موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة9%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265514 / تحميل: 6272
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

البداء ٧

البدعة ١٩

البكاء على الميّت ٢٣

البناء على القبور ٢٧

البيعة ٣٥

التبرّك ٤٧

التجسيم والتشبيه ٥٩

تحريف القرآن ٨٣

تزويج أُمّ كلثوم من عمر ١٢١

التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان ١٥١

التسمية بعبد النبيّ ونحوه ١٦١

تفضيل الأئمّة ١٧٣

التقيّة ١٨٩

التكتّف ١٩٧

التوحيد والتثليث ٢٠٣

التوسّل والاستغاثة ٢٠٧

الجبر والاختيار ٢٢٩

الجفر ٢٥٣

الجمع بين الصلاتين ٢٥٧

الحجاب ٢٧٣

الحديث ٢٨٣

حديث اثني عشر خليفة ٣٤٧

حديث الثقلين ٣٥٣

٥

حديث الدار ٣٦٥

حديث ردّ الشمس ٣٧١

حديث السفينة ٣٨٣

حديث العشرة المبشّرة ٣٨٩

حديث المؤاخاة ٣٩٩

حديث مدينة العلم ٤٠٣

حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه ٤٠٧

حديث المنزلة ٤١١

الخلفاء ٤١٩

الخلق والخليقة ٤٤٧

الخمس ٤٦٩

الخوارج والأباضية ٤٨١

الدعاء ٤٨٩

الذبح عند القبور ٥٠٩

رؤية الله تعالى ٥١٣

الرجعة ٥٢٧

رزية يوم الخميس ٥٣٥

زواج المسيار ٥٤١

زيارة القبور ٥٤٧

زيد بن علي والزيديّة ٥٦٥

زينب الكبرى ٦٠١

٦

البداء :

( فهيمة حسن علي السبع ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالبة متوسّطة )

الفرق بينه وبين النسخ :

س : ما هو البداء؟ وما الفرق بينه وبين النسخ؟

ج : إنّ البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء ، والمقصود منه عند الشيعة : ما يظهر للناس متأخّراً عمّا كانوا يرونه ، أو يتصوّرونه سابقاً.

وهذا المعنى لا إشكال فيه من جهة الإمكان والوقوع ، إذ لا يوجد في الالتزام به أيّ محذور عقلي ، مضافاً إلى وقوعه في موارد متّفق عليها ، مثل رفع العذاب عن قوم يونس بعدما أُخبروا بنزوله ، أو تبديل ذبح إبراهيم لابنه إسماعيلعليهما‌السلام بفداء بعدما تحقّق عنده ذبحه أوّلاً ، وغيرها.

هذا ، وقد نصّ القرآن الكريم بجواز هذا المعنى ووقوعه :( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) .

وعلى هذا لا مجال لما ينسبونه إلى الشيعة من الاعتقاد بوقوع الجهل في علم الله تعالى ـ تعالى الله عمّا يصفون ـ فإنّ الشيعة براء ممّا يتفوّهون به ، بل الأمر كما ذكرنا ليس فيه أيّ إيهام أو إبهام ، وهو واضح كلّ الوضوح لمن له أدنى تأمّل في المسألة.

ثمّ إنّ الفرق بين البداء والنسخ هو في متعلّقهما ـ بعد الاشتراك في أصل

____________

١ ـ الرعد : ٣٩.

٧

الفكرة ـ وتوضيحه : أنّ البداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين ؛ في حين أنّ النسخ هو الحكم الإلهيّ التشريعيّ بحذف وظيفة عملية ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى لمصلحة يراها الباري عزّ وجلّ ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع ، بل يرتبط بتحديد وظائف العباد من حيث العمل والتكليف.

( علي ـ الكويت ـ )

حصوله في الإمامين العسكريّ والكاظم :

س : هناك روايات تنصّ على أسماء الأئمّة جميعهم ، فهل هذه الروايات تتعارض مع مسألة البداء التي حصلت للإمام الحسن العسكريّ حين قال له الإمام الهاديعليه‌السلام : ( يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث الله فيك أمراً )(١) ، حيث لو كان أسماء الأئمّة معروفة فما هو موقع البداء بتعين الإمام العسكريّعليه‌السلام إماماً ، مع شهرة القول بإمامة محمّد ابن الإمام الهاديعليه‌السلام .

ولكم جزيل الشكر.

ج : نشير إلى عدّة نقاط لها صلة بالموضوع ، قد ترفع الإبهام عن المسألة :

١ ـ إنّ البداء بأيّ تفسير مقبول يجب أن لا يعارض العلم الأزليّ لله تعالى ، وهذا شيء لا مناص منه ، ومتّفق عليه.

٢ ـ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه أو يرون خلافه ، فبإظهاره تعالى يظهر عندهم ، ففي الواقع البداء هو إظهار من قبل الله ـ على لسان المعصومينعليهم‌السلام ـ وظهور عند الناس ، فله وجهان باعتبارين ، ونظرتين

____________

١ ـ كشف الغمّة ٣ / ٢٠١.

٨

مختلفتين فلا تنافي بينهما.

٣ ـ إنّ النصوص الواردة في أسماء الأئمّة المعصومين الاثني عشرعليهم‌السلام هي بحدّ الاستفاضة أو التواتر ، وكلّها متّفقة في العدد والأسامي ، وعليه فكلّ ما يُوهم خلاف ذلك ، إمّا مردود سنداً ، وإمّا ممنوع ومخدوش من باب الدلالة.

٤ ـ إنّ الرواية التي تتحدّث عن طروّ البداء في شأن الإمام العسكريّعليه‌السلام ـ مع غضّ النظر عن البحث السندي فيها ـ ليس فيها ما ينافي القواعد التي ذكرناها ، بل فيها تلويح بأنّ الناس كانوا يرون الإمامة بعد الإمام الهاديعليه‌السلام في ابنه الأكبر السيّد محمّد سبع الدجيل ، وثمّ بعد وفاته صرّح الإمام الهاديعليه‌السلام بخطأ ما ذهبوا إليه ، بعد ما تبيّن عندهم أيضاً ذلك.

والذي يدلّ على ما قلنا أنّه لا يوجد أيّ تصريح من الإمام الهاديعليه‌السلام ، أو آبائه بإمامة السيّد محمّد ، حتّى يفرض تبديل كلامهمعليهم‌السلام حينئذٍ ، بل إنّ الشيعة ومن منطلق ارتكازاتهم الموجودة ، كانوا يعتقدون بإمامة الولد الأكبر ، ولكنّ الله تعالى ومن منطلق علمه الأزليّ ، ووجود المصالح الإلهيّة كان لا يرى ذلك ، وفي نفس الوقت المصلحة العليا تقتضي أن لا يصرّح بهذا الموضوع قبل وفاة السيّد محمّد.

ثمّ هذه المصلحة قد تكون هي بيان مقام السيّد محمّد وعظمته عند الشيعة ، حتّى يعرفونه بحدّ معرفتهم عن الإمامعليه‌السلام ، أو أنّ المصلحة كانت في إخضاع الشيعة للاختبار الإلهيّ في طاعتها وولائها لله عزّ وجلّ ، والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، أو غير ذلك.

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى ورود رواية بنفس المضمون في شأن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، لتدلّ على حدوث البداء له بالنسبة إلى أخيه الأكبر إسماعيل.

والبحث في هذه الرواية كسابقتها.

وبالجملة فالاعتقاد والالتزام بالبداء لا يناقض الأُمور الحتمية واليقينية كما ذكرنا.

