين والمذلّ.

وأخيراً وليس آخراً ، ينشأ سوء الظن بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية من قبيل تحريض بعض الأعداء المتلبسين بثوب الصداقة ، ومع الأسف فإنّ مجتمعنا يعجُّ ببعض الأفراد الذين لا يمكنهم تحمّل رؤية سعادة واستقرار الآخرين ، فيحاولون توجيه ضرباتهم المسمومة للإطاحة بالأسر السعيدة.ولو كان هناك أقل يقظة من جانب الزوجين لمَا أمكن لهؤلاء المنحطّين أنّ ينجحوا في تآمرهم الدنيء هذا.

وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة ، التدخل في الشؤون الخاصة ، المراقبة المستمرة ، الإهمال ، الإهانة ، والتعنيف الدائم ، وغير ذلك.

نشوب النزاع:

يبدأ النزاع بسبب بعض التفاصيل الصغيرة ، وسرعان ما تتجذر هذه الحالة لتتخذ شكلاً أوسع في المستقبل ، يصعب علاجها حينئذ.فالشقاء يبدأ مع المحاسبة المستمرة حتى لو كانت حول بعض التفاصيل ، ولكنّها في النهاية تعكّر من صفاء الأجواء في الأسرة ، في حين يمكن حل الكثير من المسائل في جو من التفاهم وفي ظلال من الاحترام.

هناك بعض المسائل التي تواجه صمتاً من جانب ، وإهمالاً من جانب آخر ، غير أنّها تتجذر في الأعماق وتنمو لتشكل فيما بعد تهديداً خطيراً للكيان الأسري.ولذا ينبغي أن يتمتع كل طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان ؛ وإلا فإنّ التصادم سوف يحطم الاثنين معاً ، ويقودهما إلى هاوية الطلاق.

٤٧

ضرورة التخلص من سوء الظن:

يعتبر الإسلام في طليعة المذاهب التي تندّد بسوء الظن وتدعو إلى اجتثاثه من النفوس ، خاصة في الحياة الزوجية ، ويدعو الزوجين إلى الاستمرار في الحياة المشتركة في ظلال من الطمأنينة والثقة المتبادلة.

إنّها حالة صبيانية ؛ أن يعجز شخصان عن التفاهم فيما بينهما حول المسائل ذات الهم المشترك.إنّني أخاطبكم أيّها الشباب ، باعتباركم مسؤولين عن تربية الجيل القادم.إنّ هذه المسؤولية تتطلب منكم شعوراً يسمو بكم عن توافه الأمور.وإنّ عجزكم عن التفاهم يعبّر عن عدم أهلّيتكم لاحتضان الجيل وتربيته.

وهل كان الهدف من ارتباطكم المقدس هذا هو صنع هذا الجحيم من الحياة ؟! وهل - حقاً - لا توجد سبل لحل الخلاف الزوجي ؟! إنّ الزواج يعبّر عن تخطّيكم الكامل لحياة الطفولة ، ودخولكم عالم المسؤوليات بكل تشعباتها ، التي تحتاج إلى تفاهمكم وتعاضدكم ، وحل جميع المشاكل في جو من الهدوء لكي تكونوا أفراداً صالحين ونافعين في مجتمعكم وبلادكم.

طريق الخلاص:

وفي محاولة للتخلص من حالات الشك وسوء الظن يمكن الإشارة إلى بعض السبل ، وهي كما يلي:

١ - الالتزام بحدود الإنسانية:

إنّ الحياة الزوجية تعني ، في أقل التقادير ، تعاقد إنسانين على الحياة معاً وتحت سقف واحد ؛ وهذه الحياة المشتركة تتطلب التزاماً ببعض العهود ، منها ما يحدده الدين والعرف ، ومنها ما يحددها الإنسان بنفسه.وعليه ، فإنّ أقل ما يمكن رعايته من جانب الزوجين هو احترام الأعراف في ما يخصّ العلاقات الزوجية.

٢ - رعاية العفّة:

وهي في الواقع الحجر الأساس في البناء الأسري ، إذ إنّ الزوجين ،

٤٨

على السواء ، ملزمان أمام الشريعة باحترام هذا الجانب الحساس في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فالعفّة تشمل الحديث والمعاشرة وطهارة الثوب وغير ذلك من الأمور.

وعليه ، يتوجب على كلا الزوجين الابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بهذا الجانب ، من قبيل الافتراء ، والبهتان ، وظن السوء ، وأنّ عليهما الاهتمام ببعضهما وتقاسم حلاوة الحياة ومرارتها.

٣ - التثبت في الأمور:

ما أكثر الأفراد الذين يصغون إلى أحاديث الإفك فيتأثرون بشدّة ، وتنشأ في نفوسهم حالة من سوء الظن والشك ، الذي قد يترتب عليه المواقف الخطيرة ، وقد كان من الممكن تفاديها بقليل من التثبت والرويّة.

إنّ أي قرار متسرع دون بحث وتفحص لا بدّ وأن ينتهي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها ، وهو إن دلّ على شيء فإنّما يدل على ضعف في الشخصية وإحساس بالمهانة.

٤ - تدبر الأمور:

لا توجد مسألة أو مشكلة لا يمكن حلّها من خلال التدبر ، والمطلوب هنا هو تحكيم العقل وإقصاء العاطفة جانباً ، والتأمل في المشكلة بكل موضوعية بعيداً عن الأنانية وسوء الظن ، وفي هكذا شروط سوف تظهر الحقيقة واضحة جلية.

٥ - بناء النفس:

يتحول الفرد أحياناً ، بسبب خطأ أو انحراف أو حتى مجرد الإحساس بذلك ، إلى إنسان يسيء الظن خاصّة عندما يجد تأييداً لدى الآخرين.إنّ الحياة الزوجية تتطلب من الإنسان أن يعتبر نفسه ناقصاً وبحاجة إلى التكامل.وهذا التصور يجنّب الإنسان الخطأ الناجم عن الشعور بصحة تصرفاته ، لأنّه إذا ما شعر الإنسان بأنّه غير كامل وأنّه يعاني من نقص مستمر ، توقع احتمال الخطأ من نفسه ، وبالتالي يصون هذا الشعورُ الإنسانَ من العناد واللجاجة في الرأي ، ويدفعه إلى نُشدان الحق والبحث عن الحقيقة.

٤٩

٦ - حسن النية:

من ضرورات الحياة المشتركة أن يتمتع الزوجان بحسن النية دائماً في مشاعرهما وممارساتها ، فإذا كان هناك خلل ما في توفر بعض مستلزمات الحياة في المنزل فيجب أن لا يفسّر هذا على أنّه نوع من إلحاق الأذى ، وإذا حدث وضحك أحدهما في غير مناسبة فعلى الآخر أن لا يتصور بأنّها موجهة ضده.

إنّ الحياة الزوجية ، خاصة لدى الشباب ، تحتاج إلى حسن في النوايا وتعاضد في الأعمال ، وإلاّ فإنّ روحيهما ( أي الزوجين ) ستكونان نهباً للقلق ، وحياتهما عرضة للتزلزل.

٧ - استعراض الحقائق معاً:

في الحياة المشتركة ينبغي أن يكون حصة العقل أوفر حظاً من حصة القلب ، حيث يمكن ، ومن خلال مناقشة بعض الحقائق معاً ، تلافي احتمالات الإخلال بالصفاء الزوجي ، ويتطلب هذا الأمر إصغاء الطرفين لبعضهما مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الضوابط الفكرية ، وإلاّ فإنّهما سيضطران إلى اعتماد أساليب بعيدة عن المنطق في حديث لا يمتّ إلى أرض الواقع بصلة أو جذر ، ممّا يؤدي إلى توتر العلاقات في الحياة الزوجية.

٨ - تقبل القيود:

إنكم لم تعودوا أطفالاً أحراراً كما كنتم بالأمس.إنّ الحياة الزوجية هي شكل من أشكال الحرية المقيدة والمشروطة ، يتقبلها الزوجان كأساس للحياة المشتركة ، وهي علاوة على كونها شرطاً في الحياة الزوجية فإنّها تعمل على تهذيب الإنسان وتشذيب أخلاقه في المعاشرة والصحبة من خلال بعض الضوابط والقواعد التي تصبّ في النهاية في مصلحة الزوجين بما يعزز من أمن واستقرار الأسرة.

٥٠

الفصل الرابع

الرغبات

الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف. يمرّ عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب ، والخيالات الجميلة ، التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنّه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر.

إنّنا لا نطرح خطاً صارماً للحياة ، إذ من الممكن الخروج هنا أو هناك عن المسير المعين للحياة، ولكن المفروض هنا هو ذلك الجنوح في الخيال بعيداً ، لأنّه يضاعف من أخطار السقوط.

