موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241066 / تحميل: 7270
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

إذ روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً ، وذراعاً ذراعاً حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم » ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : « فمن »؟ (١) .

وقال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم ، وقولوا آمنا بالله ، وما أُنزل إلينا » (٢) .

وقال ابن عباس : « كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أُنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدث تقرؤنه محضاً لم يشب ، وقد حدّثكم أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا هو من عند الله ، ليشتروا به ثمناً قليلاً إلاّ ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أُنزل عليكم »(٣) .

فكيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتبع اليهود؟ وهو الذي ينهانا عن أتباعهم ، وأنّ اليهود لم تصم عاشوراء ، لأنّ تواريخها لا توافق هذا اليوم ، لما لهم حساب غير ثابت بسبب إضافة شهر إلى الشهور الاثني عشر كُلّ مدّة من الزمان حتّى تتوافق أعيادهم بالربيع أو الشتاء.

ولعلّ القرآن يشير إلى ذلك في قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (٤) .

ثمّ يقول تعالى في آية أُخرى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٥) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٨ / ١٥١.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ١٥٠.

٣ ـ صحيح البخاري ٨ / ١٦٠.

٤ ـ التوبة : ٣٦.

٥ ـ التوبة : ٣٧.

٢٢١

وبالتالي على فرض أنّ اليهود صامت عاشوراء ، فهذا يستدعي التلاعب بسنّتهم ممّا يجعلهم يضيفون أو يزيدون ليوافقوا عاشوراء ، وهذا النسيء أشار إليه القرآن ووصفه بالكفر( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) ، حيث النسيء بمعنى الزيادة ، وهذا يستدعي فيما إذا قلّدهم المسلمون أن يوافقون اليهود ويقرّوهم على النسيء ، وهو ليس كفراً فقط بل زيادة بالكفر.

أقول : المتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم ببابك! لعن الله الكاذبين المفترين على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى سنّته.

٢٢٢

الطهارة والنجاسة :

( ـ ـ )

الكلب نجس :

س : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين لمسه ، أو تربيته في المنزل؟ مع الاستدلال بالقرآن والسنّة والاستدلال العلمي إن أمكن؟

ج : نشير إلى بعض النقاط التالية :

أ ـ الطهارة والنجاسة من الأحكام التعبّدية التي تدور مدار قول الشارع ، فلا مجال للعقل استقلالاً للتحكّم في مواردها.

ب ـ نعلم إجمالاً بأنّ حكمة الأحكام ـ بما فيها الطهارة والنجاسة ـ لا تنكر إذ مع العلم بصدورها من الحكيم ـ والحال هذه ـ لا ينبغي التأمّل بوجود الحكم والمصالح فيها ، ولو أنّنا لم نصل إلى كنه كُلّ منها ، وهذا لا يضرّ في تعبّدنا بعد علمنا المسبق بوجود المنافع والمضار فيها.

نعم ، لابأس بالتحرّي واستكشاف هذه المصالح والحكم بمعونة العلم الجديد وغيره.

ج ـ الذي عليه كافّة علماء الشيعة ، وأكثر علماء السنّة نجاسة الكلب عيناً ولعاباً ، فهو من الأعيان النجسة بعينه وولوغه ، فيحكم عليه بقاعدة النجاسات ، وعليه فلا يضرّ لمسه أو وجوده في البيت ـ كما هو الحال عند رعاة الغنم ـ إذا لم تتعدّ النجاسة منه إلى الموارد التي يجب طهارتها ـ مثل موارد الأكل والشرب

٢٢٣

ولباس المصلّي ـ برطوبة مسرية ، ولو أنّ اقتناءه وحفظه في المنزل يعدّ مكروهاً إن لم تكن ضرورة في البين.

د ـ الروايات الواردة في المقام كثيرة من الفريقين ، ففي بعضها : « رجس نجس »(١) ، وفي بعضها الآخر : «لا والله إنّه نجس »(٢) ، وأيضاً : «طهر إناء أحدكم إذ ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرّات »(٣) .

هـ ـ قد ثبت علميّاً اختزان بعض الجراثيم الفتّاكة على جلد الكلب وشعره ، ممّا يؤدّي إلى نقلها داخل المجتمع ؛ وهذا ما أكّدته بعض النظريات العلمية المختصّة ، وأنّ هذه الجراثيم لا يمكن القضاء عليها إلاّ بالتراب ، فلابأس بالمراجعة إلى تلك الجهات للوقوف على هذه المعلومات.

( ـ السويد ـ ٢٣ سنة )

الكافر نجس :

س : ما هي الأدلّة الشرعية على نجاسة من لا يؤمن بالله تعالى؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

ج : إنّ الكافر عند علمائنا كافّة نجس العين ، وذلك للأدلّة التالية :

١ ـ قوله تعالى :( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٤) .

٢ ـ قوله تعالى :( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٥) .

٣ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمن ليس بنجس »(٦) .

____________

١ ـ الاستبصار ١ / ١٩ ، تهذيب الأحكام ١ / ٢٢٥.

٢ ـ نفس المصدرين السابقين.

٣ ـ مسند أحمد ٢ / ٣١٤ و ٤٢٧ ، صحيح مسلم ١ / ١٦٢ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٩٦.

٤ ـ التوبة : ٢٨.

٥ ـ الأنعام : ١٢٥.

٦ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٤٣ و ٢ / ٣٠٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ١٥٣.

٢٢٤

٤ ـ سئل الإمام الباقرعليه‌السلام عن رجل صافح مجوسيّاً؟ فقال : « يغسل يده ولا يتوضّأ »(١) .

( أحمد ـ ـ طالب متوسطة )

النجاسات عشرة :

س : ما هي النجاسات ، أرجو بيانها.

ج : ذكر علماؤنا في كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية أنّ النجاسات عشرة ، وهي :

الأوّل والثاني : البول والغائط من كُلّ حيوان له نفس سائلة محرّم الأكل بالأصل ، أو بالعارض ، كالجلال والموطوء ، أمّا ما لا نفس له سائلة أو كان محلّل الأكل ، فبوله وخرؤه طاهران.

الثالث : المني من كُلّ حيوان له نفس سائلة وإن حلّ أكل لحمه ، وأمّا مني ما لا نفس له سائلة فطاهر.

الرابع : الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة ، وإن كان محلّل الأكل ، وكذا أجزاؤها المبانة منها ، وإن كانت صغاراً.

الخامس : الدم من الحيوان ذي النفس السائلة ، أمّا دم ما لا نفس له سائل كدم السمك ، والبرغوث ، والقمل ، ونحوها فإنّه طاهر.

السادس والسابع : الكلب ، والخنزير البرّيان بجميع أجزائهما وفضلاتهما ورطوباتهما دون البحريين.

الثامن : المسكر المائع بالأصالة بجميع أقسامه ، وأمّا الجامد كالحشيشة فهو طاهر لكنّه حرام.

التاسع : الفقاع : وهو شراب مخصوص متّخذ من الشعير ، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء.

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٥٠ ، تهذيب الأحكام ١ / ٢٦٣.

٢٢٥

العاشر : الكافر : وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنّه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكاره الرسالة ، نعم إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً ، ولا فرق بين المرتدّ ، والكافر الأصلي ، والحربي ، والذمّي ، والخارجي ، والغالي ، والناصب ، هذا في غير الكتابي(١) .

____________

١ ـ أُنظر : منهاج الصالحين للسيّد الخوئي ١ / ١٠٦.

٢٢٦

عائشة بنت أبي بكر :

( منصور جاسم أحمد ـ الكويت ـ )

زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها :

س : كيف لا تتعارض الآية التالية مع زواج رسول الله من عائشة ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (١) على اعتبار أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطيّبين ، وعائشة من الخبيثات؟

ج : قبل الإجابة عن سؤالك نودّ أن نوضّح بعض النقاط المتعلّقة بهذا الموضوع :

الأُولى : هناك من يدّعي على الشيعة زوراً وبهتاناً : أنّ الشيعة يطعنون بشرف عائشة ، وعادة يثير هؤلاء المدّعون هذه القضية عند الحديث عن حادثة الإفك التي ذكرها القرآن ، حتّى ارتبط في أذهان أكثر أهل السنّة أنّ من تسبّب في حادثة الإفك هم الشيعة ، وهذا افتراء عظيم ، والشيعة أبرياء منه للأسباب التالية :

أوّلاً : الشيعة لا يطعنون بشرف عائشة ـ على أقلّ تقدير احتراماً لشرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ويعتقدون بأنّ الرسول منزّه عن العيوب ، ومن العيوب التي ينزّه عنها الإخلال بشرف أزواجه ، لأنّ ذلك الشيء إن حدث ـ نعوذ بالله ـ سيضعّف من مكانته في المجتمع ، ويؤثّر على تبليغه لرسالة ربّه.

____________

١ ـ النور : ٢٦.

٢٢٧

ثانياً : حادثة الإفك حدثت في زمن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذين تسبّبوا فيها هم جماعة من الصحابة ـ الذين يعتقد أهل السنّة بعدالتهم ، ولا يسمحون لأحد بأن يناقش أفعالهم وتصرّفاهم ـ وقد نصّ القرآن على ذلك بقوله :( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) (١) .

ثالثاً : ثمّ إنّ هناك أخباراً ترويها كتب التاريخ ، تبيّن أنّ التي اتهمت بحادثة الإفك ليست عائشة ، وإنّما هي أُمّ المؤمنين مارية القبطية ـ أُمّ إبراهيم بن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وإنّ عائشة كانت لها دوراً في نشر تلك التهمة ضدّ مارية ، ولكن السياسة الأُموية التي قلبت كثيراً من الحقائق ، تلاعبت بهذه القصّة أيضاً لأسباب سياسية ليس هذا محلّ الحديث عنها.

النقطة الثانية : إنّ مجرد زواج امرأة من نبيّ لا يعطيها عصمة وقدسية زائدة ، وهذا معروف لكُلّ مطّلع على القرآن ، فقد جعل الله تعالى زوجات بعض الأنبياء مثلاً للذين كفروا ، بسبب عدم إيمانهن بالله ومخالفتهن لأوامره ، قال تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (٢) .

وكون امرأة نوح وامرأة لوط مثلاً للذين كفروا لم يقلّل من مكانة نوح ولوطعليهما‌السلام ، ولم يشكّك أحد في نوح ولوط لأنّ زوجتيهما كانتا كافرتين ، وأنّهما من أهل النار.

نعم ، زواج المرأة من النبيّ أو الرسول شرف عظيم لها ، وأمانة كبرى في عنقها ، يجب عليها أن تقدّر هذا التشريف ، وتحفظ تلك الأمانة ، ولذلك عبّر الله سبحانه عن تمرّد امرأتي نوح ولوط ومخالفتهما لأوامر الله بأنّه خيانة( فَخَانَتَاهُمَا ) ، ولهذا السبب وعد الله تعالى من يحفظ هذه الأمانة من زوجات

____________

١ ـ النور : ١١.

٢ ـ التحريم : ١٠.

٢٢٨

النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يؤتها أجرها مرّتين ، وهدّد من تخون هذه الأمانة بأن يضاعف لها العذاب ضعفين ، قال تعالى :( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ ) (١) .

فبيّنت هذه الآيات أنّ لأزواج النبيّ الأكرم تكاليف تتناسب مع كونهن زوجات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليهن الالتزام بهذه التكاليف وعدم مخالفتها.

وهذا يدلّ أنّه ليس لديهن عصمة ، وإنّما لديهن تكليف زائد يتناسب مع التشريف الذي حصلن عليه من خلال الارتباط برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النقطة الثالثة : أنّه لا يوجد عند الشيعة عداء شخصي مع واحدة من زوجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا ولاء لأُخرى ، وإنّما هم مأمورون باحترام زوجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بشكل عام ، إلاّ من يثبت أنّها لم تحفظ تلك الأمانة التي تحدّث عنها القرآن ، أو أنّها خالفت أوامر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد ثبت تاريخياً أنّ عائشة لم ترع تلك الأمانة ، وخالفت أوامر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ سواء في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعد وفاته ـ ومن تلك المخالفات ما سجّله القرآن على عائشة وشريكتها حفصة ، منها على سبيل المثال :

١ ـ أنّهما تظاهرتا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حادثة المغافير التي سجّلها القرآن في سورة التحريم ، وتسبّبتا في أذية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى حرّم على نفسه العسل ، فنزلت سورة التحريم.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٠ ـ ٣٣.

٢٢٩

٢ ـ أنّها خالفت أمر الله ورسوله ، الذي أمر نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يقرن في بيوتهن ولا يخرجن منها ، قال تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسائه في حجّة الوداع : « هذه ثمّ ظهور الحصر »(٢) ، والحال أنّها خرجت من بيتها ، وقادت الجيش لمحاربة المسلمين ، وقتل بسبب خروجها أكثر من عشرة آلاف مسلماً.