٩

( مفيد أبو جهاد ـ السعودية )

رأي الشيعة حوله :

س : ما البداء؟ وما وجهة نظر الشيعة فيه؟

ج : البداء في اللغة : الظهور بعد الخفاء.

والبداء في الاصطلاح : ظهور شيء بعدما كان خافياً على الناس.

والشيعة الإمامية تعتقد بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيتعليهم‌السلام على الاعتقاد به ، وهي روايات كثيرة منها :

١ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (ما عُظّم الله بمثل البداء )(١) .

٢ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (لو علم الناس ما في البداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه )(٢) .

٣ ـ قال الإمام الباقر أو الإمام الصادقعليهما‌السلام : (ما عبد الله بشيء مثل البداء )(٣) .

هذا إجمالاً ، وأمّا تفصيلاً :

فقد تعرّض المخالفون إلى مسألة البداء من دون مراجعة إلى كتب الشيعة ، فاتهموا الشيعة بأنّهم يقولون بالبداء بمعنى الجهل على الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ.

والواقع أنّ منكري البداء اختلقوا من عند أنفسهم للبداء معنى ، وجعلوا يردّدون به على الشيعة ، غافلين عن أنّ أتباع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام براء من ذلك المعنى ، براءة الذئب من دم يوسفعليه‌السلام .

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٤٦.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٤٨.

٣ ـ المصدر السابق ١ / ١٤٦.

١٠

ولتوضيح الحقيقة نقول : كما قلنا فإنّ معنى البداء في اللغة هو : الظهور بعد الخفاء ، والدليل عليه بعض الآيات المباركة من قبيل :

١ ـ قوله تعالى :( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) (١) أي ظهر لهم ما كان خافياً عليهم من سيئات ما كسبوا.

٢ ـ قوله تعالى :( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ) (٢) .

وهذا المعنى من البداء يحصل للإنسان فقط ، ولا يحصل في حقّ الله عزّ وجلّ ، لأنّه يلزم الجهل عليه ، وقد اتفقت الشيعة الإمامية على أنّه تعالى لا يجهل شيئاً ، بل هو عالم بالحوادث كلّها ، غابرها وحاضرها ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه.

ويدلّ على ذلك قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ) (٣) ، وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (كلّ سرّ عندك علانية ، وكلّ غيب عندك شهادة )(٤) ، مضافاً إلى البراهين العقلية المقرّرة في محلّها.

وأمّا البداء في الاصطلاح فيمكن نسبته إلى الله تعالى ، ولا يلزم منه الجهل ، فعندما يقال : بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافياً على الناس لا خافياً عليه ، لأنّ الآيات والأحاديث دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم ، من الصدقة ، والإحسان ، وصلة الأرحام ، وبرّ الوالدين ، والاستغفار والتوبة ، وشكر النعمة ، وأداء حقّها ، إلى غير ذلك من الأُمور التي تغيّر المصير وتبدّل القضاء ، وتفرّج الهموم والغموم ، وتزيد في

____________

١ ـ الزمر : ٤٨.

٢ ـ يوسف : ٣٥.

٣ ـ آل عمران : ٥.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ١٩٤.

١١

الأرزاق والأمطار ، والأعمار والآجال ، كما أنّ لمحرّم الأعمال وسيئها تأثيراً في تغيير مصيرهم بعكس ذلك.

ويدلّ على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (١) .

ومن الأحاديث الشريفة :

١ ـ قول الإمام الكاظمعليه‌السلام : (عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه )(٢) .

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته : (أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) ، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكريّ فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال : (نعم ، ويلك قطيعة الرحم )(٣) .

٣ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (إنّ الدعاء ليردّ القضاء ، وإنّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق )(٤) .

٤ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (والاستغفار يزيد في الرزق )(٥) .

إذاً تغيّر مصير العباد له أثر في مسألة البداء ، ولتوضيح ذلك نقول :

المقدّرات الإلهيّة على قسمين :

١ ـ مقدّر محتوم لا يتغيّر ، وهو موجود في اللوح المحفوظ ، وعبّرت الآية المباركة عنه بأُمّ الكتاب( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٦) ،

____________

١ ـ الرعد : ١١ ، والآيات التالية : الأعراف : ٩٦ ، إبراهيم : ٧ ، نوح : ١٠ ـ ١٢ ، الصافّات : ١٤٣ ـ ١٤٦ ، يونس : ٩٨ ، الأنبياء : ٧٦ و ٨٣ و ٨٨ ، الطلاق : ٢ ـ ٣ ، الأنفال : ٣٣ و ٥٣.

٢ ـ الكافي ٢ / ٤٧٠.

٣ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٤٧.

٤ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٣٥.

٥ ـ الخصال : ٥٠٥.

٦ ـ الرعد : ٣٩.

١٢

وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر.

٢ ـ مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم ، موجود في لوح المحو والإثبات ، وأشارت الآية السابقة إليه( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ) ، فراجعوا تفاسير الفريقين في تفسير هذه الآية المباركة الدالّة على وجود هذا القسم من المقدّرات ، التي يتصوّر فيه البداء.

إذاً المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة ، ولا يخفى هنا أنّ الله سبحانه يعلم كلا التقديرين.

والخلاصة : البداء إذا نُسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه ، وإذا نُسب إلى الناس فهو بداء لهم ، فالبداء من الله هو إظهار ما خفي على الناس ، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم ، وهذا هو الحقّ القراح لا يرتاب فيه أحد.

( أفراح الموسويّ ـ الكويت ـ )

علاقة الدعاء به :

س : ماذا نعني بعقيدة البداء؟ وهل دعائنا للشخص بأن يطيل الله عمره يتعلّق بعقيدة البداء؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : تعتقد الشيعة الإمامية بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيتعليهم‌السلام على الاعتقاد به ، وهو : أنّ الله تعالى يبدي ويظهر ما كان خافياً على الناس.

دعاؤنا للشخص بأن يطيل عمره يتعلّق بمسألة البداء ، فقد ورد عن الإمام الكاظمعليه‌السلام : (عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه )(١) .

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٤٧٠.

١٣

( ياسر بطيخ ـ مصر ـ )

يكون إبلاغه بواسطة المعصوم :

س : قد قرأت كثيراً عن مذهب الإمامية ، وتعرّفت على المذهب من كتبه ، ومن كتب الصحاح عند أهل السنّة ، فانجلى لي الحقّ ، ولكنّي توقّفت عند مبدأ البداء ، فرغم فهمي لهذا المبدأ واستيعابي له ، تبادر إلى ذهني سؤال أُريد الإجابة عنه : عرفنا أنّ البداء يكون من الله تعالى ، فمن يعلمنا بالأشياء التي يكون فيها بداء؟ وهل يكون البداء في العبادات ، أم أنّ البداء يكون في أشياء العمر والرزق ، وما إلى ذلك ، ممّا أخبر عنه الرسول الكريم؟

فهناك من يدّعي أنّ هذا المبدأ يخوّل إلى أيّ إمام من الأئمّة ، أن يغيّر في التشريع الإلهيّ ، بحجّة أنّ هذا ممّا بدا من الله تعالى ، وهو ـ أي الإمام ـ الوحيد الذي يعلم ذلك بحكم إمامته ، أي هل من حقّ أيّ إمام من الأئمّة التغيير في التشريع الإلهيّ المنزل على رسولنا الكريم من منطلق البداء؟

أفيدونا جزاكم الله.

ج : إنّ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين ، من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه ، أو يرون خلافه ، فبإظهاره ـ تبارك وتعالى ـ يظهر عندهم.

