موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة9%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265801 / تحميل: 6292
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

محمدا أشرف المقام وحباء السلام وشفاعة الإسلام اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين.

ثم جلس قليلا ثم قام فقال ـ الحمد لله أحق من خشي وحمد وأفضل من اتقي وعبد وأولى من عظم ومجد نحمده لعظيم غنائه وجزيل عطائه وتظاهر نعمائه وحسن بلائه ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ولا يتمهد سناؤه ولا يوهن عراه ونعوذ بالله من سوء كل الريب وظلم

قوله عليه‌السلام: « وحباء السلام » الحباء : بالكسر العطاء أي أعطه عطية سلامتك بأن يكون سالما عن جميع ما يوجب نقصا أو خزيا ، أو أعطه تمكن أن يحبوا السلامة من أنواع البلايا والعذاب لمن أراد ، أو أعطه وأمته تحية السلام من عندك بأن يسلم عليهم الملائكة في الجنان رسلا من عندك.

قوله عليه‌السلام: « وشفاعة الإسلام » أي الشفاعة التي تكون لأهل الإسلام ، ولا تكون لغيرهم.

قوله عليه‌السلام: « ولا ناكثين » أي للعهد والبيعة وفي بعض النسخ بالباء الموحدة أي عادلين متنكبين عن طريق الحق.

قوله عليه‌السلام: « لعظيم غنائه » بالفتح والمد. أي نفعه.

قوله عليه‌السلام: « وحسن بلائه » أي نعمته.

قوله عليه‌السلام: « لا يخبو » يقال خبت النار أي سكنت ، وقوله عليه‌السلام: « ولا يهمد سناؤه » وفي بعض النسخ [ لا يتمهد ] والتمهد الانبساط ، والهمود : طفوء النار والسنا مقصورا ضوء البرق ، وممدودا الرفعة ، فعلى نسخة يهمد ينبغي أن يكون مقصورا وعلى الأخرى أن يكون ممدودا ، والأولى أوفق بلاحقتها ، كما أن الثانية أوفق بسابقتها لفظا.

٦١

الفتن ونستغفره من مكاسب الذنوب ونستعصمه من مساوي الأعمال ومكاره الآمال والهجوم في الأهوال ومشاركة أهل الريب والرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم تقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان واغفر للأحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسولك وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك واقتدوا بنبيك وسنوا سنتك وأحلوا حلالك وحرموا حرامك وخافوا عقابك ورجوا ثوابك ووالوا أولياءك وعادوا أعداءك اللهم اقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخلهم «بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ » إله الحق آمين.

١٩٥ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لكل مؤمن حافظ وسائب قلت وما الحافظ وما السائب يا أبا جعفر قال الحافظ من الله تبارك وتعالى حافظ من الولاية يحفظ به المؤمن أينما كان وأما السائب فبشارة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

قوله عليه‌السلام: « من سوء كل الريب » أي من شر كل شك وشبهة يعتري في الدين.

قوله عليه‌السلام: « والهجوم » أي الدخول.

قوله عليه‌السلام: « ومشاركة أهل الريب » أي الذين يشكون ويرتابون في الدين أو الذين يريبون الناس فيهم بالخيانة والسرقة أو مطلق الفسوق.

الحديث الخامس والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله : « قلت : وما الحافظ » وفي بعض النسخ [ وأما الحافظ ] أي ظاهر أو معلوم.

قوله عليه‌السلام: « من الولاية » كلمة « من » أما تعليلية أي له حافظ من البلايا

٦٢

يبشر الله تبارك وتعالى بها المؤمن أينما كان وحيثما كان.

١٩٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحجال ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم

بسبب ولاية أئمة الحق ، أو له حافظ بسبب الولاية ليحرس ولايته لئلا تضيع وتذهب بتشكيكات أهل الباطل ، أو صلة للحفظ إما بتقدير مضاف ، أي يحفظه من ضياع الولاية وذهابها ، أو بأن يكون المراد ولاية غير أئمة الحق ، أو بيانية أي الحافظ هي الولاية تحفظه عن البلايا والفتن.

قوله عليه‌السلام: « وأما السائب » لعله من السيب بمعنى العطاء أو بمعنى الجريان أي جارية من الدهور ، أو من السائبة التي لا مالك لها بخصوصه أي سيب لجميع المؤمنين.

قوله عليه‌السلام: « فبشارة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» أي البشارة عند الموت بالسعادة الأبدية ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد القرآن أو الرؤيا الحسنة.

الحديث السادس والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « متى تخبرهم تقلهم » قال الجزري : في حديث أبي الدرداء « وجدت الناس أخبر تقله » القلاء : البغض ، يقال : قلاه يقليه ، قلى وقلى إذا أبغضه(١) .

وقال الجوهري : إذا فتحت مددت ، ويقلاه لغة طيئ ، يقول : جرب الناس فإنك إذا جربتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم ، لفظه لفظ الأمر ، ومعناه معنى الخبر أي من جربهم وخبرهم أبغضهم وتركهم ، والهاء في تقله للسكت ومعنى نظم الحديث ، وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول(٢) انتهى.

أقول : الظاهر أن الأمر الوارد في هذا الخبر أيضا كذلك ، أي متى خالطت

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ١٠٥.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٠١٦.

٦٣

١٩٧ ـ سهل ، عن بكر بن صالح رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل.

١٩٨ ـ سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن وهب قال تمثل أبو عبد الله عليه‌السلام ببيت شعر لابن أبي عقب وينحر بالزوراء منهم لدى الضحى ثمانون ألفا مثل ما تنحر البدن

الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم ، فلا تخالطهم مخالطة شديدة تكون موجبة لقلاك لهم.

الحديث السابع والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « الناس معادن » روى العامة هذا الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا »(١) ويحتمل وجهين. أحدهما : أن يكون المراد أن الناس مختلفون بحسب استعداداتهم وقابلياتهم وأخلاقهم وعقولهم كاختلاف المعادن ، فإن بعضها ذهب ، وبعضها فضة ، فمن كان في الجاهلية خيرا حسن الخلق عاقلا فهما ففي الإسلام أيضا يسرع إلى قبول الحق ، ويتصف بمعالي الأخلاق ، ويجتنب مساوئ الأعمال بعد العلم بها.

والثاني : أن يكون المراد أن الناس مختلفون في شرافة النسب والحسب ، كاختلاف المعادن ، فمن كان في الجاهلية من أهل بيت شرف ورفعة ، فهو في الإسلام أيضا يصير من أهل الشرف بمتابعة الدين ، وانقياد الحق والاتصاف بمكارم الأخلاق فشبههم صلى‌الله‌عليه‌وآله عند كونهم في الجاهلية بما يكون في المعدن قبل استخراجه ، وعند دخولهم في الإسلام بما يظهر من كمال ما يخرج من المعدن ، ونقصه بعد العمل فيه.

الحديث الثامن والتسعون والمائة : ضعيف.

__________________

(١) صحيح البخاريّ كتاب التفسير ح ٤٣٧٢. صحيح مسلم بشرح النووى ج ١٥ ص ١٣٤. كتاب الفضائل باب فضائل يوسف. باختلاف يسير.

٦٤

وروى غيره البزل.

ثم قال لي تعرف الزوراء.

قال قلت جعلت فداك يقولون إنها بغداد قال لا ثم قال عليه‌السلام دخلت الري قلت نعم قال أتيت سوق الدواب قلت نعم قال رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفا منهم ثمانون رجلا من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة قلت ومن يقتلهم جعلت فداك قال يقتلهم أولاد العجم.

١٩٩ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن محمد بن زياد ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا

قوله : « وروى غيره البزل » هو جمع بازل وهو البعير الذي فطرنا به.

