موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

موسوعة الأسئلة العقائديّة11%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 518 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245379 / تحميل: 6330
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٢-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ويقولعليه السلام : « مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّ كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّا »(١) .

ويقولعليه السلام في التحذير من الدنيا : « إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوى إليها الفتيان بأيديهم »(٢) .

أقول : إن الرجل العاقل هو المجرّب الذي خبر الدنيا فعرف أنها لا تصفو من الكدر وأنها تخبئ كثيرا من الآلام والآفات والنكبات ، أما الغرّ غير المجرّب فهو كالطفل يرى حلاوتها ولم يشعر بمرارتها ، فيغترّ بها كما يغترّ بلين مسّ الحيّة وإن كان فيها السمّ القاتل ، والامامعليه السلام وجميع المصلحين يحذّرون من الاغترار بنعيم الدنيا ، لأنه يسبّب طغيان الانسان وعتوّه ونسيان الآخرة وما يجب من العمل لها في فرصة الحياة الدنيا. وإن شئت أن تبعد غورا في عرفانها فتبصّر بقوله في صفتها :

« إن هذه الدنيا وإن أمتعت ببهجتها ، وغرّت بزبرجها ، فإن آخرها لا يعدو أن يكون كآخر الربيع ، الذي يروق بخضرته ثمّ يهيج(٣) عند انتهاء مدته ، وعلى من نصح لنفسه وعرف ما عليه وله أن ينظر إليها نظر من عقل عن ربّه جلّ وعلا وحذر سوء منقلبه ، فإن هذه الدنيا خدعت قوما فارقوها أسرع ما كانوا إليها ، وأكثر ما كانوا اغتباطا بها ، طرقتهم آجالهم بياتا وهم نائمون ، أو ضحى وهم يلعبون ، فكيف أخرجوا عنها ، والى ما صاروا بعدها ، أعقبتهم الألم ، وأورثتهم

__________________

(١) الكافي ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها : ٢ / ٣١٦ / ٧.

(٢) كتاب الزهد للثقة الجليل الحسين بن سعيد بن حمّاد بن مهران الأهوازي ، باب ما جاء في الدنيا ومن طلبها : ٤٥ / ١٢١.

(٣) ينبس.

٢١

الندم ، وجرعتهم مرّ المذاق وغصّصتهم بكأس الفراق ، فيا ويح من رضي عنها أو أقرّ عينا ، أما رأى مصرع آبائه ، ومن سلف من أعدائه وأوليائه أطول بها حيرة ، وأقبح بها كرّة ، وأخسر بها صفقة ، واكبر بها ترحة ، اذا عاين المغرور بها أجله وقطع بالأماني أمله ، وليعمل على أنه اعطي أطول الأعمار وأمدّها ، وبلغ فيها جميع الآمال ، هل قصاراه إلاّ الهرم ، وغايته إلاّ الوخم(١) نسأل الله لنا ولك عملا صالحا بطاعته ، ومآبا الى رحمته ، ونزوعا عن معصيته ، وبصيرة في حقّه ، فإنما ذلك له وبه »(٢) .

وتأمّل قوله في نعتها ونعت ذويها : « كم من طالب للدنيا لم يدركها ، ومدرك لها قد فارقها ، فلا يشغلنّك طلبها عن عملك ، والتمسها من معطيها ومالكها ، فكم من حريص على الدنيا قد صرعته ، واشتغل بما أدرك منها عن طلب آخرته حتّى فني عمره وأدركه أجله »(٣) .

وما أصدق قوله في تحليلها وأطوار الناس فيها : « ما الدنيا وما عسى أن تكون ، هل الدنيا إلاّ اكل اكلته ، أو ثوب لبسته ، أو مركب ركبته ، إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الآخرة ، دار الدنيا دار زوال ، ودار الآخرة دار قرار ، أهل الدنيا أهل غفلة ، إن أهل التقوى أخفّ أهل الدنيا مؤونة واكثرهم معونة ، إن نسيت ذكّروك ، وإن ذكّروك أعلموك ، فانزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء منه ، فكم من حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ، وكم

__________________

(١) الثقل والرداءة.

(٢) مهج الدعوات ، في باب أدعية الصادق ، وقد أشرنا إليها في فصل استدعاء المنصور له في أوّل مرّة.

(٣) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه في أحوال الصادقعليه السلام .

٢٢

من تارك لأمر قد سعد به حين أتاه »(١) .

وانتبه الى قولهعليه السلام : « ما أنزلت الدنيا من نفسي إلاّ بمنزلة الميتة ، اذا اضطررت إليها اكلت منها ، إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون والى ما هم إليه صائرون ، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة لعلمه السابق فيهم ، فلا يغرّنك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت » ثمّ تلا قوله تعالى : « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا »(٢) وجعل يبكي ويقول : « ذهبت والله الأماني عند هذه الآية » ثمّ قالعليه السلام : « فاز والله الأبرار ، الذين لا يؤذون الذر ، كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار جهلا »(٣) .

أقول : أراد بقوله « ذهبت والله الأماني » أماني أهل الأعمال السيّئة إذ يحلم الله عنهم فيظنّون أنهم في نجاة من عذاب الله في الآخرة ، ولكن الآية دالّة على أن الدار الآخرة مقصورة على هؤلاء الذين لا يريدون العلوّ ولا الفساد ، إذن فلا نصيب لغيرهم فيها ، وأين تكون أماني أهل الآمال الذين ليسوا من اولئك ، وقد قطعت الآية تلك الأماني من نفوسهم.

وشكا إليه رجل الحاجة ، فقالعليه السلام : « اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا » ثمّ سكت ساعة ، ثمّ أقبل على الرجل فقال : « اخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال : أصلحك الله ، ضيق منتن ، وأهله بأسوإ حال ، فقالعليه السلام : إنما أنت في السجن فتريد أن يكون فيه سعة أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن ».

وتأمّل قولهعليه السلام : « من أصبح وأمسى والدنيا اكبر همّه جعل الله

__________________

(١) تحف العقول للحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني الحلبي الفقيه الجليل : ص ٢٠٨.

(٢) القصص : ٨٣.

(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٣ / ٧.

٢٣

الفقر بين عينيه ، وشتّت أمره ولم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له ، ومن أصبح وأمسى والآخرة اكبر همّه جعل الغنى في قلبه وجمع أمره »(١) .

أقول : لأن من كان همّه الدنيا فإن شهواته تلحّ عليه وهو لا يستطيع إشباعها أبدا فهو دائما في حاجة ، وما يزال الفقر نصب عينيه ، ويكون همّه متشعّبا ، لتشعّب شئون هذه الحياة ، فيتشتّت عندئذ أمره ، ومع ذلك لا ينال من الدنيا الواسعة إلاّ ما قسم له ، وأمّا من كان همّه الآخرة فيجعل الله القناعة في قلبه ، ومن قنع استغنى ، فلا يكون همّه عندئذ متشعّبا بتشعّب جهات الحياة ، وبهذا يكون اجتماع أمره وهدوء فكره.

ويمثل لك حسرة طلاب هذه الفانية أيضا فيقولعليه السلام : « من كثر اشتباكه في الدنيا كان أشدّ لحسرته عند فراقها »(٢) .

وأحسن ما مثل فيه المنهمكين بالدنيا في قوله : « من تعلّق قلبه بالدنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال : همّ لا يفنى ، وأمل لا يدرك ، ورجاء لا ينال »(٣) .

أقول : هذا نموذج من كلامه عن الدنيا والمغرورين بها ، أرسلهعليه السلام إيقاظا للغافلين ، وتحذيرا من زخارفها الخدّاعة.

الرياء :

الرياء : طلب المنزلة في قلوب الناس بخصال الخير أو ما يدلّ من الآثار عليها باللباس والهيئة والحركات والسكنات ونحوها.

وهو من الكبائر الموبقة والمعاصي المهلكة ، وقد تعاضدت الآيات والأخبار

__________________

(١) الكافي ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها : ٢ / ٣١٩ / ١٥.

(٢) نفس المصدر السابق : ٢ / ٣٢٠ / ١٦.

(٣) نفس المصدر : ٢ / ٣٢٠ / ١٧.

٢٤

على ذمّه. وقد ورد عن الصادقعليه السلام الكثير من الأحاديث في ذمّه وتنقص صاحبه ، فقال مرّة :

كلّ رياء شرك(١) إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله(٢) .