فالبداء إظهار من قبل الله تعالى على لسان المعصومينعليهم‌السلام .

والبداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين.

نعم النسخ له دخل بالجانب التشريعيّ ، فالمولى عزّ وجلّ لمصلحة يراها يحكم بحذف وظيفة من وظائف المكلّفين ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي نزل عليه القرآن ، وبواسطته بُلِّغ إلينا ، كما أنّ

١٤

بواسطته تصل إلينا سائر أنباء الغيب من غير القرآن ، ومنها النسخ والبداء.

وبما أنّ أهل بيت النبيّ هم الأئمّة من قبل الله تعالى على هذه الأُمّة ، وهم الامتداد الطبيعيّ لحفظ الشريعة ، وذلك لقوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، فتكون نفس المهمّة في البداء عليهم.

فالإمام لا يغيّر في التشريع الإلهيّ بحجّة أن هذا ممّا بدا من الله! كما ذكرتم.

وهذا التعبير في غير محلّه ، لأنّ البداء لا يقع في التشريع أوّلاً ، وثانياً : فإنّ الإمام عند الشيعة هو الذي نال منصب الإمامة الإلهيّة ، وأعماله تكون إلهيّة ، يختلف عن مفهوم الإمامة لدى المذاهب الأربعة ، حيث يشترط في الإمام عند الشيعة العصمة.

لذا نقترح عليكم أن تقرؤوا عن الإمامة وحدودها أوّلاً ، لتتضح المسألة أكثر.

( ـ ـ )

يكون في القضايا التكوينيّة :

س : أنا شيعية ، ولكنّي أجهل الكثير عن البداء ، حاولت أن أقرأ فقرأت كتب جعلتني أشعر بالغموض أكثر ، لأنّ الكتب تتحدّث بأسلوب أعلى من مستوى فهمي ، بل أنّي لا أستطيع الاعتقاد به ، لأنّه يبدو متناقضاً؟

أفيدوني جزاكم الله ألف خير.

ج : إنّ البداء لغة هو ظهور الشيء بعد خفائه ، واصطلاحاً كما لو بدا للإنسان رأي جديد في شيء ، وكان قد عزم على عمله من قبل ، ثمّ تجلّت

____________

١ ـ المائدة : ٥٥.

١٥

مصلحة قد غفل عنها لجهله بها ، وعدم إحاطته بعلل الأشياء وأسبابها ، ثمّ بدا له أن يستأنف العمل على حسب ما ظهر له من صلاح ، وكلّ هذا غير جائز على الله تعالى ؛ ذلك لمطلق إحاطته تعالى بعلل الأشياء وأسبابها ، وشرائط الأُمور وعواقبها.

فلا نقص في إرادته تعالى ولا تبدّل في عزمه ، ولا فراغ عن الأمر بعد خلقه ، ومن نسب إلى الله تعالى إنّه تُبدى له الأُمور بعد جهله بها فهو كافر ، فالله تعالى محيط بكلّ الأشياء لا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب علمها عنه.

وقد تبعت الإمامية في ذلك أئمّتهم الهداةعليهم‌السلام ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : ( إنّ الله لم يبد له من جهل )(١) ، وقولهعليه‌السلام : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء اليوم ، لم يعلمه أمس فأبرؤا منه )(٢) ، وقولهعليه‌السلام : ( من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم )(٣) .

كما إن الإمامية تعتقد أنّ الأشياء تتحقّق بشروطها وأسبابها ، ويتّفق في ذلك معهم كافّة العقلاء ، فإنّ أُموراً تُسْتَحَقّ عند توفّر شرائطها ، كما لو أنّ شخصاً كان من المقدّر أن يعيش ثلاثين عاماً ، إلاّ أنّ الله تعالى جعل شرطاً لطول العمر التصدّق ، أو صلة الرحم ، أو فعل الخير ، فلما تصدّق هذا الشخص ، أو وصل رحمه ، أو فعل خيراً ، فإنّ الله تعالى جازاه على ذلك ، فزاد في عمره ثلاث سنوات مثلاً ، فصار ثلاث وثلاثين سنة ، وخلاف ذلك أي لو قطع الإنسان رحمه ، أو فعل الظلم والبغي ، عاقبه الله تعالى ، وأنقص من عمره ثلاث سنوات ، فصار عمره سبعاً وعشرين عاماً ، هذا بحسب التقدير الظاهريّ ، وإن كان الله تعالى في علمه في اللوح المحفوظ ، يعلم أنّ الإنسان كم يعيش في

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٤٨.

٢ ـ الاعتقادات للشيخ المفيد : ٤١.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

١٦

هذا العالم ، فهذا هو البداء الذي تقول به الإمامية.

واعلميّ أيّتها الأُخت : أنّ البداء مثل النسخ الذي يقول به المسلمون ، فالنسخ في القضايا التشريعيّة ، والبداء في القضايا التكوينيّة.

هذا هو البداء ، ولا نريد أن نزيد عليك لئلا يختلط مفهومه ، ولا تتّضح مطالبه ، ولا عليك أن تعاودي السؤال فيما إذا لم يتّضح لديك ذلك.

١٧
١٨

البدعة :

( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )

تعريفها :

س : ما هو تعريفكم للبدعة؟

ج : إنّ للبدعة تعاريف كثيرة ، تكاد تتّفق لفظاً ومضموناً ، وإن اختلفت في زيادات أوردها البعض.

ولكن أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حدّ البدعة ومفهومها ، هو تعريف الشريف المرتضىقدس‌سره حيث قال : ( البدعة : زيادة في الدين ، أو نقصان منه من إسناد إلى الدين )(١) .

( محمّد ـ ـ ٢٧ سنة )

تقسيمها إلى حسنة وسيّئة :

س : بارك الله في جهودكم ، قد عرّفتم البدعة هي الزيادة في الدين ، أو النقيصة منه ، فكيف تتصوّر سيّئة تارة وحسنة أُخرى؟

ج : لقد جاء تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة في كلمات علماء أهل السنّة ، والأصل في ذلك هو قول عمر بن الخطّاب ، حيث روى البخاريّ وصف عمر في

____________

١ ـ رسائل المرتضى ٢ / ٢٦٤.

١٩

إقامته لصلاة التراويح جماعة ـ والأصل فيها أن تصلّى فرادى ـ بأنّها نعم البدعة هذه(١) .

وهذا التقسيم باطل لو أُريد منه البدعة بمعناها الشرعيّ وهي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ؛ لأنّ البدعة الشرعيّة لا تكون إلاّ قسماً واحداً ، وهو محرّم بالكتاب والسنّة والعقل والإجماع إلى قيام الساعة.

نعم ، البدعة بالمعنى اللغويّ ـ التي تعمّ الدين وغيره ـ تنقسم إلى قسمين ، فكلّ شيء محدث ومفيد في حياة المجتمعات من العادات والرسوم ، إذا أدّي به من دون الإسناد إلى الدين ، ولم يكن محرّماً بالذات شرعاً كان بدعة حسنة ، وإلاّ فهي بدعة سيّئة.

وأمّا ما كان محرّماً بالذات فهو محرّم ليس من باب البدعة الشرعيّة ، وإنّما هو عمل محرّم ، ولو قيل عنه : إنّه بدعة سيّئة ، فإنّما هو من باب البدعة اللغويّة ، كدخول النساء السافرات في مجالس الرجال.

وبذلك يظهر أنّ من قسّم البدعة إلى حسنة وسيّئة ، قد خلط البدعة في مصطلح الشرع بالبدعة اللغويّة.

