موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227127 / تحميل: 6764
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فهل يأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنصح شخص مخطئ؟ أم هو التعصّب الذي دعا الكاتب إلى إنكار كون أنس من الصحابة ، وذلك كطريق وحيد لردّ الرواية ، وما يترتّب عليها.

نصيحة ابن عمر المزعومة!

أمّا عبد الله بن عمر ، فقد كان معروفاً بمبدأ الخضوع للحاكم مهما كان ، حيث بايع يزيد وهو يعلم أنّه شارب الخمور مرتكب الفجور ، ولم يترك هذا المبدأ إلاّ عند بيعة الأُمّة لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد ندم على فعله!(١) .

فالذي يندم على أفعاله ، ويبايع يزيد مع أقلّ تهديد ، كيف يعتدّ الإمام الحسينعليه‌السلام بموقفه ونصحه؟

كما أنّ ما ذكروه عن نصيحة أبي سعيد الخدري وغيره غير ثابت ، وحتّى لو ثبت ، فقد عرفت أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يعمل بما أمر به جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلاّ وحي يوحى!

نصيحة ابن الزبير المزعومة!

وأمّا خلط الكاتب نصيحة ابن الزبير بجملة النصائح فعجب من القول ، لأنّ مصادر التاريخ تذكر عكس ذلك ، فقد كان ينصح الإمام الحسينعليه‌السلام أن يخرج إلى العراق ، وقد نقل ابن كثير قول ابن الزبير : أما لو كان لي مثل أنصارك ما عدلت عنها ، فلمّا خرج من عنده ، قال الحسين : «قد علم ابن الزبير أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ الناس لم يعدلوا بي غيري ، فودّ أنّي خرجت لتخلو له »(٢) .

ونقل : ولزم ابن الزبير الحجر ، ولبس المعافري ، وجعل يحرّض الناس على بني أُمية ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ، ويشير إليه أن يقدم العراق ، ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك(٣) .

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٧ / ٢٥٣.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٢.

٣ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٥.

١٤١

حتّى ظنّ أبو سلمة بن عبد الرحمن ، بأنّ الحسين خرج متأثّراً بكلام ابن الزبير ، أورد ابن كثير : وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ، ولكن شجّعه على ذلك ابن الزبير ، وكتب إليه المسور بن مخرمة : إيّاك أن تغتر بكتب أهل العراق ، وبقول ابن الزبير ، ألحق بهم فإنهّم ناصروك(١) .

ومن مسلّمات التاريخ : أنّ ابن الزبير لم يكن يوماً ما ناصحاً للإمام الحسينعليه‌السلام ، بل قد أثبت ابن كثير في تاريخه قول ابن عباس لابن الزبير وهو مغضب : « يا بن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله خارج ويتركك والحجاز »(٢) .

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء : « فقال ابن عباس للحسين : لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنّك تقيم ، إذاً لفعلت ، ثمّ بكى ، وقال : أقررت عين ابن الزبير ، ثمّ قال بعد لابن الزبير : قد أتى ما أحببت أبو عبد الله ، يخرج إلى العراق ، ويتركك والحجاز.

يا لك من قنبرة بمعمر

خلا لك البر فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

صيّادك اليوم قتيل فابشري(٣)

نصيحة ابن عمر المزعومة لا أصل لها :

من أين جاء الكاتب بهذه النصيحة المدعاة؟! فلم يذكر التاريخ أيّ لقاء تمّ بين الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عمر ، بل ينقل ابن كثير خلاف ذلك عن يحيى بن معين ، حدّثنا أبو عبيدة ، ثنا سليم بن حيّان عن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد الله بن عمر : عجّل حسين قدره ، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني(٤) .

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٦.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٨.

٣ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٧.

٤ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٣.

١٤٢

والكاتب يقول : رواه يحيى بن معين بسند صحيح ، ويتغافل عن سند ابن كثير إلى يحيى بن معين ، في حين أنّ سند يحيى ، كما في ابن عساكر مضطرب ، فيقول في تاريخ مدينة دمشق : « يحيى بن معين ثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيّان ، قال الحرّاني : سليمان بن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد الله ابن عمر يقول : عجّل حسين قدره »(١) .

نعم قال المحقّق : بالأصل عمرو ، والمثبت عن الترجمة المطبوعة.

والمهم هنا : أنّ سليم ينقل عن سليمان بن سعيد لا سعيد بن مينا ، فضلاً عن وجود نسخ ، أنّه ابن عمر لا عمرو.

بل أنّ الفرزدق يروي خلاف ذلك ـ كما في سير أعلام النبلاء ـ حيث قال : « لمّا خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو فقلت : إنّ هذا الرجل قد خرج ، فما ترى؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فإنّك إن أردت دنيا أصبتها ، وإن أردت آخرة أصبتها »(٢) ، فمن أين احتطب الكاتب هذه النصيحة والمنع المزعوم؟!!

نصيحة محمّد بن الحنفية :

روى ابن عساكر : « وتبعهم محمّد بن الحنفية ، فأدرك حسيناً بمكّة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي »(٣) .

ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك ، فقد ذكر أنّه قال : « تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية عن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك »(٤) .

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢٠٢.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٣.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢١١.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٥٣.

١٤٣

وبهذا يتّضح : أنّ محمّد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ، ولكن اقترح تفاصيل أُخرى ، فأجابه الحسينعليه‌السلام : «يا أخي قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً »(١) .

هذا وللحسين جواب شامل لكُلّ من عارضه على الخروج ، هو ما ذكره ابن كثير في ردّه على عبد الله بن جعفر ، الذي كتب له كتاباً يحذّره من أهل العراق ، ويناشده الله إن شخص إليهم ، فكتب إليه الحسين : «إنّي رأيت رؤيا ، ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني بأمر ، وأنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي »(٢) .

الحسين وأهل الكوفة :

يظنّ البعض بأنّهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسينعليه‌السلام في شأن أهل الكوفة ، وكيف يخفى على الحسينعليه‌السلام تذبذب نفوس أهل الكوفة ، وقد عاشرهم إبّان حياة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ولم ينس قوله فيهم : «اللهم إنّي قد مللتهم وملوني »(٣) ، وقوله : «يا أشباه الرجال ولا رجال »(٤) .

وقد كانت خيانتهم للحسنعليه‌السلام على مرأى من عينيه ، ولازال الحسين يسمع صدى دعاء عليعليه‌السلام عليهم.

وقد صرّحعليه‌السلام بأنّه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا ، فادعاء الكاتب أنّ خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسينعليه‌السلام ، وتكذيب لجدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وسوف يُسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبيّ الطاهرين.

النهضة الحسينية : لم تكن نتيجة ضغط من أبناء مسلم بن عقيل :

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣٢.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٧٥.

١٤٤

قال كاتب المنشور : « وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول ، الذي أرسله مسلم ، فهمّ الحسين بالرجوع ، فامتنع أبناء مسلم وقالوا : لا والله لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع ».

ونقول أوّلاً : الرواية ضعيفة السند ، إذ فيها خالد بن يزيد بن عبد الله القسري ، وقد قال عنه الذهبي : « وكان صاحب حديث ومعرفة ، وليس بالمتقن ، ينفرد بالمناكير

قال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، وذكره ابن عدي ، فساق له جماعة أحاديث ، وقال : أحاديثه لا يتابع عليها كُلّها ، لا إسناداً ولا متناً »(١) ، فعبارة : فهمّ الحسين بالرجوع ، من منكرات خالد هذا.

ثانياً : استغل الكاتب خطأ في تاريخ ابن كثير ، فسعى أن يوهم أن كلمة : لن نرجع ، إنّما هي أمر من أبناء مسلم بن عقيل للإمام الحسينعليه‌السلام ، فهُم الذين أجبروه على الاستمرار.

ولكن بالرجوع إلى ما نقله الطبري وسائر المؤرّخين ، نرى أنّ أبناء مسلم قالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل ، فقالعليه‌السلام : «لا خير في الحياة بعدكم » فسار(٢) .

ثالثاً : وأمّا الحادثة كما رواها الشيخ المفيد خالية من تلك الزيادة ، بل فيها : فنظر ـ أي الحسينعليه‌السلام ـ إلى بني عقيل فقال : « ما ترون؟ فقد قتل مسلم » ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا ، أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسينعليه‌السلام وقال : «لا خير في العيش بعد هؤلاء »(٣) .

