موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576
المشاهدات: 211689
تحميل: 5817


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211689 / تحميل: 5817
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-01-0
العربية

آية المباهلة :

« سليل ـ البحرين ـ ٢٦ سنة »

تدلّ على عظمة أهل البيت :

س : شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب ، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء الله ، في موضوع آية المباهلة ، أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيتعليهم‌السلام من خلال الآية الشريفة ، وفّق الله الجميع لما فيه الخير

ج : إنّ الآية نزلت في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند مباهلتهم لوفد نجران ، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في « الدرّ المنثور »(١) ، والحاكم النيسابوري في « المستدرك »(٢) ، وابن كثير في « تفسيره »(٣)

ثم إنّ دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته ومباهلته إلى الله تعالى بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند الله ، والقسم على الله بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلّا الله ، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه ، ومباهلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهمعليهم‌السلام يعني احتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ وبعثته

______________________

(١) الدرّ المنثور ٢ / ٣٩

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠

(٣) تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩

٦١

كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته ، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم ، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهمعليهم‌السلام وبين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يفيد ذلك حديث :« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي »

فمنزلة الإمام عليعليه‌السلام بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته ، كما شارك هارون موسى في دعوته ، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دليل حجّيتهم ومشاركتهمعليهم‌السلام معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ صدق بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهمعليهم‌السلام

« محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية »

تدلّ على إمامة أمير المؤمنين :

س : كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة عليعليه‌السلام ؟

ج : يستدلّ علماؤنا بكلمة :( وَأَنفُسَنَا ) (١) على إمامة الإمام عليعليه‌السلام ، تبعاً لأئمّتناعليهم‌السلام

ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه ، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى ، بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قالعليه‌السلام (٢)

وروى الشيخ المفيدقدس‌سره : أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضاعليه‌السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام يدلّ عليها القرآن ؟

فذكر له الإمام الرضاعليه‌السلام آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة :( وَأَنفُسَنَا ) (٣)

______________________

(١) آل عمران : ٦١

(٢) أُنظر : تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٢

(٣) الفصول المختارة : ٣٨

٦٢

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما أمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط ، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط ، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج علياً ، فكان عليعليه‌السلام نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

إلّا أنّ كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكونعليه‌السلام مساوياً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الخصوصيات ، إلّا ما أخرجه الدليل وهو النبوّة ، إذ لا نبيّ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ومن خصوصيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أفضل من جميع المخلوقات ، فعليعليه‌السلام كذلك ، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، إذاً لابدّ من تقدّم عليعليه‌السلام على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين

(عبد الله الكويت ٢٨ سنة خرّيج ثانوية)

شأن نزولها في مصادر أهل السنّة :

س : في شأن من نزلت آية المباهلة ؟ ومن خرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمباهلة ؟ وهل صحيح أنّ بعض الصحابة خرجوا معهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : إنّ الآية المباركة نزلت في شأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن خرج معه ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فقط دون غيرهم ، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم ، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة : كـ « الجامع الكبير » ، و « المستدرك على الصحيحين » ، و « أحكام القرآن » ، وغيرها(١)

نعم ، هناك رواية بلا سند في « السيرة الحلبية »(٢) ، تضيف عائشة وحفصة

كما توجد رواية تقول : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان ، ______________________

(١) أُنظر : الجامع الكبير ٥ / ٣٠٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، أحكام القرآن ٢ / ١٨ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ٣٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٩٣

(٢) السيرة الحلبية ٣ / ٢٩٩

٦٣

وأبو بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده

لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها :

أوّلاً : إنّها روايات آحاد

ثانياً : إنّها روايات متضاربة فيما بينها

ثالثاً : إنّها روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتّفق عليها

رابعاً : إنّها روايات تعارضها روايات الصحاح

خامساً : إنّها روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّ أسانيدها ضعيفة

إذاً ، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ ، من أنّ الذين خرجوا معهصلى‌الله‌عليه‌وآله هم : علي وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام

« ـ الكويت ـ »

جواز المباهلة لغير المعصوم :

س : هل هناك إذن وجواز شرعي للمباهلة لغير المعصومعليه‌السلام ، أي في زماننا ؟ وكيف ذلك ، هل في كافّة المواضيع ، أو في حالات خاصّة ؟

