موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227337 / تحميل: 6767
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

على خلاف الحال ، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة ، ومن وصفهم أنّهم راكعون ، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر ، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار ، لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة ، وصفهم بأنّهم راكعون ، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره ، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه ، استفدنا بها معنى زائداً ، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى »(١)

« منار أحمد ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب »

احتجّ بها الإمام علي :

س : أُودّ أن أحصل على ردّ شافي على من يقول : إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) على إمامة عليعليه‌السلام ، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام علي ؟

ج : في الجواب نشير إلى مطالب :

أوّلاً : إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيرة عقلاً ونقلاً تكاد لا تحصى ، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال

ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه ، هو أنّ الإمامعليه‌السلام لم يكن ملزماً ـ لا عقلاً ولا شرعاً ـ بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة ، بل بالمقدار الذي يلقي الحجّة على الناس ، وهذا هو الذي حدث بعد ما علمنا من احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير ، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح ، وبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم ؟!

ثانياً : لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا ، فهل هذا دليل على عدم صدوره منهعليه‌السلام ؟ مع أنّ المتيقّن هو : عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا ، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء ، فإنّهم أخفوا
______________________

(١) الشافي في الإمامة ٢ / ٢٣٦

٨١

الكثير من فضائل ومناقب أهل البيتعليهم‌السلام ، فما ظهر منها فهو غيض من فيض

ثالثاً : ثمّ لنفرض مرّة أُخرى ، أنّ الإمامعليه‌السلام لم يحتجّ بها واقعاً ، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامتهعليه‌السلام ؟ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين

رابعاً : هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي في تفسيره للآية ، حيث قال : « فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل ، وليس للقوم أن يقولوا : إنّه تركه للتقية ، فإنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير »(١)

فنقول ردّاً عليه : بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة(٢) ، وقد أشار إلى بعض الحديث جمع من مصادر أهل السنّة(٣)

« آمنة ـ البحرين ـ »

رواية صحيحة تحكي واقعة التصدّق :

س : ما هي قصّة تصدّق الإمام علي عليه‌السلام بالخاتم؟

ج : إنّ تصدّق الإمام عليعليه‌السلام بالخاتم ، موضع اتفاق الشيعة وأهل السنّة ، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السنّة تحكي واقعة التصدّق :

روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عباس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبق في المسجد غير علي قائماً ، يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين ، فلم ير في المسجد أحداً خلا علياً ، فأقبل نحوه فقال : يا ولي الله بالذي تصلّي له ، أن تتصدّق عليّ بما أمكنك ، وله خاتم عقيق يماني أحمر ، كان يلبسه في
______________________

(١) التفسير الكبير ٤ / ٣٨٥

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٠٢ ، أمالي الشيخ الطوسي : ٥٤٩ ، الخصال : ٥٨٠

(٣) أُنظر : المناقب للخوارزمي : ٣١٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٢

٨٢

الصلاة في يمينه ، فمدّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى ، وهبط جبرائيل ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : فقد باهى الله بك ملائكته اليوم ، اقرأ :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) (١)

« عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة »

في مصادر الشيعة والسنّة :

س : أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر

أُريد أدلّة من كتبنا المعتبرة ، على أنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد تصدّق بالخاتم ، ثمّ أدلّة من كتب إخواننا أهل السنّة

ج : إنّ الكثير من مصادرنا ذكرت حديث التصدّق بالخاتم ، فراجع الكافي والاحتجاج والخصال وغيرها من المصادر(٢)

وبعض هذه الأحاديث في غاية الاعتبار من حيث السند ، كالتي وردت في « تفسير القمّي » ، وإن كانت استفاضتها تغنينا عن البحث في إسنادها

وأما المصادر السنّية في الموضوع فقد تجاوزت العشرات ، بل المئات في المقام(٣)

حتّى بعض علمائهم ـ كالتفتازاني(٤) والقوشجي(٥) والقاضي الإيجي(٦)
______________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٢١٢

(٢) أُنظر : الكافي ١ / ٢٨٨ ، الاحتجاج ١ / ١٦١ ، الخصال : ٥٨٠ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٨٦ ح ١٩٣ ، تفسير القمّي ١ / ١٧٠

(٣) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٨٣ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥٤

(٤) شرح المقاصد ٥ / ٢٧٠

(٥) شرح تجريد العقائد : ٣٦٨

(٦) المواقف : ٤٠٥

٨٣

والجرجاني(١) وغيرهم ـ يصرّحون : بأنّ آية الولاية نزلت في حقّ عليعليه‌السلام حين أعطى السائل خاتمه ، وهو راكع

« حميد عبد الشهيد ـ البحرين ـ »

تصدّق علي بالخاتم أثناء الصلاة عبادة :

س : سؤالي هو : نحو تصدّق الإمام علي بالخاتم ، وهو يصلّي ، والمعروف على أنّ الإمام إذا صلّى لا تجلس روحه في الأرض ، ولكن تسبّح في ملكوت الله ، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير ؟ لابدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت ، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل

وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث ؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة ؟ لأنّ ما يقال : إنّه كان في وقت عبادة ، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه ، لكن هذا الجواب لا يغنيني ، شاكرين لكم

ج : للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط :

١ ـ لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب عليعليه‌السلام

٢ ـ هذا الالتفات من أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يكن إلى أمر دنيوي ، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة

٣ ـ المعروف عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه جمع في صفاته بين الأضداد ، حتّى إنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب ـ الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ عن نفس هذا الأشكال الذي ذكرتموه أجاب ببيتين :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من

فعل الصُحاة فهذا واحد الناس

______________________

(١) شرح المواقف ٨ / ٣٦٠

٨٤

كما نقله عنه الآلوسي في « روح المعاني »(١)

« عثمان خليل ـ سنّي ـ »

في مصادر أهل السنّة :

س : أشكركم على الردّ على رسالتي السابقة ، أمّا بعد :

بعد نقاشي مع بعض الإخوة من الشيعة ، علمت أنّ الآية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، هي من الأدلّة التي يستدلّ بها الشيعة على إمامة عليرضي‌الله‌عنه ، وأنا عندي بعض الملاحظات على هذا الدليل :

١ ـ هل بالإمكان أن تزوّدوني بالمصادر التي تذكر أنّ الآية نزلت في علي ، على شرط أن تكون من كتب أهل السنّة ، وأن يكون سند الروايات صحيحاً ؟

٢ ـ هناك بعض الأُمور التي تثبت عدم نزولها في عليرضي‌الله‌عنه ، وهي :

أوّلاً : الآية جاءت في صيغة الجمع( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، فكيف تكون في علي ؟

ثانياً : يقول الله تعالى :( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ، وأنتم تقولون : تصدّق علي بالخاتم ، وكما تعلمون هناك فرق بين الزكاة والصدقة ، وهذا يبطل ما ذهبتم إليه في شأن نزول الآية

ثالثاً :( إِنَّمَا ) أداة حصر كما تعلمون ، فلو سلّمنا أنّ الآية نزلت في علي ، فإنّ هذا يعني أنّ الولاية حصرت في الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليرضي‌الله‌عنه فقط ، وهذا ينفي إمامة باقي الأئمّة الذين تعتقدون بإمامتهم ، لذلك فإنّ استدلالكم بهذه الآية يخالف عقائدكم فضلاً عن عقائدنا ، وهذا أيضاً يبطل استدلالكم بالآية

______________________

(١) روح المعاني ٣ / ٣٣٦

(٢) المائدة : ٥٥

٨٥

وأخيراً : أرجو أن يتّسع صدركم لهذه الأسئلة ، وجزاكم الله خيراً

ج : إنّ هذه الآية ـ بضميمة شأن نزولها ـ من الأدلّة القاطعة على إمامة عليعليه‌السلام ، وأمّا الكلام على الملاحظات التي أبديتها فهو كما يلي :

١ ـ إنّ المصادر التي ذكرت هذا الموضوع كثيرة جدّاً عند الفريقين ، بحيث يصبح الموضوع متواتراً والتواتر آية اليقين والعلم ـ والإحاطة بجميع هذه الموارد غير يسيرة ، فلنكتف بالمقدار الأقلّ من كتب العامّة(١)

والجدير بالذكر أنّ بعض العلماء من العامّة ينقل إجماع المفسّرين في المقام على هذا الموضوع(٢) ، ثمّ هل يبقى شكّ وريب في نزول هذه الآية في حقّ الإمامعليه‌السلام بعد هذا ؟!