وقال اخرى في قوله تعالى : « فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا »(٣) : الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يريد به وجه الله ، إنما يطلب تزكية الناس ، يشتهي أن تسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه. ثمّ قالعليه السلام : ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام حتّى يظهر الله له خيرا ، وما من عبد يسرّ شرّا فذهبت به الأيام حتّى يظهر الله له شرّا »(٤) .

وقال طورا : « ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا ، أليس يرجع الى نفسه فيعلم أن ليس كذلك ، والله عزّ وجلّ يقول : « بل الانسان على نفسه بصيرة »(٥) إن السريرة اذا صحّت قويت العلانية »(٦) .

أقول : ما أغلاها كلمة ، لأن المرائي يرجع الى نفسه فيعرف أنه يظهر غير ما يضمر ، فيظهر ذلك على أعماله من حيث يدري ولا يدري ، لأنه بالرجوع الى نفسه يشعر بهذا الضعف والخداع ولا بدّ أن يبدو الضعف على عمله فيختلج فيه.

__________________

(١) إذ أن من قصد بعبادة الله التقرّب الى الناس فلا يقصد ذلك إلاّ حيث يظن أن من قصد التقرّب إليه له الحول والقوّة والنفع والضرّ من دون الله تعالى ، وهذا هو الشرك بعينه.

(٢) الكافي ، باب الرياء : ٢ / ٢٩٣ / ٣.

(٣) الكهف : ١١٠.

(٤) الكافي : ٢ / ٢٩٥ / ١٢.

(٥) القيامة : ١٤.

(٦) الكافي : ٢ / ٢٩٥ / ١١.

٢٥

أمّا الذي توافق عنده السرّ والعلن في الصلاح فإنه يكون قويّا في عمله لأنه مطمئنّ من نفسه شاعر بقوّتها ، والشعور بالقوّة يسيطر على أقوال الإنسان وأفعاله.

وقال أيضاعليه السلام : من أراد الله بالقليل من عمله أظهر الله له اكثر ممّا أراد ، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه ، وسهر من ليله ، أبى الله عزّ وجلّ إلاّ أن يقلّله في عين من سمعه.

وقال أيضا : ما يصنع الانسان أن يعتذر بخلاف ما يعلم الله منه ، إن رسول اللهص كان يقول : من أسرّ سريرة ألبسه الله رداها إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا.

وقالعليه السلام : إيّاك والرّياء ، فإنه من عمل لغير الله وكّله الله الى من عمل له(١) .

أقول : هذه شذرات من كلامه في الرياء ، أبان فيها عن سوء هذه النيّة الفاشلة ، وخيبة من يريد منها رضى الناس ، فتفضحه الأيام فلا عمله زكّاه ولا حصل على ما رائى لأجله.

الظلم :

قبح الظلم بمعنى الجور والاعتداء على الغير من أشهر ما تطابقت عليه آراء العقلاء وتسالمت عليه العقول ، وهو من الواضحات التي لا يشكّ فيها واحد ، ولذا أنّ الله تعالى لمّا أراد ذمّ الشرك واستهجانه ذمّه لأنه ظلم فقال : « إن الشرك لظلم عظيم »(٢) .

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٢٩٣ / ١.

(٢) لقمان : ١٣.

٢٦

وقد وردت الآيات والآثار الكثيرة في ذمّه وحرمته ومنها ما سيأتي عن إمامنا الصادقعليه السلام .

غير أنه يختلف كثرة وقلّة ، وشدّة وضعفا ، كما دلّت عليه الآية ، ولذلك يقولعليه السلام : ما من مظلمة أشدّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلاّ الله.(١)

أقول : وآية ذلك أن الضعيف عاجز عن الانتصاف لنفسه ، فيكون الله تعالى نصيره والآخذ بحقّه ، وكيف حال من كان الله خصمه والمنتصف منه ، وهذا مثل ما يروى عن زين العابدينعليه السلام من قوله : إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلاّ الله(٢) .

ولا تحسبنّ أن الظالم هو المباشر فقط ، بل كما قال أبو عبد اللهعليه السلام :

العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به ، كلّهم شركاء ثلاثتهم(٣) .

بل زاد على هؤلاء الثلاثة بقولهعليه السلام : من عذر ظالما بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، إن دعا لم يستجب له ، ولم يؤجره الله على ظلامته.

ولشدّة قبح الظلم يكون من لا ينوي الظلم مأجورا ، كما قالعليه السلام : من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر الله له ما أذنب ذلك اليوم ، ما لم يسفك دما أو يأكل مال يتيم حراما.

ودخل عليه رجلان في مداراة(٤) بينهما ومعاملة ، فلم يسمع لهما كلاما بل قالعليه السلام : « أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم ، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم اكثر ممّا يأخذه الظالم من مال المظلوم » ثمّ قالعليه السلام : « من

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٣٣١ / ٤.

(٢) الكافي : ٢ / ٣٣١ / ٥.

(٣) الكافي ، باب الظلم : ٢ / ٣٣٣ / ١٦.

(٤) منازعة.

٢٧

يفعل الشرّ بالناس فلا ينكر الشرّ إذا فعل به ، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع ، وليس يحصد أحد من المرّ حلوا ، ولا من الحلو مرّا » فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.

أقول : ما أبلغها عظة وما أصدق التمثيل ، غير أن النفوس طبعت على السوء وحبّ الاعتداء والغلبة فتعمى عن مثل هذه الآثار ، وإلاّ كيف يأمل أحد أن يحصد الحلو من المرّ والخير من الشرّ ، وهو نفسه لا يجازي المسيء بالإحسان والظلم بالصفح ، فكيف يرجو أن يكافأ وحده بغير ما يعمل دون الناس؟

ودخل عليه زياد القندي(١) فقالعليه السلام له : يا زياد ولّيت لهؤلاء؟

قال : نعم يا ابن رسول اللهص لي مروّة ، وليس وراء ظهري مال ، وإنّما اواسي اخواني من عمل السلطان ، فقالعليه السلام : يا زياد أما اذا كنت فاعلا ذلك ، فاذا دعتك نفسك الى ظلم الناس عند القدرة على ذلك فاذكر قدرة الله عزّ وجلّ على عقوبتك ، وذهاب ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء(٢) ما أتيت الى نفسك عليك والسلام(٣) .

أقول : إن الوالي معرّض للظلم ، ولكن الله تعالى أقدر على عقوبة الظالم والانتصاف منه ، ويستطيع أن يذهب عن المظلوم الظلامة وإرجاعها على الظالم ، فلو أن الانسان ساعة يريد الظلم يخطر هذه الحقائق بباله لكفّ عمّا أراد ،

__________________

(١) ابن مروان القندي الأنباري بقى الى أيام الرضاعليه السلام وذهب الى الوقف ، كان وكيلا للكاظمعليه السلام وتخلّفت عنده أموال كثيرة بسبب حبس الكاظم فطالبه الرضا بالمال بعد أبيه كما طالب علي بن أبي حمزة وعلي بن عيسى فقالوا بالوقف طمعا بالمال على أن زيادا ممّن روى النصّ على الرضا وهو ثقة في الرواية.

(٢) ذهاب وبقاء معا معطوفان على عقوبتك ، فالتقدير وعلى ذهاب وعلى بقاء.

(٣) مجالس الشيخ الطوسي طاب ثراه ، المجلس / ١١.

٢٨

وهذه أجمل الوسائل للارتداع عن الظلم.

ولعظم جريمة الظلم عند الله سبحانه يستجيب دعوة المظلوم على ظالمه كما قال أبو عبد اللهعليه السلام : اتقوا الظلم ، فإن دعوة المظلوم تصعد الى السماء(١) .

أقول : إن صعود الدعوة الى السماء كناية عن الإجابة وعدم الردّ.

المؤمن :

الإيمان بكلّ شيء هو تمكّن العقيدة من النفس ، فيخلص لها ويتفانى في سبيلها ، لأن العقيدة اذا تمكّنت من الانسان تكون جزء لا يتجزأ من نفسه لا ينفكّ عنها ، بل هي نفسه حقيقة ، فاذا جاز أن يتخلّى الانسان عن نفسه ولا يخلص لها ، جاز أن يتخلّى عن عقيدته ولا يخلص لها.