__________________

١ ـ سير أعلام النبلاء ٩ / ٤١٠.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٩٢ ، الإصابة ٢ / ٧١ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٢٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٤.

٣ ـ الإرشاد ٢ / ٧٥.

١٤٥

وكيف ينتظر أن ينساق الحسينعليه‌السلام مع أبناء مسلم؟ وهم أتباعه ، وتحت أمره ورأيه؟ بل كيف يتراجع ، وهو الذي عارض ناصحيه كما يقول الكاتب سابقاً؟ وهل يرتاب الحسينعليه‌السلام ويتزعزع عند أوّل مشكلة تواجهه؟ بينما هو خارج للشهادة ، ويدرك أنّ المصيبة جسيمة.

ولو أنّ الحسينعليه‌السلام كان من أُولئك الذين تغلبهم العصبية البغيضة ، لانتقم لمقتل أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، خصوصاً مع ما حدث عند دفنه ، من منع عائشة وبني أُمية دفنه عند جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإثارة بني هاشم جميعاً ، لكنّه آثر الصبر.

افتراء نسب إلى الحسينعليه‌السلام أنّه قال : «أضع يدي في يد يزيد »؟

قال الكاتب : فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد ، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمر بن سعد.

وقال : ولمّا رأى الحسين هذا الجيش العظيم ، علم أنّه لا طاقة له بهم ، وقال : «إنّي أُخيّركم بين أمرين : أن تدعوني أرجع ، أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام » ، فقال له عمر بن سعد : أرسل إلى يزيد ، وأرسل أنا إلى عبيد الله ، فلم يرسل الحسين إلى يزيد.

والكاتب يعرض النصوص بشكل مخلّ ، وأمّا ما أورده الطبري في تاريخه في أحداث سنة ٦١ هـ ، عن حسان بن فائد بن بكر العبسي قال : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه؟ وماذا يطلب ويسأل؟ فقال : «كتب إليّ أهل هذه البلاد ، وأتتني رسلهم ، فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني ، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم » ، فلمّا قرأ الكتاب على ابن زياد قال : الآن إذ علقت مخالبنا به ، يرجو النجاة لات حين مناص(١) .

__________________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣١١.

١٤٦

وروى الطبري : قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد ، والصقعب بن زهير الأزدي ، وغيرهما من المحدّثين ، فهو ما عليه جماعة المحدّثين قالوا : إنّه قال : «اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً : إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية ، فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم ، وعليّ ما عليهم ».

قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قال : صحبت حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قُتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ، ولا بمكّة ، ولا في الطريق ، ولا في العراق ، ولا في عسكر إلى يوم مقتله ، إلاّ وقد سمعتها ، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة ، حتّى ننظر ما يصير من أمر الناس »(١) .

فالطبري يروي الرواية التي تتحدّث عن الخيارات الثلاثة ، ثمّ يروي عن عقبة ابن سمعان ـ الذي عاصر الأحداث ـ إنكاراً واضحاً لما ذكر في الرواية السابقة ، أي ما تبنّاه كاتب المنشور ، وعرضه بشكل مخلّ.

هذا بالإضافة إلى شخصية الحسينعليه‌السلام وتربيته ، وما ورثه من أبيهعليه‌السلام ، لا تتناسب مع مثل هذا الموقف ، الذي يريد أن يصوّره الكاتب ، وكأنّ الحسينعليه‌السلام قد ندم على خروجه ، أو خاف هذه الجموع ، كيف وشجاعته واضحة في صفحات التاريخ؟ وهو الذي بشّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الموقف الإيماني العظيم ، وقد قرأت رسالة عمرة بنت عبد الرحمن قبل فقرات ، وردّ الحسينعليه‌السلام عليها.

__________________

١ ـ المصدر السابق ٤ / ٣١٣.

١٤٧

ولعلّ الحجّة الأبلغ على الكاتب المحرّف ، ما رواه إمامه ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ولكن طلب منهم أحد أمرين : إمّا أن يرجع من حيث جاء ، وإمّا أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتّى ينظر ما يصير أمر الناس إليه »(١) .

بل إنّ الطبري ينقل عكس هذا الادعاء في تاريخه ، حيث ينقل رفض الحسينعليه‌السلام أن يضع يده بيد يزيد ، قال : فنادى ـ الحسينعليه‌السلام ـ : « يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ »؟ قالوا له : لم نفعل ، فقال : « سبحان الله ، بلى إذ كرهتموني دعوني انصرف عنكم » ، فقال له قيس : أولا تنزل على حكم ابن عمّك ـ أي يزيد ـ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : » لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل »(٢) ، ورواه أيضاً ابن كثير في تاريخه(٣) .

ويؤكّد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام قول الحسينعليه‌السلام : « ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً »(٤) .

وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عليعليه‌السلام ، الذي تربّى تحت بارقة ذو الفقار ، لا ما استنتجه الكاتب ، ليقلّل من شأن موقف الحسينعليه‌السلام ، ويرفع من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد.

تحريف الكاتب لموقف الحرّ بن يزيد الرياحي!

قال الكاتب : « وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً ، على رأسهم الحرّ بن يزيد التميمي ، ولمّا عاب عليه قومه ذلك قال : والله إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ».

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٠.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٣.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٤.

٤ ـ تاريخ الإسلام ٥ / ١٢.

١٤٨

إنّها كذبة تضاف إلى غيرها! وجملة : « عاب عليه قومه ذلك » ، بعد انضمامه إلى معسكر الحسينعليه‌السلام ، فهو تحريف لعبارة ابن كثير في البداية والنهاية ، حيث قال : « فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين »(١) ، وكُلّ ناطق بالضاد يعرف بأنّ اللوم غير التعييب ، رغم أنّ ابن كثير نفسه قد اختصر النصّ اختصاراً مخلاً ، إذا ما قارناها بالعبارة التي نقلها ابن جرير الطبري : « فأخذ يدنو من حسين قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه ـ يقال له المهاجر بن أوس ـ : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟

قال : إنّي والله أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ، ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين »(٢) .

فنلاحظ أنّ ابن كثير بدأ بالتحريف ، ثمّ جاء الكاتب واستعمل التزييف!! وما فعلهما إلاّ من تأثير الهوى والتعصّب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

افتراؤه بأنّ الحسينعليه‌السلام لم يمنع من الماء!

قال الكاتب : « وأمّا قصّة منع الماء ، وأنّه مات عطشاناً ، وغير ذلك من الزيادات التي إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ».

لقد زاد هذا الكاتب في بغضه لأهل البيتعليهم‌السلام حبّه لقاتليهم ، على أسياده وأئمّته ، فاستعمل الكذب الصريح المخالف لقول إمامه ابن كثير!!

قال ابن كثير : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب »(٣) ، فما يقوله ابن كثير هنا ـ كما يزعم ـ خال عن الكذب ، وهو يردّ كذب هذا الكاتب!

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٥.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٥.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٨٦.

١٤٩

ويقول عن عطش الإمام الحسينعليه‌السلام : « فردّ عليه ابن زياد : أن حل بينهم وبين الماء ، كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ، وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين الماء »(١) ، فالحديث عن منع الماء حديث أئمّة هذا الشأن ـ حسب قول ابن كثير ـ وليس حديث الشيعة كما زعم الكاتب!

وروى الطبري : « ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش ، دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه ، فبعثه في ثلاثين فارساً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي : من الرجل؟ فقال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء »(٢) .

وذكر ـ وهو يتحدّث عن الحرّ بن يزيد ـ : « ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين ، فاعتذر إليه بما تقدّم ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة لأُمّكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموه حتّى أتاكم أسلمتموه وخلاتموه ونساءه واصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري ، الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش »(٣) .

ما الذي يجنيه كاتب المنشور من نفي العطش عن الحسينعليه‌السلام ؟

هل يريد تقليل التعاطف مع الحسينعليه‌السلام ؟ ظانّاً بأنّ أصل هذا التعاطف هو مجرّد العطش؟ فإن نفاه نفى مظلومية الحسينعليه‌السلام ؟ أم أنّه يريد أن يكون جندياً إعلامياً من جيش ابن سعد ، إن لم يسعفه الزمن أن يكون محارباً مع إمامه يزيد؟

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ١٨٩.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣١١.