٢ ـ إنّ الأُمور التي ذكرت أو قد تذكر هي أُمور وهمية ، وليس لها قيمة علمية ، لأنّ المشكوك يجب أن يفسّر على ضوء المقطوع والمتيقّن ، فإنّ شأن نزول الآية ممّا لاشكّ فيه

وأمّا الجواب عن الموارد التي أشرت إليها ، فهي كما يلي :

أوّلاً : هذا المقام من الموارد التي يجوز فيها إطلاق صيغة الجمع وإرادة المفرد لأجل التفخيم والتعظيم

وفي رأي الزمخشري صاحب « الكشّاف » ـ وهو من وجوه مفسّري العامّة ـ
______________________

(١) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٨٣ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥٤ ، تفسير الثعالبي ٢ / ٣٩٦ ، جامع البيان ٦ / ٣٨٩ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٢٢١ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٧٧ ، مناقب الخوارزمي : ٢٠٠ و ٢٦٥ ، ذخائر العقبى : ١٠٢ ، ينابيع المودة ٢ / ١٩٢ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢١٨ ، زاد المسير ٢ / ٢٩٢ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٧٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٧ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٩ و ٢٧٠ ، نظم درر السمطين : ٨٦ ، أسباب نزول الآيات : ١٣٣ ، فتح القدير ٢ / ٥٣ ، روح المعاني ٣ / ٣٣٤ ، نور الأبصار : ١١٨ ، الرياض النضرة ٤ / ١٧٩ ، ومئات المصادر الأُخرى

(٢) المواقف في علم الكلام : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٧٠

٨٦

أنّ المقصود من نزول الآية بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ، ليتبعوا علياًعليه‌السلام في هذا الأمر ، ويتعلّموا منهعليه‌السلام (١)

هذا بالإضافة إلى أنّ القرآن فيه خطابات كثيرة ، استخدم فيها لفظ الجمع وأراد المفرد

ثانياً : إطلاق( الزَّكَاةَ ) على الصدقة المندوبة أمر سائغ وشائع عند أهل الاصطلاح ، فقد يطلق على الزكاة بأنّها صدقة واجبة ، وأُخرى يطلق على الصدقة المستحبّة بأنّها زكاة

وعلى أيّ حال ، فإنّ المقصود في الآية ـ بقرينة إعطائها في حال الركوع ـ هو الصدقة المندوبة والمستحبّة

ثالثاً : إنّ ولاية وإمامة باقي الأئمّةعليهم‌السلام ثبتت بأدلّة قطعية اُخرى مذكورة في محلّها

وأمّا مفاد( إِنَّمَا ) في المقام هو حصر إضافي ، أي حصر بالنسبة للموجودين في حياة الإمام عليعليه‌السلام

ثمّ إنّ هذه الولاية انتقلت بعد استشهاده إلى الأئمّة الأحد عشر من ولدهعليهم‌السلام ، فلا ننفي الحصر في الآية ، ولكن نحصرها في حقّ من كان في زمن أمير المؤمنينعليه‌السلام

« علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب »

( إِنَّمَا ) فيها أداة حصر :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين

لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، وجزاكم الله خير الجزاء :

إنّ آية الولاية التي جاءت في القران الكريم ، جاءت مقيّدة بأداة( إِنَّمَا ) ، ______________________

(١) الكشّاف ١ : ٦٢٤

٨٧

والسؤال هو : هل أداة إنّما تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر ؟ وما هي
هذه الأغراض ؟

ج : ( إِنَّمَا ) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة ، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه ، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه ، وهو المنقول عن أئمّة التفسير ويقتضيه التبادر حيث لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر

قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : إنّ القصر في قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) (١) لقصر الإفراد ، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الآية وغيرهم ، فأفرد المذكورين للقصر ، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب(٢)

وعلى كلّ حال فالأداة( إِنَّمَا ) أداة حصر هنا بل دائماً ـ كما ذكرنا آنفاً ـ عندما تكون متكوّنة من ( إنَّ ) المشبّهة بالفعل و ( ما ) الكافّة ، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس

______________________

(١) المائدة : ٥٥

(٢) الميزان في تفسير القرآن ٦ / ١٤

٨٨

ابن تيمية :

« جمال ـ ماليزيا ـ »

آراء علماء المذاهب حوله :

س : الإخوة في شبكة العقائد الكرام

تحيّة طيّبة مشكورة جهودكم الخيّرة في إيصال الحقائق لطالبيها ، سنكون ممتنين غاية الامتنان لو تفضّلتم بتفصيل آراء علماء المذاهب الإسلامية حول ابن تيمية ، مع خالص امتناننا وتقديرنا

ج : أطبقت آراء علماء المذاهب الإسلامية على انحراف وضلالة ابن تيمية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض الموارد :

١ ـ قالوا : « كفاك لعنة اقتدائك بالشقي ابن تيمية ، أجمع علماء عصره على ضلاله وحبسه ، ونودي من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه »(١)

٢ ـ « ولا زال ابن تيمية يتتبع الأكابر ، حتّى تمالا عليه أهل عصره ، ففسّقوه وبدّعوه ، بل كفّره كثير منهم »(٢)

٣ ـ رفض مجموعة من علماء المذاهب المختلفة آراءه ومعتقداته ، مثل : الإمام صدر الدين بن الوكيل المعروف بابن المرحل الشافعي ، الإمام أبو حيّان ، الإمام عزّ الدين ابن جماعة ، الإمام كمال الدين الزملكاني الشافعي ، ملّا علي القاري الحنفي ، شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، الإمام محمّد الزرقاني المالكي ، الإمام تقي الدين السبكي الشافعي ، الحافظ ابن حجر العسقلاني
______________________

(١) سيف الجبّار : ١٩

(٢) تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد : ١٠

٨٩

الشافعي ، الإمام عبد الرؤوف المنّاوي الشافعي ، الشيخ مصطفى الحنبلي الدمشقي ، الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر المكّي الشافعي ، الإمام صفي الدين الحنفي البخاري ، الحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي ، شيخ الإسلام صالح البلقيني الشافعي ، الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي(١)

٤ ـ إنّ شيخهم ابن تيمية ، قال عنه علّامة زمانه علاء الدين البخاري : إنّ ابن تيمية كافر ، كما قاله علّامة زمانه زين الدين الحنبلي ، إنّه يعتقد كفر ابن تيمية ، ويقول : « إنّ الإمام السبكي معذور بتكفير ابن تيمية ، لأنّه كفّر الأُمّة الإسلامية »(٢)

٥ ـ قال علماء المذاهب : إنّ ابن تيمية زنديق ، وقال ابن حجر : إنّ ابن تيمية عبد خذله الله ، وأضلّه وأعماه ، وأصمّه وأذلّه ، وقال العلماء : إنّ ابن تيمية تبع مذهب الخوارج في تكفير الصحابة ، وقال الأئمّة الحفّاظ : « إنّ ابن تيمية من الخوارج ، كذّاب أشر أفّاك »(٣)

٦ ـ فاعلم إنّي نظرت في كلام هذا الخبيث ـ ابن تيمية ـ الذي في قلبه مرض الزيغ المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة(٤)

هذا جملة ممّا أردنا ذكره هنا بعد إعراضنا عن الكثير ممّا قيل في هذا المجال

« الباحث عن الحقّ ـ سنّي »

اعتقاداته :

س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد ______________________

(١) أُنظر : شواهد الحقّ : ١٧٧

(٢) فضل الذاكرين والردّ على المنكرين : ٢٣

(٣) نفس المصدر السابق

(٤) التوسّل بالنبيّ وبالصالحين : ٢١٦

٩٠

فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ التي أرسل بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين ؟

ج : قبل التعرّض لكلمات شيخ المجسّمة ابن تيمية نقدّم كلام ابن الجوزي الحنبلي ، وما ذكره في حقّ الحنابلة لإيضاح الحقيقة أكثر

قال ابن الجوزي : « ورأيت من أصحابنا من تكلّم في الأُصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد الله بن حامد ، وصاحبه القاضي ، وابن الزاغوني ، فصنّفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أنّ الله تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً ، وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين ، وأصابع ، وكفّاً ، وخنصراً ، وإبهاماً ، وصدراً ، وفخذاً ، وساقين ، ورجلين ، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس

وقالوا : يجوز أن يَمس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته ، وقال بعضهم : ويتنفّس ، ثمّ يرضون العوام بقولهم : لا كما يعقل ! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظواهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا : صفة فعل ، حتّى قالوا : صفة ذات !

