موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227307 / تحميل: 6766
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

آية المباهلة :

« سليل ـ البحرين ـ ٢٦ سنة »

تدلّ على عظمة أهل البيت :

س : شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب ، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء الله ، في موضوع آية المباهلة ، أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيتعليهم‌السلام من خلال الآية الشريفة ، وفّق الله الجميع لما فيه الخير

ج : إنّ الآية نزلت في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند مباهلتهم لوفد نجران ، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في « الدرّ المنثور »(١) ، والحاكم النيسابوري في « المستدرك »(٢) ، وابن كثير في « تفسيره »(٣)

ثم إنّ دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته ومباهلته إلى الله تعالى بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند الله ، والقسم على الله بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلّا الله ، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه ، ومباهلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهمعليهم‌السلام يعني احتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ وبعثته

______________________

(١) الدرّ المنثور ٢ / ٣٩

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠

(٣) تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩

٦١

كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته ، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم ، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهمعليهم‌السلام وبين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يفيد ذلك حديث :« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي »

فمنزلة الإمام عليعليه‌السلام بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته ، كما شارك هارون موسى في دعوته ، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دليل حجّيتهم ومشاركتهمعليهم‌السلام معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ صدق بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهمعليهم‌السلام

« محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية »

تدلّ على إمامة أمير المؤمنين :

س : كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة عليعليه‌السلام ؟

ج : يستدلّ علماؤنا بكلمة :( وَأَنفُسَنَا ) (١) على إمامة الإمام عليعليه‌السلام ، تبعاً لأئمّتناعليهم‌السلام

ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه ، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى ، بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قالعليه‌السلام (٢)

وروى الشيخ المفيدقدس‌سره : أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضاعليه‌السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام يدلّ عليها القرآن ؟

فذكر له الإمام الرضاعليه‌السلام آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة :( وَأَنفُسَنَا ) (٣)

______________________

(١) آل عمران : ٦١

(٢) أُنظر : تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٢

(٣) الفصول المختارة : ٣٨

٦٢

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما أمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط ، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط ، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج علياً ، فكان عليعليه‌السلام نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

إلّا أنّ كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكونعليه‌السلام مساوياً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الخصوصيات ، إلّا ما أخرجه الدليل وهو النبوّة ، إذ لا نبيّ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ومن خصوصيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أفضل من جميع المخلوقات ، فعليعليه‌السلام كذلك ، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، إذاً لابدّ من تقدّم عليعليه‌السلام على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين

(عبد الله الكويت ٢٨ سنة خرّيج ثانوية)

شأن نزولها في مصادر أهل السنّة :

س : في شأن من نزلت آية المباهلة ؟ ومن خرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمباهلة ؟ وهل صحيح أنّ بعض الصحابة خرجوا معهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : إنّ الآية المباركة نزلت في شأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن خرج معه ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فقط دون غيرهم ، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم ، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة : كـ « الجامع الكبير » ، و « المستدرك على الصحيحين » ، و « أحكام القرآن » ، وغيرها(١)

نعم ، هناك رواية بلا سند في « السيرة الحلبية »(٢) ، تضيف عائشة وحفصة

كما توجد رواية تقول : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان ، ______________________

(١) أُنظر : الجامع الكبير ٥ / ٣٠٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، أحكام القرآن ٢ / ١٨ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ٣٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٩٣

(٢) السيرة الحلبية ٣ / ٢٩٩

٦٣

وأبو بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده

لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها :

أوّلاً : إنّها روايات آحاد

ثانياً : إنّها روايات متضاربة فيما بينها

ثالثاً : إنّها روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتّفق عليها

رابعاً : إنّها روايات تعارضها روايات الصحاح

خامساً : إنّها روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّ أسانيدها ضعيفة

إذاً ، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ ، من أنّ الذين خرجوا معهصلى‌الله‌عليه‌وآله هم : علي وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام

« ـ الكويت ـ »

جواز المباهلة لغير المعصوم :

س : هل هناك إذن وجواز شرعي للمباهلة لغير المعصومعليه‌السلام ، أي في زماننا ؟ وكيف ذلك ، هل في كافّة المواضيع ، أو في حالات خاصّة ؟

ج : وردت أحاديث في هذا المجال(١) تفيد هذا المعنى ، ولكن الذي يبدو منها أنّ هذا الأمر ـ المباهلة ـ يختصّ بموضوع العقيدة ، لا مطلق المواضيع

أي أنّ ظاهر هذه الروايات اختصاص المسألة بموارد إنكار الحقّ ، وعدم تأثير الأدلّة والحجج في نفوس البعض ، وإصرارهم على الباطل ، ففي هذه الحالة التي يتوقّف إظهار الحقّ على الإقدام بالمباهلة ، يجوز إتيان ذلك بالمواصفات التي جاءت في الروايات من الصوم ، والالتزام بالوقت المحدّد وغيرها

______________________

(١) الكافي ٢ / ٥١٣ باب المباهلة

٦٤

« محمّد ـ »

سبب تخلّي النصارى عن المباهلة :

س : كيف عرفت النصارى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية المباهلة على حقّ ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك ، فكيف لم يعترفوا بدينه ؟

ج : هناك احتمالان في المقام :

١ ـ أن يكون قد أذعنوا في أنفسهم لحقّانية الدين الإسلامي ، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه ، قال تعالى :( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) (١)

٢ ـ أنّهم عندما رأوا أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة ، عرفوا بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على يقين من أمره ، فبات الأمر واضحاً عندهم ، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده ، كان الواجب عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه ، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام

فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المناقشة ، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة

______________________

(١) النمل : ١٤

٦٥
٦٦

آية المودّة :

« أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة »

ثابتة في حقّ أهل البيت :

س : يقول البعض : بأنّ الأحاديث الواردة في آية المودّة على أنّها في آل بيت
محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها موضوعة ، والسبب أنّ آية المودّة في سورة الشورى وهي مكّية ، وأنّ الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام قد تزوّجا بعد وقعة بدر ، أي كانوا في المدينة ، فما هو ردّكم عليه ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : لاشكّ ولا شبهة في ورود الأخبار المأثورة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام على أنّ آية المودّة نازلة في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام بشهادة المصادر المتواترة(١)

وأمّا وجودها في سورة مكّية فلا يضرّ بالمعنى ـ وكم له نظير من ورود آيات مكّية في سور مدنية وبالعكس ـ بعدما ثبت عند الكثير من العلماء والمفسّرين أنّ هذه الآية مع ثلاث آيات بعدها قد نزلت في المدينة المنوّرة(٢)

فتحصّل أنّ نسبة الوضع لهذه الأحاديث ممّا لا ينبغي فرضها ، فضلاً عن صدورها عن أحد

______________________

(١) أُنظر : الدرّ المنثور ٦ / ٧ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٨٩ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٨٩ ، تفسير الكبير ٩ / ٥٩٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٣ ، ذخائر العقبى : ٢٥ ، ينابيع المودّة ٣ / ١٣٧ ، وغيرها من المصادر

(٢) أُنظر : روح المعاني ١٣ / ١١ ، الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ١

٦٧

« عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية »

تدلّ على مودّة أهل البيت :

س : ليس المقصود من القربى في آية المودّة هم : علي وفاطمة وابناهما ، وإنّما المقصود منها التودّد إلى الله تعالى بالطاعة والتقرّب ، أي : لا أسألكم عليه أجراً إلّا أن تودّوه وتحبّوه تعالى بالتقرّب إليه

ج : إنّ مستند هذا القول هو رواية منسوبة إلى ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « قل لا أسألكم عليه أجراً على ما جئتكم به من البينات والهدى ، إلّا أن تتقرّبوا إلى الله بطاعته »(١)