٣ ـ المصدر السابق ٤ / ٣٢٦.

١٥٠

فللمتّبع أن يدرك أنّ عطش الحسينعليه‌السلام من مسلّمات يوم الطفّ ، فقد روى ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه ، فخلص إلى شربة منه ، فرماه رجل يقال له حصين بن تميم في حنكه فأثبته ، فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم ، فتلقّاه بيديه ، ثمّ رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دماً ، ثمّ رمى به إلى السماء وقال : «اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً » ، ودعا عليهم دعاءً بليغاً ، قال : فو الله إن مكث الرجل الرامي له إلاّ يسيراً ، حتّى صبّ الله عليه الظمأ ، فجعل لا يروى ويسقى الماء مبرداً(١) .

وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمّد

متزمّلاً بدمائه تزميلا

وكأن بك يا بن بنت محمّد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولم يتبروا

في قتلك القرآن والتنزيلا

ويكبّرون بأن قتلت وإنّما

قتلوا بك التكبير والتهليلا(٢)

وروى ذلك ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، والمزّي في تهذيب الكمال وغيرهما.

فماذا بقي بعد ذلك من مصادر للتاريخ لم تذكر قصّة منع الماء وعطش الحسينعليه‌السلام ؟ ليقول ذلك الكاتب في كذبته المفضوحة : إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ، نعوذ بالله من الخذلان والهوى!

ردّ إنكاره للكرامات التي ظهرت :

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٠٣.

٢ ـ البداية والنهاية ٦ / ٢٦١ و ٨ / ٢١٦ ، تاريخ مدينة دمشق ١٦ / ١٨١ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٤٨.

١٥١

قال : « وأمّا ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً ، أو أنّ الجدران كأن يكون عليها الدم ، أو ما يرفع حجر إلاّ ويوجد تحته دم ، أو ما يذبحون جزوراً إلاّ صار كُلّه دماً ، فهذه كُلّها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ، ليس لها أسانيد صحيحة ».

هنا نقول : ما أعجله؟ أم ما أجهله؟ فقد تعجّل الكاتب إرضاء لهواه ، بالجزم بأنّ هذه الروايات كُلّها ليست لها أسانيد صحيحة ، بينما رواها الثقات من أهل العلم عنده ، بل رواها ابن كثير على تعصّبه ، ولم يجزم بردّها عند الحديث عن دلائل النبوّة ، إذ قال : « إلى غير ذلك ممّا في بعضها نكارة ، وفي بعضها احتمال ، والله أعلم »(١) .

فإذا نفى بعضها ابن كثير المتعصّب ، واحتمل صحّة بعضها ، فإنّ هذا قد تجاوزه في التعصّب أو النصب حتّى نفاها كُلّها ، وهذه المصادر السنّية لتلك الكرامات :

أ ـ ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً :

روى الهيثمي عن أُمّ حكيم قالت : قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أيّاماً مثل العلقة ، رواه الطبراني ورجاله إلى أُمّ حكيم رجال الصحيح(٢) .

ب ـ ما روي من كسوف الشمس :

روي عن أبي قبيل قال : لمّا قُتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظنّنا أنّها هي ـ أي القيامة ـ رواه الطبراني ، وإسناده حسن(٣) .

ونقل ذلك أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء ، وأرسله إرسال المسلّمات ، فقال : « ولمّا قُتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيّام ، والشمس على الحيطان

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٦ / ٢٥٩.

٢ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

٣ ـ المصدر السابق ٩ / ١٩٧.

١٥٢

كالملاحف المعصفرة ، والكواكب يضرب بعضها بعضاً ، وكان قتله يوم عاشوراء ، وكسفت الشمس ذلك اليوم ، واحمرت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله ، ثمّ لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ، ولم تكن ترى فيها قبله »(١) .

وروى الذهبي عن ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد يحيىعليه‌السلام إلاّ على الحسين(٢) ، ونقل البيهقي في دلائل النبوّة إمطار السماء دماً(٣) .

وعلم بأنّ هذا لا يتعارض مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته »(٤) ، حيث أنّ خسوف الشمس قد جاء نتيجة جرم البشر بقتل هذا السبط المطهّرعليه‌السلام ، لا مجرّد موت إنسان كما ينصّ الخبر ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) (٥) .

وهذا هو الحال في جريمة قتل الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام ، فبعد هذا كُلّه ، هل يصحّ كلام الكاتب؟

ج ـ الدم الذي ظهر على الجدر :

والطريف أنّه مذكور في رواية الطبري عن حصين بن عبد الرحمن ، وقد صرّح الكاتب بحسن سندها حينما استشهد بالرواية ، زاعماً طلب الحسين أن يضع يده في يد يزيد!!

قال الطبري : « قال حصين : فلمّا قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما تلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع »(٦) ، فهذه رغم أنّها صحيحة عنده لم يأخذ بها ، لأنّها لا تصبّ في صالحه!

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٠٧.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٢.

٣ ـ دلائل النبوّة ٦ / ٤٧١.

٤ ـ الكافي ٣ / ٢٠٨.

٥ ـ الروم : ٤١.

٦ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٩٦.

١٥٣

د ـ وما رفع حجر إلاّ وجد تحته دم :

روى الهيثمي عن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة بيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ، فقال لي عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان ، رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وعن الزهري قال : ما رفع حجر يوم قتل الحسين بن علي إلاّ عن دم ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح(١) .

وروى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء(٢) ، والبيهقي في دلائل النبوّة(٣) ، وغيرهم ، هذا ما رواه المخالف ، ومع ذلك ينكره ، فبأيّ حديث بعده يؤمن الكاتب؟

هـ ـ ذبحوا جزوراً فصار كُلّه دماً!

قال الهيثمي : « عن دويد الجعفي عن أبيه قال : لمّا قُتل الحسين انتهبت جزور من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ، رواه الطبراني ورجاله ثقات »(٤) .

و ـ الفتن والحوادث الغريبة :

قال ابن كثير : « وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح ، فإنّه قلّ من نجا من أُولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا ، فلم يخرج منها حتّى أُصيب بمرض ، وأكثرهم أصابه الجنون »(٥) .

وقال ابن كثير : « وقد روى حماد بن سلمة عن عمّار بن أبي عمارة عن أُمّ سلمة ، أنّها سمعت الجنّ تنوح على الحسين بن علي ، وهذا صحيح »(٦) ، وقال

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٤.

٣ ـ دلائل النبوّة ٦ / ٧٤١.

٤ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

٥ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٢٠.

٦ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٥٩.

١٥٤

الهيثمي عن هذا الخبر : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح »(١) ، ترى! هل يظنّ هذا الكاتب أنّه لا يوجد أحد يكشف كذبه؟!

زعم الكاتب أنّه أعرف بمصلحة الإسلام من الحسين!!

قال : « لم يكن في خروج الحسينعليه‌السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ، ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ، وهو قد همّ بالرجوع لولا أولاد مسلم » ، ولنترك ابن العماد الحنبلي ليردّ عليه :

يقول الحنبلي : « والعلماء مجمعون على تصويب قتال علي لمخالفيه ، لأنّه الإمام الحقّ ، ونقل الاتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد »(٢) .

فتحسين خروجه مورد اتفاق العلماء ، والقول بعدم وجود مصلحة هو وقاحة وجرأة من الكاتب على مقام الحسينعليه‌السلام ، فالكاتب يرفع شعار الدفاع عن الصحابة ، ولكن النصب يقتضي أن يبرّر أعمال يزيد ومعاوية ، وهم ثمار الشجرة الملعونة في القرآن ، ويبلغ من جرأته أنّه يخطّئ الحسين المطهّرعليه‌السلام بنصّ القرآن ، وسيّد شباب أهل الجنّة بنصّ جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

كُلّ ذلك يفضّل أئمّته بني أُمية على أهل بيت النبوّة الطاهرين المطهّرين!!

قوله : أنّ خروج الحسينعليه‌السلام مفسدة.

قال الكاتب : « وكان في خروجه من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، ولكنّه أمر الله تبارك وتعالى ، وما قدّر الله كان ، ولو لم يشأ الناس».

الغريب أنّ الكاتب يقول بأنّه أمر الله ، ثمّ يلوم الحسينعليه‌السلام على الخروج ، فإن كان جبراً فلا ملامة على الحسينعليه‌السلام ، وإن كان مخيّراً ـ وهو كذلك ـ فإنّه أمر الله وقد أطاعه الحسينعليه‌السلام ، فماذا يقصد الكاتب؟ أم أنّه يهجر.