ج : وردت أحاديث في هذا المجال(١) تفيد هذا المعنى ، ولكن الذي يبدو منها أنّ هذا الأمر ـ المباهلة ـ يختصّ بموضوع العقيدة ، لا مطلق المواضيع

أي أنّ ظاهر هذه الروايات اختصاص المسألة بموارد إنكار الحقّ ، وعدم تأثير الأدلّة والحجج في نفوس البعض ، وإصرارهم على الباطل ، ففي هذه الحالة التي يتوقّف إظهار الحقّ على الإقدام بالمباهلة ، يجوز إتيان ذلك بالمواصفات التي جاءت في الروايات من الصوم ، والالتزام بالوقت المحدّد وغيرها

______________________

(١) الكافي ٢ / ٥١٣ باب المباهلة

٦٤

« محمّد ـ »

سبب تخلّي النصارى عن المباهلة :

س : كيف عرفت النصارى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية المباهلة على حقّ ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك ، فكيف لم يعترفوا بدينه ؟

ج : هناك احتمالان في المقام :

١ ـ أن يكون قد أذعنوا في أنفسهم لحقّانية الدين الإسلامي ، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه ، قال تعالى :( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) (١)

٢ ـ أنّهم عندما رأوا أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة ، عرفوا بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على يقين من أمره ، فبات الأمر واضحاً عندهم ، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده ، كان الواجب عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه ، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام

فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المناقشة ، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة

______________________

(١) النمل : ١٤

٦٥
٦٦

آية المودّة :

« أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة »

ثابتة في حقّ أهل البيت :

س : يقول البعض : بأنّ الأحاديث الواردة في آية المودّة على أنّها في آل بيت
محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها موضوعة ، والسبب أنّ آية المودّة في سورة الشورى وهي مكّية ، وأنّ الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام قد تزوّجا بعد وقعة بدر ، أي كانوا في المدينة ، فما هو ردّكم عليه ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : لاشكّ ولا شبهة في ورود الأخبار المأثورة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام على أنّ آية المودّة نازلة في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام بشهادة المصادر المتواترة(١)

وأمّا وجودها في سورة مكّية فلا يضرّ بالمعنى ـ وكم له نظير من ورود آيات مكّية في سور مدنية وبالعكس ـ بعدما ثبت عند الكثير من العلماء والمفسّرين أنّ هذه الآية مع ثلاث آيات بعدها قد نزلت في المدينة المنوّرة(٢)

فتحصّل أنّ نسبة الوضع لهذه الأحاديث ممّا لا ينبغي فرضها ، فضلاً عن صدورها عن أحد

______________________

(١) أُنظر : الدرّ المنثور ٦ / ٧ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٨٩ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٨٩ ، تفسير الكبير ٩ / ٥٩٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٣ ، ذخائر العقبى : ٢٥ ، ينابيع المودّة ٣ / ١٣٧ ، وغيرها من المصادر

(٢) أُنظر : روح المعاني ١٣ / ١١ ، الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ١

٦٧

« عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية »

تدلّ على مودّة أهل البيت :

س : ليس المقصود من القربى في آية المودّة هم : علي وفاطمة وابناهما ، وإنّما المقصود منها التودّد إلى الله تعالى بالطاعة والتقرّب ، أي : لا أسألكم عليه أجراً إلّا أن تودّوه وتحبّوه تعالى بالتقرّب إليه

ج : إنّ مستند هذا القول هو رواية منسوبة إلى ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « قل لا أسألكم عليه أجراً على ما جئتكم به من البينات والهدى ، إلّا أن تتقرّبوا إلى الله بطاعته »(١)

ويرد على هذا القول عدّة أُمور منها :

١ ـ إنّ الرواية التي يستند إليها ضعيفة السند ، كما صرّح بذلك ابن حجر العسقلاني في « فتح الباري »(٢)

٢ ـ لم يرد في لغة العرب استعمال لفظ القربى بمعنى التقرّب

٣ ـ إنّ التقرّب إلى الله تعالى هو محتوى ومضمون الرسالة نفسها ، فكيف يطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التقرّب إلى الله تعالى ، لأجل التقرّب إلى الله تعالى ، وهذا أمر لا يعقل ولا يرتضيه الذوق السليم ، لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الأجر والمأجور عليه واحد