ويرد على هذا القول عدّة أُمور منها :

١ ـ إنّ الرواية التي يستند إليها ضعيفة السند ، كما صرّح بذلك ابن حجر العسقلاني في « فتح الباري »(٢)

٢ ـ لم يرد في لغة العرب استعمال لفظ القربى بمعنى التقرّب

٣ ـ إنّ التقرّب إلى الله تعالى هو محتوى ومضمون الرسالة نفسها ، فكيف يطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التقرّب إلى الله تعالى ، لأجل التقرّب إلى الله تعالى ، وهذا أمر لا يعقل ولا يرتضيه الذوق السليم ، لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الأجر والمأجور عليه واحد

هذا وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومحبّتهم ، ونزول آية المودّة فيهمعليهم‌السلام

« محمّد ـ قاسم ـ لبنان »

حكمة طلب الأجر للقربى فيها :

س : يقال في آية المودّة : إنّه لا يناسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطلب أجراً على الرسالة
______________________

(١) أُنظر : فتح الباري ٨ / ٤٣٤

(٢) نفس المصدر السابق

٦٨

في مودّة قرباه ، فما هو الردّ ؟ وشكراً لكم

ج : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما يطلب المودّة لأقربائه ، ويجعلها أجراً على رسالته لا يعني بذلك جميع أقربائه ، لأنّ ذلك ينافي صريح القرآن ، إذ كيف يطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مودّة من لعنه الله في كتابه ـ كأبي لهب ـ وإنّما يطلب المودّة لجماعة خاصّة ، وأفراد معيّنين من أقربائه ، والذين بهم يتمّ حفظ الرسالة الإسلامية ، والنبوّة المحمّدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام من أهل البيت

ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما يطلب الأجر ، فهو بالحقيقة عائد إلى المسلمين لا إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا إلى أهل بيتهعليهم‌السلام ، لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودّة بالقدر الذي يفيد سائر الأُمّة في الحفاظ على مبادئ الدين ، وكتاب الله المبين ، وسيرة سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله

« ـ البحرين ـ »

كيف تدلّ على الإمامة :

س : هناك موضوع يختلج في ذهني وهو : إنّ آية المودّة في القربى كيف تدلّ على الإمامة ؟

وبعبارة أُخرى : علمنا من الآية بأنّ مودّة ومحبّة ذوي القربى ـ وهم أهل البيتعليهم‌السلام ـ فرض وواجب كبقية الواجبات ، ولكن من أين لنا أن نستنتج بأنّهم أئمّة وقادة ؟ فإنّ المحبّة قد لا تستلزم وجوب الطاعة لهم ؟

ج : إنّ الروايات قد بيّنت أنّ المودّة ليست واجبة لجميع قرابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعن ابن عباس قال : لمّا نزلت :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودّتهم ؟
______________________

(١) الشورى : ٢٣

٦٩

قال :« علي وفاطمة وابناهما » (١)

وفي رواية أُخرى عن ابن عباس أيضاً قال :« علي وفاطمة وولدهما »

فالآية مع ضميمة الروايات المفسّرة لها أوجبت مودّة هؤلاء ـ علي وفاطمة وولدهماعليهم‌السلام ـ وحيث إنّ هذا التوادّ على نحو الإطلاق من غير تحديد بوقت أو صفة فلابدّ أن يكون المؤمن دائماً موادّاً لأهل البيتعليهم‌السلام

والمودّة المطلقة تستلزم وجوب الاتباع والاقتداء وإلّا لم يكن لها معنىً ، لأنّه لو انفكت الموادّة في مورد واحد لكان ذلك خلاف ما تقدّم من الوجوب مطلقاً ، وهذا يستلزم الاتباع والاقتداء

« موسى ـ »

هي مسألة عقائدية :

س : كيف تحكمون بأنّ المستفاد من آية المودّة أنّها لتحكيم أمر العقيدة ، وترسيخ الدين ، والحال أنّ الظاهر من الآية هي مجرد إظهار الودّ والمحبّة ؟

ج : مضافاً إلى وجود دليل عقلي في المقام ، وهو أنّ التخصيص الثابت ـ استناداً إلى الأخبار الصحيحة والمتواترة ـ بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام في هذا الموضوع ، يدلّ بكلّ وضوح على أنّ هناك سبب خاصّ ، وهو تعظيم أمر الدين وتركيز قواعده ، وإلّا فلا دليل لاختصاص المودّة لقرابة دون قرابة

مضافاً إلى هذا كلّه ، يمكننا معرفة الجواب من القرآن الكريم ، فقد وردت عدّة آيات تصرّح بأنّ الأجر المطلوب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو استمرارية وبقاء الدين(٢)

ثمّ بمقارنة هذه الآيات بآية المودّة نعرف بأنّ المودّة المفروضة والمطلوبة هي في

______________________

(١) ذخائر العقبى : ٢٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٣ ، المعجم الكبير ١١ / ٣٥١ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٩١ و ١٩٤ ، الدرّ المنثور ٦ / ٧ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٢٥ و ٤٥٣ و ٣ / ١٣٧

(٢) يوسف : ١٠٤ ، الفرقان : ٥٧ ، سبأ : ٤٧ ، ص : ٨٦ ، الأنعام : ٩٠

٧٠

الواقع لضمان حياة هذا الدين ، وصونه عن الانحراف والضياع ، وبهذا نستنتج بأنّ المودّة المذكورة هي مسألة العقيدة لا غير

« عبد الله ـ باكستان ـ ٣٠ سنة »

الاستثناء فيها منقطع لا متّصل :

س : قال ابن منظور في باب « ودد » : « لأنّ المودّة في القربى ليست بأجر » (١) ، بناء على أنّ الاستثناء هنا منقطع ، فما هو الجواب ؟

ج : لفهم الجواب نشير إلى عدّة نقاط :

١ ـ ينبغي تقديم مقدّمة عن ظهور الاستثناء ودلالاته عند استعماله فنقول : قال العلّامة التستري : « الظاهر أنّ دعوى الاختلاف اختلاق من الناصب الذي ليس له خلاق ، لما تقرّر عند المحقّقين من أهل العربية والأُصول : أنّ الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، وأنّه لا يحمل على المنقطع إلّا لتعذّر المتّصل ، بل ربّما عدلوا عن ظاهر اللفظ الذي هو المتبادر إلى الذهن مخالفين له لفرض الحمل على المتّصل الذي هو الظاهر من الاستثناء ، كما صرّح به الشارح العضدي حيث قال : واعلم أنّ الحقّ أنّ المتّصل أظهر ، فلا يكون مشتركاً ـ لفظاً ـ ولا للمشترك ـ معنى ـ بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع ، ولذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلّا عند تعذّر المتّصل ، حتّى عدلوا للحمل على المتّصل عن الظاهر وخالفوه فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً ، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهرٍ حذراً عنه »(٢)

ثمّ قال السيّد المرعشي النجفي معلّقاً : « إنّ المستثنى إن لم يكن داخلاً في المذكور كان استثناؤه عنه لغواً غير صالح لأن يذكر في كلام العقلاء ، فالمستثنى عند انقطاع الاستثناء أيضاً داخل في المذكور بنحو من الدخول ،
______________________

(١) لسان العرب ٣ / ٤٥٤

(٢) إحقاق الحقّ ٣ / ٢١

٧١

وليس الاستثناء إلّا إخراج ما لولاه لدخل ، ومعلوم أنّ الإخراج فرع الدخول بالضرورة العقلية ، والبداهة الأوّلية والذي هو الفارق بين المتّصل والمنقطع من الاستثناء بعد اشتراكهما في دخول المستثنى في المستثنى منه ، دخوله فيه على نحو الحقيقة في المتّصل ، وبنحو من أنحاء الدخول غير الدخول على نحو الحقيقة في المنقطع