ثمّ لمّا اثبتوا أنّها صفات ذات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل : يد على نعمة وقدرة ، ومجيء وإتيان على معنى برّ ولطف ، وساق على شدّة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنّما يحمل على حقيقته إذا أمكن ، ثمّ يتحرّجون من التشبيه ، ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنّة ! وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام

٩١

وقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل

فإيّاكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثمّ قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها ، فظاهر القدم الجارحة ، فإنّه لمّا قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أنّ لله صفة هي روح ولجت في مريم ؟! ومن قال : استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسّيات

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنّا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو إنّكم قلتم : نقرأ الأحاديث ونسكت ، لما أنكر عليكم أحد ، إنّما حملكم إيّاها على الظاهر قبيح

فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ، حتّى صار لا يقال حنبلي إلّا المجسّم ، ثمّ زيّنتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أنّ أصحاب المذهب أجاز لعنته ، وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمّتكم : لقد شان المذهب شيناً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة »(١)

فهذا حال الحنابلة من أمثال أبي يعلى وغيره فهم مجسّمة حقيقية ، ويثبتون لله تعالى صفات لا تجوز إلّا على المخلوقين ، ومن شاء يرجع إلى طبقات الحنابلة التي ألّفها أبو يعلى ليرى التجسيم طافحاً فيها وفي تراجمه التي ذكرها

وبعد أن جاء ابن تيمية زاد الطين بلّة ، فبدل أن يغسل العار الذي شانه الحنابلة السابقين عن المذهب كحّله بأُمور وطامات عظيمة ، وإليك نزر يسير من التجسيم في كلمات ابن تيمية :

١ ـ يقول ابن بطّوطة : « وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين
______________________

(١) دفع شبه التشبيه : ٩٧

٩٢

ابن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر » !(١)

٢ ـ اعتقاده بأنّ الله تعالى في جهة ومكان :

يقول في ردّه على كلام العلّامة الحلّي : « وكذلك قوله : « كلّ ما هو في جهة فهو محدث » لم يذكر عليه دليلاً ، وغايته ما تقدّم أنّ الله لو كان في جهة لكان جسماً ، وكلّ جسم محدث ، لأنّ الجسم لا يخلو من الحوادث ، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث

وكلّ هذه المقدّمات فيها نزاع : فمن الناس من يقول : قد يكون في الجهة ما ليس بجسم ، فإذا قيل له : هذا خلاف المعقول ؟ قال : هذا أقرب إلى العقل من قول من يقول : إنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا الطريق أولى ، وإن ردّ هذا ردّ ذاك بطريق أولى ، وإذا ردّ ذاك تعيّن أن يكون في الجهة ، فثبت أنّه في الجهة على التقديرين »(٢)

وصريح كلامه في أنّ الله تعالى في جهة ومكان

٣ ـ إيمانه بقيام الحوادث بالله تعالى :

قال في ردّه على العلّامة الحلّي : « وأمّا قوله : « وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادث ، لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره » ، فيقال : هذه مسألة كلام الله تعالى والناس فيها مضطربون ، وقد بلغوا فيها إلى تسعة أقوال »(٣)

______________________

(١) رحلة ابن بطوطة : ١١٢

(٢) منهاج السنّة ٢ / ٦٤٨

(٣) المصدر السابق ٢ / ٣٥٨

٩٣

فإن قلتم لنا : فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ ؟ قالوا لكم : نعم ، وهذا قولنا الذي دلّ عليه الشرع والعقل(١)

وقال : وقد ظنّ من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن بن الزاغوني أنّ الأُمّة قاطبة اتّفقت على أنّه لا تقوم به الحوادث ، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه ، وهذا مبلغهم من العلم

وهذا الإجماع نظير غيره من الإجماعات الباطلة المدعاة في الكلام ونحوه وما أكثرها ، فمن تدبّرها وجد عامّة المقالات الفاسدة بينونتها على مقدّمات لا تثبت إلّا بإجماع مدّعى أو قياس ، وكلاهما على التحقيق يكون باطلاً(٢)

٤ ـ إيمان ابن تيمية بقدم نوع العالم :

قال ابن تيمية في معرض ردّه : « نحن نقول : إنّه لم يزل مشتملاً على الحوادث ، والقديم هو أصل العالم كالأفلاك ، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معيّن ، فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها ، بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها ، كما يقول أئمّة أهل السنّة منكم : إنّ الربّ لم يزل متكلّماً إذا شاء وكيف شاء »(٣)

٥ ـ إنّ الله تعالى يتكلّم بصوت وحروف :

قال ابن تيمية : « وأنّ الله تعالى يتكلّم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ولا غيره ، وأنّ الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ، فكذلك لا تشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه يشبه حروفه ، ولا صوت الربّ
______________________

(١) المصدر السابق ٢ / ٣٨٠

(٢) الفتاوى الكبرى ٥ / ١٢٦

(٣) منهاج السنّة ١ / ٢١٥

٩٤

يشبه صوت العبد »(١)

٦ ـ إنّ الله تعالى مركّب وله أبعاض :

قال ابن تيمية : « إذا قلنا : إنّ الله لم يزل بصفاته كلّها أليس إنّما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته ؟ وضربنا لهم مثلاً في ذلك فقلنا لهم : أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار ، واسمها اسم واحد وسمّيت نخلة بجميع صفاتها ، فكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته »(٢)

فيصوّر الله تعالى ذا أجزاء وأبعاض ، فاليدين التي يثبتها لله غير الساق ، والأصابع غير الصورة ، والصورة غير الوجه ، وهلم جرّا ، وما ذلك إلّا تجزئة للذات الإلهية المقدّسة وتبعيض لها ، وهذا هو التركّب الذي يستلزم حاجة المركّب إلى أجزائه

٧ ـ تصوير احتياج الله تعالى إلى آلات يعمل بواسطتها :

قال ابن تيمية : « والصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الأصل في هذا الباب ، وقال في حقّ المسيح وأُمّه :( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) ، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية ، فدلّ ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأُخرى

والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغنيّ المنزّه عن ذلك منزّه عن آلات ذلك ، بخلاف اليد فإنّها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل »(٣)

فيصوّر الله تعالى غنيّ عن الكبد والطحال لأنّه أخبر عن نفسه بأنّه صمد ، وأخبر عن عدم ألوهية عيسىعليه‌السلام بأنّه كان يأكل فإذن هو ليس إله ، فالله
______________________

(١) مجموع الفتاوى ١٢ / ٢٤٤

(٢) مجموع الفتاوى ١٧ / ٤٥٠ ، منهاج السنّة ٢ / ٤٨٤ ، الفتاوى الكبرى ٥ / ٦٢ و ٩٣ و ١١١

(٣) مجموع الفتاوى ٣ / ٨٦

٩٥

تعالى ليس محتاجاً للكبد والطحال لأنّه لا يأكل ، بينما هو محتاج إلى اليد لأنّه يعمل فيخلق ويرزق ، فإذن لابدّ من وجود يد له لحاجته إليها طبقاً لما وصف نفسه بها وطبقاً لكونه يعمل !!

فانظر إلى أيّ مدى وصل بهم التجسيم ؟ وإلى أيّ حدّ وصلت بهم الجرأة بتصوير الله المنزّه عن النقص أو الحاجة بأنّه محتاج إلى اليد ؟! سبحان الله عمّا يصفه المجسّمة والمشبّهون !

