موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227196 / تحميل: 6765
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف

ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً ، تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة ،
سردها أبو الفرج متتابعة ، ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد .

وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ، ورابعهم في أُخرى ، ثمّ لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة !

وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجية أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب ـ كما في دائرة المعارف الإسلامية ـ.

وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرئ القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة ٧٠ هـ ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله ـ كما في « الأغاني » ـ.

وأن تزوّجها ـ كما في « دائرة المعارف » ـ عبد الله بن عثمان ابن أخي مصعب ، وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم

وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن أُمّه سعيدة بنت عبد الله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكّة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذ هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدرّ إلا لتفضحه

ثمّ أتبعها أبو الفرج برواية أُخرى عن شعيب بن صخر عن أُمّه سعدة بنت عبد الله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : والله ما ألبستها إيّاه إلّا لتفضحه

وهكذا بين فقرة وأُخرى ، صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبد الله بن سالم ، سعدة بنت عبد الله ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي

وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول :

٣٦١

وعمرو هذا أو عمر ، هو أخ لجدّ عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة ، إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال

وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل ، يرفضون الاعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ، ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثمّ مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها ، وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، ثمّ من عمّ أبيه عمرو بن حكيم

وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب أُمّ سكينة ترفض زواجها من عبد الله بن مروان بعد قتل مصعب

وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون أُمّهاتهم ، حتّى جعلت هشام بن عبد الملك ـ الذي ولد بعد مقتل مصعب ، أو كان رضيعاً في عامه الأوّل ـ يتدخّل في حكاية إبراهيم بن عبد الرحمن ، لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير

فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول

وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة : أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبد الله ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبد الله بن الإمام الحسنعليه‌السلام غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : ١٢٧ للمجدي ( مخطوط ) ، إسعاف الراغبين : ٢١٠ ، رياض الجنان : ٥١ ، مقتل الحسين للمقرّم : ٣٣٠ ، سكينة بنت الحسين للمقرّم : ٧٢ ، أدب الطف ١ : ١٦٢ ،
سفينة بحار الأنوار ١ : ٦٣٨ .

٣٦٢

وقفة مع التاريخ المزيّف :

لم تنتهي تهم الأعداء ـ أعداء آل محمّدعليهم‌السلام ـ لسكينة بنت الحسينعليه‌السلام بتعدّد أزواجها حسبما قالوه ، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم ، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء ، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها ، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة ، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة

وما كنّا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة ؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه ، إلّا أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الاتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب ، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر ، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة

ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة ، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لأُولئك الذين حاولوا توجيه هذه الافتراءات ، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات ، بل كيف يقتنعون بها ؟!

ونذكر هنا اتهامين باطلين سجّلهما لنا التاريخ المزيّف ، والجواب عنهما :

الأوّل : روى أبو الفرج الأصفهاني عن الزبيري : اجتمع بالمدينة راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، ورواية نصيب ، ورواية الأحوص ، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ، فحكّموا سكينة بنت الحسين بن عليعليهما‌السلام ، لما يعرفونه من عقلها ، وبصرها بالشعر ، فخرجوا يتقادّون حتّى استأذنوا عليها فأذنت لهم ، فذكروا لها الذي كان من أمرهم ، فقالت لراوية جرير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

طرقتُكِ صائدة القلوب وليس ذا

حين الزيارة فارجعي بسلام

وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطروق ، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره ، ألا
قال : فادخلي بسلام .

ثمّ قالت لراوية كثير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

٣٦٣

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرّت

فليس شيء أقرّ لعينها من النكاح ، أفيحب صاحبكَ أن ينكح ؟ قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره

ثمّ قالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

فلو تَركتْ عقلي معي ما طلبتُها

ولكن طلابيها لما فات من عقلي

فما أرى بصاحبك من هوى ، إنّما يطلب عقله ، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره

ثمّ قالت لراوية نصيب : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت

فيا حرباً مَن ذا يهيم بها بعدي

فما أرى له همّة إلّا مَن يتعشّقها بعده ! قبّحه الله وقبّح شعره ، ألا قال :

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي

ثمّ قالت لراوية الأحوص : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

من عاشقين تواعدا وتراسلا

ليلاً إذا نجم الثريا حلقا

باتا بأنعم ليلة وألذّها

حتّى إذا وضح الصباح تفرّقا

قال : نعم

قالت : قبّحه الله وقبّح شعره ، ألا قال : تعانقا

قال إسحاق في خبره : فلم تثنِ على واحدٍ منهم في ذلك اليوم ، ولم تقدّمه

قال : وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم ، إلّا جميلاً فإنّه خالف هذه الرواية ، وقال : فقالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

فيا ليتني أعمى أصم تقودني

بثينة لا يخفى عليّ كلامها

قال نعم

قالت : رحم الله صاحبكَ كان صادقاً في شعره ، كان جميلاً كاسمه ،
فحكمت له .

٣٦٤

وعلّق الأُستاذ علي دخيل على هذه الرواية بقوله : إنّ أثر الصنعة واضح على هذه الرواية ، وهي من نسج الزبيري عدوّ أهل البيت ، وما أكثر مفترياته هو وذويه على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد جعلَ من ابنة الرسالة النابغة الذبياني ـ فقد كان يضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ ، فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها ـ

وجدير بالذكر أنّ المؤرّخين لم يحدّثونا عن مثل هذا الاجتماع لمن سبقها من نساء أهل البيتعليهم‌السلام كفاطمة وزينبعليهما‌السلام ، مع أنّهما أجلّ وأعلم من سكينة ، بل لم يذكر التاريخ اجتماع مثل هؤلاء الرواة عند أحد من الأئمّةعليهم‌السلام للحكومة فيما بينهم

نعم ورد في نهج البلاغة : ( سُئلعليه‌السلام : مَن أشعر الشعراء ؟ فقال :« إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولابدّ فالملك الضليل » )(١) ، يريد امرئ القيس

أنا لا أدري كيف يقبل هؤلاء بحكم سكينة ، مع أنّه لم يرو لها إلّا سبعة أبيات ، لا تؤهل قائلها لمثل هذا المنصب الكبير

وقد سُئل الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عن هذا الاجتماع ، فقال : لم يذكره ابن قتيبة ، ولا ابن طيفور في « بلاغات النساء » ، مع أنّهما أقدم من أبي الفرج

وقالقدس‌سره : « أبو الفرج كتابه كتاب لهو ، وقد يأخذ عن الكذّابين ، وحمّاد الذي جاءت عنه الرواية كذّاب »(٢)

وقال الشيخ جعفر النقدي : أمّا وصف الحسينعليه‌السلام لابنته سكينة من غلبة الاستغراق مع الله تعالى ، فيكذّب الانقال المروية عن الزبير بن بكّار ، وأضرابه من النواصب ، كعمّه مصعب الزبيري ، من اجتماع الشعراء عندها ومحاكمتها بينهم ، وأمثال ذلك ممّا ينافي شأن خفرة من خفرات النبوّة ، وعقيلة من عقائل بيت العصمة

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٥٣

(٢) جنّة المأوى : ١٦٥

٣٦٥

وإن تعجب فاعجب من أبي الفرج الأصبهاني ، ومَن حذا حذوه ، أن ينقلوا مفتريات هؤلاء في كتبهم من غير فكر ولا تروٍّ ، على أنَّ الزبير بن بكّار كان عدوّاً لآل علي ، بل لسائر بني هاشم ، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتّى أرادوا قتله ، ففرَّ من مكّة إلى بغداد أيّام المتوكّل ، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه « وفيات الأعيان »

وجدير بالذكر هو أن تعلم أنّ مثل هذا الاجتماع عقد برعاية عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي ، فقد روى أبو الفرج عن أبي عمرو قال : أنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله هذه القصيدة : وجدت الخمر جامحة وفيها وبحضرتها جماعة من الشعراء ، فقالت : مَن قدر منكم أن يزيد فيها بيتاً يشبهها ، ويدخل في معناها حلّتي هذه ؟ فلم يقدر أحد منهم على ذلك

وذكر أبو الفرج نفسه اجتماعاً مشابهاً للاجتماع الذي نسبه للسيّدة سكينة ، عقد برعاية امرأة أموية ، قال : أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان ، قال : حدّثني عبد الله بن إسماعيل ابن أبي عبيد الله كاتب المهدي ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطّه : حدّثني أبو يوسف التجيبي ، قال : حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة ، وكان شيخاً كبيراً ، قال : حدّثني النصيب أبو محجن ، أنّه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء ، فقال : هل لكم أن نركب جميعاً ، فنسير حتّى نأتي العقيق ، فنمتّع فيه أبصارنا ؟

فقالوا : نعم ، فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب ، وتنكّروا ثمّ ساروا حتّى أتوا العقيق ، فجعلوا يتصفّحون ويرون بعض ما يشتهون ، حتّى رفع لهم سواد عظيم ، فأمّوه حتّى أتوه ، فإذا وصائف ورجال من الموالي ، ونساء بارزات ، فسألنهم أن ينزلن ، فاستحوا أن يجيبوهن من أوّل وهلة ، فقالوا : لا نستطيعَ أو نمضي في حاجة لنا ، فحلّفنهم أن يرجعوا إليهن ، ففعلوا وأتوهن فسألنهم النزول فنزلوا

ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم ، فلم تلبث جاءت المرأة فقالت :