هذا وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومحبّتهم ، ونزول آية المودّة فيهمعليهم‌السلام

« محمّد ـ قاسم ـ لبنان »

حكمة طلب الأجر للقربى فيها :

س : يقال في آية المودّة : إنّه لا يناسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطلب أجراً على الرسالة
______________________

(١) أُنظر : فتح الباري ٨ / ٤٣٤

(٢) نفس المصدر السابق

٦٨

في مودّة قرباه ، فما هو الردّ ؟ وشكراً لكم

ج : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما يطلب المودّة لأقربائه ، ويجعلها أجراً على رسالته لا يعني بذلك جميع أقربائه ، لأنّ ذلك ينافي صريح القرآن ، إذ كيف يطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مودّة من لعنه الله في كتابه ـ كأبي لهب ـ وإنّما يطلب المودّة لجماعة خاصّة ، وأفراد معيّنين من أقربائه ، والذين بهم يتمّ حفظ الرسالة الإسلامية ، والنبوّة المحمّدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام من أهل البيت

ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما يطلب الأجر ، فهو بالحقيقة عائد إلى المسلمين لا إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا إلى أهل بيتهعليهم‌السلام ، لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودّة بالقدر الذي يفيد سائر الأُمّة في الحفاظ على مبادئ الدين ، وكتاب الله المبين ، وسيرة سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله

« ـ البحرين ـ »

كيف تدلّ على الإمامة :

س : هناك موضوع يختلج في ذهني وهو : إنّ آية المودّة في القربى كيف تدلّ على الإمامة ؟

وبعبارة أُخرى : علمنا من الآية بأنّ مودّة ومحبّة ذوي القربى ـ وهم أهل البيتعليهم‌السلام ـ فرض وواجب كبقية الواجبات ، ولكن من أين لنا أن نستنتج بأنّهم أئمّة وقادة ؟ فإنّ المحبّة قد لا تستلزم وجوب الطاعة لهم ؟

ج : إنّ الروايات قد بيّنت أنّ المودّة ليست واجبة لجميع قرابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعن ابن عباس قال : لمّا نزلت :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودّتهم ؟
______________________

(١) الشورى : ٢٣

٦٩

قال :« علي وفاطمة وابناهما » (١)

وفي رواية أُخرى عن ابن عباس أيضاً قال :« علي وفاطمة وولدهما »

فالآية مع ضميمة الروايات المفسّرة لها أوجبت مودّة هؤلاء ـ علي وفاطمة وولدهماعليهم‌السلام ـ وحيث إنّ هذا التوادّ على نحو الإطلاق من غير تحديد بوقت أو صفة فلابدّ أن يكون المؤمن دائماً موادّاً لأهل البيتعليهم‌السلام

والمودّة المطلقة تستلزم وجوب الاتباع والاقتداء وإلّا لم يكن لها معنىً ، لأنّه لو انفكت الموادّة في مورد واحد لكان ذلك خلاف ما تقدّم من الوجوب مطلقاً ، وهذا يستلزم الاتباع والاقتداء

« موسى ـ »

هي مسألة عقائدية :

س : كيف تحكمون بأنّ المستفاد من آية المودّة أنّها لتحكيم أمر العقيدة ، وترسيخ الدين ، والحال أنّ الظاهر من الآية هي مجرد إظهار الودّ والمحبّة ؟

ج : مضافاً إلى وجود دليل عقلي في المقام ، وهو أنّ التخصيص الثابت ـ استناداً إلى الأخبار الصحيحة والمتواترة ـ بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام في هذا الموضوع ، يدلّ بكلّ وضوح على أنّ هناك سبب خاصّ ، وهو تعظيم أمر الدين وتركيز قواعده ، وإلّا فلا دليل لاختصاص المودّة لقرابة دون قرابة

مضافاً إلى هذا كلّه ، يمكننا معرفة الجواب من القرآن الكريم ، فقد وردت عدّة آيات تصرّح بأنّ الأجر المطلوب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو استمرارية وبقاء الدين(٢)

ثمّ بمقارنة هذه الآيات بآية المودّة نعرف بأنّ المودّة المفروضة والمطلوبة هي في

______________________

(١) ذخائر العقبى : ٢٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٣ ، المعجم الكبير ١١ / ٣٥١ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٩١ و ١٩٤ ، الدرّ المنثور ٦ / ٧ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٢٥ و ٤٥٣ و ٣ / ١٣٧