( ـ السعودية ـ ٣٥ سنة )

تشخيصها عن غيرها :

س : ما هو الملاك والميزان في معرفة كون هذا العمل شرعيّ أو بدعيّ؟ وشكراً لمساعيكم.

ج : لا يخفى عليك أنّ العنصر الذي يوجب خروج العمل عن كونه بدعيّاً هو دعم الشارع المقدّس له ، وتصريحه بأنّه من الدين ، وهذا الدعم يكون على نوعين :

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ٢ / ٢٥٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

فلعلّ هذه الإجابة ـ على فرض صحّة صدورها من الإمامعليه‌السلام ـ هي التي أوهمت لدى السامعين ، أنّ السبب لمواصلة الإمامعليه‌السلام هو إصرار بني عقيل على المواصلة ، لكنّ السبب الحقيقيّ لخروج الإمامعليه‌السلام هو أمر الله بذلك.

( مؤيّد الشمّريّ. العراق ـ ٢٦ سنة ـ بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

أصحابه أفضل من أصحاب الإمام المنتظر :

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

أيّ الأصحاب أفضل : أصحاب الحسينعليه‌السلام ، أم أصحاب الإمام الحجّةعليه‌السلام ؟ مع الدليل العقليّ فقط.

نسأل الله أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ج : لا يمكن لأحد أن ينكر فضل وشرف أصحاب الإمام المنتظرعليه‌السلام ، إلاّ أنّ أصحابهعليه‌السلام موعودون بالنصر ، مع أنّ أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام كانوا موعودين بالقتل والإبادة الشاملة ، وهذا المعنى يقتضي تقدّمهم على أصحاب الإمام المنتظر.

مضافاً إلى أنّه قد روي : أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قال ليلة العاشر من المحرّم في مدح أصحابه أمام العقيلة زينب : «والله لقد بلوتهم ، فما وجدت بينهم إلاّ الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أُمّه ».

وفي بعض الروايات : «إنّي لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرُّ من أهل بيتي »(١) ، فالروايتان من أهمّ الأدلّة على أفضلية أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام على أصحاب الإمام المنتظرعليه‌السلام .

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ٧٤.

٢٢١

( أُمّ نور ـ البحرين ـ ٣٠ سنة ـ طالبة حوزة )

أسباب عدم نصرته :

س : ما هي الأسباب التي أدّت إلى التخلّي عن نصرة الإمام الحسين عليه‌السلام ؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ ما طلبت يحتاج إلى بحث موسّع كبير للإجابة عليه ، فهناك أسباب كثيرة ، تحتاج إلى شرح وشواهد ومؤيّدات وتحليلات ، ولكن يمكن أن نشير إلى عناوين بعض الأسباب فقط :

١ ـ الوضع العام في مدينة الكوفة كان ذا ألوان مختلفة من الشيعة الحقيقيّين ، وتوسّطاً بالخوارج ، إلى العثمانيين والأمويّين.

وليس صحيحاً ما غلب على الأسماع : أنّ الكوفة كانت كلّها من الشيعة ، فإنّ الموالين الحقيقيّين الذين يعرفون الإمامعليه‌السلام على حقيقته ، ووجوب طاعته كانوا نسبة قليلة منهم ، والنسبة الأكبر محبّين يفضّلونهم على الأمويّين وعلى عثمان مثلاً ، مع أنّهم يوالون أبا بكر وعمر ، فقد كانت هناك شريحة واسعة في الكوفة هي على عقائد العامّة ، قبل استيلاء معاوية على الحكم.

ثمّ هناك الناقمين على ظلم بني أُمية ، وإن لم يكونوا شيعة ، وأيضاً الخوارج ، فلم يخلص من هذه الفئات عندما جدّ الجدّ إلاّ القليل ، مع أنّ الكثير من تلك الفئات كتبت إلى الإمام الحسينعليه‌السلام تدعوه. فلم يكن الوعي الدينيّ عند الكوفيين في ذلك الوقت ، كما نعرفه اليوم عند الشيعة الإمامية ، بالنسبة لمكانة ومعرفة حقّ الإمامعليه‌السلام المفروض الطاعة ، وذلك نتيجة ما عمله الخلفاء قبل عليعليه‌السلام من تشويه لمبدأ الإمامة خاصّة ، ومبادئ الإسلام عامّة.

٢ ـ إنّ مواقع القوّة والنفوذ كانت بيد غير الشيعة الموالين للأئمّةعليهم‌السلام ، نتيجة لحكم معاوية الذي استمر عشرون سنة ، وهذا طبيعي في الحكومات المستبدّة ، فكان أصحاب المال والقادة ورؤساء العشائر وغيرهم يوالي أكثرهم الحكومة الأمويّة ، فإنّ مناصبهم وأطماعهم متعلّقة بالحكومة.

٢٢٢

٣ ـ الإرهاب والقمع الشديد الذي مارسه ابن زياد ، فإنّه اتبع أسلوب الترغيب والترهيب ، فرغّب ضعفاء النفوس بزيادة العطاء ، واستمال رؤساء العشائر بالمناصب والقيادة ، وبالمقابل قمع من كان صلباً في عقيدته ، فألقى عليهم القبض وزجّهم في السجون ، وكثير منهم لمّا خرجوا قاموا بحركة التوّابين ، المتمثّلة بسليمان بن صرد الخزاعي وأتباعه.

وأمّا رؤساء العشائر الموالين فقد غدر بمن غدر ، وسجن من سجن ، ونحن نعرف أنّ الذي يحرّك الناس نحو الهدف الصحيح ويجمعهم ، هم الرجال أصحاب المكانة والنفوذ ، فإذا غيّبوا انفرط عقد الناس ، خاصّة في مجتمع قبلي يكون ولاء الناس للقبيلة ورئيسها ، ويكونون معه في أيّ جهة كان ، فقد كانت ولاءات رؤساء العشائر مقسّمة بين الأمويّين والعلويّين ، فاستعان ابن زياد بمن والاه من رؤوس العشائر للقضاء على من خالفه ، فكلّ قبيلة فقدت رئيسها وذو الكلمة فيها ضعفت عن أخذ المبادرة ، وانفرط عقدها وتشتتت.

هذا مع ملاحظة ما كان يبثّه أعوان ابن زياد من التهديد والوعيد والإرهاب ، والقبض على المخالفين ، وبثّ الجواسيس والعيون ، وجعل الأرصاد على مداخل الكوفة ، وتهديدهم بجيش الشام ، ففي مثل هذا الوضع يسقط ما في يد الرجل المستضعف المنفرد ، ولا يقوى على التحرّك والصمود إلاّ الأوحدي.

٤ ـ إنّ من لا يكون له حريجة في الدين يفعل أيّ شيء ، ويستعمل أيّ وسيلة للوصول إلى غايته ، ويأخذ الناس بالظنّ والتهمة ، ويأخذ الآخرين بجريرة غيرهم ، فينتشر الرعب بسرعة ، وتثبط عزيمة الناس ، وهذا دأب كلّ الطغاة.

أمّا أصحاب الدين والمبادئ فلا يمكنهم أن يستعملوا هذه الأساليب ، فيتوقّفون ويتأمّلون في كلّ حركة ؛ لمعرفة كونها موافقة للدين أو مخالفة ، ولذا يكون عملهم بصورة عامّة ، وأقلّ مبادرة من عمل الطغاة ، وغير الملتزمين بالدين ، فإنّك ترى في بعض الأحيان تدبير جيّد يمكن النجاح فيه ، ولكن لا يفعله المؤمنين خوفاً من الله ، فيستغلّ المقابل هذا التوقّف لصالحه ، فمثلاً لم

٢٢٣

يقتل مسلمُ ابنَ زياد غدراً ، ولكن قتل ابنُ زياد هانئ غدراً.