ثمّ العجيب من أمر هذا الكاتب وأضرابه ، يدعون تقديس الصحابة وعدالتهم ، ثمّ يتجرّأ على الإمام الحسينعليه‌السلام لخروجه على يزيد.

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٩.

٢ ـ شذرات الذهب ١ / ١٢٢.

١٥٥

نعم مع أهل البيتعليهم‌السلام يختل الميزان ، وتظهر جرأة النواصب ، وكأنّ أهل البيت ليسوا صحابة ، لقد جعلوا القرآن عضين ، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

ما هي جريمة الحسينعليه‌السلام ؟!

إنّ جريمة الحسينعليه‌السلام سيّد شباب أهل الجنّة ، أنّه رفض بيعة يزيد لأنّه سلطان غاصب جائر ، وقد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الجهاد أن تعلن كلمة الحقّ أمامه وأمام أمثاله.

وقد أوحى الله تعالى لنبيه في حقّ الحسينعليه‌السلام : « وإنّي قاتل سبعين ألفاً بابن ابنتك » ، فجعل الله تعالى الانتقام من إراقة دمه الطاهر أشدّ من انتقامه عزّ وجلّ لقتل نبيّه يحيىعليه‌السلام ، وهذه لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم يقارن بيحيى النبيّعليه‌السلام ؟

وقد ردّ الحسينعليه‌السلام على هذه الترهات قبل أن يتفوّه بها مبغضوه ، فقد نقل ابن كثير في تاريخه : وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين : إنّي أسأل الله إن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك ، بلغني أنّك قد عزمت على الشخوص إلى العراق ، وإنّي أُعيذك الله من الشقاق ، فإنّك إن كنت خائفاً فأقبل إليّ ، فلك عندي الأمان والبر والصلة.

فكتب إليه الحسين : « إن كنت أردت بكتابك برّي وصلتي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين »(١) .

فكلام الإمام الحسينعليه‌السلام : « لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين » ، إنّما هو ردّ من الحسين الصحابيعليه‌السلام على كلام الكاتب ، فهل يقبل به؟ لا أظنّ.

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٦.

١٥٦

ثمّ نسأل المنصفين : هل الفساد هو أن تجهر بصوتك لإحقاق الحقّ والدين؟ والوقوف بوجه الظلمة؟ أمّ أنّ الفساد هو مداهنة الظلمة؟ ومد يد الخنوع والخضوع ليزيد؟ فصوّروا بذلك الإسلام هو دين الضعف والذل أمام الجبابرة لا دين العزّة ، وذلك الضعف كان مقدّمة واقعة الحرّة بكُلّ فظاعتها؟!

فهل كان موقف الحسينعليه‌السلام عند الكاتب أسوء من موقف أُولئك الذين مدّوا ليزيد ليفعل ما يشاء؟ ألهذا لم نسمع نقداً صريحاً لأنصار يزيد طوال القرون الماضية؟

لا ، ولكنّه النصب والعداوة الذي يدفع البعض ليتجرّأ على أهل البيتعليهم‌السلام ، ويمدح الذين ركعوا أمام يزيد ، والمشتكى إلى الله ربّ العالمين.

البدعة ومراسم العزاء على الإمام الحسينعليه‌السلام .

قال : « لا يجوز لمن خاف الله إذا تذكّر قتل الحسين ومن معه ، أن يقوم بلطم الخدود ، وشقّ الجيوب والنوح وما شابه ذلك ، وما علم أنّ علي بن الحسين ، أو ابنه محمّد ، أو ابنه جعفر ، أو موسى بن جعفر ، ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمّة الهدى ، أنّهم لطموا أو شقّوا أو صاحوا ، فهؤلاء هم قدوتنا ».

لابدّ أن نقرّر بداية ، بأنّ العناوين العامّة في الشريعة الإسلامية ـ كإحياء أمر الدين ، وتوقير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين ـ إنّما هي عناوين شرعية عامّة ، لا يناقش فيها مسلم ، لذلك ترى المسلمين قاطبة ـ إلاّ المتمسلفين ـ يدعون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، ويوم الإسراء والمعراج وغيرها ، كمصاديق لإحياء أمر الدين.

ومن السيرة التي يراها كُلّ عاقل على مرّ القرون ، يجد بأنّ للعرف أن يحدّد الطريقة المناسبة لإحياء أمر الدين ، شريطة أن يصدق عليها توقير مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يردّ نصّ صريح بخصوص الكيفية.

ولولا ذلك لما جاز تغيير وتطوير أساليب الدعوة ـ كطباعة الكتب ، والتلفزيون والمذياع ، والندوات والمخيّمات ، والمدارس الدينية ـ التي لم تكن في

١٥٧

زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا زمن الطبقة الأُولى من المسلمين ، ولكن مع تطوّر الزمن تطوّر أُسلوب الدعوة.

وهذا ليس بممنوع ولا هو بدعة ، لأنّه أمر مندوب إليه بعنوانه العام ، وتحديد المصاديق موكول إلى العرف ، ما لم يدخل شيء منها في أحد عناوين المحرّمة.

وبناء على ذلك ، فإنّ من العناوين العامّة في الدين : إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام ، وتوقيرهم ومحبّتهم ، وإظهار الحزن لأحزانهم والفرح لأفراحهم ، فالله تعالى قد أمر بمودّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فهل تتصوّر المودّة بالفرح بحزنهم؟ والحزن بفرحهم؟

والمآتم الحسينية إنّما هي مصداق من مصاديق تلك المودّة المفروضة ، وتلك المراسيم لم يرد فيها نهي ولا منع ، لذا فهي جائزة أصالة ، ويرجّح كفّة إقامتها لأنّها إحياء لأمر الدين ، وتتأكّد بورود روايات عن الأئمّةعليهم‌السلام في الحثّ عليها.

فإن منع الدين الحزن على المؤمن ، فلنمنع الحزن على الحسينعليه‌السلام ، وإن لم يجز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التأثّر الشديد بمقتل حمزة ، لم يجز لنا التأثّر بمقتل الحسينعليه‌السلام ؟

كيف والحسينعليه‌السلام أعزّ عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حمزةعليه‌السلام ؟ كُلّ ذلك حكم العقل والبداهة ، فضلاً عن وجود الأدلّة الخاصّة التي تدلّ على فضل البكاء والنوح على سيّد الشهداءعليه‌السلام ، سنذكرها فيما يلي.

مشروعية البكاء على سيّد الشهداءعليه‌السلام .

قال الكاتب : وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ، إنّما النياحة واللطم أمر من أُمور الجاهلية التي نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ، وأمر باجتنابها ، وليس هذا منطق أموي حتّى يقف الشيعة منه موقف العداء ، بل هو منطق أهل البيت ، وهو مروي عنهم عند الشيعة ، كما هو مروي عنهم أيضاً عند أهل

١٥٨

السنّة ، فقد روى ابن بابويه القمّي في من لا يحضره الفقيه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « النياحة من عمل الجاهلية »(١) .

إنّ إشكال القوم على الشيعة ، فيما يخصّ مراسيم إحياء ذكرى سيّد الشهداءعليه‌السلام محصورة في النقاط التالية :

أ ـ منع البكاء على الميّت مطلقاً.

واستدلّوا على ذلك : « وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه »(٢) ، وقد رواه ابن عمر ، ويرد عليه :

أوّلاً : لاشكّ ببطلان مثل هذا الادعاء ، خاصّة مع وضوح بكاء النبيّ يعقوب على ابنه يوسفعليهما‌السلام في قوله تعالى :( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (٣) .

ثانياً : إنّ عائشة لم تقبل بذلك ، وقد صرّحت بأنّ ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة ، وأنّ قوله هذا مخالف لقوله تعالى :( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (٤) ، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ، ومسلم في كتاب الجنائز.

ب ـ الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإعادة ذكر مصيبته في كُلّ سنة.

أوّلاً : يرد هذا الأمر بأنّ يعقوبعليه‌السلام قد أشكل عليه أبناؤه ، كما ينقل عنهم القرآن الكريم :( قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (٥) ، فقوله( تَفْتَأُ ) دليل على تكراره ذلك الأمر ، فحسب الشيعة فخراً أن تقتدي بأنبياء اللهعليهم‌السلام حينما يبكون على أوليائه.