(٢) يوسف : ١٠٤ ، الفرقان : ٥٧ ، سبأ : ٤٧ ، ص : ٨٦ ، الأنعام : ٩٠

٧٠

الواقع لضمان حياة هذا الدين ، وصونه عن الانحراف والضياع ، وبهذا نستنتج بأنّ المودّة المذكورة هي مسألة العقيدة لا غير

« عبد الله ـ باكستان ـ ٣٠ سنة »

الاستثناء فيها منقطع لا متّصل :

س : قال ابن منظور في باب « ودد » : « لأنّ المودّة في القربى ليست بأجر » (١) ، بناء على أنّ الاستثناء هنا منقطع ، فما هو الجواب ؟

ج : لفهم الجواب نشير إلى عدّة نقاط :

١ ـ ينبغي تقديم مقدّمة عن ظهور الاستثناء ودلالاته عند استعماله فنقول : قال العلّامة التستري : « الظاهر أنّ دعوى الاختلاف اختلاق من الناصب الذي ليس له خلاق ، لما تقرّر عند المحقّقين من أهل العربية والأُصول : أنّ الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، وأنّه لا يحمل على المنقطع إلّا لتعذّر المتّصل ، بل ربّما عدلوا عن ظاهر اللفظ الذي هو المتبادر إلى الذهن مخالفين له لفرض الحمل على المتّصل الذي هو الظاهر من الاستثناء ، كما صرّح به الشارح العضدي حيث قال : واعلم أنّ الحقّ أنّ المتّصل أظهر ، فلا يكون مشتركاً ـ لفظاً ـ ولا للمشترك ـ معنى ـ بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع ، ولذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلّا عند تعذّر المتّصل ، حتّى عدلوا للحمل على المتّصل عن الظاهر وخالفوه فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً ، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهرٍ حذراً عنه »(٢)

ثمّ قال السيّد المرعشي النجفي معلّقاً : « إنّ المستثنى إن لم يكن داخلاً في المذكور كان استثناؤه عنه لغواً غير صالح لأن يذكر في كلام العقلاء ، فالمستثنى عند انقطاع الاستثناء أيضاً داخل في المذكور بنحو من الدخول ،
______________________

(١) لسان العرب ٣ / ٤٥٤

(٢) إحقاق الحقّ ٣ / ٢١

٧١

وليس الاستثناء إلّا إخراج ما لولاه لدخل ، ومعلوم أنّ الإخراج فرع الدخول بالضرورة العقلية ، والبداهة الأوّلية والذي هو الفارق بين المتّصل والمنقطع من الاستثناء بعد اشتراكهما في دخول المستثنى في المستثنى منه ، دخوله فيه على نحو الحقيقة في المتّصل ، وبنحو من أنحاء الدخول غير الدخول على نحو الحقيقة في المنقطع

فتحصّل : أنّ مصحّح الاستثناء دخول المستثنى في المستثنى منه بنحوٍ من الدخول ، وإلّا فلا يسوغ في قانون المحاورات العرفية استثناؤه عنه ، فلابدّ لمن يريد فهم مفاد الآية الكريمة :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) بحسب المحاورات العرفية أن يحاول التفهّم والتفحّص عن مصحّح استثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة(٢)

فتبيّن ممّا قدّمنا :

أ ـ إنّ الأصل في الاستثناء هو الحمل على المتّصل مهما أمكن ، ولو بارتكاب مخالفة ظاهر أو ما شابه ، وإلّا فإنّه منقطع

ب ـ وعلى التسليم بأنّ الاستثناء هنا منقطع يتمّ به المطلوب أيضاً ، حيث إنّ الاستثناء لا يصحّ إلّا لوجود علاقة بين المستثنى والمستثنى منه ولو بنحو من الدخول ، كأن يكون من توابعه ، أو من شأنه وليس داخلاً حقيقة كما سنوضّحه لاحقاً

٢ ـ لننقل الكلام الآن في البحث عن سبب صرفهم الآية عن ظاهرها ، والاستثناء عن ظاهره أيضاً ، وهو كونه متّصلاً وجعله منقطعاً فنقول : إنّهم فعلوا ذلك للأسباب التالية :

أ ـ لقولهم : بأنّ المودّة ليست بأجر ، لأنّها ليست أجراً دنيوياً مادّياً ، فلا يصحّ إدخالها في جملة الأجور التي تقدّم مقابل أيّ شيء ، لاسيّما تبليغ الرسالة