قوله عليه‌السلام: « تعرف الزوراء » قال الفيروزآبادي : الزوراء : مال كان لاحيحة والبئر البعيدة ، والقدح وإناء من فضة والقوس ودجلة ، وبغداد لأن أبوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة ، وموضع بالمدينة قرب المسجد ، ودار كانت بالحيرة والبعيدة من الأراضي ، وأرض عند ذي خيم(١) انتهى.

أقول : يحتمل أن يكون الزوراء في الخبر اسما لموضع بالري ، وأن يكون الزوراء بغداد الجديد ، وإنما نفى عليه‌السلام بغداد القديم ، ولعله كان هناك موضع يسمى بالري ، ويكون إشارة إلى المقاتلة التي وقعت في زمان مأمون هناك ، وقتل فيها كثير من ولد العباس ، وعلى الأول يكون إشارة إلى واقعة تكون في زمن القائم عليه‌السلام أو في قريب منه ، وابن أبي عقب لعله كان سمع هذا من المعصوم فنظمه.

الحديث التاسع والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله تعالى : « لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً » قال الزمخشري : ليس

__________________

(١) القاموس : ج ٢ ص ٤٣.

٦٥

عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً »(١) قال مستبصرين ليسوا بشكاك

٢٠٠ ـ عنه ، عن علي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله تبارك وتعالى : «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » فقال الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به ولكنه فلج فلم يكن له عذر

بنفي للخرور ، وإنما هو إثبات له ، ونفي للصمم والعمى ، كما تقول : لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام ، لا للقاء ، والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها ، وهم في إكبابهم عليها ، سامعون بأذان واعية ، مبصرون بعيون راعية ، لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها ، مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها ، وهم كالصم العميان ، حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها كالمنافقين وأشباههم(٣) .

قوله عليه‌السلام: « مستبصرين » أي أكبوا وأقبلوا مستبصرين.

الحديث المائتان : في بعض النسخ عن علي ، عن إسماعيل وهو الظاهر ، فالخبر ضعيف ، وفي بعضها عن علي بن إسماعيل فهو مجهول.

قوله عليه‌السلام: « فلج فلم يكن له عذر » يقال : فلج أصحابه وعلى أصحابه إذا غلبهم أي صار مغلوبا بالحجة فليس له عذر فالمراد أنه ليس لهم عذر حتى يؤذن لهم فيعتذروا.

قال البيضاوي : عطف يعتذرون على يؤذن ليدل على نفي الإذن ، والاعتذار عقيبه مطلقا ، ولو جعله جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن ، وأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه(٤) .

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧٣.

(٢) سورة المرسلات : ٣٦.

(٣) الكشّاف : ج ٣ ص ٢٩٥.

(٤) أنوار التنزيل ج ٢ ص ٥٣١.

٦٦

٢٠١ ـ علي ، عن علي بن الحسين ، عن محمد الكناسي قال حدثنا من رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عز ذكره : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(١) قال هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلونه إليهم فيعيه هؤلاء وتضيعه هؤلاء فأولئك الذين يجعل الله عز ذكره لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون وفي قول الله عز وجل «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ »(٢) قال الذين يغشون الإمام إلى قوله عز وجل : «لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ » قال لا

الحديث الحادي والمائتان : مرفوع.

قوله تعالى : « مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » أي من حيث لا يظن.

قوله عليه‌السلام: « قوم فوقهم » أي في القدرة والمال« فيعيه هؤلاء » أي الفقراء ، والحاصل أن البدن كما يتقوى بالرزق الجسماني ، وتبقى حياته به ، فكذلك الروح يتقوى ، وتحيي بالأغذية الروحانية من العلم والإيمان والهداية والحكمة ، وبدونها ميت في لباس الأحياء ، فمراده عليه‌السلام أن الآية كما تدل على أن التقوى سبب لتيسر الرزق الجسماني وحصوله من غير احتساب ، فكذلك تدل على أنها تصير سببا لتيسر الرزق الروحاني الذي هو العلم والحكمة من غير احتساب ، وهي تشملهما معا.

قوله تعالى : « حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » قال البيضاوي : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، يعني يوم القيامة ، أو النار من قوله تعالى : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ »(٣) .

قوله عليه‌السلام: « الذين يغشون الإمام » فسرها عليه‌السلام بالجماعة الغاشية الذين يغشون

__________________

(١) سورة الطلاق : ٣.

(٢) سورة الغاشية : ٢.

(٣) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٥٥٥.

٦٧

ينفعهم ولا يغنيهم لا ينفعهم الدخول ولا يغنيهم القعود.

٢٠٢ ـ عنه ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ

الإمام ، أي يدخلون عليه من المخالفين فلا ينفعهم الدخول عليه ، ولا يغنيهم القعود لعدم إيمانهم وجحودهم ، فالمراد بالطعام على هذا البطن الطعام الروحاني أي ليس غذاؤهم الروحاني إلا الشكوك والشبهات ، والآراء الفاسدة التي هي كالضريع ، في عدم النفع والإضرار بالروح ،فقوله تعالى : « لا يُسْمِنُ » لا يكون صفة للضريع ، بل يكون الضمير راجعا إلى الغشيان وتكون الجملة مقطوعة على الاستئناف.

ويحتمل أن يكون صفة للضريع أيضا ، ويكون المراد أنه لا يعلمهم الإمام ، لكفرهم وجحودهم وعدم قابليتهم إلا ما هو كالضريع ، مما يوافق آراءهم تقية منهم كما أنه تعالى يطعم أجسادهم الضريع في جهنم ، لعدم استحقاقهم غير ذلك.

ويحتمل أن يكون المراد الذين يغشون أي يحيطون بالقائم عليه‌السلام من المخالفين والمنافقين ، فالإمام يحكم فيهم بعلمه ، ويقتلهم ويوصلهم إلى طعامهم المهيأ لهم في النار من الضريع ، ولا ينفعهم الدخول في عسكر الإمام عليه‌السلام لعلمه بحالهم ، ولا القعود في بيوتهم ، لعدم تمكينه إياهم.

الحديث الثاني والمائتان : موثق على الأظهر.

قوله تعالى : « مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ » قال البيضاوي(١) : ما يقع من تناجي ثلاثة ويجوز أن يقدر مضاف أو يأول نجوى بمتناجين ، ويجعل ثلاثة صفة لها ، واشتقاقها من النجوة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن ، لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه «إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ » إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الإطلاق عليها ، والاستثناء من أعم الأحوال «وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٤٦٠.

٦٨

إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »(١) قال نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبي عبيدة الجراح وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوافقوا لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوة أبدا فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية قال قلت قوله عز وجل : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ »(٢) قال وهاتان الآيتان نزلتا فيهم ذلك اليوم قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعلك ترى أنه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلا يوم قتل الحسين عليه‌السلام وهكذا كان في سابق علم الله عز وجل الذي أعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين وخرج الملك من بني هاشم فقد كان ذلك كله قلت «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ »(٣) قال الفئتان إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة وهم أهل هذه الآية وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه‌السلام فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله

وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة ، فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لأن الله وتر ، يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما «وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ » ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين «وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ » يعلم ما يجري بينهم «أَيْنَ ما كانُوا » فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني ، حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة «ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ » تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء «إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواءقوله عليه‌السلام: « قال الفئتان » تفسير للطائفتين.

__________________

(١) سورة المجادلة : ٧.

(٢) سورة الزخرف : ٧٩ ـ ٨٠.

(٣) سورة الحجرات : ٩.