٣٦٦

ادخلوا ، فدخلنا على امرأة جميلة برزت على فرش لها ، فرحبّت وحيّت ، وإذا كراسي موضوعة ، فجلسنا جميعاً في صفّ واحدٍ كلّ إنسان على كرسي ، فقالت : إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا ، وإن شئتم بدأنا بالغداء ؟

فقلنا : بل تدعين الصبي ولن يفوتنا الغداء ، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلّا كلا ولا ، حتّى جاءت جارية جميلة قد سترت عليها بمطرف فأمسكوه عليها حتّى ذهب بصرها ، ثمّ كُشف عنها ، وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها ، فرحّبت بهم وحيّتهم ، فقالت لها مولاتها : خذي ويحك من قول النصيب ، عافى الله أبا محجن :

ألا هل من البين المفرق من بد

وهل مثل أيّام بمنقطع السعد

تمنّيت أيّامي أُولئك والمنى

على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي

فغنّته ، فجاءت كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ ، وأشجى صوت

ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :

أرق المحبّ وعاده سهده

لطوارق الهم التي ترده

وذكرت من رقّت له كبدي

وأبى فليس ترق لي كبده

لا قومه قومي ولا بلدي

فنكون حيناً جيرة بلده

ووجدت وجداً لم يكن أحد

من أجله بصبابة يجده

إلّا ابن عجلان الذي تبلت

هند ففات بنفسه كمده

قال : فجاءت به أحسن من الأوّل ، فكدت أطير سروراً

ثمّ قالت لها : ويحك خذي من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :

فيا لك من ليل تمتعت طوله

وهل طائف من نائم متمتّع

نعم إنّ ذا شجو متى يلق شجوه

ولو نائماً مستعتب أو مودع

٣٦٧

له حاجة قد طالما قد أسرّها

من الناس من صدر بها يتصدّع

تحملها طول الزمان لعلّها

يكون لها يوماً من الدهر منزع

وقد قرعت في أُمّ عمرو لي العصا

قديماً كما كانت لذي الحلم تقرع

قال : فجاءني والله شيء حيّرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء ، وسروراً باختيارها الغناء في شعري ، وما سمعت منه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها

ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :

يا أيّها الركب إنّي غير تابعكم

حتّى تلموا وأنتم بي ملمونا

فما أرى مثلكم ركباً كشكلكم

يدعوهم ذو هوى أن لا يعوجونا

أم خبروني عن داء بعلمكم

وأعلم الناس بالداء الأطبونا

قال نصيب : فو الله زهوت بما سمعت زهواً خيّل إليّ أنّي من قريش ، وأنّ الخلافة لي

ثمّ قالت : حسبكِ يا بنية ، هات الطعام يا غلام ، فوثب الأحوص وكثير ، وقالا : والله لا نطعم لك طعاماً ، ولا نجلس لك في مجلس ، فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا ، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا ، وأسمعت الغناء فيه ، وإنّ في أشعارنا لما يفضل شعره ، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا

فقالت : على معرفة كلّ ما كان منّي فأيّ شعركما أفضل من شعره ، أقولك يا أحوص :

يقر بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرّت

ثمّ قولك يا كثير في عزة :

وما حسبت ضمرية جدوية

سوى التيس ذي القرنين إن لها بعلاً

قال : فخرجا مغضبين واحتبستني ، فتغدّيت عندها ، وأمرت لي بثلاثمائة

٣٦٨

دينار وحلّتين وطيب ، ثمّ دفعت إليّ مائتي دينار ، قالت : ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلّا فهي لك ، فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة ، فأمّا الأحوص فقبلها ، وأمّا كثير فلم يقبلها ، وقال : لعن الله صاحبتكَ وجائزتها ، ولعنكَ معها ، فأخذتها وانصرفت

فسألت النصيب ممّن المرأة ؟ فقال : من بني أُمية ، ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد

وشيء آخر يجب أن نتنبّه له هو أثر الصنعة واضح على هذا التلفيق ، وهو تجميع لكلمات عدّة من النقّاد والبصراء بالشعر ، وقد مرّ عليك آنفاً نقد المرأة الأموية لبعض الأبيات بالنقد الذي نسبوه للسيّدة سكينة ، كما أنّ بيت نصيب وإصلاحه المنسوب إلى السيّدة سكينة ، رواه ابن قتيبة بلفظ مقارب لعبد الملك ابن مروان ، قال : دخل الأقيشر على عبد الملك بن مروان وعنده قوم ، فتذاكروا الشعر ، وقول نصيب :

اهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فيا ويح دعد من يهيم بها بعدي

فقال الاقيشر : والله لقد أساء قائل هذا البيت

فقال عبد الملك : فكيف كنت تقول لو كنت قائله ؟

قال : كنت أقول :

تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت

أُوكل بِدَعد من يهيم بها بعدي

فقال عبد الملك : والله لأنت أسوأ قولاً منه حين توكل بها

فقال الاقيشر : فكيف كنت تقول يا أمير المؤمنين ؟

قال : كنت أقول :

تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت

فلا صلحت هند لذي خلّة بعدي

فقال القوم جميعاً : أنت والله يا أمير المؤمنين أشعر القوم

الثاني : حديث الصورين :

٣٦٩

قال أبو الفرج الأصفهاني : أخبرني علي بن صالح ، قال : حدّثنا أبو هفان ،
عن إسحاق ، عن أبي عبد الله الزبيري ، قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة ، وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنيّنه ، فقالت سكينة بنت الحسين عليه‌السلام : أنا لكُنّ به ، فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحدّثهن حتّى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إنّي لمحتاج إلى زيارة قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً ، ثمّ انصرف إلى مكّة ، وقال :

قالت سكينة والدموع ذوارف

منها على الخدين والجلباب

ليت المغيريّ الذي لم أجزه

فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا

إذ لا نلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبتّ كأنّما

ترمي الحشا بنوافذ النشاب

أسكين ما ماء الفرات وطيبه

منّي على ظمأ وفقد شراب

بألذّ منك وإن نأيت وقلّما

ترعى النساء أمانة الغيّاب

وأجاب الأُستاذ علي دخيّل على هذه الرواية قائلاً : إنّ هذه الأبيات ليست في سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، وإنّما هي في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف ، وإنّ عداوة الزبيري صيّرتها في سكينة ، ودليلنا :

١ ـ قال العلّامة الشنقيطي : أكثر الروايات « سكينة » في المتمم ، « وأسكين »
في المرخم ، والرواية الصحيحة : قالت « سعيدة » في المتمم ، و « أسعيد » في المرخم ،
وسعيدة تصغير سعدى وهي بنت عبد الرحمن بن عوف .

وسبب هذا الشعر أنّ سعدى المذكورة كانت جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : لا أراكَ يا ابن أبي ربيعة سادراً في حرم الله ، أما

٣٧٠

تخاف الله ويحكَ ، إلى متى هذا السفه ؟!

فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلتُ فيكِ ؟

قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها الأبيات

فقالت : أخزاك الله يا فاسق ، علمَ الله إنّي ما قلت ممّا قلت حرفاً ، ولكنّك إنسان بهوت

هذا هو الصحيح ، وإنّما غيّره المغنّون فجعلوا « سكينة » مكان سعيدة ، « وأسكين » مكان « أسعيد »

٢ ـ قال الأُستاذ عبد السلام محمّد هارون : ويُفهم من كلام أبي الفرج أنّ الرواية الصحيحة في البيت « قالت سعيدة » ، وفي البيت الخامس التالي « أسعيد » ، وكلاهما تصغير ترخيم لسعدى ، وهي سعدى بنت عبد الرحمن ابن عوف

وللشعر على هذه الرواية قصّة في الأغاني ، ثمّ قال أبو الفرج : وإنّما غيّره المغنّون

٣ ـ ذكرت هذه القصيدة بكاملها في ديوان ابن أبي ربيعة ، لشارحه الأُستاذ محمّد علي العناني المصري ، قال : وكانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : مالي أراكَ يابن أبي ربيعة سادراً في حرم الله ، ويحكَ أما تخاف الله ، ويحكَ إلى متى هذا السفه ؟

فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلت فيك ؟

قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :

ردع الفؤاد بنكرة الأطراب

وصبا إليكِ ولاتَ حينَ تصابي

إن تبذلي لي نائلاً يشفى به

سقم الفؤاد فقد أطلت عذابي

وعصيتُ فيك أقاربي فتقطّعت

بيني وبينهم عرى الأسباب

٣٧١

وتركتني لا بالوصال ممتّعاً

يوماً ولا أسعفتني بثواب

فقعدت كالمهريق فضلة مائه

من حرّها جرة للسع شراب

يشفى به منه الصدى فأماته

طلب السراب ولات حين طلاب

قالت سعيدة والدموع ذوارف

منها على الخدين والجلباب

ليت المغيري الذي لم تجزه

فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا

إذ لا تلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبتّ كأنّما

ترمي الحشا بنوافذ النشاب

أسعيد ما ماء الفرات وطيبه

منّي على ظمأ وفقد شراب

بألذّ منك وإن رأيت وقلّما

ترعى النساء أمانة الغيّاب

فلمّا فرغ من الإنشاد قالت له : أخزاكَ الله يا فاسق ، علم الله أنّي ما قلتُ ما قلتَ حرفاً ، ولكنكَ إنسان بهوت

٤ ـ إنّ أبا الفرج نفسه ذكر في موضع آخر من أغانيه هذا الاجتماع عن الرواة أنفسهم ، وذكر سكينة ، ولكن لم ينسبها إلى الحسينعليه‌السلام ، كما ذكر شعراً غير الشعر الأوّل