٣ ـ أنّها خرجت على إمام زمانها ـ الخليفة الشرعي الإمام عليعليه‌السلام ـ وقاتلته ، وكانت تبغضه ولا تطيق ذكر اسمه على لسانها ، ولما سمعت بموته فرحت ، رغم أنّها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام مراراً وتكراراً : «يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق »(٣) ، إلى غير هذه الأُمور.

من المواقف التي تظهر عدم مودّتها لأهل البيت ، الذين أمر الله تعالى بمودّتهم بقوله :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٤) .

ولم تأت واحدة من نساء النبيّ الأُخريات بما أتت عائشة ، بل على العكس من ذلك ، كنّ ينتقدن عائشة بما تفعل ، ويحاولن منعها دون جدوى.

وخلاصة الكلام : إنّ قيام عائشة ببعض المخالفات لا يؤثّر على نزاهة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جعل الله تعالى زوجتي نبيّين من الأنبياء الكرام ـ نوح ولوطعليهما‌السلام ـ مثلاً للذين كفروا ، ممّا يدلّ على أنّ كون المرأة زوجة نبيّ لا يعفيها من العقاب عند ارتكاب المخالفة والمعصية ، بل قال الله تعالى عن امرأة

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٤ ، سنن أبي داود ١ / ٣٨٨.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، فتح الباري ١ / ٦٠ و ٧ / ٥٨ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٥١ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٦ و ١٤ / ٤٢٦ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٦ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٠.

٤ ـ الشورى : ٢٣.

٢٣٠

نوح وامرأة لوط أنّهما :( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١) .

وحذّر الله تعالى نساء النبيّ بقوله :( مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ) (٢) .

فإنّه كما أنّ الله تعالى يؤتي الحسنة منها أجرها مرّتين ، كذلك في حال المخالفة والمعصية يضاعف لها العذاب ضعفين.

( ـ مصر ـ سنّي )

عدم تأثير وشايتها على الرسول :

س : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن أعرف بعض الأُمور عن أخواني من هذا المذهب ، من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم.

ما تفسير الإخوة الشيعة لقيام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بتطليق اثنتان من زوجاته ـ بناء على وشاية من السيّدة عائشة ـ وهذا يعترف به السنّة والشيعة ، فأنا أسأل : لماذا يطلّقهم الرسول؟ فهل هذا خطأ وقع فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ كيف يحدث ذلك وهو معصوم عن الخطأ؟

ج : القول بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأثّر بوشاية عائشة وطلّق اثنتين من نسائه ورد عن طريق أهل السنّة ، ولم يثبت من طريقنا ، نعم ربّما نقلته كتبنا ، والنقل في الكتب لا يعني بالضرورة القبول فيه والتسليم به.

ونحن نحاشي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونجلّه من أن يقدم على طلاق زوجة واحدة ـ فضلاً عن زوجتين ـ لمجرد وشاية ، وبهذه البساطة ، وهذا لا يكون من الإنسان المؤمن العاقل الموزون العادي ، فكيف بسيّد العقلاء وهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢ ـ الأحزاب : ٣٠.

٢٣١

« أبو يحيى درويش ـ اليمن ـ ٢٤ سنة ـ طالب كلّية الشريعة »

معنى الطلاق في وصية الرسول :

س : هل ثبت أنّ الإمام علي طلّق عائشة من رسول الله؟ إذا كان كذلك فما هي الأدلّة؟

ج : ورد في بعض أخبارنا : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى علياًعليه‌السلام أن يطلّق أزواجه اللاتي يخرجن عليه بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والظاهر أنّ الطلاق الذي قصده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس هو الطلاق المتعارف ، إذ الطلاق الحقيقي هو : كون الزوجة في حبالة زوجها فيصحّ انقطاع عصمتها عنه بتطليقها ، أمّا وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد حالت دونه ودون أن تكون أزواجه في حبالته ، فكيف يصحّ انقطاع عصمتهن الزوجية بالطلاق؟

إلّا أنّ الذي نستظهره ـ وهو الأوفق إن شاء الله بالمقام ـ أنّ طلاق أزواجه حين خروجهن على إمامهن وقت ذاك ـ الإمام عليعليه‌السلام ـ بمعنى إلغاء خصوصيتها من مقام أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلغاء كونها من أمّهات المؤمنين ، وعدم شمولها بخصوصية أن يكون لها أجران من العمل ، كما في قوله تعالى :( ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً ) (١) .

فهذه الخصوصيات والمنازل التي تتمتّع بها أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تلغى ، ومن ثمّ يسقط اعتبار تلك التي تخرج على إمام زمانها ، نعم تبقى خصوصية عدم جواز نكاحها من بعده حتّى لو طلّقت بالمعنى المجازي الذي ذكرناه ، حرمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامة له ، فإنّ مفعول الآية الكريمة لا يزال يبقى سارياًَ حتّى لو طلّقت من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المعنى ، وهو قوله تعالى :( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) (٢) فهذا التأييد هو لمراعاة مقامهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حرمة نكاح أزواجه من بعده.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣١.

٢ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢٣٢

( ـ ـ )

منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يتّهمون عائشة بالزنا والعياذ بالله؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما دليلكم عليه؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد ـ وهذه كتبهم في متناول الجميع ـ أنّ نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بل نساء الأنبياء قاطبة ـ منزّهات عن الفواحش ، التي تمسّ الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك أنّ نساء النبيّ معصومات عن سائر الأخطاء ، بل جاء في القرآن ما يدلّ على أنّ امرأتين من نساء بعض الأنبياء كان مصيرهما النار ، وهما امرأة نوح وامرأة لوطعليهما‌السلام كما في قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١) .

وأمّا نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء ـ كما تحدّث القرآن عنهن ـ لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ ، وإنّما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب ، فيضاعف لهن الثواب إذا جئن بالحسنة ، كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة ، قال تعالى :( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (٢) .

وذلك لمكان قربهن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجسامة مسؤوليتهنّ عند الله تعالى وعند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢ ـ الأحزاب : ٣٠ ـ ٣١.

٢٣٣

ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الإفك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ له عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .

وقد ذكرت القصّة مفصّلة في صحيح البخاري وغيره(٢) ، والمراد بالإفك هو الكذب العظيم ، أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي بيان ذلك.

وجوابنا عن ذلك :

أوّلاً : إنّ هذه القضية وقعت في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحدّث عنها القرآن الكريم ، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعدُ ـ كما يدّعي أهل السنّة ـ فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة؟

ثانياً : إنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضية ، ومنهم حسّان بن ثابت(٣) ، وكان لحسّان في ذلك شعر ، يعرّض فيه بابن المعطّل المتّهم في هذه القضية ، وبمن أسلم من مضر ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف نحكم على أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة؟ الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس.

ثالثاً : إنّ هذه القضية محلّ خلاف بين المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة ، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ، والترمذي ، والبيهقي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنّة : أنّ المتّهمَة في هذه القضية هي مارية القبطية ـ زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ النور : ١١.

٢ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٦ / ٥.

٣ ـ صحيح البخاري ٣ / ١٥٥ و ٥ / ٥٦.

٢٣٤

أُمّ إبراهيم ـ لورود روايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في ذلك(١) ، ولورود روايات ذكرها علماء أهل السنّة في ذلك(٢) .

ورابعاً : إنّ من العجيب حقّاً والملفت للنظر ، أنّ نجد في الروايات السنّية أنّ ممّن اتّهم مارية القبطية عائشة نفسها ، وأنّها قد أصابتها الغيرة الشديدة ، حتّى أن ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : « ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية »(٣) .

وهي التي نفت الشبه بين إبراهيم وبين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذكر ذلك السيوطي في « الدرّ المنثور »(٤) ، ويقول ابن أبي الحديد عن موقف عائشة حين مات إبراهيم : « ثمّ مات إبراهيم فأبطنت شماتة ، وإن أظهرت كآبة »(٥) .

هذا ما يذكره علماء السنّة حول القضية ، وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضدّ مارية ، فقل بربّك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ألا يقتضي التثبّت والتروّي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه ، بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير إيقاع الفتنة بين الناس!

( حمد ـ السعودية ـ )

خروجها على الإمام علي يوم الجمل :

س : أُريد أن اعرف ما هي قصّة مولانا علي عليه‌السلام مع عائشة في واقعة الجمل؟ وكيف انتهت هذه المعركة؟

____________

١ ـ تفسير القمّي ٢ / ٩٩.

٢ ـ صحيح مسلم ٨ / ١١٩ ، المستدرك ٤ / ٣٩ ، الإصابة ٥ / ٥١٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣١٣ ، طبقات ابن سعد ٨ / ٢١٤ ، المعجم الأوسط ٤ / ٩٠.

٣ ـ الطبقات الكبرى ٨ / ٢١٢.

٤ ـ الدرّ المنثور ٦ / ٢٤٠.

٥ ـ شرح نهج البلاغة ٩ / ١٩٥.

٢٣٥

ج : التحقيق في كتب التاريخ والسير المعتبرة يفيدنا بوضوح : أنّ عائشة كانت من المتشدّدين في الخلاف مع عثمان ، ومواقفها ضدّ عثمان كثيرة جدّاً ، وهي مسجّلة بكُلّ وضوح في مصادر المسلمين ، حتّى أنّها كانت تحرّض المسلمين على قتل عثمان بعبارتها : « اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً »(١) ، وكانت في فعلها هذا تأمل أن تصل الخلافة إلى طلحة أو الزبير ، بأمر قد دبّر من ذي قبل

ولكن لمّا قُتل عثمان ، وبايع الناس أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، شعرت عائشة بخيبة أمل ، فدبّرت هي وطلحة والزبير قضية الخروج على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ونكث طلحة والزبير البيعة ، والتحقوا بالبصرة ، وذهبت عائشة أيضاً إلى البصرة ، وهي تنادي إلى نصرة عثمان وتنعاه ، فجمعت من المسلمين عدداً لحرب الإمام عليعليه‌السلام ، واتهمته بقتل عثمان.

ودارت حرب الجمل ، وسرعان ما فشل جيش عائشة ، وقتل طلحة والزبير ، وانتهت الحرب ، وأُرجعت عائشة إلى المدينة(٢) .

( عزّ الدين ـ الإمارات ـ سنّي ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

آيات نزلت فيها :

س : ما سبب نزول سورة التحريم؟ وفيمن نزلت؟

ج : إنّ المتّفق عليه عند أرباب التفاسير من الفريقين ـ بعبارات شتّى ومضمون واحد ـ : أنّ الآيات الأُولى من سورة التحريم قد نزلت في مورد عائشة وحفصة ،

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥ و ٢٠ / ١٧ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ٧٢.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ٧٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٠٦ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٢٩.

٢٣٦

وإيذائهما الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ؛ وحتى أنّ الفخر الرازي يرى أنّ آية( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ) (٢) فيها تعريض آخر بحفصة وعائشة ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر(٣) .

( رضا عبد الله السيّد ـ الكويت ـ ٣٨ سنة ـ مهندس حاسوب )

وفاتها ومدفنها والصلاة عليها :

س : الرجاء موافاتي بالإجابة الكافية حول موضوع وفاة عائشة ، وأين دفنت؟ ومن صلّى عليها؟

ج : ماتت عائشة بنت أبي بكر سنة ٥٧ أو ٥٨ من الهجرة ، وصلّى عليها أبو هريرة ، ودفنت ليلاً بالبقيع بوصيةٍ منها.

قيل لها : تدفنين مع رسول الله؟ قالت : لا ، إنّي أحدثت بعده أحدثاً!(٤) .

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

قولها : ما وجدتَ إلاّ فخذي! :

س : في الحقّيقة بالإضافة إلى استعجابي من هذه الروايات العجيبة في مصادرنا ، لا أدري ـ حتّى مع افتراض ضعفها ـ الفائدة من إيرادها ، سامح الله المتسرّعين قديماً وحديثاً : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أبو

____________

١ ـ تفسير القرآن ٣ / ٣٠١ ، زاد المسير ٨ / ٤٩ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٤١٣ ، السنن الكبرى للنسائي ٣ / ١٣٠ و ٥ / ٢٨٦ ، كنز العمّال ٢ / ٥٣٣ ، التفسير الكبير ١٠ / ٥٦٨ ، روح المعاني ١٤ / ٣٤١.

٢ ـ التحريم : ١٠.

٣ ـ التفسير الكبير ١٠ / ٥٧٤.

٤ ـ العقد الفريد ٥ / ٧٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٧٠٨.

٢٣٧

بكر وعمر ، فجلست بينه وبين عائشة ، فقالت لي عائشة : ما وجدتَ إلاّ فخذي أو فخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال : « مه يا عائشة ، لا تؤذيني في علي » (١) .

ج : في سند الرواية إسحاق بن عبدوس وهو غير موثّق ، ومحمّد بن بهار وهو غير موثّق أيضاً.

وفي متنها : أوّلاً : أنّ الإمامعليه‌السلام جلس بينها وبين الرسول ، ولم يجلس على فخذها وفخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن لكرهها لعليعليه‌السلام جعلت حيلولته بينها وبين رسول الله سبباً في أن تتكلّم له بهذا الكلام الغير مهذّب.