٨ ـ اعتقاده بأنّ الله تعالى ينزل نزولاً حقيقياً إلى الدنيا ، وإنّه يتحرّك وليس بساكن :

قال ابن تيمية : « وأمّا أحاديث النزول إلى السماء الدنيا كلّ ليلة فهي الأحاديث المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث ، وكذلك حديث دنوّه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه ، وأمّا النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث أُختلف في إسناده

ثمّ إنّ جمهور أهل السنّة يقولون : إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش ، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحمّاد بن زيد وغيرهما ، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدّد »(١)

وقال : « وأمّا دعواك أنّ تفسير القيّوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرّك فلا يقبل منك هذا التفسير إلّا بأثر صحيح مأثور عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عن بعض أصحابه أو التابعين ؟ لأنّ الحيّ القيّوم يفعل ما يشاء ويتحرّك إذا شاء ، ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ؛ لأنّ أمارة بين الحيّ والميّت التحرّك ، كلّ حيّ متحرّك لا محالة ، وكلّ ميّت غير متحرّك لا محالة

ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبيّ الرحمة ورسول ربّ
______________________

(١) منهاج السنّة ٢ / ٦٣٧

٩٦

العزّة إذ فسّر نزوله مشروحاً منصوصاً ، ووقّت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لُبساً ولا عويصاً »(١)

ويقول أيضاً : « فهذا لا يصحّ إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم : لا يتحرّك ولا تحلّ به الحوادث ، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستوياً ، وأن يجيء يوم القيامة »(٢)

وهنا طريفة لا يفوتنا الإشارة إليها وهي : إنّ الأرض كروية وهي تتحرّك ـ خلافاً لابن باز الذي ينفي حركتها ـ حول نفسها ، فهي دائماً لا تخلو من ليل ، وعليه فمتى ينزل الله تعالى ؟ ومتى يصعد ؟ إذ لازم ذلك إنّه دائماً في حالة صعود ونزول ، أو إنّه دائماً يكون نازلاً ولا يصعد لدوام الثلث الأخير من الليل في الأرض على مدى الأربعة والعشرين ساعة ؟

وقد التفت السلفيون إلى هذا الإشكال ، لكنّهم بقوا حيارى لا يستطيعون جواباً ؛ قال الشيخ ابن باز : « لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كلّ ليلة مع اختلاف الأقطار ، وبين استوائه عزّ وجلّ على العرش ؛ لأنّه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته ، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كلّ قُطر ، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش ؛ لأنّنا لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء ، بل ذلك مختصّ به سبحانه »(٣)

فصال وجال لكنّه لم يأت بشيء سديد أو دفع مفيد ، وإنّما زاد الطين بلّة من حيث جعل الله مستوياً على عرشه ، وهو في هذا الحال ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وبما أنّ الكرة الأرضية ثلث الليل الأخير مستمر فيها فهو في حال نزول دائمي ، أو بالأحرى إنّه نازل ولا يصعد إلى العرش !! تنزّه
______________________

(١) درء التعارض ٢ / ٥١

(٢) الفتاوى الكبرى ٥ / ١٢٧

(٣) فتاوى اللجنة الدائمة ٣ / ١٨٦

٩٧

الله تعالى عمّا يقوله الحنابلة المجسّمة علوّاً كبيراً !

هذا نزر يسير ممّا وقع فيه ابن تيمية ومن حذا حذوه من الهفوات ، ولو أردنا الاسترسال لطال المقام بتأليف مصنّف مستقلّ

وهنالك كلام لابن تيمية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام يدلّ على نصبه وتحامله الشديد عليهم ، والدفاع والنصرة لبني أُمية الذين قتلوا وسلبوا أهل البيتعليهم‌السلام ، وقبل ذلك نستعرض كلمات العلماء في ذلك ، ثمّ نعرّج على كلمات ابن تيمية :

١ ـ قال ابن حجر العسقلاني : « طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات ، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها ؛ لأنّه كان لا تساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره ، والإنسان عامد للنسيان ، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص عليرضي‌الله‌عنه »(١)

٢ ـ قال ابن حجر الهيتمي : « ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله »(٢)

٣ ـ قال الشيخ محمّد زاهر الكوثري : « فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي ، لأنّه صحّح حديث ردّ الشمس لعلي كرّم الله وجهه ، فيكون الاعتراف بصحّة هذا الحديث ينافي انحرافه عن عليرضي‌الله‌عنه ، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعليعليه‌السلام في كلّ خطوة من خطوات تحدّثه عنه »(٣)

وقال : « ولولا شدّة ابن تيمية في ردّه على ابن المطهّر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرّض لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على الوجه الذي تراه في
______________________

(١) لسان الميزان ٦ / ٣٢٠

(٢) شفاء السقام : ٣٨ نقلاً عن الفتاوى الحديثية

(٣) الإشفاق على أحكام الطلاق : ٧٣

٩٨

أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه الكثير من إقحام الخوارج ، مع توهين الأحاديث الجيّدة في هذا السبيل »(١)

٤ ـ قال الشيخ عبد الله الغماري في معرض ردّه على الشيخ الألباني : وحاله في هذا كحال ابن تيمية ، تطاول على الناس ، فأكفر طائفة من العلماء ، وبدع طائفة أُخرى ، ثمّ اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما :

إحداهما : قوله بقدم العالم ، وهي بدعة ـ كفرية والعياذ بالله تعالى ـ

والأُخرى : انحرافه عن عليعليه‌السلام ، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي :« لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (٢)

وأمّا الكلمات التي أطلقها ابن تيمية في حقّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والتي يظهر منها التنقيص جليّاً وواضحاً فكثيرة ، وإليك شذر منها

١ ـ طعنه في خلافة الإمام عليعليه‌السلام :

قال : « وأمّا علي فلم يتّفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدّة ، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل الإسلام »(٣)

وقال : « ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان ، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ، ولم يكن لهم على الكفّار سيف ، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم ، وأخذوا منهم أموالاً وبلاداً »(٤)

وقال أيضاً : « ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلّا علي بن أبي طالب ، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار ، ولا فتح مدينة !
______________________

(١) المصدر السابق : ٧٣

(٢) إرغام المبتدع الغبي : ٢٢

(٣) منهاج السنّة ٤ / ١٦١

(٤) المصدر السابق ٤ / ٤٨٥

٩٩

ولا قتل كافراً ! بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض ، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب حتّى يقال : إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين ، وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكف عن المسلمين ، فأيّ عزّ للإسلام في هذا » ؟!(١)

وقال أيضاً طاعناً في خلافته : « فإنّ علياً قاتل على الولاية !! وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير »(٢)

وقال : « فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتّى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكفّ عن القتال حتّى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظنّ أنّه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلّا شدّة ، وجانبه إلّا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلّا قوّة ، والأُمّة إلّا افتراقاً »(٣)

٢ ـ جعل قتاله لأجل الملك لا الدين !

قال ابن تيمية : « وعلي يقاتل ليطاع ، ويتصرّف في النفوس والأموال ، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين » ؟(٤)

وقال أيضاً : « ثمّ يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم النواصب : علي قد استحلّ دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رئاسته ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :« سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » ، وقال :« لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » ، فيكون علي كافراً لذلك !! لم تكن حجّتكم أقوى من حجّتهم ، لأنّ الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة !!

وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان
______________________

(١) المصدر السابق ٨ / ٢٤١

(٢) المصدر السابق ٦ / ١٩١

(٣) المصدر السابق ٧ / ٤٥٢

(٤) المصدر السابق ٨ / ٣٢٩

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ج : مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام لا تكفّر أحداً ، إلّا إذا كان ناصبياً ، والناصبي هو من نصب العداء لأهل البيتعليهم‌السلام

ولم يثبت أنّ الشيعة هم الذين قاموا باغتيال إحسان إلهي ظهير ، وإذا ثبت فإنّما هو عمل فردي ناجم عن ردّة فعل ، ولا يحسب هذا العمل على الطائفة الشيعية ، وكم نشاهد في العالم من أعمال ناجمة عن ردّة فعل ، ولا تحسب على طائفة معيّنة

٢٢١
٢٢٢

الأذان والإقامة :

« جنيد عباس ـ غانا ـ »

تشريع الأذان :

س : سعادة الأعزّاء : متى شرّع الأذان ؟ وكيف شرّع ؟ وكيف كانت الصيغة في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع ذكر الأدلّة والمصادر ، ودمتم بخير

ج : للإجابة على السؤال يحسن بنا أن نذكر كيفية تشريع الأذان عند أهل السنّة

إذا رجعنا إلى الروايات التي وردت عند أهل السنّة حول كيفية تشريع الأذان نجدها تذكر بأنّ التشريع جاء من رؤيا رآها صحابي أو صحابيان أو ستّة أو اثنا عشر ـ حسب اختلاف الروايات ـ ومن ثمّ اقترح تلك الرؤية على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبيّ استحسن ذلك الفعل وأمر الناس بفعله وأضافه إلى الصلاة

وإليك نصّ الرواية : « اهتمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للصلاة ، كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها أذّن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكر له القنع ـ يعني الشبور ـ وقال زياد : يعني شبور اليهود ، فلم يعجبه ذلك ، وقال :« هو من أمر اليهود » ، قال : فذكر له الناقوس ، فقال :« هو من أمر النصارى » ، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربّه وهو مهتمّ لهمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأُري الأذان في منامه

قال : فغدا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره ، فقال له : يا رسول الله إنّي لبين نائم ويقظان إذ آتاني آت فأراني الأذان ، قال : وكان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك

٢٢٣

فكتمه عشرين يوماً ، ثمّ أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له :« ما منعك أن تخبرني » ؟ قال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحيت

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« يا بلال ، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله » ، قال : فأذّن بلال »(١)

وعند الرجوع إلى هذه الروايات الناقلة كيفية تشريع الأذان نجد الاختلافات الكثيرة فيها ، ففيها :

١ ـ إنّ الرواية عن ابن زيد مختلفة ، ففي بعض النصوص أنّه رأى الأذان في المنام واليقظة ، وفي نقل آخر تقول : رآه في المنام ، وفي نقل ثالث تقول : إنّه قال : لولا أن يقول الناس لقلت : إنّي كنت يقظان غير نائم ؟!

٢ ـ رواية تقول : إنّ عبد الله بن زيد رآه ، فاخبر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُخرى تقول : إنّ جبرائيل أذّن في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالاً فأخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ جاء بلال فقال له :« سبقك بها عمر » !!

٣ ـ رواية تنصّ على أنّ ابن زيد رآه ، ورواية أُخرى تقول : إنّ سبعة من الأنصار رآه ، ورواية تقول : أربعة عشر صحابياً رأوه ، ورواية تدخل عبد الله بن أبي بكر

٤ ـ رواية تنصّ على أنّ بلالاً كان يقول : اشهد أن لا إله إلّا الله ، حيّ على الصلاة ، فقال له عمر : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لبلال :« قل كما قال عمر » !!

٥ ـ رواية تفرد فصول الأذان ، ورواية أُخرى تثنّيها ؟!

٦ ـ رواية تقول : إنّ عبد الله بن زيد هو الذي أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، ثمّ أخبره عمر بن الخطّاب ، فقال له النبيّ :« ما منعك أن تخبرني » ؟!

______________________

(١) سنن أبي داود ١ / ١٢٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٠ ، فتح الباري ٢ / ٦٦ ، عمدة القاري ٥ / ١٠٦ ، السيرة الحلبية ٢ / ٣٠٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٣٢ ، عيون الأثر ١ / ٢٦٩ ، سبل الهدى والرشاد ٣ / ٣٥٣

٢٢٤

وقد أوقع اختلاف الروايات الشرّاح والمحدّثين في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث فقالوا :

أوّلاً : إنّ هذه الرؤية هي رؤية غير الأنبياءعليهم‌السلام ، ورؤية غيرهم لا يثبت بها حكم شرعي ؟!(١)

وقد أجابوا عن هذا الإشكال بقولهم : باحتمال مقارنة الوحي لذلك(٢) !

وهذا كلام بارد لا يمكن أن يبنى عليه حكم شرعي ، مادام أنّ مجيبه صدّره بالاحتمال ، إذ الاحتمال لا يجري نفعاً في المقام مادام المسألة شرعية ، وتحتاج إلى قطع ويقين من أنّ الوحي أمر بمثل تلك الرؤية !

وأجيب أيضاً : أو لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بمقتضى الرؤية لينظر أيقرّ على ذلك أم لا ، ولاسيّما لمّا رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه(٣) !!

وفيه بطلان واضح ، إذ إنّ ذلك ليس من اجتهادهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على القول بكونه يجتهد في الأحكام الشرعية كما يجوّزون ذلك ـ وإنّما هي رؤية لغيره فلا محلّ لإقحام مسألة جواز الاجتهاد له في الأحكام هنا من عدمه ؟!

على أنّه لماذا لا يأتيه الوحي ابتداءً ويخبره بكيفية الأذان بدل أحالته إلى رؤية شخص ، ثمّ إمضاء ذلك الفعل من قبله ؟!

أضف إلى ذلك أنّ الصلاة شرّعت في ليلة معراج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلماذا لم يشرّع معها الأذان ؟ وترك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حيرة من أمره لا يدري كيف يعلّم الناس بوقت الصلاة حتّى فرّج عنه برؤية عبد الله بن زيد ، أو عمر بن الخطّاب ، أو بلال ، أو أبي بكر ، أو غيرهم من الصحابة ؟‍!

قال الحافظ : « وقد حاول السهيلي الجمع فتكلّف وتعسّف ، والأخذ بما صحّ أولى ، فقال بانياً على صحّة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي ، أنّ
______________________

(١) فتح الباري ٢ / ٦٤ ، شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ١٩٨

(٢) شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ١٩٨

(٣) نفس المصدر السابق

٢٢٥

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي ، فلماذا تأخّر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة ، وأراد إعلامهم بالوقت رأى الصحابي المنام فقصّه ، فوافق ما كانصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعه فقال : إنّها لرؤيا حقّ ، وعلم حينئذ أنّ مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنّة في الأرض ، وتقوّى ذلك بموافقة عمر ، لأنّ السكينة تنطق على لسانه ، والحكمة أيضاً في إعلام الناس به على غير لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله التنويه بقدره ، والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره ، وأفخر لشأنه »(١)

وفي كلامه تكلّفات كثيرة نشير إليها تباعاً

١ ـ إقراره بأنّ الأذان سمعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سواء كان في معراجه الأوّل أو الثاني ، وهذا ما نقرّه ونصحّحه لما سيأتي ، لكنّه تعلّل بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخبر به إلّا بعد رؤية عبد الله بن زيد وتأييده برؤية عمر الذي تنطق السكينة على لسانه

إلّا أنّ هذا الكلام باطل ؛ لأنّ الروايات تذكر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقي حائراً في كيفية إعلام الناس بالصلاة ، واقترح عليه الصحابة عدّة اقتراحات ـ كوضع راية أو ناقوس أو استخدام شعار النصارى ـ والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقبل ذلك ، وبقي حائراً ، فإذا كان النبيّ قد سمع الأذان من فوق سبع سماوات فلا معنى للحيرة حينئذ ، بل بنفسه يشرّع لهم الأذان الذي سمعه في السماوات بلا تردّد ، وعدم الحاجة إلى رؤية زيد وتأييد عمر !!

وإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقدم على الفعل بعد تأييده برؤية زيد وعمر ، فهذا يعني تشكيك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما سمعه من الأذان في السماء ، وهذا باطل لأنّه يلزم منه خلاف ما فرضه السهيلي من الجزم برؤيته في السماء السابعة

٢ ـ إنّ الرواية التي صحّحها السهيلي واردة بلفظ أنّ ملكاً من السماء علّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأذان كما علّمه الصلاة ، ومن الواضح إنّ تعليم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الله تعالى حتّى يعلّم أُمّته ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك ، فقد علَّم أُمّته الصلاة ، فإذاً لابدّ أن يعلّمهم الأذان ، وإلّا كان قد أخفى عليهم ما كان عليه تعليمهم ، وهذا
______________________

(١) المصدر السابق ١ / ١٩٩

٢٢٦

باطل لا يرتضى في حقّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

٣ ـ إنّ الروايات صريحة في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا اقترحوا عليه ما تفعله اليهود رفض ، وما تفعله النصارى فرفض أيضاً ، وعلّل ذلك بكراهة مشابهتم ، مع أنّهم رووا في روايات أُخرى صحيحة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي ، والمفروض أنّ هذا لم ينزل فيه وحي ، فعليه لابدّ أن يوافقهم الرسول ولا يردّ اقتراحهم !!

٤ ـ إنّ تعليل الكلام بكون « إعلام للناس به على غير لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه » تعليل عليل لأنّ هذا الأمر يتعلّق بالشرع المقدّس ، فإظهاره على لسانه أشدّ وأقوى من إظهاره على لسان غيره ، لأنّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المكلّف بتبليغ الرسالة إلى الناس ، وإلّا إذا رضيت بهذا التعليل يلزم من أن تظهر تشريعات أُخرى على لسان غيره ، لورد نفس التعليل فيها ، مع إنّه لم يظهر ذلك ولم ينقل

وفي الواقع إنّ هذه الأُمور التي يذكرونها ما هي إلّا تعليلات عليلة أخترعها عقولهم ، وصوّرتها مخيّلتهم لأجل تبرير الواقع الذي نقلته هذه الروايات ، من كون الأذان ناشئ عن رؤية لعبد الله بن زيد ، فالتجاؤوا إلى هذه الأُمور العليلة التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، بدل حفظ كرامة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسالة والإيمان بأنّ الأذان شرّعه الله تعالى على لسان نبيّه الكريم لا عن رؤية حلمية أو اقتراح التزم به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله !! فإنّ ذلك كلّه يؤدّي إلى استنقاص الرسالة والحطّ من قيمتها الإلهية ! وسوف نبيّن لاحقاً أنّ الأذان تشريع إلهي نزل من السماء ، فكن على ذكر من ذلك

وهناك إشكال عامّ يرد على جميع الروايات ، وهو ما ذكره الحاكم في « المستدرك » حيث قال : « وإنّما ترك الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ حديث عبد الله بن زيد في الأذان ، والرؤيا التي قصّها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الإسناد لتقدّم موت

٢٢٧

عبد الله بن زيد ، فقد قيل : إنّه استشهد بأُحد ، وقيل بعد ذلك بيسير »؟(١)

فإذاً تبطل الرواية من الأصل لأنّها رويت بعد موت عبد الله بن زيد وهذا لا يمكن قبوله ، ودليل على وضع الرواية وبطلان كلّ ما يبنى عليها ، واستند إليها

وقال ابن حجر : « وفي الحلية في ترجمة عمر بن عبد العزيز بسند صحيح عن عبد الله العمري قال : دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن ثعلبة على عمر بن عبد العزيز فقالت : أنا ابنة عبد الله بن زيد شهد أبي بدراً ، وقتل بأُحد ! فقال : سليني ما شئت ، فأعطاها »(٢)

فإذاً مع إيمان ابن حجر العسقلاني بأنّ عبد الله بن زيد استشهد بأُحد ، وعليه تكون الروايات المروية عن رؤيا الأذان منقطعة ، ولكنّنا مع ذلك نجده يستدلّ برؤيته على شرعية الأذان

فانظر إلى الأمانة العلمية والتقوى التي يحملها ابن حجر وغيره من أقطاب المذهب السنّي !!

والصحيح أنّ الأذان شرّعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى ، وقد وردت بذلك روايات عديدة من طرق أهل السنّة ، وهي صحيحة السند أيضاً ، فقد أخرج الحاكم بسنده عن سفيان بن الليل قال : « لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان ، قدمت عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ، فذكر الحديث بطوله قال : فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبد الله بن زيد بن عاصم ! فقال له الحسن بن علي :« إنّ شأن الأذان أعظم من ذاك ؛ أذّن جبرائيل عليه‌السلام في السماء مثنى مثنى ، وعلّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقام مرّة مرّة ، فعلَّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فأذّن الحسن حين ولي »(٣)

______________________

(١) المستدرك ٤ / ٣٤٨

(٢) الإصابة ٤ / ٨٥

(٣) المستدرك ٣ / ١٧١

٢٢٨

وعلّق الذهبي على الرواية بقوله : « قال أبو داود : نوح كذّاب ، وهو قول ابن الملقن انتهى

والمقصود بنوح هو نوح بن درّاج اتهم بالكذب والوضع ! ولم يبيّن سبب كذبه ، ولكن الجوزجاني كشف لنا عن سبب تضعيفه ، فقال : زائغ »(١)

ومقصود الجوزجاني بالزيغ هو التشيّع كما أفصح عن ذلك الذهبي في ترجمة الجوزجاني في « ميزان الاعتدال »(٢)

وعليه فسبب طعنه كونه شيعياً لا غير ، وإلّا إذا رجعنا إلى ترجمته نجدهم رموه بالكذب والزيغ والوضع بلا أيّ مبرّر أو دليل ، أو قل هو جرح مبهم ، وقد كشف عنه الجوزجاني فصار جرحاً مفسّراً ، وبما أنّه ليس بجرح حتّى على مبانيهم فيكون جرحه لا قيمة له ويحكم بوثاقته كما ذكر بعضهم ! فإذاً الرواية صحيحة

الرواية الثانية : عن زياد بن المنذر ، حدّثني العلاء قال : قلت لابن الحنفية : كنّا نتحدّث أنّ الأذان رؤيا رآها رجل من الأنصار ففزع وقال : عمدتم إلى أحسن دينكم فزعتم أنّه كان رؤيا !! هذا والله باطل !

ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا عرج به انتهى إلى مكان من السماء ووقف ، وبعث الله ملكاً ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم فعلّمه الأذان(٣) ، وهذا الحديث ضعّف بسبب وجود زياد بن المنذر في الرواية !

وعند الرجوع إلى ترجمته نجد أن تضعيفه لم يكن لفرية ارتكبها ، أو مروق عن الدين ركبه ، وإنّما ضعّف لأنّه شيعي يروي فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، قال ابن عدي : « ويحيى ابن معين إنّما تكلّم فيه وضعّفه لأنّه يروي فضائل أهل البيت »(٤)

______________________

(١) تهذيب الكمال ١٩ / ١٧١

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٧٦

(٣) شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ١٩٩

(٤) تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٩

٢٢٩

وعلى ذلك تكون الرواية صحيحة السند ، لأنّ تضعيف الراوي لم يكن ناشئاً عن جرح معتدّ به ومقبول ، وإنّما ضعّف لأجل التعصّب والهوى ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام

ومن هذا يتّضح العداء الذي يكنّه علماء أهل السنّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، والنفور من رؤية فضائلهم ، ممّا أدّى بهم إلى جعل رواية فضائلهم موحية لتضعيف الراوي وإسقاطه عن المقبولية ، وتتّضح لديك مقولة ابن حجر التي قال فيها : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالياً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ، ولاسيّما أنّ علياً ورد في حقّه :« لا يحبّه إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا منافق » (١)

فالعداء متجذّر في علماء الحديث لغمورهم في النصب ، فلذلك يطعنون برواة فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، ولك في النسائي ، والصنعاني ، والحاكم ، وغيرهم خير شاهد

وأمّا الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام والمروية في كتب علماء الشيعة فهي كثيرة ، وتنصّ على أنّ الأذان تشريع من الله تعالى من دون مدخلية للأحلام والمنامات الليلية فيه(٢)

وفي « بدائع الصنائع » بعد أن نقل رواية رؤية عبد الله بن زيد قال : « وروي عن محمّد بن الحنفية أنّه أنكر ذلك »(٣)

وقال السيوطي : ( الأذان نزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع فرض الصلاة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) )(٤)