وكذا لم يهدّد أو يقتل أصحاب مسلم عندما كانوا مسيطرين على الكوفة مخالفيهم ، حتّى إنّهم بقوا آمنين أحراراً يكيدون لمسلم ، بينما أخذ ابن زياد يقتل على الظنّ والتهمة ، ويهدّد بهدم الدور وقطع الأرزاق ، فإنّ مثل هذه الحالة تظهر الطغاة كأنّهم مسيطرين على البلد ولهم الكثرة ، وتجعل المؤمنين كأنّهم قلّة خائفين ، وهذه قاعدة عامّة في كلّ المجتمعات ، وفي كلّ الأوقات ، وفي مثل هذه الحالات تتجلّى مواقف الرجال والمؤمنين ، وقوّة شخصيّتهم.

٥ ـ هناك حالة تصيب المجتمعات وتعتبر مرضاً عامّاً لكلّ الحركات الرسالية المبدأية ، وهي أنّه بعد فترة من ظهور الحركة ، سوف تضعف نفوس المعتنقين لمبادئ هذه الحركة ، ويلجؤون إلى الدعة والراحة ، وطلب الدنيا وملذّات الحياة ، وهو ناتج عن طبيعة النفس البشرية المحبّة للشهوات والكارهة للتضحية.

وهذه الحالة المرضية يسمّيها الشهيد الصدر بمرض ضعف الإرادة وخورها ، أي أنّهم لا يملكون الإرادة للتحرّك والفعل العملي ، مع كونهم يرغبون بذلك في قلوبهم ، إذ إنّهم لازالوا مؤمنين بالمبادئ التي قامت عليها حركتهم ، ويعلمون أنّ الحقّ معها ، وأنّ التحرّك والثورة هو الطريق الصحيح ، ولكن يخافون التحرّك الفعليّ الواقعيّ ، فيكون هناك ازدواج في الشخصية عندهم ، من جهة كونهم لا زالوا يعرفون الحقّ ، ومن جهة ليس لهم إرادة فاعلة للتحرّك ، وأصابهم ما يشبه التخدير والخوف من التضحية ، والهرب من الموت ، والركون إلى الدنيا ، والتوكّل على الآخرين ، فقد فسدت نفوسهم وضمائرهم ، مع أنّ عقلهم لازال يميّز الحقّ.

هذه الحالة نجدها تنطبق على مجتمع الكوفة والمجتمع الإسلامي عامّة ، في عصر الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد أفسد معاوية طوال سنيّ حكمه ضمائر الناس ، أي جانب الإرادة والفاعلية بما اتخذه من سياسات ، إذ تربّى الناس على أنّ الفوز بالمناصب والأموال يكون مع معاوية ، وأنّ الحرمان والقتل يكون مع

٢٢٤

مخالفيه ، وانقسموا قسمين : قسم باعوا ضمائرهم بالمال وحبّ الدنيا ، وآخرين ماتت ضمائرهم خوفاً من القتل والتضحية ، فاحتاجوا إلى حركة وتضحية كبرى تهزّ نفوسهم وضمائرهم وتوقظها من هذا السبات ، وتشفيها من هذا المرض الوبيل ، الذي أصاب الأُمّة ، فقام الإمام الحسينعليه‌السلام بهذه الحركة والتضحية.

هذا ما وسع المجال بذكره ، وهناك أسباب أُخرى ، ونعود ونقول : إنّ الأمر يحتاج إلى دراسة موضوعية.

( علي ـ البحرين ـ ٢٩ سنة ـ بكالوريوس )

مواساة الأنبياء له :

س : أُودّ أن أستفسر عن هذه القصص ، حيث إنّها نشرت في إحدى النشرات في ليلة أربعين الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهذه النشرات من التي تشجّع وتحثّ الشباب على التطبير ـ ضرب القامة ـ!! وإذا كانت صحيحة ، لماذا يفعل الله هذا بأنبيائه؟

لماذا يعذّبهم لذنب لم يقترفوه؟ هل الله غير عادل؟ حيث إنّ هذا ما توضّحه هذه القصص ، واليكم القصص كما نزلت :

أنبياء اللهعليهم‌السلام سبقونا ، وأسالوا دماءهم مواساة للإمام الحسينعليه‌السلام في بدء الخليقة ، حيث لم يكن أحد من بني الإنسان إلاّ آدم وحوّاءعليهما‌السلام ، وصل أبونا آدم ذات مرّة إلى أرض تقع إلى جانب الفرات ، فبلغ موضعاً ، فهناك عثر بصخرة ، حتّى سال الدم من رجله! فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فتعاقبني به؟ فأوحى الله إليه : يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً ، فسال دمك موافقة لدمه.

إذاً قد سال دم آدم بأمر الله تعالى مواساة للحسين!

وإذ هو راكب على جواده مرّ خليل الله إبراهيمعليه‌السلام بتلك الصحراء ، فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه ، فأخذ بالاستغفار وقال : إلهي أيّ شيء

٢٢٥

حدث منّي؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه.

واتفق ذات يوم من زمان قديم أن سار كليم الله موسى مع وصيّه يوشع بن نونعليهما‌السلام ، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء ، انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحسك في رجليه ، وسال دمه! فقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي؟ فأوحي إليه : إن هنا يقتل الحسين ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه.

فقال : ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له : هو سبط محمّد المصطفى ، وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء.

فرفع موسىعليه‌السلام يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمّن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه.

ج : قد ذكرت تلك القصص في بحار الأنوار من دون ذكر السند(١) ، وقد صرّح في أحدها بأنّ الخبر مرسلاً ، ولو فرض صحّة تلك القصص فإنّ دلالتها لا تقدح في عدل الله تعالى ، فإنّ الحاصل للأنبياءعليهم‌السلام ما هي إلاّ مصيبة من المصائب الصغيرة لرفع درجاتهم ، وتحصيل الثواب على حصول ذلك ، وهمعليهم‌السلام أكثر استعداداً وقدرة على تحمّل مصائب أعظم ممّا ذُكر ، وجميع المصائب الواقعة على الأنبياءعليهم‌السلام يعوّضون عليها من الجزاء ورفع الدرجات أضعاف مضاعفة ، والأنبياءعليهم‌السلام هم من أكثر الناس استعداداً لتحمّل المصائب ، وهم راضين بما يجري عليهم.

ثمّ إنّ في بعض الابتلاءات للأنبياء امتحان لهم ، كما في قضية ذبح إبراهيم لولده إسماعيلعليهما‌السلام ، وفي بعضها تعليم لهم ، فضلاً عن الثواب ورفع الدرجات ، الذي أشرنا إليه سابقاً.

وأهمّية استشهاد الحسينعليه‌السلام ومحوريتها وتأثيرها في المسار العام للدين الإلهيّ

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٤ / ٢٤٢.

٢٢٦

تأهّلها لأن تكون غاية لمعرفة الأنبياء لها ، ومعرفة تفاصيلها ، ومقام الحسينعليه‌السلام وأصحابه ومقام شيعته والباكين عليه ، فليس بدعاً أن يكون الأنبياء مواسين للحسين في مصيبته ، ولكن لابدّ للعلم بقصّة الاستشهاد من طريقة ، ولابدّ للمواساة من طريقة ، وقد جاءت بهذا الشكل في هذه الروايات ، هذا طبعاً إن ثبتت صحّتها.