والعقيدة الدينيّة خاصّة ـ بالاستقراء ـ ولا سيّما الإيمان بالله أقوى من كلّ عقيدة تمكّنا من النفس ، فاذا عرف الانسان ربّه مؤمنا بقدرته وتدبيره وعدله لا بدّ أن يكون مستهينا بجميع شهوات الدنيا غير حافل بحوادثها ، ولا بدّ أن يتّصف بالخصال التي سنقرؤها عن الصادقعليه السلام التي ينبغي أن يتّصف بها المؤمن.

ومن رأيته لا يتحلّى بها فاعلم أنه ليس بمؤمن حقا ، أو أنه ضعيف الإيمان لم تتمكّن العقيدة من نفسه.

قال أبو عبد اللهعليه السلام في صفة المؤمن : ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقورا عند الهزاهز ، صبورا عند البلاء ، شكورا عند الرخاء ، قانعا بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ، ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب ،

__________________

(١) الكافي ، باب من تستجاب دعوته : ٢ / ٥٠٩ / ٤.

٢٩

والناس منه في راحة.

ثمّ قال : إن العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أخوه ، واللين والده(١) .

أقول : إن الانسان إلاّ ما ندر يجد نفسه على جانب كبير من فاضل الصفات من أجل حبّه لذاته ورضاه عن نفسه فيتعامى عن عيوبها.

وفي الحقيقة إنّ هذا أوّل الرذائل ، بل مبدأ كلّ رذيلة ، ولكنه اذا قرأ أمثال هذه الكلمات عن صادق أهل البيت في صفة المؤمن متدبّرا فيها وفاحصا بحرّيّة وإخلاص عمّا عليه ذاته من الأخلاق والصفات لا بدّ أن يتطامن ويسخط على نفسه بعد عرفانها ، ثمّ لا بدّ أن يعرف لما ذا قال الله تعالى : « وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين »(٢) .

وقالعليه السلام أيضا : المؤمن له قوّة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في فقه ، ونشاط في هدى ، وبرّ في استقامة ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حق ، وقصد في غنى ، وتجمّل في فاقة ، وعفو في مقدرة ، وطاعة لله في نصيحة ، وانتهاء في شهوة ، وورع في رغبة ، وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبر في شدّة ، في الهزاهز وقور ، وفي الرخاء شكور ، لا يغتاب ، ولا يتكبّر ، ولا يقطع الرحم ، وليس بواهن ، ولا فظ ، ولا غليظ ، ولا يسبقه بصره ، ولا يفضحه بطنه ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يحسد الناس ، ولا يعيّر(٣) ولا يعيّر(٤) ، ولا يسرق ، ينصر المظلوم ، ويرحم المسكين ، نفسه منه في عناء ، والناس

__________________

(١) الكافي ، باب المؤمن وصفاته ، وباب نسبة الاسلام : ٢ / ٢٣٠ / ٢.

(٢) يوسف : ١٠٣.

(٣) بتضعيف الياء وكسرها.

(٤) بتضعيف الياء وفتحها.

٣٠

منه في راحة ، لا يرغب في عزّ الدنيا ، ولا يجزع من ذلّها ، للناس همّ قد أقبلوا عليه ، وله همّ قد شغله ، لا يرى(١) في حكمه نقص ، ولا في رأيه وهن ، ولا في دينه ضياع ، يرشد من استشاره ، ويساعد من ساعده ، ويكيع(٢) عن الخناء والجهل(٣) .

أقول : أترى أن إمام المؤمنين الصادقعليه السلام يعني بهذا الوصف الأئمة من أهل البيت ، وإلاّ فأين يوجد مثل هذا المؤمن الكامل؟ وهل عرف مؤمن من المسلمين على مثل هذه الصفة وإن كان الأحرى بكلّ من يدّعي الايمان بالله ورسوله حقّا أن يكون متحلّيا بهذه الخصال الحميدة ، ولكن « وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين »(٤) .

وقالعليه السلام أيضا : لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون كامل العقل ، ولا يكون كامل العقل حتّى تكون فيه عشر خصال : الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، يستقلّ كثير الخير من نفسه ، ويستكثر قليل الخير من غيره ، ويستكثر قليل الشرّ من نفسه ، ويستقلّ كثير الشرّ من غيره ، ولا يتبرّم(٥) بطلب الحوائج قبله(٦) ، ولا يسأم من طلب العلم عمره ، الذلّ أحبّ إليه من العز(٧) ، والفقر أحبّ إليه من الغنى ، حسبه من الدنيا القوت ، والعاشرة وما العاشرة لا يلقي أحدا إلاّ

__________________

(١) بالبناء للمفعول.

(٢) يجبن.

(٣) الكافي ، باب المؤمن وصفاته : ٢ / ٢٣١ / ٤.

(٤) يوسف : ١٠٣.

(٥) يتضجّر.

(٦) بكسر القاف وفتح الباء واللام أي إليه.

(٧) لعلّه يريد أن الذلّ في الطاعة أحبّ إليه من العزّ في المعصية ، لأن الكتاب صريح بقوله « العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين » أو يريد من الذلّ عدم نباهة الذكر ومن العزّ الظهور ونباهة الشخصيّة تجوّزا فيهما.

٣١

قال هو خير مني وأتقى ، إنما الناس رجلان ، رجل خير منه وأتقى ، ورجل شرّ منه وأدنى ، فإذا لقي الذي هو خير منه تواضع له ليلحق به ، وإذا لقي الذي هو شرّ منه وأدنى قال لعلّ شرّ هذا ظاهر وخيره باطن فاذا فعل ذلك علا وساد أهل زمانه(١) .

عظاته في امور شتّى :

ومن بليغ عظاته الجميل وقعها في النفس قولهعليه السلام وقد سأله رجل أن يعلّمه موعظة :

« إن كان الله قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لما ذا ، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لما ذا ، وإن كان الحساب حقا فالجمع لما ذا ، وإن كان التواب عن الله حقا فالكسل لما ذا ، وإن كان الخلف من الله عزّ وجلّ حقا فالبخل لما ذا ، وإن كان العقوبة من الله عزّ وجلّ النار فالمعصية لما ذا ، وإن كان الموت حقا فالفرح لما ذا ، وإن كان العرض على الله حقا فالمكر لما ذا ، وإن كان الشيطان عدوّا فالغفلة لما ذا ، وإن كان الممرّ على الصراط حقا فالعجب لما ذا ، وإن كلّ شيء بقضاء وقدر فالحزن لما ذا ، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لما ذا ».(٢)

أقول : كلّ هذا إنكار على الانسان في اتصافه بتلك الصفات غير المحمودة من الاهتمام والحرص والجمع والكسل الى آخرها مع علمه ومعرفته بأن الله تعالى متكفّل بالرزق وأنه مقسوم وأن الحساب حقّ إلى آخر ما ذكره الامام

__________________

(١) مجالس الشيخ الطوسي ، المجلس / ٥.

(٢) كتاب التوحيد للصدوق طاب ثراه ، باب الأرزاق والأسعار والآجال ، وكتاب الخصال : ٢ / ٦١ باب العشرة.

٣٢

عليه السلام .

ولكن الذي أوقع الناس في تلك السيّئات مع علمهم ومعرفتهم هو حبّهم لنفوسهم وتغلّب شهواتهم على عقولهم.

ومن بديع مواعظه قولهعليه السلام : إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة ، من يزرع خيرا يحصد غبطة ، ومن يزرع شرّا يحصد ندامة ، ولكلّ زارع زرع ، لا يسبق البطيء منكم حظّه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، من اعطي خيرا فالله أعطاه ، ومن وقي شرا فالله وقاه(١) .

و ( منها ) قولهعليه السلام : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ، ولا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون(٢) .

و ( منها ) قولهعليه السلام : من اتقى الله وقاه ، ومن شكره زاده ، ومن أقرضه جزاه(٣) .

و ( منها ) قوله لأبي بصير : أما تحزن؟ أما تهتمّ؟ أما تتألّم؟ قال : بلى ، قالعليه السلام : اذا كان ذلك منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك ، وسيلان عينيك على خدّيك ، وتقطّع أوصالك ، وأكل الدود من لحمك ، وبلاك وانقطاعك عن الدنيا ، فإن ذلك يحثّك على العمل ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا(٤) .

أقول : إن هذه الفكرة لو تمثلها الانسان في نفسه لكانت اكبر رادع عن

__________________

(١) إرشاد المفيد طاب ثراه في أحوال الصادقعليه السلام .