فتحصّل : أنّ مصحّح الاستثناء دخول المستثنى في المستثنى منه بنحوٍ من الدخول ، وإلّا فلا يسوغ في قانون المحاورات العرفية استثناؤه عنه ، فلابدّ لمن يريد فهم مفاد الآية الكريمة :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) بحسب المحاورات العرفية أن يحاول التفهّم والتفحّص عن مصحّح استثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة(٢)

فتبيّن ممّا قدّمنا :

أ ـ إنّ الأصل في الاستثناء هو الحمل على المتّصل مهما أمكن ، ولو بارتكاب مخالفة ظاهر أو ما شابه ، وإلّا فإنّه منقطع

ب ـ وعلى التسليم بأنّ الاستثناء هنا منقطع يتمّ به المطلوب أيضاً ، حيث إنّ الاستثناء لا يصحّ إلّا لوجود علاقة بين المستثنى والمستثنى منه ولو بنحو من الدخول ، كأن يكون من توابعه ، أو من شأنه وليس داخلاً حقيقة كما سنوضّحه لاحقاً

٢ ـ لننقل الكلام الآن في البحث عن سبب صرفهم الآية عن ظاهرها ، والاستثناء عن ظاهره أيضاً ، وهو كونه متّصلاً وجعله منقطعاً فنقول : إنّهم فعلوا ذلك للأسباب التالية :

أ ـ لقولهم : بأنّ المودّة ليست بأجر ، لأنّها ليست أجراً دنيوياً مادّياً ، فلا يصحّ إدخالها في جملة الأجور التي تقدّم مقابل أيّ شيء ، لاسيّما تبليغ الرسالة

______________________

(١) الشورى : ٢٣

(٢) إحقاق الحقّ ٣ / ٢٠

٧٢

ب ـ عدم جواز سؤال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس أن يكافؤوه ويشكروه ، وينتظر منهم الأجر على ما قدّمه لهم من نصح وهداية ، وتبليغ رسالة ربّه لهم ، لأنّ ذلك ينافي الإخلاص ، وانتظار الأجر والثواب من الله تعالى

ج ـ مخالفة هذه الآية لآيات أُخَر كثيرة تذكر حوار الأنبياء والرسل ، وكذلك نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه مع قومه ، كما حكى سبحانه عنهم :( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) ، وقوله :( وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (٢) ، وقوله :( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (٣) ، وقوله :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (٤) وغيرها من الآيات ، فهذه أهمّ ما يمكن أن يتسبّب في قولهم بالاستثناء المنقطع

وللجواب عن هذه الأُمور نقول :

أ ـ يجوز أن تكون المودّة والمحبّة لأهل البيتعليهم‌السلام أجراً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعدّة أسباب :

١ ـ كونه ظاهر الآية ، وكذلك كونه ظاهر الاستثناء ، كما بيّنا في المقدّمة ، من وجوب البناء على كونه متّصلاً ، إلّا إذا استحال ذلك ، وعلى أقلّ تقدير كون المتّصل أظهر من المنقطع ، أو أنّه حقيقة والمنقطع مجاز ، فما شئت فعبّر ، فظاهر القرآن جعل المودّة أجراً

٢ ـ كون الأجر غير محصور بالأجر المادّي ، وإنّما يشمل المعنوي أيضاً ، لأنّه عمل اختياري ذو قيمة محترمة ، ومعتدّ بها شرعاً وعقلاً وعرفاً ، فتدخل المودّة في مصاديق عنوان الأجر

______________________

(١) الشعراء : ١٨٠

(٢) هود : ٢٩

(٣) هود : ٥١

(٤) الأنعام : ٩٠

٧٣

فالمحبّة لله ولرسوله ولأهل البيت وللمؤمنين عموماً ثابتة ، ومأمور بها شرعاً ، كقوله تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (١) ، وقوله :( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٢) ، فبيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية : بأنّ محبّتنا لله وللرسول لها أجر ، هو مبادلتنا الحبّ مع غفران الذنوب ، وهذا يدلّ على قيمة هذا العمل واحترامه والأمر به

٣ ـ كون الروايات ، والكثير من المتقدّمين والمتأخّرين ينصّون عند تفسير آية المودّة على جعل المودّة أجراً بصراحة ووضوح ، وهذا يدلّ على صحّة كون المودّة أجراً

٤ ـ كون المودّة والمحبّة أنسب أجرٍ يقدّمه المهتدي لهاديه ، مع نفعه العظيم لنفس المكلّف ، فإنّ المحبّة تستلزم الاتباع المطلق والولاية المطلقة ، ومحبّة أولياء الله الكاملين ، وتستلزم أيضاً محبّة الطرف الثاني له ، والشفاعة له والحشر معه ، فمن أحبّ قوماً حشر معهم

٥ ـ كون المحبّة والمودّة لأهل البيتعليهم‌السلام عمل يستطيع كلّ مكلّف فعله ، لقدرة الجميع عليها ، فيناسب جعلها أجراً لعدم اختصاصها بشخص دون شخص ، وبلا فرق بين صغير وكبير ، رجل وامرأة ، صحيح ومريض ، مطيع وعاصٍ ، غني وفقير ، وبلا استثناء أو تخلّف ، فتبيّن : أنّ توهّمهم بأنّ المودّة لا تكون أجراً واضح البطلان

ب ـ قد يجاب عن هذه النقطة ، وهذا الإشكال بأُمور منها :

١ ـ إنّ طلب الجزاء والشكر من قبل المحسن ، من الذين أحسن إليهم ليس مستحيلاً ولا معيباً ، بل هو أمر وارد وعقلائي وعرفي ، بل وقرآني ، فقد حكى
______________________

(١) التوبة : ٧١

(٢) آل عمران : ٣١

٧٤

القرآن الكريم ذلك عن الله تعالى ، إذ قال :( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (٢) ، وراجع الآيات التالية أيضاً : يونس : ٦٠ ، ويوسف : ٢٨ ، وإبراهيم : ٣٧ ، والنمل : ٧٣ ، وياسين : ٢٥ ـ ٧٣ ، وغافر : ٦١

وكذلك ما يؤخذ من أجور ، مثل الطبيب والخليفة والقاضي ، ومعلّم القرآن وغيرها من الأعمال القريبة والتعبّدية ، ولا ينافي أخذهم الأجر الدنيوي لمعاشهم ، مع طلبهم الثواب منه سبحانه

٢ ـ قد ثبت طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض الأُمور والمنافع له ـ كما هو الحال هنا ـ ولم ينكره أحد ، كطلبه من أُمّته الصلاة والسلام عليه ، وكذلك لمن يسمع الأذان ، أو يؤذّن أو يقيم أن يسأل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ، وكذلك طلب من الناس محبّته ومحبّة أهل بيته ، وعدم أذيته أو أحد من أهل بيته في كثير من الأحاديث المستفيضة ، فهذا كهذا سيّان

٣ ـ في هذا الطلب بيان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أهمّية أهل بيتهعليهم‌السلام ، والاهتمام بهم ومحبّتهم والإحسان إليهم ، وأنّ ذلك يريحه ويفرحه ، ويكون وفاءً حقيقياً له ، وشكرهم وامتنانهم لهذا البيت الطاهر على ما قدّمه وضحّى وصبر من أجلهم

٤ ـ إنّ كون طلب الأجر هنا لا ينافي الإخلاص ، لأنّه جاء بأمر من الله تعالى ، فإنّه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطلب الأجر على الرسالة بمودّة أهل بيته

ج ـ أمّا ادعاء التعارض بين ظاهر هذه الآية والآيات الكريمة الأُخرى التي تنفي سؤال الأنبياء والرسل الأجر من الناس على أداء وتبليغ رسالة ربّهم ودينهم ،
______________________