الحياة المشتركة والرغبات:

ما أكثر الرغبات التي تقود إلى المصائد وتجعل طعم الحياة مراً ، وهذه المسألة تكاد تكون عامّة تشمل كل نواحي الحياة إلاّ أنّها تتجلى واضحة جلية في الحياة الزوجية.

إنّ الوقوع في أسر الرغبات واتباع الشهوات واللهاث وراءها وتجاوز الحدود القانوية التي رسمها العقل والشرع من أجل سعادة الإنسان واستقراره ، إن تجاوز هذه الحدود - سيتسبب في اضمحلال الحياة الزوجية وانهيارها.

وما أكثر الخلافات والحساسيات ، وبعبارة أكثر صراحة ما أكثر

٥١

الانحرافات التي تطبع حياة البعض من الرجال أو النساء ، والتي تؤدي إلى انهيار الحياة المشتركة عن حسن نية.نعم ، نحن نؤمن بأن بعض المراحل من عمر الإنسان تقتضي التظاهر ومحاولة إلفات نظر الآخرين ، ولكن - وبعد أن يخطو الخطوة الأولى في دنيا الحياة المشتركة - عليهما الالتزام بالضوابط الإلهية ، وتوظيف هذه الموهبة الإلهية في دائرة الشرعية التي يحددها الدين.

مسألة الهدى:

أن تكون الحياة زاخرة بالأحلام الملوّنة والأماني الجميلة أمر لا يعترض عليه أحد ، ولا يدعي أحد كذلك بأنّ على الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أن يقضي وقته بالعبادة والدعاء ، بالرغم من أنّ دائرة العبادة من وجهة نظر الإسلام تسع جميع الأنشطة الإنسانية التي تحظى برضا الله سبحانه ، حيث تعتبر بعض الأفعال كالأكل والنوم وحتى الممارسة الجنسية في حالات معينة عبادة يثاب عليها الإنسان.

إنّ ما يرفضه الدين هو الانقياد إلى الهوى واتباع الشهوات والوقوع في أسر الرغبات.بعبارة أخرى سقوط الإرادة ووقوع الإنسان في أسر الأهواء النفسية.فالذي لا يملك سلطاناً على عينيه ولسانه وأذنيه ، والذي لا يمكنه ضبط نفسه من الرغبات ، لا يمكنه أن يتمتع بشخصية متماسكة متينة ، وبالتالي يعرّض سمعته وطهارة ثوبه إلى الخطر.

الأخطار:

متعددة هي الأخطار التي تنجم عن الوقوع في أسر الشهوة والانقياد إلى الهوى ، فمنها:

١ - المعاشرة والانحراف:

تخضع المعاشرة من ناحية إسلامية لضوابط محددة ، فالإنسان المسلم

٥٢

مقيد بحدود معينة تنظم علاقاته مع الآخرين ، فهناك مسألة المحارم مثلاً كأبرز ضابطة شرعية تنظم علاقات الرجل والمرأة ، إذ ليس من حقنا أن نمزح مع أي كان أو نجالس أيّا كان أو نتحدث مع من نشاء.

إنّ بعض النزاعات التي تعكر من صفو الحياة الزوجية إنّما تنشأ بسبب إهمال هذه الضوابط ، إذ إنّنا نجد البعض - رجلاً أو امرأة - يقيم علاقات محرَّمة مع بعض الأفراد ، في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتقطيع كل الأواصر مع زوجه ، ولا تستمر الحال هكذا إذ سرعان ما تتحطم حياة كل منهما وتذهب أدراج الريّاح.

٢ - الاشتراك في الحرام:

عادة ما تقود الشهوات إلى الوقوع في الحرام ، وبالطبع تكون البداية حضور الحفلات المحرمة التي تلوّث الإنسان تدريجياً ثم سرعان ما يجد المرء نفسه في أحضان الرذيلة ، وبمرور الأيام يزيّن رفاق السوء له هذه الحياة فيفضّلها على حياة الزواج والجو العائلي ، وعندها يولّي ظهره لزوجته ولأبنائه ويتضاعف الخطر عندما يدمن ذلك الإنسان على القمار أو الشراب أو تعاطي المخدرات إذ لا يكون همّه سوى الحصول على المال عن أي طريق ، وعندها تتهاوى الأسرة وتتحول إلى مجرد أنقاض آدمية.

٣ - التجمل والزينة:

يحث الإسلام على أن يتزين الزوجان لبعضهما ويظهرا بالمظهر اللائق ، وفي مقابل ذلك وضع الإسلام حدوداً لذلك تمنع من الإفراط الذي يقود إلى السقوط الأخلاقي ، وذلك عندما يتحول الرجل أو المرأة إلى أُلعوبة أو دمية تقلّبها عيون الناظرين. فالإسلام يمنع لباس الشهرة ، أو أن تتزين المرأة ثم تخرج من دارها.والإسلام يمنع المرأة من التبرج لغير زوجها أو أن تتعطر ثمّ تخرج في الشوارع، كل هذا من أجل صيانة الإنسان أخلاقياً ، وحمايته من السقوط أو الوقوع في شباك الشبهات.

٥٣

إن رعاية هذه الضوابط ضرورية في حياة المجتمع لكي يبدو أكثر طهراً و صفاءً.إنّ المهم في حياة الإنسان ليس جماله الظاهري بل نقاء الباطن وصفاؤه وسلامة الفكر والروح.

٤ - حب حتى العبادة:

يعيش بعض الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك السن وعبورهم تلك المرحلة ، فهم ينشدون من أزواجهم - مثلاً - حباً عنيفاً يصل درجة العبادة ! وأيَّ ( تقصير ) أو إهمال قليل في تلك ( الطقوس ) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم ، الذي سرعان ما يفجّر حالة من العدوانية والتنازع.وينبغي على من يعاني من هذه الحالة أن يخلو إلى نفسه قليلاً في محاولة لاستكشاف الباطن وتصفيته من تلك الميول اللامعقولة.

بواعث تلك الرغبات:

هناك من الأسباب والبواعث ما لا يمكن حصرها إلا أننا نذكر أهمّها وهي كما يلي:

- غياب النضج الكافي واعتماد العواطف.

- انعدام التجارب الحياتية وغياب الرؤية الصحيحة.

- الإحساس بالرتابة المملة والرغبة في خوض تجربة جديدة.

- استمرار حالة الطفولة.

- اللامبالاة وعدم الالتفات إلى المسائل العميقة للحياة.

- تناسي الهدف من وراء الحياة.

وأخيراً الوقوع في أسر الحياة العابثة واللهاث وراءها.

الرغبات والحساسيات:

إنّ السقوط في أسر الأهواء له آثاره المدمرة التي تطال الزوج وشريك حياته.

٥٤

إنّ أكثر الممارسات التي تنبعث عن الحساسية تضاعف من الآلام ، ذلك أنّ الرجال الذين يغارون على زوجاتهم ، وكذلك النساء الغيورات ، لا يمكنهم السكوت تجاه أزواجهم حتى لو اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة لشخص ليس من المحارم.ومن وجهة نظر شرعية ، فإنّ حدود علاقاتنا مع الآخرين واضحة تماماً.

وفي ما يخص الزي الذي نرتديه فمسألة قد يدخل العرف في تحديدها ، وفي حدود يرسمها الشرع أيضاً ، وإنّ كل أمر يؤدي إلى إثارة الظنون أو الشبهات أو يعتبر مقدمة للإنحراف والسقوط هو حرام ، ذلك أنّ مقدمة الحرام حرام أيضاً ، كما تقرر ذلك القواعد الشرعية.

ضرورة مراجعة النفس:

ربما يغفر الله ما ارتكبناه من ذنوب في حياتنا الماضية شرط أن نعود إلى أنفسنا ونفكر فيما ينبغي أن نفعله مستقبلاً.فإنّ العودة إلى النفس ضرورية لأسباب ، منها:

- تحقيق حالة من الطمأنينة من خلال السعي إلى التكامل الروحي.

- أنّ أبناءنا بحاجة ماسة إلى آباء وأمهات في مستوى المسؤولية.

- أنّ الأفراد في المجتمع الإنساني مسؤولون أمام بعضهم البعض ، كل حسب موقعه ، لتحقيق حالة من الاستقرار والسعادة.

إذن ، فنحن في حالة من الحركة ينبغي علينا خلالها الالتفات إلى أنفسنا والانتباه إلى ممارساتنا وأعمالنا والسعي الدائم لتجنب السلوكيات المنحرفة والضارة ، نصلح ما اعوجّ منها ونعتبر بما يواجهنا من خطر.