فلم تصدّق في كلامها ، وما عهدنا من عليعليه‌السلام غير الصدق ، أمّا عائشة فإنّها كذبت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية المغافير ، فلا مانع أن تكذب أيضاً على عليعليه‌السلام .

وهذا نصّ تلك الرواية : عن عائشة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها ، فواطأت أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير؟ إنّي أجد منك ريح مغافير!!

قال : « لا ، ولكنّي كنتُ أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً »(٢) .

ثانياً : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غضب عليها ، وهذا ما يؤكّد افتراءها على عليعليه‌السلام فإنّه معصوم ، والمعصوم لا يغضب إلاّ لله تعالى.

ثالثاً : إنّ الإمام عليعليه‌السلام جلس مع وجود الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر ، وليس علي وحده.

ولكن الذي هو غير مناسب أن تجلس لوحدها مع رجلين ، كما رواه الترمذي في سننه ، عن أنس بن مالك قال : بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بامرأة من نسائه ، فأرسلني

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٢٩٠.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٦٨.

٢٣٨

فدعوت قوماً إلى الطعام ، فلمّا أكلوا وخرجوا قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منطلق قبل بيت عائشة ، فرأى رجلين جالسين ، فانصرف راجعاً ، فقام الرجلان فخرجا ، فأنزل الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ) (١) (٢) .

ومن غير المناسب أن تتوضّأ عائشة وتغسل يديها وخدّيها ووجهها وأذنيها أمام الناس : « فعن أبي عبد الله سالم سبلان قال : وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره ، فأرتني كيف كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ ، فتمضمضت واستنثرت ثلاثاً ، وغسلت وجهها ثلاثاً ، ثمّ يدها اليمنى ثلاثاً واليسرى ثلاثاً ، ووضعت يدها في مقدّم رأسها ، ثمّ مسحت رأسها واحدة إلى مؤخّره ، ثمّ أمرت يديها بأذنيها ، ثمّ مرّت على الخدين.

قال سالم : كنت آتيها مكاتباً ما تختفي منّي ، فتجلس بين يدي وتتحدّث معي ، حتّى جئتها ذات يوم فقلت : ادعي لي بالبركة يا أُمّ المؤمنين ، قالت : وما ذاك؟ قلت : أعتقني الله ، قالت : بارك الله لك وأرخت الحجاب دوني ، فلم أرها بعد ذلك اليوم »(٣) .

كما وليس من المناسب أن تغتسل أمام الرجال أيضاً ، كما ورد عن أبي سلمة عن عائشة قال : سألها أخوها من الرضاعة عن غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الجنابة ، فدعت بماء قدر الصاع ، واغتسلت وصبّت على رأسها ثلاثاً(٤) .

فإذا كان ليس من المناسب أن يجلس عليعليه‌السلام بينها وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي بحجابها ، فإنّه ليس من المناسب أكثر أن تغتسل أمام الرجال ، وإن كانوا إخوانها من الرضاعة.

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٥.

٣ ـ السنن الكبرى للنسائي ١ / ٨٦.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ١٩٥ ، مسند أحمد ٦ / ١٤٣ ، صحيح البخاري ١ / ٦٨ ، صحيح مسلم ١ / ١٧٦.

٢٣٩

وهنا ينبغي أن نذكّر الإخوة : بأنّ المجامع الحديثية لابدّ لها أن تنقل الروايات على ما هي عليه ، مع غضّ النظر عن صحّة الحديث وضعفه ، أو كون الحديث مورداً للقبول من ناحية المعنى وعدمه ، بالأخص أنّ المبنى عند الشيعة أن يخضع كُلّ حديث إلى قواعد الجرح والتعديل ، فلا يكون مجرد النقل قبوله ، كما هو المبنى عند أهل السنّة.

والجدير بالذكر : أنّ هذه الراوية قد جاءت في بعض مصادر العامّة عن لسان عائشة ، مع اختلاف يسير في التعبير ، ففيها : قالت : نعم ، دخل ـ عليعليه‌السلام ـ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معي وعليه جرد قطيفة ، فجلس بيننا ، فقلت : أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عائشة دعي لي أخي ، فإنّه أوّل الناس إسلاماً ، وآخر الناس بي عهداً ، وأوّل الناس لي لقياً يوم القيامة »(١) .

والاختلاف في التعبير قد نشأ إمّا من الرواة ، وإمّا من أصحاب الكتب ، حفظاً منهم على كرامة عائشة ، وصون لفظها من الركاكة!!

( أبو محمود ـ البحرين ـ ٢٨ سنة ـ مهندس حاسب آلي )

وما ترويه من خُلق النبيّ :

هذه مقتطفات من كتب أهل السنّة تجد فيها كيف يرون أخلاق النبيّ ، وأخلاق نسائه ، فمن تلك الروايات : ما رواه أحمد عن عائشة قالت : خرجت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره ثمّ قال لي : « تعالي حتّى أسابقك » فسابقته فسبقته ، فسكت عنّي حتّى إذا حملت اللحم فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : « هذه بتلك »(٢) .

____________

١ ـ الإصابة ٨ / ٣٠٧.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٢٦٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فضائل الحسين ، والصفات المعنوية التي تحلّى بها ، وهذا ليس فيه شيء مخالف للدين ، وليس فيه نهي ، بل هو أمر مشروع ، وطبق الموازين الشرعية ، فافتح ترجمة أي شخص دون الحسينعليه‌السلام من كتب التراجم لدى السنّة والشيعة ، تجده يبدأ بذكر فضائل المترجم له ، إن كانت له فضائل ، فهذا الذهبي تحت ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام يقول : « الإمام الشريف الكامل ، سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وريحانته في الدنيا ، ومحبوبه ، أبو عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين »(١) ، ثمّ أخذ بذكر مناقبه

وأمّا واقعة الطفّ فقد ذكرها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وتألّما وبكيا لذكرها ، وهاك بعض الروايات الصحيحة من حيث السند حتّى على مباني السلفية ؟

عن أبي أُمامة قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسائه :« لا تُبكُّوا هذا الصبيّ » ـ يعني حسيناً ـ وكان يوم أُمّ سلمة ، فنزل جبرائيلعليه‌السلام فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الداخل وقال لأُمّ سلمة :« لا تدعي أحداً يدخل بيتي » ، فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيت ، أراد أن يدخل ، فأخذته أُمّ سلمة فاحتضنته ، وجعلت تناغيه وتسكنه ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال جبرائيلعليه‌السلام :« إنّ أُمّتك ستقتل ابنك هذا » ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :« يقتلونه وهم مؤمنون بي » ؟ قال :« نعم يقتلونه » ، فتناول جبرائيل تربة »(٢)

وقال الذهبي : « وإسناده حسن »(٣)

وأخرج الطبراني بسنده ـ ورجاله ثقات ـ في « المعجم الكبير » في ترجمة الحسينعليه‌السلام عن أُمّ سلمة قالت : « كان الحسن والحسين (رضي الله عنهما)
______________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٨٠

(٢) المعجم الكبير ٨ / ٢٨٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٧٤

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٨٩

٤٦١

يلعبان بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي ، فنزل جبرائيلعليه‌السلام فقال :« يا محمّد إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك » ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« وديعة عندك هذه التربة » ، فشمّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال :« ريح كرب وبلاء »

قالت : وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« يا أُمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً ، فاعلمي أنّ ابني قد قتل » ، قال : فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم ، وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم »(١)

وأخرج الحديث غير الطبراني أيضاً(٢)

وقال الصنعاني : ( أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه ، قال : قالت أُمّ سلمة : كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نائماً في بيتي ، فجاء حسين يدرج ، فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه ، قالت : ثمّ غفلت في شيء ، فدبّ فدخل فقعد على بطنه ، قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به ، فقال :« إنّما جاءني جبرائيل ، وهو على بطني قاعد ، فقال لي : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتله ، ألا أُريك التربة التي يقتل بها » ؟

قال : « قلت : بلى »

قال : « فضرب بجناحه فأتاني بهذه التربة »

قالت : فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ، ويقول :« يا ليت شعري من يقتلك بعدي » )(٣)

وأخرج الطبراني بسنده ـ ورجاله ثقات ـ عن أُمّ سلمة قالت : (كان رسول
______________________

(١) المعجم الكبير ٣ / ١٠٨

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٩٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٨ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠

(٣) المنتخب من مسند الصنعاني : ٤٤٣

٤٦٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ذات يوم في بيتي ، فقال :« لا يدخل عليّ أحد » فانتظرت فدخل الحسينرضي‌الله‌عنه ، فسمعت نشيج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل ، فقال :« إنّ جبرائيل عليه‌السلام كان معنا في البيت ، فقال : تحبّه ؟ فقلت : أمّا من الدنيا فنعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » ، فتناول جبرائيلعليه‌السلام من تربتها ، فأراها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

فلمّا أُحيط بحسين حين قتل ، قال :« ما اسم هذه الأرض » ؟ قالوا : كربلاء ، قال :« صدق الله ورسوله ، أرض كرب وبلاء » )(١)

وأخرجه الهيثمي في « مجمع الزوائد » وقال : « رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات »(٢)

وكذلك أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المأتم والعزاء على الحسين في بيت عائشة ، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح ، وأحمد في مسنده(٣)

وأقام مأتم الحزن والبكاء عليه في بيت السيّدة فاطمةعليها‌السلام ، كما في « مقتل الخوارزمي »(٤)

وهناك الكثير من الروايات التي تشير إلى :

١ ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى وحزن على الحسينعليه‌السلام ، وأقام عليه العزاء والمأتم في بيوت نسائه ، بل وأمام جمع من الصحابة ، بل وأقام له المأتم منذ أوّل يوم من ولادته ، كما أخرجه الهيثمي في مجمعه بسند صحيح وغيره(٥)

٢ ـ الأخبار الكثيرة التي تنصّ على أنّ جبرائيلعليه‌السلام أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ أُمّته
______________________

(١) المعجم الكبير ٣ / ١٠٩

(٢) معجم الزوائد ٩ / ١٨٩

(٣) المعجم الكبير ٣ / ١٠٧ ، مسند أحمد ٦ / ٢٩٤

(٤) مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٢٤٢

(٥) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧

٤٦٣

ستقتل الحسينعليه‌السلام ، وجاءه بتربة من أرض كربلاء ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شمّها واستنشق منها رائحة دم ابنه الحسين الشهيد

٣ ـ أعطىصلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض زوجاته تربة الحسينعليه‌السلام ، وأنّها عرفت مقتله من تحوّل لون تلك التربة إلى دم عبيطاً في يوم العاشر(١)

وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين ؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلّا وجد تحتها دم عبيط ، فقال عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان

قال الهيثمي : « رواه الطبراني ورجاله ثقات »(٢)

وعن الزهري قال : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلّا عن دم

قال الهيثمي : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح »(٣)

وعن أبي قبيل قال : لمّا قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي

قال الهيثمي : « رواه الطبراني وإسناده حسن »(٤)

بل نجد أوسع صور العزاء والحزن تظهر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كربلاء عند قتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهذا ابن عبّاس يقول : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ينتقطه فقلت : ما هذا ؟

قال : « دم الحسين وأصحابه ، فلم أزل أتتبعه منذ اليوم »

قال الهيثمي : « رواه أحمد والطبراني ورجاله أحمد رجال الصحيح »(٥)

فإذاً لا يوجد أيّ مانع شرعي من إقامة المأتم الحسيني ، بل في إقامته أسوة
______________________

(١) المصدر السابق ٩ / ١٨٩

(٢) المصدر السابق ٩ / ١٩٦

(٣) المصدر السابق ٩ / ١٩٦

(٤) المصدر السابق ٩ / ١٩٧

(٥) المصدر السابق ٩ / ١٩٣

٤٦٤

واقتداء بالنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ هو المقيم له والقائم عليه ، كما أسلفنا من خلال الروايات الصحيحة الواردة من طرق أهل السنّة ، وعليه فتسقط المقدّمة الأُولى ، وهي كون البكاء والمأتم نوع من الجزع ، ولا يبقى لها مكان تجلس عليه ، علاوة على المناقشة في كون البكاء في المأتم ، هل هو يصدق عليه جزع أم لا ، والصحيح أنّه لا ، لكن لا مجال لبيان ذلك

« أحمد محمّد صالح ـ السعودية ـ ١٨ سنة ـ طالب ثانوية »

رأي ابن تيمية حولها :

س : إنّي من المشاركين في أحد المنتديات ، وقد أثار الدم في عروقي موضوع عن الشيعة ، ولكن لا أعرف الردّ الوافي الكافي ، فأجبت بقدر استطاعتي ، فأنتم تعلمون مدى الظلم الذي يقع علينا في السعودية ، لأنّنا محبّي أهل البيت ، فقلت : لدينا مناهل العلم ، وأواجه هذا الردّ من أحد السنّة عليّ ، ولا أستطيع إجابته فأجيبوني ، وكان قوله هو :

شهد مقتل علي والحسين من شهده من أهل البيت ، ومرّت سنون وما أحدثوا مأتماً ولا نياحة ، فأين الدليل على هذه المناظر المخزية المخجلة التي نراها من الروافض هذه الأيّام ؟ والتي تصدّ الناس عن الدخول في الإسلام ؟!

