موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 266679 / تحميل: 6315
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

قال : سمعت أبا حميد الساعديّ في عشرة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.

فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : لِمَ! ما كنت أكثرنا له تبعاً ، ولا أقدمنا له صحبة. قال : بلى. قالوا : فاعرض علينا.

قال : فقال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عضو منه في موضعه معتدلاً ، ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر ، ويرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع ، ثمّ يرفع رأسه فيقول : ( سمع الله لمن حمده ) ، ثمّ يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، حتّى يعود كلّ عضو منه إلى موضعه معتدلاً.

ثمّ يقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يهوي إلى الأرض ، فيجافى يديه عن جنبيه ، ثمّ يرفع رأسه ، فيثنى رجله اليسرى فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ، ثمّ يعود ، ثمّ يرفع فيقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً ، حتّى يرجع أو يقرّ كلّ عظم موضعه معتدلاً ، ثمّ يصنع في الركعة الأُخرى مثل ذلك.

ثمّ إذا قام من الركعتين كبّر ، ورفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه كما فعل ، أو كبّر عند افتتاح الصلاة ، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلواته ، حتّى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم ، أخّر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقّه الأيسر ، فقالوا جميعاً : صدق ، هكذا كان يصلّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

والذي يوضّح صحّة الاجتماع به الأُمور التالية :

١ ـ تصديق أكابر الصحابة ، وهذا العدد لأبي حميد يدلّ على قوّة الحديث ، وترجيحه على غيره من الأدلّة.

٢ ـ أنّه وصف الفرائض والسنن والمندوبات ، ولم يذكر القبض ، ولم

٢٠١

ينكروا عليه ، أو يذكروا خلافه ، وكانوا حريصين على ذلك ، لأنّهم لم يسلّموا له أوّل الأمر أنّه أعلمهم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل قالوا جميعاً : صدقت ، هكذا كان رسول الله يصلّي ، ومن البعيد جدّاً نسيانهم وهم عشرة ، وفي مجال المذاكرة.

٣ ـ الأصل في وضع اليدين هو الإرسال ؛ لأنّه الطبيعي فدلّ الحديث عليه ؛ لأنّه لو كان غير ذلك لذكر.

٤ ـ هذا الحديث لا يقال عنه إنّه عام ، وأحاديث التكتّف خصّصته ، لأنّه وصف وعدّد جميع الفرائض والسنن والمندوبات ، وكامل هيئة الصلاة ، وهو في معرض التعليم والبيان ، والحذف فيه خيانة ، وهذا بعيد عنه وعنهم.

٥ ـ بعض من حضر من الصحابة قد روى أحاديث التكتّف ، فلم يعترض ، فدلّ على أنّ التكتّف منسوخ ، أو على أقلّ أحواله بأنّه جائز للاعتماد لمن طوّل في صلاته ، وليس من سنن الصلاة ، ولا من مندوباتها ، كما هو مذهب الليث ابن سعد ، والأوزاعيّ ، ومالك.

٢٠٢

التوحيد والتثليث :

( حسين ـ البحرين ـ )

تعدّد المشيئة دليل على التوحيد :

س : كيف يمكننا الردّ على الإشكالية التي يطرحها بعض المسيح ، وهي : إمكانية الاستدلال على الثالوث عن طريق الثلاث شموع التي يتّحد نورها في ضوء واحد؟

ج : إنّ الإشكال الأساسيّ الذي يرد على الثالوث : أنّ لكلّ واحد من الثلاث له مشيئة ، فإمّا أن تتّحد مشيئة الثلاث دائماً ولا تختلف ، فهذا لا يمكن مع التزامنا بالتعدّدية ، وينجر هذا القول إلى الالتزام بالوحدانية من حيث لا يشعرون ، ولا يمكن القول بالتعدّد.

وإمّا أن تختلف ، فإذا اختلفت المشيئة عند الثلاث ، فأيّها تقدّم؟ فمن قدّمت مشيئته على غيره كان هو الربّ ، والآخر مربوب.

( ـ ـ )

بهما يناظر مع المسيحية :

س : كيف نستطيع أن نناظر ونباحث مع أهل الكتاب سيّما المسيحيّين؟ جزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء وجعلنا من جيران مولانا أمير المؤمنين في الجنّة.

ج : أهم اختلاف هو في التوحيد والتثليث ، وبهذا الموضوع يمكن مناظرتهم ، يعني لابدّ وأن تكون بداية المناظرة في هذا الموضوع ، الذي هو أصل الاختلاف.

٢٠٣

ونوصيكم بمطالعة كتب العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغيّقدس‌سره ؛ فإنّ له مؤلّفات قيّمة أمثال : التوحيد والتثليث ، الرحلة المدرسية.

وكذلك نوصيكم بمطالعة كتب الأُستاذ ديدات في مناظراته مع علماء المسيحية ، وكذلك نوصيكم بمطالعة كتاب هبة السماء رحلتي من المسيحية إلى الإسلام للأُستاذ علي الشيخ.

( ـ ـ )

الردّ على شبهة ابن كمّونة :

س : هل شبهة ابن كمّونة المسمّاة بشبهة افتخار الشياطين لها حلّ وجواب؟ وأين أجد الجواب؟ في أيّ كتاب؟

ج : خير ما قيل في ردّ شبهة ابن كمّونة : إنّ المفهوم الواحد لا يمكن انتزاعه من الأُمور المتخالفة والمتباينة بما هي كذلك ، بل لابدّ في صحّته وجود جهة وحدة مشتركة بينها ، كمفهوم الإنسان المنتزع من جزئيات متباينة بالعوارض ، ومتّحدة في تمام الماهية المشتركة.

ومن أوضح البراهين على التوحيد ما أفاده بعض العباقرة ، وفرسان ميدان المعقول : أنّ الكثرة بين الأشياء إن كانت نوعية فبالماهية ، وإن كانت عددية ، فإن كانت في الجواهر فبالمادّة ولواحقها ، وإن كانت في الأعراض فبالموضوعات ، وإذا استحال أن يكون له تعالى موضوع أو ماهية أو هيولى ومادّة ، فكيف تتحقّق الأثنينية.

ويمكن استفادة الجواب على شبهة ابن كمّونة من كلام الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث مع زنديق ، وكان من قول الإمام الصادقعليه‌السلام : ( لا يخلو قولك : إنّهما اثنان ، من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكن أحدهما قويّاً والأخر ضعيفاً ، فإن كانا قويّين ، فلم لا يدفع كلّ منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير ، وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه واحد

٢٠٤

كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني.

فإن قلت : إنّهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة ، أو متفرّقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظماً ، والفلك جارياً ، والتدبير واحداً ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد.

ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما ، فيلزمك ثلاثة ، فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين ، حتّى تكون بينهم فرجة ، فيكونوا خمسة ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة )(١) .

____________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٣ / ٤٢.

٢٠٥
٢٠٦

التوسّل والاستغاثة :

( أُمّ عبد الله. السعودية )

بأهل البيت جائز :

س : لماذا نتوسّل بأهل البيت عليهم‌السلام ؟ مع الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة للشيعة والسنّة؟

ج : قد خلق الله سبحانه العالم التكوينيّ على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكلّ ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، فالماء مثلاً يؤثّر على الزرع بصريح هذه الآية :( وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ) (١) .

والباء في الآية بمعنى السببية ، والضمير يرجع إلى الماء ، وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادّية ، والقول بتأصّلها في التأثير ، واستقلالها في العمل ، بل الكلّ متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره.

هذا هو الذي نفهمه من الكون ، ويفهمه كلّ من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاصّ كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته ، وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله

____________

١ ـ البقرة : ٣٢.

٢٠٧

سبحانه هو الهادي( وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (١) .

والقرآن أيضاً هو الهادي :( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (٢) .

والنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً هو الهادي ، ولكن في ظلّ إرادة الله سبحانه :( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٣) .

فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها. وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادقعليه‌السلام في كلامه ، فيقول :( أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً ) (٤) .

فعلى ضوء هذا الأساس ، فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادّي ، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتي النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٥) . فالله سبحانه حثّنا للتقرّب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامّة لا تختصّ بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكلّ وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه.

وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النصّ لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين.

____________

١ ـ الأحزاب : ٤.

٢ ـ الإسراء : ٦.

٣ ـ الشورى : ٥٢.

٤ ـ الكافي ١ / ١٨٣.

٥ ـ المائدة : ٣٥.

٢٠٨

ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة ، نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :

النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها : التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويقول : (إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ؛ فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة ؛ فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره ؛ فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ ؛ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية ؛ فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف ؛ فإنّها تقيّ مصارع الهوان )(١) .

غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية ، أو في تلك الخطبة ، بل هي من أبرزها.

النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوسّل بها الصحابة والتابعون ، وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه.

ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

فقد ورد في بعض الروايات : أنّ المراد من الوسيلة في قوله تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) هم أهل البيتعليهم‌السلام ، منها :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (٢) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٢١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

٢٠٩

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله تعالى( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) : (أنا وسيلته )(١) .

٣ ـ ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهاديعليه‌السلام : (مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرّب بكم إليه ، ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي ، وإرادتي في كلّ أحوالي وأُموري )(٢) .

٤ ـ ورد في دعاء التوسّل عن الأئمّةعليهم‌السلام : (يا سادتي ومواليَّ إنّي توجّهت بكم أئمّتي وعُدّتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسّلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله )(٣) .

٥ ـ ورد في دعاء الندبة : (وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك )(٤) .

هذا وكانت سيرة أصحاب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام يتوسّلون بدعائهم ، لأنّ التوسّل بدعاء الإمام ؛ لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية ، كرّمها الله وعظّمها ، ورفع مقامها وذكرها ، وقال :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٥) .

فهذا هو علي بن محمّد الحجّال ، كتب إلى الإمام الهاديعليه‌السلام ، وجاء في كتابه : وأصابتني علّة في رجلي ، لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب ، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ، ويعينني على القيام بما يجب عليّ ، وأداء الأمانة في ذلك(٦) .

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٣٠٨.

٣ ـ بحار الأنوار ٩٩ / ٢٤٩.

٤ ـ إقبال الأعمال ١ / ٥٠٥.

٥ ـ الأحزاب : ٣٣.

٦ ـ كشف الغمة ٣ / ١٨٢.

٢١٠

وذكر ابن حجر في كتابه ( الصواعق المحرقة ) توسّل الإمام الشافعيّ بآل البيتعليهم‌السلام :

آل النبيّ ذريعتي

وهم إليـه وسيلتي

أرجو بهـم أعـطى غداً

بيدي اليمين صحيفتي(١)

وقال الشاعر الصاحب بن عبّاد في ذلك :

وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة

فوسيلتي حبّي لآل محمّد

الله طهّرهم بفضل نبيّهم

وأبان شيعتهم بطيب المولد(٢)

ثمّ من المتّفق عليه جواز التوسّل بدعاء الرجل الصالح ، وبحقّه وحرمته ومنزلته ، فكيف بمن هم سادة وقدوة الصلحاء؟ ألا وهم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وتأييداً لما قلنا ، صرّح الزرقانيّ في شرح المواهب بجواز بل استحباب التوسّل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لزائره(٣) وغيرهم.

( رؤوف ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

الأئمّة هم الوسيلة إلى الله تعالى :

س : قال الله تعالى : ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤) ، وقال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٥) ، ونحن نتّجه للأئمّة ، أنا لا أشكّ في الأئمّة ، بل لم لا نعتمد على الله ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٦) ؟ لم اعتمادنا على الأئمّة أكثر من اعتمادنا على الله تعالى؟

____________

١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٥٢٤.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٩٩.

٣ ـ شرح المواهب اللدنية ٨ / ٣١٧.

٤ ـ آل عمران : ١٢٢.

٥ ـ غافر : ٦٠.

٦ ـ آل عمران : ١٧٣.

٢١١

ج : إنّ الله تعالى قال :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

وهو يعني أنّ العبد لابدّ أن ينقطع إلى الله تعالى في طلب كلّ شيء ، لافتقاره لكلّ شيء ، فهو المحتاج إلى الله والفقير إليه ، والله تعالى الغني عن عباده.

إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أن نجعل الأئمّةعليهم‌السلام وسيلة إلى الله تعالى ، فكما أمرنا بدعائه ، فقد أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، قال تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى )(٢) .

وأعلم يا أخي : إنّ قلّة طاعتنا ، وكثرة ذنوبنا نحن العبيد ، كلّ ذلك يوجب حجب الدعاء عن الله تعالى ، والاستجابة لنا ، إلاّ أنّ توسّطهمعليهم‌السلام وشفاعتهم ، وقرب منزلتهم إلى الله تعالى ، يقتضي منه تعالى أن يستجيب دعاءنا كرامة لهمعليهم‌السلام .

كما إنّك لو سألت أحداً حاجة ـ وتعلم أنّ قضاءها يكون بتوسّط أحد مقرّبيه ـ فإنّ العقل يدعوك إلى أن تسأل هذا المقرّب بحاجتك ، وأن يتوسّط بحقّه وبمنزلته في قضاء حاجتك. والأئمّةعليهم‌السلام لكرامتهم عند الله يستجيب لنا ، ويقضي حوائجنا ، بحقّهم عنده ، ولا ينافي ذلك في توكلّنا على الله تعالى بعد أن نقرّ بربوبيّته وقدرته ، ونعترف بعبوديتنا له تعالى ، فهل ينافي هذا التوكلّ على الله تعالى ، والانقطاع إليه في أُمورنا وحوائجنا؟!

( علي ـ سنّي ـ )

من وسائلهما التوسّل بالنبيّ وآله :

س : تستدلّون على التوسّل بالنبيّ والأئمّة بقوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ

____________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

٢١٢

الْوَسِيلَةَ ) ، بينما فسّر علي الوسيلة بالعمل الصالح ، كما جاء في نهج البلاغة : خطبة ١١٠ ، حيث قال : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنّها الملّة )(١) .

فما تفسيركم لهذا التناقض بين الآية الكريمة ، وكلام علي في نهج البلاغة؟

ج : ليس هناك تناقض بين الآية الكريمة ، وكلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه وردت روايات تفسّر الوسيلة بالعمل الصالح ، وأيضاً وردت عندنا روايات تفسّر الوسيلة بمعنى التوسّل بالنبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يحصر الوسيلة بالعمل الصالح ، وإنّما قال : أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى كذا وكذا ، وذكر مجموعة من الأعمال الصالحة ، وهذا معناه توجد وسائل فاضلة ، ولكن هذا أفضل.

ومن المعلوم : أنّ أفعل التفضيل تأتي للمفاضلة بين أمرين مشتركين في النوع ، مختلفين بالدرجة في الغالب.

فعندما نقول : أفضل الصلوات الصلاة الوسطى ، فهذا لا يعني أنّ بقية الصلوات غير مطلوبة.

وعندما نقول : أفضل الليالي في شهر رمضان ليلة القدر ، فهل معناه أنّ غيرها ليس فيها فضيلة؟ كلاّ.

وعندما نقول : أفضل الوسائل العمل الصالح أو التقوى ، لا يعني أنّ بقية الوسائل من التوسّل بالنبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام ليس لها فضيلة.

وإن قلت : إذاً ، التوسّل بالعمل الصالح أفضل من التوسّل بالأشخاص.

قلت : أنّ الملاك الأساسيّ للمتوسِّل والمتوسَّل به هو تقوى الله تعالى ، يعني

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٢١.