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٧٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٨٥.

٣ ـ يوسف : ٨٤.

٤ ـ فاطر : ١٨.

٥ ـ يوسف : ٨٥.

١٥٩

ومكانة الحسين لا ينكرها إلاّ معاند ، فشأنه عند الله تعالى يتجلّى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون ، وعبّرت عن الغضب الإلهي على قتلتهعليه‌السلام ، وكذلك في الحديث الذي مرّ ذكره : من أنّ الله تعالى قد أوحى إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّه تعالى إذا كان قد انتقم لدم يحيىعليه‌السلام بقتل سبعين ألف ، فسوف ينتقم لدم الحسينعليه‌السلام بسبعين ألف وسبعين ألف.

ثانياً : وقد أجاب الإمام زين العابدينعليه‌السلام بما دلّ من القرآن على استمرار حزن يعقوب ، عند ردّه على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه ، كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسينعليه‌السلام عن كثرة بكائه ـ أي بكاء زين العابدينعليه‌السلام ـ فقال : «لا تلوموني فإنّ يعقوب فقد سبطاً من ولده ، فبكى حتّى ابيضت عيناه ، ولم يعلم أنّه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غزاة واحدة ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي »؟(١) .

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى ، فالأمر محبّب ، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم.

ج ـ النياحة :

وقد أورد نصّاً من كتب الشيعة يصف النياحة بأنّها من عمل الجاهلية ، ويرد عليه :

أوّلاً : إنّ هذه الرواية موجودة في مصادر السنّة قبل الشيعة ، ومع ذلك فإنّ من علماء السنّة من أجاز النياحة ، ولم يعتبر هذا النصّ مانعاً من جوازها ، وقد أقرّ ابن حجر بهذا الخلاف عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه : باب ما يكره من النياحة على الميّت :

« قال الزين بن المنير : ما موصولة ، ومن لبيان الجنس ، فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة ، والمراد بالكراهة كراهة التحريم ، لما

__________________

١ ـ حلية الأولياء ٣ / ١٦٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

عام ؟ واقتنع غير واحد بمبدأ الحسينعليه‌السلام ، حتّى قال بعضهم : لقد شيّعني الحسين ، وقال غاندي : تعلّمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر

ولأحد المستشرقين كلمة في المقام ، يحسن إيرادها ، وذلك هو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » قال : « من جملة الأُمور السياسية التي ألبستها رؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدّة قرون ، وصارت مورثة جدّاً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ، هي أُصول التمثيل ، باسم التشبيه والتعزية في مأتم الحسين .

التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدّة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا ، الأوربائيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرّج ، وأظهروا في محلّات التفرّج العمومية لأنظار العامّ والخاصّ أُموراً سياسية مهمّة لاستجلاب القلوب قليلاً قليلاً ، أصابوا هدفين بسهم واحد ، تفريح الطبائع ، وجلب قلوب العامّة في الأُمور السياسية

فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامّة ، فألبست ذلك لباس المذهب وعلى كلّ حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامّة والخاصّة في إقامة العزاء والشبيه قد حصل ، من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة المصائب ، التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي وردت على الحسين

ومع تلك الأحاديث المشوّقة إلى البكاء على مصائب آل الرسول ، فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضاً له تأثير عظيم ، ويجعل العامّ والخاصّ من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصوّر هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ، ومقامات معيّنة ، وحيث إنّه في أمثال هذه المجالس المخصوصة ، والمقامات المعيّنة يكون اشتراك الفرق الأُخرى معهم أقلّ ، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاصّ ، فعملوا الشبيه في الأزقة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق ، وبهذا السبب تتأثّر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم ، بذلك الأثر

٤٨١

الذي يجب أن يحصل من التمثيل ، ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجّه العامّ والخاصّ إليه ، حتّى إنّ بعض الفرق الإسلامية الأُخرى ، وبعض الهنود قلّدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك

إنّ هذه الطائفة بواسطة مجالس المآتم ، وعمل الشبيه واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين جلبت إليها قلوب باقي الفرق نحن ـ الأوربائيين ـ بمجرّد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملّية أو المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها إلى الجنون والتوحّش ، ونحن غافلون عن أنّنا لو سبرنا غور هذه الأعمال ، لرأيناها عقلية سياسية ، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة ، وهؤلاء بأحسن وجه ، والذي يجب علينا أن ننظر إلى حقائق عوائد كلّ قوم ، وإلّا فإنّ أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عوائدنا ، ويعدّون بعض حركاتنا منافية للآداب ، ويسمّونها بعدم التهذيب بل بالوحشية ، وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها ، التي طبعاً إثر التهيّج الطبيعي ، فإنّهم يعتقدون أنّ لهم في إقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة ، انتهى »

وأخيراً : حسبنا ما قاله الأئمّةعليهم‌السلام في إحياء أمرهم ، والتذكير بمصابهم ، ولا يضيرنا قول عائب خائب ، فإنّ لكلّ امرئ ما نوى ، وإنّما الأعمال بالنيّات ، بشرط تنزيه تلك الأعمال عمّا يشينها من أقوال وأفعال ، ولا نترك فرصة لمن استزلهم الشيطان ، فيرمونها بالفرية والبهتان( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (١)

« عالية ـ البحرين ـ ٢٠ سنة »

سبب البكاء على الحسين :

س : لديّ سؤال : لماذا نبكي على أئمّة أهل البيت ؟ ونقوم بالتعزية عليهم ،
______________________

(١) آل عمران : ٨

٤٨٢

مع العلم أنّ تلك الحادثة ـ مثل مصيبة الإمام الحسين ـ كانت من الماضي ؟ ونسألكم الدعاء ، والشكر الجزيل

ج : يمكن الإجابة على سؤالك من عدّة وجوه :

الوجه الأوّل : لقد بكى على الحسينعليه‌السلام الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل استشهاده ، وقد ثبت ذلك من طرقنا ومن طرق العامّة ، ويمكن تأسّياً بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نبكي على الحسينعليه‌السلام ، ولا علاقة للزمان وبعده عن واقعة استشهاده ، لأنّه لو كان للزمان علاقة لكان الأولى بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يبكي على الحسينعليه‌السلام قبل حصول الواقعة ، بل الذي يدعونا ـ كما يدعو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للبكاء هو مظلومية الإمام الحسينعليه‌السلام

الوجه الثاني : قد ورد أيضاً أنّ بعض الأنبياءعليهم‌السلام قد بكوا على الإمام الحسين ، وبعد الأنبياء عن واقعة استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام أكثر من بعدنا عن تلك الواقعة ، ومع الاختلاف في السبق واللحوق

الوجه الثالث : قد ورد أيضاً أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على حمزة وجعفر ، وأمر النساء بالبكاء عليهما ، حتّى صار البكاء على حمزة من عادة نساء أهل المدينة

الوجه الرابع : بعد أن ثبت عندنا بالدليل القاطع عصمة أئمّتناعليهم‌السلام يمكننا الأخذ برواياتهم وسيرتهم ، وقد كان دأب المعصومينعليهم‌السلام بعد واقعة الطفّ البكاء على الحسينعليه‌السلام ، وكان بعضهم يقيم مآتم العزاء ، وكانوا يأمرون شيعتهم بالبكاء ، وإقامة العزاء ، وحضور مجالس العزاء ، حتّى ورد عندنا فضل للتباكي على الحسينعليه‌السلام ، ونحن تبعاً لهمعليهم‌السلام نسير على خطاهم ، ونهتدي بهديهم ، ونأتمر بأوامرهم

فقضية البكاء على الحسينعليه‌السلام من القضايا الفرعية ، التي يمكن إثباتها بعد إثبات الأُصول التي تعتمد عليها ، ولا تتوقّف تلك الأُصول على جواز أو عدم جواز البكاء ، حتّى يستلزم الدور المحذور

٤٨٣

« حسين ـ البحرين ـ ٢٤ سنة ـ مدرّس »

كيفية بكاء الأفلاك على الحسين :

س : الرجاء التوضيح الشافي والوافي فيما ورد في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام : بكت لموته الأرض والسماوات ، وأمطرت دماً ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف ، واشتدّ سواد السماء ، ودام ذلك ثلاث أيّام ، والكواكب في أفلاكها تتهافت ، وعظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت

مع توضيح كيفية بكاء السماء دماً ، ولكم منّا جزيل الشكر والتقدير

ج : سؤالك يتكوّن من سبع فقرات تريد إيضاحها :

١ ـ بكت لموته الأرض والسماء ، قد ورد عنهمعليهم‌السلام : إنّ بكاء الأرض كان بتفجّرها دماً ، وما رفع حجر عن الأرض إلّا كان تحته دماً عبيطاً ، وقد فسّر في خبر آخر بالسواد

أمّا بكاء السماء ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام بعد أن سئل عن بكاء السماء ، قال :« كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء » (١) ، وقد فسّر بكاء السماء في أخبار أُخر بوقوع الدم ، فعن الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام بعد سؤاله عن أيّ شيء بكاؤها ؟ قال :« كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم » (٢)

وفي خبر آخر نسب البكاء بالحمرة إلى الشمس ، فقال : « بكت السماء على الحسين أربعين صباحاً بالدم ، والأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، والشمس بكت أربعين صباحاً بالحمرة »(٣) ، والذي يجمع بين الأخبار أنّ كلا الأمرين قد حصل

٢ ـ وأمطرت دماً ، قال أحدهم : أمطرت السماء دماً احمرت منه البيوت
______________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢١٢

(٢) كامل الزيارات : ١٨٤

(٣) بحار الأنوار ١٤ / ١٨٣

٤٨٤

والحيطان ، وقال آخر : ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم ، وقال آخر : وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً ، وأصبحنا وحياضنا وجرارنا مملوءة دماً

٣ ـ أظلمت الأفلاك من الكسوف

٤ ـ اشتدّ سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيّام

لعلّ العبارتين بمعنى واحد وهو ذهاب نور الشمس وانكسافه ، وصيرورة النهار ليلاً كما في بعض الأخبار

٥ ـ والكواكب في أفلاكها تتهافت ، لم نعثر على مكان وجود هذه العبارة في المقتل ، ومع وجودها فيمكن أن يفهم منها : ظهور الشهب بكثرة في السماء ، الذي كان يفهم منه في ذلك الزمان سقوط الكواكب

٦ ـ عظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت ، بعد كلّ هذه الحوادث الغريبة عليهم والمروّعة ، علموا بفداحة الأمر الذي حصل ، وتوقّعوا الهلاك العاجل ، حتّى جاء عن بعضهم قوله : حتّى ظنّنا أنّها هي ، يعني القيامة

« علي ـ فرنسا ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب »

النبيّ بكى على الحسين قبل مقتله :

س : هل الحسين خير من الرسل والأنبياء ؟ أم أنّه الوحيد الذي مات حتّى تفعلوا كل هذا من أجله ؟ يهديكم الله ، ويصلح بالكم

ج : ألم يثبت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على الحسينعليه‌السلام قبل مقتله ؟ ونصب المأتم عليه في مسجده ، فكيف بنا بعد أن قتل !

فقد روى أحمد عن عبد الله بن نجى عن أبيه : « أنّه سار مع عليرضي‌الله‌عنه ، وكان صاحب مطهرته ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي :« اصبر أبا عبد الله بشطّ الفرات » ، قلت : وماذا ؟ قال :« دخلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبيّ الله أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟

٤٨٥

قال : بلى ، قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك أنّ أشمّك من ترتبه ؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أنْ فاضتا » (١)

وهناك روايات كثيرة في هذا الباب ، مثل رواية أُمّ الفضل قالت : « فدخلت يوماً إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته ـ أي الحسين ـ في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبيّ الله بأبي أنت وأُمّي مالك ؟ قال :« أتاني جبرائيل عليه‌السلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا » ، فقلت : هذا ؟ فقال :« نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء »

قال الحاكم النيسابوري : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٢) ، فلماذا تنقم وتنزعج من البكاء والتأثّر على مقتل الحسين ؟!

يا أخي : إنّ الحسين سيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابنه وحامل نسله ونسبه وسببه وإسلامه ، وضحّى بنفسه وأعزّ ما عنده من أخوة وأولاد ، وأهل بيت وأصحاب مؤمنين ، ونساء أهل البيت ، وعانوا ما عانوا من عطش وتقتيل وتمثيل وسبي وتخويف وعندنا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة وعلي والحسنعليهم‌السلام أفضل من الحسينعليه‌السلام ، وكلّهم أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة ، ولكن تختصّ مصيبة الحسينعليه‌السلام ومقتله بأشياء عظيمة توجب الاهتمام والإحياء والاقتداء بهعليه‌السلام

« السيّد علي ـ الكويت ـ ١٧ سنة »

ثواب البكاء على مصيبة الحسين :

س : إنّ بعض العلماء يشكّك في قضية البكاء على الحسين ، وأنّه لا يغفر الذنوب ؟ وفّقكم الله لخدمة الدين ، وشكراً

______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٨٥

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٧

٤٨٦

الجواب : لاشكّ أنّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام حاولوا على مدى الزمان منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف مراجع الدين أمام هذا التيار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، والحبّ والولاء الموجودان لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات ، فأثبتوا لهم تمسّكهم بأهل البيتعليهم‌السلام مهما كلّفهم الأمر

فقضية ثواب البكاء على مصيبة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهي من القضايا المسلّمة عند علمائنا ، فقد وردت روايات كثيرة في هذا المجال ، نذكر منها :

١ ـ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما‌السلام دمعة حتّى تسيل على خدّه ، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه »(١)

٢ ـ عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( قال لي :« يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليه‌السلام » ، قال : فأنشدته ، فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار ، فقال لي :« يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليه‌السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة » )(٢)

٣ ـ عن صالح بن عقبة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :« من أنشد في الحسين عليه‌السلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً
______________________

(١) كامل الزيارات : ٢٠١

(٢) المصدر السابق : ٢٠٩

٤٨٧

فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة » ، فلم يزل حتّى قال : «من أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـفله الجنّة » (١)

٤ ـ عن أبي عمارة المنشد قال : ( ما ذكر الحسينعليه‌السلام عند أبي عبد اللهعليه‌السلام في يوم قط ، فرئي أبو عبد اللهعليه‌السلام متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل ، وكانعليه‌السلام يقول :« الحسين عَبرة كُلّ مؤمن » )(٢)

٥ ـ عن أبي بصير قال : ( قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :« قال الحسين بن علي عليهما‌السلام : أنا قتيل العَبرة لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر » )(٣)

٦ ـ عن الفضل بن شاذان قال : ( سمعت الرضاعليه‌السلام يقول :« لمّا أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه‌السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه ، تمنّى إبراهيم عليه‌السلام أن يكون يذبح ابنه إسماعيل عليه‌السلام بيده ، و قال : يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أُمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ، فيستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليه‌السلام لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، فذلك قول الله عزّ وجلّ : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم » )(٤)

٧ ـ عن إبراهيم بن أبي محمود قال : « قال الرضاعليه‌السلام :« إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حرمة في أمرنا

______________________

(١) المصدر السابق : ٢١٠

(٢) المصدر السابق : ٢١٤

(٣) المصدر السابق : ٢١٥

(٤) الصافّات : ١٠٧ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٧

٤٨٨

إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام »

ثمّ قالعليه‌السلام :« كان أبي عليه‌السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه ، حتّى يمضي منه عشرة أيّام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين » )(١)

٨ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزلت :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (٢) في اليهود ، أي الذين نقضوا عهد الله ، وكذّبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله :« أفلا أُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأُمّة » ؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « قوم من أُمّتي ينتحلون أنّهم من أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيتي وأطائب أرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم ، ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم ، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً ، ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله »(٣)

٩ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :« إذا كان يوم القيامة نادى ______________________

(١) الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩٠

(٢) البقرة : ٨٤

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٠٤ ، العوالم ، الإمام الحسين : ٥٩٨

٤٨٩

مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد ، مع قميص مخضوب بدم الحسين ، فتحتوي على ساق العرش ، فتقول : أنت الجبّار العدل اقض بيني وبين من قتل ولدي ، فيقضي الله لابنتي وربّ الكعبة

ثمّ تقول : اللهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته ، فيشفعها الله فيهم »(١)