إنّ التهافت على الشهوات والرغبات سيمنعنا من الوصول إلى نبع السعادة ، ولذا فإنّ علينا أن نعزز من سلطة العقل ، وأن نحدد ما استطعنا من نفوذ العاطفة ، ذلك أنّ الحياة تحتاج في إدارتها العقل لا العواطف والأحاسيس.

٥٥

المراقبة:

الزواج هو عهد المسؤولية وزمن الحساب ، فلقد ولّت حياة الضياع ، ودخل الزوجان عالماً جديداً ودنيا جديدة يتحمل فيها الطرفان الأعباء سوية ، ويتقاسمان فيها المسؤوليات كلّ حسب إمكاناته وقابلياته التي أودعها الله فيه.

ولذا فإنّ تواجدنا في المنزل في ساعة معينة لا يعتبر منقصة لنا ، وكذلك فإنّ خروج المرأة من المنزل ينبغي أن يتم بموافقة زوجها حفظاً لها ، وصوناً لعفّتها وسمعتها.فالرجل يعتبر زوجته رمزاً لكرامته ، وهو المسؤول الأوّل عنها.لذا فقد ورد في الأحاديث أنّ الملائكة ما تزال تلعن المرأة التي تخرج دون إذن زوجها حتى تعود.

احترام الحقوق ورعايتها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها )(٢) .

من بواعث النزاع في الحياة الزوجية هو انعدام تلك العلاقة الصميمية والمودّة بين الزوجين ، في نفس الوقت الذي ينفتحان فيه على الآخرين بعلاقات غير صحيحة مما يؤثر سلباً في نفسيهما ويضاعف لديهما العقد.

التعفف:

تعتبر المحافظة على العفّة واحدة من أنجع الوسائل والسبل في منع وقوع النزاع بين الزوجين.إنّ صيانة النفس عن الانحراف والوقوع في الحرام هو من خصال العفّة وطهارة الثوب ، فالزينة والتجمل مطلوب على أن ينحصر ذلك بين الزوجين فقط.

____________________

(١) كنز العمال.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٣ ، ص ٢٥٣.

٥٦

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا منها ريحها هي زانية)(١) .

ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقة صداقة وحب ، كما أنّ هدف كل منهما أن يكون صاحبه مُلكاً خالصاً له لا يفكر بغيره ولا ينظر إلى سواه ، وفي هذه الحالة فإنّ التجمل والزينة والمعاشرة الحرّة مع الآخرين سيُلقي - شئنا أم أبينا - ظلاله السوداء في القلوب ، ويكون باعثاً على سوء الظن ممّا يؤدي بالتالي إلى إضعاف واضمحلال العلاقة الزوجية.

إنّ العفّة والتعفف ، وإضافة إلى ما ذكرنا ، حُصن حصين ، يحمي الإنسان من الوقوع في شباك الماكرين المنحرفين الذين لا همّ لهم سوى استغلال بعض الثغرات ، والولوج إلى حرم الحياة الزوجية وتلويثها ، وبالتالي تدميرها ، وعندها لا ينفع ندم النادمين.

التعاليم الإسلامية:

من مزايا الإسلام الحنيف أنّه يعيش مع الإنسان جميع لحظاته وسكناته ، وهو كالبوصلة التي تشير دائماً إلى الاتجاه السليم ، حيث يبدأ عملها منذ اللحظة الأولى للقيام بعمل ما - أعني منذ انعقاد النية - ولذا نشاهد أنّ الإسلام ، مثلاً ، لا يجيز لنا القيام بعمل من شأنه أن يضعنا في موضع الشبهات ، ويثير سوء الظن حولنا.

وفي هذا المضمار تؤكد وصايا الإسلام اجتناب كل الأعمال التي تؤدي إلى تفجر النزاع في الحياة المشتركة وضياع كل الجهود في مهب الرياح.

علينا أن نفكر وأن نضع أنفسنا مكان أزواجنا عندما نريد القيام بعمل ما ، فإنّنا وإن تمكنّا من استغفال أزواجنا في ذلك ، فإنّ الله سبحانه هو شاهد على جميع أعمالنا.

____________________

(١) ابن ماجة ، ج ٨ ، ص ١٥٣.

٥٧

الفصل الخامس

عقدة التفوق

يطمح كل إنسان ، إلى حدٍّ ما ، لأن يرى نفسه متفوقاً حتى لو استدعى الأمر أن يعيش في عالم الخيال الجميل ، ومن خلال ذلك يخامره شعور بالعظمة التي تبعث في نفسه الفرحة والأمل بالحياة.

ولكن ما يبعث على الأسف أنّ البعض من الناس يتجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية على الآخرين.وفي استقرائنا للعلل والأسباب التي تؤدي إلى نشوب النزاع في بعض الأسر ، واجهنا بعض النماذج من الناس ، الذين يحاولون حتى في إطار الأسرة إثبات تفوقهم المستمر بطريقة أو بأخرى ، فهناك - مثلاً - التدليل بالثراء ، أو المستوى العلمي ، أو حتى بالمناصب والوجاهات لبعض أقاربهم ، وزَجّهم في هذه المسألة لإثبات تفوّقهم أمام أزواجهم !.

وربّما يصل الأمر حداً ، ومن خلال الإيحاء المستمر إلى شعور البعض بأنّهم قد خسروا الكثير في زواجهم ، وأنّ شأنهم ومنزلتهم لا يتناسب والحياة مع هكذا أزواج.ولذا ، ومن خلال هذه التصورات ، يشعر بالحسرة على نفسه ، وفي أحسن الأحوال يتغير شعوره تجاه زوجته ؛ فإذا هو ينظر إليها على أنّها مجرد سكرتيرة أو خادمة.وقد نرى هذه الحالة المرضيّة لدى المرأة أيضاً ؛ إذ تخلط في تعاملها مع زوجها كما لو كان خادماً لديها !.

الأزواج المعقّدون:

تنشأ هذه الحالة بسبب بعض العقد النفسية ، التي هي في واقعها وليدة

٥٨

لمرض معين ، أو تربية خاطئة ، تسبب في تعكير صفو حياتهم وحياة الآخرين ، وهؤلاء لا يعيشون سوى تلك الهموم التي تجعلهم ينظرون بتشاؤم إلى الآخرين ، فهم يشعرون بالأسف لجهل الآخرين منزلتهم وبقاء شخصيتهم في الظل ، ولذا فهم يشعرون بالوحدة والشقاء ، الذي تتضاعف حدّته يوماً بعد آخر.

فهم لا يملّون الحديث عن إنجازاتهم ، وعن ذكائهم الخارق ، أو عن درجاتهم العلمية ، أو ثرائهم ، ويودّون أن يتحدث الناس عن مناقبهم لكي يَرْوُوا ظمأهم من الزهو بأنفسهم.وقد يصل الحدُّ بهم إلى أن يذيقوا أزواجهم المرارة والعذاب ممّا يؤدي في النهاية إلى تقويض أركان الأسرة.

وفي التعامل الزوجي:

عادة ما يرى أولئك الأشخاص أنفسهم أكبر من حجمهم ، ولذا فهم يعرضون أنفسهم على أنّهم أعلى منزلة من الآخرين ، وبمرور الزمن تتحول أفكارهم تلك إلى نوع من التكبر والغرور ، فيحاولون من خلال ذلك تحديد علاقاتهم وحصرها في ( عالم الكبار ) - إذا صح التعبير - فترى أحاديثهم ( بالونية ) الحجم والمحتوى.وإذا كانت لديهم إيجابية في صِفة أو عمل فإنّهم يضعونها تحت المجهر ويسهبون في الحديث عنها ويطنبون.

وقد يتعذر عليهم ذلك خارج الأسرة ، فيحاولون إفراغ هذه الشُحنة ، وتعويض هذا النقص ، داخل أسرهم ، مع أزواجهم وأبنائهم ، ويتحدثون عن شأنهم وعلوّ منزلتهم ، فإذا لم يجدوا ما يتحدثون به عن أنفسهم ، فتحوا دفاتر الأقرباء يقرؤون ويشرحون ، وإذا تطلب الأمر بادروا إلى السحب من أرصدتهم ( المصرفية ) وتوقيع الصكوك تلو الصكوك.

وهذه الحالة من الزهو التي قد تنشأ في الايام الأوّلى من الزواج في محاولة استعراضية ، تجد الزوجة فيها نوعاً من الحديث العذب ، تتسبب في إثارة الصداع لديها إذا ما تكررت وأصبحت عادة متجذرة ، وقد تفسّرها على أنّها نوع من الإهانة الموجهة إليها وإلى كرامتها ، ليجرها بالتالي إلى البحث عن العيوب والمثالب في محاولة للرد بالمثل إذا صح التعبير.