٢١٣

الذي جعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المقام عند الله تعالى هو بتقواه ، وهكذا الإنسان المتوسّل ، فكلّما يكون أكثر تقوى كلّما كان أكثر استجابة ، إذاً الملاك لكلّ منهما هو القرب إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ دليلنا على التوسّل ليس هو الآية فقط ، وإنّما دليلنا آيات أُخرى منها :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (١) .

فهنا لم يقولوا : اللهم أنّا نستغفر أو اغفر لنا ، بل قالوا : يا أبانا استغفر لنا ، أي اطلب لنا من الله تعالى المغفرة.

فهذا توسّل بأبيهم يعقوبعليه‌السلام ، وهكذا نحن نأتي إلى الإمامعليه‌السلام ونقول له : بجاهك عند الله ، اسأل الله أن يغفر لنا ، ويفرّج عنّا.

مضافاً إلى خبر عثمان بن حنيف ، الذي يروي قضية توسّل ذلك الأعمى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وشفاءه ، حيث قال : ( اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيي محمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن يكشف لي عن بصري ، فردّ الله تعالى عليه بصره )(٢) .

( أبو مجاهد ـ ـ )

الرقية لا مانع منها عقلاً وشرعاً :

س : هل تجوز الرقية شرعاً وعقلاً؟

ج : لا مانع من الرقية عقلاً وشرعاً إذا كانت في حدودها وموازينها الشرعيّة ، فهي تدخل تحت عمومات الأدعية والتوسّل ، والتبرّك المشروع ـ باختلاف مواردها ـ فلا يصغى لما تقوله جماعة في منعها رأساً ، كيف وقد وردت في كتبهم المعتبرة أحاديث دالّة على الجواز : منها : ( استرقوا لها فإنّ بها النظرة )(٣) .

____________

١ ـ يوسف : ٩٧.

٢ ـ السنن الكبرى للنسائيّ ٦ / ١٦٩.

٣ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ٢٣ ، المستدرك ٤ / ٢١٢ ، المصنّف للصنعانيّ ١١ / ١٦ ، الجامع الصغير ١ / ١٤٩.

٢١٤

ومنها : قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله للذي رقى بالقرآن ، وأخذ عليه أجراً : (من أخذ برقية باطلٍ فقد أخذت برقية حقّ )(١) .

ومنها : بعدما عرض عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعض الرقيات قال : (لابأس بها ، إنّما هي مواثيق )(٢) .

وأيضاً قد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم(٣) .

( أبو ذر ـ ـ )

بذوات الصالحين من مسائل العقيدة :

س : التوسّل في الدعاء بذوات الصالحين بحقّهم أو جاههم ، هل هي من مسائل العقيدة أم من الفروع؟

ج : قد ثبت بالأدلّة القطعية مشروعية التوسّل ، ومطلوبيّته عند الله تعالى ، وهذا لا مجال لإنكاره بعد الوقوف على أدلّته العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة.

ثمّ أنّ الحكم على هذا الموضوع ، إن كان من باب إثبات أو ردّ تلك الأدلّة ، فهي ترتبط بالمسائل العقائديّة ربطاً وثيقاً ، وإن كان من باب العمل ، فهي مسألة فرعية تتعلّق بأفعال المكلّف باستحبابها في إتيانها.

( الموالي ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

بقولنا يا علي :

س : يسأل البعض عن كلمة ( علي ) عندما يقولها الشيعة ، فهل هي تعني

____________

١ ـ تحفة الأحوذيّ ٦ / ١٨٢ و ٣٠١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٥ / ٤٤٦.

٢ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٩٣ ، تحفة الأحوذيّ ٦ / ١٨٢ ، المعجم الأوسط ٨ / ٢٩٧.

٣ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٢٥٥.

٢١٥

( العلي ) الله عزّ وجلّ أم الإمام علي عليه‌السلام ؟

ج : الاستغاثة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبإخوانه النبيّين والمرسلين ، وبالأوصياء والصالحين ، هي عبارة عن سؤال الشفاعة منهم لقضاء الحوائج ، ودفع النوائب ، وتفريج الكروب ، ولا ريب أنّ كلّ من يناديهم من المؤمنين ، فهو عالم أنّه لا يعبد إلاّ الله ، ولا يفعل ما يريد ، ولا يمنح ما يطلب إلاّ الله ، وليس هؤلاء إلاّ شفعاء فقط.

وقد أرشدنا الله ورسوله للاستغاثة بعباد الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء ، بقوله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) .

وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ المقصود من الوسيلة هو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (٢) ، فعندما تنادي الشيعة بكلمة : ( يا علي ) في الواقع تتوسّل بهعليه‌السلام إلى الله تعالى ، لما يحمله من المنزلة والمقام الرفيع ، والقرب من المولى تعالى.

( محمّد ـ الكويت ـ )

بأهل البيت مأمورون به :

س : لماذا مبدأ التوسّل بأهل البيت؟ والله تعالى يقول في كتابه بما معناه : أنّه أقرب للإنسان من حبل الوريد ، وشكراً.

ج : إنّ الله سبحانه أمرنا بذلك بقوله تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) ، فالأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحون إنّما هم واسطة فيض ، ومن الوسائل التي نصل بها إلى الله سبحانه ، فالتوسّل بهم توسّل بالله تعالى ، بل لو لم نتوسّل بهم فإنّا خالفنا الله في عبادته والتوسّل به ، لأنّ الله يريد العبادة التي هو يأمر بها ، لا أنّ الإنسان بعقله وفكره يعبد ربّه. كما قال الشيطان عندما أمره الله أن يسجد لآدم ، أن يعفيه عن هذه السجدة ، ويسجد لله سجدة لم يسجدها

____________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.

٢١٦

أحد من الملائكة ، فأبى الله عليه ذلك ، وقال : أريد العبادة والسجدة التي أنا أريدها ، لا أنت الذي تريده.

وقد ورد عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام : ( بنا عرف الله ، وبنا عبد الله )(١) ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وهم السبب المتّصل بين السماء والأرض ، وهم سفن النجاة من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

فلسفة قول الشيعة : يا علي :

س : سؤالي هو : ما هو فلسفة قول الشيعة عند قيامهم ، أو عند حملهم أشياء ثقيلة : يا أبا الحسن أو يا علي ، ودمتم موفّقين لكلّ خير.

ج : في البدء لابد من البحث عن مشروعية مثل هذه الأقوال ، لأنّه إذا ثبت حرمتها ، فلا مجال ولا جدوى للبحث في فلسفة هذه الأقوال.

فنقول : الأصل في الأفعال والأقوال الحلّيّة ، كما يذكر ذلك في علم الأُصول ، وكذا في القواعد الفقهيّة : (كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه )(٢) ، فما لم يثبت حرمة فعل أو قول فهو باق على الحلّيّة ، هذا أوّلاً.

وأمّا ثانياً ، فهو الكلام في فلسفة مثل هذه الأقوال ، فنقول : هذه الأقوال هي عبارة عن نداء يخاطب به الإنسان غيره ، كما نقول : يا زيد أو يا عمرو ، وما إلى ذلك ، فكما لا يوجد أيّ إشكال على مثل هذا النداء حيث نستعمله يومياً عشرات المرّات ، فكذا لا إشكال في قولنا : يا محمّد ويا علي.

والفرق بأنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة أموات ، والذين نناديهم أحياء ، فيصحّ ويحل نداء الأحياء ، دون نداء الأموات ، فهو فرق لا يستلزم الاختلاف في الحكم بالحلّيّة ؛ إذ لا يوجد دليل على التفصيل بين الحلّيّة في مناداة الأحياء ،

____________

١ ـ التوحيد : ١٥٢.

٢ ـ الكافي ٥ / ٣١٣.

٢١٧

والحرمة في مناداة الأموات.