نكتفي بهذا المقدار من الروايات ، وللمزيد راجعوا المصادر الحديثية

« حفيظ بلخيرية ـ تونس »

ما ورد في زيارة الأربعين :

س : يحتفل الشيعة في كلّ سنة بأربعينية الحسينعليه‌السلام ، وسؤالي لا يتعلّق بإحياء الذكرى ، بل في مسألة الأربعين ، هل تتوافق مع الحديث القائل : « لا حزن بعد الثلاث » ؟

ج : لم نجد الحديث المذكور في الكتب الحديثية المعتبرة عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ وعلى فرض التسليم بوجوده وصحّته إن وجد ، تكون زيارة الأربعين للإمام الحسينعليه‌السلام ممّا خُصّ فعله تبعاً للروايات المعتبرة الواردة في هذا الشأن ، وزيارة الأربعين لا تشتمل على معنى الحزن فقط ، وإنّما حالها كحال معظم الشعائر الحسينية المندوبة الأُخرى التي يراد منها :

١ ـ تعظيم شعائر الله التي وصفها الحقّ سبحانه وتعالى بأنّها من تقوى القلوب

٢ ـ التعبير عن الولاء لأولياء الله ، والسير على منهجهم وخطاهم

٣ ـ السعي لبيان مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام ، وما جرى على أئمّة الحقّ التي تعني مظلومية الإسلام ، والذي يصبّ في دعم العقيدة والدين ، إلى غير ذلك من المعاني والعبر التي حفلت بها هذه الشعائر ، حتّى ورد الحثّ الشديد من أئمّة أهل
______________________

(١) ينابيع المودّة ٢ / ٣٢٣

٤٩٠

البيتعليهم‌السلام على إقامتها وتفعيلها

أمّا ما ورد من الأحاديث في زيارة الأربعين ، فقد روي عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أنّه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم »(١)

وقد وردت صيغة عن الإمام الصادقعليه‌السلام لكيفية هذه الزيارة جاء فيها :« تزور عند ارتفاع النهار فتقول : السلام على وليّ الله وحبيبه ، السلام على خليل الله ونجيبه » (٢)

« حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ »

الضرب بالسلاسل نوع من التأسّي :

س : نشاهد على شاشة التلفاز شباب يضربون أنفسهم بسلاسل من حديد ، وذلك لإحياء ذكرى الشهيد الحسينعليه‌السلام ، فما هو معنى هذا الفعل ؟

ج : إنّ شعائر الضرب بالسلاسل على الظهور قد يكون لها منشأ من نفس أحداث واقعة كربلاء ، تقريباً وتعبيراً عمّا كان يتعامل به أعداء أهل البيت من إيذاء وضرب ، وممارسات الأسر في حقّ النساء والأطفال ، ضرباً على ظهورهم بالسياط ، لذا يعمل الموالون على إحياء هذا المشهد المأساوي الذي قدّمه أهل بيت العصمة وعيالاتهم في سبيل نصرة الدين والتضحية من أجل إحياء الإسلام المحمّدي الأصيل

وفلسفة هذه الأعمال والشعائر للمصيبة الحسينية أنّها تهدف على إحياء روح التأسّي والتأثّر والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، الذي أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته بالتمسّك بهم من بعده مع الكتاب الكريم ، وجعلهم عدلاً له ، كما هو الوارد في الحديث
______________________

(١) إقبال الأعمال ٣ / ١٠٠

(٢) المصدر السابق ٣ / ١٠١

٤٩١

المعروف :« إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » (١)

وبغضّ النظر عن معنى هذا الفعل فإنّ للشيعي الموالي الحرّية في اختيار السلوك الذي يعبّر به عن حزنه ومواساته للسبط الشهيد وأهل بيته وأصحابه ، ما لم يدخل ذلك في دائرة الحرام

وعليه ، فإنّ مختلف الشعائر الحسينية مفتوحة للتطوّر بمرور الزمان ، كما أنّها تطوّرت إلى ما نشاهده اليوم عمّا كانت عليه سابقاً عبر تراكم العادات ، واختلاف أشكال التعبير

« ـ ـ »

أدلّة تحريم اللطم واهية :

س : يعدّ البعض اللطم على الصدور في المآتم حرام ، ويستدلّ بعدّة أدلّة ، فما هي الأدلّة على مشروعية اللطم على الصدور ؟

ج : الاستدلال على مشروعية اللطم يتمّ على نقاط :

١ ـ إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، أي إنّ كُلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة
______________________

(١) فضائل الصحابة : ١٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥

٤٩٢

ونهي ، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم : من أنّ الأصل في الأشياء الحرمة

فإنّ أصالة الإباحة أصل في علم أُصول الفقه ، فيه بحوث علمية لا يعرفها أبناء المذهب المخالف يمكنك اطلاعهم عليها ، وعليه فإنّ مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل وليس العكس

٢ ـ بل إنّ اللطم على الإمام الحسينعليه‌السلام مستحبّ ، لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر الله ، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر الله ، لأنّ يوم الحسين يوم من أيّام الله بلا جدال

٣ ـ ولكن مع كُلّ هذا ، فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات التي فيها إقرار اللطم على الإمام الحسين وبقية المعصومينعليهم‌السلام ، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم :« برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه » (١) ، إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم ، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدينعليه‌السلام زمن الحادثة الدالّ على تقريره

وأيضاً ما رواه العلّامة المجلسي : من أن دعبل الخزاعي لمّا انشد الإمام الرضاعليه‌السلام :

إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده

وأجريت دمع العين في الوجنات »(٢)

لطمت النساء ، وعلا الصراخ من وراء الستار ، وبكى الإمام الرضاعليه‌السلام حتّى أُغمي عليه مرّتين ، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى ، إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكرهعليه‌السلام

ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله
______________________

(١) المزار الكبير : ٥٠٤

(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ٢٥٦

٤٩٣

تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (١)

وقال في الجواهر : « وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر بل ربما قيل إنّه متواتر »(٢)

وفي اللهوف : « ولمّا رجع نساء الحسينعليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق ، قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء

فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً »(٣)

ومن المعلوم : إنّ الإمام السجّادعليه‌السلام كان معهم

وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسينعليه‌السلام ، وفسّر الإمام الباقرعليه‌السلام الجزع بقوله :« أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر » (٤)

وغيرها من الروايات ، أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم !! نعم إنّ ذلك مختصّ بالحسينعليه‌السلام كما ذكر الفقهاء

ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي ، منها :

١ ـ إنّه إلقاء في التهلكة :( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٥) ، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة ، ولو سلّمنا فإنّه ليس فيما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا

______________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥

(٢) جواهر الكلام ٤ / ٣٧١

(٣) اللهوف في قتلى الطفوف : ١١٤

(٤) الكافي ٣ / ٢٢٢

(٥) البقرة : ١٩٥

٤٩٤

وإن حدث في بعض الحالات النادرة ، فإنّ مات أحدهم مثلاً ، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً ، فهو كما يتّفق في كُلّ شيء مباح ، كركوب السيارة مثلاً

٢ ـ إنّه إضرار بالنفس ، والإضرار حرام ، مع أنّه لم يثبت حرمة كُلّ إضرار بالنفس ، بل الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ ، والعقلاء يقدمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر ، بل قد يقدمون على أُمور فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها

٣ ـ من أنّ هذه الممارسات ـ ومنها اللطم ـ فيها توهين للمذهب ، وجوابه : إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف ، وأنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف في صدق التوهين هنا أو لا

ولو أردنا مجارات كُلّ من خالفنا وشنّع علينا بممارساتنا الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء حتّى الحجّ والصلاة

٤ ـ قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة ، ولكن تعريف البدعة هو : إدخال ما ليس في الدين فيه ، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً ، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه ، وأنّه من الدين

« عبد الله ـ السعودية ـ ٣٠ سنة ـ دكتور »

اللطم جائز للإقرار وللأصل :

س : من المتعارف عليه بين أبناء الشيعة الإمامية إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويصاحب ذلك في كثير من الأحيان اللطم ، أو ما عرف بالعزاء