(١) البقرة : ٢٤٣

(٢) الفتح : ٩

٧٥

فنقول : يمكن تصنيف الآيات الواردة في موضوع الأجر إلى أربعة أصناف ، وهي :

الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (١)

الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقول سبحانه :( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (٢)

الثالث : ما يعرف أجره بقوله :( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) (٣) ، فكان اتخاذ السبيل إلى الله هو أجر الرسالة

الرابع : ما يجعل مودّة القربى أجراً للرسالة ، فيقول :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٤)

فتبيّن من مجموع هذه الآيات : بأنّه هناك أجر دنيوي وأُخروي ، وما تجمع على نفيه جميع هذه الآيات هو الأجر الدنيوي ، فيبقى الأجر الأُخروي ، فنستطيع فهمه على الاتصال كما يلي :

إنّ الأجر المطلوب من الناس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلوب من أُناس يريدون أن يتقرّبوا إلى الله تعالى ، ويتّخذوا له سبيلاً ، فبهذه المودّة يثبت لهم ما يريدون ، وكذلك فإنّه بالتالي يكون التزامهم بالمودّة وإرادتهم سبيل الله تعالى ، يكون نفعه عائد إليهم أوّلاً ، ومن ثمّ يعود أجره وثوابه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الدالّ على الخير كفاعله ، فهو السبب والدليل لجميع القربات ، فيرجع الأجر بالتالي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، وبالتالي نستطيع إثبات أنّ المودّة أجر دون أيّ مانع ، أو تصادم أو تعارض

وكلّ ذلك على القول بأنّ الاستثناء هنا متّصل ، وأمّا على القول بالانقطاع ،
______________________

(١) الأنعام : ٩٠

(٢) سبأ : ٤٧

(٣) الفرقان : ٥٧

(٤) الشورى : ٢٣

٧٦

فثبوت ذلك أسهل وأوضح دون أيّ مشكلة ، بل أكثر علمائنا أكّدوا على وجوب كون الاستثناء هنا منقطعاً ، لأنّه بذلك يثبت المدّعى بسهولة ويسر ووضوح ، فنقول لبيان ذلك :

قال الشيخ السبحاني : « إنّ مودّة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر ، حيث استثنيت من نفي الأجر لكنّه أجر صوري ، وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحبّ قبل رجوعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ مودّة ذي القربى تجرّ المحبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أسوة في دينه ودنياه ، ومن الواضح أنّ المحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحبّ .

إنّ طلب المودّة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعدما فحصه وكتب له وصفة : لا أُريد منك أجراً إلّا العمل بهذه الوصفة ، فإنّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب ، بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، فكأنّ يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودّة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع أمراً غريباً في القرآن ، بل له نظائر مثل قوله تعالى :( لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ) (١)

وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال(٢) وقال : « والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة ، لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه : قل لا أسألكم عليه أجراً ، لكن ألزمكم المودّة في القربى وأسألكموها »(٣)

______________________

(١) مريم : ٦٢

(٢) أهل البيت : ١٤٦

(٣) تصحيح اعتقادات الإمامية : ١٤١

٧٧

وقال السيّد المرعشي النجفي : « والذي لا ينكره ذو نظر سليم ، وفهم مستقيم غير منحرف عن جادّة الإنصاف ، أنّه بعد قيام القرائن الخارجية على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يطالب من الناس أجراً لرسالته ، لكون تحمّله لأعباء الرسالة خالصاً لوجه الله الكريم ومرضاته ، إنّ المصحّح لاستثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة دخولها في أجر الرسالة شأناً ـ كما بيّننا آنفاً في الاستثناء المنقطع ـ وأنّ المودّة في قربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجر لرسالته ، لولا أنّ الرسالة لا تقبل الأجر من الناس ، فتبيّن إنّ مفاد الآية : أنّ أجر الرسالة لولا كون مقام الرسالة أجل من أن يؤدّي الشاكرون ما يحاذيها من العوض ، وكون مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أرفع من سؤال الأجر على تحمّل الرسالة ، وأسنى من تنزيل شأن الرسالة إلى حيث يقابلها الناس بشيء ممّا يقدرون عليه من الأعواض والأبدال ، وبنى الأمر على ما هو عليه طريقة العقلاء من مطالبة الأعواض بإزاء المنافع الواصلة منهم إلى الناس ، لا يكون ممّا طلبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بإزاء رسالته إلّا المودّة في قرباه ، وقد أمره الله بهذه المطالبة تنبيهاً لجماعة المسلمين على أمرين :

١ ـ إنّ الاهتمام بالمودّة في قربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ عند الله من سائر الحسنات طرّاً ، بحيث كانت هي التي تنبغي مطالبتها أجراً للرسالة

٢ ـ بيان شدّة محبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لقرباه ، بحيث لو بنى على مطالبته من الناس أجراً على رسالته لم يطلب منهم أجراً إلّا المودّة في قرباه ، والإحسان إليهم »(١)

______________________

(١) إحقاق الحقّ ٣ / ٢١

٧٨

آية الولاية :

« حميد ـ عمان ـ »

دلالتها على إمامة أمير المؤمنين :

س : هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟

ج : قال تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١)

ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليعليه‌السلام حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة(٢)

ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام عليعليه‌السلام واضحة ، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته ، وولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، والرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية الإمام عليعليه‌السلام بحكم المقارنة

« منير ـ السعودية »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ولكن هناك من يقول : إنّ قوله تعالى : ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) إنّما هي صفة ، أي أنّهم يصلّون ، وأيضاً هم يركعون ، أي أنّها تكرار للجملة ، فحين

______________________

(١) المائدة : ٥٥

(٢) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ح ٢٢٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١

٧٩

ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى بقوله :( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع ، وهذا يدعو للاستغراب ، فكيف أرد عليه بالردّ الشافي ؟ ولكم جزيل الشكر

ج : إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع ، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو تصدّق الإمام عليعليه‌السلام بخاتمه على الفقير ، في حال الركوع أثناء صلاته

إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولكن هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان ، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعلي وآلهعليهم‌السلام ، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة ، حول هذه الآية وأمثالها ، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها ، من فصل إيتاء الزكاة من حال الركوع

ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبائي ، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب « المغني »(١)

وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه « الشافي في الإمامة » بقوله : « ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي ، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع ، ولابدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة ، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا : الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك ، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب ، معنى الحال دون غيرها ، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله : إنّه يجود بماله في حال ضحكه ، ويغشى إخوانه في حال ركوبه

ويدلّ أيضاً عليه أنّا متى حملنا قوله تعالى :( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢)
______________________

(١) المغني ٢٠ / القسم الأوّل / ١٣٧

(٢) المائدة : ٥٥

٨٠

على خلاف الحال ، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة ، ومن وصفهم أنّهم راكعون ، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر ، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار ، لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة ، وصفهم بأنّهم راكعون ، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره ، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه ، استفدنا بها معنى زائداً ، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى »(١)

« منار أحمد ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب »

احتجّ بها الإمام علي :

س : أُودّ أن أحصل على ردّ شافي على من يقول : إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) على إمامة عليعليه‌السلام ، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام علي ؟

ج : في الجواب نشير إلى مطالب :

أوّلاً : إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيرة عقلاً ونقلاً تكاد لا تحصى ، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال

ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه ، هو أنّ الإمامعليه‌السلام لم يكن ملزماً ـ لا عقلاً ولا شرعاً ـ بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة ، بل بالمقدار الذي يلقي الحجّة على الناس ، وهذا هو الذي حدث بعد ما علمنا من احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير ، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح ، وبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم ؟!