هذا مضافاً إلى أنّ أيّ نداء لشخص ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ـ إن كان المنادي والقائل يعتقد قدرة المنادى ، والمدعو على إعانة القائل على الأمر المعيّن على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، فهو شرك وحرام قطعاً.

وإن كان يعتقد بقدرة المدعو ـ كالنبيّ وعليعليهما‌السلام ـ على العمل المعيّن ، كأن يدعوان له أو يشفعان له ، أو ما إلى ذلك من موارد الاستعانة ، وهذا من دون الاعتقاد باستقلالية المنادى ، بل مع اعتقاد أنّه من أولياء الله ، وأنّه يستطيع أن يعين الشخص المنادي من خلال وساطته عند الله ومنزلته عنده ، فهذا لا مانع فيه. بل الاستعانة والنداء مع هذا الاعتقاد ، هو نداء لله تعالى بصورة أُخرى ، واستعانة به تعالى.

( علي الشهراني ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )

الأدلّة على جوازهما :

س : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة الوافية بشأن التوسّل بالأموات ، خصوصاً من السنّة ، لأنّي جادلت أحد أهل السنّة بالجواز ، قال : أنا أقبل فقط من البخاريّ ومسلم. قلت : إنّك متعصّب ، هذه كلّها من مصادركم ، وأغلقت عليه الإنترنت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :

١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا.

٢ ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج.

قال تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ

٢١٨

الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (١) .

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٢) .

وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً ، فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أدع الله أن يعافيني. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت ). قال : فادعه.

فأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللهم شفّعه فيّ.

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ )(٣) .

قال الرفاعيّ الوهابيّ المعاصر : ( لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلاشكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).

____________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٤٤١ ، مسند أحمد ٤ / ١٣٨ ، مستدرك الحاكم ١ / ٣١٣ ، الجامع الصغير ١ / ١٨٣ ، المعجم الكبير ٩ / ٣١ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ٣٧٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٤٠٧.

٢١٩

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي )(١) .

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته على التوسّل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأولياء الصالحين ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

( البحرين ـ سنّي ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة )

اعتقاد باستقلالية الأسباب شرك :

س : من المعلوم لدى أهل السنّة أنّ الاستغاثة والاستشفاء والتوسّل والدعاء بقبر كائن من كان شرك ، لقوله تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (٢) .

ولقوله تعالى :( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (٣) .

ولقوله تعالى :( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) (٤) .

فمن يؤمن بكمال القرآن لم يسأل ، ولم يدعو ، ولم يستغفر غير الله.

ولقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٥) .

وبعد هذه الآيات من القرآن لكلّ من يؤمن بالقرآن ـ وهذه ليست أحاديث من البخاريّ أو مسلم وإنّما قرآن ـ ماذا تقول فيمن يصرّ على دعاء واستغاثة غير الله تعالى؟

قد تقول : إنّ النية موجّهة إلى الله تعالى ، وحينها نقول : ما هو تعريف

____________

١ ـ المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٨٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٨.

٢ ـ البقرة : ١٨٦.

٣ ـ الشعراء : ٨٠.

٤ ـ النمل : ٦٢.

٥ ـ الأعراف : ١٩٤.

٢٢٠

الشرك في عبادة الدعاء؟! بل أنّ الدعاء والكلمات سيحاسب عليها البشر ، حيث قال سبحانه : ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (١) .

ج : قولك في بداية الكلام إنّ التوسّل عند أهل السنّة شرك غير صحيح ؛ فإنّ التوسّل أجمعت على جوازه الأمّة الإسلاميّة. وخالفهم في ذلك فرقة تسمّى بالوهابيّة. وقد ردّ أهل السنّة على هذه الفرقة بردود كثيرة جدّاً منها كتاب ( شفاء السقام ) لتقي الدين السبكي ، وكتاب ( مفاهيم يجب أن تصحح ) لمحمّد بن علوي المالكي وغيرها.

وأمّا ما ذكرته من أيات قرآنية مباركة ، فإتيانك بها في هذا المقام يدلّ على على إنّك لم تفهم التوسّل حتى على المستوى اللغويّ. فإيّاك من تكرار كلام الآخرين من دون تفكير وتأمّل وتدبّر( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) (٢) .

أخي الكريم ، التوسّل هو اتخاذ الوسيلة فكلّ ما تفعل أنت من صباح يومك هذا الى صباح اليوم التالي توسّل في توسّل من استخدامك للفراش والملبس والطعام ومراجعة الطبيب وطلب النجدة من الشرطة واستغاثتك بالناس عند الغرق

فإذا كان التوسّل شركاً فأنت أوّل المشركين ؛ لأن الله هو القاضي للحاجات فكيف تتخذ أنت هذه الوسائل لقضاء حوائجك؟!

أخي الكريم ، إنّ من توسّل بشيء وهو يعتقد أنّه ينفع ويضرّ وله قدرة من دون الله فهو مشرك قطعاً.

ومن توسّل وهو يعتقد أنّ الوسيلة لا حول لها ولا قوّة إلاّ بالله ، إنّما هي وسيلة من الوسائل التي جعل الله سبحانه وتعالى رحمة لعباده فلا يكون المتوسّل بها مشركاً. فلا يكون طلبه الشفاء من الطبيب شركاً لأنّ الطبيب من الوسائل

____________

١ ـ ق : ١٨.

٢ ـ محمّد : ٢٤.

٢٢١

التي جعلها الله للحصول على الشفاء وكذلك الدواء. وقد قال عز وجل( فيه شفاء للناس ) (٢) مع أن الله هو المشافي إلاّ أنّ العسل من الوسائل التي جعلها الله تعالى للحصول على الشفاء فمن استعان بالعسل للحصول على الشفاء لا نقول إنّه استعان بغير الله عزّ وجلّ.

ومن أفضل الوسائل في قضاء الحاجات من قبل الله عزّ وجلّ هو التوسّل إليه تعالى بمحمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وعلى ذلك دلّت النصوص الشرعيّة مثل حديث عثمان بن حنيف الصحيح. فراجع.

وأظنّ أنّ بهذا البيان صار واضحاً جواب سؤالك الأخير وهو : ما هو تعريف الشرك في عبادة الدعاء. وهو أن تدعو غير الله أن يقضي حاجتك من دون الله. وفقك الله يا أخي لكلّ خير.

( أُمّ طلال ـ الكويت ـ ٥٦ سنة ـ دكتوراه )

لا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهما :

س : تعليقي على أن يجوز الاستغاثة بالأموات ، كنت في مكّة ، وعند الطواف كثيرات منّا كانوا يطلبون ويتوسّلون بالأئمّة ، ولم يذكروا اسم الله تعالى ، ونحن في بيته ، شعرت بألم من ذلك ، فإذا سمحنا لكلّ واحد ينادى ويطلب من الأموات ، فمن ينادى الله؟

والأموات لا يستطيعون أداء أيّ عمل ، لأنّهم ماتوا وانقطعت أعمالهم ، ربّنا تعالى أعطى الشفاعة لحبيبنا ورسولنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم القيامة ، ولا يوجد أيّ دعاء لأئمّتنا أنّهم توسّلوا بجدّهم بعد وفاته ، فلماذا نحن نبتدع من عندنا؟

ج : ذكرت عدّة آيات التوسّل بالصالحين ، منها :

١ ـ قال تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (٢) فالله تعالى يأمرنا ويطلب منّا

____________

١ ـ النحل : ٦٩.

٢ ـ المائدة : ٣٥.

٢٢٢

التقرّب إليه بأشياء نتوسّل بها إليه ، ولا نأتيه مباشرة من دونها ، سواء فُسّرت الوسيلة بالأعمال أم فُسرت بأهل البيتعليه‌السلام ، فكلاهما شيء آخر غير الله نتقرّب به إلى الله تعالى.