٥٩

البواعث:

ومن أجل البحث في بواعث هذه الحالة ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها في محاولة للحدِّ منها ، أو التخفيف من آثارها على الطرف الآخر ، لا بد من الإشارة إلى ما يلي:

١ - الغرور الفارغ:

ربما تدفعنا بعض المجالات الخاصة إلى الإحساس بالغرور الفارغ ، فربّما نحصل على ثروة من ( إرث ) الآباء أو الأجداد ، أو عن طريق آخر ، كالرشوة أو الاختلاس باسم الحق ، ثمّ نظن أنّ هذه الثروة تجعل لنا حقاً استثنائياً في استرقاق الآخرين ؛ أو نحصل على شهادة علمية ، ربما جاءت في بعض الأحيان عن طريق الغش أو ترديد بعض المعلومات المدرسية ، ثمّ نرقتي بسبب ذلك منصباً معيناً فنتصور الآخرين أقلّ فهماً وإدراكاً منّا ، وأنّ عليهم أن يكونوا تابعين لنا ، في آرائنا ، وأفكارنا ، وخططنا ، دون أن نفكر بأنّ أزواجنا وأولادنا لا ذنب لهم لكي يكونوا - دائماً - عبيداً تابعين.

٢ - حب السيطرة:

من العادات الخاطئة التي تترسب في نفوسنا منذ أيام الطفولة ، وقد ترافقنا إلى نهاية العمر ، هو الدلال الذي اعتدنا عليه في أيام الصغر ، والذي قد يصور لنا الآخرين مجرد خدم لا شغل لهم سوى تلبية طلباتنا.

ومما يزيد الطين بلّة ، هو استمرارها حتى بعد الزواج إذ نتصور الطرف الآخر خادماً لنا ينبغي عليه أن يلبّي كل ما نطلبه منه ، غافلين عن كونه إنساناً له كرامته وشخصيته التي تأبى عليه أن يكون عبداً لا أهمية له.

وهذه الظاهرة في حقيقتها مرض أخلاقي أو نفسي ينبغي علاجه ، لأنذ استمرارها ستكون له آثاره المدمرة ، خاصة في الحياة الزوجية.

٣ - النرجسية والأنانية:

من دواعي الأسف أنّ الكثير منّا ما يزال أسيراً لهوى نفسه يلهث وراء رغباتها ولا يرى شيئاً ولا أحداً سوى نفسه فقط.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

« ـ الكويت ـ »

بكاؤنا على الحسين من مصاديق المودّة :

س : قد يتساءل الفرد ، مادام الإمام الحسينعليه‌السلام الآن في نعيم الله وجنانه ، فكيف نبكي على مصابه ؟ أو بعبارة أُخرى : كيف يتوافق البكاء على مصابهعليه‌السلام ، مع كونه في أعلى الدرجات من النعيم ؟ ولكم منّي جزيل الشكر

ج : قد روى علماء المسلمين في كتبهم : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يؤمن أحدكم حتّى يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما »(١)

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دائماً يوصي أُمّته بمودّة ذوي القربى ، قال تعالى :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٢) ، والإمام الحسينعليه‌السلام من القربى بإجماع المسلمين ، ومن مودّته أن نحبّه ونقتدي به ، ونفرح لفرحه ، ونحزن لحزنه وما يصيبه

فبكاؤنا على الحسينعليه‌السلام من مصاديق المودّة في القربى ، أضف إلى ذلك ، الروايات الكثيرة الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيتعليهم‌السلام في التأكيد على البكاء عليه ، وما فيه من الثواب

« رؤوف ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ طالب »

تأثير البكاء واللطم على النفوس :

س : ما فائدة البكاء في محرّم ؟ وما فائدة اللطم على الصدور ؟ السؤال ليس عن الأحاديث الشريفة ، بل كيف يمكن للبكاء واللطم أن يؤثّرا في حياتنا وسلوكنا ؟

ج : إنّ البكاء بمعناه النفسي حالة تأثّر النفس وتفاعلها مع الحدث ،
______________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٢٠٧ و ٢٧٨ ، مسند أبي يعلى ٦ / ٢٣ ، مسكن الفؤاد : ٢٧

(٢) الشورى : ٢٣

٤٤١

وإحساسها بالألم ، فتستجيب للحدث بتعبير معيّن وهو البكاء ، وبكاؤنا على الإمام الحسينعليه‌السلام ، هو ردّة فعل للحدث المؤلم الذي حلّ به ، فتفاعلنا مع قضيّتهعليه‌السلام أوجب أن تتفاعل نفوسنا وأحاسيسنا لما أصابهعليه‌السلام ، وبذلك فإنّنا قد عبّرنا باستجابتنا لمصيبتهعليه‌السلام بالبكاء ، الذي هو حالة تفاعل كما ذكرنا

ومثل ذلك ، اللطم على الصدور ، فهو تعبير عن الألم والحزن ، الذي يعتلج قلوبنا ، وتعبير عن مدى ما أصابنا من عظم المصيبة ، فالحرقة التي تصيب النفس ـ والحزن يسيطر عليها ـ يمكن للإنسان أن ينفّس عمّا أصابه بفعل ما يكون ترويحاً وتنفيساً ومجاراةً ومواساةً لمن حلّت به هذه الفاجعة ، أو القضية المؤلمة

« مصلح ـ السعودية ـ »

حضور الأرواح في مجالس الذكر :

س : ماذا يعني حضور الأرواح الطاهرة في مجالس الذكر ؟ وهل يتعيّن على النساء في مجالسهن ، عدم لبس الملابس الرقيقة ؟

ج : قد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « رحم الله شيعتنا ، خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بماء ولايتنا ، يحزنون لحزننا ، ويفرحون لفرحنا »(١)

ومن المؤكّد أنّ أرواحهم الطاهرة ناظرة إلى تلك المجالس المنعقدة من أجل إحياء أمرهم ، فلابدّ لكلّ من يحضر تلك المجالس ، أن يلتزم بما يتناسب مع معنوياتها وروحانيتها من حيث الملبس ، وسائر الحركات والأعمال

« ـ ـ... »

حكم الإطعام فيها :

س : إنّ بعض إخواننا من السنّة يقول : لا يجوز الأكل من مائدة يوم عاشوراء ومثيلاتها ، لأنّها أُقيمت لغير الله تعالى ، فما هو الردّ عليهم ؟

______________________

(١) شجرة طوبى ١ / ٣

٤٤٢

ج : إنّ الذبح والإطعام تارة يضاف لله تعالى فيقال : ذبح لله ، وإطعام لله ، ومعناه : أنّه ذبح لوجهه تعالى ، وتقرّباً إليه ، كما في الأضحية بمنى وغيرها ، والفداء في الإحرام ، والعقيقة ، وغير ذلك

وتارة يضاف إلى المخلوق ، وهنا مرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى المخلوق طلباً للخير منه ، مع كونه حجراً أو جماداً ، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم ، فهذا شرك وكفر سواء سمّي عبادة أو لا

ومرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى الخالق ، فيقال : ذبحت الشاة للضيف ، أو ذبحت الشاة للحسينعليه‌السلام ، وأطعمت للحسينعليه‌السلام ، أو لغيره من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا لا محذور فيه ، لأنّه قصد ثواب هذه الذبيحة ، أو هذا الطعام للحسينعليه‌السلام ، أو لأحد من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ونظيره من يقصد أنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها ، وأخبزها وأتصدّق بخبزها على الفقراء ، وأهدي ثواب ذلك لوالدي ، فأفعاله هذه كلّها طاعة ، وعبادة لله تعالى لا لأبويه

ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح للحسينعليه‌السلام ، أو بالإطعام له ، أو غيره التقرّب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام دون الله تعالى ، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم الإمام الحسينعليه‌السلام ، أو أحد الأئمّةعليهم‌السلام على الذبيحة ، لكان ذلك عندهم منكراً ، وحرّمت الذبيحة ، فليس الذبح لهم ، بل عنهم ، بمعنى أنّه عمل يهدي ثوابه إليهم ، كسائر أعمال الخير

والخلاصة : إنّ الإطعام يوم عاشوراء إطعام لله تعالى ، صحيح أطلق عليه إطعام للحسينعليه‌السلام ، ولكن قصد أنّ ثوابه للحسينعليه‌السلام ، وليس هو إطعام لغير الله تعالى ، كما يتوهّمه الوهّابيون

« محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية »

حكم الغياب عن المجالس يوم العاشر من محرّم :