( أبو عبد العزيز ـ سنّي ـ الجزائر ـ ٣٣ سنة ـ دكتوراه )

الأقوال في مكان دفن رأسه :

س : سؤالي يتعلّق بموقع رأس الحسين بعد أن قطع عن جسده الشريف ، وأخذ ليعرض لعدوّ الله والأُمّة ، السفّاح يزيد بن معاوية في دمشق؟

ج : لقد اختلفت الروايات والأقوال في ذلك إلى سبعة أقوال ، بل ثمانية كما سيأتي بيانها ، ولمّا كان القطع واليقين محالاً في بعضها ، وإن ذهب إلى القول بذلك بعض الأعلام ـ كما سيأتي بيانه ـ غير أنّ أقربها للقبول والمعقول هو ما اشتهر عند العلماء من الفريقين الشيعة والسنّة ، بأنّه أُعيد إلى جثّتهعليه‌السلام بعد أربعين يوماً ، وهذا الاتفاق يوحي باطمئنان الرجحان في ذلك.

والآن نبيّن الأقوال ، ونستعرض أسماء القائلين بها تنويراً لكم :

القول الأوّل : إنّه مدفون بكربلاء عند جثّته الطاهرة ، أُعيد إليها بعد أربعين يوماً ، ذهب إلى ذلك من أعلام الفريقين :

١ ـ هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ ، حكى ذلك عنه السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص(١) وغيره.

٢ ـ السيّد المرتضى ، حكى ذلك عنه كلّ من الطبرسيّ في « أعلام الورى » ، وابن شهر آشوب في « المناقب »(٢) .

__________________

١ ـ تذكرة الخواص ٢ / ٢٠٦ ط المجمع العالمي لأهل البيت.

٢ ـ إعلام الورى ١ / ٤٧٧ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٣١.

٢٢٧

٣ ـ الشيخ الطوسيّ ، حكى ذلك عنه ابن شهر آشوب في « المناقب » ، وقال عنه أنّه قال : ومنه زيارة الأربعين(١) .

٤ ـ الحافظ ابن شهر آشوب ، ذكر ذلك في « المناقب » كما أشرنا إليها آنفاً.

٥ ـ الفتّال النيسابوريّ ، ذكر ذلك في « روضة الواعظين »(٢) .

٦ ـ الشيخ الطبرسيّ ، ذكر ذلك في « أعلام الورى » كما أشرنا إليه آنفاً.

٧ ـ ابن نما الحلّيّ في « مثير الأحزان » ، حيث قال : « والذي عليه المعوّل من الأقوال أنّه أُعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه »(٣) .

٨ ـ العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » ، حيث قال : « والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسينعليهما‌السلام »(٤) .

٩ ـ القزويني في « عجائب المخلوقات » ، حيث قال : « في العشرين من صفر ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى جثّته ».

١٠ ـ ابن حجر الهيثميّ في شرحه همزية البوصيريّ ، حيث قال : « أُعيد رأس الحسين بعد أربعين يوماً من مقتله ».

١١ ـ المنّاويّ في « الكواكب الدرّية » ، حيث نقل اتفاق الإمامية على أنّه أُعيد إلى كربلاء ، ولم يعقّب بشيء ، وحكى ترجيحه عن القرطبي ، ونسب إلى بعض أهل الكشف أنّه حصل له اطلاع على أنّه أُعيد إلى كربلاء(٥) .

١٢ ـ الشيخ الشبراويّ في « الإتحاف بحبّ الأشراف » ، قيل : إنّه أُعيد إلى جثّته بعد أربعين يوماً(٦) .

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٣١.

٢ ـ روضة الواعظين : ١٩٢.

٣ ـ مثير الأحزان : ٨٥.

٤ ـ بحار الأنوار ٤٥ / ١٤٥.

٥ ـ الآثار الباقية : ٢٩٤.

٦ ـ الكافي ٤ / ٥٧١ ، تهذيب الأحكام ٦ / ٣٥.

٢٢٨

١٣ ـ وأخيراً : قال أبو الريحان البيرونيّ : « وفي العشرين ـ أي من صفر ـ رُدّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دفن مع جثّته »(١) .

فهذا القول هو الراجح والأولى بالقبول ، لاتفاق كثير من أعلام الفحول من الفريقين ، الدالّ على القبول حسب النقول.

القول الثاني : إنّه عند أبيه بالنجف ، لورود أخبار بذلك وردت في الكافي والتهذيب وغيرهما ، لا تخلو بعض أسانيدها من المناقشة.

القول الثالث : إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما في خبر عن الإمام الصادقعليه‌السلام رواه الكلينيّ في الكافي.

وهذان القولان من مختصّات الإمامية ، ولم يقل بها أحد من غيرهم.

القول الرابع : إنّه دفن بالمدينة عند قبر أُمّه فاطمةعليها‌السلام ، قال به ابن سعد في « الطبقات »(٢) ، وقال به غيره.

القول الخامس : إنّه بدمشق بباب الفراديس ، حكاه سبط ابن الجوزيّ عن ابن أبي الدنيا ، وكذا ذكر البلاذريّ في تاريخه ، وكذا الواقديّ(٣) .

القول السادس : إنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، حكاه السبط أيضاً عن عبد الله بن عمر الورّاق(٤) .

القول السابع : إنّه بمصر ، نقله الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثمّ نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار ، نقله سبط ابن الجوزيّ(٥) .

القول الثامن : إنّه في حلب ، أشار إليه ابن تيمية في رسالته جواباً عن سؤال عن رأس الحسينعليه‌السلام ، وهي مطبوعة حقّقها وطبعها محبّ الدين الخطيب ،

__________________

١ ـ الكافي ٤ / ٥٧١.

٢ ـ الطبقات الكبرى ٥ / ٢٣٨.

٣ ـ لواعج الأشجان : ٢٤٨.

٤ ـ المصدر السابق : ٢٤٩.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٢٢٩

وقد تجاوز الحدّ في سوء الأدب مع الحسينعليه‌السلام حتّى علا وغلا على صاحب الرسالة في حماه المسعورة.

وقد ساق ابن تيمية سبعة وجوه في نفي أن يكون الرأس مدفوناً بالقاهرة ، متحاملاً فيها على من يقول بها ، ولم تخل الرسالة متناً وهامشاً من تعريض وتصريح بالحسين ونهضته ، ودفاع عن يزيد وجريمته ، ولا يستنكر اللؤم من معدنه ، فجزى الله كلاّ على نيّته ، وحشره مع من يتولاّه ، إنّه سميع مجيب.

ولنختم الجواب بما قاله السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص : « وفي الجملة ، ففي أيّ مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى الحسين

بأرض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا

نحـوي فمشـهده بقلبي »(١)

ونضيف نحن قول ابن الورديّ في تاريخه :

أرأس السبط ينقل والسـبايا

يطاف بها وفوق الأرض رأس

وما لي غير هذا السبي ذخر

وما لي غير هذا الرأس رأس(٢)

( علي مبارك ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

رضاعه من إبهام النبيّ :

س : سؤالي هو حول الإرضاع : فهل رواية الإرضاع عن طريق مصّ الأصابع صحيحة؟

إن كانت كذلك ، فكيف الردّ على الوهّابية الذين حين يعايرهم الشيعة

__________________

١ ـ تذكرة الخواص : ٢ / ٢٠٩ ط المجمع العالمي لأهل البيت.