ثمّ قال الأُستاذ علي دخيّل : كيف تعقد سكينة مثل هذا الاجتماع ، والمدينة بأسرها في مأتم على الحسينعليه‌السلام ؟! فالرباب ـ أُمّ سكينة ـ يقول عنها ابن كثير : « ولما قُتل كانت معه ، فوجدت عليه وجداً شديداً وقد خطبها بعده أشراف قريش ، فقالت : ما كنتُ لأتخذ حمواً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً ، ولم تزل عليه كمدة حتّى ماتت ، ويقال : إنّها عاشت بعده أيّاماً يسيرة »(١)

وأُمّ البنين فقد كانت تخرج كلّ يوم ترثيه ـ العباسعليه‌السلام ـ وتحمل ولده عبيد
______________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٢٢٩

٣٧٢

الله ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ـ فيهم مروان بن الحكم ـ فيبكون لشجى الندبة

والرواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « ما امتشطت فينا هاشمية ، ولا اختضبت حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه »(١)

وأنت سلّمك الله إذا علمت أنّ سكينة تقول للصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي في الشام : قُل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال سهل : فدنوتُ من صاحب الرأس فقلت له : هل لكَ أن تقضي حاجتي ، وتأخذ منّي أربعمائة دينار ؟

قال : وما هي ؟

قلت : تُقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ، فدفعتُ إليه ما وعدته

وإذا كان حال هذه السيّدة في الصيانة والحجاب في موضع سلب فيه الاختيار ، فهل يتصوّر مسلم أن تواعد عمر بن أبي ربيعة الصورين ؟!

ولو قلنا : إنّ اجتماع الصورين تأخّر عن واقعة الطف كثيراً حتّى نستها سكينة ، فإنّ ابن أبي ربيعة تاب عام ٦٢ هـ ، فيبطل الاجتماع أيضاً

ولو صحّ اجتماع الصورين لَذَكَرَهُ كبار مؤرّخي الشيعة ومحدّثيهم ، فقد تميّزوا بالإطلاع والتحقيق ، وعدم المهادنة ، فهذه كتب الشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي والطبرسي ، وغيرهم من أعلام الطائفة ، وهي خالية من الإشارة إلى ذلك ونحوه

ومَن قرأ مصنّفات هؤلاء الأعلام يجد ما كتبوه عمّن شذّ من أولاد الأئمّةعليهم‌السلام ، فهذا جعفر بن الإمام الهاديعليه‌السلام ، وقد وصفوه بالكذب وشرب الخمر ، ومعاونة الظالمين ، كما تناولوا غيره كعلي بن إسماعيل بن الإمام الصادقعليه‌السلام
______________________

(١) اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٤١ ، رجال ابن داود : ٢٧٧

٣٧٣

وغيرهما ، فهم لم يتعصّبوا إلّا للحقّ ، ولم يكتبوا إلّا للتاريخ

وقالت الدكتورة بنت الشاطئ : ربما عرض لنا آخر الأمر أن نسأل : متى ظهرت سكينة في المجتمع طليقة متحرّرة ، وشاركت في التاريخ الأدبي بعصرها ؟

الأخبار التي بين أيدينا تشير إلى أنّها ظهرت لأوّل مرّة في موسم الحجّ سنة ٦٠ هـ ، حين صحبت أباهارضي‌الله‌عنه في هجرته من المدينة إلى مكّة ، وقد كانت إذ ذاك في ربيعها الثاني عشر ، أو الثالث عشر ، وغير بعيد أن تكون لفتت إليها الأنظار بنضرة صباها ، وحيوية مرحها ، وبهاء طلعتها ، ولكن مهابة أبيها الإمام الحسين كافية وحدها لأن تلجم ألسنة الشعراء عن التغنّي باسمها في قصائد الغزل ، فهل ترى حلّت عقدة لسانهم بعد عودتها إلى المدينة إثر فاجعة كربلاء ؟!

المؤرّخون يقرّون أنّ المدينة كانت في مأتم عام لسيّد الشهداء ، وأنّ أُمّها الرباب قد أمضت عاماً بأكمله حادّة حزينة حتّى لحقت بزوجها الشهيد

وإنّ أُمّ البنين بنت حزام بن خالد العامرية ، زوج الإمام علي بن أبي طالب ، كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ، فتبكي أبناءها الأربعة ، أعمام سكينة ، الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء : عبد الله ، وجعفر ، وعثمان ، والعباس بني علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) ، فتلبث نهارها هناك تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي

فهل ترى كان يحدث هذا ، وسكينة تعقد مجالس الغناء في دارها ، وتواعد عمر الصورين ذات ليلة ، استجابةً لرغبة نسوة شاقهنّ مجلس ابن أبي ربيعة ؟!

هل كان مروان بن الحكم يسمع أُمّ البنين تندب أعمام سكينة فيبكي لها ، وسكينة تبكي بدموع ذوارف على الخدين والجلباب ، لفراق عمر بن أبي

٣٧٤

ربيعة ، وتصغي إلى شدو المغنّين بقولها على لسانه :

ليتَ المغيري الذي لم أجزه

فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا

إذ لا نلام على هوى وتصابي

فهل عمر قال فيها ما قال بعد عودتها من سفرها إلى مصر مع عمّتها زينب عقيلة بني هاشم ؟

الذين أرّخوا للسيّدة زينبعليها‌السلام ذكروا وفاتها في شهر رجب سنة ٦٢ هـ ، وقد ثوت في مرقدها الأخير هناك ، وآبت سكينة من رحلتها مضاعفة اليتم ، لتشهد بعد ذلك ثورة أهل المدينة على بني أُمية ، وخروجهم على يزيد بن معاوية لقلّة دينه ، وهي الثورة التي انتهت بوقعة الحرّة ، حيث استشهد من أولاد المهاجرين والأنصار ٣٠٦ شخصاً ، وعدد من بقية الصحابة الأوّلين ، وهجر المسجد النبوي ، فلم تقم فيه صلاة الجماعة لمدى أيّام

والمنقول أنّ عمر تاب توبته المشهورة في ذلك العام ، وشُغل العالم الإسلامي بعد ذلك بقيام حركة التوّابين في العراق ، الذين أظهروا الندم على عدم نصرة الإمام الحسين الشهيد ، فلم يَروا كفارة دون القتل في الثأر له ولصحبه ، فهل يا ترى كانت سكينة تصمّ أُذنيها عن هتاف التوّابين لترغيم « ابن سريج » على الغناء في دارها مع عزّة الميلاء ، وتفتنه عن توبته عن الغناء(١)

« محمّد البغدادي ـ العراق ـ ٢٠ سنة ـ طالب »

شخصية مالك بن نويرة :

س : نسأل المولى العزيز القدير أن يحفظكم لخدمة هذا الدين الحنيف ، وعلى وجه الخصوص المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيتعليهم‌السلام

أخواني الأعزّاء طلبي منكم هو : أن توضّحوا الشخصية الدينية التي أبت أن
______________________

(١) أعلام النساء المؤمنات : ٤٩٥

٣٧٥

تخضع إلى أعداء الله والإسلام ، لأنّه كثير من الناس يجهلونها ، وهي شخصية البطل مالك بن نويرةرضي‌الله‌عنه

ولكم منّي أجمل التوفيق بسعي لخدمة الله وآل بيت نبيّهعليهم‌السلام

ج : كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع ، وأريحية عالية بين العرب حتّى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم ، والمبادرة إلى إسداء المعروف ، والأخذ بالملهوف

وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته حتّى إنّه لمّا أسلم ورجع إلى قبيلته ، وأخبرهم بإسلامه ، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد ، أسلموا على يديه جميعاً ، ولم يتخلّف منهم رجل واحد

وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نصّبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلّها ، وتقسيمها على الفقراء ، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه

واختصّ مالك بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأخلص له نهاية الإخلاص ، حتّى إنّه ما بايع أبا بكر ، وأنكر عليه أشدّ الإنكار ، وعاتبه بقوله له :

« أربِع على ضلعك ، والزم قعر بيتك ، واستغفر لذنبك ، وردّ الحقّ إلى أهله ، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجّة ، ولا معذرة »(١)

وأرسل أبو بكر ـ في بداية خلافته ـ خالد بن الوليد لمحاربة المرتدّين ، ولمّا فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح ، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته

وكان مالك قد فرّق أفراد عشيرته ، ونهاهم عن الاجتماع ، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً ، فأمر خالد ببثّ السرايا ، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام ، وإلقاء القبض على كلّ من لم يجب داعي الإسلام ، وأن يقتلوا كلّ مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر

______________________

(١) تنقيح المقال ٢ / ترجمة مالك بن نويرة

٣٧٦

فلمّا دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل ارتاع القوم ، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم ، فقالوا : إنّا لمسلمون ، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون ، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح ، فوضع قوم مالك السلاح ، ثمّ صلّى الطرفان ، فلمّا انتهت الصلاة ، قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك ، فكتّفوهم بما فيهم مالك بن نويرة ، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد

وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ، ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدَّ عن الإسلام ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت

وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد ، وهما : أبو عتادة الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية ، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقّه

فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وبقبض أُمّ تميم ـ زوجة مالك ـ ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرةرضي‌الله‌عنه

« خالد الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي »

خواجه نصير الدين الطوسي :