(٢) المصدر السابق : ٢٨٣.

(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٩ / ٢٤.

(٤) مجالس الشيخ الطوسي طاب ثراه ، المجلس / ٥٥.

٣٣

ارتكاب الموبقة ، وأعظم دافع على اكتساب الطاعة ، وكيف يحرص على الدنيا ويقترف السيّئة ولا يأتي بالحسنة من يتمثل له تلك الحال الفظيعة في قبره التي لو شاهدها المرء لجزع من هذه الحياة ، ولمقت حتّى نفسه.

و ( منها ) قولهعليه السلام : ليس من أحد وإن ساعدته الامور بمستخلص غضارة عيش(١) إلاّ من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت(٢) .

أقول : إن هذا الكلم من أبلغ الجمل الحكيمة المعبّرة عن حقائق الكون الواقعيّة ، أمّا القسم الأول وهو غضارة العيش فإن كلّ منّا يستطيع أن يجرّب في نفسه وفي غيره أن الدعة والغضارة لا تتمّ لنا خالصة من النكد والتنغيص مهما بلغت سلطتنا أو مقدرتنا الماليّة ، والسرّ أن الإنسان يعجز أبدا من اشباع كلّ شهواته ، وان واتته الحياة الدنيا ، وكذلك « الجنّة حفّت بالمكاره ».

وأمّا فيما يتعلّق بالقسم الثاني وهو « الفرصة » فإنها لا تمرّ على الإنسان إلاّ باجتماع آلاف الأسباب الخارجة عن اختياره فاذا مرّت وانتظر استقصاءها ففاتت عليه أي أنه لم يعمل السبب الأخير وهو اختياره وإرادته الجازمة فإنه على الأغلب لا يواتيه اجتماع الأسباب مرّة اخرى في نظام الكون وجمعها ثانيا ليس تحت اختياره ، ولأجل هذا سمّيت فرصة ، فعلى الحازم الكيّس أن ينتهزها عند سنوحها.

و ( منها ) قولهعليه السلام : إن المنافق لا يرغب فيما سعد به المؤمنون ، فالسعيد

__________________

(١) غضارة العيش طيبه وخصبه وخيره.

(٢) تحف العقول : ٢٨١.

٣٤

يتّعظ بموعظة التقوى ، وإن كان يراد بالموعظة غيره(١) .

هذه عقود من نفائس عظاته حلينا بها هذا السفر عسى أن يسعدنا الحظّ بالأخذ بها والعمل بنصائحها ، ومن هذه العظات تعرف موقفهعليه السلام من النصح للامّة واهتمامه بحملهم على المحجّة البيضاء إصلاحا لهم وتزكية لنفوسهم.

* * *

__________________

(١) روضة الكافي.

٣٥

٣ ـ وصاياه

إن قيمة المرء الاجتماعيّة بما يصنعه للمجتمع من خير ، كما أن قيمته الذاتيّة بما يحسنه ، ولو لم يكن للصادقعليه السلام إلاّ ما اخترناه من كلامه لكفى به دلالة على مقامه العلمي الإلهي وعلى اهتمامه بإصلاح الامّة ، وقد قرأت شطرا من مواعظه ، وهنا نقرؤك شيئا من وصاياه ، وستجد فيها جهد ما يبلغه رعاة الامم الربّانيّون وهداتها من الإرشاد الى مواطن الخير والرفق في الدعوة والإخلاص في التوجيه.

وصيّته لابنه الكاظم :

دخل عليه بعض شيعته وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه ، فكان ممّا أوصاه به أن قال :

يا بني اقبل وصيّتي ، واحفظ مقالتي ، فإنّك إن حفظتها تعش سعيدا ، وتمت حميدا ، يا بني إنّ من قنع استغنى ، ومن مدّ عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسمه الله له اتّهم الله في قضائه ، ومن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره ، يا بني من كشف حجاب غيره انكشف عورته ، ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ، ومن داخل السفهاء

٣٦

حقّر ، ومن خالط العلماء وقّر ، ومن دخل مداخل السوء اتّهم ، يا بني قل الحقّ لك أو عليك ، وإيّاك والنّميمة فإنّها تزرع الشحناء في قلوب الرجال ، يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه ، فإنّ للجود معادن ، وللمعادن أصولا ، وللاصول فروعا ، وللفروع ثمرا ، ولا يطيب ثمر إلاّ بفرع ، ولا أصل ثابت إلاّ بمعدن طيّب ، يا بني إذا زرت فزر الأخيار ، ولا تزر الأشرار ، فإنّهم صخرة صمّاء لا ينفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضّر ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها(١) .

أقول : وقد جاء بعض هذه الفقرات في نهج البلاغة ، ولا بدع فإن علمهم بعضه من بعض ، ولعلّ الصادقعليه السلام ذكرها استشهادا أو اقتباسا.

وصيّته لأصحابه :

بعد البسملة : أمّا بعد فاسألوا الله ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ، واتقوا الله وكفّوا ألسنتكم إلاّ من خير ، وإيّاكم أن تذلقوا(٢) ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكرهه الله ممّا نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ، فإن ذلق اللسان فيما يكرهه الله وفيما ينهي عنه مرداة للعبد عند الله ، ومقت من الله ، وصمم وبكم وعمي يورثه الله إيّاه يوم القيامة ، فتصيروا كما قال الله : « صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون »(٣) يعني لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ، وعليكم بالصمت إلاّ فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويؤجركم عليه ، اكثروا من أن تدعوا الله فإن

__________________

(١) نور الأبصار للشبلنجيّ : ١٦٣ ، وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم : ٣ / ١٣٥.

(٢) تحدّوا وتذربوا.

(٣) البقرة : ١٧١.

٣٧

الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة ، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة عملا يزيدهم في الجنّة ، فاكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنّهار ، فإن الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين ، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلاّ ذكره بخير ، فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ، فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلاّ بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه ، قال في كتابه وقوله الحق : « وذروا ظاهر الإثم وباطنه »(١) واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرّمه.

ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ، فإن أضلّ النّاس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله ، وأحسنوا الى أنفسكم ما استطعتم ، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها ، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره ، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلاّ ما هو أهله ، وهو خير له ممّا أحبّ وكره.

وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمن في كتابه من قبلكم.

وإيّاكم والعظمة والكبر ، فإن الكبر رداء الله عزّ وجلّ ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّة يوم القيامة ، وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها ليست من خصال الصالحين ، فإن من بغى صيّر الله بغيه على نفسه ، وصارت نصرة الله لمن بغى عليه ، ومن نصره الله غلب ، وأصاب الظفر من الله ، وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فإن الكفر أصله الحسد(٢) ، وإيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم ،

__________________

(١) الأنعام : ١٢.

(٢) أحسب أنه إشارة الى ما كان من إبليس مع آدمعليه السلام .

٣٨

فيدعو الله عليكم فيستجاب له فيكم ، فإن أبانا رسول اللهص كان يقول : إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ، وليعن بعضكم بعضا ، فإن أبانا رسول اللهص كان يقول : إن معاونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام.

واعلموا إنّ الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو الاسلام ، فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له ، ومن سرّه أن يبلغ الى نفسه في الإحسان فليطع الله ، فإن من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان ، وإيّاكم ومعاصي الله أن ترتكبوها ، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنّة ولأهل الإساءة عند ربّهم النار ، فاعملوا لطاعة الله واجتنبوا معاصيه.

أقول : وهذه الوصيّة طويلة وقد اقتطفنا منها هذه الزهر النفّاحة ، وهي مرويّة في بدء روضة الكافي للكليني طاب ثراه ، وقال : وقد كتب بها الصادقعليه السلام إلى أصحابه ، وأمرهم بمدارستها والنظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

أجل هكذا يجب أن نتعاهد مثل هذه الوصيّة فإن فيها جماع مكارم الأخلاق العالية.

وصيّته لعبد الله بن جندب :

عبد الله بن جندب البجلي الكوفي صحب الصادق والكاظم والرضا: ، وتوكّل للكاظم والرضا ، وكان عابدا رفيع المنزلة عندهما ، روى الكشي في رجاله أنه قال لأبي الحسنعليه السلام : ألست عنّي راضيا؟ قال : اي والله ، ورسول الله والله راض.