وهو إنشاد القصائد الرثائية في أهل البيت ، ويصحب ذلك اللطم على الصدور ، وحسب اطلاعي المتواضع ، فإنّ الأئمّةعليهم‌السلام كانوا يحيون هذه الأيّام ، ولكن لم يرد بأنّهم كانوا يلطمون على صدورهم ، أو كانوا يحثّون على ذلك ، ولو كانت هذه العادة هي شعيرة خاصّة ، أو لها أهمّية لجاءت أخبار الأئمّة بالحثّ عليها ، بل ربما هناك ما يتعارض مع مثل ذلك

٤٩٥

فنحن نعرف وصية الإمام الحسينعليه‌السلام لأخته زينبعليها‌السلام ليلة العاشر : بأن تتعزّى بعزاء الله ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً مع أنّ السيّدة زينب ليست بحاجة لذلك ، إلّا أنّ الإمام ربما قال لها ذلك من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة

كذلك سمعت من البعض : بأنّ أوّل ظهور لهذه العادة كان في عصر الشيخ المفيد ، وكان الشيخ يقف موقفاً سلبياً ممّن يمارسون هذه العادة ، أُودّ أن أسمع تعليقكم حول هذا الموضوع بالتفصيل ؟ شاكراً ومقدّراً لكم

ج : نلخّص الجواب في نقاط :

١ ـ هناك كلّية صحيحة يرجع إليها في الاستدلال ، وهي : كُلّ ما يأمر به ، أو يحثّ عليه ، أو يفعله أو يقرّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الإمامعليه‌السلام فهو جائز بالمعنى العام ، أي أعمّ من الواجب والمستحبّ والمباح

وهناك قضية يأتي بها المغالطون كثيراً على أنّها كلّية صحيحة يمكن الاستدلال بها ، ليموّهوا على مناقشيهم بنوع من المغالطة ، وهي : إنّ كُلّ جائز وليس الواجب يجب أن يفعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الإمامعليه‌السلام ، وهي عكس الأُولى ، وهذه الكلّية غير صحيحة وباطلة ، ولم تثبت لا عقلاً ولا شرعاً

ومن راجع علم المنطق يعرف : إنّ العكس المستوي في الموجبة الكلّية يكون موجبة جزئية ، فعكس القاعدة الأُولى : كُلّ ما يفعله الإمام فهو جائز ، وهي موجبة كلّية ، يكون : بعض ما هو جائز يفعله الإمام ، وهي موجبة جزئية ، ثمّ إنّه لم يثبت في الشرع أنّ كُلّ شيء جائز ـ سواء كان مستحبّاً أو مباحاً ـ يجب أن يفعله الإمام

ملاحظة : نحن اقتصرنا في القضية على فعل الإمامعليه‌السلام لأنّ المخالفين الذين
يتعمّدون المغالطة يحتجّون دائماً علينا بأنّ الإمام لم يفعل كذا ، ولم يفعل كذا ، فهو غير جائز ، ولا يحتجّون علينا بعدم فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا نادراً

أمّا نحن ، فإنّ هذه القاعدة واضحة عندنا ، فلا نحتجّ عليهم بعدم فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لشيء لإثبات عدم جوازه إلّا من باب النقض

٤٩٦

ومن هنا عرفت الجواب على كُلّ من يعترض على فعل ما بأنّ الإمامعليه‌السلام لم يفعله ، أو لم يثبت فعله له ، ومنها الاستدلال بعدم فعل الإمامعليه‌السلام للطم

٢ ـ تبيّن أنّ إقرار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمامعليه‌السلام لفعل ما يدلّ على جوازه بالمعنى الأعم ، ولا يثبت به الوجوب ، فهو يحتاج إلى دليل آخر

وفي موردنا جاءت عدّة روايات تثبت إقرار الإمامعليه‌السلام لما فعله الآخرون من اللطم أمامه ، أو لم ينكر على من ذكر اللطم على الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويبيّن له المنع من ذلك

منها : ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :« وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (١)

ومنها ما رواه الشيخ الصدوق : إنّ دعبل الخزاعي انشد الإمام الرضاعليه‌السلام قصيدته التي فيها :

أفاطم لو خـلت الحسـين مجـدّلاً

وقـد مـات عطشـانـاً بشط فراتِ

إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده

وأجريت دمع العين في الوجنات »(٢)

فلم يعترض عليه الإمامعليه‌السلام بأنّ فاطمةعليها‌السلام لا تفعل الحرام ، وهو اللطم ، بل بكىعليه‌السلام

ومنها : ورد في زيارة الناحية المقدّسة :« فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ونظرن سرجك عليه ملويّا ، برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات » (٣) ، وغيرها

٣ ـ إنّ استنباط الحكم الشرعي لقضية معيّنة يتمّ من خلال قواعد مقرّرة في أُصول الفقه وعلم الفقه ، ويستدلّ بها من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ولا
______________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥

(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ٢٥٦

(٣) المزار : ٥٠٤

٤٩٧

ينحصر الدليل بقول المعصوم أو فعله ، وإذا فقد الدليل من هذه الأربعة يرجع إلى الأُصول العملية التي تحدّد الوظيفة العملية للمكلّف باتجاه هذه القضية

وقد قرّروا أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأتِ فيه تحريم ، فإذا سلّمنا بفقد الدليل على اللطم ، نرجع إلى هذا الأصل الأوّلي فيه وهو الإباحة ، ولم يثبت في هذه القضية أصل ثانوي من أنّه إضرار بالنفس ، وعلى فرض ثبوته فليس كُلّ ضرر ـ وإن كان لا يعتدّ به ـ حراماً

٤ ـ ومثل هذا يثبت بخصوص خروج المواكب في الطرقات وإنشاد المراثي ، على أنّ شعائر خروج المواكب في الطرقات كان من عهد البويهيين في بغداد في القرن الرابع الهجري ، وهو عصر علماء عظام من الإمامية ـ كالمفيد وابن قولويه والمرتضى والرضي ـ ولم يسمع من أحد منهم الاعتراض والنهي عن ذلك ، ولم نعرف المصدر الذي نقلت منه موقف الشيخ المفيد السلبي بخصوص ذلك ، فنرجو أن تذكر المصدر حتّى ننظر فيه

٥ ـ وأمّا ما أوردته من الرواية عن الإمام الحسينعليه‌السلام يخاطب زينبعليها‌السلام : بأن تتعزّى بعزاء الله ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ، فإنّ متن الرواية هكذا :« انظرن إذا أنا قتلت ، فلا تشقّقن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجهاً » (١)

وليس فيها : « ولا تلطمن عليّ خدّاً » حتّى تستدلّ بها على النهي عن اللطم

بل عن رواية الأقدم منهما وهو أبو مخنف ـ المتوفّى ١٥٨ هـ ـ عن الحارث بن كعب وأبي الضحّاك عن الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّ المخاطبة كانت زينبعليها‌السلام ، إذ قال لها الحسينعليه‌السلام :« يا أُخية ، إنّي أُقسم عليك فابري قسمي : لا تشقّي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت » (٢)

______________________

(١) اللهوف في قتلى الطفوف : ٥٠

(٢) مقتل الحسين لابن مخنف : ١١١

٤٩٨

مع ملاحظة أنّ القضية في كُلّ الروايات واحدة ، وهي خبر إنشاد الحسين لعدّة أبيات التي أوّلها : يا دهر أُفٍّ لك من خليل ، ليلة عاشوراء ، فمرّة مخاطباً النساء معاً ، ومرّة مخاطباً زينبعليها‌السلام وحدها ، إضافة إلى أنّ رواية السيّد ابن طاووس مرسلة

نعم ، قد يستدلّ برواية أُخرى في « دعائم الإسلام » عن الإمام الصادقعليه‌السلام : أنّه أوصى عندما احتضر فقال :« لا يلطمن عليّ خدّ ، ولا يشققن عليّ جيب ، فما من امرأة تشقّ جيبها إلّا صدع لها في جهنّم صدع ، كلّما زادت زيدت »

ولكن بغضّ النظر عمّا قيل في توثيق كتاب « دعائم الإسلام » ، فقد قال السيد الخوئي بخصوص هذه الرواية وغيرها : « إلّا أنّ الأخبار لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه »(١)

ولذا أفتى علماؤنا بجواز شقّ الثوب على الأب والأخ فراجع

فيتّضح أنّ ما تقدّم من الروايات لا تنهض حجّة لمقاومة الأدلّة التي ذكرناها

______________________

(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى ٩ / ٢٣٢

٤٩٩
٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576