س : هل كان نصير الدين الطوسيقدس‌سره إسماعيلياً ؟ وما هو سبب تواجده أكثر من ٢٠ سنة في قلاع الإسماعيلية ؟

وهل ألّف كتباً على المذهب الإسماعيلي قبل أن يعتنق مذهب الاثني عشرية ؟ وكيف كانت وفاته ؟ وهل قتل نفسه والعياذ بالله كما يزعم البعض ؟

ج : إنّ خواجه نصير الدين الطوسيقدس‌سره هو من أعظم علماء الشيعة الإمامية على التحقيق ، ولا يصغى إلى ما يتقوّله البعض حول فساد مذهبه في بادئ الأمر

٣٧٧

وأمّا الجواب على الشبهات التي أُثيرت حوله ، فكما يلي :

أوّلاً : أنّ بدء إقامة الخواجة عند الإسماعيليين ، يتزامن مع الهجوم الأوّل للمغول على عهد جنكيز ، ففراراً من وطأة الغزاة لجأوا ـ كما غيره ممّن استطاعوا الفرار والنجاة ـ إلى قلاع الإسماعيلية التي صمدت في وجه جنكيز ، فتمكّن الطوسي من الاستمرار في دراساته العلمية هناك ، خصوصاً أنّ أمراء الإسماعيلية قد أظهروا الودّ والمحبّة في الأوائل ، وإن اختلفوا معه أخيراً

نعم ، هناك رأي لبعض المؤرّخين ـ كصاحب كتاب درّة الأخبار ـ بأنّ الطوسي ذهب إلى الإسماعيليين مرغماً ، وأقام عندهم مكرهاً ، إذ هدّدوه بالالتحاق بهم ، ويؤيّد مورّخ آخر ـ وهو سرجان ملكم ـ هذا الفكرة في تاريخه ، وإن كان يختلف معه في كيفية الإرغام

وفي المقابل ، ينفي آخرون قصّة إرغامه أو سجنه ، بل وادّعى بعضهم أنّ الطوسي كان محلّ ثقة واعتماد عند الإسماعيليين

وعلى كلّ ، فإنّ الذي يظهر من بعض كتبهقدس‌سره هو صحّة مضايقته ، أو فرض الإقامة الجبرية عليه ، ففي تتمّة كتاب شرح الإشارات يلوّح ـ وإن لم يصرّح ـ بتلك الضغوط ، وتراكم الهموم والغموم الواردة عليه

وعلى الجملة ، فاغلب الظنّ أنّ الإسماعيليين وإن رحّبوا بالطوسي بدواً ، ولكن عندما ثبت عندهم ـ بمرور الزمن ـ عدم رضوخه لعقيدتهم ، استعملوا معه أساليب أُخرى للتأثير عليه ؛ وهذا هو الوجه الصحيح في كيفية تعامل الإسماعيليين مع الطوسي من البدو إلى الختم

فالطوسي كان يستعمل حالة التقية معهم ، لدفع شرّهم وأذاهم ، وهذا الأسلوب كان ينفع أحياناً ، وقد لا ينفع في بعض الأحيان ، عندما يصل الأمر إلى حد أُسس العقيدة ، فكان يظهر عدم موافقته لبعض آرائهم ، فينتهي الأمر إلى الشدّة والضيق

ومهما يكون الأمر ، فإنّ الطوسي لم يتأثّر بأية سلبية إسماعيلية في عقيدته ،

٣٧٨

كيف وهو رأس المتكلّمين والفلاسفة في عصره ، فكيف ينخدع بأدلّة واهية ، وأُسس غير متينة ؟

وهذه كتبه بين أيدينا ، كلّها في دعم الدين والمذهب ، وليست فيها أية إشارة إلى صحّة المذهب الإسماعيلي

نعم ، قد ينسب إليه بعض الرسائل والكرّاسات التي يفوح منها ما يؤيّد الفكر الباطني والإسماعيلي ، ولكن لا يمكن التأكّد من هذه النسبة ، بل ويظهر من بعض هذه الرسالات أنّ النسبة مفتعلة ، لعدم مجانستها مع باقي مؤلّفاته من حيث الأسلوب ، وكيفية الكتابة

ثمّ حتّى وإن ثبت نسبة بعضها إليه ، يجب تفسيرها من باب التقية ، فإنّه كان ملزماً بها مدّة إقامته عند الإسماعيليين

وأمّا دعوى اعتناقه المذهب الاثني عشري بعد الإسماعيلية فهي باطلة من الأساس ، فلا يوجد لإثباتها دليل قطعي مقنع ، مضافاً إلى استبعادها عقلاً ، إذ إنّ الذي حدث في الأمر هو مجيء هولاكو ، وإبادة الحكم الإسماعيلي بيده ، وهذا بحدّ نفسه لا يكون حافزاً على التشيّع بعدما نعرف أنّ المغول كانوا وثنيين لا يفرّقون بين المذاهب

وأمّا في داخل قلاع الإسماعيلية ، فليس هناك ما يكون باعثاً للمنهج الصحيح ـ الاثني عشرية ـ بعدما نعلم شدّة عصبية أُولئك لمذهبهم ، ممّا لا يبقى مجالاً لتبليغ أو دراسة بقية المذاهب

فالصحيح ـ كما قلنا ـ هو أنّ الطوسي كان يعتنق المذهب الإمامي الاثني عشري من البدء ، ولكن لخطورة الموقف كان يتّقي أحياناً لدى الحكّام اتقاءً لشرّهم ، وصيانةً للعلم والعقيدة

وأمّا أسطورة انتحاره ، فهي أيضاً من المجعولات والموضوعات التي لا ينبغي الوقوف عندها ، فإنّهقدس‌سره كان من أساطين العلم والتقوى ، ولا يتصوّر في حقّه بعض المكروهات ، فكيف بقتل نفسه الذي هو من أعظم المحرّمات ؟!

٣٧٩

« حسين ـ السعودية ـ ٢٨ سنة ـ بكالوريوس هندسة الحاسب الآلي »

الكافي لم يعرض على الإمام :

س : من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف الكافي ، قد جمع أحاديث الكافي في عصر النوّاب الأربعة ، الذين كانوا يلتقون بالإمام المهديعليه‌السلام ، ويلقون عليه الأسئلة ، ويأخذون منه الإجابات ، ويدفعون له الأخماس ، الخ

ومن المعلوم : أنّ الغيبة الصغرى استمرت من عام ٢٦٠ هـ إلى ٣٢٩ هـ ، والشيخ الكليني جمع كتابه في هذه الفترة الزمنية ، حيث توفّي عام ٣٢٧ هـ ، أي في حياة النائب الرابع

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا لم يُعرض الكافي على الإمام المهدي لتصحيحه ؟ وهو الكتاب الذي ضعيفه يفوق صحيحه ، حيث إنّ تصحيح الحديث أكثر أهمّية من الإجابة على أسئلة الناس والتواقيع ، لأنّ الأحاديث هي المشرب والمنبع والمستقى للتشريع والتبليغ ، الذي جاء به الرسول والأئمّة ؟!

نرجو التفضّل بالإجابة على هذا السؤال ؟

ج : يلاحظ في الجواب عدّة أُمور :

أوّلاً : إنّ كتاب الكافي وإن كان يشتمل على بعض الأحاديث غير المعتبرة سنداً أو متناً ، ولكن ليس بالحجم الذي ذكرته

والمهمّ في هذا المجال ، عدم الالتزام بصحّة جميع ما ورد فيه ، كما هو رأي المحقّقين من علماء الشيعة

ثانياً : ليس من مهام الإمامعليه‌السلام تمحيص الكتب والمؤلّفات ، وتمييز الصحيح عن السقيم فيها ؛ وهذا الأمر متّفق عليه عند الشيعة ، حتّى بالنسبة للإمام الحاضر والظاهرعليه‌السلام ، فكيف بالإمام الغائب ؟!

بل وظيفة الإمامعليه‌السلام هي : ترسيم الخطوط العريضة لمسار الأُمّة في عصر الحضور ـ إن كانت الظروف مهيّأة ، ولم تكن هناك تقية وخوف ـ وأمّا في فترة الغيبة ، فالأمر يختلف قليلاً عن زمن الحضور

ثالثاً : حتّى في عصر الأئمّة السابقينعليهم‌السلام لم يكن من ديدن الشيعة ورواتها

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

الإلهيات :

« أُمّ محمّد ـ البحرين ـ »

إثبات أنّ للكون علّة غير محتاجة :

س : كيف نثبت أنّ للكون علّة غير محتاجة ؟ مع جزيل الشكر ، وفّقكم الله لما يحبّ ويرضى

ج : نثبت ذلك عن طريق الدليل العقلي والدليل الشرعي :

أمّا الدليل العقلي فنقول : لو كانت علّة الكون محتاجة للزم التسلسل ، وهو باطل عقلاً ، وذلك ببيان :

معنى كون العلّة محتاجة ، أي مفتقرة ومعلولة إلى علّة ثانية توجدها ، وهي غير محتاجة ، وإلّا لاحتاجت العلّة الثانية إلى علّة ثالثة وهكذا ، فيكون بعضها معلول لبعض آخر ، وذلك البعض الآخر معلول لآخر من غير أن ينتهي إلى علّة ليست بمعلول ، وهو ممتنع وباطل ، لاستحالة التسلسل

فيثبت أنّ علّة الكون ليست بمعلول ، أي ليست بمحتاجة ، وهو المطلوب

وأمّا الدليل الشرعي فنقول : وردت آيات وروايات كثيرة تنصّ على أنّ الخالق والموجد لهذا الكون هو الله تعالى ، ووصفته بأنّه غنيّ غير محتاج ، فمن الآيات :