س : هل الغياب في اليوم العاشر من محرّم لا يجوز ؟ وكذلك في وفاة الأئمّة عليهم‌السلام ؟

٤٤٣

ج : من مصاديق الآية الشريفة :( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) هو الحضور في المجالس والمآتم التي تعقد في اليوم العاشر من المحرّم ، وأيّام شهادة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، فإنّ الحضور فيها يعدّ من تقوى القلوب ، ويقرّب إلى الله تعالى

وعلى أتباع أهل البيتعليهم‌السلام أن يحيوا هذه المجالس بحضورهم ، كما وردت عن أهل البيتعليهم‌السلام في وصف شيعتهم :« يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا » (٢) ، إذ الحبّ القلبي لوحده لا يكفي ، فلابدّ من تجاوز هذا الحبّ القلبي إلى مرحلة الإظهار والعمل ، ومن أبرز مصاديق الإظهار ، إحياء أمرهمعليهم‌السلام بعقد المجالس والمآتم ، والحضور فيها

ولا ننسى أن ننبّه : أنّ الغياب عن الحضور في هذه المجالس إذا كان تهاوناً من الشخص ، أو أحرز الشخص أنّه سيؤدّي إلى إضعاف هذه المجالس ، فهنا العلماء يفتون بحرمة الغياب

« مصطفى البحراني ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية »

روايات صحيحة السند تحثّ على إقامتها :

س : ما نظرة فقهاء الشيعة ومثقّفيهم في قضية البكاء ، ولطم الصدور ، وغيرها من الأُمور الأُخرى ، المتعلّقة بسيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ؟

نودّ من خلال إجابتكم جواب بسيط وشافي ، ويدخل في الأذهان بسهولة ، حتّى نتمكن من سردها لإخواننا من غير الشيعة ، الذين يسألوننا عن ذلك دوماً ، ولكم جزيل الشكر والامتنان

ج : قد روى علماء المسلمين في كتب الحديث بكاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإمام الحسينعليه‌السلام قبل شهادته ، وذلك لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام
______________________

(١) الحجّ : ٣٢

(٢) شجرة طوبى ١ / ٣

٤٤٤

الحسينعليه‌السلام ، وهذا تكرّر عدّة مرّات من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك بكاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والصحابة لمّا أخبرهم النبيّ بما سيجري على الإمام الحسينعليه‌السلام

أضف إلى ذلك ، ما ورد صريحاً في روايات أهل البيت الصحيحة السند في الحثّ على إقامة المأتم على الإمام الحسينعليه‌السلام

وكما تعلمون فإنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بهم في إقامة المأتم ، ومن ذلك اللطم عند الشيعة ، فإنّه مظهر من مظاهر الحزن عندهم ، ويدخل تحت عمومات استحباب إقامة المأتم

أضف إلى ذلك فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسينعليه‌السلام ، وما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما‌السلام فإنّه فيه مأجور » (١) خير دليل على هذا

« مصطفى البحراني ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية »

كيفية تطوّر العزاء الحسيني :

س : كيف كانت طريقة العزاء على الإمام الحسينعليه‌السلام ، منذ زمن الأئمّةعليهم‌السلام ، من الإمام زين العابدينعليه‌السلام وإلى زماننا هذا ؟ أي كيف تطوّر العزاء الحسيني ؟

ج : إنّ تاريخ إقامة العزاء الحسيني بصورتها البسيطة من البكاء والحداد والنوح ، قد يرجع ـ طبقاً لجملة من الروايات ـ إلى زمن آدمعليه‌السلام ، وأمّا في العصر الإسلامي فقد أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل عزاء لولده الحسينعليه‌السلام

ثمّ بعد استشهادهعليه‌السلام يقول التاريخ : إنّه بعد رحيل الجيش الأموي من كربلاء ، اجتمع جمع من الناس وبكوا ، وأقاموا مأتماً على الشهداء قبل دفنهم ، حتّى إنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما قدم إلى كربلاء في ذلك الحين ،
______________________

(١) كامل الزيارات : ٢٠١

٤٤٥

رآهم على تلك الحالة ، ومن بعده استمرّت المراسم بين حين وآخر بأساليب متعدّدة من إقامة المجالس ، وإنشاد الشعر والمراثي ، إلى أن وصل دور الحكومات الشيعية ـ مثل الدولة الحمدانية والبويهية ، وعلى الأخصّ الصفوية ـ فتحرّكت المواكب ، والهيئات الشيعية ، وبتأييد صريح ، ودعم واضح منهم لهذه المآتم والمجالس والمواكب

وأمّا نوعية العزاء وتطوّره فهو في الواقع قد أُخذ سبيله في التغيير والتطوّر في كلّ زمان ومكان ، حسب ما تراه الشيعة طريقاً ووسيلةً لإحياء ذكر الإمام الحسينعليه‌السلام ، وفقاً لما يراه علماؤهم من جوازه ، وعدم منافاته للشرع

« أبو محمّد ـ عمان »

لطم الهاشميات دليل على جوازه :

س : كيف أُقنع أُناس من مذاهب أُخرى بقضية اللطم على الصدر في شهر محرّم ؟

ج : إنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بالنسبة إلى إقامة العزاء ، ومادام أنّ أصل الحزن وإقامة العزاء ثابت على الحسينعليه‌السلام ، فإنّ اللطم هو واحد من مصاديق إظهار الحزن عند الشيعة ، فلا نحتاج في المسألة إلى دليل خاصّ ، مادام هو داخل تحت عمومات الحزن

أضف إلى ذلك ، فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسينعليه‌السلام ، وبحضور الإمام السجّادعليه‌السلام ، وحيث لم ينهاهن الإمامعليه‌السلام ، فيكون تقريراً لجوازه واستحبابه على الإمام الحسينعليه‌السلام

« رملة السيّد ـ البحرين »

ماذا ينبغي فعله فيها :

س : بما أنّ شهر محرّم قريب ، فما هي الأعمال التي يستحبّ القيام بها في

٤٤٦

هذا الشهر العظيم ؟ وشكراً على تفضّلكم بالإجابة على الأسئلة ، ورحم الله والديكم

ج : مع حلول شهر محرّم الحرام ، تتجدّد ذكرى استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ـ ريحانة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأصحابه الأوفياء ، وأسر أهل بيته ظلماً وجوراً ؛ ولهذا السبب وبالذات تلتزم الشيعة ـ وحتّى المنصفون من غيرهم ـ بإحياء شعائر هذه النهضة الخالدة عبر القرون والأجيال ، لكي يستلهم المجتمع البشري في كلّ زمانٍ مفردات الإيمان ، والإباء في سبيل العقيدة الإسلامية الحية ، من عناصر هذه الحركة والجهاد

وعليه ينبغي لكلّ مسلم ، أن يظهر من سلوكه وآدابه ، ما يدلّ على الحزن والأسى ، وأن يجتنب بقدر الإمكان من مظاهر الفرح والابتهاج والسرور ، ففي تاريخ اليعقوبي : « وروى بعضهم : إنّ علي بن الحسين لم ير ضاحكاً يوماً قط ، منذ قتل أبوه »(١)

وأن يحرص على الحضور في المآتم والمجالس الحسينية التي تنعقد في هذا الشهر تعظيماً للشعائر ، وتأكيداً للمحافظة على تلك القيم السامية في النفس ، وإظهاراً للمودّة والولاء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، والبراءة من أعدائهم في طول التاريخ

وفي هذا المجال لا يفوتنا أن نذكر فضل قراءة زيارة عاشوراء ، وما لها من آثار عظيمة دينيّاً ودنيويّاً ، فقراءتها أمر مستحبّ مؤكّد في كلّ وقت وزمان

« أُمّ أبرار ـ البحرين »

مجموعة أسئلة حول المأتم الحسيني :

س : هذه مجموعة من الأسئلة المتعلّقة بالمأتم الحسيني ، من بعض الأخوات في دولة البحرين ، نرجو التفضّل بالإجابة عليها :

______________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٥٩

٤٤٧

١ ـ تقرأ في مآتم النساء رواية تزويج القاسم على ابنة عمّه سكينة في كربلاء

أ ـ فما هو الحكم الشرعي بقراءتها ، أو الاستماع لها ، علماً بأنّها رواية غير صحيحة ؟

ب ـ وهل هناك بأس ، أو تجريح عند نثر الحلوى في الزفاف ؟

٢ ـ ما رأيكم في التصفيق في المأتم أثناء المصيبة ، أو في الدور ، كالوقوف لقراءة الردّة أو اللطمية ؟