ثانياً : لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا ، فهل هذا دليل على عدم صدوره منهعليه‌السلام ؟ مع أنّ المتيقّن هو : عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا ، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء ، فإنّهم أخفوا
______________________

(١) الشافي في الإمامة ٢ / ٢٣٦

٨١

الكثير من فضائل ومناقب أهل البيتعليهم‌السلام ، فما ظهر منها فهو غيض من فيض

ثالثاً : ثمّ لنفرض مرّة أُخرى ، أنّ الإمامعليه‌السلام لم يحتجّ بها واقعاً ، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامتهعليه‌السلام ؟ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين

رابعاً : هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي في تفسيره للآية ، حيث قال : « فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل ، وليس للقوم أن يقولوا : إنّه تركه للتقية ، فإنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير »(١)

فنقول ردّاً عليه : بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة(٢) ، وقد أشار إلى بعض الحديث جمع من مصادر أهل السنّة(٣)

« آمنة ـ البحرين ـ »

رواية صحيحة تحكي واقعة التصدّق :

س : ما هي قصّة تصدّق الإمام علي عليه‌السلام بالخاتم؟

ج : إنّ تصدّق الإمام عليعليه‌السلام بالخاتم ، موضع اتفاق الشيعة وأهل السنّة ، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السنّة تحكي واقعة التصدّق :

روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عباس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبق في المسجد غير علي قائماً ، يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين ، فلم ير في المسجد أحداً خلا علياً ، فأقبل نحوه فقال : يا ولي الله بالذي تصلّي له ، أن تتصدّق عليّ بما أمكنك ، وله خاتم عقيق يماني أحمر ، كان يلبسه في
______________________

(١) التفسير الكبير ٤ / ٣٨٥

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٠٢ ، أمالي الشيخ الطوسي : ٥٤٩ ، الخصال : ٥٨٠

(٣) أُنظر : المناقب للخوارزمي : ٣١٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٢

٨٢

الصلاة في يمينه ، فمدّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى ، وهبط جبرائيل ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : فقد باهى الله بك ملائكته اليوم ، اقرأ :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) (١)

« عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة »

في مصادر الشيعة والسنّة :

س : أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر

أُريد أدلّة من كتبنا المعتبرة ، على أنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد تصدّق بالخاتم ، ثمّ أدلّة من كتب إخواننا أهل السنّة

ج : إنّ الكثير من مصادرنا ذكرت حديث التصدّق بالخاتم ، فراجع الكافي والاحتجاج والخصال وغيرها من المصادر(٢)

وبعض هذه الأحاديث في غاية الاعتبار من حيث السند ، كالتي وردت في « تفسير القمّي » ، وإن كانت استفاضتها تغنينا عن البحث في إسنادها

وأما المصادر السنّية في الموضوع فقد تجاوزت العشرات ، بل المئات في المقام(٣)

حتّى بعض علمائهم ـ كالتفتازاني(٤) والقوشجي(٥) والقاضي الإيجي(٦)
______________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٢١٢

(٢) أُنظر : الكافي ١ / ٢٨٨ ، الاحتجاج ١ / ١٦١ ، الخصال : ٥٨٠ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٨٦ ح ١٩٣ ، تفسير القمّي ١ / ١٧٠

(٣) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٨٣ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥٤

(٤) شرح المقاصد ٥ / ٢٧٠

(٥) شرح تجريد العقائد : ٣٦٨

(٦) المواقف : ٤٠٥

٨٣

والجرجاني(١) وغيرهم ـ يصرّحون : بأنّ آية الولاية نزلت في حقّ عليعليه‌السلام حين أعطى السائل خاتمه ، وهو راكع

« حميد عبد الشهيد ـ البحرين ـ »

تصدّق علي بالخاتم أثناء الصلاة عبادة :

س : سؤالي هو : نحو تصدّق الإمام علي بالخاتم ، وهو يصلّي ، والمعروف على أنّ الإمام إذا صلّى لا تجلس روحه في الأرض ، ولكن تسبّح في ملكوت الله ، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير ؟ لابدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت ، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل

وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث ؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة ؟ لأنّ ما يقال : إنّه كان في وقت عبادة ، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه ، لكن هذا الجواب لا يغنيني ، شاكرين لكم

ج : للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط :

١ ـ لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب عليعليه‌السلام

٢ ـ هذا الالتفات من أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يكن إلى أمر دنيوي ، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة

٣ ـ المعروف عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه جمع في صفاته بين الأضداد ، حتّى إنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب ـ الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ عن نفس هذا الأشكال الذي ذكرتموه أجاب ببيتين :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من

فعل الصُحاة فهذا واحد الناس

______________________

(١) شرح المواقف ٨ / ٣٦٠

٨٤

كما نقله عنه الآلوسي في « روح المعاني »(١)

« عثمان خليل ـ سنّي ـ »

في مصادر أهل السنّة :

س : أشكركم على الردّ على رسالتي السابقة ، أمّا بعد :

بعد نقاشي مع بعض الإخوة من الشيعة ، علمت أنّ الآية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، هي من الأدلّة التي يستدلّ بها الشيعة على إمامة عليرضي‌الله‌عنه ، وأنا عندي بعض الملاحظات على هذا الدليل :

١ ـ هل بالإمكان أن تزوّدوني بالمصادر التي تذكر أنّ الآية نزلت في علي ، على شرط أن تكون من كتب أهل السنّة ، وأن يكون سند الروايات صحيحاً ؟

٢ ـ هناك بعض الأُمور التي تثبت عدم نزولها في عليرضي‌الله‌عنه ، وهي :

أوّلاً : الآية جاءت في صيغة الجمع( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، فكيف تكون في علي ؟

ثانياً : يقول الله تعالى :( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ، وأنتم تقولون : تصدّق علي بالخاتم ، وكما تعلمون هناك فرق بين الزكاة والصدقة ، وهذا يبطل ما ذهبتم إليه في شأن نزول الآية

ثالثاً :( إِنَّمَا ) أداة حصر كما تعلمون ، فلو سلّمنا أنّ الآية نزلت في علي ، فإنّ هذا يعني أنّ الولاية حصرت في الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليرضي‌الله‌عنه فقط ، وهذا ينفي إمامة باقي الأئمّة الذين تعتقدون بإمامتهم ، لذلك فإنّ استدلالكم بهذه الآية يخالف عقائدكم فضلاً عن عقائدنا ، وهذا أيضاً يبطل استدلالكم بالآية

______________________

(١) روح المعاني ٣ / ٣٣٦

(٢) المائدة : ٥٥

٨٥

وأخيراً : أرجو أن يتّسع صدركم لهذه الأسئلة ، وجزاكم الله خيراً

ج : إنّ هذه الآية ـ بضميمة شأن نزولها ـ من الأدلّة القاطعة على إمامة عليعليه‌السلام ، وأمّا الكلام على الملاحظات التي أبديتها فهو كما يلي :

١ ـ إنّ المصادر التي ذكرت هذا الموضوع كثيرة جدّاً عند الفريقين ، بحيث يصبح الموضوع متواتراً والتواتر آية اليقين والعلم ـ والإحاطة بجميع هذه الموارد غير يسيرة ، فلنكتف بالمقدار الأقلّ من كتب العامّة(١)

والجدير بالذكر أنّ بعض العلماء من العامّة ينقل إجماع المفسّرين في المقام على هذا الموضوع(٢) ، ثمّ هل يبقى شكّ وريب في نزول هذه الآية في حقّ الإمامعليه‌السلام بعد هذا ؟!