٦٩

ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم لأنهم بايعوا طائعين غير كارهين وهي الفئة الباغية كما قال الله تعالى فكان الواجب على أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل مكة إنما من عليهم وعفا وكذلك صنع أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بأهل مكة حذو النعل بالنعل قال قلت قوله عز وجل : «وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى »(١) قال هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت «وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ »(٢) قال أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم

قوله عليه‌السلام: « لأنهم بايعوا طائعين » هذا لبيان كفرهم وبغيهم على جميع المذاهب فإن مذهب المخالفين أن مدار وجوب الإطاعة على البيعة فهم بايعوا غير مكرهين ، فإذا نكثوا فهم على مذهبهم أيضا من الباغين.

قوله تعالى : « وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى » فسرها المفسرون بالقرى التي ائتفكت بأهلها ، أي انقلبت ، وهي قرى قوم لوط ، أهواها أي أسقطها بعد أن رفعها فقلبها(٣) وفسرها عليه‌السلام بالبصرة ، وقد ورد في أخبار العامة والخاصة أنها إحدى المؤتفكات.

وفي تفسير علي بن إبراهيم أنها ائتفكت بأهلها مرتين ، وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة ،(٤) وفي النهاية وفي حديث أنس « البصرة إحدى المؤتفكات » يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها(٥) انتهى ، ولا استبعاد في حملها على الحقيقة.

__________________

(١) سورة النجم : ٥٣.

(٢) سورة التوبة : ٧٠.

(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ١٨٣.

(٤) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٣٤٠.

(٥) النهاية : ج ١ ص ٥٦.

٧٠

٢٠٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن حنان قال سمعت أبي يروي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك فقال أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا نسبي وهذا حسبي قال فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلمان رضي‌الله‌عنه يكلمهم فقال له سلمان يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب من أنت وما أصلك وما حسبك فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فما قلت له يا سلمان قال قلت له أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا نسبي وهذا حسبي ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه ومروءته خلقه وأصله عقله وقال الله عز وجل : «إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ »(١) ثم قال النبي

الحديث الثالث والمائتان : مجهول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « حسب الرجل دينه » الحسب : الشرافة ، ويطلق غالبا على الشرافة الحاصلة من جهة الآباء.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « ومروته خلقه » المروءة مهموزة : الإنسانية مشتقة من المرء ، وقد تخفف بالقلب والإدغام.

قوله تعالى : « إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى » أي من آدم وحواء أو خلقنا

__________________

(١) سورة الحجرات : ١١.

٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل.

٢٠٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما ولي علي عليه‌السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم قال فقام إليه عقيل فقال له والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواء فقال اجلس أما كان هاهنا أحد

كل واحد منكم من أب وأم ، فالكل سواء في ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، وقيل : هو تقرير للأخوة المانعة عن الاغتياب «وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ » الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد ، وهو يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن يجمع الأفخاذ ، والفخذ يجمع الفضائل «لِتَعارَفُوا » أي ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء ، والقبائل «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » فإن التقوى بها تكمل النفوس ، ويتفاضل الأشخاص فمن أراد شرفا فليلتمس منها.

الحديث الرابع والمائتان : حسن.

قوله عليه‌السلام: « لا أرزؤكم » قال الجوهري : يقال : ما زرأته ماله ، وما رزئته ماله ، أي ما نقصته(١) انتهى ، والفيء : الغنيمة والخراج ، واليثرب مدينة الرسول ، أي ما أنقصكم من غنائمكم وخراجكم ما بقي لي عذق بالفتح ، أي نخلة بالمدينة.

قوله عليه‌السلام: « فليصدقكم أنفسكم » يقال : صدقه الحديث أي قال له صدقا أي ارجعوا إلى أنفسكم ، وأنصفوا وليقل أنفسكم لكم صدقا في ذلك.

قوله عليه‌السلام: « الله » بالكسر أي والله.

__________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٥٢.

٧٢

يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى.

٢٠٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الصفا فقال يا بني هاشم يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم وإني شفيق عليكم وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله لا تقولوا إن محمدا منا وسندخل مدخله فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقون ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخرة ألا إني قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم وفيما بيني وبين الله عز وجل فيكم.

٢٠٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال رأيت كأني على رأس جبل والناس يصعدون إليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء وجعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق منهم أحد

قوله عليه‌السلام: « إلا بسابقة أو بتقوى » أي وأنت عارضهما ، وليس الفضل بالنسب حتى تفتخر به ، أو المراد أن الفضل لا يكون إلا بهما وهما لا يصلحان سببا لتوفير الفيء.

الحديث الخامس والمائتان : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « أفلا أعرفكم » استفهام إنكاري أي بلى أعرفكم كذلك ، وفي بعض النسخ [ إلا فلا أعرفكم ] أي لا تكونوا كذلك حتى أعرفكم في ذلك اليوم هكذا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « قد أعذرت إليكم » يقال : أعذر إليه أي أبدى عذره وأثبته.

الحديث السادس والمائتان : صحيح.

قوله عليه‌السلام: « وجعل الناس يتساقطون عنه » لعله إشارة إلى الفتن التي

٧٣

إلا عصابة يسيرة ففعل ذلك خمس مرات في كل ذلك يتساقط عنه الناس ويبقى تلك العصابة أما إن قيس بن عبد الله بن عجلان في تلك العصابة قال فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من خمس حتى هلك.

٢٠٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال حدثني أبو بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن رجلا كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له انطلق فصل على أبي جعفر عليه‌السلام فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر عليه‌السلام قد توفي.

٢٠٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها »(١) بمحمد هكذا والله نزل بها ـ جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

حدثت بعده ، صلوات الله عليه في الشيعة فارتدواقوله عليه‌السلام: « أما إن قيس بن عبد الله ابن عجلان » أقول : روى الكشي ، عن حمدويه بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن النضر ، مثله ، وفيه أما إن ميسر بن عبد العزيز وعبد الله بن عجلان في تلك العصابة ، فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من سنتين حتى هلك صلوات الله عليه(٢) وقيس غير مذكور في كتب الرجال.

الحديث السابع والمائتان : صحيح وضميرعنه راجع إلى أحمد.

الحديث الثامن والمائتان : مرسل.

ورواه العياشي عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه(٣) ، ولعلهما سقطا في هذا السند ، وفي بعض النسخ هكذا وهو الظاهر.

قوله تعالى : « عَلى شَفا حُفْرَةٍ » أي طرفها ومشرفا على السقوط فيها بسبب الكفر والمعاصي.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٠٣.

(٢) رجال الكشّيّ. ج ٢ ص ٥١٢.

(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ١ ص ١٩٤.

٧٤

٢٠٩ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ »(١) هكذا فاقرأها.

٢١٠ ـ عنه ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » وسلموا للإمام تسليما «أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ » رضا له «ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ » أن أهل الخلاف «فَعَلُوا

الحديث التاسع والمائتان : ضعيف.

قوله تعالى : « لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ » لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة «حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ » كذا فيما روي من القراءات أي من بعض ما تحبون من المال أو ما يعمه وغيره ، كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة الله ، أو المهجة في سبيله ، وقيل « من » للتبيين ، وفي أكثر نسخ الكتاب [ ما تحبون ] أي جميع ما تحبون ، وقال عليه‌السلامهكذا فاقرأها ، وهذا يدل على جواز التلاوة على غير القراءات المشهورة ، والأحوط عدم التعدي عنها ، لتواتر تقرير الأئمة عليهم‌السلام أصحابهم على القراءات المشهورة ، وأمرهم بقراءتهم كذلك ، والعمل بها حتى يظهر القائم عليه‌السلام.

الحديث العاشر والمائتان : حسن أو موثق.