______________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٤١١

(٢) أُنظر : الكافي ٣ / ٣٠٢

(٣) بدائع الصنائع ١ / ١٤٧

(٤) الدرّ المنثور ٦ / ٢١٨ ، والآية في سورة الجمعة : ٩

٢٣٠

« محمّد ـ ـ »

التثويب بدعة باطلة :

س : هل التثويب وهو قول : « الصلاة خير من النوم » جائز في الأذان ؟

ج : هذه بدعة باطلة أحدثها عمر(١) ، واستمرّ عليها الآخرون ، ولا أصل لها في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى إنّه ورد في بعض الأخبار ، إنكار عبد الله بن عمر لهذا العمل(٢) ، وأنّ الإمام عليعليه‌السلام حينما سمعه قال : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٣) ، وأيضاً قد أفتى الشافعي بكراهة التثويب في الأذان مطلقاً(٤)

هذا ، وقد ورد عندنا الأذان الصحيح المنقول بلسان أهل البيتعليهم‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأسانيد معتبرة ، وليس فيه أيّ إشارة أو تلويح بتلك الفقرة الموضوعة

« ـ السعودية ـ سنّي »

حيّ على خير العمل منهما :

س : إنّ القول بحيّ على خير العمل في الأذان من بدع الشيعة

ج : ذهب معظم أهل السنّة إلى أنّ فقرة « حيّ على خير العمل » لا يصحّ ذكرها في الأذان ، وعبّر بعضهم بلفظ يكره ، معلّلاً ذلك بأنّه لم يثبت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والزيادة في الأذان مكروهة(٥)

وقال القاسم بن محمّد : « وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به ، وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه
______________________

(١) الموطّأ ١ / ٧٢ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٧٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٦ ، سنن الدارقطني ١ / ٢٥١ ، كنز العمّال ٨ / ٣٥٥

(٢) تهذيب الكمال ٣ / ٨٢ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٧٥ ، كنز العمّال ٨ / ٣٥٧

(٣) نيل الأوطار ٢ / ١٨

(٤) الأُم ١ / ١٠٤

(٥) السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥

٢٣١

كان حيّ على خير العمل من ألفاظ الأذان

قال الزركشي في كتابه المسمّى بالبحر ما لفظه : ومنها ما الخلاف فيه موجود في المدينة كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر ـ وهو عميد أهل المدينة ـ يرى إفراد الأذان ، ويقول فيه : حيّ على خير العمل إلى أن قال : فصحّ ما رواه الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً في إثبات حيّ على خير العمل »(١)

وذهب أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم إلى أنّ هذه الفقرة جزء من الأذان والإقامة ، لا يصحّان بدونها ، وهذا حكم إجماعي عندهم ، نسبه الشوكاني إلى العترة وقال : « نسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي »(٢) ، ثمّ عقّبه الشوكاني بقوله : « وهو خلاف ما في كتب الشافعية »

وقد ذهب كثير من الصحابة والتابعين إلى الإقرار بوجود حيّ على خير العمل في الأذان ، وإليك أسماء بعضهم وكلماتهم ، أو الذين نقلوا عنهم :

١ ـ عبد الله بن عمر :

عن نافع عن ابن عمر أنّه كان يقول في أذانه : « الصلاة خير من النوم ، وربما قال : حيّ على خير العمل »(٣)

وعن الليث بن سعد عن نافع قال : « كان ابن عمر لا يؤذّن في سفره ، وكان يقول : حيّ على الفلاح ، وأحياناً يقول : حيّ على خير العمل ، ورواه محمّد بن سيرين عن ابن عمر : إنّه كان يقول ذلك في أذانه »(٤)

وعن نافع عن ابن عمر : « أنّه كان يقيم الصلاة في السفر ، يقولها مرّتين أو ثلاثاً يقول : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على خير العمل »(٥)

وقال ابن حزم : « فهو عنه ثابت بأصحّ إسناد »(٦)

______________________

(١) الاعتصام بحبل الله المتين ١ / ٣٠٧

(٢) نيل الأوطار ٢ / ١٨

(٣) المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥

(٥) المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤

(٦) المحلّى ٣ / ١٦١

٢٣٢

٢ ـ الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام :

عن جعفر بن محمّد عن أبيه : « إنّ علي بن الحسين كان يقول في أذانه إذا قال : حيّ على الفلاح قال : حيّ على خير العمل ، ويقول : هو الأذان الأوّل »(١)

٣ ـ أبو أُمامة بن سهل بن حنيف :

روي عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف : « أنّه ذكر حيّ على خير العمل في الأذان »(٢)

وقال المحبّ الطبري في كتابه « الأحكام الكبير » : « ذكر الحيعلة بحيّ على خير العمل ، عن أبي أُمامة بن سهل البدري أنّه كان إذا أذّن قال : حيّ على خير العمل ، ونقله عنه سعيد بن منصور »(٣)

٣ ـ بلال :

كان بلال يؤذّن الصبح ويقول : « حيّ على خير العمل »(٤)

٤ ـ الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

عن الإمام عليعليه‌السلام قال :« سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ خير أعمالكم الصلاة ، وأمر بلالاً أنّ يؤذّن بحيّ على خير العمل » (٥)

٥ ـ أبو محذورة :

روي عن أبي محذورة ـ أحد مؤذّني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه قال : « أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقول في الأذان : حيّ على خير العمل »(٦)

______________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥

(٣) الاعتصام بحبل الله المتين ١ / ٣٠٩

(٤) كنز العمّال ٨ / ٣٤٢

(٥) الاعتصام بحبل الله المتين ١ / ٣٠٩

(٦) البحر الزخّار ٢ / ١٩٢

٢٣٣

٦ ـ زيد بن أرقم :

أذّن بحيّ على خير العمل(١) ، إلى غير ذلك ممّن كان يؤذّن بحيّ على خير العمل

وأمّا أقوال العلماء :

١ ـ قال في « الروض النضير » : « وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه كان حيّ على خير العمل من ألفاظ الأذان »(٢)

٢ ـ قال صاحب كتاب « السنام » : « الصحيح أنّ الأذان شرّع بحيّ على خير العمل »(٣)

٣ ـ قال الشوكاني نقلاً عن كتاب « الإحكام » : « وقد صحّ لنا أنّ حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذّن بها ، ولم تطرح إلّا في زمن عمر »(٤)

٤ ـ قال صاحب كتاب « فتوح مكّة » : « أجمع أهل المذاهب على التعصّب في ترك الأذان بحيّ على خير العمل ، وقد ذكر العلّامة عزّ الدين أبو إبراهيم محمّد بن إبراهيم ما لفظه : بحثت عن هذين الإسنادين في حيّ على خير العمل ، فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر ، وإلى زين العابدين »(٥)

إلى غير ذلك من المصادر والأقوال التي تنصّ على وجود كلمة « حيّ على خير العمل » في تشريع الأذان !

« ـ ـ »

عمر حذف حيّ على خير العمل :

س : من ألغى عبارة « حيّ على خير العمل » من الأذان مطلقاً ، وأضاف ______________________

(١) نيل الأوطار ٢ / ١٩

(٢) الروض النضير ١ / ٥٤٢

(٣) نفس المصدر السابق

(٤) نيل الأوطار ٢ / ١٩

(٥) الاعتصام بحبل الله المتين ١ / ٣١٠

٢٣٤

كلمة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الصبح بالخصوص ؟

ج : قد تعارضت روايات أهل السنّة في ذلك ، فبعضها يشير إلى أنّه اقتراح من بلال الحبشي عندما جاء إلى الأذان ووجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فلمّا أفاق الرسول أضاف هذه الجملة إلى الأذان واستحسنها

وبعضها يشير إلى أنّ أوّل من حذف كلمة « حيّ على خير العمل » عمر بن الخطّاب ، وهو الذي أضاف كلمة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الصبح !