٢ ـ قال تعالى :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١) .

فها هم الخاطئون أمثالنا أخوة يوسف لم يستغفروا من الله مباشرة ، بل طلبوا الشفاعة والوسيلة من يعقوبعليه‌السلام ليغفر الله لهم ، ولم يردّهم يعقوبعليه‌السلام ، ولم ينكر القرآن ذلك ، فهذا يدلّ على الجواز وصحّة فعلهم ، وغفران الله تعالى لهم بحق وشفاعة يعقوبعليه‌السلام لهم.

٣ ـ قال تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٢) ، وهذا نفس مؤدّى الآية السابقة ، بل قد تبيّن هذه الآية انحصار غفران الله تعالى الأكيد للخاطئين والظالمين بالشفاعة والتوسّل دون دعائهم المباشر ، لأنّهم ملوّثون مجرمون ، قد لا يستجاب لهم دعاء ، فلا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهذا الطريق ، الذي فيه من التواضع والانكسار لأولياء الله الطاهرين ، الذين هم ليسوا آلهة ، وإنّما هم أُناس وبشر ، ولكنّهم أطاعوا الله حقّ طاعته ، وعرفوه حقّ معرفته ، فالاستشفاع بهم واتخاذهم وسيلة إلى خالقهم العظيم ، والسير معهم وبجانبهم ، يجعل الله تعالى ينظر للخاطئ الظالم المظلم بفضل النور الذي توسّل واستشفع به وقرن نفسه معه ، وكلّ ذلك نعمة وفضل من الله تعالى.

فهذه يا أختاه فلسفة التوسّل والشفاعة على فهمنا ، ويعضده اختبار الله تعالى لإبليس بالسجود والخضوع لآدم فأبى واستكبر ، وقال : أسجد لك سجدة لم يسجدها أحد قبلي ولا بعدي ، أو قال : أطلب منّي كلّ شيء أفعله لك سوى

____________

١ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ النساء : ٦٤.

٢٢٣

ذلك ، فأجابه تعالى : أُريدك أن تعبدني بما أحبّ لا بما تحب ، فيا ترى ما الذي منع إبليس من السجود والخضوع لآدم؟

ولماذا يصرّ الله تعالى على هذا الاختبار دائماً ، وهو الخضوع والتوسّل بأوليائه الذين يختارهم ويصطفيهم؟

الجواب بسيط ، ويتبيّن من تركيز الإسلام على أن يكون المسلم خاضعاً متذلّلاً للمؤمن ، وليس متكبّراً مختالاً فخوراً ، كي يكون عبداً حقيقياً لله تعالى من باب أولى ، والله العالم.

( عبد الحسين الجعفريّ ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

التوسّل بأهل البيت :

س : شكراً على هذه المعلومات المفيدة التي تقدّموها لنشر الفكر الإسلاميّ الأصيل ، وجزاكم الله كلّ خير.

أُودّ أن استفسر منكم يا سيّدي عن قدرة أهل البيتعليهم‌السلام في قضاء الحوائج حين التوسّل بهم.

والأمر الثاني هو : في قوله تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) هل من الممكن أن تكون الوسيلة هي الدعاء وطلب الحاجة من الله؟ وكيف نوازن أُمور الدعاء مع قول الله تعالى :( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) (٢) .

ولكم منّي جزيل الشكر والتقدير ، آملاً أن يدوم هذا التواصل بيننا.

ج : إنّ التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام يتصوّر على قسمين :

١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّهمعليهم‌السلام ، ومنزلتهم عنده تعالى ، أن يقضي حوائجنا ، وهذا القسم لا علاقة له بقدرتهمعليهم‌السلام على قضاء الحوائج.

٢ ـ وتارة نطلب منهمعليهم‌السلام أن يطلبوا من الله تعالى قضاء حوائجنا ، وهذا

____________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ الجنّ : ١٨.

٢٢٤

القسم من التوسّل مقدور عندهمعليهم‌السلام ، فهو مجرد طلب من الله تعالى ، في قضاء الحاجات ، فالله تعالى هو القاضي لا همعليهم‌السلام .

كما في قضية طلب أولاد يعقوبعليه‌السلام من أبيهم أن يستغفر لهم ، قال تعالى :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١) .

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني نقول :

الوسيلة لا تنافي الدعاء ، لأنّ الدعاء هو الطلب من الله تعالى في قضاء الحوائج ، والوسيلة كما قلنا هو الطلب من الله تعالى بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام أن يقضي الحوائج ، أو الطلب منهمعليهم‌السلام أن هم يطلبوا من الله تعالى في قضاء الحوائج ، لقربهم منه تعالى ، ولأمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، والوسيلة همعليهم‌السلام كما في الروايات.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى )(٢) .

ثمّ أنّ التوسّل بهمعليهم‌السلام لا يعني دعاءهم ، حتّى ينافي قوله تعالى :( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) ، فنحن كما قلنا ، لا نقول أنّهمعليهم‌السلام هم يقضون الحاجات ، وإنّما هم واسطة إلى الله تعالى في قضاء الحوائج.

فنحن متوكّلون على الله تعالى ، ونقرّ بربوبيته وقدرته ، ونعتقد أنّه تعالى هو القاضي للحاجات لا هم. على أنّه من الممكن أن يعطي الله سبحانه وتعالى قدرة التعرّف ببعض الأُمور التكوينيّة بيد الإمام ، فيكون الإمام هو من يقضي الحاجة ، ولكن بإذن الله ، كما أعطى الله عزّ وجلّ قدرة تدبير بعض الأُمور

____________

١ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

٢٢٥

التكوينيّة بيد الملائكة( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (١) أعطى هذه القدرة ـ وهو القادر على ما يشاء ـ لمحمّد وآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ذلك دلّت بعض الروايات ، فتأمّل.

فطلب الحاجة من أهل البيتعليهم‌السلام بما هم وسائل جعلها الله لذلك لا يتنافى مع دعاء الله فأنا عندما أطلب من شرب العسل الشفاء ، لا يعني هذا أنّني طلبت الشفاء من غير الله لأنّ الله جعل العسل وسيلة للشفاء فقال( فيه شفاء للناس ) (٢) فعلى هذا طلب الحاجة من محمّد وآل محمّد هو طلبها من الله عزّ وجلّ ودعاء لله تعالى.

( السيّد عبّاس ـ البحرين ـ )

بغير النبيّ وآله :

س : الإخوة في مركز الأبحاث العقائديّة ، وفّقكم الله على الجهود التي تقومون بها في خدمة المذهب الحقّ والدفاع عنه في هذا العصر ، الذي تكالبت فيه جنود الشيطان على أهل الإيمان ، وبهذا الصدد أود إعلامكم بأنّنا بحاجة إلى بعض الروايات عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام ، والتي تفيد بجواز التوسّل بالأولياء الصالحين والمؤمنين من العلماء ، وذلك للردّ على بعض المناظرين حيث أنّهم يؤمنون بضرورة التوسّل بالمعصومينعليهم‌السلام فقط ، أمّا غير المعصومين فلا يجوز التوسّل بهم.

ودمتم محروسين وموفّقين بعين الله.

ج : جاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدينعليه‌السلام في دعائه في كلّ يوم من شهر رمضان التوسّل بالملائكة المقرّبين ، إذ يقولعليه‌السلام : (اللهم ربّ الفجر وليال عشر ، والشفع والوتر ، وربّ شهر رمضان وما أنزلت فيه من القرآن ،

____________

١ ـ النازعات : ٥.

٢ ـ النحل : ٦٩.

٢٢٦

وربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، وجميع الملائكة المقرّبين وأسألك بحقّك عليهم ، وبحقّهم عليك )(١) .

وفي كلام للإمام عليعليه‌السلام عن القرآن الكريم : (فاسألوا الله به ، وتوجّهوا إليه بحبّه )(٢) .