قوله تعالى : « أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » أي عرضوا أنفسكم للقتل بالجهاد ، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل ، وأن مصدرية أو مفسرة ، لأن « كتبنا » ، في معنى أمرنا.

قوله عليه‌السلام: « وسلموا » ظاهر الخبر أنه كان داخلا في الآية في قرآنهم عليهم‌السلام ويحتمل أن يكون من كلامه عليه‌السلام إضافة للتفسير ، أي المراد بالقتل القتل الذي يكون في أمر التسليم للإمام عليه‌السلام ، والاحتمالان جاريان فيما يذكر بعد ذلك.

قوله عليه‌السلام: « رضى له » أي يكون خروجكم لرضا الإمام عليه‌السلام ، أو على وفق رضاه عليه‌السلام« ولو أن أهل الخلاف » على الاحتمال الثاني بيان لمرجع ضمير « هم »

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٢.

٧٥

ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً »(١) وفي هذه الآية «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ » من أمر الوالي و «يُسَلِّمُوا » لله الطاعة «تَسْلِيماً »(٢) .

٢١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبي جنادة الحصين بن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب «وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً »(٣)

في قوله تعالى : «وَلَوْ أَنَّهُمْ ».

قوله تعالى : « وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » أي في دينهم ، لأنه أشد لتحصيل العلم ، ونفي الشك أو تثبيتا لثواب أعمالهم ونصبه على التميز.

قوله عليه‌السلام: « الطاعة » أي لله أو للإمام عليه‌السلام

الحديث الحادي عشر والمائتان : مجهول.

قوله تعالى : « أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ » أي من النفاق ، فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » أي عن عقابهم ، لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم ، كذا قيل.

قوله عليه‌السلام: « فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء » ظاهر الخبر أن هاتين الفقرتين كانتا داخلتين في الآية ويحتمل أن يكون عليه‌السلام أو ردهما للتفسير ، أي إنما أمر تعالى بالإعراض عنهم ، لسبق كلمة الشقاء عليهم ، أي علمه تعالى بشقائهم ، وسبق تقدير العذاب لهم ، لعلمه بأنهم يصيرون أشقياء بسوء اختيارهم ، ولعل الأمر بالإعراض لعدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم ، والحزن على عدم قبولهم ، أو جبرهم على الإسلام ، ثم أمر تعالى بموعظتهم لإتمام الحجة عليهم فقال : «وَعِظْهُمْ » أي بلسانك وكفهم عما هم عليه ، وتركه في الخبر إما من النساخ أو لظهوره ، أو لعدمه في مصحفهم عليهم‌السلامقوله تعالى : « وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ » أي في معنى أنفسهم أو خاليا بهم

__________________

(١) سورة النساء : ٦٦.

(٢) سورة النساء : ٦٤.

(٣) سورة النساء : ٦٣ وفي المصحف «وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً بَلِيغاً. ».

٧٦

٢١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال تلا أبو جعفر عليه‌السلام : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(١) فإن خفتم تنازعا في الأمر فأرجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم ثم قال كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ».

( حديث قوم صالح عليه‌السلام )

٢١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل جبرئيل عليه‌السلام كيف كان مهلك قوم صالح عليه‌السلام فقال يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ

فإن النصح في السر أنجع «قَوْلاً بَلِيغاً » أي يبلغ منهم ويؤثر فيهم.

الحديث الثاني عشر والمائتان : حسن.

قوله عليه‌السلام: « فإن خفتم تنازعا » ظاهره أنها هكذا نزلت ، ويحتمل أن يكون الغرض تفسير الآية بأنه ليس المراد تنازع الرعية وأولي الأمر ، كما ذهب إليه أكثر المفسرين ، بل هو خطاب للمأمورين الذين قيل لهم «أَطِيعُوا اللهَ » أي إن اشتبه عليكم أمر وخفتم فيه تنازعا ، لعدم علمكم به ، «فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ » والرد إلى أولي الأمر أيضا داخل في الرد إلى الرسول ، لأنهم إنما أخذوا علمهم عنه ، وظاهر كثير من الأخبار أن قوله : «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » كان مثبتا هيهنا فأسقط.

حديث قوم صالح عليه‌السلام

الحديث الثالث عشر والمائتان : حسن.

قوله عليه‌السلام: « إلى ظهرهم » أي إلى ظهر بلدهم.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

٧٧

عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير قال وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عز وجل فلما رأى ذلك منهم قال يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني قالوا قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه قال فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا فلما أن فرغوا دعوه.

فقالوا يا صالح سل فقال لكبيرهم ما اسم هذا قالوا فلان فقال له صالح يا فلان أجب فلم يجبه فقال صالح ما له لا يجيب قالوا ادع غيره قال فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شيء فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما لك لا تجيبين صالحا فلم تجب فقالوا تنح عنا ودعنا وآلهتنا ساعة ثم نحوا بسطهم وفرشهم ونحوا ثيابهم وتمرغوا على التراب وطرحوا التراب على رءوسهم وقالوا لأصنامهم لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن قال ثم دعوه فقالوا يا صالح ادعها فدعاها فلم تجبه فقال لهم يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبوني فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور

قوله عليه‌السلام: « لكبيرهم » أي لكبير الأصنام بناء على زعمهم ، حيث يعدونها من ذوي العقول.

قوله عليه‌السلام: « فانتدب » على البناء الفاعل ، قال الجوهري : ندبه الأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب(١) .

قوله عليه‌السلام: « شقراء » أي شديدة الحمرة(٢) وبراء أي كثير الوبر(٣) عشراء

__________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) المصباح ج ٢ ص ٣٨٥.

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٣٦٢.

٧٨

إليهم منهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا فقال لهم صالح عليه‌السلام سلوني ما شئتم فقالوا تقدم بنا إلى هذا الجبل وكان الجبل قريبا منهم فانطلق معهم صالح فلما انتهوا إلى الجبل قالوا يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء بين جنبيها ميل فقال لهم صالح لقد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي جل وعز قال فسأل الله تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ـ ثم خرج سائر جسدها ثم استوت قائمة على الأرض فلما رأوا ذلك قالوا يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها فسأل الله عز وجل ذلك فرمت به فدب حولها فقال لهم يا قوم أبقي شيء قالوا لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك قال فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا وقالوا سحر وكذب قالوا فانتهوا إلى الجميع فقال الستة حق وقال الجميع كذب وسحر قال فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها.

أي أتى على حملها عشرة أشهر.

قوله عليه‌السلام: « بين جنبيها ميل » أي يكون عرضها قدر ميل ، أي ثلث فرسخقوله عليه‌السلام: « ثم لم يفجأهم » أي لم يظهر لهم فجأة شيء « إلا رأسها ».

قوله عليه‌السلام: « حتى اجترت » الاجترار : هو ما يفعله بعض الدواب من إخراجها ما في بطنها مضغة وابتلاعه ثانيا.

قوله عليه‌السلام: « فانتهوا إلى الجميع » قال الجوهري(١) : الجميع : ضد المتفرق

__________________

(١) الصحاح ج ٣ ص ١٢٠٠.

٧٩

قال ابن محبوب فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام قال فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل.

٢١٤ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ »(١) قال هذا كان بما كذبوا به صالحا وما أهلك الله عز وجل قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منه.

والجميع الجيش ، والجميع الحي المجتمع.

قوله : « وجبل آخر » والحاصل أنه رأى جبلين بينهما قدر ميل بقدر عرض البعير ، وكان في كل من الجبلين أثر جنبها.

الحديث الرابع عشر والمائتان : ضعيف.