سؤال مطروح استفدته من كلام نفيس لشيخ الإسلام في نسف بدع الروافض في عاشوراء ! حيث قال :

ومن ذلك : إنّ اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم الله فيه سبط نبيّه ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء ، وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام

وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين ، وقد كانت شَهِدَت مصرع أبيها ، عن أبيها الحسين بن علي ، عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكّرها ، وإن قادم عهدها ، فيحدث لها

٤٦٥

استرجاعاً إلّا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أُصيب منها »(١)

فقد علم الله أنّ مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدّد ذكرها مع تقادم العهد ، فكان من محاسن الإسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أوّلاً

ولا ريب أنّ ذلك إنّما فعله الله كرامة للحسين ، ورفعاً لدرجته ومنزلته عند الله ، ومبلغاً له منازل الشهداء ، وإلحاقاً له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء

ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدّهما ولأُمّهما وعمّهما ؛ فإنّهما ولدا في عزّ الإسلام ، وتربّيا في حجور المؤمنين ، فأتمّ الله نعمته عليهما بالشهادة ، أحدهما مسموماً ، والآخر مقتولاً ، لأنّ الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ، ما لا ينالها إلّا أهل البلاء

كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا سئل : أيّ الناس أشدّ بلاء ؟ فقال : « الأنبياء ثمّ الصالحون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإنّ كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقّة خفّف عنه ، ولا تزال البلاء بالمؤمن حتّى يمشي على الأرض ، وليس عليه خطيئة »(٢) ، وشَقِي بقتله من أَعَانَ عليه ، أو رَضِي به !

فالذي شَرَعه الله للمؤمنين عند الإصابة بالمصاب وإن عَظُمَت ، أن يقولوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون

فأمّا اتخاذ المآتم في المصائب ، واتخاذ أوقاتها مآتم ، فليس من دين الإسلام ، وهو أمر لم يفعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أحد من السابقين الأوّلين ، ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من عادة أهل البيت ، ولا غيرهم

وقد شهد مقتل علي أهل بيته ، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته ، وقد مرّت على ذلك سنون كثيرة ، وهم متمسّكون بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا
______________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٢٢١

(٢) نظم درر السمطين : ٢٢٧

٤٦٦

يحدثون مأتماً ولا نياحة ، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسوله ، أو يفعلون ما لابأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مهما كان من العين والقلب فمن الله عزّ وجلّ ، ومن الرحمة ، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان »(١)

وقال : « ليس منّا من ضرب الخدود ، وشقّ الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية »(٢) ، يعني مثل قول المصاب : يا سنداه ، يا ناصراه ، يا عضداه

وقال : « النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ودرع من جرب »(٣)

وقال : « لعن الله النائحة والمستمعة »(٤) ، وقد قال في تنزيله :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٥) ، وقد فسّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله :( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) بأنّها النياحة

وتبرّأ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحالقة والصالقة ، والحالقة : التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والصالقة : التي ترفع صوتها عند المصيبة

وقال جرير بن عبد الله : كنّا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميّت وصنعهم الطعام للناس من النياحة

وإنّما السنّة : أن يصنع لأهل الميّت طعام ، لأنّ مصيبتهم تشغلهم ، كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نعي جعفر بن أبي طالب لمّا استشهد بمؤتة ، فقال : « اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم أمر يشغلهم »(٦) ، والآن هل لديكم دليل واحد على
______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٢٣٨

(٢) المعجم الأوسط ٤ / ١٩٩

(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٤٤

(٤) الجامع الصغير ٢ / ٤٠٨

(٥) الممتحنة : ١٢

(٦) مسند أحمد ١ / ٢٠٥

٤٦٧

قيامهم بذلك ؟ أفيدونا

فأرجوكم ساعدوني ، ولكم الأجر والثواب

ج : لا تبتئس بما قاله لك الأخ السنّي السعودي ، ولا تحزن لما أورده لك من كلام إمامه وشيخ إسلامه ابن تيمية ، فقل له :

أوّلاً : إنّ إمامك كان ناصبياً ، فلا يلزمنا كلامه ، ويكفينا في تعريفه مقالة أهل السنّة فيه ، وإليك بعض ذلك :

١ ـ قال ابن حجر الهيتمي المكّي في « الجوهر المنظّم في زيارة القبور المعظّم » : « من هو ابن تيمية حتّى ينظر إليه ، أو يعوّل في شيء من أُمور الدين عليه »

٢ ـ وقال : « ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله »(١)

فهذا حال ابن تيمية بشهادة ابن حجر صاحب « الصواعق المحرقة »

ثانياً : ما دمت نقلت عن ابن تيمية بعض كلامه محتجّاً به علينا ، وليس يلزمنا ذلك ، فلننقل لك أيضاً بعض الشواهد من كلامه نحتجّ بها عليك ، ولا يسعك التخلّف عن آثارها ، وهي تكفي في الدلالة على نصبه العنيد ، ودفاعه عن يزيد ، فإليك نماذج من تحريفاته حول استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام :

١ ـ « ولم يكن في الخروج ـ خروج الحسين ـ لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشرّ لم يحصل منه شيء ، بل زاد الشرّ بخروجه وقتله ، ونقص الخير بذلك ، وصار ذلك سبباً لشرّ عظيم »(٢)

٢ ـ « وإنّ الرأس حمل إليه ـ أي إلى يزيد ـ وإنّه هو الذي نكت على ثناياه ، وهذا مع أنّه لم يثبت ففي الحديث ما يدلّ على أنّه كذب »(٣)

______________________

(١) الفتاوى الحديثية : ٨٦

(٢) منهاج السنّة النبوية ٤ / ٥٣٠

(٣) المصدر السابق ٤ / ٥٥٧

٤٦٨

٣ ـ « وأمّا من سبي نسائه والذراري ، والدوران بهم في البلاد ، وحملهم على الجمال بغير أقتاب ، فهذا كذب وباطل »(١)

٤ ـ « أمّا ما يرويه من لا عقل له يميّز به ما يقول ، ولا له إلمام بمعرفة المنقول ، من أنّ أهل البيت سُبوا ، وأنّهم حُملوا على البخاتي ـ البخاتي نبت لها من ذلك الوقت سنامان ـ فهذا من الكذب الواضح الفاضح لمن يقول به »(٢)

٥ ـ « وليس ما وقع من ذلك ـ من قتل الحسين ـ بأعظم من قتل الأنبياء ، فإنّ الله تعالى قد أخبر أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون النبيّين بغير حقّ ، وقتل النبيّ أعظم ذنباً ومصيبة ، وكذلك قتل عليرضي‌الله‌عنه أعظم ذنباً ومصيبة ، وكذلك عثمان أعظم ذنباً ومصيبة »(٣)

٦ ـ « ولكن ظهر من أمره ـ يزيد ـ في أهل الحرّة ما لا نستريب أنّه عدوان محرّم ، وكان له موقف في القسطنطينية ـ وهو أوّل جيش غزاها ـ ما يعدّ من الحسنات »(٤)

٧ ـ « لكن ـ يزيد ـ لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا إلى الروضة ، ولا كان القتل في المسجد »(٥)

فهذه سبعة شواهد تغنيك في معرفة ابن تيمية الناصب المعاند ، ولا تنسَ بأن تسأل المسلم السنّي السعودي عن إمامه ابن تيمية ، أين مات ؟ فقد مات في السجن

ولماذا سجن ؟ لأنّه قد حاكمه أصحاب المذاهب عند السلطان على شذوذه في آرائه

______________________

(١) المصدر السابق ٤ / ٥٥٨

(٢) رأس الحسين : ٢٠٨

(٣) منهاج السنّة النبوية ٤ / ٥٥٠

(٤) رأس الحسين : ٢٠٧

(٥) منهاج السنّة النبوية ٤ / ٥٧٦

٤٦٩

وحسبك أن تدلّه فليقرأ رسالة الذهبي إليه ، وهي في تكملة « السيف الصقيل » للكوثري ، ولينظر ما قاله الكوثري عنه في كتاب مقالاته

وإلى هنا تبيّن لك أنّ ما قاله ابن تيمية ليس له عندنا ولا عند غيرنا من بقية المسلمين ـ سوى اتباعه ـ ما يسوى شروي نقير

والآن عودة إلى ما عابه المسلم السنّي السعودي من إقامة المآتم في المصائب ، وهو غير صائب بل هو خائب ، لأنّا سنذكر له بعض ما لا يسعه إنكاره من مصادره الموثوقة عند أهل السنّة :

فسله أوّلاً : ما رأيه فيما جاء في « صحيح البخاري » في كتاب الجنائز ، باب من جلس عند المصيبة يُعرف فيه الحزن ، وروي في حديث عائشة قالت : « لمّا جاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قتل ابن حارثة ، وجعفر ، وابن رواحة ، جلس يعرف فيه الحزن ، وأنا أنظر من صائر الباب ـ شقّ الباب ـ »(١)

قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : « جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود »(٢)

وقال ابن حجر : « وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً : جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار ، وجواز نظر النساء المحتجّبات إلى الرجال الأجانب »(٣)

وسله ثانياً : ما رأيه فيما رواه البخاري في صحيحه أيضاً عن أنس ، قال : « قنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهراً حين قُتل القرّآء ، فما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حزن حزناً قط أشدّ منه »(٤)

قال ابن حجر : « قوله : ما حزن حزناً قط أشدّ منه ، فإنّ ذلك يشمل حال جلوسه وغيرها »(٥)

______________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٨٣

(٢) إرشاد الساري ٣ / ٤٢١

(٣) فتح الباري ٣ / ١٣٥

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٨٤

(٥) فتح الباري ٣ / ١٣٥

٤٧٠

فقل للسنّي السعودي إذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن جاز الجلوس لذلك أيضاً شهراً ودهراً

وسله ثالثاً : ما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه مرّ بدار من دور الأنصار من بني عبد الاشهل وبني ظفر ، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبكى ثمّ قال :« لكن حمزة لا بواكي له » (١)

قال الحلبي : « فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكين حمزة بين المغرب والعشاء ، أي وكذلك أسيد بن حضير أمر نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكين حمزة

أي ولمّا جاءصلى‌الله‌عليه‌وآله بيته حمله السعدان وأنزلاه عن فرسه ، ثمّ اتكأ عليهما حتّى دخل بيته ، ثمّ أذّن بلال لصلاة المغرب ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على مثل تلك الحال يتوكّأ على السعدين ، فصلّىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء ، فقال :« ما هذا » ؟ فقيل : نساء الأنصار يبكين حمزة ، فقال :« رضيّ الله عنكنّ وعن أولادكن » ، وأمر أن تردّ النساء إلى منازلهنّ

وفي رواية : خرج عليهنّ ، أي بعد ثلث الليل لصلاة العشاء ، فإنّ بلالاً أذّن بالعشاء حين غاب الشفق فقام من نومه وخرج وهنّ على باب المسجد يبكين حمزةرضي‌الله‌عنه ، فقال لهن :« ارجعن يرحمكن الله ، لقد واسيتن معي ، رحم الله الأنصار ، فإنّ المواساة فيهم كما علمت قديمة » وصارت الواحدة من نساء الأنصار بعدُ لا تبكي على ميّتها إلا بدأت بالبكاء على حمزةرضي‌الله‌عنه ثمّ بكت على ميّتها ، ولعلّ المراد بالبكاء النوح »(٢)

وسله رابعاً : عمّا رواه الطبري عن سعيد بن المسيّب قال : « لمّا توفّي أبو بكر ______________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٢١٠ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٦١٣ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٩٥ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ٢٢٨ ، مسند ابن راهويه ٢ / ٥٩٩ ، الطبقات الكبرى ٢ /
٤٤ و ٣ / ١١ ، الثقات ١ / ٢٣٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٨ .