وقد ورد في بعض الأدعية تعليم التوسّل بالملائكة المقرّبين والأنبياء السابقين ، وكتب الله المنزلة ، وعباده الصالحين ، وبالأعمال الصالحة ، ولكن تبقى عمدة التوسّل والاستشفاع هو بالنبيّ وآله المعصومينعليهم‌السلام .

ومن روايات الحثّ على زيارة بعض أبناء الأئمّة وذرّيتهمعليهم‌السلام كالسيّدة معصومةعليها‌السلام في قم الواردة بأسانيد صحيحة ومعتبرة ، يمكن استفادة رجحان التوسّل بها ، واستجابة الدعاء عندها.

____________

١ ـ الصحيفة السجادية : ٢٣٧.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٩.

٢٢٧
٢٢٨

الجبر والاختيار :

( أمير العرادي ـ الكويت ـ )

معنى القضاء والقدر :

س : هل الإنسان مخيّر أم مسيّر؟ وإذا كان مخيّراً فما هو إذاً القضاء والقدر؟

ج : لا يوجد تعارض بين القول بالاختيار للإنسان ، وبين الالتزام بالقضاء والقدر ، وذلك إذا عرفنا معنى القضاء والقدر.

فمعنى التقدير هو : أن يكون لوجود كلّ شيء حدّاً وقدراً ، كما لتحقيق وجوده قضاءاً وحكماً مبرماً في جانبه تعالى ، فكلّ شيء يقدّر أوّلاً ، ثمّ يحكم عليه بالوجود.

وهذه الشبهة كانت عالقة في بعض الأذهان منذ القدم ، وقد أجاب عنها أئمّة أهل البيتعليه‌السلام .

فعن علي بن الحسين بن عليعليهم‌السلام : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أجل يا شيخ ، فالله ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم من وادٍ ، إلاّ بقضاء من الله وقدره ).

فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ـ ومعنى هذه الجملة : إنّي لم أقم بعمل اختياري ، ولأجل ذلك أحتسب عنائي ـ.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (مهلاً يا شيخ ، لعلّك تظنّ قضاءً حتماً وقدراً لازماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ،

٢٢٩

واسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على المسيء لائمة ، ولا لمحسن محمّده ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب ، والمذنب أولى بالإحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها. يا شيخ إنّ الله كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مكرهاً ، ولم يملك مفوّضاً ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً )(١) .

والحديث الشريف جمع بين القول بالقضاء والقدر ، وكون الإنسان مخيّراً لا مسيّراً.

( عبد الرسول ـ الكويت ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : إنّ إجابتكم على سؤال الأخ أمير العراديّ غير كافية ، وذلك لأنّ الموضوع صعب ، ويحتاج إلى مزيد من التوضيح ، وخصوصاً الرواية التي ذكرتموها ، هذه الرواية تحتاج إلى شرح وافي.

ج : إنّ الإنسان مخيّر وليس مسيّراً ، لأنّه يملك بصريح الوجدان والقرآن كامل حرّيّته في الاختيار ، ودليل حرّيته في الاختيار تردّده في الانتخاب ، ومسؤوليّته عن فعله ، وإحساسه بالندم والراحة عند انتخاب ما يصلح ، وما لا يصلح ، والوجدان أقوى شاهد على هذه الحقيقة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : العقلاء يمدحون العادل والمحسن إلى الناس ، ويذمّون الظالم الجائر ، والمسيء إلى الناس ، ولو لم يكن الإنسان هو الفاعل باختياره ، لما استحقّ المدح أو الذمّ.

وثالثاً : إنّ العقاب على الأعمال أكبر دليل على الاختيار ، قال الله تعالى :

____________

١ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٧.

٢٣٠

( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ إنّ القول باختيار الإنسان لا يتعارض مع القضاء والقدر ، الذي هو من الأُصول المسلّمة في الكتاب والسنّة ، وليس لمسلم واع أن ينكر واحداً منهما ، إلاّ أنّ المشكلة في توضيح ما يراد منهما ، فإنّه المزلقة الكبرى في هذا المقام ، ولأجل ذلك نذكر المعنى الصحيح لهذين اللفظين ، الذي يدعمه الكتاب ، وأحاديث العترة الطاهرة.

أمّا القدر : فالظاهر من موارد استعماله أنّه بمعنى الحدّ والمقدار ، وإليه تشير الآيات التالية :

١ ـ قوله تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (٢) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) (٣) .

٣ ـ قوله تعالى :( وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (٤) .

وأمّا القضاء : فقد ذكروا له معاني كثيرة.

والظاهر أنّه ليس له إلاّ معنى واحد ، وما ذكر من المعاني كلّها مصاديق لمعنى واحد.

وأوّل من تنبّه لهذه الحقيقة ، هو اللغويّ المعروف أحمد بن فارس بن زكريا ، يقول : القضاء أصل صحيح يدلّ على إحكام أمر وإتقانه ، وإنفاذه لجهته ، قال الله تعالى :( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (٥) ، أي احكم خلقهن إلى أن قال : والقضاء الحكم ، قال الله سبحانه في ذكر من قال :( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ) (٦) ، أي اصنع وأحكِم ، ولذلك سمّي القاضي قاضياً ، لأنّه

____________

١ ـ السجدة : ١٤.

٢ ـ الطلاق : ٣.

٣ ـ المزمل : ٢٠.

٤ ـ الحجر : ٢١.

٥ ـ فصّلت : ١٢.

٦ ـ طه : ٧٠.

٢٣١

يُحكم الأحكام ويُنفذها.

وسمّيت المنية قضاءً لأنّها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق(١) .

إذاً كلّ قول أو عمل إذا كان متقناً محكماً ، وجادّاً قاطعاً ، وفاصلاً صارماً ، لا يتغيّر ولا يتبدّل ، فذلك هو القضاء.

هذا ما ذكره أئمّة اللغة ، وقد سبقهم أئمّة أهل البيتعليه‌السلام ، ففسّروا القدر والقضاء على النحو التالي :

١ ـ عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد سأله يونس عن معنى القدر والقضاء ، فقال : ( القدر هي الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين )(٢) .

٢ ـ عن علي بن إبراهيم الهاشميّ قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول : ( لا يكون الشيء إلاّ ما شاء الله ، وأراد وقدّر وقضى ) ، قلت : ما معنى قدر؟ قال : ( تقدير الشيء من طوله وعرضه ) ، قلت : فما معنى قضى؟ قال : ( إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له )(٣) .

( عبد الرسول ـ السعودية ـ )

الهداية والضلال لا تعارض الاختيار :

س : قال تعالى :( مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٤) .

إذا كانت الهداية والضلال من الله ، فكيف يستحقّ البشر الثواب والعقاب؟ وجزاكم الله خيراً.

____________

١ ـ معجم مقاييس اللغة ٥ / ٩٩.

٢ ـ الكافي ١ / ١٥٨.

٣ ـ المصدر السابق ١ / ١٥٠.

٤ ـ الأعراف : ١٧٨.

٢٣٢

ج : لتوضيح مراد الآية لابدّ من مقدّمات :

١ ـ أنّ الله تعالى له ملك السماوات والأرض ملكاً مطلقاً غير مقيّد من أي وجه من الوجوه ، ويلزمه كمال التسلّط.

وملك غيره تعالى محدود جدّاً بالحدود التي حدّها الله ، وبالمقدار الذي أذن الله به ، ومع ذلك لا يكون ملك الآخرين للأشياء منافياً ولا ملغياً لملكه ، لأنّه المملِّك لما يُمْلَك ، والمسلِّط على ما هو مُتَسَلَّط عليه.

فإنّ الإنسان إذا ملك دابّةً تسلّط على ركوبها ، والتصرّف بها بالمقدار الذي يعرفه العقلاء ، وهذا لا يلغي قدرة الله وتسلّطه عليه ، وعلى الدابة أبداً.