١ ـ قوله تعالى :( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) (١)

______________________

(١) الطور : ٣٥

٥٠١

٢ ـ قوله تعالى :( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) (١)

٣ ـ قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (٢)

٤ ـ قوله تعالى :( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ) (٣)

٥ ـ قوله تعالى :( وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ) (٤)

« يوسف ـ الكويت ـ »

استعمال كلمة الربّ في غيره مجازاً :

س : سمعت أحد الخطباء في الكويت يقول : إنّ المقصود بكلمة الربّ في القرآن الكريم ، هو الإمام علي ، فنرجو التوضيح ، وشكراً

ج : لا إشكال في عدم صحّة إطلاق كلمة « الربّ » بمعناه ومصطلحه الحقيقي على غير الله عزّ وجلّ ؛ وأمّا استعمال هذه الكلمة مجازاً في غيره ـ تبارك وتعالى ـ فهو بمكانٍ من الإمكان ، فمثلاً ورد في سورة يوسفعليه‌السلام :( اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) (٥)

وعليه فلا مانع من الاستعمال المجازي ، ثمّ نحن لا نعلم قصد المتكلّم حتّى نحكم على كلامه ، فإنّ كان يقصد المعنى الحقيقي فهو مردود وغير معقول ، وقد ورد في استنكاره عدّة روايات من المعصومينعليهم‌السلام ، فمنها :

ما رواه الكشّي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في مقابلته للغالين(٦)

______________________

(١) الطور : ٣٦

(٢) فاطر : ١٥

(٣) النجم : ٤٨

(٤) محمّد : ٣٨

(٥) يوسف : ٤٢

(٦) اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٢٥

٥٠٢

وأيضاً جاء في « الخصال » : ( إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :« إيّاكم والغلوّ فينا ، قولوا إنّا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم » )(١) ، وغيرها

وأمّا إذا كان المقصود التجوّز في الاستعمال والتنزيل فلابأس به

« ـ ـ »

الأدلّة العقلية على وجود الله تعالى :

س : كيف نستطيع معرفة الله ؟ وما هي الأدلّة العقلية لوجوده تعالى ؟ وما هو أفضل كتاب يفضّل قراءته في هذا المجال ؟

وكيف نؤمن بربّ لا نراه ؟ وكيف وجد الله ؟ ومن أين ؟ أرجو الإجابة ، وأنا مؤمن بالله ولكن للاطمئنان ، ودمتم سالمين

ج : إنّ وجود الله تعالى أغنى من أن يحتاج إلى بيان ، أو يتوقّف على برهان ، حيث أدركه كُلّ ذي عقل ، وأحسّ به كُلّ ذي شعور ، وفهمته كُلّ فطرة ، حتّى الذي ينكره بلسانه لا محالة يتوجّه إليه عند الاضطرار بقلبه وجَنانه ، بل يمكن القول بأنّ وجوده تعالى فطري ، لا يحتاج في الحقيقة إلى دليل ، ولكن نذكر لكم بعض الأدلّة العقلية على وجوده تعالى ، حسبما طلبتموه :

الأوّل : برهان النظم :

أوضح الأدلّة على إثبات الله تعالى ، الذي يحكم به العقل ، هو دليل النظم والتدبير

فالكُلّ يرى العالم بسماواته وأراضيه ، وما بينهما من مخلوقاته ، ورواسيه من المجرّة إلى النملة

فنرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن النظم ، وأتقن تدبير وأحسن صنع ، وأبدع تصوير ، فيحكم العقل بالصراحة ، أنّه لابدّ لهذا التدبير من مدبّر ،
______________________

(١) الخصال ٢ / ٣٦

٥٠٣

ولهذا التنظيم من منظّم ، ولهذا السير الحكيم من محكم ، وذلك هو الله تعالى

الثاني : امتناع الصدفة :

فإنّا إذا لم نؤمن بوجود الخالق لهذا الكون العظيم ، فلابدّ وأن نقول : بأنّ الصدفة هي التي أوجدته ، أو أنّ الطبيعة هي التي أوجدته

لكن من الواضح ، أنّه لا يقبل حتّى عقل الصبيان أن تكون هذه المخلوقات اللامتناهية ، وجدت بنفسها بالصدفة العمياء ، أو بالطبيعة الصماء

الثالث : برهان الاستقصاء :

فإنّ كلّاً منّا ، إذا راجع نفسه يدرك ببداهة ، أنّه لم يكن موجوداً أزلياً ، بل كان وجوده مسبوقاً بالعدم ، وقد وجد في زمان خاصّ ، إذاً فلنفحص ونبحث : هل أنّنا خلقنا أنفسنا ؟ أم خلقنا أحد مثلنا ؟ أم خلقنا القادر الله تعالى ؟

ولاشكّ أنّنا لم نخلق أنفسنا ، لعدم قدرتنا على ذلك ، ولاشكّ أيضاً أنّ أمثالنا لم يخلقونا لنفس السبب ، إذاً لا يبقى بعد التفحص والاستقصاء إلّا أنّ الذي خلقنا هو الله تعالى ، لأنّه القادر على خلق كُلّ شيء

الرابع : برهان الحركة :

أنّا نرى العالم بجميع ما فيه متحرّكاً ، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة قوّة ، والقوّة لا توجد بغير علّة

إذاً لابدّ لهذه الحركات والتحوّلات والتغيّرات من محرّك حكيم قدير ، وهو الله تعالى

الخامس : برهان القاهرية :

إنّ الطبيعة تنمو عادة نحو البقاء ، لولا إرادة من يفرض عليها الفناء

فالإنسان الذي يعيش ، والأشجار التي تنمو ، لا داعي إلى أن يعرض عليها الموت أو الزوال إلّا بعلّة فاعلة قاهرة

٥٠٤

فمن هو المميت ؟ ومن هو المزيل ؟ ذلك الذي له القدرة على فناء مخلوقاته ، وهو الله تعالى

هذه أدلّة خمسة ، من بين الأدلّة العقلية الكثيرة التي تبرز الإيمان الفطري بوجود الله تعالى

وأمّا كيف وجد ؟ وأين وجد ؟ فذلك ممنوع شرعاً عن التحدّث عنه ، بل ولا يمكن للعقل أن يدركه

والكتاب المفضّل لمعرفة هذه الأُمور هو كتاب « الإلهيات » للشيخ السبحاني ، وكتاب « العقائد الحقّة » للسيّد علي الحسيني الصدر

« كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة »

الإرادة التكوينية والتشريعية :

س : ما معنى الإرادة التكوينية ؟ والإرادة التشريعية ؟

ج : الإرادة التكوينية : هي التصرّفات التي تقع في شؤون عالم الخلق من التكوين ، والإبداع والمعاجز ، ومطلق الأفعال والأعمال ، في مقابل الإرادة التشريعية التي هي بمعنى أحكام الدين ، والشرائع الإلهية

وبعبارة أُخرى : كُلّ ما كان من شأنه أن يدخل في دائرة الوجود ـ إثباتاً ونفياً ـ تتولّاه الإرادة التكوينية لله عزّ وجلّ ، فيحكم بوجوده تارةً فيصبح موجوداً ، أو ينفي وجوده أحياناً فيدخل أو يبقى في ظلمة العدم

ولكن الإرادة التشريعية هي : الأوامر والنواهي الصادرة من الله تعالى ، والتي تصل إلى ذوي العقول ، بصورة نزول الوحي إلى الأنبياءعليهم‌السلام

وعليه ، فالإنسان يجب أن يتبع الإرادة التشريعية ، فيلتزم بأحكام الحلال والحرام ، والدين بصورة عامّة ، ولكن لا يستطيع أن يخرج في أفعاله وأعماله عن دائرة الإرادة التكوينية ، لأنّ كافّة تصرّفاته وتقلّباته في عالم الوجود تكون بالقدرة ، والإمكانية التي تعطى له من جانب الله جلّ وعلا

٥٠٥

« أحلام ـ... ـ »

التوفيق بين العدل الإلهي وبين خلق أُناس ذو عاهة :

س : كيف يتحقّق العدل الإلهي بخلق أُناس ذو عاهة ؟

ج : لا يخفى عليكم أنّ السبب في خروج أطفال مصابين إلى الحياة الدنيا هو بفعل الأبوين ، لا بفعل الله تعالى حتّى يخلّ بعدله تعالى ، وذلك بسبب سوء تغذيتهما ، أو بسبب اعتيادهما بعض الأُمور المضرّة ، وما إلى ذلك من ارتكاب ما حرّم الله تعالى في النكاح ، والمأكل والمشرب و .