(٢) السيرة الحلبية ٢ / ٣٤٦

٤٧١

أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطّاب حتّى قام ببابها ، فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهينَ ، فقال عمر لهشام بن الوليد : أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر ، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : إنّي أُحرّج عليك بيتي

فقال عمر لهشام : أدخل قد أذنت لك ، فدخل هشام ، فأخرج أُمّ فروة أُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها الدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك »(١)

فقل له : لا يخلو الأمر ، إمّا أن يكون فعل عائشة صحيحاً بإقامة النوح ، فلا يجوز لعمر أن يمنعه ، وإمّا أن يكون الأمر بالعكس ، ولمّا كانت عائشة تروون في حقّها :« خذوا شطر دينكم عن الحميراء » (٢) ، فهي أعلم من عمر الذي لم يرد شيء في فقاهته ، بل هو كان يعترف على نفسه فيقول : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر »(٣)

إذاً فعقد مجلس النوح جائز وليس ببدعة ، وقد أقامته عائشة على أبيها

وسله خامساً : لئلا يستزل الشيطان هذا السعودي فيقول بمنع عمر ، فإنّ عمر نفسه قد ناقض نفسه ، وذلك حين مات خالد بن الوليد ، فقد قال : « دعهنّ يبكين على أبي سليمان ـ وهو خالد بن الوليد ـ ما لم يكن نقع أو لقلقة ، والنقع التراب على الرأس ، واللقلقة الصوت »(٤)

ونحو هذا رواه ابن عساكر عن محمّد بن سلام قال : « حدّثني أبان بن عثمان قال : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلّا وضعت لُمتها على قبر خالد ، يقول : حلقت رأسها »(٥)

______________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦١٤

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٤٢١ ، لسان العرب ٤ / ٢٠٩ ، تاج العروس ٣ / ١٥٤

(٣) الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٩٩ و ١٥ / ١٧٩

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٨١ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٦٧

(٥) تاريخ مدينة دمشق ١٦ / ٢٧٨

٤٧٢

فأين كان عنهن عمر ؟ فلماذا لم ينه عن الحلق ؟

وعجيب أمر عمر في تناقضه ، فهو ينهى عائشة وآل أبي بكر عن النوح على أبي بكر وهو صاحبه ، ولولاه لما صار خليفة من بعده ، ويسمح بالبكاء لنساء بني المغيرة في النوح على خالد على ما كان بينهما من عداوة وهجرة ، كما هو معروف ، حتّى إنّ ابن حجر ذكر في « الإصابة » في أواخر ترجمة خالد : « وسمع ـ أي عمر ـ راجزاً يذكر خالداً ، فقال : رحم الله خالداً ، فقال له طليحة بن عبيد الله :

لا أعرفنّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي »(١)

وسله سادساً : عمّا ورد في تأبين الأموات ، بدءاً من وقوف فاطمةعليها‌السلام على قبر أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت :

إنّا فقدنـاك فقد الأرض وابلهـا

وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما نُعيت وحالت دونك الكثب »(٢)

ومروراً بمجيء أعرابي وقف على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : قلت فقبلنا ، وأمرت فحفظنا ، وبلّغت عن ربّك فسمعنا :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٣) ، وقد ظلمنا أنفسنا ، وجئناك فاستغفر لنا ، فما بقيت عين إلّا سالت(٤)

وكذلك موقف ابن مسعود على قبر عمر يبكي ، ويطرح رداءه ثم أبّنه(٥) ، وانتهاءً بقول أمير المؤمنينعليه‌السلام على قبر خبّاب بن الأرت ، لمّا رجع من حرب صفّين إلى الكوفة ، فوجد خبّاباً قد مات ، فوقف على قبره وقال :« رحم الله
______________________

(١) الإصابة ٢ / ٢١٩

(٢) شرح الأخبار ٣ / ٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٢٨٩

(٣) النساء : ٦٤

(٤) العقد الفريد ٣ / ١٩٤

(٥) المصدر السابق ٣ / ١٩٥

٤٧٣

خبّاباً ، لقد أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش زاهداً ، وابتلي في جسمه فصبر ، ولن يضيّع الله أجر من أحسن عملاً » (١) ، إلى غير ذلك من جمل الرثاء التي تحمل آيات الثناء ، وتعرب عن جليل العزاء ، فضلاً عن البكاء

وسله سابعاً : عن سنّة الجلوس للعزاء عند المسلمين ، ألم تكن قائمة دائمة ؟ فما رأيه فيما رواه ابن قيّم الجوزية ـ وهذا تلميذ إمامه ابن تيمية ، فهو على شاكلته ـ في كتابه فقال : « لمّا توفّي العباس أحجم الناس عن تعزية ولده عبد الله إجلالاً له وتعظيماً ، حتّى قدم رجل من البادية ، فأنشده :

اصبر نكن بك صابرين فإنّما

صبر الرعية بعد صبر الرأس

خير من العباس صبرك بعده

والله خير منك للعباس

قال : فسرى عنه ، وأقبل الناس على تعزيته »(٢)

وسله ثامناً : عمّا رواه ابن الأثير وابن كثير في وفاة عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهذا هو شقيق عائشة فقال الثاني : « ولمّا توفّي كانت وفاته بمكان يقال له الحبشي ـ على ستة أميال من مكّة ، وقيل أثنى عشر ميلاً ـ فحمله الرجال على أعناقهم حتّى دفن بأعلى مكّة ، فلمّا قدمت عائشة مكّة زارته ، وقالت : أما والله لو شهدتك لم أبك عليك ، ولو كنت عندك لم أنقلك من موضعك الذي مت فيه ، ثمّ تمثّلت بشعر متمم بن نويرة في أخيه مالك :

وكنّا كندماني جذيمة برهة

من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالك

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

قال ابن كثير : رواه الترمذي وغيره »(٣)

وقال ابن الأثير : « ولمّا اتّصل خبر موته بأخته عائشة ظعنت إلى مكّة حاجة ،
______________________

(١) نفس المصدر السابق

(٢) بدائع الفوائد ٤ / ١٠١٨

(٣) البداية والنهاية ٨ / ٩٦

٤٧٤

فوقعت على قبره فبكت عليه ، وتمثّلت :

وكنّا كنـدماني جذيمة حقبة

من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومـالـكاً

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا »(١)

وسله تاسعاً : عمّا رواه البخاري : « ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبد الرحمن ، فقال : انزعه يا غلام ، إنّما يظلّه عمله »(٢)

وذكر ابن حجر : « مرّ عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة ، وعليه فسطاطاً مضروب ، فقال : يا غلام أنزعه فإنّما يظلّه عمله ، قال الغلام : تضربني مولاتي قالت : كلّا فنزعه »(٣)

وزاد ابن عساكر : « فقالت لها ـ لعائشة ـ امرأة : وإنّك لتفعلين مثل هذا يا أُمّ المؤمنين ؟ قالت : وما رأيتني فعلت ؟ إنّه ليست لنا أكباد كأكباد الإبل ، ثمّ أمرت بفسطاط ، فضرب على القبر »(٤)

وعن ابن أبي مليكة : « أنّه رآها ـ عائشة ـ زارت قبر أخيها عبد الرحمن »(٥)

أليس فيما ذكرت من الشواهد ما يكفي لإثبات سنّة الجلوس للعزاء ، وعقد مجالس النوح والبكاء ، وإنشاد وسماع واستماع الرثاء ، وزيارة القبور ، والدعاء عندها بالمأثور ؟

وبعد ، هل يحقّ للسنّي السعودي أن يلوم من يحيي ذكرى استشهاد الحسينعليه‌السلام ، أو ينتقد مظاهر الحزن التي يمارسها الشيعة معبّرين عن شعورهم بالولاء لصاحب الذكرى ، وإنّما يصرّ الشيعة على إحياء مراسيم العزاء في كلّ عام
______________________

(١) أُسد الغابة ٣ / ٣٠٦

(٢) صحيح البخاري ٢ / ٩٨

(٣) فتح الباري ٣ / ١٧٧

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٣٥ / ٤١

(٥) فتح الباري ٣ / ١١٨

٤٧٥

تذكيراً للآخرين( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) ، ولئلا يلفها ضباب النسيان ، وينكرها اتباع آل أبي سفيان ، كما حدثت لبيعة الغدير ، وإسقاط المحسن ، و .

ثمّ هي خير وسيلة إعلامية يملكها الشيعة لتبليغ مبادئهم ، وبلوغ مآربهم في إفهام الآخرين مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام ، وفضح أعمال الأمويين والعباسيين وغيرهم من أعداء الدين

وإنّما خصّوا الحسينعليه‌السلام بمزيد من الذكرى ، لأنّه بقية الخمسة من أصحاب الكساء ، ولولاه لقضى بنو أُمية على دين جدّه ، وقد استهانوا بكلّ قيمه وأخلاقياته ، وحسبك أن تقرأ من خطبة للإمام الحسينعليه‌السلام قوله :« أيّها الناس إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر »(٢) ، فهوعليه‌السلام أعلن سرّ نهضته ، فمن أحقّ من شيعته بالاستجابة لدعوته ؟

كما إنّ مظاهر إحياء الذكرى بما فيها من خروج المواكب في الطرقات ، وحتّى ما يجري فيها ممّا يسمّيه السنّي السعودي ـ من المناظر المخزية المخجلة ـ ليست هي أخزى بدعة من ضرب الدرباش ، وبدعة الرقص ، وما إليه ممّا يمارسه أهل الوجد والمجاذيب من أهل السنّة ، حتّى قال شاعرهم الأخرس البغدادي ناقداً لهم :

______________________

(١) الذاريات : ٥٥

(٢) تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٠٤

٤٧٦

أقال الله صفّق لي وغنّي

وقل هجراً وسم الهجر ذكرا

فإن تكن السيادة باخضرار

فإنّ السلق أشرف منك قدرا

وما هي ألا كنحو العرضة التي يمارسها أشياخ قومه حتّى اليوم

وهل ينكر ما تعرضه برامج إذاعته التلفزيونية من تمثيليات ، لا يستسيغها كثير من أبناء بلده ، فهل هو ممّن يرى القذاة في عين غيره ، ولا يرى الجذع في عينه ؟

وأحسبه إنّما قال : مناظر مخزية مخجلة ، لأنّها تكشف عن صحائف يحسبها منسية ، وتثير الحسّ الخامل والغافل للبحث عن ملابسات القضية

نعم هي أخزى لأنصار بني أُمية ، فإنّ إقامة الشعائر الحسينية تذكير للناس بتاريخ الأمويين المخزي ، فتظهر خزايتهم بارتكاب عظيم الجنايات في المسلمين ، ولم يكن السنّي السعودي أوّل من يستنكر إقامة تلك الشعائر ، ولا يكون آخرهم ، فهم قد دأبوا على استنكار إعادة تلك الذكريات ، حتّى قال شاعرهم :

هتكوا الحسين بكلّ عام مرّة

فتمثّلوا بعداوةٍ وتصوّروا

ويلاه من تلك الفضيحة إنّها

تطوى وفي أيدي الروافض تنشر

فردّ عليه غير واحد من شعراء الشيعة ، فقال بعضهم مشطّراً للبيتين ، ورادّاً الصاع بصاعين :

هتكوا الحسين بكلّ عام مرّة

أَبناء من قتلوا الحسين فكبّروا

قد ساءهم أن لا يكونوا شاركوا

فتمثّلوا بعداوة وتصوّروا

ويلاه من تلك الفضيحة إنّها

تحكي الذي فعلوه لمّا تذكر

فبها فضيحتهم تبين وجهدهم

تطوى وفي أيدي الروافض تنشر

والآن فلندع هذا كلّه جانباً ، وللنظر إلى مسألة إقامة الشعائر الحسينية من الوجهة الشرعية ، فماذا تقتضيه الأدلّة والقواعد ؟ فنقول :

٤٧٧

أوّلاً : إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، ما لم يأت تحريم ببرهان ، فعلى مدّعي الحرمة إقامة الدليل عليها من كتاب أو سنّة ثابتة مقبولة ، فالأصل إذاً مع منكر الحرمة لا مع المستنكر ، فلنا مطالبته بالدليل لا بالتضليل

ثانياً : كلّ عمل من تلك الأعمال على الإجمال يسع المتضلّع الفقيه ، تخريج وجه له وجيه ، من عمومات الأدلّة ومحكمات القواعد المعقولة والمنقولة ، كما يستفاد من كلام الشيخ كاشف الغطاءقدس‌سره في جوابه على مسائل البصريين ، حول ما يجري في الساحة من ذكرى عاشوراء ، وله كلام في ذلك ننقل بعضه مضموناً ، فيما يخصّ مسألة اللطم على الصدور ، وخروج المواكب في الطرقات

١ ـ ففي مسألة اللطم والدم ، حسبنا ما يرويه أعلامنا ، ويرويه أيضاً غيرنا من حديث دعبل بن علي الخزاعي ، وإنشاده قصيدته التائية عند الإمام الرضاعليه‌السلام أيّام ولاية العهد بخراسان ، وكان منها :

أفاطم لو خـلت الحسـين مجـدّلاً

وقـد مـات عطشـانـاً بشط فراتِ

إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده

وأجريت دمع العين في الوجنات »(١)

فسمع الإمام الرضاعليه‌السلام ولم يستنكر عليه قوله ، فإذا جاز لمثله أن يسمع
ذلك ثمّ هو يبكي ، ويثيب الشاعر على قصيدته ثواباً جزيلاً ، فجائز لنا أن نلطم الخدّ أو الصدر في المصيبة الحسينية مادام مشروعاً ، ولو كان منكراً فيه خلاف للشرع لأنكره ، ولكنّه لم ينكر فهو جائز .