أمّا الأحاديث الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه الذي أضاف كلمة « الصلاة خير من النوم » فكلّها ضعيفة ، ونكتفي بما ذكره الشيخ الألباني حيث قال : « قول بلال : أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أُثوّب في الفجر ، ونهاني أن أُثوّب في العشاء ـ رواه ابن ماجه ص ٦٦ ـ ضعيف ، رواه ابن ماجه (٧١٥) عن أبي إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال به

ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (١ / ٣٧٨) ، والعقيلي في الضعفاء (ص ٢٦) ، وأحمد (٦ / ١٤) بلفظ : لا تثوّبن في شيء من الصلوات إلّا في صلاة الفجر ، وهذا ضعيف من أجل عطاء وابن عاصم ، وعلّه البيهقي بالانقطاع فقال : من جميع الوجوه إلّا أنّه منقطع وهو علّة الحديث

ثمّ قال البيهقي : ورواه الحجّاج بن أرطاة عن طلحة بن مصرف ، وزبيد عن سويد بن غفلة أنّ بلالاً كان لا يثوّب إلّا في الفجر ، فكان يقول في أذانه : حيّ على الفلاح ، الصلاة خير من النوم ، والحجّاج مدلّس »(١)

فإذاً رواية إضافة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الفجر لم تصحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما لاحظنا كلام الألباني !

ثمّ إنّ الذي أضاف التثويب إلى صلاة الصبح قد حذف لفظ « حيّ على خير العمل » من الأذان مطلقاً ـ في صلاة الصبح وفي غيرها ـ

______________________

(١) إرواء الغليل ١ / ٢٥٢

٢٣٥

أمّا الرواية الواردة من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي فعل ذلك فهي صحيحة السند ؛ قال الزرقاني عند شرح قول مالك : « أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطّاب يؤذّنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح ، قال الزرقاني : هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنّفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر ، وأخرجه أيضاً عن سفيان عن محمّد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنّه قال لمؤذّنه : إذا بلغت حيّ على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، فقصر ابن عبد البرّ في قوله : لا أعلم هذا روي عن عمر من وجه يحتجّ به وتعلم صحّته ، وإنّما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل لا أعرفه قال : والتثويب محفوظ في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

والمعنى هنا أنّ نداء الصبح موضع قوله لا هنا كأنّه كره أن يكون منه نداء آخر عند باب الأمير كما أحدثته الأمراء ، وإلّا فالتثويب أشهر عند العلماء والعامّة من أن يظنّ بعمر أنّه جهل ما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر به مؤذنيه بلالاً بالمدينة ، وأبا محذورة بمكّة انتهى

ونحو تأويله قول الباجي : يحتمل أنّ عمر قال ذلك إنكاراً لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان في غيره ، وقال له : اجعلها فيه ، يعني لا تقلها في غيره انتهى ، وهو حسن متعيّن »(١)

وأنت تلاحظ تأويل الباجي الذي لا يعرف صدره من عجزه ، فإنّه لفّ ودوران في الألفاظ ؛ لأنّ الرواية صريحة في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أدخل لفظ « الصلاة خير من النوم في الأذان » ، فكيف يأتي ويقول : لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان وغيره الخ ، والمفروض أنّه من ألفاظ غير الأذان !!

______________________

(١) شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ٢١٧

٢٣٦

وأين التأويل الحسن الذي ارتآه الزرقاني في كلام الباجي وهو فارغ من المحتوى وتلاعب بالألفاظ !! ولله مع أهل السنّة في تقديس عمر شؤون ، نسأل الله السلامة منها !

وارجع إلى مصادر الحديث التي روت أنّ عمر بن الخطّاب أضاف هذه الجملة إلى الأذان في المصادر التالية : « السنن الكبرى » للبيهقي و « سنن الدارقطني »(١)

وأمّا الرواية الواردة عن محمّد بن خالد بن عبد الله الواسطي عن أبيه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استشار الناس لما يهمّهم من الصلاة .

قال : قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : « الصلاة خير من النوم » ، فاقرّها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذا الحديث باطل لأنّ فيه محمّد بن خالد بن عبد الله الواسطي الطحّان ، قال عنه الذهبي : قال يحيى : كان رجل سوء ، وقال مرّة : لا شيء ، وقال ابن عدي : أشدّ ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه عن الأعمش ، ثمّ ذكر له مناكير غير ذلك

وقال أبو زرعة : ضعيف ، توفّي سنة أربعين ومائتين ، وقال ابن عدي : سمعت محمّد بن سعد ، سمعت ابن الجنيد ، أو صالح جزرة يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : محمّد بن خالد عبد الله كذّاب ، إن لقيتموه فاصفعوه »(٢)

______________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، سنن الدارقطني ١ / ٢٥١

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ٥٣٣

٢٣٧
٢٣٨

الارتداد :

« هاني الرداد ـ مصر ـ سنّي »

حصل بعد وفاة الرسول :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يقولون : أنّه بعد وفاة الرسول ارتدّ الصحابة كلّهم إلّا ستة ؟

ج : إنّ الطبري وغيره ذكروا بأنّ العرب ارتدّت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عدا فئة في المدينة ، وفئة في الطائف ، وحاربهم أبو بكر فأرجعهم عن الردّة(١)

فهذه الردّة التي يذكرها الطبري ردّة عن الإسلام ، وأمّا الحديث :« ارتدّ الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فليست الردّة ردّة عن الإسلام ، وإنّما ردّة عن الخليفة الذي نصّبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفرق بينهما كثير

« هاني الرداد ـ مصر ـ سنّي »

تعليق على الجواب السابق :

شكراً جزيلاً لإخواننا الشيعة ، على هذا الحوار الجيّد ، في إطار الإخوّة الإسلامية التي تجمعنا ، ومن هنا ، نمدّ يدنا نحن معاشر أهل السنّة لعودة الحبّ المتبادل ، وبما أنّ الخلاف قد يتطرّق لبعض المسائل العقائدية التي يعتقد كلّ مذهب أنّه على الحقّ ، وأنّ الآخر ضلّ بعض الشيء ، فلإزالة هذا الأمر ، وجب
______________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٥٢١ و ٤ / ٤٧٤ ، المعجم الأوسط ٦ / ٣٣٢ ، كنز العمّال ٥ / ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٦٠ و ٣٠ / ٣١١

٢٣٩

على كلّ سنّي أن يستغفر لأخيه الشيعي ، ووجب على كلّ شيعي أن يستغفر لأخيه السنّي ، ونطوي صفحة الماضي بالكفّ عن الكلام عن الماضي ، لأجيال عصر صدر الإسلام ، الذين فتحوا البلاد ، حتّى وصل الإسلام إلينا ، وشعارنا دائماً : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١)

« ـ ـ »

شروطه وأحكامه :

س : إنّني أقوم ببحث حول الشريعة الشيعية ، وأطلب منكم أن تساعدونني ، أتمنّى أن تعطوني هنا حكم الارتداد ، لأنّني مهتمّ جدّاً بهذا الحكم منذ الماضي

ج : إنّ الارتداد اصطلاحاً هو : الرجوع عن الدين الإسلامي ، وقيل : هو أشدّ أنواع الكفر ، ويبحث في عدّة نقاط منها :

١ ـ يثبت الارتداد بالإقرار والبيّنة ، أو بصدور فعل دالّ عليه

٢ ـ يتحقّق الارتداد ، إمّا بإنكار الله تعالى ، أو إنكار توحيده تعالى ، أو إنكار رسالة الله ، أو رسوله ، أو تكذيب الرسول ، أو جحد ما ثبت ، أو نفي من الدين ضرورة ، أو يعلم أنّه من الدين ومع ذلك ينكره ، من قبيل الاستهزاء بالمصحف الشريف بأيّ شكل كان

٣ ـ شروط الارتداد هي : العقل والبلوغ والقصد والاختيار ، فعمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه ارتدّ ظاهراً ، ولكن قلبه مطمئنّ بالإيمان ، لأنّ ارتداده لم يكن عن قصد واختيار

٤ ـ ينقسم الارتداد : إلى فطري وملّي ، وقيل : الفطري هو من ولد من مسلمينِ ، والملّي هو من أسلم عن كفر أصلي ثمّ ارتدّ ، وتوبته ظاهراً مقبولة ،
______________________

(١) البقرة : ١٣٤

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576