ويتجلّى لنا العدل الإلهي في هؤلاء المصابين ، حينما نسمع أنّه تعالى يرفع عنهم التكليف الشاقّ ، ويعوّضهم برحمته الثواب الجزيل ، فيعطي للمتألّم عوضاً لتألّمه وابتلائه من الأجر ما يكون أنفع بحاله

روى الشيخ الصدوققدس‌سره عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« كان فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى عليه‌السلام ، أن يا موسى ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن ، وإنّما أبتليه لما هو خير له ، وأعافيه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، وليرض بقضائي ، أكتبه في الصدّيقين عندي ، إذا عمل برضائي فأطاع أمري » (١)

« كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة »

التوفيق بين موت الأطفال وعدم صدور القبيح من عند الله :

س : بدر سؤال في ذهني عن موت الأطفال وهو : كيف نوفّق بين هذا الشيء وبين عدم صدور القبيح من عند الله ، خصوصاً عندما يعذّب الله بعض الأقوام ، أليس الله بقادر على إبقائهم عند نبيّ ذاك الزمان ، وينزل ملائكة وحور العين لكي يساعدوه على تربيتهم ؟ فأجبت نفسي بهذا الجواب ، وأُريد رأيكم فيه :

______________________

(١) التوحيد : ٤٠٥

٥٠٦

١ ـ إنّ هذا الأمر لا يعدّ قبيحاً على الله جلّ وعلا ، لأنّ الأطفال ملك له ، وله أن يفعل بهم ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته

٢ ـ قد يمكن إبقاء الأطفال ، لا لأنّ الله لا يستطيع ذلك ، ولكن لسبب ما هم غير قابلين للبقاء ، وكما يقولون : القصور في القابل وليس في الفاعل

٣ ـ قد يكون بسبب العلم المسبق لله تعالى بأنّ هؤلاء الأطفال سيتّبعون آباءهم ، وبالتالي لمحو الفساد يجب موتهم

ج : الجواب صحيح إلى مقدار ما ونضيف عليه ما يلي :

١ ـ صحيح أنّ الأطفال بل جميع المخلوقات هي ملك لله تعالى ، لكن ذلك لا يعني أنّ الله تعالى يفعل بها ما يشاء من الظلم أو القبح

٢ ـ نظرية التعويض تقول : إنّ الله تعالى إذا سلب عبداً شيئاً سوف يعوّضه في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو في كليهما

٣ ـ الله تعالى قادر على جعلهم في كنف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ذلك ليس الهدف من بعث الأنبياء والرسل

إذ الهدف منهم هو التربية الروحية ، وليس التربية البدنية ، بمعنى ليس مهمّته حضانة الأطفال

٤ ـ ما ذكرتم من اتباعهم لآبائهم الكافرين ، هو أحد المحتملات ، وهنالك احتمالات أُخرى أيضاً ، إذ ربما يكون إماتتهم لأجل إثابة أبويهم مثلاً ، أو لأجل مصالح أُخرى لا تنفك عن حكمته وعدله ولطفه ، وإن لم نعلم بها

« يوسف ـ الكويت ـ »

الخلق قد تخوّل بإذن الله إلى مخلوق :

س : هل الإمام عليعليه‌السلام خالق السماوات والأرض ؟ وشكراً

ج : إنّ من المتيقّن الذي لا ريب فيه أنّ الخالقية بالاستقلال هي من شؤون الربوبية ، ولا مجال لأيّ توهّم بخلافه ، وهذا المعنى أطبقت عليه كافّة الأديان السماوية ، فضلاً عن المذاهب ، إذ هو أقلّ مراتب الاعتقاد بالتوحيد

٥٠٧

وتصرّح بهذا المعنى الآيات القرآنية العديدة ، والروايات المتواترة من الفريقين في أبواب التوحيد ، وصفات الباري في المجامع الروائية

وبناءً على ذلك فما يتحدّث به بعضهم على خلاف هذا المعنى فهو أمّا من الموضوعات ـ أو على أقلّ تقدير لم يثبت سنداً ـ وأمّا مؤوّل بتفاسير لا يردّها العقل والنقل

فمثلاً في موضوع السؤال ، إذا كانت الخالقية في بعض الموارد ـ لا على الإطلاق ـ تخوّل بإذن الله تعالى إلى مخلوق ، فهذا أمر آخر يمكن تعقّله إذا ثبت نصّاً ، نظير ما جاء في ذكر معاجز عيسىعليه‌السلام :( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) (١)

« ليلى ـ البحرين ـ »

العدل من صفات الأفعال :

س : هل العدل من صفات الذات ؟ أو من صفات الأفعال ؟

ج : قسّم المتكلّمون صفاته سبحانه إلى صفة الذات ، وصفة الفعل

والأوّل : ما يكفي في وصف الذات به ، فرض نفس الذات فحسب ، كالقدرة والحياة والعلم

والثاني : ما يتوقّف الذات به على فرض الغير وراء الذات ، وهو فعله سبحانه

فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل ، بمعنى أنّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل ، وذلك كالخلق والرزق ونظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة على الذات ، بحكم انتزاعها من مقام الفعل

وبموجب هذا التقسيم ، فصفة العدل من صفات الأفعال لا صفات الذات

______________________

(١) المائدة : ١١٠

٥٠٨

« ـ ـ »

المولود من كافرين لا ينافي كون كلّ أفعال الله خير :

س : إنّنا نؤمن بأنّ كُلّ ما يفعله الله هو خير ، ما هو تفسيركم في من يولد غير مسلم ، هل هذا خيراً له ؟

ج : نحن نعتقد أنّ الله تعالى لا يفعل شرّاً ، ولا لغواً ولا عبثاً ، وإنّما كُلّ أفعاله تتّصف بالخير والمصلحة والحكمة

وعليه ، فعملية التوالد عملية تتّصف بالخير والمصلحة للمجتمع والأسرة ، وهي نتاج طبيعي لاقتراب الزوج من زوجته ، فخروج الطفل إلى الحياة الدنيا فيه خير ومصلحة

ولكن تارة يخرج من أبوين مؤمنين فذلك نور على نور ، وأُخرى يخرج من أبوين كافرين فهذا سببه الأبوين لا الباري عزّ وجلّ ، إذ إنّ الإنسان يولد على الفطرة ، وإنّما أبواه يهوّدانه وينصّرانه

ولكن باعتبار أنّ الله تعالى عادل سوف يحاسب كُلّ من الطفلين بمقدار سعيه وعمله ، ويتوقّع من المؤمن أكثر ممّا يتوقّع من الكافر ، فهو تعالى يقدّر جهود كُلّ منهما لما يتحمّله من المشاقّ في الوصول إليه تعالى

« حسن محمّد يوسف ـ البحرين ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة »

الله تعالى منزّه عن التركيب :

س : ما معنى أنّ الله تعالى ليس مركّباً من الأجزاء العقلية والمقدارية ؟

ج : إنّ من مراتب التوحيد الذاتي لله تعالى هو التوحيد الأحدي ، أي الاعتقاد بأنّه تعالى بسيط منزّه عن أيّ تركيب خارجي أو عقلي ، إذ أيّ نوع من التركيب ـ لو فرض ـ فإنّه يتنافى مع وحدانيّته ، وتوضيح المقام يحتاج إلى مجال أوسع ، ولكن هنا نشير إلى نقطة وهي :

٥٠٩

إنّ الكلّ المركّب يحتاج دائماً في وجوده إلى أجزائه التركيبية ، وعليه فالمحتاج إلى غيره في الوجود معلول لذلك الغير ، ولا يوصف بوجوب الوجود والألوهية

ثمّ إنّ المركّب الخارجي أو المقداري ، هو المجموعة ذو الأجزاء الخارجية المحسوسة ، مثل تركيب كُلّ مادّة من عناصر معدنية ، أو مواد كيمياوية

وأمّا المراد من التركيب العقلي ، فهو اشتمال الشيء على أجزاء عقلية ـ لا خارجية ـ أي تقسيمات ذهنية مع توحيده في الخارج ، مثلاً : واقع الإنسان هو شيء واحد في الخارج ، ولكنّه ينحل في الذهن عند تعريفه ، بأنّه « حيوان ناطق » إلى جنس وهو « الحيوان » ، وإلى فصل وهو « الناطق » ، فهذا التقسيم لا أثر له في الخارج ، ولكن يتصوّره العقل والفكر ، وهذا يسمّى بالتركيب العقلي

« أحمد ـ ـ »

الله تعالى موجود في كلّ مكان :

س : إذا كان الله في كُلّ مكان ، كما قال الإمام عليعليه‌السلام ، فهذا يعني أنّه موجود في دورات المياه ، والعياذ بالله !

ج : لا يخفى أنّ الموجود إمّا مادّي ، وإمّا غير مادّي

والموجود المادّي : هو الموجود الذي له مادّة وجسم ـ أي ذو أبعاد ثلاثة ، طول وعرض وعمق ـ والجسم يستدعي كونه في مكان خاصّ ، وجهة خاصّة ، ولا يمكن للجسم أن يكون في مكانين ، أو جهتين أو أكثر ، وإلاّ لصار جسمين ، أو أكثر ، لا جسم واحد

والموجود غير المادّي : هو الموجود الذي ليس له مادّة وجسم ، فهو ليس له مكان خاصّ ، ولا جهة خاصّة ، بل يمكن أن يكون في أماكن وجهات مختلفة ومتعدّدة كالهواء مثلاً

٥١٠

بعد هذه المقدّمة نقول : إنّ وجود الله تعالى وجود غير مادّي ، فهو موجود في كُلّ مكان ، وفي كُلّ جهة ، قال تعالى :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١)

أي إنّ الله تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب ، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما ، فأينما توجّهوا وجوهكم ، فهنالك وجه الله ، أي لا يخلو منه تعالى مكان ولا جهة ، وقد وسع ذاتاً وعلماً وقدرة ورحمة ، وتوسعة على عباده ، وعليم بمصالح الكُلّ ، وما يصدر عن الكُلّ في كُلّ مكان وجهة ، ولا يخفى عليه خافية

وقال تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٢)

وجاء في « الاحتجاج » في ذيل هذه الآية : ( فقال ابن أبي العوجا : ذكرت الله فأحلت على الغائب

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :« ويلك ! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم » ؟!