قوله تعالى : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ » قال البيضاوي(٢) : بالإنذارات أو المواعظ أو الرسل «فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا » من جنسنا وجملتنا لا فضل له علينا ، وانتصابه بفعل يفسره ما بعده «واحِداً » منفردا لا تبع له أو من آحادهم دون أشرافهم «نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » جمع سعير كأنهم عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له وقيل : السعر الجنون ، ومنه ناقة مسعورة «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ » الكتاب والوحي «عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا » وفينا من هو أحق منه بذلك «بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ » حمله

__________________

(١) سورة القمر : ٢٤ ـ ٢٦.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٤٣٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الامتثال لكلّ ما يأمر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واتباعه في كلّ شيء.

فلو فرضنا أنّ الأنبياء موجودون في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونصّ على إمامة الأئمّةعليهم‌السلام ، وأمر بأتباعهم ، فهل يسع الأنبياء مخالفة ذلك؟

وحينئذ نسأل أيّهما أفضل الإمام أم المأموم؟ والتابع أم المتبوع؟ وإذا ثبتت أفضليتهم في هذا الحال ، فهي ثابتة في كلّ الأحوال ، فليس هناك ما يمنع من أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام على سائر الأنبياء ، لا عقلاً ولا شرعاً.

الرابع : إنّ أهل السنّة رووا في كتبهم : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل )(١) ، أو بمنزلة أنبياء بني إسرائيل ونحو ذلك ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يفتخر بعلماء أُمّته يوم القيامة ، فإذا كان العالم المسلم من أُمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم؟ ونوهّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستغنوا عن الناس في المعارف والعلوم ، واحتياج الناس إلى علومهم ومعارفهم.

الخامس : في صفة منبر الوسيلة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه منبر يؤتى به في يوم القيامة ، فيوضع عن يمين العرش ، فيرقى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ يرقى من بعده أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيجلس في مرقاة دونه ، ثمّ الحسن في مرقاة دونه إلى آخرهم ، ثمّ يؤتى بإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء ، فيجلس كلّ واحد على مرقاته من دون المراقي(٢) .

هذا ، وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام على الأنبياءعليهم‌السلام ، ما عدا جدّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذهب جماعة إلى أنّهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أُولي العزم ـ فهم أفضل من الأئمّة ـ وبعضهم إلى مساواتهم ، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ

____________

١ ـ كشف الخفاء ٢ / ٦٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٣٢٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٣٣٧ ، فيض القدير ١ / ٢١.

٢ ـ اللمعة البيضاء : ٢١٧.

١٨١

أكثر المتأخّرين على أفضلية الأئمّة على أُولي العزم وغيرهم ، وهو الرأي الصحيح.

وهناك الكثير من الأدلّة على أفضلية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام على جميع الأنبياء والمرسلين ، أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة عليك ، وللتعرّف على المزيد ، راجع الكتب الآتية :

اللمعة البيضاء للتبريزيّ الأنصاريّ ، أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام لمركز المصطفى ، تفضيل الأئمّةعليهم‌السلام للسيّد علي الميلانيّ.

ويمكن أن نستدلّ بطريقة أُخرى ، وهي :

١ ـ أن نثبت الإمكان العقلي ، بأن يكون هناك شخص أفضل من الأنبياء حتّى أُولي العزم ، وهذا واضح فهو ليس بعزيز على الله ولا يلزم منه محذور.

٢ ـ أن نثبت الوقوع والوجود لمثل هذا الشخص بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام أوّل الأئمّة ، بأدلّة عديدة :

منها : مساواته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما عدا النبوّة ، كما في آية المباهلة ، فهو نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبيّ أفضل ؛ فنفسه وهو علي أفضل.

ومنها : حديث الطائر ، ومفاده أنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ، وكذلك أحاديث تشبيه عليعليه‌السلام بالأنبياءعليهم‌السلام .

٣ ـ أن نثبت وقوع الأفضلية لإمام آخر ، وهو المهديّعليه‌السلام من خلال ما تواتر من صلاة عيسى خلفه ، وأنّه من اتباعه.

٤ ـ أن نوسّع ما ثبت أعلاه حتّى يشمل بقية الأئمّةعليهم‌السلام ، أمّا بأحد الأدلّة المذكورة في الجواب الأوّل ، أو بطريق الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام أنفسهم ، كما أوردنا آنفاً ، بعد أن أثبتنا أفضلية عليعليه‌السلام ، والمهديّ من القرآن وروايات أهل السنّة ، وكذلك أنّ الأئمّة كلّهم نور واحد ، وغيرها.

٥ ـ وبعضهم استدلّ بوجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام ـ وعدم وجوب معرفة الأنبياء كلّهم ـ على أفضليتهم على الأنبياء.

١٨٢

( أحمد ـ ـ )

على الشيخين :

س : الله يعطيكم العافية على جهودكم الجبّارة.

سمعت في إحدى حلقات مناظرة قناة المستقلّة : أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يؤنّب كلّ من يقول بأفضلية الإمام علي عليه‌السلام على أبي بكر وعمر ، وأنّه عليه‌السلام له مناظرات معهم في ذلك ، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : هذه الشبهة والدعوى ليست جديدة أو وليدة الساعة ، وإنّما استغلّت الوسائل الحديثة ، ومنها المحطّات الفضائية ، وقناة المستقلّة بالخصوص في هذا الوقت لنشرها ، وغيرها من الشبهات بصورة واسعة ، محاولة لتشكيك عوام الشيعة في عقائدهم ، ولابأس أن تسأل عمّا يحدث من عقد صفقات مع هذه القناة بالخصوص وراء الكواليس ، وعلى كلّ فهذا ليس موضوعنا الآن!

نعود إلى موضوع الشبهة ، فقد طرحه ابن حجر الهيتميّ في ( الصواعق المحرقة ) ، وقد نقل عدّة روايات عن الدارقطنيّ وغيره من العامّة ، يوحي ظاهرها بما نسب للإمام الصادقعليه‌السلام في أصل الشبهة ، وتبعه غيره منهم إحسان إلهيّ ظهير ، وقد أخذ ذلك منه عثمان الخميس ، ليس هذه الشبهة فحسب ، وإنّما كلّ ما يطرحه سواء على المستقلّة أو في محاضراته ومناظراته الأُخرى.

وعلى كلّ ، فإنّي لم استطع أن أخرج هذه الروايات عن الدارقطنيّ لا من سننه ولا من علله ، فربّما نقلت في كتاب آخر له لم يحضرني ، ولكن مع ذلك فقد روى جلّها المزّي في ( تهذيب الكمال ) ، والذهبيّ في ( سير أعلام النبلاء ) ، وابن حجر العسقلانيّ في ( تهذيب التهذيب ) ، وكذا رويت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل.

والغرض من إيرادها في الكتب الثلاثة الأُولى للرجال واضح ، وهو تأكيد فحوى الشبهة المطروحة ، فإنّهم لا يستطيعون التخلّي عن الإمام الصادقعليه‌السلام والسكوت عنه ، وكذا لا يستطيعون الترجمة له بما هو مشهور عن مذهب أهل

١٨٣

البيتعليهم‌السلام ، وما هو معروف عند الشيعة الإمامية ، فاضطرّوا إلى نقل مثل هذه الروايات عنه للادعاء بأنّهعليه‌السلام على مذهب السنّة ، وهو موضوع الشبهة الأصلي كما تعرف ، حيث كان يكرّر عثمان الخميس أنّ جعفرنا غير جعفركم ، وهو نوع من المغالطة.

على كلّ ، فإنّ ما نقل من الروايات بعضه الأكثر عن سالم بن أبي حفصة وهو ضعيف ، كان زيدياً بترياً ، وقد ضعّفه الألبانيّ عندهم ، ومن الواضح أنّ من مثله يتقيّ منه الإمامعليه‌السلام ، وبعضها الآخر إمّا عن غيره من الضعفاء أو رجال العامّة ، وأمّا ظاهرة واضحة في التقيّة ، أو لا تدلّ على المطلوب أصلاً.