٢ ـ إنّ الأُمور التي ذكرت أو قد تذكر هي أُمور وهمية ، وليس لها قيمة علمية ، لأنّ المشكوك يجب أن يفسّر على ضوء المقطوع والمتيقّن ، فإنّ شأن نزول الآية ممّا لاشكّ فيه

وأمّا الجواب عن الموارد التي أشرت إليها ، فهي كما يلي :

أوّلاً : هذا المقام من الموارد التي يجوز فيها إطلاق صيغة الجمع وإرادة المفرد لأجل التفخيم والتعظيم

وفي رأي الزمخشري صاحب « الكشّاف » ـ وهو من وجوه مفسّري العامّة ـ
______________________

(١) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٨٣ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥٤ ، تفسير الثعالبي ٢ / ٣٩٦ ، جامع البيان ٦ / ٣٨٩ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٢٢١ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٧٧ ، مناقب الخوارزمي : ٢٠٠ و ٢٦٥ ، ذخائر العقبى : ١٠٢ ، ينابيع المودة ٢ / ١٩٢ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢١٨ ، زاد المسير ٢ / ٢٩٢ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٧٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٧ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٩ و ٢٧٠ ، نظم درر السمطين : ٨٦ ، أسباب نزول الآيات : ١٣٣ ، فتح القدير ٢ / ٥٣ ، روح المعاني ٣ / ٣٣٤ ، نور الأبصار : ١١٨ ، الرياض النضرة ٤ / ١٧٩ ، ومئات المصادر الأُخرى

(٢) المواقف في علم الكلام : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٧٠

٨٦

أنّ المقصود من نزول الآية بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ، ليتبعوا علياًعليه‌السلام في هذا الأمر ، ويتعلّموا منهعليه‌السلام (١)

هذا بالإضافة إلى أنّ القرآن فيه خطابات كثيرة ، استخدم فيها لفظ الجمع وأراد المفرد

ثانياً : إطلاق( الزَّكَاةَ ) على الصدقة المندوبة أمر سائغ وشائع عند أهل الاصطلاح ، فقد يطلق على الزكاة بأنّها صدقة واجبة ، وأُخرى يطلق على الصدقة المستحبّة بأنّها زكاة

وعلى أيّ حال ، فإنّ المقصود في الآية ـ بقرينة إعطائها في حال الركوع ـ هو الصدقة المندوبة والمستحبّة

ثالثاً : إنّ ولاية وإمامة باقي الأئمّةعليهم‌السلام ثبتت بأدلّة قطعية اُخرى مذكورة في محلّها

وأمّا مفاد( إِنَّمَا ) في المقام هو حصر إضافي ، أي حصر بالنسبة للموجودين في حياة الإمام عليعليه‌السلام

ثمّ إنّ هذه الولاية انتقلت بعد استشهاده إلى الأئمّة الأحد عشر من ولدهعليهم‌السلام ، فلا ننفي الحصر في الآية ، ولكن نحصرها في حقّ من كان في زمن أمير المؤمنينعليه‌السلام

« علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب »

( إِنَّمَا ) فيها أداة حصر :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين

لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، وجزاكم الله خير الجزاء :

إنّ آية الولاية التي جاءت في القران الكريم ، جاءت مقيّدة بأداة( إِنَّمَا ) ، ______________________

(١) الكشّاف ١ : ٦٢٤

٨٧

والسؤال هو : هل أداة إنّما تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر ؟ وما هي
هذه الأغراض ؟

ج : ( إِنَّمَا ) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة ، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه ، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه ، وهو المنقول عن أئمّة التفسير ويقتضيه التبادر حيث لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر

قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : إنّ القصر في قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) (١) لقصر الإفراد ، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الآية وغيرهم ، فأفرد المذكورين للقصر ، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب(٢)

وعلى كلّ حال فالأداة( إِنَّمَا ) أداة حصر هنا بل دائماً ـ كما ذكرنا آنفاً ـ عندما تكون متكوّنة من ( إنَّ ) المشبّهة بالفعل و ( ما ) الكافّة ، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس

______________________

(١) المائدة : ٥٥

(٢) الميزان في تفسير القرآن ٦ / ١٤

٨٨

ابن تيمية :

« جمال ـ ماليزيا ـ »

آراء علماء المذاهب حوله :

س : الإخوة في شبكة العقائد الكرام

تحيّة طيّبة مشكورة جهودكم الخيّرة في إيصال الحقائق لطالبيها ، سنكون ممتنين غاية الامتنان لو تفضّلتم بتفصيل آراء علماء المذاهب الإسلامية حول ابن تيمية ، مع خالص امتناننا وتقديرنا

ج : أطبقت آراء علماء المذاهب الإسلامية على انحراف وضلالة ابن تيمية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض الموارد :

١ ـ قالوا : « كفاك لعنة اقتدائك بالشقي ابن تيمية ، أجمع علماء عصره على ضلاله وحبسه ، ونودي من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه »(١)

٢ ـ « ولا زال ابن تيمية يتتبع الأكابر ، حتّى تمالا عليه أهل عصره ، ففسّقوه وبدّعوه ، بل كفّره كثير منهم »(٢)

٣ ـ رفض مجموعة من علماء المذاهب المختلفة آراءه ومعتقداته ، مثل : الإمام صدر الدين بن الوكيل المعروف بابن المرحل الشافعي ، الإمام أبو حيّان ، الإمام عزّ الدين ابن جماعة ، الإمام كمال الدين الزملكاني الشافعي ، ملّا علي القاري الحنفي ، شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، الإمام محمّد الزرقاني المالكي ، الإمام تقي الدين السبكي الشافعي ، الحافظ ابن حجر العسقلاني
______________________

(١) سيف الجبّار : ١٩

(٢) تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد : ١٠

٨٩

الشافعي ، الإمام عبد الرؤوف المنّاوي الشافعي ، الشيخ مصطفى الحنبلي الدمشقي ، الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر المكّي الشافعي ، الإمام صفي الدين الحنفي البخاري ، الحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي ، شيخ الإسلام صالح البلقيني الشافعي ، الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي(١)

٤ ـ إنّ شيخهم ابن تيمية ، قال عنه علّامة زمانه علاء الدين البخاري : إنّ ابن تيمية كافر ، كما قاله علّامة زمانه زين الدين الحنبلي ، إنّه يعتقد كفر ابن تيمية ، ويقول : « إنّ الإمام السبكي معذور بتكفير ابن تيمية ، لأنّه كفّر الأُمّة الإسلامية »(٢)

٥ ـ قال علماء المذاهب : إنّ ابن تيمية زنديق ، وقال ابن حجر : إنّ ابن تيمية عبد خذله الله ، وأضلّه وأعماه ، وأصمّه وأذلّه ، وقال العلماء : إنّ ابن تيمية تبع مذهب الخوارج في تكفير الصحابة ، وقال الأئمّة الحفّاظ : « إنّ ابن تيمية من الخوارج ، كذّاب أشر أفّاك »(٣)

٦ ـ فاعلم إنّي نظرت في كلام هذا الخبيث ـ ابن تيمية ـ الذي في قلبه مرض الزيغ المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة(٤)

هذا جملة ممّا أردنا ذكره هنا بعد إعراضنا عن الكثير ممّا قيل في هذا المجال

« الباحث عن الحقّ ـ سنّي »

اعتقاداته :

س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد ______________________

(١) أُنظر : شواهد الحقّ : ١٧٧

(٢) فضل الذاكرين والردّ على المنكرين : ٢٣

(٣) نفس المصدر السابق

(٤) التوسّل بالنبيّ وبالصالحين : ٢١٦

٩٠

فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ التي أرسل بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين ؟

ج : قبل التعرّض لكلمات شيخ المجسّمة ابن تيمية نقدّم كلام ابن الجوزي الحنبلي ، وما ذكره في حقّ الحنابلة لإيضاح الحقيقة أكثر

قال ابن الجوزي : « ورأيت من أصحابنا من تكلّم في الأُصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد الله بن حامد ، وصاحبه القاضي ، وابن الزاغوني ، فصنّفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أنّ الله تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً ، وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين ، وأصابع ، وكفّاً ، وخنصراً ، وإبهاماً ، وصدراً ، وفخذاً ، وساقين ، ورجلين ، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس

وقالوا : يجوز أن يَمس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته ، وقال بعضهم : ويتنفّس ، ثمّ يرضون العوام بقولهم : لا كما يعقل ! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظواهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا : صفة فعل ، حتّى قالوا : صفة ذات !