فقال ابن أبي العوجا : فهو في كلّ مكان ، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :« إنّما وصفت المخلوق ، الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان ، وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا الله العظيم الشأن الملك الديّان فلا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان » )(٣)

______________________

(١) البقرة : ١١٥

(٢) ق : ١٦

(٣) الاحتجاج ٢ / ٧٥

٥١١

وبعد هذا البيان يتّضح الجواب على سؤالكم ، فالموجودية ليست موجودية مادّية ، بل هي موجودية غير مادّية ، فهو تعالى مطّلع عليها ، ولا يخفى عليه منها شيء ، وله السلطة والقدرة عليها ، وإلّا يلزم جهله بها

« علي شكر ـ بريطانيا ـ ١٨ سنة ـ طالب »

الله نور السماوات والأرض :

س : الله نور السماوات والأرض ، هل معناها أنّ الله منوّر السماوات والأرض بما خلق كالشمس ؟ أو الله له نور غير الشمس ، أي الله بذاته نور مظهر لكلّ شيء ، ونوره مظهر للشمس وغيرها ؟ أو أنّ النور هو خلق ، أو أمر كالروح ، والله غير النور ؟

ج : إنّ معنى النور : هو ما يظهر به الأجسام الكثيفة للأبصار ، فهو ظاهر لذاته ومظهر لغيره

هذا هو النور المحسوس المعروف ، فكأنّ النور بطبيعته يظهر بذاته ويظهر الأشياء الأُخرى ، والتي كأنّها معدومة في ظلمتها ، فإيجادها يعني إظهارها إلى الوجود بعد إعدامها في حوالك الظلمة

هكذا هو الله تعالى ، فإيجاده للموجودات بعد إعدامها ، كالنور الذي يوجد الأشياء بعد إعدامها في حوالك الظلمة ، فالله تعالى موجود بذاته موجد لكلّ ممكن

فالتمثيل بالنور من هذه الجهة ، وليس من جهة بيان معنى نورانية الله تعالى ، تعالى الله عن كلّ مثل ، وعن كلّ شيء ، وعن كلّ مخلوق إذ كيف نجعل الله تعالى كأحد مخلوقاته ؟

فالنور هو مخلوق من قبله تعالى ، فكيف يكون الخالق عين مخلوقاته ؟ إذ بالإمكان إيجاد النور وإعدامه ، والله تعالى لا تعترض عليه هذه الأحوال من الإيجاد والعدم

٥١٢

فلا يحقّ ولا يجوز أن نقول : إنّ نور الشمس مثلاً ، أو نور القمر هو من نوره تعالى ، نعم نقول على سبيل المجاز من نوره بمعنى إيجاده وخلقه ، إذ بقدرته دلّ عليهما بعد ما كانا معدومين

على أنّ نور الله تعالى لا تدركه عقولنا ولا حواسنا ، ولا يمكن لأحد أن يبلغ كنه نوره ، فنوره ذاته ، وذاته محجوبة عن خلقه ، فتعالى الله ربّنا أحسن الخالقين

« زهرة ـ البحرين ـ »

بحث مبسّط في إثبات وجود الله :

س : كيف يمكن إقناع أحد المادّيين بوجود الله عزّ وجلّ ؟

ج : لابدّ لمن يريد أن يقنع الآخرين على عقيدة ما ـ كالعقيدة بوجود الله تعالى ـ أن يكون على مستوى عال من المعرفة والثقافة بتلك العقيدة ، حتّى يمكنه أن يؤثّر ويقنع ، كما له القوّة على ردّ الشبهات ، والاعتراضات الواردة حول هذه العقيدة التي يريد طرحها

فباعتبار أنّ المادّي لا يؤمن بالأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة على وجود الله تعالى ، فلابدّ من ذكر الأدلّة العقلية التي يؤمن بها ، الدالّة على وجوده تعالى ، وبعد الإيمان بوجوده تعالى ، حينذاك يمكن أن نثبت له من خلال الأدلّة النقلية والعقلية على وجود الحياة البرزخية ، والحياة الأخروية

وتعميماً للفائدة ، نذكر لكم ما كتبه أحد المؤمنين في هذا المجال :

يقول المادّيون : لا إله ، فمن الموجد ؟

أنّا نرى الأبناء يولدهم الآباء ، ونرى النبات تنبته الشمس والماء والتربة ، ونرى الحيوان يخلق من حيوانين ، و أمّا قبل ذلك فلم نر شيئاً ، فإنّ العمر لم يطل من قبل

إذاً كلّ قول يؤيّد الإله ، ويؤيّد عدم الإله ، يحتاج إلى منطق غير حسّي

٥١٣

المادّي الذي يقول : لا إله ، يحتاج إلى الدليل

والمؤمن الذي يقول : الله تعالى يحتاج إلى برهان

لكن الأوّل لا دليل له ، فإنّ العين لم تر الإله ، أمّا أنّها رأت عدمه فلا ، وكذا الأذن ، واللمس ، وغيرها .

ومن الهراء : أن يقول أحد : إنّ الصناعة الحديثة دلّت على عدم الإله ؟

هل القمر الاصطناعي يدلّ على عدم الإله ؟ هل الذرّة تدلّ على عدم الإله ؟ هل الكهرباء والصاروخ والطائرة تدلّ على عدم الإله ؟

القمر الاصطناعي ليس إلّا كالسكين الحجري ـ الذي يقولون عنه : ـ صنعه الإنسان البدائي ، لا يرتبط هذا ولا ذاك بالإله نفياً أو إثباتاً

ولنا أن نقول : نفرض أنّ الإله موجود ، فما كان حال القمر الاصطناعي ؟ بل : القمر الاصطناعي الذي يصرف عليه ملايين ، ويجهد في صنعه ألوف من العلماء ، ثمّ لا ينفع إلّا ضئيلاً أدلّ على وجود الإله ، إذ كيف هذا له صانع ، وليس للقمر المنير صانع ؟

إنّ من يطلب منّا الإذعان بعدم الإله للكون ، ثمّ هو لا يذعن بعدم الصانع للطائرة ، مثله كمن يطلب من شخص أنّ يقول بعدم بانٍ لقصر مشيّدة ، ثمّ هو لا يقول بعدم صانع لآخر

عالم وملحد :

قال الملحد : الحواس خمس : الباصرة ، السامعة ، الذائقة ، اللامسة ، الشامّة ، وكلّ شيء في العالم لابدّ وأن يدرك بإحدى هذه الحواس :

فالألوان ، والأشكال ، والحجوم ، تدرك بالباصرة

والأصوات ، والألحان ، والكلام ، تدرك بالسامعة

والطعوم ، والمذوقات ، والأطعمة ، تدرك بالذائقة

والخشونة ، واليبوسة ، والرطوبة ، والحرارة ، تدرك باللامسة

والروائح ، والمشمومات ، والعطريات ، تدرك بالشامّة

٥١٤

فمن أين نثبت وجود الله ؟ والحال أنّا لم نره ، ولم نسمع صوته ، ولم نذق طعمه ، ولم نلمس جسمه ، ولم نشمّ ريحه

فصنع العالم كرتين ، إحداهما من حديد ، والأُخرى من خشب ، وصبغهما ، ثمّ أتى بهما إلى الملحد ، وقال : أنا أخبرك بأنّ إحدى هاتين الكرتين حديد ، والأُخرى خشب ، أنظر وعيّن ؟!

نظر الملحد ، وعجز عن التعيين بالنظر

قال العالم : فأصغ وعيّن ؟ أصغى الملحد ، وعجز عن التعيين بالسمع

قال العالم : ذق وعيّن ؟ ذاق الملحد ، وعجز عن التعيين باللسان

قال العالم : اشمم وعيّن ؟ شمّ الملحد ، وعجز عن التعيين بالأنف

قال العالم : ألمس وعيّن ؟ لمس الملحد ، وعجز عن التعيين باللمس

ثمّ وضعهما العالم في يد الملحد ، وحينذاك أدرك أنّ الأثقل الحديد ، فقال : هذا هو الحديد ، وهذا الأخف هو الخشب

قال العالم : من أخبرك أنّ الأثقل الحديد ، والأخف الخشب ؟

قال الملحد : عقلي هو الذي أرشدني إلى ذلك

قال العالم : فليست المعلومات منحصرة بالحواس الخمس ، وإنّ للعقل حصّة مهمّة من العلوم ، والله تعالى الذي نقول به إنّما هو معلوم للعقل ، وان لم يكن مدركاً للحواس

فانقطع الملحد ، ولم يحر جواباً !!

طالب وزميل :

قال الطالب : لا وجود لله إطلاقاً

الزميل : من أين تقول هذا ؟ ومن علّمك ؟

الطالب : أمّا من علّمني ؟ فما أنت وهذا ؟ وأنّا لا أتحاشى من أن أقول : إنّ المدرسة هي التي أوحت إليّ بهذه الفكرة ، وإنّي جدّاً شاكر لها ، حيث أنقذتني من التقاليد إلى سعة العلم

٥١٥

وأمّا من أين أقول ؟ فلأنّي لم أر الله ، وكلّ غير مرئي لا وجود له

الزميل : إنّي لا أريد أن أناقشك في دليلك الآن ، لكن أقول : هل أنت ذهبت إلى الكواكب ؟ هل أنت ذهبت إلى القطب ؟ هل أنت ذهبت إلى قعر البحار ؟

الطالب : كلا !