٣ ـ هل يجوز الضرب على الفخذ أثناء اللطمية ؟ أم أنّ الضرب محصور على الصدر فقط ؟

٤ ـ ما هي نصيحتكم لمن يريد كتابة رواية حسينية لقراءتها في المأتم ؟

٥ ـ ما هي الكتب التي تنصحون بالاعتماد عليها لكتابة رواية حسينية ، أو للتحقّق من صحّة رواية معيّنة ؟

٦ ـ ما هو الحكم الشرعي لمن كتب رواية حسينية ، معتمداً على مصدر غير موثوق ، أو كانت الرواية غير صحيحة ؟

٧ ـ كيف نميّز الرواية الصحيحة من الخاطئة ؟

٨ ـ ما مدى صحّة بعض العبارات في بعض الروايات ، مثل : « شقّت جيبها » و « نشرت شعرها » ، وهل يجوز قراءتها في المأتم ؟

٩ ـ لو أُعطيت إحدى القارئات مقطع من رواية لقراءتها ، وهي على علم سابقاً بعدم صحّة هذه الرواية ، فهل تأثم إذا قرأتها ؟ هل هناك مواصفات معيّنة للقارئات الحسينيات ؟

١٠ ـ ماذا تنصح أصحاب المآتم الحسينية ، لتفعيل دورها في حياتنا اليومية ، وعلى جميع الأصعدة ، الروحي ، الاجتماعي ، الأخلاقي ؟

١١ ـ ما هو الحكم الشرعي للغناء ، بغناء أهل الباطل « المطربين » في الأعراس ؟ وهل هناك اختلاف إذا تمّ تغيير اللحن ، أو تغيير بعض الكلمات ، وبقاء اللحن ؟

١٢ ـ ما رأيكم في ارتداء الملابس الضيّقة ، التي تبرز فتنة الجسم ،

٤٤٨

وتكشف بعض المناطق ، مثل الصدر ، والساقين ، أمام النساء في الأعراس وداخل المأتم ؟

١٣ ـ تستخدم بعض أنواع المطّارات « قناني الماء » كطبل في الأعراس ، فما هو حكمها الشرعي ؟

١٤ ـ ما رأيكم في إدخال المعرس داخل المأتم ، وتصويره مع عروسه في أوضاع مختلفة ، مثل الضمّ والتقبيل ؟

١٥ ـ هل يجوز السماح للقارئة في الأعراس بالغناء أمام الرجل ؟

١٦ ـ هل تأثم صاحبة الدعوة إذا سمحت للقارئة الغناء أمام الرجل ؟ إذا كانت القارئة معتادة على الغناء أمام الرجال ؟

١٧ ـ ما هو رأيكم في اختيار قارئة للأعراس ، معلوم سابقاً أنّها تغنّي بغناء أهل الباطل ؟ أو تستخدم الطبول ، أو تغنّي أمام الرجل الأجنبي ؟

وهل هناك فرق إذا طلبناها للغناء بصورة مباحة فقط في المناسبة الخاصّة بنا ؟

١٨ ـ ما هو رأيكم في الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء أو النعال ؟

١٩ ـ ما هو الحكم في رمي الأوساخ داخل المأتم ؟ أو عدم الاكتراث بالأوساخ داخله ؟

ج : بالنسبة إلى قراءة رواية تزويج القاسمعليه‌السلام من ابنة عمّه سكينة في كربلاء جائزة ، إن كان الغرض من قراءتها هو الإبكاء وإقامة العزاء ، لكن لا مع التأكيد على صحّتها ، فقد اختلف العلماء فيها على قولين ، ولكلٍّ أدلّته

كما لا مانع من نثر الحلوى في المجلس المنعقد بعنوان زفاف القاسم ، إذا كان الغرض منه إهداء ثواب ذلك إليهعليه‌السلام

كما لا مانع من التصفيق في المأتم المقصود منه تهييج العواطف ، والمشاعر الدينية والإنسانية

ونصيحتنا لمن يريد أن يكتب رواية حسينية أن يسند المطالب التي يكتبها إلى الكتب التي نقل عنها ، حتّى تكون عهدة الرواية على أصحاب تلك الكتب

٤٤٩

وأن يعتمد على المصادر المعتبرة ، والكتب المشهورة ، التي اعتمد عليها علماؤنا السابقون ، وخطباؤنا الملتزمون بالنقل عن تلك الكتب المعتبرة ، ككتب السيّد ابن طاووس ، والشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ عباس القمّي ، وغيرهم (قدّس سرّهم)

وكتابة الرواية الحسينية بالاعتماد على ما لا يرى جمهور علمائنا صحّته غير جائزة ، كأيّ كتابةٍ أُخرى ، لاسيّما مع الاعتقاد بالصحّة خلافاً للعلماء

وأمّا تمييز الرواية الصحيحة من الخاطئة ، فهو من الأُمور التخصّصية التي لابدّ من دراستها ، ومعرفة المعايير والموازين الخاصّة بها

وأمّا قراءة بعض العبارات : « كشقّت جيبها ، ونشرت شعرها » ، فلا مانع منه ، مع وجوده في بعض الكتب المشهورة للأصحاب ، إذا كان لغرض الإبكاء ، لكن لا مع الالتزام بصحّتها ، والتأكيد على وقوعها بصورة حتمية ، إلّا من العارف بموازين الصحّة

وأمّا قراءة ما يعلم مسبقاً عدم صحّته فلا يجوز إذا كان العلم بعدم صحّة الرواية المعيَّنة مستنداً إلى مدرك صحيح

ولابدّ أن يكون قارئ مأتم الإمام الحسينعليه‌السلام ، سواء كان رجلاً أو امرأة ، متحلّياً في سلوكه وأخلاقه ، واعتقاده ، وجميع شؤونه ، بصفات تتناسب مع تصدّيه لمثل هذا المقام العظيم ، الذي يرتبط بقضايا أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا نصيحتنا لأصحاب المجالس الحسينية ، أن يكونوا دعاة لأهل البيتعليهم‌السلام بغير ألسنتهم ، كما في الخبر عنهمعليهم‌السلام ، وأن يكونوا زيناً لهم لا شيناً
عليهم ، كما في الخبر عنهم أيضاً .

وعلى الجملة ، فإنّ الغرض من إقامة المجالس ، هو نشر فكر أهل البيتعليهم‌السلام ، وتعاليمهم وأدبهم ، فكيف يتمّ ذلك مع انتفاء هذه الأُمور عن أصحاب تلك المجالس ؟

والحكم الشرعي للغناء بالباطل في الاحتفالات المقامة بمناسبة الأعراس ،

٤٥٠

هو الحرمة ، ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جوازه مطلقاً

ولا إشكال في ارتداء النساء الملابس الضيّقة في مجالسهن ، مع عدم اطلاع أي أجنبي على المجلس مطلقاً

واستخدام بعض أنواع المطّارات كطبل في الأعراس ، كما جاء في السؤال ، لابأس فيه على الظاهر

كما أنّه لا مانع من تصوير المعرِّس مع عروسه في أوضاع مختلفة في غرفة خاصّة بهما ، ولكن بشرط عدم إظهار هذه الصور في المأتم

ولا يجوز السماح للقارئة في الأعراس بالقراءة أمام الرجل ، وتأثم صاحبة الدعوة إذا سمحت بذلك

وإذا كانت القارئة للأعراس تاركة لأعمالها السابقة ، وكان ما تقرؤه الآن في الأعراس مطابقاً للحكم الشرعي ، من دون أيّ اقترانٍ بمحرّمات أُخرى فهذا لابأس به ، بشرط أن لا يكون غناء محرّماً

ثمّ إنّ الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء ، أو النعال ، ورمي الأوساخ داخل المأتم ، وغير ذلك ، إن كان موجباً لهتك المجلس ، وإهانةً لصاحبه ، والحاضرين فيه فلا يجوز

« ـ الإمارات ـ »

مصداق للتأسّي بالنبيّ :

س : أنا طالبة في المرحلة الثانوية ، موالية لأهل البيتعليهم‌السلام ، وفي يوم عاشوراء نضطرّ للتغيّب عن المدرسة ، لإحياء ذكرى الحسينعليه‌السلام ، فنجد أنفسنا في اليوم التالي محاصرين بأسئلة ، واتهامات لا تحصر ، أحاول أن أجيب عليها قدر معلوماتي ، ولكنّي أتمنّى أن تفيدوني بإجابات أكثر دقّة وصحّة ، والأسئلة غالباً ما تكون محصورة في :

١ ـ لماذا تهتمّون بذكرى الإمام الحسين أكثر من الرسول والأنبياء ؟ فتتغيّبون عن الدوام في هذا اليوم بالذات ؟

٤٥١

٢ ـ لماذا تحيون ذكرى الحسين ؟ وتبكون عليه رغم مرور كثير من السنين على استشهاده ؟

ج : نحن نبكي على الإمام الحسينعليه‌السلام ، ونقيم المأتم عليه ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على الإمام الحسينعليه‌السلام قبل استشهاده ، لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام الحسينعليه‌السلام

أيبكي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الفاجعة ، ونحن لا نبكي بعدها ؟!

ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ! إن ترك الحزن والبكاء خروج عن قواعد المتأسّين ، بل عدول عن سنن النبيّين

فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستيقظ يوماً من النوم فزعاً ، وفي يده تربة حمراء يقلبّها بيده ، وعيناه تهراقان من الدموع ، وهو يقول :« أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بأرض العراق » (١)

ولمّا ترى أُمّ سلمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقلّب شيئاً في كفّه ، ودموعه تسيل ، والحسين نائم على صدره ، تسأله عن ذلك ، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله :« إنّ جبرائيل أتاني بالتربة التي يقتل عليها ، وأخبرني أنّ أُمّتي يقتلوه » (٢)

وكذلك يستيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكي ، فتقول له عائشة : ما يبكيك ؟

فيقول :« إنّ جبرائيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين . يا عائشة والذي نفسي بيده ، إنّه ليحزنني ، فمن هذا من أُمّتي يقتل حسيناً بعدي » ؟!(٣)

فنحن نهتمّ بالحسينعليه‌السلام لاهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله به ، ونبكي عليه لبكاء النبيّ عليه ، ونحزن عليه لحزن النبيّ عليه

______________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٨

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٦٣٢ ، المعجم الكبير ٣ / ١٠٩ و ٢٣ / ٣٢٨ ، كنز العمّال ١٣ / ٦٥٧

٣ ـ كنز العمّال ١٢ / ١٢٧ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٩٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ١٥٤

٤٥٢

« ياسر العسبول ـ البحرين ـ »

مظاهر العزاء قديمة جدّاً :

س : من أين جاءت عادة التطبير التي يستخدمها بعض الناس للتعبير عن الحزن ؟

ج : إنّ غالب مظاهر العزاء ، ومبرزات الحزن والولاء ، من اللطم وضرب الزنجيل ، وضرب الطبول ، وغيرها قديمة جدّاً بقدم الواقعة

ويعسر بيان أو تحديد فترة زمنية خاصّة بها ، إذ هي تختلف من مكان لآخر ، ومن زمن لغيره ، بحسب الظروف الاجتماعية ، والضغوط السياسية التي كانت تسمح لأبناء الطائفة إبراز مظاهر ولائهم

وفي المقام ، لابأس بدراسة حياة البويهية قبل نحو ألف سنة ، ودخولهم بغداد ، وفسح المجال لهذه الأُمور ، ثمّ قمّة ذلك أيّام الحكم الصفوي في إيران ، لفسحه وإباحته إبراز بعض مظاهر الولاء والعزاء بدون خوف من الحكّام

« عبد الله ـ عمان »

من مظاهر الحزن اللطم :

س : هل هناك أحاديث تدلّ على استحباب اللطم ؟ أحاديث فيها كلمة اللطم صراحة ، والاستحباب كذلك

ج : نحن لا نحتاج إلى حديث يدلّ على استحباب اللطم مادامت المسألة راجعة إلى العرف ، ففي العرف كلّ شيء يكون من مظاهر الحزن على الإمام الحسينعليه‌السلام فيكون مستحبّاً ، وكما تعلمون فإنّ لكلّ أُناس عادات وتقاليد في إظهار الحزن ، ومن عاداتنا وتقاليدنا في إظهار الحزن اللطم ، فيكون داخلاً تحت العمومات التي تحثّ على إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام ، وإظهار الحزن عليهم

وبعد هذا ، فنذكّركم بورود روايات وردت عن فعل اللطم من قبل السيّدة زينبعليها‌السلام ، وسائر الهاشميات وغيرهن

٤٥٣

« عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي »

مشروعية الاحتفال بمولد النبيّ :

س : هل صحيح ما يقوله علماء السنّة : إنّ لا أحد من صحابة رسول الله احتفل بعيد المولد النبويّ ؟ وإنّ الاحتفال بهذه المناسبة الشريفة بدء في عهد الدولة الفاطمية ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : نقول في مشروعية الاحتفال بذكرى مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغيره من المناسبات الإسلامية :

١ ـ الاحتفال لغة هو : الاهتمام والاجتماع على الأمر ، فإن كان هذا الأمر المهتمّ به ، والمجتمع عليه من الأُمور المشروعة ، والتي فيها ذكر لله سبحانه وتعالى ، وتعظيم لرسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمثال ذلك من الأُمور المشروعة ، والمرضية في الشريعة ، فهو أمر مندوب ومستحبّ ، وقد رغّب الشارع المقدّس فيه ، فقال تعالى :( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١)

٢ ـ بالنسبة للصحابة فسواء عملوا بهذا الأمر ، واحتفلوا بهذه المناسبة ، أو لم يعملوا ، فليس فعلهم وتركهم حجّة شرعية ، يجب العمل بها ، ولذلك نجد أنّ علياًعليه‌السلام ، حينما عرضوا عليه الخلافة في قضية الشورى بين الستة ، بشرط العمل بكتاب الله وسنّة النبيّ وسيرة الشيخين ، فرفضعليه‌السلام ذلك ، ولم يقبل العمل إلّا بكتاب الله وسنّة نبيّه

٣ ـ إنّ القاعدة الفقهية تقول :« كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام » ، فما لم يوجد نهي في القرآن ، أو السنّة النبوية على أمر فهو مباح ، يجوز العمل به ، ولا يعتبر بدعة ، كما يدّعيه بعض المذاهب الشاذّة

وهكذا القاعدة الأُصولية العقلية القائلة : بأصالة البراءة ، وأنّ الإنسان بريء الذمّة ، لا يعاقب على شيء يعمله حتّى يرد فيه نهي شرعي

كما يمكن أن نؤيّد المسألة ببعض الروايات الدالّة على استحباب تعاهد هذا
______________________

(١) الحجّ : ٣٢

٤٥٤

اليوم ـ ١٧ ربيع الأوّل ـ بالصيام ، والتوسعة على العيال ، وأمثال ذلك ، ممّا فيه إشعار بالاهتمام بمثل هذه المناسبات ، وإن اختلفت صور الاهتمام من زمان إلى آخر ، فاختلاف مصاديق الاهتمام لا يدلّ على اختلاف الحكم الشرعي ، كما نرى ذلك في كثير من المواضيع الخارجية ، كالوسيلة النقلية ، وطرق المواصلات ، وما شاكل ذلك ، فلا يعدّ هذا خلافاً لم يعمله الأصحاب ، فكذا موردنا في إظهار البهجة والسرور ، وإنشاد الأشعار والمدائح في حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في ذكرى ولادته

هذا مضافاً إلى أنّ مثل هذه المجالس ، لا تخلو من قراءة القرآن والوعظ والإرشاد ، والتقرّب إلى الله تعالى ، وهذا كلّه من الأُمور المستحبّة بشكل مؤكّد

« عقيل أحمد جاسم ـ البحرين ـ ٣٢ سنة ـ بكالوريوس »

تهجّم الأعداء :

س : لقد كثر التهجّم على مذهبنا من البدع والخرافات التي التصقت بنا ، وخصوصاً عملية التطبير ، وأصبحت تروّج الصور المسيئة على صفحات الإنترنت

ج : مهما عملنا من عمل ، وتنزّلنا فسوف لن يرضى عنّا الأعداء ، ولن يتركونا بحالنا ، لأنّ هدفهم التنقيص من المذهب الحقّ

ونزيدك علماً ، بأنّ إقامة العزاء تختلف من قوم إلى آخر ، فلكلّ عادات وتقاليد لا يمكن محاربتها ، والوقوف أمامها ، مع عدم دلالة دليل على حرمتها

« علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كلّية الدراسات التجارية »

الدليل على مشروعية لبس السواد :

س : بالنسبة للبس السواد في مناسبات وفيات أهل البيت عليهم‌السلام ، وبالخصوص

٤٥٥

في أيّام عزاء الإمام الحسينعليه‌السلام ، أحببت لو تزوّدوني بالأدلّة التي تجوّز هذا الأمر ، وبخاصّة من مصادر إخواننا العامّة

وما هو الردّ على بعض الروايات الموجودة في الكافي وغيره ، والتي تنهى عن لبس السواد ؟ مثل هذه الرواية :

« عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( لمّا فتح رسول الله مكّة بايع الرجال ، ثمّ جاء النساء يبايعنه ، فأنزل الله عزّ وجلّ وقالت أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام ، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تلطمن خدّاً ، ولا تخمشن وجهاً ، ولا تنتفن شعراً ، ولا تشققن جيباً ، ولا تسوّدن ثوباً ) »(١)

علماً أنّ هذه الرواية وجدتها مع مصدرها في نشرة دأب الوهّابيون على نشرها في أيّام محرّم ، أفيدونا جزاكم الله تعالى خيراً

ج : لقد ناقش الفقهاء في أصل مشروعية لبس السواد ، إلّا أنّ هناك ما يشبه الاتفاق على جوازه ، بل استحبابه في محرّم وعاشوراء حزناً على مصاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإليك ما أورده بعضهم :

١ ـ واستثنى بعضهم ما لبسه للحسينعليه‌السلام فإنّه لا يكره ، بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر الله على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة ، يستفاد منها ذلك(٢)

٢ ـ لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسينعليه‌السلام من هذه الأخبار ، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان(٣)

ولم يبين المحقّق البحراني الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك ، والوجه في عدم الشمول هو : إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمّةعليهم‌السلام ، وبالخصوص في أيّام محرّم الحرام ، وشهر صفر إظهاراً لمودّتهم وحبّهم لأهل
______________________

(١) الكافي ٥ / ٥٢٦

(٢) شرائع الإسلام ١ / ٥٦ في هامشه

(٣) الحدائق الناضرة ٧ / ١١٨

٤٥٦

البيتعليهم‌السلام ، فيحزنون لحزنهم ، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيتعليهم‌السلام

وقد روي عنهمعليهم‌السلام :« رحم الله من أحيا أمرنا » (١) ، فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود ، كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل : ماذا حدث ؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً ، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة ، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد ؟!

فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسينعليه‌السلام ، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمرهعليه‌السلام ، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر ، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييا بواقعة كربلاء ، وهذا دليل لابدّ من المحافظة عليه ، لتراه الأجيال القادمة ماثلاً أمامهم ، فيحصل لهم اليقين به ، فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع ، وأبطل ما عداه

ثمّ من الروايات الواردة في استحباب لبس السواد على الإمام الحسينعليه‌السلام :

١ ـ ما رواه ابن قولويه : « إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى ، نزل على البحر ، ونشر أجنحته عليها ، ثمّ صاح صيحة وقال : يا أهل البحار ألبسوا أثواب الحزن ، فإنّ فرخ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مذبوح »(٢)

وفهم الشيخ النوري من هذه الرواية : عدم كراهة لبس السواد ، أو رجحانه حزناً على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، كما عليه سيرة كثير في أيّام حزنه ومأتمه(٣)

٢ ـ ما رواه البرقي ، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين قال : « لمّا قتل جدّي الحسين بن عليعليهما‌السلام ، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسينعليهما‌السلام يعمل لهن الطعام للمأتم »(٤)

______________________

(١) الاختصاص : ٢٩ ، الأمالي للشيخ الطوسي : ١٣٥

(٢) كامل الزيارات : ١٤٣

(٣) مستدرك الوسائل ٣ / ٣٢٨

(٤) المحاسن ٢ / ٤٢٠

٤٥٧

وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد ، بل استحبابه في عاشوراء ، تدلّ على أُمور أُخرى ، منها : استحباب إقامة المأتم ، والإطعام ، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسينعليه‌السلام ، حيث كان الإمام السجّادعليه‌السلام شخصيّاً يقوم بهذه الخدمة ، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم

وفي الفتاوى نرى ما يلي : إنّ من الثابت استحباب مؤاساة أهل البيتعليهم‌السلام مطلقاً ، بحزنهم وفرحهم ، لعموم ما دلّ على ذلك ، ولاستحباب التأسّي بهم ، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم

فقد ورد أنّ بعض الأئمّةعليهم‌السلام كانت أيّام محرّم أيّام حزنه ، وعزائه ومصابه ، ونحن مأمورون باتخاذهم أسوة مطلقاً

وأمّا بالنسبة إلى الرواية المانعة التي ذكرتموها عن الكافي إن صحّت سنداً ـ فإنّها تدلّ على المنع على نحو الإطلاق ، فيخصّص ذلك الإطلاق بالروايات المجوّزة ، كالرواية التي يرويها الشيخ الطوسي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« ولقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (١)

وما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليعليهما‌السلام فإنّه فيه مأجور »(٢)

فلبس السواد ، ولطم الخدود ، وخمش الوجوه ، وغيرها وإن كانت مكروهة إلّا أنّ كراهيتها ترتفع إذا كانت للإمام الحسينعليه‌السلام

« سلمان ـ البحرين »

الأحاديث الناهية عن النياحة واللطم :

س : هناك أحاديث تنهي عن النياحة واللطم ، منها :

______________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥

(٢) كامل الزيارات : ٢٠١

٤٥٨

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « النياحة من عمل الجاهلية »(١)

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « صوتان ملعونان يبغضهما الله : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة »(٢)

٣ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي الصياح على الميّت ، ولا تشقّ الثياب »(٣)

هل هذه الأحاديث صحيحة أو ضعيفة ؟ وإذا كانت صحيحة ، فهل يفهم منها أنّ النياح والصياح واللطم على الميّت مكروه محرّم ؟ وجزاكم الله خيراً

ج : بالنسبة إلى رواية « النياحة من عمل الجاهلية » ، فقد رواها الشيخ الصدوققدس‌سره مرسلة ، ولم يذكر لها سنداً

نعم روى عن شعيب بن واقد نهي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن النياحة(٤) ، ولكن في طريق السند إلى شعيب ، وقع حمزة بن محمّد العلوي ، وعبد العزيز بن محمّد ابن عيسى الاظهري ، وهما مهملان ، وشعيب نفسه غير مذكور في كتب الرجال فهو مجهول

ثمّ إنّ الرواية جمعت نواهي كثيرة ، بعضها مقطوع بكراهته ، وعليه فلا يدلّ النهي عن النياحة فيها على الحرمة ، إذ هي معارضة بروايات فيها جواز النياحة ، فطريق الجمع هو : حمل الحرمة على النوح بالباطل ، وللتفصيل أكثر راجع كتب الفقه ، هذا إذا لم تكن هذه الرواية صدرت تقية ، لشهرة هذا الحكم عند العامّة

وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية ـ التي رواها القاضي النعمان ـ فهناك كلام طويل في المؤلّف ومذهبه ، بين كونه إمامي أو إسماعيلي ؟ وحذف أسانيد روايته في الكتاب طلباً للاختصار ، وقال : إنّه اقتصر على الثابت الصحيح ممّا جاء
______________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٧٦

(٢) دعائم الإسلام ١ / ٢٢٧

(٣) الكافي ٣ / ٢٢٥

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣

٤٥٩

عن الأئمّة من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

ولم يرد فيه عن الأئمّة بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وعليه فلم يعتمد الفقهاء على كتابه ، وإنّما أخذوها كمؤيّدات

ثمّ إنّ هذه الرواية وردت عند العامّة بألفاظ أُخر ، ولا تخفى الإشارة على اللبيب ، فراجع

وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثالثة ، ففيها الحسن الصيقل ، وهو لم يذكر بمدح ، وإنّما ذكره الشيخ في أصحاب الأئمّة ، وامرأته روت عن الإمام الصادقعليه‌السلام كما في هذه الرواية ، وروت عن زوجها الحسن الصيقل ، إضافة إلى وجود كلام في بقية رجال السند

وأمّا متن الرواية : فقد حمل قوله فيها :« لا ينبغي » على الكراهة ، وظاهر« لا ينبغي الصياح » هو الصياح العالي ، فمن حمل« لا ينبغي » على الحرمة ، قال : بحرمة الصياح العالي ، لا النوح بصوتٍ معتدل

« ـ ـ سنّي »

لا جزع في إقامتها :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة ، لماذا الشيعة يحيون ذكرى شهادة الحسين ؟ أليس هذا من الجزع؟

ج : كأنّك تريد أن تقول : إنّ العزاء جزع ، والجزع منهي عنه ، فالعزاء منهي عنه

وهذا الاستدلال فاسد من حيث سقوط صغراه ، وذلك : إنّ العزاء ومأتم الحسينعليه‌السلام هو عبارة عن ذكر الإمام الحسين ، وذكر فضائله ومقامه ، ثمّ العروج على واقعة الطفّ ، وإظهار الحزن وذرف الدموع عليه

فإذا كان العزاء هو ذلك ، فنأتي إلى مفرداته ، فالمفردة الأُولى هي ذكر

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576