والإنسان في المثال لا يملك أن يغيّر ولا يبدّل في خلقتها ، ولا في زيادة قدرتها على الحمل والسرعة ، وأمثال ذلك.

٢ ـ أنّ الهداية والضلال أيضاً داخلة في ملكه ، ومن مظاهر سلطته ، لأنّ كلّ تصرّف من تصرّفات عباده ، وكلّ صفة من صفاتهم غير خارجة عن دائرة ملكه وقدرته.

٣ ـ أنّ ذلك لا ينافي اختيار العبد في الأفعال الاختيارية ، ولا يؤدّي إلى الوقوع في الجبر.

وأمّا تفصيل الموضوع ، فيحتاج إلى بيان أكثر ، والمطلب دقيق جدّاً.

فنحن لا نشكّ أنّ الله نصب نفسه في مقام التشريع ، وشرع لعباده شريعة ، وسنّ لهم قوانين كلّفهم بالالتزام بها ، ووعد المطيعين بالثواب ، وتوعّد العاصين بالعقاب ، فلو أجبرهم على الطاعات والمعاصي لم يكن الثواب في مورد الطاعة إلاّ جزافاً وعبثاً ، والعقاب في مورد المعصية إلاّ ظلماً ، وكلاهما محال على الله تعالى ، لأنّ حكمته وعدله تقتضيان عدم العبث وعدم الظلم.

فالتكليف غير مبني على الإجبار ، وهو متوجّه إلى العباد من حيث أنّهم مختارون في الفعل والترك ، والمكلّفون إنّما يثابون ويعاقبون بما كسبت أيديهم من خير وشر.

٢٣٣

وأمّا ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الإضلال والخدعة والمكر ، والإمداد في الطغيان ، وتسليط الشيطان وتوليته على الإنسان ، وتقييض القرين ونظائر ذلك ، جميعها منسوبة إليه تعالى على ما يلائم ساحة قدسه ، ونزاهته عن ألوان النقص والقبح المنكر والظلم.

ولا يمكن نسبة الإضلال إليه بالمعنى الذي ننسبه إلى البشر ، فلا ينسب إليه الإضلال الابتدائي من دون سبق عمل شيء ، ولا الإضلال على سبيل الإغفال والإيقاع في الضلال ، فإنّه غير لائق بجنابه ، وبعيد عن ساحته.

والقرآن في هذا المجال يفسّر بعضه بعضاً : قال تعالى :( فَلَمَّا زَاغوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) (١) ، وقال :( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ) (٢) .

وإذا اتّضح ذلك ، فانّ أفعال العباد لها انتسابان : انتساب إلى الفاعل باعتبار اختياره ، وهو الانتساب الفعلي ، وانتساب إلى الخالق باعتبار أنّه الموجد والمكوّن ، وهو الانتساب الوجودي.

والعبد عندما يقدم بملء إرادته على كسر زجاجة ، كان قادراً على ترك ذلك الفعل ، لكنّه عندما أراده وأقدم عليه كان تحقّق الانكسار متوقّفاً على إذن الله التكوينيّ لا التشريعيّ ، فإنّه ربما كان محرّماً ، وكذلك حركة العبد تتوقّف على إذن الله التكوينيّ ، وأقدار العبد ليكون قادراً على الفعل.

ومنه يتّضح : أنّ هداية الله على نحوين : هداية بمعنى الإرشاد والتعليم( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٣) ، وهي مهمّة الأنبياء والعقل والفطرة.

وهداية تكوينيّة ، بمعنى تحقّق المتابعة للهدى ، وصيرورة الإنسان مهتدياً ، وهذه متأخّرة مرتبة عن تلك ، وهذه تتوقّف على إرادة العبد واختياره ، فإذا اهتدى هداه الله ، ومنه قوله تعالى :( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) بعد تقدّم

____________

١ ـ الصف : ٥.

٢ ـ المؤمن : ٣٤.

٣ ـ البلد : ١٠.

٢٣٤

الحمد والتسليم التام ، الذي هو فعل العبد.

وبعبارة أُخرى : فإنّ الآية تقول : من اهتدى واقتفى الطرق التشريعيّة ، التي رسمها ووضعها الله تعالى له ، فهو مهتد بالهداية التكوينيّة.

وننقل لكم نصّ ما جاء في تفسير الآية من تفسير الميزان :

مفاد الآية : أنّ مجرد الاهتداء إلى شيء لا ينفع شيئاً ، ولا يؤثّر أثر الاهتداء ، إلاّ إذا كانت معه هداية الله سبحانه ، فهي التي يكمل بها الاهتداء ، وتتحتّم معها السعادة ، وكذلك مجرد الضلال لا يضرّ ضرراً قطعيّاً ، إلاّ بانضمام إضلال الله سبحانه إليه ، فعند ذلك يتمّ أثره ، ويتحتّم الخسران.

فمجرد اتصال الإنسان بأسباب السعادة ، كظاهر الإيمان والتقوى ، وتلبّسه بذلك لا يورده مورد النجاة ، وكذلك اتصاله وتلبّسه بأسباب الضلال لا يورده مورد الهلاك والخسران ، إلاّ أن يشاء الله ذلك ، فيهدي بمشيئته من هدى ، ويضلّ بها من أضل.

فيؤول المعنى إلى أنّ الهداية إنّما تكون هداية حقيقية ـ تترتّب عليها آثارها ـ إذا كانت لله فيها مشيئة ، وإلاّ فهي صورة هداية ، وليست بها حقيقة ، وكذلك الأمر في الإضلال.

وإن شئت فقل : إنّ الكلام يدلّ على حصر الهداية الحقيقيّة في الله سبحانه ، وكذلك الإضلال ، ولا يضلّ به إلاّ الفاسقين(١) .

( ندى ـ ـ )

ليس في الانتماء إلى الإسلام إجبار :

س : كيف تكون لك الحرّية في دخول الإسلام ، مع أنّ الله يتوعّد الذين لا يدخلون الإسلام ببئس المصير.

____________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٨ / ٣٣٤.

٢٣٥

ومن ذلك نستنج : أنّ الإنسان مجبور ، وليس مخيّراً ، وتوجد آيات تقول غير ذلك.

ج : ننقل لكم نصّ كلام العلاّمة الطباطبائيّ في كتابه تفسير الميزان حول تفسير قوله تعالى( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) (١) .

( وفي قوله تعالى : لا إكراه في الدين ، نفى الدين الإجباريّ ، لما أنّ الدين وهو سلسلة من المعارف العلميّة التي تتّبعها أُخرى عملية يجمعها أنّها اعتقادات ، والاعتقاد والإيمان من الأُمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار ، فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهريّة ، والأفعال والحركات البدنية المادّية.

وأمّا الاعتقاد القلبيّ فله علل وأسباب أُخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك ، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً ، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً ، فقوله : لا إكراه في الدين ، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينيّاً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد ، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعيّاً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله :( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً ، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة ، وهي التي مرّ بيانها أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية.

وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله :( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، وهو في مقام التعليل ، فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الأُمور المهمّة ، التي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها ، لبساطة فهم المأمور ورداءة ذهن المحكوم ، أو لأسباب وجهات أُخرى ، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه ، أو الأمر بالتقليد ونحوه.

وأمّا الأُمور المهمّة التي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها ، وقرّر وجه الجزاء الذي

____________

١ ـ البقرة : ٢٥٦.

٢٣٦

يلحق فعلها وتركها ، فلا حاجة فيها إلى الإكراه ، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل ، وعاقبتي الثواب والعقاب ، والدين لمّا انكشفت حقائقه ، واتّضح طريقه بالبيانات الإلهيّة الموضّحة بالسنّة النبويّة ، فقد تبيّن أنّ الدين رشد ، والرشد في اتباعه ، والغيّ في تركه والرغبة عنه ، وعلى هذا لا موجب لأن يُكره أحد أحداً على الدين.

وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتن على السيف والدم ، ولم يفت بالإكراه والعنوة ، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم : أنّ الإسلام دين السيف ، واستدلّوا عليه : بالجهاد الذي هو أحد أركان هذا الدين.

وقد تقدّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال ، وذكرنا هناك : أنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ، ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه ، بل لإحياء الحقّ ، والدفاع عن أَنـْفَسِ متاعٍ للفطرة وهو التوحيد ، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس ، وخضوعهم لدين النبوّة ، ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال ، فالإشكال ناش عن عدم التدبّر.

ويظهر ممّا تقدّم : أنّ الآية ـ أعني قوله :( لا إكراه في الدين ) ـ غير منسوخة بآية السيف ، كما ذكره بعضهم.

ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها ، أعنّي قوله : قد تبيّن الرشد من الغيّ ، فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم ، لم ينسخ نفس الحكم ، فإنّ الحكم باق ببقاء سببه ، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغيّ في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف ، فإنّ قوله :( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) مثلاً ، أو قوله :( وقاتلوا في سبيل الله ) الآية ، لا يؤثّران في ظهور أحقّية الدين شيئاً ، حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور.

وبعبارة أُخرى : الآية تعلّل قوله :( لا إكراه في الدين ) بظهور الحقّ ، وهو

٢٣٧

معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله ، فهو ثابت على كلّ حال ، فهو غير منسوخ) (١) .

( علي عباس ـ البحرين ـ )

المرتد يقتل لخطره على المجتمع :

السؤال : هناك من يوصم الإسلام بأنّه لا يعطي الإنسان حرّية اختيار العقيدة ، إذ أنّه يحكم على من يغيّر عقيدته من الإسلام إلى غيره بالارتداد ، والارتداد حكمه القتل ، فهو يسلب منه حرّية الاختيار مسبقاً.

ج : إنّ الحرّية تارة مطلقة ، وأُخرى مقيّدة ، وفي الإنسان ليست حرّيته مطلقة ، بل هناك قيود ـ إمّا دينية أو اجتماعيّة أو مدنية أو ما شابه ذلك ـ فإذا خرج من نطاقها ودائرتها ، فإنّه يدخل في دائرة الحرّية الحيوانية ، فيكون كالأنعام بل أضلّ سبيلاً ، فالإنسان ليس حرّاً على الإطلاق ، بل في عين أنّه حرّ من جهات ، هو مقيّد من جهات أُخرى.

وأمّا بالنسبة إلى اختيار دين من الأديان ، فقبل أن يختار أعطاه الله حرّية الانتخاب ، وإنّه( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) لأنّه( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ ) ، فأرسل الله الأنبياء والرسل ، وأنزل الكتب ، وهدى الإنسان لنجد الخير ولنجد الشرّ ، والإنسان مختار في انتخاب أيّ الطريقين( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٢) ، فأعطاه الاختيار ابتداءً ، ولكن بعث إليه الأنبياء ، وورثتهم من العلماء الصالحين في كلّ عصر ومصر ، حتّى يعرّفوا الحقّ من الباطل ، ويختاروا ما هو الصحيح.

وهذا كلّه من لطف الله وعدله ، فإنّ اللطف بمعنى ما يقرّب العبد للطاعة ،

____________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٢ / ٣٤٢.

٢ ـ الإنسان : ٣.

٢٣٨

ويبعّده عن المعصية ، فقال للإنسان : أنت مختار ، إلاّ أنّه انتخب الدين الصحيح الذي ارتضيته لك ، لأنّ الدين دين الله ، فلابدّ أن نرى أيّ دين يطالبنا به ، وقد ثبت أنّ النبوّة قد ختمت بنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ القرآن الكريم معجزته. وجاء في قوله تعالى :( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (١) ، وقوله :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (٢) ، فالدين المختار والمرضي لله هو الإسلام الحنيف ، فقبل الانتخاب كان الإنسان مختاراً ، ولكن الله لا يرضى لعبده ديناً إلاّ الإسلام ، فطلب من الإنسان أن يختار الإسلام ، وهذا من الحرّية الإنسانية ، والعدالة الإلهيّة.

وبعد اختيار الإسلام المرضيّ لا يحقّ له أن يخرج منه ، لأنّ صاحب الإسلام ـ وهو الله سبحانه ـ أراد ذلك ، وأمر أنّه من يرتدّ عن دينه فإنّه يُقتل ، لأنّه يخلّ بالمجتمع الإسلاميّ ، فيكون بحكم الجرثومة المضرّة ، لابدّ من القضاء عليها ، وإلاّ تفسد الشيء ويفسد المجتمع ، والله المولى لا يريد فساد دينه ومجتمعه. ولا أن يكون دينه بيد عبده يوماً يختاره ويوماً يردّه ، فالمجتمع الحاكم عليه حكومة الإسلام ، من ارتدّ عنه فإنّه يُطرد منه ويُقتل ؛ لأنّه يصبح خطراً على المجتمع ، والعقل وكذلك الوحي يأمران برفع الخطر ، وقتل الجراثيم.

( محمّد ـ الكويت ـ )

الحظّ يدخل في القضاء والقدر :

س : هل هناك شيء اسمه الحظّ؟ أم نقول : أنّه القدر؟

وإذا لم يكن هناك شيء اسمه الحظّ ، وأنّه القدر ، فما هو تفسير الشخص الذي لا يأتيه الحظّ الجيّد ، أو القدر الجيّد ، ودائماً أو كثيراً يكون الخسران ، أو تكون الأُمور ضدّه في غالب الأحوال؟ ونسألكم الدعاء.

____________

١ ـ آل عمران : ٨٥.

٢ ـ المائدة : ٣.

٢٣٩

ج : إنّ كان المقصود من الحظّ هو الصدفة التي يعتقد بها علماء المادّة ، فبطبيعة الحال لا يوجد لهذا المصطلح بهذا المعنى وجود في المنظور الإسلاميّ.

أمّا إن كان المقصود من الحظّ ، هو ما يدخل في مفهوم القضاء والقدر ، فهو أمر لا إشكال فيه ، حيث نعتقد أنّ الله تعالى قسّم الأرزاق ، وقدّر لكلّ مخلوق رزقه ، وما يجري عليه من ولادته إلى مماته.

فيقال : أنّ فلاناً مثلاً محظوظ ، أي أنّ الله تعالى وفّقه ، وسهّل عليه الحصول على بعض الاحتياجات الدنيوية ، من تجارة أو صحّة ، أو زوجة صالحة ، أو ذرّية ، وما إلى ذلك.

كما أنّ من المعلوم إمكانية تغيّر القدر ، وذلك تبعاً للأُمور التكوينيّة ، أو بعض القضايا الشرعيّة الواردة في الشريعة الإسلاميّة ، مثل الصدقة تزيد في الرزق ، وصلة الرحم تطيل في العمر ، وغير ذلك.

( وسيمة المدحوب ـ البحرين ـ )

الرقيّ وعلاقتها بالقدر :

س : سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن الرقي ، هل يدفع من القدر شيئاً؟ فقال : ( هي من القدر )(١) ، ما المقصود بهذا الحديث؟ وما علاقة القضاء والقدر بالرقيّ أي الرقعة؟

وفي الختام : نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل الله لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق.

ج : المقصود من القدر هو هندسة الشيء وتحديده ، ثمّ إبرام القضية ، أي القضاء بها ، فعلى هذا يكون القدر قبل القضاء ، ولمّا كان المقصود من القدر هو الهندسة وتحديد شكل القضية ، فيمكن أن تتدخّل عوامل كثيرة في تحديدها ، وبيان الصياغة النهائية لها ، كالدعاء مثلاً ، وإرادة الإنسان كذلك ،

____________

١ ـ التوحيد : ٣٨٢.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621