٢ ـ وأمّا مسألة خروج المواكب في الطرقات ، فهو أيضاً جائز في نفسه ، دون ما قد يصادفه من وقوع بعض المحرّمات ، فإنّ مساوقة المحرّم للخروج لا تعني حرمة الخروج ، لأنّ حرمة الشيء لا توجب حرمة ما يقع فيه ، فمن تغنّى بالقرآن مثلاً ، لا يقال له إنّ قراءة القرآن حرام ، بل يقال له : إنّ التغنّي بالقرآن حرام

______________________

(١) شرح الأخبار ٣ / ١٧٣

٤٧٨

على أنّ خروج المواكب قد ثبت تاريخاً أنّه كان من عهد البويهيين في بغداد ، منذ القرن الرابع الهجري ، وكان ذلك العصر يعجّ بأفذاذ العلماء وجهابذة العلم ـ كالشيخين المفيد وابن قولويه ، والشريفين المرتضى والرضي ، والشيخ الطوسي ـ ولم يسمع من أحدهم إنكار ذلك ، بل ورد أنّ الشريف الرضيقدس‌سره لما ورد لزيارة جدّه الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء ، ورأى جماعة من الأعراب يعدّون ركضاً ، وهم ينوحون ويلطمون دخل في زمرتهم ، وأنشأ في ذلك الحال على البديهية مرثيته الخالدة ، التي لازالت حتّى اليوم تتلى وأوّلها :

كـربـلا لا زلـتِ كربـاً وبلا

مـا لقي عندكِ آل المصطـفى(١)

إلى أن يقول فيها :

لو رسول الله يـحيى بـعـدهـم

قعد الـيوم عـلـيـهـم للعزا

ونحن نقول له : أيّها الشريف لقد قعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للعزاء عليهم من يوم ولادة الحسينعليه‌السلام ، حين هبطت عليه ملائكة الرحمن تهنئه بمولد الحسينعليه‌السلام وتعزّيه بما يجري عليه ، وقد تكرّر منهم ومنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن بكى ، وأخبر أزواجه وأصحابه بمقتل الحسين ، حتّى ورد في حديث لعائشة قالت : فلمّا ذهب جبرائيلعليه‌السلام من عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرجصلى‌الله‌عليه‌وآله والتربة في يده يبكي ، فقال :« يا عائشة إنّ جبرائيل عليه‌السلام أخبرني أنّ الحسين ابني مشهور مقتول في أرض الطفّ ، وإنّ أُمّتي ستفتتن بعدي » ، ثمّ خرج إلى أصحابه فيهم : علي ، وأبو بكر ، وعمر ، وحذيفة ، وعمّار ، وأبو ذر وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟

فقال :« أخبرني جبرائيل أنّ مشهور الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه » (٢)

٣ ـ وأمّا مسألة زيارة قبورهمعليهم‌السلام ، فهي مستحبّة عندنا مؤكّدة الاستحباب ،
______________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٦٧

(٢) المعجم الكبير ٣ / ١٠٧

٤٧٩

كما أنّ عند العامّة زيارة القبور مسنونة أيضاً ، لأنّها تذكّر بالآخرة ، وحتّى البكاء عند القبور ليس فيه محذور ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زار أُمّه آمنة بنت وهب ، ومعه ألف مقنّع ، فبكى وبكوا معه ، حتّى لم ير باكياً أكثر من يومئذ(١)

فهل علم السنّي السعودي أنّ أُمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ماتت ، وكان هو ابن ستّ سنين على أكثر تقدير ؟

وهل درى أنّ النبيّ زار قبر أُمّه وهو في طريقه إلى عمرة الحديبية ، أي بعد أربع وخمسين سنة ؟

وهل درى أنّ قبر آمنة كان بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وثمّة رواية أنّه بالحجون بمكّة ، وقيل جمعاً بين الروايتين : أنّها دفنت أوّلاً بالأبواء ، ثمّ نبشت ونقلت إلى مكّة ، ودفنت بالحجون

وهل درى أنّ الشيعة إنّما يفعلون نحو هذا اقتداء بسنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهم يزورون قبور أئمّتهم ، وإن تطاول العهد ، ومهما طال الأمد ، ويعمّرونها بإصلاحها ، وهم يحيون مراسيم ذكراهم ، ويقيمون العزاء عليهم ، ويبكون لمصابهم ، كلّ ذلك اقتداء بسنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤ ـ وأمّا أعمال الشبيه على ما فيه ما ينبغي عليه التنبيه ، فإنّه كأيّ عمل آخر يشوبه ما يقتضيه التنزيه ، ولا يعني ذلك الحكم بالحرمة لمجرّد وقوع بعض المنافيات ، التي ليست هي منه بسبيل ، وإنّ آثار ذلك التمثيل أسرع تأثيراً في الناس من باقي مظاهر الحزن والعزاء

حتّى أدرك ذلك الغربيون والشرقيون فجلب انتباههم ، وصاروا يبحثون عن الحسينعليه‌السلام من هو ؟ وما هي أهداف ثورته ؟ ولماذا يحيي الشيعة ذكراه كلّ
______________________

(١) المحلّى ٥ / ١٦١ ، نيل الأوطار ٤ / ١٦٤ ، ذخائر العقبى : ٢٥٨ ، مسند أحمد ٢ / ٤٤١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٠١ ، صحيح ابن حبّان ٧ / ٤٤٠ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٣٤١ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٢٣٧

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

ج : قد أشار الأعلام في المصادر المعقولية إلى وجه امتياز الأجزاء عن المركّب ، وأنّ الأجزاء من دون شرط التمام تعتبر أجزاء ، وبشرط الاجتماع تسمّى مركّباً.

وقول : أنّ المركّب مفتقر إلى الأجزاء إنّما يصحّ بنحو من الاعتبار ، وإلاّ فهما من حيث الوجود الحقيقي الذي له منشئية الآثار متّحدان ، فالأجزاء بالأسر هو عين المركّب ، وبما أنّ الشرط هو الهيئة الاجتماعية ، لا يمكن أن يحدث من دون التئام واجتماع للأجزاء كُلّها على النسق المعيّن المعتبر.

وقول : أنّ المركّب محتاج إلى الأجزاء ، في الحقيقة أنّه إذا لوحظ الأجزاء بالأسر ، فحاجة المركّب إليها احتياج الشيء إلى نفسه ، وإذا لوحظ المركّب بالمعنى المتقدّم بالقياس إلى كُلّ واحد من الأجزاء ، مع قطع النظر عن شرط التمام ، فالاحتياج وإن كان ثابتاً ، إلاّ أنّ كُلّ واحد من تلك الأُمور التي ينشأ منها المركّب ، لا يوصف بأنّه جزء قبل الاجتماع إلاّ بعلاقة الأوّل.

لأنّ وصف الجزئية والكُلّية متضايفان ، يمتنع أن يتحقّق أيّ منهما قبل الآخر ، فاحتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وأن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء لأنّها عين المركّب ، ولا دليل على لزوم تقدّمها عليه ، بل ممكن تحقّق المركّب مع جميع أجزائه دفعة واحدة ، بل في المركّب من جنس وفصل ، ومن الوجود والماهية يستحيل تقدّم الأجزاء على المركّب في الوجود ، الذي له منشئية الآثار ، وتوقّفه على حصوله ليس في الحقيقة احتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وإن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء ليلتئم منها المركّب ، وهذا ما يسع له المجال في المقام.

فالقضية المذكورة في صورة إمكان فرض الاحتياج بديهية ، يكفي فيها تصوّر الأطراف.

٥٦١

( علي ـ البحرين ـ ٢٦ سنة ـ تعليم عالي )

معنى التقليد والأدلّة عليه :

س : ما هو التقليد؟ ومتى بدأ؟ وما الدليل عليه؟

ج : التقليد لغةً بمعنى : جعل الشخص أو غيره ذا قلادة ، فيقال : تقلّد السيف ، أي ألقى حمالته في عنقه ، وفي حديث الخلافة : «قلّدها رسول الله علياً »(١) ، أي جعلها قلادة له ، ومعنى أنّ العامي قلّد المجتهد ، أنّه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه ، وأتى بها استناداً إلى فتواه.

وقد أشارت جملة من الروايات إلى هذا المعنى ، نذكر منها معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : « كان أبو عبد اللهعليه‌السلام قاعداً في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء إعرابي ، فسأل ربيعة الرأي عن مسألة ، فأجابه ، فلمّا سكت ، قال له إعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئاً ، فأعاد المسألة عليه ، فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الإعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «هو في عنقه » ، قال : أو لم يقل : وكُلّ مفتٍ ضامن »(٢) .

وهناك أخبار مستفيضة يمكنك الرجوع إليها في كتاب وسائل الشيعة(٣) .

وعلى هذا نرى بأنّ اللغة والاصطلاح والعرف متطابقة على أنّ التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل ، فالتقليد أمّا أن يكون بمعنى الأخذ والالتزام ، أو يكون معناه العمل استناداً إلى رأي الغير ، وهو العالم الجامع للشرائط.

والضرورة تقتضي التقليد ، وذلك لأنّ كُلّ مكلّف يعلم علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية فرضها الشارع المقدّس عليه ـ من وجوب أو حرمة ـ والإتيان

__________________

١ ـ الاجتهاد والتقليد : ٧٨.

٢ ـ الكافي ٧ / ٤٠٩.

٣ ـ وسائل الشيعة ٢٧ / ٢٢٠.

٥٦٢

بالواجب وترك المحرّم له طريقان : أمّا أنّه يعرف الواجب فيأتي به ، والمحرّم فيتركه ، وأمّا أنّه غير عالم بهما ، فيجب الرجوع إلى العالم بهما ، وهو المتخصّص في عمله لإبراء ذمّته أمام مولاه ، وهذا هو معنى التقليد الذي هو الاعتماد على المتخصّصين والرجوع إليهم.

ومن هنا يظهر : أنّ التقليد من الأُمور الارتكازية ، حيث رجوع كُلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع ، وكُلّ من لا يعرف أحكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصّص ، فيضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلّده ، وهذا غير محدّد بزمان ، بل هو جار في كُلّ الأزمنة.

والتقليد من فطريات العقول والشارع ، قد أمضاه بعدم الردع عنه ، فرجوع الجاهل إلى العالم في زمان الأئمّةعليهم‌السلام ، كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني ، الحاصل من مشافهة الأئمّةعليهم‌السلام ، وأمّا في زماننا ، فهو رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والإمارات.

ويكون عمله تنزيلياً تعبّدياً لا وجدانياً ، فهو الطريق الأكثر عملية لُجلّ الناس ، لاعتيادهم في كُلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة ، وهو واجب كُلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد أو الاحتياط.

( أحمد ـ الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب )

العقل في حالة قطعيته مقدّم على النصّ :

س : تقبّل الله أعمالكم ، ووفّقكم الله لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص العقل ، ما هو دوره في الأُصول العقائدية؟ هل القرآن والسنّة مقدّمتان على العقل أم هو العكس؟

ج : لا نتمكّن أن نجيب بضرس قاطع بتقديم النصّ على العقل ، أو بتقديم العقل على النصّ ، بل لابدّ من التفصيل ، فتارة يكون حكم العقل قطعياً وبدرجة كاملة من الوضوح ، وفي مثله يقدَّم العقل ، ويكون كقرينة على

٥٦٣

التصرّف في ظهور النصّ ، فإنّ القرائن ذات ألوان مختلفة ، وأحد تلك الألوان هي القرائن العقلية.

فإذا حكم العقل بنحو القطع بأنّ الله سبحانه لا يمكن أن يكون جسماً ، أو في مكان معيّن مثلاً ، فإذا جاء نصّ يقول :( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (١) فلابدّ من حمله على الكناية عن السيطرة الكاملة.

هذا إذا كان حكم العقل قطعياً ، وأمّا إذا لم يكن قطعياً ، فيؤخذ بظاهر النصّ ، ولا يجوز تأويله ، ورفع اليد عنه بحكم العقل.

إذاً ، العقل في حالة قطعيته هو المقدّم على النصّ ، وفي حالة عدم قطعيته يكون النصّ هو المقدّم.

( أبو بكر أحمد صدّيق ـ مصر ـ شافعي ـ ٣٢ سنة ـ دكتوراه فلسفة في التربية )

قول لا إله إلاّ الله مشروط بالإخلاص :

س : أُريد معرفة مدى صحّة الحديث التالي؟ وما هي الكتب التي ورد بها؟ وما هو تعليقكم عليه : « من قال لا اله إلاّ الله ومدّها ، هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبائر » (٢) ، مع إرسال النصوص الأصلية الاستدلالية إن أمكن ، أو إرشادي إلى مواقعها تحديداً ، وجزاكم الله خيراً ، ونفعنا بعلمكم.

ج : لا يوجد هذا الحديث في مصادرنا ، ولم يُروَ عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا المصادر السنّية ، فقد ورد في كتب غير معتبرة الصحّة ، فقد رواه المتّقي الهندي في كنز العمّال عن ابن النجار ، وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ـ وهو كتاب تراجم الضعفاء في ترجمة نعيم بن تمام ـ قال : « عن أنس : وعنه الحسن بن إسماعيل اليمامي ، له حديث أخرجه ابن النجار في الذيل في ترجمة أبي القاسم عبد الله بن عمر الكلوذاني المعروف بابن

__________________

١ ـ طه : ٥.