وقد أجاب عن أكثرها القاضي التستري في ( الصوارم المهرقة ) ، الذي هو ردّ على ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر الهيتميّ.

ثمّ أنّ ما ذُكر في أصل الشبهة مجمل يراد به خلط الأوراق وإيهام السامع ، إذ يجب أن تطرح الشبهة على عدّة أقسام :

١ ـ أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان ينهى عن سبّ ولعن الشيخين ، أو أن يفاضل أحد بينهما وبين عليعليه‌السلام .

٢ ـ أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يقول بأفضليتهما على جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٣ ـ أنّه كان يرجو شفاعتهما يوم القيامة.

٤ ـ أنّه كان يتولاّهما.

٥ ـ أنّه كان يعتقد بأنّهما تسلّما موضع الخلافة عن حقّ.

٦ ـ أنّه كان يعتقد أنّهما لم يظلما فاطمةعليها‌السلام ، أو أهل البيتعليهم‌السلام عموماً ، ولم يغتصبا حقّهم.

ولعلّ بعض الأقسام داخلة في البعض ، ونحن نحاول أن نجيب على بعضها مختصراً ، ونكتفي به عن الجواب عن الباقي من الأقسام.

وللجواب نقدّم مقدّمة وهي : إنّ كلّ ما روي من طرق الآخرين ليس حجّة علينا ، وإنّما الحجّة أن تكون من طرقنا ، هذا فضلاً عمّا ذكرناه سابقاً

١٨٤

من الحمل على التقيّة ، وضعف السند ، وعدم الدلالة على المطلوب ، وعليه بعد التسليم بصحّة طرق هذه الروايات عندهم ، أو أنّ بعضها يدعم البعض ، نقول :

الجواب على الأوّل : في الروايات التي فيها نهي عن السبّ ، فنحن أيضاً نقول به ، إذ ليس من أخلاق أئمّتنا السبّ ، أو أنّهم يرضون لشيعتهم أن يسبّوا أعدائهم ، ونهي أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه عن سبّ أصحاب معاوية معروف مشهور.

وأمّا النهي عن اللعن والتفضيل ، فالتقيّة لحفظ كيان الطائفة من الأُمور الواجبة ، وسيأتي لعنهما منهعليه‌السلام في غير مورد التقيّة.

وعلى الثاني : بغض النظر عن أدلّة الشيعة في فضل عليعليه‌السلام وأنّه مساوٍ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفسه بآية المباهلة ، أُورد لك هنا حديثين عن الإمام الصادقعليه‌السلام من عشرات الأحاديث عنه ، وعن باقي الأئمّة ، وعليك باستخراج الباقي.

روى الشيخ الصدوق بسنده عن التميميّ قال : حدّثني سيّدي علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام قال : (حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أخي الحسن بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال لي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر )(١) .

وعن سنان بن طريف عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : اشهد أن لا اله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ـ ثلاثاً ـ )(٢) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٣٦.

٢ ـ الكافي ١ / ٤٤١.

١٨٥

فمن يروي مثل هذه الأحاديث كيف يفضّل على جدّه عليعليه‌السلام غيره كائناً من كان؟ وأرجو الانتباه أنّه هنا لا يجدي تضعيف مثل هذه الروايات الذي ربما يلجأ إليه الخصم ، وذلك لكثرة الصحيح منها ، ثمّ أنّها تدخل في التواتر مضموناً ـ فلاحظ ـ.

وعلى الثالث : فعن محمّد بن المثنى الأزدي : أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول : (نحن السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ )(١) .

فإذا كان الإمام الصادقعليه‌السلام هو السبب بين الله والناس ، فكيف يجعل بينه وبين الله أبو بكر وعمر سبباً ، وفي باب الشفاعة روايات صريحة لم يسعفني الوقت بتتبعها وإيرادها ، فراجع.

ولكن اسمع هذه الرواية عن حنان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول : (إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان في بني إسرائيل هودّا قومهما ونصّراهما ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، واثنان من هذه الأُمّة ، أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار )(٢) .

فإذا كانا في تابوت من نار ، فكيف يشفعان لهعليه‌السلام !

وعلى الرابع : عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج قالا : سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام ، وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال ، وأربعاً من النساء : التيمي والعدوي وفعلان ومعاوية ـ ويسميهم ـ وفلانة وفلانة وهند وأُمّ الحكم أخت معاوية(٣) ، فهل معنى هذا أنّه يتولاّهما؟!

وعلى الخامس : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٥٧.

٢ ـ ثواب الأعمال : ٢١٤.

٣ ـ تهذيب الأحكام ٢ / ٣٢١.

١٨٦

جعفر بن محمّد ، عن آبائهعليهم‌السلام قال : ( خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام خطبة بالكوفة ، فلمّا كان في أخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ وقلت : والله أنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا بن الخمّارة ، قد قلت قولاً فاسمع منّي : والله ما منعني من ذلك إلاّ عهد أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخبرني وقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي . )(١) .

فهذه صريحة بأنّهما لم يجلسا مجلس الخلافة بحقّ ، وهي عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

وعلى السادس : عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (لمّا انصرفت فاطمة عليها‌السلام من عند أبي بكر ، أقبلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجدّ في ظلامتي ، وألدّ في خصامي )(٢) ، فهي صريحة في ظلامة فاطمةعليها‌السلام .

وعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لمن كان الأمر حين قبض رسول الله؟ قال : (لنا أهل البيت ) ، فقلت : فكيف صار في تيم وعدي؟

قال : (إنّك سألت فافهم الجواب : إنّ الله تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض ، وتنكح الفروج الحرام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، خلا بين أعدائنا

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٨٠.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٦٨٣.

١٨٧

وبين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا ، وجرى الظلم على أيديهم دوننا )(١) .

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأن أقررنا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوّكم ، وإنّما يريد الله بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت وبكيت.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ) ، قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ، قال : قلت : خبّرني عن الرجلين.

قال : (ظلمانا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة عليها‌السلام ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ) ، قال ـ وأشار إلى خلفه ـ : (ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما )(٢) .

وفي ما أوردناه كفاية ، وإنّما أردنا أن نستعرض تفاصيل الجواب على هذه الشبهة وأمثالها ، من نسبة تولّي الأوّلين إلى كلّ الأئمّةعليهم‌السلام ، أو إلى بني هاشم أو أولاد فاطمة ، فإنّ الجواب عليها بالأسلوب الذي سلكناه ، وعليكم التفصيل وإيراد الشواهد ، فإنّ في الباب مئات الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وعشرات عن الإمام الصادقعليه‌السلام بالخصوص صالحة للاستشهاد بها هنا ، تفوق حدّ التواتر مضموناً ، ولا مجال للطعن فيها سنداً.

____________

١ ـ المصدر السابق : ٢٢٦.

٢ ـ الكافي ٨ / ١٠٢.

١٨٨

التقيّة :

( حمدي صالح. الكويت. سنّي )

جائزة للأدلّة الأربعة :

س : ما معنى كلمة التقيّة؟ هل تعني الكذب؟

فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني : عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقيّة ، ولا دين لمن لا تقيّة له ) ، فما المقصود بالتقيّة؟

أرجوكم أرشدوني ، فقد تزايدت صفحات المتهجّمين على إخواننا الشيعة ـ أنا سنّي أحبّ الشيعة ، لأنّكم تحبّون أهل البيت ـ ومع السلامة.

ج : إنّ التقيّة رخصة شرعيّة في كتاب الله ، وسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.

وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة :

الدليل الأوّل : القرآن :

قال تعالى :( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (١) .

فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.

وقال تعالى :( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

____________

١ ـ غافر : ٢٨.

١٨٩

بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .

فنجد الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقيّة ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمضي عمله ، ويجوّز له العمل بها.

وقد اشتهر في كتب التفسير : أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله ، حتّى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن عادوا فعد )(٢) .

وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة ، أو بالضمن على التقيّة ، وهن :

١ ـ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) (٣) .

٢ ـ الكهف : ١٩.

٣ ـ الأنعام : ١١٩.

٤ ـ البقرة : ١٩٥.

٥ ـ الحالجواب : ٧٨.

٦ ـ فصّلت : ٣٤.

الدليل الثاني : السنّة :

إنّ الروايات الدالّة على جواز التقيّة كثيرة ، منها :

____________

١ ـ النحل : ١٠٦.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٨ / ٢٠٨ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠٢ ، جامع البيان ١٤ / ٢٣٧ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٣ و ٣ / ٢٤٩ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٣٢ ، تفسير الثعالبي ٣ / ٤٤٣ ، فتح القدير ٣ / ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤١١.

٣ ـ آل عمران : ٢٨.

١٩٠

١ ـ سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن التقيّة؟ فقال : ( التقيّة من دين الله ) ، قلت : من دين الله؟

قال : (إي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف :( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ،والله ما كانوا سرقوا شيئاً ، ولقد قال إبراهيم : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) ، والله ما كان سقيماً )(١) .

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

٢ ـ أخرج البخاريّ من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته ، أنّه استأذن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ) ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلمّا دخل ألان له الكلام.

فقلت له : يا رسول الله ، قلت ما قلت ، ثمّ ألِنت له في القول؟

فقال : (أي عائشة ، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه )(٢) . الدليل الثالث : الإجماع :

اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام ، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي ، فلو كانت التقيّة غير مشروعة لكونها نفاقاً ، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد نقل الإجماع ـ على أنّ التقيّة مشروعة وجائزة ـ جمهرة من علماء السنّة ، منهم : القرطبيّ المالكيّ(٣) ، ابن كثير الشافعيّ(٤) .

الدليل الرابع : العقل أو العقلاء :

إنّ التقيّة موافقة لمقتضاه ، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧ ، المحاسن ١ / ٢٥٨.

٢ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ١٠٢.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩.

١٩١

والضرر ، من دون أن يسمّوها تقيّة.

الفتاوى والأقوال :

وأمّا فقه المذاهب الإسلاميّة ، فقد ذهبوا إلى جوازها فتجد :

١ ـ الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة ، محتجّاً بذلك بقول الصحابيّ ابن مسعود : ( ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلاّ كنت متكلّماً به )(١) .

ولاشكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول ، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه ، ولو تمّ أي الإكراه بسوطين.

٢ ـ ابن عبد البرّ المالكيّ(٢) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه ، ولو كانت التقيّة لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

وغيرهما كثير(٣) .

( علي حسين ـ السعودية ـ سنّي )

هي أمر فطري :

س : الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية : أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ، ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية.

____________

١ ـ المدونة الكبرى ٣ / ٢٩.

٢ ـ أُنظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠٣.

٣ ـ أُنظر : تفسير ابن جزي : ٣٦٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢ ، المبسوط للسرخسيّ ٢٤ / ٤٨ و ٥١ و ٧٧ و ١٥٢ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، المجموع ١٨ / ٣ ، المغني لابن قدامة ٨ / ٢٦٢.

١٩٢

وعليه نوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل ، فإنّ التقيّة أمر فطريّ ، تستعملها أنت وجميع البشرية ، من دون أن تعرف أنّها تقيّة.

فالتقيّة لا تستعمل إلاّ في حالات الخوف الشديد ، حيث يضطرّ الإنسان إلى إظهار غير ما يعتقد ، وكتمان ما يعتقد.

هذا ، وفي القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، ما هو صريح في التقيّة.

ثمّ لم نعرف مقصودك من أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة ، إذ أنّ أُصول المذهب الشيعيّ هي الأُصول والأركان الأساسيّة للدين الإسلاميّ ، والتي تقوم على أدلّة مبرهنة وواضحة ، وإنّما التقيّة حكم من أحكامها ولها أدلّتها ، ولكن ليست هي من أُصول المذهب حتّى تزعم أنّ الدين والعقيدة تقوم على أساسها.

( جعفر ـ الكويت ـ )

لا تقيّة في النبيذ والمسح على الخفّين :

س : قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : ( والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ ، والمسح على الخفّين )(١) .

أرجو منكم شرح العبارة السابقة ، وما الحكمة من ذلك؟ وشكراً لكم على جهودكم.

ج : قد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله : ( والتقيّة في كلّ شيء ) إلى أنّ التقيّة غير مختصّة بالأحكام والأعمال الدينية ، بل تكون في الأفعال العرفية أيضاً ، مثل الخلطة بهم ، وعيادة مرضاهم ، ونحوها.

وأمّا عدم التقيّة في شرب النبيذ ، ومسح الخفّين ، هو لعدم وقوع الإنكار فيهما من العامّة غالباً ، لأنّ أكثرهم يحرّمون المسكر ، ولا ينكرون خلع

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧.

١٩٣

الخفّ ، وغسل الرجلين ، بل الغسل أولى منه ، نعم ، إذا قدّر خوف ضرر نادراً جازت التقيّة.

وجاء في شرح أُصول الكافي : ( وقال الشيخ الطوسيّ : لا تقيّة فيهما لأجل مشقّة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، وإن بلغت أحدهما جازت.

ويقرب منه قول من قال : لا ينبغي الاتقاء فيهما ، وإن حصل ضرر عظيم ، ما لم يؤدّ إلى الهلاك.

وقيل : عدم الاتقاء مختصّ بالمعصومعليه‌السلام ، باعتبار أنّ الاتقاء لا ينفعه ، لكون لا حكم فيها معروفاً من مذهبه )(١) .

( ـ ـ )

مفهومها وأنواعها :

س : ورد في أحد الأخبار : أنّ معاوية أتى باثنين ، فأمرهما بسبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ففعل أحدهما فأطلقه معاوية ، وامتنع الآخر فقتله ، فلمّا سمع بذلك الإمام عليعليه‌السلام قال ما معناه : ( أمّا الأوّل فبرخصة الله أخذ ) ، فهل معنى هذا أنّه يجوز ترك العمل بالتقيّة؟

وهل توجد تقيّة اسمها تقيّة تخييرية؟

ج : هذه القصّة مروية عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في رجلين عُرض عليهما البراءة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأبى أحدهما ، ووافق الآخر تقيّة ، إلى آخر القصّة.

وطبيعي أنّ التقيّة إذا اجتمعت شروطها لاشكّ في صحّتها بل وجوبها ، كما حدّث القرآن الكريم بقوله :( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٢) ، وقوله :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (٣) .

____________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٩ / ١١٩.

٢ ـ آل عمران : ٢٨.

٣ ـ النحل : ١٠٥.

١٩٤

فالتقيّة هي أسلوب في التحفّظ على الحقّ ، حتّى لا يلزم إلحاق الضرر بالحقّ نفسه ، أو بأهل الحقّ إذا خيف من إظهاره ، ما لم يُخش على نفس الحقّ من الضياع ، فإذا تعرّض نفس الحقّ إلى الضياع بسبب التقيّة فلا تقيّة فيه ، وهذا ما يعبّر عنه بحفظ بيضة الإسلام ، أو بيضة الحقّ.