الزميل : فإذا قال لك قائل : إنّ الله تعالى في الكواكب ، أو في قعر البحر ، أو في القطب ، فبماذا كنت تجيبه ؟

الطالب ، فكّر ملياً !! ولم يحر جواباً

فقال الزميل : إنّ من الجهل أن ينكر الإنسان شيئاً لم يره ، أو لم يسمع به ، وأنّه لجهل مفضوح

كان بعض الناس قبل اختراع السيارة والطائرة ، والراديو والتلفون ، والكهرباء والتلفزيون ، إذا سمعوا بها أقاموا الدنيا وأقعدوها إنكاراً على من يقول ، واستهزاءً به ، وكانوا يجعلون كلامه مثار ضحك وسخرية !! فهل كان لهم الحقّ في ذلك ؟

إنّهم كانوا يقولون : لم نر هذه الأشياء

وأنت مثلهم تقول : لم أر الله

الطالب : أشكرك جدّاً على هذه اللفتة العلمية ، وإنّي جدّاً شاكر لك ، حيث أخرجتني عن خرافة غرسها في ذهني معلّم جاحد منذ دخلت المدرسة ، وهي : إنّ الله حيث لم نره يجب علينا إنكاره ، والآن فهمت الحقيقة

مؤمن ومنكر :

كان علي وجميل يتناظران في وجود الله تعالى ، فكان علي يسرد الأدلّة على الإثبات ، وجميل يردّها ، أو لا يقبلها

ولما طالت المجادلة بينهما ، قال علي : إنّ في جارنا رجلاً من علماء الدين ، اسمه أحمد ، فهيا بنا نذهب إليه ونجعله الحكم فيما بيننا

قبل جميل مقالة علي ولكن بإكراه ، لأنّه كان يزعم أن لا حجّة لمن يقول

٥١٦

بوجود الله إلّا التقليد ، وذهبا معاً إلى دار العالم للقضاء بينهما ، وبعد أن استقرّ بهما المجلس

قال العالم : خيراً ؟

جميل : إنّي وصديقي علي نتباحث حول وجود الله ، ولم يتمكّن علي من الإثبات ، أو بالأحرى : أنا لم أقتنع بأدلّته ، فهل الحقّ معي أم معه ؟ وأقول ـ قبل كلّ شيء ـ : إنّي لا أقتنع بالقول المجرّد ، وإنّما أريد الإثبات ، مع العلم أنّي خرّيج مدرسة فلسفية عالية ، لا أقبل شيئاً إلّا بعد المناقشة والجدال ، وأن يكون محسوساً ملموساً

أحمد : فهل لك في دليل بسيط ، وبسيط جدّاً تقتنع به ، بدون لفّ ودوران

جميل : ما هو ؟ هات به ، وإنّي أنتظر مثل هذا الدليل منذ زمان !!

أحمد : إنّي أخيّرك بين قبول أحد هذه الشقوق الأربعة ، فاختر إحداها : إنّك موجود بلا شكّ ، فهل :

١ ـ أنت صنعت نفسك ؟

٢ ـ أم صنعك شيء جاهل عاجز ؟

٣ ـ أم صنعك شيء عالم قادر ؟

٤ ـ أم لم يصنعك شيء ؟

فكّر جميل ساعة بماذا يجيب : هل يقول : أنا صنعت نفسي بنفسي ، وهذا باطل مفضوح !

أم يقول : صنعني شيء جاهل ؟ وهذا أيضاً مخالف للحقيقة ، فإنّ التدابير المتخذة في خلق الإنسان فوق العقول ، فكيف يركّب هذه الأجهزة بهذه الكيفية المحيرة ، شيء جاهل ؟!

أم يقول : لم يصنعني شيء ؟ وهو بيّن البطلان ، فإنّ كلّ شيء لابدّ له من صانع

أم يعترف بأنّه مصنوع لشيء عالم وقادر ، وحينئذ ينهار كلّ ما بناه من الأدلّة

٥١٧

ـ المزعومة ـ لعدم وجود الله تعالى

وبعد فكر طويل ، رفع رأسه وقال : لابدّ لي من الاعتراف ، بأنّي مصنوع لعالم قدير

أحمد : ومن هو ذلك العالم القدير ؟

جميل : لا أدري

أحمد : ولكن ذلك واضح معلوم

لأنّ من صنعك ليس من البشر ، فإنّ البشر لا يقدرون على خلق مثلك ، ولا من الجمادات ، فانّ الجماد لا عقل له ، إذاً : هو الله تعالى

علي : هل قنعت يا جميل بهذا الدليل ؟

جميل : إنّه دليل قوّي جدّاً ، لا أظنّ أحداً يتمكّن من المناقشة فيه ، وإنّي شاكر لك وللعالم أحمد

معلم وتلميذ :

ذهب جماعة من الطلّاب إلى مدرسة إلحادية ، وفي اليوم الأوّل من الدوام حضروا الصفّ ، وكان في الصفّ منضدة عليها تصوير أحد زعماء الملحدين

فجاء المعلم ، وقال للطلّاب : هل لكم عين ؟ وأين هي ؟

وهل لكم أذن ؟ وأين هي ؟ وهل لكم أيدٍ وأرجل ؟ وأين هي ؟

قال الطلّاب : نعم ، لنا أعين وأذن وأيد وأرجل ، وهي هذه ، وأشاروا إلى هذه الأعضاء

قال المعلم : وهل ترون هذه الأعضاء وتحسّون بها ؟

قال الطلّاب : نعم ، نراها ونلمسها

قال المعلم : وهل ترون هذا التصوير على المنضدة ؟

قالوا : نعم ، نراه

قال المعلم : وهل ترون المنضدة وسائر ما في الغرفة ؟

قالوا : نعم ، نراها

٥١٨

وهنا انبرى المعلم قائلاً : وهل ترون الله ؟ وهل تحسّون به ؟

قالوا : لا ، لا نرى الله ولا نلمسه

قال المعلم : فهو إذاً خرافة تقليدية

إنّ كلّ شيء في الكون نحسّ به ونراه ، أمّا ما لا نراه ولا نحسّ به ، فهو خطأ ، يلزم علينا أن لا نعترف به ، وإلّا كنّا معتقدين بالخرافة

وهنا قام أحد التلاميذ ، وقال : اسمح لي أيّها الأُستاذ بكلمة ؟

المعلّم : تفضّل

التلميذ : أيّها الزملاء أجيبوا على أسئلتي

الزملاء : سل

التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون المعلّم ؟ هل ترون الصورة الموضوعة على المنضدة ؟ هل ترون المنضدة ؟ هل ترون الرحلات ؟

الزملاء : نعم ، نرى كلّ ذلك

التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عين المعلّم ؟ هل ترون أذن المعلّم ؟ هل ترون وجهه ؟ هل ترون يده ورجله ؟

الزملاء : نعم نرى كلّ ذلك

التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عقل المعلم ؟

الزملاء : كلّا ! لا نرى عقله

التلميذ : فالمعلّم إذاً لا عقل له ، فهو مجنون حسب مقالته ، لأنّه قال : كلّ ما لا يراه الإنسان فهو خرافة ، يجب على الإنسان أن لا يعترف به ، وأنّا لا نرى عقل المعلم ، فهو إذاً لا عقل له ، ومن لا عقل له يكون مجنوناً

وهنا ألقم المعلّم حجراً ، واصفرّ وجهه خجلاً ، ولم ينبس ببنت شفة ، وضحك الطلّاب

آينشتاين يعترف :

تحاكم جماعة من المادّيين إلى آينشتاين ليروا رأيه بالنسبة إلى الله تعالى ؟

٥١٩

فأجاز لهم أن يمكثوا عنده (١٥) دقيقة ، معتذراً بكثرة أشغاله ، فلا يتمكّن أن يسمح لهم بأكثر من هذا الوقت

فعرضوا عليه سؤالهم ، قائلين : ما رأيك في الله ؟

فأجاب قائلاً : ولو وفّقت أن أكتشف آلة تمكّنني من التكلّم مع الميكروبات ، فتكلّمت مع ميكروب صغير ، واقف على رأس شعرة من شعرات رأس إنسان ، وسألته : أين تجد نفسك ؟ لقال لي : إنّي أرى نفسي على شجرة رأس شاهقة ! أصلها ثابت وفرعها في السماء

عند ذلك أقول له : إنّ هذه الشعرة التي أنت على رأسها ، إنّما هي شعرة من شعرات رأس إنسان ، وإنّ الرأس عضو من أعضاء هذا الإنسان ، ماذا تنظرون ؟

هل لهذا الميكروب المتناهي في الصغر : أن يتصوّر جسامة الإنسان وكبره ؟ كلّا !

إنّي بالنسبة إلى الله تعالى لأقلّ وأحطّ من ذلك الميكروب بمقدار لا يتناهى ، فأنّى لي أن أحيط بالله الذي أحاط بكلّ شيء ، بقوى لا تتنامى ، وعظمة لا تحدّ ؟

فقام المتشاجرون من عند آينشتاين ، وأذعنوا للقائلين بوجود الله تعالى

« أبو الزين ـ الأردن ـ »

حكم القائل بوحدة الوجود :

س : ما هو حكم القائل بوحدة الوجود ؟

ج : ورد في كتاب « التنقيح في شرح العروة الوثقى » حكم القائلين بوحدة الوجود ما نصّه :

« القائل بوحدة الوجود ، إن أراد أنّ الوجود حقيقة واحدة ولا تعدّد في حقيقته ، وإنّه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن ، فهما موجودان ، وحقيقة الوجود فيهما واحدة ، والاختلاف إنّما هو بحسب المرتبة ،

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576