٢ ـ كنز العمّال ١ / ٦٠.

٥٦٤

داية ، من روايته عن يونس عن الحسن ولفظ المتن : «من قال لا إله إلاّ الله ومدّها ، هدمت له ذنوب أربعة آلاف كبيرة » ، هذا حديث باطل »(١) .

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : « فيه نعيم كذّاب »(٢) .

وأمّا تعليقنا عليه : فبعد أن قلنا بعدم صدوره عن أئمّتناعليهم‌السلام ، فإنّه لا يثبت لدينا مشروعية التعبّد به ، وكذلك هناك أحاديث لدينا تخالف مضمونه ، وتبيّن أن قول لا إله إلاّ الله مشروط بالإخلاص أو الصدق ، وهذه الشروط تعني الالتزام العقائدي والأخلاقي والعملي بمعنى لا إله إلاّ الله.

قال الله تعالى :( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) (٣) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام : «من قال : لا إله إلاّ الله بإخلاص فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنّة »(٤) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قال : لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة »(٥) .

وقال زيد بن أرقم : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من قال : لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة » ، قيل : وما إخلاصها؟ قال : « أن تحجزه عن محارم الله عزّ وجلّ »(٦) .

فهذه الروايات تبيّن وتوضّح مراد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمامعليه‌السلام من قول لا إله إلاّ الله ، وشروط نفعها لقائلها ، وهو الإخلاص والصدق والمعرفة ، وعدم ارتكاب المعصية بإصرار وعناد ، وليس مجرّد التلفّظ بها من دون ذلك كُلّه.

__________________

١ ـ لسان الميزان ٦ / ١٦٩.

٢ ـ تذكرة الموضوعات : ٥٥.

٣ ـ محمّد : ١٩.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤١١.

٥ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ٥.

٦ ـ المعجم الأوسط ٢ / ٥٦ ، المعجم الكبير ٥ / ١٩٧ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٧ ، تفسير الثعالبي ٢ / ٢٢.

٥٦٥

( رضا ـ بريطانيا ـ ١٨ سنة ـ طالب )

معرفة الحقّ من خلال قواعد عقلية :

س : هناك كثير من يقول أنّه لا يمكن معرفة الحقّ مطلقاً ، أي ليس هناك مثلاً قانون صحيح مطلقاً ، ولكن صحيح إلى درجة ، كيف يمكن الردّ على هذا؟ أرجو الإجابة ، وأشكركم جزيل الشكر.

ج : ينبغي ملاحظة أُمور :

أوّلاً : إنّ الدليل العقلي غير قابل للتخصيص من دون دليل آخر ، فالدليل العقلي هو بنفسه يتولّى تعيين حوزة شموله.

وبعبارة واضحة : كُلّ ما يثبته أو ينفيه العقل ، يأتي بكُلّ قيوده وسعة دلالته.

وثانياً : الحكم على صحّة أو فساد أمر هو قانون عقلي ، يجب فيه اتباع حكم العقل ؛ فالعقل هو الذي يتكفّل إعطاء نسبة الصحّة أو الفساد لكُلّ قضية وموضوع.

ثالثاً : المقصود من الحقّ المطلق هو الأمر الذي يعتبره العقل من البديهيات والأوّليات ، بحيث يكون العلم به ضرورياً ، فلا يرى احتمال الخلاف فيه جائزاً.

نعم ، إنّ لم تصل معرفة العقل لقانون أو قاعدةٍ إلى هذا المستوى ، فقد يرى اشتمال العلم به مع احتمالات أُخرى قد تتناقض مع ذلك العلم.

وعلى سبيل المثال : يجزم العقل باستحالة اجتماع النقيضين ، ولا يرى مجالاً لأي احتمال مخالف لهذا الحكم القطعي ، وحتّى أنّه يرى هذا الحكم مستقلاً عن أيّ قيد وشرط ، فلا يختصّ بزمان أو مكان ، أو أيّة خصوصية أُخرى.

ثمّ في فرض هذا الحكم ، كيف يعقل أن يحتمل تخصيص هذا القانون والحكم المقطوع به ، أو تقليل نسبة الصحّة فيه.

٥٦٦

وباختصار : فإمّا نقطع بقانون أو قاعدة ـ بالدقّة العقلية لا العرفية ـ فهذا لا يجتمع مع احتمال الخلاف فيه ، إذ أنّ الاحتمالات المناقضة هي قضايا لابدّ أن تكون صادرة من العقل ، والعقل يأبى أن يقطع بشيء ويحتمل خلافه.

نعم حدود هذه الأحكام والقوانين العقلية البحتة قد تكون مضيّقة ، ولكن لا ينكر وجود هكذا قواعد مسلّمة عند العقل غير قابلة للنقاش لضرورتها وبداهتها.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تسمية علم الكلام :

س : لماذا سمّي العلم الذي يُعنى بدراسة أُصول الدين الإسلامي والاستدلال عليها بأدلّة وبراهين تفيد العلم واليقين بعلم الكلام؟ ودمتم سالمين بجاه محمّد وآله الطاهرين.

ج : إنّ تسمية مباحث العقيدة الإسلامية بعلم الكلام لها وجوه :

١ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ القدماء من العرب سمّوا علم الجدل اليوناني بالمنطق ، والمنطق الذي يدلّ على النفس الناطقة التي تدرك الكُلّيات ، والنطق هو الكلام ، فعلم الكلام وعلم المنطق واحد.

٢ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ أصحابه تكلّموا بمسائل لم يذكرها السلف.

٣ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ المتقدّمين كانوا يعنونون فصول مباحثهم الكلامية بقولهم : كلام في التوحيد ، كلام في القدرة ، وهكذا

٤ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ الماهر الخبير بقوانينه يمتلك قوّة الكلام على إنزال الخصم ومحاكمته والغلبة عليه.

٥ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّه كثر فيه الكلام مع المخالفين ما لم يكثر في غيره.

٦ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّه يورث القدرة على الكلام في الشرعيات ، كالمنطق في الفلسفيات.

٥٦٧

٧ ـ إنّه سمّي بذلك ـ كما هو المشهور والمودّى إليه النظر ـ لأنّ أوّل مسألة طرحت بين المسلمين في صدر الإسلام بين الأشاعرة والمعتزلة هي : خلق القرآن الكريم أو قدمه ، على أنّ كلام الله قديم كذاته ، أو أنّه من الصفات الفعلية كالرازقية والخالقية ، وليست من الصفات الذاتية التي هي عين ذات الله تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة.

وعلى هذا الضوء سمّي العلم المتكفّل لهذه المباحث بعلم الكلام على نحو المجاز في باب التسمية ، بعلاقة الكُلّ والجزء الأوّل أو الأهم أو المعظم.

( فاطمة ـ أمريكا ـ ١٩ سنة ـ طالبة ثانوية )

الرؤية الكونية :

س : ما معنى الرؤية الكونية؟ وما المقصود بالكونية؟ وشكراً.

ج : إنّ النظام الفكري ينقسم إلى قسمين : نظام نظري ، ونظام عملي.

فالنظام الفكري النظري : هو أسلوب من التفكّر عمّا هو موجود.

والنظام الفكري العملي : هو أسلوب من التفكّر عمّا ينبغي أن يُفعل أو لا يُفعل.

فالأوّل يسمّى الرؤية الكونية ، والثاني يسمّى الأيديولوجية ، وقد عُرِّفا بالتعريف التالي :

الرؤية الكونية : مجموعة من المعتقدات والنظريات الكونية المتناسقة حول الكون والإنسان ، بل حول الوجود بصورة عامّة.

الأيديولوجية : مجموعة من الآراء الكُلّية المتناسقة حول سلوك الإنسان وأفعاله.

وهناك تعبير آخر في عرف الحكماء ، حيث يعبّرون عن الرؤية الكونية بالحكمة النظرية ، وعن الأيديولوجية بالحكمة العملية.

ويمكن تقسيم الرؤية الكونية إلى الأقسام التالية :

٥٦٨

١ ـ الرؤية الكونية العلمية : بأن يتوصّل الإنسان من طريق معطيات العلوم التجريبية إلى رؤى كُلّية حول الوجود.

٢ ـ الرؤية الكونية الفلسفية : وتحصل من خلال الاستدلال والبحوث العقلية.

٣ ـ الرؤية الكونية التعبّدية : ويتوصّل الإنسان إليها عن طريق الاعتقاد بقادة الأديان ، والإيمان بأحاديثهم.

٤ ـ الرؤية الكونية العرفانية : التي تحصل عن طريق الكشف والشهود والإشراق ، ومعرفة أبعد الحقائق بالتأمّل الذاتي ، والتوجّه الروحي ، والسلوك المهذّب نحو الله تعالى.

( أحمد ـ السعودية ـ سنّي ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

برهان النظم لا يجري في عالم التشريع :

س : الشيعة تقول بدليل النظم في إثبات الصانع ووحدته ، ولكن لا تطبّق دليل النظم في حياتها الفقهية ، فنجد الفقهاء لا يأخذون بدليل النظم في منازل القمر ، وإثبات دخول الشهر أو خروجه؟

ج : لا يخفى عليكم أوّلاً : أنّ برهان النظم لا يختصّ بالشيعة كما ذكرت ، بل هو برهان اعتمد عليه المسلمون كُلّهم ، بل وغيرهم من الأديان الأُخرى ، على إثبات وجود الله تعالى.

وثانياً : أنّ برهان النظم يجري في عالم التكوين ، فهو يُثبت أنّ للكون نظام ، ولا يجري في عالم التشريع والتكليف ، فهو لا يثبت لنا حكماً شرعياً ، بل الأحكام تثبت من خلال القرآن والسنّة.

وعليه ، فالفقهاء يتعبّدون بما ورد من الروايات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ، ولا يعتمدون على برهان النظم في أُمورهم الفقهية ، ففي قضية الصوم مثلاً ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «صم لرؤية الهلال ، وأفطر لرؤيته »(١) .

__________________

١ ـ الاستبصار : ٦٣.

٥٦٩

وعليه ، فلابدّ من إثبات دخول الشهر أو خروجه من خلال رؤية الهلال ، لا من خلال الاعتماد على الحسابات ، أو الاعتماد على برهان النظم.

( أحمد محمّد ـ ـ )

البكاء من خشية الله :

س : حُرمت البكاء من خشية الله تعالى ، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً.

ج : من وصايا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر : «يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك ، يا أبا ذر ، إنّ القلب القاسي بعيد من الله تعالى ، ولكن لا تشعرون »(١) .

إذا لم تساعدك العينان على البكاء ، فاحمل نفسك على البكاء وتشبّه بالباكين ، متذكّراً الذنوب العظام ، ومنازل مشهد اليوم العظيم ، يوم تبلى السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، وتنكشف فيه العورات ، عندها يحصل لك باعث الخشية ، وداعية البكاء الحقيقي ، والرقّة وإخلاص القلب.

وقد ورد في الحديث ما يدلّ على استحباب التباكي ، ولو بتذكّر من مات من الأولاد والأقارب والأحبّة ، فعن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني ، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي ، فهل يجوز ذلك؟

فقالعليه‌السلام : «نعم ، فتذكّرهم ، فإذا رققت فأبك ، وأدع ربّك تبارك وتعالى »(٢) .

ثمّ لا يخفى عليك أن ترك الذنوب والمعاصي ، وأن تذكر الله كثيراً ، وأن تدعو وتتوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام ، وتأكل الحلال وتجتنب الحرام ، وتأكل العدس المطبوخ ، وغير ذلك ، لأنّ هذه الأُمور تساعد على البكاء من خشية الله تعالى.

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٥٢٩.

٢ ـ الكافي ٢ / ٤٨٣.

٥٧٠

( وسام صباح عبد الرضا ـ العراق ـ ٢٨ سنة ـ طبيب )

احتياج المركّب إلى الجزء :

س : في الكتب العقائدية أجد العبارة التالية : « المركّب يحتاج إلى الجزء » ونحن نعلم : بأنّ المركّب يتألّف من جزئين فأكثر ، ويستحيل وجود مركّب من جزء واحد فقط ، فهل المقصود بالجزء في العبارة هو جنس الجزء ، الذي يصدق على أفراده؟ أم المقصود به المقابل للمركّب من باب التضايف؟

والسؤال الثاني : يقول ابن ميثم البحرانى : « الواجب بالذات لا يتركّب عن غيره ، وإلاّ لافتقر إلى ذلك الغير ، فكان ممكناً بذاته هذا خلف »(١) .