ثمّ لمّا اثبتوا أنّها صفات ذات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل : يد على نعمة وقدرة ، ومجيء وإتيان على معنى برّ ولطف ، وساق على شدّة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنّما يحمل على حقيقته إذا أمكن ، ثمّ يتحرّجون من التشبيه ، ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنّة ! وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام

٩١

وقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل

فإيّاكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثمّ قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها ، فظاهر القدم الجارحة ، فإنّه لمّا قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أنّ لله صفة هي روح ولجت في مريم ؟! ومن قال : استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسّيات

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنّا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو إنّكم قلتم : نقرأ الأحاديث ونسكت ، لما أنكر عليكم أحد ، إنّما حملكم إيّاها على الظاهر قبيح

فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ، حتّى صار لا يقال حنبلي إلّا المجسّم ، ثمّ زيّنتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أنّ أصحاب المذهب أجاز لعنته ، وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمّتكم : لقد شان المذهب شيناً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة »(١)

فهذا حال الحنابلة من أمثال أبي يعلى وغيره فهم مجسّمة حقيقية ، ويثبتون لله تعالى صفات لا تجوز إلّا على المخلوقين ، ومن شاء يرجع إلى طبقات الحنابلة التي ألّفها أبو يعلى ليرى التجسيم طافحاً فيها وفي تراجمه التي ذكرها

وبعد أن جاء ابن تيمية زاد الطين بلّة ، فبدل أن يغسل العار الذي شانه الحنابلة السابقين عن المذهب كحّله بأُمور وطامات عظيمة ، وإليك نزر يسير من التجسيم في كلمات ابن تيمية :

١ ـ يقول ابن بطّوطة : « وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين
______________________

(١) دفع شبه التشبيه : ٩٧

٩٢

ابن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر » !(١)

٢ ـ اعتقاده بأنّ الله تعالى في جهة ومكان :

يقول في ردّه على كلام العلّامة الحلّي : « وكذلك قوله : « كلّ ما هو في جهة فهو محدث » لم يذكر عليه دليلاً ، وغايته ما تقدّم أنّ الله لو كان في جهة لكان جسماً ، وكلّ جسم محدث ، لأنّ الجسم لا يخلو من الحوادث ، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث

وكلّ هذه المقدّمات فيها نزاع : فمن الناس من يقول : قد يكون في الجهة ما ليس بجسم ، فإذا قيل له : هذا خلاف المعقول ؟ قال : هذا أقرب إلى العقل من قول من يقول : إنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا الطريق أولى ، وإن ردّ هذا ردّ ذاك بطريق أولى ، وإذا ردّ ذاك تعيّن أن يكون في الجهة ، فثبت أنّه في الجهة على التقديرين »(٢)

وصريح كلامه في أنّ الله تعالى في جهة ومكان

٣ ـ إيمانه بقيام الحوادث بالله تعالى :

قال في ردّه على العلّامة الحلّي : « وأمّا قوله : « وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادث ، لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره » ، فيقال : هذه مسألة كلام الله تعالى والناس فيها مضطربون ، وقد بلغوا فيها إلى تسعة أقوال »(٣)

______________________

(١) رحلة ابن بطوطة : ١١٢

(٢) منهاج السنّة ٢ / ٦٤٨

(٣) المصدر السابق ٢ / ٣٥٨

٩٣

فإن قلتم لنا : فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ ؟ قالوا لكم : نعم ، وهذا قولنا الذي دلّ عليه الشرع والعقل(١)

وقال : وقد ظنّ من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن بن الزاغوني أنّ الأُمّة قاطبة اتّفقت على أنّه لا تقوم به الحوادث ، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه ، وهذا مبلغهم من العلم

وهذا الإجماع نظير غيره من الإجماعات الباطلة المدعاة في الكلام ونحوه وما أكثرها ، فمن تدبّرها وجد عامّة المقالات الفاسدة بينونتها على مقدّمات لا تثبت إلّا بإجماع مدّعى أو قياس ، وكلاهما على التحقيق يكون باطلاً(٢)

٤ ـ إيمان ابن تيمية بقدم نوع العالم :

قال ابن تيمية في معرض ردّه : « نحن نقول : إنّه لم يزل مشتملاً على الحوادث ، والقديم هو أصل العالم كالأفلاك ، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معيّن ، فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها ، بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها ، كما يقول أئمّة أهل السنّة منكم : إنّ الربّ لم يزل متكلّماً إذا شاء وكيف شاء »(٣)

٥ ـ إنّ الله تعالى يتكلّم بصوت وحروف :

قال ابن تيمية : « وأنّ الله تعالى يتكلّم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ولا غيره ، وأنّ الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ، فكذلك لا تشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه يشبه حروفه ، ولا صوت الربّ
______________________

(١) المصدر السابق ٢ / ٣٨٠

(٢) الفتاوى الكبرى ٥ / ١٢٦

(٣) منهاج السنّة ١ / ٢١٥

٩٤

يشبه صوت العبد »(١)

٦ ـ إنّ الله تعالى مركّب وله أبعاض :

قال ابن تيمية : « إذا قلنا : إنّ الله لم يزل بصفاته كلّها أليس إنّما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته ؟ وضربنا لهم مثلاً في ذلك فقلنا لهم : أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار ، واسمها اسم واحد وسمّيت نخلة بجميع صفاتها ، فكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته »(٢)

فيصوّر الله تعالى ذا أجزاء وأبعاض ، فاليدين التي يثبتها لله غير الساق ، والأصابع غير الصورة ، والصورة غير الوجه ، وهلم جرّا ، وما ذلك إلّا تجزئة للذات الإلهية المقدّسة وتبعيض لها ، وهذا هو التركّب الذي يستلزم حاجة المركّب إلى أجزائه

٧ ـ تصوير احتياج الله تعالى إلى آلات يعمل بواسطتها :

قال ابن تيمية : « والصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الأصل في هذا الباب ، وقال في حقّ المسيح وأُمّه :( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) ، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية ، فدلّ ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأُخرى

والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغنيّ المنزّه عن ذلك منزّه عن آلات ذلك ، بخلاف اليد فإنّها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل »(٣)

فيصوّر الله تعالى غنيّ عن الكبد والطحال لأنّه أخبر عن نفسه بأنّه صمد ، وأخبر عن عدم ألوهية عيسىعليه‌السلام بأنّه كان يأكل فإذن هو ليس إله ، فالله
______________________

(١) مجموع الفتاوى ١٢ / ٢٤٤

(٢) مجموع الفتاوى ١٧ / ٤٥٠ ، منهاج السنّة ٢ / ٤٨٤ ، الفتاوى الكبرى ٥ / ٦٢ و ٩٣ و ١١١

(٣) مجموع الفتاوى ٣ / ٨٦

٩٥

تعالى ليس محتاجاً للكبد والطحال لأنّه لا يأكل ، بينما هو محتاج إلى اليد لأنّه يعمل فيخلق ويرزق ، فإذن لابدّ من وجود يد له لحاجته إليها طبقاً لما وصف نفسه بها وطبقاً لكونه يعمل !!

فانظر إلى أيّ مدى وصل بهم التجسيم ؟ وإلى أيّ حدّ وصلت بهم الجرأة بتصوير الله المنزّه عن النقص أو الحاجة بأنّه محتاج إلى اليد ؟! سبحان الله عمّا يصفه المجسّمة والمشبّهون !