٣٩

وقد أوصاه الصادق بوصيّة جمعت نفائس من العظات والنصائح ، التقطنا منها الشذرات الآتية ، قالعليه السلام :

يا ابن جندب ، يهلك المتّكل على عمله ، ولا ينجو المجتري على الذنوب برحمة الله ، قال : فمن ينجو؟ قال : الذين هم بين الخوف والرجاء كأن قلوبهم في مخلب طائر ، شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب.

يا ابن جندب ، من سرّه أن يزوّجه الله من الحور العين ويتوجّه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.

يا ابن جندب ، إن للشيطان مصائد يصطاد بها ، فتحاموا شباكه ومصائده ، قال : يا ابن رسول اللهص وما هي؟ قال : أمّا مصائده فصدّ عن برّ الاخوان ، وأمّا شباكه فنوم عن أداء الصلاة التي فرضها الله ، أما أنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام الى برّ الاخوان وزيارتهم ، ويل للساهين عن الصلاة النائمين في الخلوات المستهزئين بالله وآياته في القرآن ، اولئك الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم.

يا ابن جندب ، الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحّط بدمه في سبيل الله يوم بدر واحد ، وما عذّب الله أمّة إلاّ عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.

يا ابن جندب ، إن أحببت أن تجاور الجليل في داره ، وتسكن الفردوس في جواره ، فلتهن عليك الدنيا ، واجعل الموت نصب عينيك ، ولا تدّخر لغد ، واعلم أنّ لك ما قدّمت ، وعليك ما أخّرت.

يا ابن جندب ، من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوّه ، ومن يتّق الله يكفه ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته ، ويحفظ له ما غاب عنه ، وقد عجز من لم يعدّ لكلّ بلاء صبرا ، ولكلّ نعمة شكرا ، ولكلّ عسر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الإمام الجواد عليه‌السلام :

( صادق اللواتي ـ عمان ـ )

صغر السن :

س : ما هو الدليل على إمامة الإمام الجواد عليه‌السلام ؟ مع أنّه كان صغير السن؟

ج : إن كان الإشكال في السنّ فقد ثبت عدم دخل العمر في شرط الإمامة والقيادة عقلاً ونقلاً.

أمّا عقلاً ، فلا دليل على استحالة ذلك ، فيكون من الممكنات.

وأمّا نقلاً ، فهنالك آيات وروايات كثيرة ، ثبت من خلالها إمكان بل وقوع الإمامة والقيادة للأُمّة بسنّ صغير ، وهذا عيسىعليه‌السلام يشهد له القرآن بذلك ، إذ يقول :( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (١) ، وكذلك تحدّث عن يحيىعليه‌السلام فقال :( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (٢) .

وإن كان الإشكال في شيء آخر فأخبرنا ونحن لك من الشاكرين.

( ـ البحرين ـ )

مشابهته لبعض الأنبياء :

س : لمّا ولد الإمام الجواد عليه‌السلام قال الإمام الرضا عليه‌السلام لأصحابه : « قد ولد لي

__________________

١ ـ مريم : ٢٩ ـ ٣٠.

٢ ـ مريم : ١٢.

٢٦١

شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم »(١) .

فما هو وجه الشبه بين الإمام الجوادعليه‌السلام وبين هذين النبيّين عليهما‌السلام ؟

ج : الظاهر أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام يقصد بكلامه هذا ـ على فرض صحّة الرواية سنداً ـ بأنّ ولده الإمام الجوادعليه‌السلام قد شاءت المصلحة الإلهيّة أن لا يولد في أيّام شباب الوالدعليه‌السلام ، بل ولد يوم كان عمر الإمام الرضاعليه‌السلام خمسة وأربعين سنة تقريباً ، وهذا التأخير كان تمحيصاً شديداً وابتلاءً عظيماً للمؤمنين( حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (٢) ، بحيث إنّ البعض قد بدأ يشكّك في مصداقية إمامة الإمام الرضاعليه‌السلام لعدم وجود عقب له ، فمن هذه الجهة تشابهت قصّة ولادتهعليه‌السلام بموسىعليه‌السلام ، حيث إنّ بني إسرائيل يئسوا من ظهور المنقذ لهم من ظلم فرعون بسبب تأخيره ، حتّى أتاهم بعد فترة من الامتحان والاختبار.

وأمّا وجه الشبه بينهعليه‌السلام وعيسىعليه‌السلام فهو أنّ عيسىعليه‌السلام آتاه الله تعالى الكتاب والنبوّة وهو طفل رضيع ، وتكلّم في المهد وهو صبيّ ، كذلك الإمام الجوادعليه‌السلام آتاه الله الإمامة وهو طفل ، وكان يكلّم الناس بكلام الحكماء والعرفاء ، وهو في مرحلة الطفولة.

( ـ محمّد ـ )

إجابته على مسائل كثيرة في مجلس واحد :

س : ما تقولون في حديث ورد في بعض الكتب عن الإمام الجواد عليه‌السلام ، أنّه أجاب على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد؟ فهل هذا ممكن عقلاً؟ وهل يمكن إسناده إلى المعصوم عليه‌السلام ؟

ج : نعم ، جاء هذا الخبر في بعض مصادر الحديث بدون الإسناد إلى كلام

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٥٠ / ١٥ عن عيون المعجزات.

٢ ـ آل عمران : ١٧٩.

٢٦٢

الإمامعليه‌السلام ، بل إنّه من كلام إبراهيم بن هاشم راوي الواقعة(٢) .

ومن هنا يجب أن نلاحظ نقطتين :

١ ـ إنّ مراجعة الأئمّةعليهم‌السلام من قبل الشيعة وغيرهم أمر طبيعي ، خصوصاً عند وفاة الإمام السابق ، وابتداء إمامة اللاحق ، فكانوا يأتونه لمعرفة إمامهم والتيقّن من شخصه ، وتمييزه عن غيره في تلك الظروف الصعبة ، وعليه فالظاهر أنّ هذا الخبر ثابت من حيث المضمون.

٢ ـ ومع التسليم لأصل القضية ، يمكن توجيه مواصفاتها المذكورة بعدّة صور ، ذكر بعضها العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » في ذيل الحديث(١) .

والذي يبدو منها قريباً إلى الواقع هو : إنّ الإمامعليه‌السلام قد تكلّم بقواعد عامّة تتفرّع منها مسائل كثيرة ، فيصحّ أن يعبّر في المقام : إنّهعليه‌السلام أجاب على كلّ هذه الأسئلة ، والعلم عند الله تعالى.

( ـ السعودية ـ )

تولّى بنفسه تجهيز والده :

س : هل أنّ الإمام الجواد عليه‌السلام قد أتى إلى طوس من المدينة بصورة غير عادية لتجهيز أبيه الإمام الرضا عليه‌السلام والصلاة عليه ، كما تتحدّث بعض الأخبار بهذا؟ وهل هذا ممكن عقلاً؟ ثمّ كيف ينكره السيّد المرتضى (٢) ولا يلتزم بهذا الأمر؟

ج : أطبقت الشيعة بعلمائها وغيرهم على أنّ المتولّي لتجهيز الإمام السابق والصلاة عليه لا يكون إلاّ الإمام اللاحق ، وهذا رأيهم يعتمد على أحاديث كثيرة وردت في هذا المجال.

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤٩٦ ، كشف الغمّة ٣ / ١٥٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٩٠.

٢ ـ بحار الأنوار ٥٠ / ٩٣.

٣ ـ رسائل المرتضى ٣ / ١٥٦.

٢٦٣

ثمّ لا يخفى أنّ موضوع طيّ الأرض ليس فيه أيّ حظر عقليّ من جهة الإمكان ، فهو ممكن وواقع عقلاً ونقلاً ، كما ورد في القرآن الكريم في قصّة إحضار عرش بلقيس عند سليمانعليه‌السلام .

وأمّا المحاذير التي ذكروها في المقام فليست هي إلاّ وجوه استبعادية لا تفيد الجزم بالمنع.

وأمّا إنكار السيّد المرتضى للموضوع وملازماته فهو بسبب التزامه بمبنى عدم قبول خبر الواحد في باب الأخبار ، أي أنّه لا يرى أخبار المقام في حدّ التواتر أو الاستفاضة حتّى تفيد علماً له ، وهذا المبنى مردود عند المحققّين كما قرّر في علم الأُصول.

فالنتيجة : إنّ إنكاره لا يدلّ على نفي الواقع ، بل هو رأي خاصّ به ، قد ثبت بطلانه بأدلّة وافية وشافية.