ثمّ إنّ الإنسان يكون في بعض المواقع مخيّراً بين التقيّة وعدمها ، وذلك من خلال موازنة المصالح والمفاسد ، فأحياناً تكون التقيّة واجبة ، وأحياناً محرّمة ، وأحياناً يتخيّر الإنسان ، والظاهر من الرواية أنّ الموقع كان موقع تخيير ، وهذا هو معنى التقيّة التخييرية.

هذا بناءً على صحّة الرواية ، والله أعلم.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة :

س : ذكر الشيخ السبحانيّ في المسح على الخفّين على ضوء الكتاب والسنّة :

١ ـ روى الشيخ الطوسيّ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقيّ منهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ )(١) .

ووجدت في العروة الوثقى : ( يجوز المسح على الحائل ـ كالقناع والخف والجورب ونحوها ـ في حالة الضرورة من تقيّة ، أو برد يخاف منه على رجله )(٢) .

والسؤال هو : أنّ في الحديث يقول الإمام بعدم جواز التقيّة في المسح على الخفّ ، وفي المسألة عكس ذلك؟ ودمتم موفّقين.

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٦٢.

٢ ـ العروة الوثقى : ٦٩.

١٩٥

ج : الأحكام الفقهيّة لا تستنبط عادةً من رواية واحدة وإن كانت صحيحة ، بل من مجموع النصوص الواردة في المسألة ، أي يجب على الفقيه أن يتتبّع كافّة الأحاديث المتعلّقة بالموضوع ، ثمّ يميّز المعتبر منها ، ويرى وجه الجمع بينها إن كانت متعارضة من حيث الدلالة ، ثمّ يخرج بالنتيجة التي تعتبر فتواه.

فلربما حديث صحيح سنداً ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بسبب معارضته بمثله مدلولاً ، فيطرح في مقام الاستدلال.

وفي موضوع س : وردت روايات كثيرة ـ فيها معتبرات ـ على جواز أو وجوب التقيّة مطلقاً ـ أي في كافّة الموارد ـ فيتعارض إطلاق هذه الأخبار مع صحيحة زرارة.

وفي هذا المقام ذكر الفقهاء عدّة وجوه للجمع بين الطرفين :

منها : أنّ صحيحة زرارة تحمل على نفي وجوب التقيّة في تلك الموارد ، والأخبار المطلقة تنصرف إلى جواز التقيّة من دون وجوب ؛ فتكون التقيّة في هذه الموارد الثلاث جائزة ، وفي غيرها واجبة.

ولعله مراد زرارة حيث علّق في ذيل الصحيحة المذكورة فقال : ولم يقلعليه‌السلام : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهن أحداً.

منها : المراد من نفي التقيّة في هذه الموارد المذكورة ، نفيها موضوعاً لا حكماً ؛ أي لا فرض للتقيّة غالباً في تلك الموارد ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها ، فلا يكون في ترك المسح على الخفّين خوف الضرر.

وبعبارة أُخرى : بما أنّ غير الشيعة يختلفون في هذه المسألة ، فتوجد هناك مندوحة ورخصة عملية في ترك المسح على الخفّ ، بل المسح على البشرة ، فإن اطلع على هذا العمل أحد منهم ، يتوهّم أنّه على مذهب من مذاهبهم.

١٩٦

التكتّف :

( ـ أمريكا ـ )

الظاهر أنّه من محدثات عمر :

السؤال : أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم‌السلام ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف ، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً.

ج : الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : ( حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع )(١) .

ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه ، بل وترى كراهيّته في الفرائض(٢) ، خصوصاً أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة ، وسفيان

____________

١ ـ جواهر الكلام ١١ / ١٩.

٢ ـ أُنظر : المدونة الكبرى ١ / ٧٤ ، بداية المجتهد ١ / ١١٢ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، نيل الأوطار ٢ / ٢٠٠ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المبسوط للسرخسيّ ١ / ٢٠.

١٩٧

وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال(١) .

وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : ( أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله )(٢) .

ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه ـ مع أنّ كيفية صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم ـ هل يعقل أن يكون من السنّة؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب(٣) .

ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم.

( ـ ـ )

ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه :

س : هل توجد أدلّة نقلية ، وخاصّة من الكتب السنّية ـ مثل البخاريّ أو مسلم أو غيره ـ تثبت أنّ رسول الله لم يصلّي متكتّفاً بل صلّى مسبلاً ، لأنّه تسبّب لي بعض المضايقات ، حيث يسألوني بعض الأصدقاء : لماذا أخالفهم

____________

١ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.

٢ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٤٢٨ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، الشرح الكبير ١ / ٥١٤ ، عمدة القارئ ٥ / ٤٠٧.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٩٩ ، دعائم الإسلام ١ / ١٥٩ ، علل الشرائع ٢ / ٣٥٨.

١٩٨

في الصلاة؟ وبأنّ الرسول كان يصلّي متكتّفاً ، ولم يصلّي يوماً مسبلاً ، ودمتم في رعاية الله وحفظه.

ج : وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تنهى عن التكتّف في الصلاة ، ولهذا حكم فقهاؤنا ببطلان الصلاة به ، وللوقوف على بعض تلك الروايات ، راجع كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العامليّ / كتاب الصلاة / باب ١٥ من قواطع الصلاة ح ١ ـ ح ٧.

فإنّه ورد لا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس. والتكتّف في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل.

ولو كان التكتّف ثابتاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لشاع واشتهر ، إذ أنّ الصلاة تؤدّى في كلّ يوم خمس مرّات كفرض ، ما عدا المندوب.

هذا ويرى مالك عدم وجوب التكتّف ، بل يرى كراهيته في الفرائض(١) .

ويرى الشافعيّ وأبو حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور وداود إلى استحباب التكتّف لا وجوبه ، وهذا دليل على أنّ التكتّف ليس من واجبات الصلاة فيجوز تركه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال(٢) .

ثمّ إنّ حجّة الجمهور في استحباب التكتّف هو أوّلاً : حديث وائل بن حجر ـ الذي انفرد به مسلم في صحيحه ـ أنّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع(٣) .

وفيه : أوّلاً : كيف رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى بعدما التحف بثوبه؟

وثانياً : رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى لا تدلّ على استحباب

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المجموع ٣ / ٣١١.

٢ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٣.

١٩٩

العمل ـ كما هم يزعمون ـ بل تدلّ على جواز العمل.

والحجّة الثانية هو : حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم : لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ، ولم يقل : ينمي(١) .

وفيه : ما هو الدليل على أنّ الآمر هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ بل نفس الأمر شاهد على أنّه أمر طارئ وحادث لم يكن في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلاّ فلا يحتاج إلى الأمر به ، لأنّ رؤية صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت كافية على الأمر به ، وإذا كان هو أمر حادث بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون بدعة ، ولا يجوز العمل به ، أو لا أقلّ التجنّب عنه عملاً بالاحتياط.

( ـ مصر ـ ٢٣ سنة )

لم يحصل في صلاة النبيّ :

س : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن كيفية صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وأنّه مسبل فيها غير متكتّف؟ وإن وجدت فهل سندها قويّاً حتّى يمكن الاستشهاد بها على إخواننا أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً ، ودمتم في بركة الله.

ج : نعم ، وردت رواية ينقلها البيهقيّ في سننه(٢) ، والترمذيّ في سننه(٣) ، وغيرهما(٤) ، ونحن نذكرها بنصّ البيهقيّ قال : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، قال حدّثني محمّد بن عمرو بن عطاء ،

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٨٠.

٢ ـ السنن الكبرى للبيهقيّ ٢ / ٧٢.

٣ ـ الجامع الكبير ١ / ١٨٨.

٤ ـ أُنظر : مسند أحمد ٥ / ٤٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٣٧ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٨٣.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621