٨ ـ اعتقاده بأنّ الله تعالى ينزل نزولاً حقيقياً إلى الدنيا ، وإنّه يتحرّك وليس بساكن :

قال ابن تيمية : « وأمّا أحاديث النزول إلى السماء الدنيا كلّ ليلة فهي الأحاديث المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث ، وكذلك حديث دنوّه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه ، وأمّا النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث أُختلف في إسناده

ثمّ إنّ جمهور أهل السنّة يقولون : إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش ، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحمّاد بن زيد وغيرهما ، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدّد »(١)

وقال : « وأمّا دعواك أنّ تفسير القيّوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرّك فلا يقبل منك هذا التفسير إلّا بأثر صحيح مأثور عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عن بعض أصحابه أو التابعين ؟ لأنّ الحيّ القيّوم يفعل ما يشاء ويتحرّك إذا شاء ، ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ؛ لأنّ أمارة بين الحيّ والميّت التحرّك ، كلّ حيّ متحرّك لا محالة ، وكلّ ميّت غير متحرّك لا محالة

ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبيّ الرحمة ورسول ربّ
______________________

(١) منهاج السنّة ٢ / ٦٣٧

٩٦

العزّة إذ فسّر نزوله مشروحاً منصوصاً ، ووقّت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لُبساً ولا عويصاً »(١)

ويقول أيضاً : « فهذا لا يصحّ إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم : لا يتحرّك ولا تحلّ به الحوادث ، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستوياً ، وأن يجيء يوم القيامة »(٢)

وهنا طريفة لا يفوتنا الإشارة إليها وهي : إنّ الأرض كروية وهي تتحرّك ـ خلافاً لابن باز الذي ينفي حركتها ـ حول نفسها ، فهي دائماً لا تخلو من ليل ، وعليه فمتى ينزل الله تعالى ؟ ومتى يصعد ؟ إذ لازم ذلك إنّه دائماً في حالة صعود ونزول ، أو إنّه دائماً يكون نازلاً ولا يصعد لدوام الثلث الأخير من الليل في الأرض على مدى الأربعة والعشرين ساعة ؟

وقد التفت السلفيون إلى هذا الإشكال ، لكنّهم بقوا حيارى لا يستطيعون جواباً ؛ قال الشيخ ابن باز : « لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كلّ ليلة مع اختلاف الأقطار ، وبين استوائه عزّ وجلّ على العرش ؛ لأنّه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته ، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كلّ قُطر ، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش ؛ لأنّنا لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء ، بل ذلك مختصّ به سبحانه »(٣)

فصال وجال لكنّه لم يأت بشيء سديد أو دفع مفيد ، وإنّما زاد الطين بلّة من حيث جعل الله مستوياً على عرشه ، وهو في هذا الحال ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وبما أنّ الكرة الأرضية ثلث الليل الأخير مستمر فيها فهو في حال نزول دائمي ، أو بالأحرى إنّه نازل ولا يصعد إلى العرش !! تنزّه
______________________

(١) درء التعارض ٢ / ٥١

(٢) الفتاوى الكبرى ٥ / ١٢٧

(٣) فتاوى اللجنة الدائمة ٣ / ١٨٦

٩٧

الله تعالى عمّا يقوله الحنابلة المجسّمة علوّاً كبيراً !

هذا نزر يسير ممّا وقع فيه ابن تيمية ومن حذا حذوه من الهفوات ، ولو أردنا الاسترسال لطال المقام بتأليف مصنّف مستقلّ

وهنالك كلام لابن تيمية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام يدلّ على نصبه وتحامله الشديد عليهم ، والدفاع والنصرة لبني أُمية الذين قتلوا وسلبوا أهل البيتعليهم‌السلام ، وقبل ذلك نستعرض كلمات العلماء في ذلك ، ثمّ نعرّج على كلمات ابن تيمية :

١ ـ قال ابن حجر العسقلاني : « طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات ، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها ؛ لأنّه كان لا تساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره ، والإنسان عامد للنسيان ، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص عليرضي‌الله‌عنه »(١)

٢ ـ قال ابن حجر الهيتمي : « ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله »(٢)

٣ ـ قال الشيخ محمّد زاهر الكوثري : « فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي ، لأنّه صحّح حديث ردّ الشمس لعلي كرّم الله وجهه ، فيكون الاعتراف بصحّة هذا الحديث ينافي انحرافه عن عليرضي‌الله‌عنه ، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعليعليه‌السلام في كلّ خطوة من خطوات تحدّثه عنه »(٣)

وقال : « ولولا شدّة ابن تيمية في ردّه على ابن المطهّر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرّض لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على الوجه الذي تراه في
______________________

(١) لسان الميزان ٦ / ٣٢٠

(٢) شفاء السقام : ٣٨ نقلاً عن الفتاوى الحديثية

(٣) الإشفاق على أحكام الطلاق : ٧٣

٩٨

أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه الكثير من إقحام الخوارج ، مع توهين الأحاديث الجيّدة في هذا السبيل »(١)

٤ ـ قال الشيخ عبد الله الغماري في معرض ردّه على الشيخ الألباني : وحاله في هذا كحال ابن تيمية ، تطاول على الناس ، فأكفر طائفة من العلماء ، وبدع طائفة أُخرى ، ثمّ اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما :

إحداهما : قوله بقدم العالم ، وهي بدعة ـ كفرية والعياذ بالله تعالى ـ

والأُخرى : انحرافه عن عليعليه‌السلام ، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي :« لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (٢)

وأمّا الكلمات التي أطلقها ابن تيمية في حقّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والتي يظهر منها التنقيص جليّاً وواضحاً فكثيرة ، وإليك شذر منها

١ ـ طعنه في خلافة الإمام عليعليه‌السلام :

قال : « وأمّا علي فلم يتّفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدّة ، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل الإسلام »(٣)

وقال : « ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان ، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ، ولم يكن لهم على الكفّار سيف ، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم ، وأخذوا منهم أموالاً وبلاداً »(٤)

وقال أيضاً : « ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلّا علي بن أبي طالب ، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار ، ولا فتح مدينة !
______________________

(١) المصدر السابق : ٧٣

(٢) إرغام المبتدع الغبي : ٢٢

(٣) منهاج السنّة ٤ / ١٦١

(٤) المصدر السابق ٤ / ٤٨٥

٩٩

ولا قتل كافراً ! بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض ، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب حتّى يقال : إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين ، وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكف عن المسلمين ، فأيّ عزّ للإسلام في هذا » ؟!(١)

وقال أيضاً طاعناً في خلافته : « فإنّ علياً قاتل على الولاية !! وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير »(٢)

وقال : « فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتّى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكفّ عن القتال حتّى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظنّ أنّه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلّا شدّة ، وجانبه إلّا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلّا قوّة ، والأُمّة إلّا افتراقاً »(٣)

٢ ـ جعل قتاله لأجل الملك لا الدين !

قال ابن تيمية : « وعلي يقاتل ليطاع ، ويتصرّف في النفوس والأموال ، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين » ؟(٤)

وقال أيضاً : « ثمّ يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم النواصب : علي قد استحلّ دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رئاسته ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :« سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » ، وقال :« لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » ، فيكون علي كافراً لذلك !! لم تكن حجّتكم أقوى من حجّتهم ، لأنّ الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة !!

وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان
______________________

(١) المصدر السابق ٨ / ٢٤١

(٢) المصدر السابق ٦ / ١٩١

(٣) المصدر السابق ٧ / ٤٥٢

(٤) المصدر السابق ٨ / ٣٢٩

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576