وعليه ، فالإمام الجوادعليه‌السلام ـ وكذا باقي الأئمّةعليهم‌السلام ـ قد حضروا وتولّوا تجهيز آبائهم والصلاة عليهم.

وأمّا ما روي من تولّي هذه المراسيم بيد الآخرين فهي ـ مع فرض صحّة أسانيدها ـ لا تنفي ما ذكرناه ، فقد يجوز أن يكون ذلك على مستوى الظاهر ولحفظ حالة التقية والكتمان.

( عبد الله )

إمامته في صغر سنّه :

س : هناك من يعترض على إمامة الإمام الجواد عليه‌السلام لصغر سنّه (١) ، ويؤيّد كلامه بوجود اختلاف بين الشيعة نفسهم في ذلك ، نقلاً عن كتاب فرق الشيعة (٢) .

__________________

١ ـ بين الشيعة وأهل السنّة : ٥٥.

٢ ـ فرق الشيعة : ٨٨.

٢٦٤

فإنّه يذكر : إنّ بعض الشيعة أنكروا إمامته مستدلّين بأنّ الإمام لا يجوز أن يكون إلاّ بالغاً ، ولو جاز أن يأمر الله تعالى بطاعة غير البالغ لجاز أن يكلّف الله غير البالغ ، والتالي باطل فالمقدّم مثله .

كيف نردّ عليهم هذه الدعوى والاستدلال الباطل ؟

ج : نختصر الجواب في عدّة نقاط :

١ ـ صغر السنّ بما هو لا يكون مانعاً عقلاً في المقام ، فلا نرى فيه أيّ محذور كما هو واضح.

وأمّا نقلاً ، فمضافاً إلى عدم ورود منع شرعي لذلك جاء في القرآن الكريم( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (١) ، فالاستبعاد في الموضوع لا يرجع إلى شيء.

٢ ـ إنّ كتاب « فرق الشيعة » للنوبختي لم يصل إلينا بطريق وسند صحيح يمكن الاعتماد عليه ، كما هو رأي المحقّقين.

نعم ثبت في محلّه بأنّ النوبختي كان له كتاب بهذا الاسم ، ولكن لا يمكننا الجزم بأنّ هذه النسخة المتداولة هي الأصل ، بل من المحتمل والمظنون قويّاً تلاعب بعض الأيدي في متنها.

٣ ـ لا ملازمة بين عدم تكليف غير البالغ وموضوع الإمامة والنبوّة ، فإنّهما رتبتان يهبهما الله تعالى حيث يشاء من عباده وفقاً للمصلحة التي يراها.

وأمّا عدم تكليف الصبي فهو امتنان وشفقة عليه ، أي إنّه من باب رفع المشقّة ، لا أنّه لا يصحّ تكليفه عقلاً ، ألا ترى صحّة عباداته ومشروعيّتها على المشهور.

وبعبارة واضحة : إنّ الصبي ـ وعلى الأخصّ المميّز منه ـ قد رفع عنه التكليف لصالحه ، ولكن النبوّة والإمامة أمران إلهيان يضعهما الله تعالى في مواضع قد قدّر استيعابهما فيها مسبقاً ، فلا امتنان في رفعهما عن تلك المواضع.

٤ ـ ولو سلّمنا أنّ بعض الشيعة أنكر إمامته لصغر سنّه فهؤلاء حينئذ لا يطلق

__________________

١ ـ مريم : ١٢.

٢٦٥

عليهم شيعة اثنى عشرية ، فحالهم حال الشيعة الإسماعيلية حين أنكروا إمامة الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وحالهم حال الشيعة الزيدية حين أنكروا إمامة الإمام الباقرعليهم‌السلام .

( حسين جبّاري ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )

ردّه على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد :

س : لقد قرأت كتيّب بعنوان « المسلم » للسيّد الشيرازي ، وقد لفتت انتباهي رواية عن أحد الأئمّة عليهم‌السلام ، بأنّه قد ردّ على ثلاثين ألف مسألة في جلسة واحدة ، وهذا الكلام غير منطقيّ ، لأنّنا لو قلنا : إنّ الجلسة كانت مدّتها ٢٤ ساعة ، وقد تمّ طرح مسألة والإجابة عليها في كلّ دقيقة ، فأنّنا نرى أن ربع هذا الرقم لم نصل إليه ، فما هو ردّكم؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : الظاهر أنّك تقصد الرواية التي رواها ابن شهر آشوب في « مناقب آل أبي طالب » ، عن إبراهيم بن هاشم عن مجلس اجتمع فيه الناس للاستفادة من الإمام الجوادعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، هذه الروايات إن صحّ سندها ـ كما هو غير بعيد ، يمكن توجيها بعدّة وجوه أهمّها :

١ ـ إنّ المقصود بالجلسة مجلس الاستفادة ، ولعلّه امتدّ أيّاماً وأسابيع ، وعبّر عنها بمجلس واحد ، لأجل أنّها عقدت لإثبات عظمة الإمام رغم صغر سنّه ، وعجز غيره عن مجاراته ومناظرته ، رغم كثرتهم وكبر سنّهم ، فهو مجلس واحد لأجل وحدة الغرض.

٢ ـ إنّ المقصود بالتعبير الوارد في الرواية والعدد المذكور الجزئيات والفروع التي استفيدت من القواعد التي أُسّست من قبل الإمامعليه‌السلام ، وهذا مثل ما يظهر من قوله سبحانه :( وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (١) ، وقوله :

__________________

١ ـ الأنعام : ٥٩.

٢٦٦

( وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (١) بناء على أنّ المقصود بالكتاب هو القرآن.

فكما يمكن أن يحتوي القرآن على كلّ ما أُشير إليه رغم محدوديّته من حيث الألفاظ ، كذلك يمكن أن يحتوي كلام الإمام على أُسس وقواعد ليستخرج منها حكم فروع كثيرة.

وأيضاً قال الله سبحانه :( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، ومعلوم أنّ توراة موسى كان كتاباً محدود الكلمات ، ومع ذلك احتوى تفصيلاً لكلّ شيء.

وقال في موضع آخر :( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٣) ، وأشار سبحانه إلى احتواء القرآن بقوله :( وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) (٤) ، وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله : « علّمني رسول الله ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب »(٥) .

وقد قال بعض : إنّه استنبط من قول الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ضرر ولا ضرار » أكثر من ألف حكم.

__________________

١ ـ يونس : ٦١.

٢ ـ الأنعام : ١٥٤.

٣ ـ الأعراف : ١٤٤.

٤ ـ الإسراء : ١٢.

٥ ـ الفصول المختارة : ١٠٧ ، إعلام الورى ١ / ٢٦٧.

٢٦٧
٢٦٨

الإمام الهادي عليه‌السلام :

( عيسى ـ الكويت ـ ٣١ سنة )

علمه وإخباره بموت الواثق :

س : هناك من يقول أنّ علي الهادي لم يكن أعلم الناس حسبما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، فكيف يكون الردّ على هذا القول؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : لقد اشتهر كالشمس في رائعة النهار بين الخاصّة والعامّة سعة أُفق علم الأئمّةعليهم‌السلام أجمع ، فضلاً عن الإمام الهاديعليه‌السلام بذاته.

أمّا بالنسبة إلى الخاصّة فلا مجال للنقاش أو الشكّ بعد الإقرار بكونهم أئمّة معصومين ، وأنّ علمهم وراثي وإلهامي.

وأمّا العامّة بجميع مذاهبها فإنّها أقرّت بسعة علوم أهل البيتعليهم‌السلام ، بما يميّزها عن غيرها.

ومن الأخبار التي تدلّ على سعة الإمام الهاديعليه‌السلام إخباره بموت الواثق ، فعن خيران الأسباطيّ قال : « قدمت على أبي الحسنعليه‌السلام المدينة فقال لي : «ما خبر الواثق عندك »؟ قلت : جعلت فداك خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام ، قال : فقال لي : «إنّ أهل المدينة يقولون إنّه مات » ، فلمّا أن قال لي : الناس ، علمت أنّه هو.

ثمّ قال لي : «ما فعل جعفر »؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن ، فقال : «أمّا إنّه صاحب الأمر ، ما فعل ابن الزيات »؟ قلت : جعلت فداك الناس معه والأمر أمره.