______________________

(١) الشورى : ٢٣

(٢) إحقاق الحقّ ٣ / ٢٠

٧٢

ب ـ عدم جواز سؤال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس أن يكافؤوه ويشكروه ، وينتظر منهم الأجر على ما قدّمه لهم من نصح وهداية ، وتبليغ رسالة ربّه لهم ، لأنّ ذلك ينافي الإخلاص ، وانتظار الأجر والثواب من الله تعالى

ج ـ مخالفة هذه الآية لآيات أُخَر كثيرة تذكر حوار الأنبياء والرسل ، وكذلك نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه مع قومه ، كما حكى سبحانه عنهم :( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) ، وقوله :( وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (٢) ، وقوله :( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (٣) ، وقوله :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (٤) وغيرها من الآيات ، فهذه أهمّ ما يمكن أن يتسبّب في قولهم بالاستثناء المنقطع

وللجواب عن هذه الأُمور نقول :

أ ـ يجوز أن تكون المودّة والمحبّة لأهل البيتعليهم‌السلام أجراً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعدّة أسباب :

١ ـ كونه ظاهر الآية ، وكذلك كونه ظاهر الاستثناء ، كما بيّنا في المقدّمة ، من وجوب البناء على كونه متّصلاً ، إلّا إذا استحال ذلك ، وعلى أقلّ تقدير كون المتّصل أظهر من المنقطع ، أو أنّه حقيقة والمنقطع مجاز ، فما شئت فعبّر ، فظاهر القرآن جعل المودّة أجراً

٢ ـ كون الأجر غير محصور بالأجر المادّي ، وإنّما يشمل المعنوي أيضاً ، لأنّه عمل اختياري ذو قيمة محترمة ، ومعتدّ بها شرعاً وعقلاً وعرفاً ، فتدخل المودّة في مصاديق عنوان الأجر

______________________

(١) الشعراء : ١٨٠

(٢) هود : ٢٩

(٣) هود : ٥١

(٤) الأنعام : ٩٠

٧٣

فالمحبّة لله ولرسوله ولأهل البيت وللمؤمنين عموماً ثابتة ، ومأمور بها شرعاً ، كقوله تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (١) ، وقوله :( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٢) ، فبيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية : بأنّ محبّتنا لله وللرسول لها أجر ، هو مبادلتنا الحبّ مع غفران الذنوب ، وهذا يدلّ على قيمة هذا العمل واحترامه والأمر به

٣ ـ كون الروايات ، والكثير من المتقدّمين والمتأخّرين ينصّون عند تفسير آية المودّة على جعل المودّة أجراً بصراحة ووضوح ، وهذا يدلّ على صحّة كون المودّة أجراً

٤ ـ كون المودّة والمحبّة أنسب أجرٍ يقدّمه المهتدي لهاديه ، مع نفعه العظيم لنفس المكلّف ، فإنّ المحبّة تستلزم الاتباع المطلق والولاية المطلقة ، ومحبّة أولياء الله الكاملين ، وتستلزم أيضاً محبّة الطرف الثاني له ، والشفاعة له والحشر معه ، فمن أحبّ قوماً حشر معهم

٥ ـ كون المحبّة والمودّة لأهل البيتعليهم‌السلام عمل يستطيع كلّ مكلّف فعله ، لقدرة الجميع عليها ، فيناسب جعلها أجراً لعدم اختصاصها بشخص دون شخص ، وبلا فرق بين صغير وكبير ، رجل وامرأة ، صحيح ومريض ، مطيع وعاصٍ ، غني وفقير ، وبلا استثناء أو تخلّف ، فتبيّن : أنّ توهّمهم بأنّ المودّة لا تكون أجراً واضح البطلان

ب ـ قد يجاب عن هذه النقطة ، وهذا الإشكال بأُمور منها :

١ ـ إنّ طلب الجزاء والشكر من قبل المحسن ، من الذين أحسن إليهم ليس مستحيلاً ولا معيباً ، بل هو أمر وارد وعقلائي وعرفي ، بل وقرآني ، فقد حكى
______________________