٢ ـ تاريخ ابن الوردي ١ / ١٦٥.

٢٣٠

بإرضاع الكبير ، يردّون بأنّ الشيعة يقولون بإرضاع الرجال لبعضهم؟ ودمتم مباركين وبصحّة وعافية .

ج : ليس في المصادر الفقهية والحديثية وحتّى كتب السيرة عند المسلمين ما يوحي بأنّ الرضاع يكون من مصّ الأصابع.

نعم هناك رواية واحدة فيها كرامة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اختصّ بها ولده الحسينعليه‌السلام ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «لم يرضع الحسين من فاطمة عليها‌السلام ولا من أنثى ، كان يؤتى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فنبت لحم الحسين عليه‌السلام من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودمه »(١) .

وهذه الرواية إن صحّت سنداً فلها معارض أكثر استفاضة ، وهو رؤيا أُمّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب : « أنّ بعض جسد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجرها ، فأوّلهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسين يكون في حجرها »(٢) .

ومهما يكن نصيب الرواية من الصحّة ، فلا مانع من الجمع بينها وبين رواية أُمّ الفضل ، على أنّه كان في حجرها تربّيه وليست ترضعه ، وبالتالي تبقى كرامة خاصّة بالحسينعليه‌السلام .

وثمّة كرامة أُخرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جرت له مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام عند ولادته ، فقد ذكر الحلبي فقال : « وفي خصائص العشرة للزمخشري : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تولّى تسميته بعلي ، وتغذيته أيّاماً من ريقه المبارك بمصّه لسانه ، فعن فاطمة بنت أسد أُمّ علي ( رضي الله عنها ) أنّها قالت : لمّا ولدته سمّاه علياً ، وبصق في فيه ، ثمّ إنّه ألقمه لسانه ، فما زال يمصّه حتّى نام ، قالت : فلمّا كان من الغد طلبنا له مرضعة ، فلم يقبل ثدي أحد ، فدعونا له محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فألقمه لسانه فنام ، فكان كذلك ما شاء الله »(٣) .

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤٦٥.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١١٤.

٣ ـ السيرة الحلبية ١ / ٣٨٢.

٢٣١

فهاتان كرامتان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خصّ بها هذين الإمامين علي والحسينعليهما‌السلام فقط ، وهما ـ بناءً على صحّتها ، ولا مانع من قبولهما عقلاً ونقلاً ـ لا ينشران الحرمة كما تخيّلها من يعيّركم بذلك في إرضاع الكبير ، وذلك أنّ الفقهاء من جميع المذاهب ذكروا للرضاع المحرّم شروطاً كمّاً وكيفاً ، وهي غير متوفّرة في المقام.

ثمّ إنّ جميع فقهاء المذاهب ذكروا بعدم تأثير إرضاع الرجل ـ لو تمّ ـ في نشر الحرمة ، واليك بعض ما قالوه :

١ ـ واتفقوا على أنّ الرجل لو درّ له لبن ، فأرضع منه طفلاً لم يثبت به تحريم(٢) .

٢ ـ ولو بأشر الرجل الإرضاع ، بأن نزل اللبن من ثدييه ، فأرضع صبيين لا تثبت الأخوّة بينهما(٣) .

وللمطارفة والمفاكهة سل ممّن يعيّركم في مسألة الإرضاع ، ما رأيه في نشر الحرمة من رضاع البهيمة ، كما قال به البخاريّ صاحب الصحيح ، والذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب الله عندهم ، وبسبب هذه الفتيا الشاذّة أخرجوه من بخارا ، واليك نصّ ما قاله السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط ، قال : « ولو أُرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعاً ، وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد.

ومحمّد بن إسماعيل صاحب الأخبار يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، فإنّه دخل بخارا في زمن الشيخ الإمام أبي حفص وجعل يفتي ، فقال له الشيخ : لا تفعل فلست هناك ، فأبى أن يقبل نصحه ، حتّى استفتي عن هذه المسألة : إذا أرضع صبيان بلبن شاة ، فأفتى بثبوت الحرمة ، فاجتمعوا وأخرجوه من

__________________

١ ـ رحمة الأُمّة : كتاب الرضاع.

٢ ـ المبسوط ٣٠ / ٢٩٣.

٢٣٢

بخارا بسبب هذه الفتوى »(١) .

وكرّر السرخيّ في المبسوط ذكر هذه الفتوى الشاذّة من البخاريّ : « ولو أنّ صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع ، لأنّ الرضاع معتبر بالنسب ، وكما لا يتحقّق النسب بين آدميّ وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم ، وكان محمّد بن إسماعيل البخاريّ صاحب التاريخ يقول : تثبت الحرمة. وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارا ، فإنّه قدم بخارا في زمن أبي حفص الكبير ، وجعل يفتي ، فنهاه أبو حفص وقال : لست بأهل له. فلم ينته حتّى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة ، فاجتمع الناس وأخرجوه »(٢) .

ويبدو من بعض كتب الفقه عند الحنابلة : إنّ هناك من شذّ ـ كالبخاريّ ـ فقال بالحرمة ، فقد جاء في كتاب الإنصاف : « فلو ارتضع طفلان من بهيمة أو رجل ، أو خنثى مشكل ، لم ينشر الحرمة بلا نزاع.

إذا ارتضع طفلان من بهيمة : لم ينشر الحرمة بلا نزاع ، وإن ارتضع من رجل لم ينشر الحرمة أيضاً ، على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب وقطعوا به ، وذكر الحلوانيّ وابنه : بأنّه ينشر »(٣) .

وجاء في كتاب العدّة شرح العمدة : « فأمّا لبن البهيمة فلا يثبت الحرمة ، فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم يصيرا أخوين »(٤) .

قال بعضهم : يصيران أخوين وليس بصحيح ، لأنّ هذا اللبن لا يتعلّق به تحريم الأُمومة ، فلا يتعلّق به تحريم الأخوّة ، لأنّ الأخوّة فرع على الأُمومة ، ولأنّ

__________________

١ ـ المصدر السابق ٥ / ١٣٩.

٢ ـ المصدر السابق ٣٠ / ٢٩٧.

٣ ـ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ٩ / ٣٤٧.

٤ ـ العدّة شرح العمدة ٢ / ١٩.

٢٣٣

البهيمة دون الآدمية في الحرمة ، ولبنها دون لبنها في غذاء الآدمي ، فلم تتعلّق الحرمة به.

وجاء في إعانة الطالبين : « فلو ارتضع صغيران من شاة مثلاً لم تحرم مناكحتهما ، والجنّية ، بناء على عدم صحّة مناكحتنا للجنّ ، أمّا على صحّة ذلك فهم كآدميّين ، فلو أرضعت صغيراً ثبت التحريم ، وأن لم تكن على صورة الآدمية ، أو كان ثديها في غير محلّه المعتاد »(١) .

__________________

١ ـ إعانة الطالبين ٣ / ٣٣٠.