٢٦٩

فقال : «أمّا إنّه شؤم عليه » ، ثمّ سكت وقال لي : «لابدّ أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه ، يا خيران مات الواثق ، وقد قعد المتوكّل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات » ، فقلت : متى جعلت فداك؟ قال : «بعد خروجك بستّة أيّام »(١) .

( إبراهيم ـ كندا ـ ٢٣ سنة )

دفن في بيته :

س : لماذا دفن الإمام علي الهادي عليه‌السلام في بيته؟ وشكراً لكم.

ج : السبب في دفنهعليه‌السلام في بيته يعود إلى حصول ردود الفعل من الشيعة يوم استشهادهعليه‌السلام ، وذلك عندما اجتمعوا لتشييعه مظهرين البكاء والسخط على السلطة ، والذي كان بمثابة توجيه أصابع الاتهام إلى الخليفة لتضلّعه في قتله.

وللشارع الذي أخرجت جنازة الإمامعليه‌السلام إليه الأثر الكبير ، حيث كان محلاً لتواجد معظم الموالين لآل البيتعليهم‌السلام ، أو من يحمل بين حنايا ضلوعه ولاء أهل البيتعليهم‌السلام ، من الجند والقوّاد والكتّاب.

كلّ هذا أدّى إلى اتخاذ السلطة القرار بدفنهعليه‌السلام في بيته ، وإن لم تظهر تلك الصورة في التاريخ بوضوح ، إلاّ أنّه يفهم ممّا تطرّق إليه اليعقوبيّ في تاريخه عند ذكر حوادث عام ( ٢٥٤ هـ ) ، ووفاة الإمام الهاديعليه‌السلام حيث يقول : « وبعث المعتزّ بأخيه أحمد بن المتوكّل ، فصلّى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم ، فردّ النعش إلى داره ، فدفن فيها »(٢) .

وتمكّنوا بذلك من إخماد لهيب الانتفاضة والقضاء على نقمة الجماهير الغاضبة.

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤٩٨.

٢ ـ تاريخ اليعقوبيّ ٢ / ٥٠٣.

٢٧٠

( علي ـ العراق ـ ١٩ سنة )

حذّر من ابنه جعفر :

س : هل حذّر الإمام الهادي من ابنه جعفر الكذّاب؟ ودمتم سالمين.

ج : لقد حذّر الإمام الهاديعليه‌السلام شيعته ومواليه من ابنه جعفر واتباعه ، فإنّه كان يقول لهم : تجنّبوا جعفراً فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال الله عزّ وجلّ فيه :( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) (١) .

قال الله :( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (٢) .

وقد حذّر منه أيضاً الإمام العسكريّعليه‌السلام بقوله : « الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ ، ما مثلي ومثله إلاّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم ، حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من الحاشية ، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل ، ولكن الله غالب على أمره »(٣) .

__________________

١ ـ هود : ٤٥.

٢ ـ هود : ٤٦.

٣ ـ مدينة المعاجز ٧ / ٦٦٤.

٢٧١
٢٧٢

الإمام العسكريّ عليه‌السلام :

( ـ مسلم ـ )

روي عنه أحاديث قليلة :

س : لماذا معلوماتنا قليلة وشحيحة عن الإمام الحسن العسكريّ؟ على الرغم أنّه آخر الأئمّة ، وقبل الإمام المهديّعليه‌السلام ، ومن المفروض أن نكون أكثر علماً عنه ، ونقل عنه.

إلاّ أنّنا نجد النقل أكثر عن الإمام جعفر الصادق ، ونرى نهج البلاغة ، ونرى القليل عن رسول الله ، أوّل من جاء بخبر السماء ، كما أنّنا لا نرى روايات عن الإمام العسكريّ.

ج : إنّ قلّة أحاديثنا عن الإمام العسكريّعليه‌السلام ترجع إلى أمرين : قصر عمره الشريف ، وإبقائه تحت الرقابة الشديدة.

فالحقيقة إنّ الإمامعليه‌السلام قد ولد في سنة ٢٣٢ هـ ، واستشهد مسموماً في سنة ٢٦٠ هـ ، فعمره الشريف يكون ٢٨ سنة.

مضافاً إلى أنّهعليه‌السلام قد شخص إلى العراق مع والدهعليه‌السلام ، منذ سنة ٢٣٦ هـ ، وأُجبر على الإقامة في مدينة سامراء ـ عاصمة العباسيّين آنذاك ـ حتّى تكون عيون الحكومة على معرفة قريبة من شؤونه ، واتصال الشيعة به ، وفي هذه الظروف كان من الصعب الوصول إليه ، وتلقّي الأحاديث والعلوم والمعارف منهعليه‌السلام .

وهذا بخلاف المقطع الذي عاشه الإمام الصادقعليه‌السلام ، إذ صادف زمان انهيار

٢٧٣

الحكم الأمويّ وظهور العباسيّين ، فاشتغال الظالمين بالظالمين قد أنتج فرصة ذهبية للإمامعليه‌السلام في سبيل بثّ علوم أهل البيتعليهم‌السلام وأحاديثهم ، وهذا سرّ كثرة الروايات عنهعليه‌السلام .

وأمّا الرواية عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فهي أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، أي إنّ أحاديثهم ـ بعقيدتنا ـ هي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير ، وهي ليست بالقليل كما هو واضح ، لمن راجع المجامع الحديثية للشيعة.

( محامي الشيعة ـ السعودية ـ )

المعتمد دسّ إليه السمّ :

س : على يد مَن قتل الإمام الحسن العسكريّ عليه‌السلام ؟

ج : قال ابن الصبّاغ المالكيّ في « الفصول المهمّة » ما نصّه : « ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ أبا محمّد الحسن مات مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه ، وجميع الأئمّة الذين من قبلهم ، خرجوا كلّهم تغمّدهم الله برحمته من الدنيا على الشهادة ، واستدلّوا على ذلك ، بما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «ما منّا إلاّ مقتول أو شهيد »(١) .

ونقل العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » عن كتاب « المصباح » للشيخ الكفعميّ ( قدس سره ) ، أنه قال : « توفّيعليه‌السلام في أوّل يوم من ربيع الأوّل » ، وقال في موضع آخر : « في يوم الجمعة ثامنه ، سمّه المعتمد »(٢) .

نعم المعتمد العباسيّ ـ الحاكم آنذاك ـ دسّ السمّ إلى إمامنا العسكريّعليه‌السلام ، ومات مسموماً مظلوماً.

__________________

١ ـ الفصول المهمّة : ٢٩٠.

٢ ـ بحار الأنوار ٥٠ / ٣٣٥.

٢٧٤

( ـ ـ )

مدّة إمامته :

س : إمامة أيّ من الأئمّة عليهم‌السلام كانت أقصر من الآخرين؟ رجاءً مع ذكر سنين إمامته.

ج : هو الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، أبو محمّد الحسن بن علي العسكريّعليهما‌السلام ، فقد ولدعليه‌السلام في سنة ٢٣٢ هـ ، وتولّى منصب الإمامة في سنة ٢٥٤ هـ ، واستشهد في سنة ٢٦٠ هـ ، وعليه ففترة إمامته كانت ستّ سنوات ، وبهذا تكون مدّة إمامته أقلّ فترةً من جميع آبائه المعصومينعليهم‌السلام .

منع من الحج :

س : نسمع أحياناً أنّ الإمام العسكريّ عليه‌السلام لم يحجّ ، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحاً فما وجهه؟

ج : نعم ، بحسب النصوص الروائية والتاريخية فإنّ الإمام العسكريّعليه‌السلام لم تتح له فرصة الذهاب إلى الحجّ ، وبهذا هو الإمام الوحيد الذي منع من أداء مناسك الحجّ والعمرة ، ولتوضيح المسألة يلاحظ :

أوّلاً : إنّ الإمام العسكريّعليه‌السلام خرج من المدينة نحو العراق في سنة ٢٣٦ هـ ، مع والده الإمام الهاديعليه‌السلام ؛ وبما أنّ ولادتهعليه‌السلام كانت في سنة ٢٣٢ هـ ، فهذا يعني أنّهعليه‌السلام كان له من العمر أربع سنوات حينما اصطحبه والده في سفره إلى سامراء.

ثانياً : كما نعرف أنّ المجيء إلى سامراء كان بصورة جبرية من قبل الخليفة العباسيّ ـ المتوكّل ـ ، فمن الطبيعي أن تكون الإقامة أيضاً جبرية ، وهذا يعني عدم الخيار في الخروج منها حتّى لسفر الحجّ.