(١) التوبة : ٧١

(٢) آل عمران : ٣١

٧٤

القرآن الكريم ذلك عن الله تعالى ، إذ قال :( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (٢) ، وراجع الآيات التالية أيضاً : يونس : ٦٠ ، ويوسف : ٢٨ ، وإبراهيم : ٣٧ ، والنمل : ٧٣ ، وياسين : ٢٥ ـ ٧٣ ، وغافر : ٦١

وكذلك ما يؤخذ من أجور ، مثل الطبيب والخليفة والقاضي ، ومعلّم القرآن وغيرها من الأعمال القريبة والتعبّدية ، ولا ينافي أخذهم الأجر الدنيوي لمعاشهم ، مع طلبهم الثواب منه سبحانه

٢ ـ قد ثبت طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض الأُمور والمنافع له ـ كما هو الحال هنا ـ ولم ينكره أحد ، كطلبه من أُمّته الصلاة والسلام عليه ، وكذلك لمن يسمع الأذان ، أو يؤذّن أو يقيم أن يسأل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ، وكذلك طلب من الناس محبّته ومحبّة أهل بيته ، وعدم أذيته أو أحد من أهل بيته في كثير من الأحاديث المستفيضة ، فهذا كهذا سيّان

٣ ـ في هذا الطلب بيان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أهمّية أهل بيتهعليهم‌السلام ، والاهتمام بهم ومحبّتهم والإحسان إليهم ، وأنّ ذلك يريحه ويفرحه ، ويكون وفاءً حقيقياً له ، وشكرهم وامتنانهم لهذا البيت الطاهر على ما قدّمه وضحّى وصبر من أجلهم

٤ ـ إنّ كون طلب الأجر هنا لا ينافي الإخلاص ، لأنّه جاء بأمر من الله تعالى ، فإنّه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطلب الأجر على الرسالة بمودّة أهل بيته

ج ـ أمّا ادعاء التعارض بين ظاهر هذه الآية والآيات الكريمة الأُخرى التي تنفي سؤال الأنبياء والرسل الأجر من الناس على أداء وتبليغ رسالة ربّهم ودينهم ،
______________________

(١) البقرة : ٢٤٣

(٢) الفتح : ٩

٧٥

فنقول : يمكن تصنيف الآيات الواردة في موضوع الأجر إلى أربعة أصناف ، وهي :

الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (١)

الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقول سبحانه :( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (٢)

الثالث : ما يعرف أجره بقوله :( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) (٣) ، فكان اتخاذ السبيل إلى الله هو أجر الرسالة

الرابع : ما يجعل مودّة القربى أجراً للرسالة ، فيقول :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٤)

فتبيّن من مجموع هذه الآيات : بأنّه هناك أجر دنيوي وأُخروي ، وما تجمع على نفيه جميع هذه الآيات هو الأجر الدنيوي ، فيبقى الأجر الأُخروي ، فنستطيع فهمه على الاتصال كما يلي :

إنّ الأجر المطلوب من الناس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلوب من أُناس يريدون أن يتقرّبوا إلى الله تعالى ، ويتّخذوا له سبيلاً ، فبهذه المودّة يثبت لهم ما يريدون ، وكذلك فإنّه بالتالي يكون التزامهم بالمودّة وإرادتهم سبيل الله تعالى ، يكون نفعه عائد إليهم أوّلاً ، ومن ثمّ يعود أجره وثوابه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الدالّ على الخير كفاعله ، فهو السبب والدليل لجميع القربات ، فيرجع الأجر بالتالي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، وبالتالي نستطيع إثبات أنّ المودّة أجر دون أيّ مانع ، أو تصادم أو تعارض

وكلّ ذلك على القول بأنّ الاستثناء هنا متّصل ، وأمّا على القول بالانقطاع ،
______________________

(١) الأنعام : ٩٠

(٢) سبأ : ٤٧

(٣) الفرقان : ٥٧

(٤) الشورى : ٢٣

٧٦

فثبوت ذلك أسهل وأوضح دون أيّ مشكلة ، بل أكثر علمائنا أكّدوا على وجوب كون الاستثناء هنا منقطعاً ، لأنّه بذلك يثبت المدّعى بسهولة ويسر ووضوح ، فنقول لبيان ذلك :

قال الشيخ السبحاني : « إنّ مودّة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر ، حيث استثنيت من نفي الأجر لكنّه أجر صوري ، وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحبّ قبل رجوعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ مودّة ذي القربى تجرّ المحبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أسوة في دينه ودنياه ، ومن الواضح أنّ المحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحبّ .

إنّ طلب المودّة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعدما فحصه وكتب له وصفة : لا أُريد منك أجراً إلّا العمل بهذه الوصفة ، فإنّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب ، بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، فكأنّ يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودّة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع أمراً غريباً في القرآن ، بل له نظائر مثل قوله تعالى :( لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ) (١)

وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال(٢) وقال : « والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة ، لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه : قل لا أسألكم عليه أجراً ، لكن ألزمكم المودّة في القربى وأسألكموها »(٣)

______________________

(١) مريم : ٦٢

(٢) أهل البيت : ١٤٦

(٣) تصحيح اعتقادات الإمامية : ١٤١

٧٧

وقال السيّد المرعشي النجفي : « والذي لا ينكره ذو نظر سليم ، وفهم مستقيم غير منحرف عن جادّة الإنصاف ، أنّه بعد قيام القرائن الخارجية على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يطالب من الناس أجراً لرسالته ، لكون تحمّله لأعباء الرسالة خالصاً لوجه الله الكريم ومرضاته ، إنّ المصحّح لاستثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة دخولها في أجر الرسالة شأناً ـ كما بيّننا آنفاً في الاستثناء المنقطع ـ وأنّ المودّة في قربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجر لرسالته ، لولا أنّ الرسالة لا تقبل الأجر من الناس ، فتبيّن إنّ مفاد الآية : أنّ أجر الرسالة لولا كون مقام الرسالة أجل من أن يؤدّي الشاكرون ما يحاذيها من العوض ، وكون مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أرفع من سؤال الأجر على تحمّل الرسالة ، وأسنى من تنزيل شأن الرسالة إلى حيث يقابلها الناس بشيء ممّا يقدرون عليه من الأعواض والأبدال ، وبنى الأمر على ما هو عليه طريقة العقلاء من مطالبة الأعواض بإزاء المنافع الواصلة منهم إلى الناس ، لا يكون ممّا طلبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بإزاء رسالته إلّا المودّة في قرباه ، وقد أمره الله بهذه المطالبة تنبيهاً لجماعة المسلمين على أمرين :

١ ـ إنّ الاهتمام بالمودّة في قربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ عند الله من سائر الحسنات طرّاً ، بحيث كانت هي التي تنبغي مطالبتها أجراً للرسالة

٢ ـ بيان شدّة محبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لقرباه ، بحيث لو بنى على مطالبته من الناس أجراً على رسالته لم يطلب منهم أجراً إلّا المودّة في قرباه ، والإحسان إليهم »(١)

______________________

(١) إحقاق الحقّ ٣ / ٢١

٧٨

آية الولاية :

« حميد ـ عمان ـ »

دلالتها على إمامة أمير المؤمنين :

س : هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟

ج : قال تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١)

ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليعليه‌السلام حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة(٢)

ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام عليعليه‌السلام واضحة ، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته ، وولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، والرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية الإمام عليعليه‌السلام بحكم المقارنة

« منير ـ السعودية »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ولكن هناك من يقول : إنّ قوله تعالى : ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) إنّما هي صفة ، أي أنّهم يصلّون ، وأيضاً هم يركعون ، أي أنّها تكرار للجملة ، فحين

______________________

(١) المائدة : ٥٥

(٢) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ح ٢٢٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١

٧٩

ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى بقوله :( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع ، وهذا يدعو للاستغراب ، فكيف أرد عليه بالردّ الشافي ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع ، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو تصدّق الإمام عليعليه‌السلام بخاتمه على الفقير ، في حال الركوع أثناء صلاته

إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولكن هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان ، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعلي وآلهعليهم‌السلام ، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة ، حول هذه الآية وأمثالها ، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها ، من فصل إيتاء الزكاة من حال الركوع

ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبائي ، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب « المغني »(١)

وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه « الشافي في الإمامة » بقوله : « ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي ، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع ، ولابدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة ، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا : الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك ، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب ، معنى الحال دون غيرها ، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله : إنّه يجود بماله في حال ضحكه ، ويغشى إخوانه في حال ركوبه

ويدلّ أيضاً عليه أنّا متى حملنا قوله تعالى :( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢)
______________________

(١) المغني ٢٠ / القسم الأوّل / ١٣٧

(٢) المائدة : ٥٥

٨٠