هل يقصد القائل أنّ المركّب محتاج إلى الغير في تركّبه ، كي يكون مركّباً ، وبذلك فإن ارتفع الغير ارتفع التركيب فيرتفع المركّب ، أي أنّ التركيب يكون عن طريق الغير ، وما يأتي من الغير يزول بزواله ، فيكون المركّب من الغير ممكناً بذاته ، لحاجته للغير في كونه مركّباً ، أم لكم رأي آخر في ذلك؟ الرجاء عدم إهمال الرسالة والإجابة بالسرعة الممكنة.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المقصود جنس الجزء ، فهم يريدون أن يقولوا : أنّ المركّب يحتاج إلى كُلّ جزء من أجزائه ، إذ بفقدان أي جزء من الأجزاء ينعدم ذلك المركّب ويزول ، فهو بحاجة في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه.

وهم من باب الاختصار في التعبير قالوا : المركّب مفتقر إلى الجزء ، يعني إلى كُلّ جزء من أجزائه ، أنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّه يحتاج إلى واحد من أجزائه دون بقية الأجزاء.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : هناك قضية ينبغي أن تكون واضحة ، وهي : أنّ الحاجة والافتقار هما من لوازم الإمكان ، والغنى وعدم الاحتياج هما من لوازم الوجوب ، فكُلّما فرضنا الشيء محتاجاً ومفتقراً إلى غيره فذلك يعني أنّه ممكن ، وكُلّما افترضناه واجباً فذلك يعني أنّه غني وليس محتاجاً.

__________________

١ ـ قواعد المرام في علم الكلام : ٤٥.

٥٧١

وإذا تمّت هذه القضية ، وكانت مورد قبولنا ، فسوف نخرج بقضية أُخرى ، وهي : أنّ الشيء متى ما كان مركّباً ، فيلزم أن يكون ممكناً ، لأنّ المركّب يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه ، إذ مع انخرام أيّ واحد من الأجزاء يزول ذلك المركّب ، فالخلُّ مثلاً الذي هو مركّب من سكّر وحموضة ، يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من هذين الجزئين ، إذ بعدم تحقّق أي واحد منهما يزول المركّب ، أعني الخلَّ ، ويحصل مركّب آخر.

ونحن ما دمنا قد سلّمنا مسبقاً أنّ الحاجة هي من لوازم الإمكان ، فيلزم أن نحكم بالإمكان على كُلّ موجود مركّب.

( علي العريان ـ أيرلندا ـ ١٩ سنة ـ طالب الثانوية )

عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة :

س : أوّلاً : نعلم أنّ الهدف من الإمامة هو الأمان من الفرقة وتوحيد الأُمّة ، ولذلك كانت الإمامة بالنصّ.

ثانياً : نلاحظ أنّ فتاوى مراجعنا في القيادة السياسية في زمان الغيبة متضاربة ، بين قائل بولاية الفقيه المطلقة ، وآخر بولاية الفقيه في الأُمور الحسبية ، وآخر بشورى الفقهاء ، ورابع بأنّ القيادة بالانتخاب الشعبي لمجموعة من الفقهاء ، وخامس يرى أن لا يلزم أن يكون القائد السياسي فقيهاً ، وغيرها من أقوال فقهائنا.

ثالثاً : أنّ المرجعية الدينية امتداد للإمامة ، ولها نفس هدفها ، وهو وحدة المسلمين.

السؤال : ألا يقع الإشكال نفسه على المرجعية الدينية حيث يقال : بأنّ المرجعية التي بها وحدة الأُمّة هي نفسها مختلفة في السبيل الذي يحقّق وحدة الأُمّة ، وبالتالي نحن مختلفون أساساً في مؤهّلات الحاكم السياسي ، الذي فائدته الأُولى توحيد الأُمّة؟

٥٧٢

ج : مسألة توحيد الكلمة على شخص واحد ورأي واحد وموقف واحد ، تحتاج إلى تنصيص من قبل الله سبحانه على شخص واحد للمرجعية الدينية ، كما حصل ذلك في حقّ أئمّتناعليهم‌السلام .

أمّا بعد أن كانت عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة ، فتعدّد المرجعية الدينية يكون أمراً طبيعياً ، واختلافهم أيضاً يكون أمراً طبيعياً.

ولا يمكن أن يوجّه نداء لهم بترك اجتهادهم ، وطرحه على الجدار ، وإلزامهم برأي موحّد ، إنّ هذا أشبه بما إذا قلنا لمجموعة أطباء : على كُلّ واحد منكم ترك اجتهاده الشخصي في تشخيص علاج هذا المرض ، وبالتالي عليكم الاجتماع على رأي واحد ، إنّه طلب مرفوض ، ورأي غير مقبول.

تبقى قضية ينبغي لفت الأنظار إليها وهي : أنّ الفقيه الذي لا يرى الولاية السياسية ، يرى في نفس الوقت أن أيّ فقيه إذا تصدّى للعمل السياسي ، وكان مرضياً في طريقته وعمله ، فلا يحقُّ لأيّ شخص إرباك الوضع ، وشقُّ العصا عليه ، فإنّ الحفاظ على النظام ، ووحدة الكلمة ، وتوحيد الصف قضية لازمة ، فإنّ الإسلام دين النظام ، ويريد النظام في أيّ مجال من مجالات الحياة ، ولا ينبغي أن نتصوّر أنّ الذي لا يرى الولاية السياسية يسوّغ لاتباعه إرباك النظام والإخلال به.

( علي عمران ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب جامعة )

إطلاق لقب العلاّمة :

س : تحية معطّرة برياحين ولاية محمّد وآل محمّد.

أساتذتي القائمين على موقع العقائد حفظكم الله ، طالعت مقالاً بأحد المنتديات بعنوان الألقاب العلمية , وهذا نصّه :

« لقب آية الله : يُطلق على من وصل إلى رتبة الاجتهاد ؛ وآية الله العظمى : يُطلق على من يتصدّى للتقليد والإفتاء ؛ والمرجع : يطلق على من يتبوّأ مقام

٥٧٣

المرجعية والإفتاء ، ويرجع إليه الناس في تقليدهم ؛ والمرجع الأعلى : يطلق على يُقلّده أكثرية الشيعة.

وهي مصطلحات ظهرت في هذا العصر الأخير ، ولم تكن متداولة في العصور الماضية عند الشيعة ، فما كان يُطلق شيء من هذا القبيل على الشيخ المفيد ، ولا الشيخ الطوسي ، ولا الشريف الرضي والمرتضى ، ولا العلاّمة الحلّي ، ولا المحقّق الحلّي ، والشهيدين الأوّل والثاني ، والمجلسي وبقية العلماء في الأزمنة الماضية ، رحمهم الله جميعاً ، وأسكنهم فسيح جنانه مع محمّد وآله ».

سؤالي الأوّل : على من يطلق لقب العلاّمة؟

سؤالي الثاني : هل تدرّج الألقاب من حيث المراتب بنفس الترتيب الذي ذكرت؟ أي أقصد هل أقل مرتبة هي آية الله ، ثمّ آية الله العظمى ، ثمّ المرجع ، ثمّ المرجع الأعلى؟ وجزاكم الله خير جزاء.

ج : الظاهر أنّ لقب العلاّمة يطلق على الذي وصل إلى درجة علمية أعلى من حجّة الإسلام والمسلمين ، وأقلّ من آية الله.

نعم ، بعض الأحيان تختصّ بشخص معيّن ، مثل العلاّمة الحلّي ، والعلاّمة الطباطبائي ، فهي تدلّ على مرتبة أعلى من ذلك قطعاً ، وما ذكرت من الترتيب والتدرّج ، فهو من ناحية الواقع العلمي صحيح.

أمّا قولهم : « إنّ هذه مصطلحات ظهرت » فلا نرى صحّة ذلك ، بل هي ألقاب كما هو في لفظة دكتور وما شاكلها.

( عيسى الشيباني ـ الإمارات ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية )

الحكم في المسائل المستحدثة :

س : من المعلوم بأنّ الشيعة الإمامية تتّخذ من القرآن الكريم والسنّة النبوية ـ والمتمثّلة بأهل البيتعليهم‌السلام ـ منهجاً لها في استخراج الأحكام والمسائل الشرعية ، والمقصد من ذلك أنّها لا تستخدم القياس والاستنباط في استخراج المسائل ، كما يستخدمه أهل السنّة.

٥٧٤

ولكن بالنسبة للأُمور المستحدثة والتي لم تكن موجودة في عهد الرسول والأئمّةعليهم‌السلام ، وإنّما ظهرت في العصور المتأخّرة والحديثة ، فما هي أو ما هو الأسلوب المتبع للاستخراج الحلول والمنافذ عند سماحة العلماء إن لم تكن موجودة في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة؟ ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : في القرآن الكريم والسنّة الشاملة لأقوال المعصومينعليهم‌السلام ، هناك قواعد كُلّية قد استخرجها العلماء ، وهذه القواعد تنطبق على كثير من المسائل الفرعية ، فإذا جاءت مسألة فرعية فالفقيه يرجعها إلى تلك القواعد الكُلّية ، فإن دخلت تلك المسألة تحت حكم إحدى تلك القواعد أفتى الفقيه بذلك.

مثلاً : إذا اكتشفت مادّة جديدة مسكرة ، والقرآن والسنّة لم يشيرا إلى حرمة تلك المادّة ، لكن الفقيه عنده قاعدة كُلّية : بأنّ كُلّ مسكر حرام ، فيستطيع أن يفتي بحرمة هذه المادّة طبقاً إلى تلك القاعدة ، وكذلك هناك قواعد عقلية كُلّية عامّة يستطيع أن يستخدمها ويفتي على طبقها ، وإذا لم توجد هناك أي قاعدة عامّة ، يمكن إدخال المسائل المستحدثة تحتها ، تصل النوبة إلى الأُصول العملية التي هي أيضاً قواعد مستنبطة من أقوال المعصومينعليهم‌السلام ، وهذه الأُصول يدخل تحتها جميع المسائل الفرعية ، التي لم يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المستنبطة من القرآن والسنّة ، أو التي لا يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المكتشفة بحكم العقل ، وهذه القواعد المشار إليها بقسميها ـ التي يحرز منها الدليل ـ أو التي يؤخذ منها الموقف العملي ـ تدرس في علم أُصول الفقه.

فالفقيه يبحث أوّلاً عن الحكم الشرعي الذي يسند إلى دليل استخرج من القرآن أو السنّة ، أو العقل أو الإجماع ، ويسمّى الحكم المستخرج من تلك القاعدة الحكم الشرعي الظاهري ، أمّا إذا فقدت تلك القواعد ، فإنّ الفقيه يبحث عن الوظيفة العملية للمكلّف عند فقد تلك الأدلّة المستخرجة من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ويستطيع الفقيه الوصول إلى تلك الوظيفة بأعمال تلك القواعد المسمّاة بالأُصول العملية.

٥٧٥

وعليه ففي كُلّ مسألة مستحدثة يرجع الفقيه إلى القواعد التي لديه لاستخراج حكمها الشرعي الظاهري ، أو الوظيفة العملية اتجاهها.

( محمّد ـ كندا ـ ٣٣ سنة )

حلّية التدخين :

س : بعد الاستبصار ـ ولله الحمد ـ بدأت أقرأ وابحث كثيراً ، وما أذهلني ظهور بعض المعمّمين المشايخ في التلفاز ، وهم يدخّنون ، وقرأت أنّ شرب الدخّان ليس بحرام عندنا ، لكن بدأ أهل السنّة يعيبون علينا ذلك ، وأُصدّقكم القول أنّ بحكم ماضي مع العامّة ، كنت دائماً مع تحريم الدخّان ، خصوصاً لكراهة رائحته ، وكذلك ضرره البيّن بالنفس ، التي أمر الشارع بحفظها ، وكذلك ضرره بالمال ، الذي أُمرنا بعدم تبذيره.

أفيدونا ، فقد علّمتمونا وعوّدتمونا اشفاء الغليل في أجوبة سماحتكم ، فكثيراً من العامّة والخاصّة يدمنون على شربه ، ولا يمكن القول أنّ شربه لا يمكن تركه ، إذا تبيّن الضرر ، سامحوني فقد أحسست بعدم اطمئنان لحلّيته إلاّ يدخل في الخبائث ، كما يقول العامّة ، وأنا أميل إليهم ، واستغفر الله في قولهم ، حين يجعلونه مشمولاً بحكم الآية الكريمة في حلّية الطيّبات ، وحرمة الخبائث ، أفلا يكون خبثاً شرب الدخّان؟ سامحوني على وقاحتي بحضرتكم ، وجزاكم الله خيراً.

ج : يعتبر التدخين من مستحدثات المسائل ، فهو من المسائل غير المنصوصة الحكم ، إذ لم يكن له وجود زمن النصّ.

فإذا أراد الفقيه أنّ يعرف حكمه ، فيقول : إنّ التدخين نحتمل حرمته شرعاً ، ولا نحتمل وجوبه ، فنتّجه أوّلاً إلى محاولة الحصول على دليل يعيّن حكمه الشرعي ، فلا نجد دليلاً من هذا القبيل ، فيبقى حكم التدخين مجهولاً ، وحرمته مشكوكة لدينا ، لا ندري أهو حرام أو مباح؟

٥٧٦