فبقي هو مع أبيهعليهما‌السلام تحت الرقابة الشديدة إلى زمان استشهادهماعليهما‌السلام .

ثالثاً : كلّ ما ذكرناه هنا فهو على ضوء الأدلّة الظاهرية ، وعليه فلا ننفي إمكانية خروج الإمامعليه‌السلام عن البلد ، ومحلّ الإقامة الجبرية بصور الإعجاز

٢٧٥

وخرق العادة ، إذ هذا أمر طبيعيّ بالنسبة لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ولكن على مستوى الوضع الظاهريّ كانعليه‌السلام قد فرض عليه الإقامة الجبرية في سامراء من أيّام الطفولة حتّى يوم استشهاده ، فلم يمكن التخلّص من الوضع الراهن والذهاب إلى الحجّ.

( ـ ـ )

إمامته منصوصة :

س : ما هي الحكمة من وراء إمامة الإمام العسكريّ عليه‌السلام ؟ وعدم حصولها لبقية أخوته مثل سيّد محمّد ، أو جعفر أو غيرهما ، مع أنّهما كانا أكبر من الإمام العسكريّ عليه‌السلام من ناحية العمر؟

ج : نلفت انتباهكم في الجواب إلى نقطتين :

الأُولى : إنّ الإمامة بحسب اعتقادنا ـ نحن الشيعة ـ أمر إلهي ، ولا تخضع لقوانين الوراثة ، أو أيّ موضوع آخر ، فيجب فيها اتّباع النصّ ، وعدم الاعتماد على الظنون والتخرّصات ، وقد وردت عدّة نصوص عامّة وخاصّة دالّة على إمامة الإمام العسكريّعليه‌السلام .

الثانية : وعلى فرض التنزّل والتسليم يمكننا البحث في الموردين المذكورين في السؤال.

ومجمل القول هو : إنّ السيّد محمّد قد توفّي في حياة والده الإمام الهاديعليه‌السلام ، وبهذا قد انتفى افتراضه كإمام ، أي إنّ إمامته انتفت بانتفاء موضوعه.

ولا يخفى أنّ لهذا السيّد شأناً كبيراً ، ومقاماً عالياً عند أهل البيتعليهم‌السلام ، وعند الشيعة ، ولكنّ الله تعالى شاء وقدّر ما كان وما يكون.

وأمّا جعفر ، وهو الملقّب بالكذّاب عند الشيعة ، فقد اشتهر عند الناس بالفسق والفجور ، فلم يكن فيه احتمال تصدّي مقام الإمامة حتّى على مستوى الفرض ؛ وهو أيضاً لم يدّع هذا المنصب في حياة أخيه الإمام العسكريّعليه‌السلام ،

٢٧٦

بل مال إليه بعد استشهادهعليه‌السلام ، ولكن لم يقبل منه القريب والبعيد هذا الادّعاء؛ وأمره إلى الله تعالى.

( أحمد ـ الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب )

قول أبيه له أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً :

س : بعد السؤال عن صحّتكم ، في الحقيقة لقد أرسلت رسالة بموضوع قدرة الله تعالى ، ونرجو منكم الردّ ، وهذا عهدنا بكم ، عندي موضوع آخر يتعلّق حول الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام ، وبالأخص قضية أنّ أخيه محمّد ، وأنّه هو الوصيّ بعد أبيه الهاديعليه‌السلام .

وقد قرأت حول هذا الموضوع بعض الردود ، مثل ردّ السيّد سامي البدريّ في كتاب شبهات وردود وغيرها ، وفي قسم الإجابات والأسئلة في هذا المركز ، في موضوع البداء ، إلاّ أنّه يتبادر عدّة نقاط يجب طرحها وملاحظاتها :

١ ـ ما المقصود من قول الإمام الهادي لولده الإمام العسكريّعليهما‌السلام : « يا بني ، أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً »؟

وما المقصود من عبارة : وعلمنا أنّه أشار بالإمامة ، وأقامه مقامه؟ كما ورد في هذه الرواية : « عن جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسن الأفطس ، أنّهم حضروا ـ يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد ـ باب أبي الحسن يعزّونه ، وقد بسط له في صحن داره ، والنساء جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً ، سوى مواليه وسائر الناس ، إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب ، حتّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام بعد ساعة ، فقال : « يا بني أحدث لله عزّ وجلّ شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً » ، فبكى الفتى وحمد الله واسترجع ، وقال : « الحمد لله ربّ العالمين ، وأنا أسأل الله تمام نعمه لنا فيك ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ».

فسألنا عنه ، فقيل : هذا الحسن ابنه ، وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة

٢٧٧

أو أرجح ، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة ، وأقامه مقامه »(١) .

٢ ـ ما معنى قول الإمام الهادي لابنه العسكريّعليهما‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فأحمد الله »؟

كما ورد في هذه الرواية : عن محمّد بن يحيى بن درياب قال : دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام بعد مضي أبي جعفر فعزّيته عنه ، وأبو محمّدعليه‌السلام جالس ، فبكى أبو محمّدعليه‌السلام ، فأقبل عليه أبو الحسنعليه‌السلام فقال له : « إنّ الله تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فأحمد الله »(٢) .

٣ ـ هل يوجد نصّ من الإمام الهاديعليه‌السلام على ولده محمّد على أنّه هو الإمام؟ وهل حصل تواتر في الروايات على ذلك؟ ولماذا لم يتداول نصّ الإمام الجواد على العسكريّ عليهما‌السلام بين الشيعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المعنى أنّ الله تعالى حين قبض محمّداً إليه ، وقد كان بعض الشيعة يظنّون أنّه الإمام بعد أبيه ، فلمّا أماته الله أظهر للناس إمامة العسكريّ ، ورفع الوهم عند ذوي الفهم منهم ، وهذه نعمة بالغة تستوجب مزيد الشكر على هدايتهم إلى الحقّ.

والمقصود بالعبارة : إنّ الإمام الهاديعليه‌السلام أشار إلى ابنه الحسن العسكريّعليه‌السلام بالإمامة ، وأقامه مقامه ، أي مقام نفسه من بعده ، فالضمير عائد إلى الإمام الهادي في مقامه ، لا إلى ابنه محمّد.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : معنى قول الإمام الهاديعليه‌السلام لابنه العسكريّ ـ إن صحّت الرواية ، ولا تصحّ لجهالة محمّد بن يحيى بن درياب الراوي ـ فإن المعنى هو المعنى في الجواب الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : لم يوجد أيّ نصّ من الإمام الهاديعليه‌السلام على ولده محمّد.

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٣٢٦.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ٣٢٧.

٢٧٨

ولم يصحّ خبر واحد ـ فضلاً عن التواتر ـ في ذلك. وتوجد نصوص على إمامة العسكريّ ولو لم يكن تداول بين أهل المعرفة لما وصل إلينا الخبر بذلك.

وفّقنا الله وإيّاكم إلى بلوغ الحقّ ، والصراط المستقيم.

( تسنيم الحبيب ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالبة جامعة )

رؤية نرجس له بالحلم :

س : لدي سؤال يتعلّق بالسيّدة المبجّلة والدة الإمام الحجّةعليه‌السلام ـ جعلنا وإيّاكم من أنصاره ـ : قرأت في بحار الأنوار عن غيبة الشيخ الطوسيّ : « أنّهاعليها‌السلام كانت تحلم بالإمام العسكريّعليه‌السلام ، ويأتي بالحلم لها ليحدّثها ويجالسها »(١) .

فهل هذا ممكن وجائز؟ وهل كانت هي حليلة له؟ أم أنّ هناك مسوّغاً شرعياً آخر؟ وجزاكم الله خير الجزاء ، ودمتم موفّقين.

ج : رؤية نرجسعليها‌السلام ، أو أي امرأة أُخرى إلى رجل غريب في الحلم لا يحتاج إلى مسوّغ شرعي ، وهكذا رؤية الإمام العسكريّعليه‌السلام ، أو أي رجل آخر إلى امرأة غريبة في الحلم.

ثمّ بعد التسليم بصحّة سند الرواية ، ففي بدايتها تصريح بحصول عقد النكاح من خلال النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشمعون وصيّ عيسىعليهما‌السلام .

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٥١ / ٦.

٢٧٩
٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518