٢٣٤

الإمام السجّاد عليه‌السلام :

( إبراهيم ـ السعودية ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة )

احتكامه مع محمّد بن الحنفية إلى الحجر الأسود :

س : الرواية التي نقلت ما حصلت بين الإمام السجّادعليه‌السلام ومحمّد بن الحنفية ، والتي انتهت بالاحتكام إلى الحجر الأسود ، ما مدى صحّتها سنداً ومتناً؟

وأرجو التعليق عليها ، وما هو ردّكم حول هذا القول : إنّ هذه الرواية في محلّ إشكال لمحمّد بن الحنفية ، كونه لم يعلم مَن الإمام المنصوص عليه ، وحيث توجد روايات بأنّ الأئمّة من صلب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وفي بعض الروايات تذكر أسماءهم؟

ج : وردت هذه الرواية بإسناد صحيحة في « الكافي »(١) ، ودلالتها واضحة ، فإنّها تشير إلى عدم وضوح أمر الإمامة عند محمّد بن الحنفية في بادئ الأمر ، وبما أنّه لم يكن معانداً في موقفه ، أرشده الإمامعليه‌السلام إلى الصواب ، وأظهر له الحجّة القطعية ، فتنبّه ولزم طريق الحقّ والهداية ، بموالاة أهل البيتعليهم‌السلام والاعتقاد بإمامتهم.

وأمّا بالنسبة للروايات التي تذكر أسماء الأئمّةعليهم‌السلام ، فلعلّها لم تصل إليه ، وإلاّ لما كان لترديده في الموضوع وجه معقول ؛ فلا ملازمة بين الانتساب إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، وبين الوقوف على كافّة أحاديثهمعليهم‌السلام .

وفي الختام نشير إلى أنّ البعض ذكر لهذه الواقعة تحليلاً ظريفاً ، وهو : إنّ

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٣٤٨.

٢٣٥

هذه الواقعة من الأساس لم تكن حقيقية ، وإنّما كانت لبيان فضل الإمام السجّادعليه‌السلام لعامّة المسلمين ، وأنّه اللائق بالخلافة ، وإنّ محمّد بن الحنفية كان على علم كامل بأنّ الإمام السجّادعليه‌السلام هو خليفة عصره ، والحجّة عليه.

( معاذ التل ـ الأردن ـ سنّي ـ ٣٢ سنة ـ طالب جامعة )

من ألقابه السجّاد :

س : لماذا يلقّب الإمام زين العابدين بالإمام السجّاد؟

ج : لقّب الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالسجّاد لكثرة سجوده لله تعالى.

فعن جابر الجعفيّ قال : قال الباقرعليه‌السلام : «إنّ علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد » ، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السجّاد لذلك(١) .

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

حكمة مرضه يوم عاشوراء :

س : هل هناك سرّ في مرض الإمام السجّاد عليه‌السلام يوم كربلاء؟ ولماذا لم يأخذ الإمام الحسين عليه‌السلام ابنته فاطمة العليلة إلى كربلاء؟

ج : شاءت الإرادة الإلهيّة أن يكون الإمام السجّادعليه‌السلام عليلاً يوم عاشوراء ، وذلك :

أوّلاً : حتّى لا يقتل.

ثانياً : حتّى لا تخلو الأرض من حجّة لله تعالى.

ثالثاً : حتّى يستلم الإمامة بعد أبيه الإمام الحسينعليه‌السلام .

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٠٤.

٢٣٦

رابعاً : يسقط عنه وجوب الدفاع عن إمام زمانه ، إذ لو كان سليماً ، ويسمع استغاثة أبيهعليه‌السلام لوجب عليه إغاثته ، والذبّ عنه.

وأمّا السبب في عدم أخذ الإمام الحسينعليه‌السلام ابنته فاطمة العليلة هو لشدّة مرضها ، بينما الإمام السجّادعليه‌السلام فلم يكن مريضاً يوم خروجه من المدينة المنوّرة.

( أحمد كريم ـ مصر ـ )

مرقده في المدينة لا في مصر :

س : أُودّ أن أطرح سؤال عن محلّ مقام الإمام زين العابدين ، فقد قرأت أنّه دفن في المدينة ، ولكنّي شاهدت في القاهرة مقام باسم الإمام زين العابدين ، بحيّ السيّدة زينب العريق ، فما السبب في ذلك؟ وإذا كان الإمام قد دفن حقّاً في المدينة المنوّرة فلمَن هذا المقام؟

ج : إنّ الإمام السجّادعليه‌السلام استشهد في المدينة المنوّرة ، ودفن في البقيع ، وهذا متّفق عليه ، ولا يوجد فيه أيّ خلاف.

ولعلّ مقام الإمام السجّادعليه‌السلام في القاهرة متعلّق بأحد أحفاده ، أو لمناسبة أُخرى.

( محمّد ـ ـ )

حضوره يوم عاشوراء :

س : هل إنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام شارك في القتال في واقعة كربلاء؟

فهناك من يقول إنّهعليه‌السلام اشترك وجرح جرحاً بليغاً ، فأخرج من المعركة ، فأُسر مع باقي أهل البيت عليهم‌السلام .

ج : المشهور عند المؤرّخين وأصحاب السير وأرباب المقاتل : أنّ الإمام السجّادعليه‌السلام كان مريضاً يوم عاشوراء ، بحيث لم يستطع المشاركة في المعركة ،

٢٣٧

وتلك مصلحة اقتضت في المقام ، لأجل عدم انقطاع سلسلة الإمامة ، وهذا رأي متسالم عليه عند الشيعة الإمامية.

نعم ، جاء في بعض آثار الزيدية ما نصّه : « وكان علي بن الحسينعليهما‌السلام عليلاً وارتث يومئذ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع الله عنه ، وأخذ مع النساء »(١) ، ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا القول لعدّة وجوه :

منها : ضعف السند وعدم ثبوت الخبر.

ومنها : إنّ الخبر المذكور في غاية الأمر هو نقل تاريخي ، وليس حديثاً ولا رواية عن معصومعليه‌السلام ، فلا يوجب الاطمئنان بمضمونه ، خصوصاً مع تناقضه مع كافّة الأدلّة الأُخرى.

والمهمّ في المقام هو : أن نعلم أنّ دور الإمام السجّادعليه‌السلام هو دور التوعية والتثقيف ، وتكريس الجهود نحو إنشاء جيل يفهم المعاني ويعي المفاهيم ، فلا حاجة أن يقومعليه‌السلام بالسيف بالضرورة في وقت لم تكن هناك أية نتيجة متوقّعة من الكفاح المسلّح.

( علي. البحرين ـ ٣٠ سنة ـ طالب )

معنى قوله : أنا ابن مكّة ومنى :

س : ما معنى كلام الإمام زين العابدينعليه‌السلام : « أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن مروة وصفا »(٢) ؟ وشكراً.

ج : إنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام هو من فرع تلك الشجرة الطاهرة ، ومن سلالة الأنبياء والأوصياء ، وهنا يشير الإمامعليه‌السلام إلى أهمّ المعالم الإسلامية التي هي : « مكّة ومنى ومروة والصفا » ، وهذه هي المقدّسات للمسلمين ، ولمّا عبّر عن

__________________

١ ـ الأمالي الخميسية ١ / ١٧٠.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٠٥ ، لواعج الأشجان : ٢٣٤.

٢٣٨

كونه ابنها ، فهو يريد أن يشير إلى أنّه المصداق الأكمل لها ، فهي معالم صامتة ، والإمام حجّة الله الناطق ، كما أنّ القرآن الكتاب الصامت ، والإمام هو الكتاب الناطق.

فأشار الإمامعليه‌السلام بعباراته هذه ، وفي جمع من الناس ، الذين كانوا يتصوّرون أنّهم خوارج ، فبيّن أنّه هو الأصل لهذه المعالم ، التي يقدّسها المسلمون ، ليعرّف شخصه لهم ومَن هو ، وبذلك فاق أهل الشام من غفلتهم ، وعرفوا أنّهم ليسوا بخوارج.

٢٣٩
٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621