موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة3%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265316 / تحميل: 6257
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ومنها الرقي والتعويذات ، فإنّها من القدر.

وعلى سبيل المثال : قد يقدّر الله إصابة عبد ما بمرض وداء معيّن ، إذا لم يعوّذ بمعوذة معيّنة وخاصّة ، كما أنّ الدواء يمنع كثير من الأمراض والعلل ، فكما أنّ الدواء من القدر ، فكذا الرقيّ والتعويذات لا فرق بينها.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة. طالب جامعة )

عدم الرضا عن القتل يعود إلى فعل العبد :

س : كيف نوفّق بين عدم الرضا عن الظلم ، وبين الرضا بقضاء الله وقدره ، مثلاً إذا قتل رجل ظلماً ، هل علينا عدم الرضا عن القتل؟ أم نرضى بموته ، لأنّ موته كان بقضاء وقدر؟

ج : إنّ هذه المسألة تعود إلى مسألة الجبر والتفويض ، وذلك أنّ العبد فاعل ما به الوجود ، والله تعالى فاعل ما منه الوجود ، فمن ناحية فاعل ما به الوجود لا جبر ، ومن ناحية فاعل ما منه الوجود لا تفويض ، فيصحّ في العقل ما جاء في الأثر عن أهل البيتعليه‌السلام : ( لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين )(١) .

وفي المثال الذي ذكرتموه ، يجب عدم الرضا عن القتل ، لأنّه يعود إلى فعل العبد الذي عبّرنا عنه أنّه فاعل ما به الوجود ، والرضا بموته ؛ لأنّه يعود إلى فعل الله الذي عبّرنا عنه أنّه فاعل ما منه الوجود ، إذ لو انقطع فيض الله عن العبد لحظة واحدة لانعدم العبد ، وانعدمت أفعاله.

( زهرة المصطفى ـ البحرين ـ )

القضاء المحتوم والموقوف :

س : من المعروف أنّ للقضاء نوعان : المحتوم والموقوف ، فكيف يمكننا أن

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٦٠.

٢٤١

نوفّق بين القضاء المحتوم ، وتخيير الإنسان في أعماله؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ القضاء المحتوم في الأعمّ الأغلب هو القواعد والقوانين التكوينيّة السائدة في الكون ، وفي عالم الخلق ، فلا معنى لتعريف تخيير إرادة الإنسان فيها ، إذ هي خارجة عن متناول يده ذاتاً.

ومن جانب آخر : أنّ التخيير في الإنسان لا يكون في جميع أجزاء الكون والوجود ، بل له نطاق محدّد ، وعليه فخارج هذه الحوزة لا يشمله اختيار الفرد ، فمثلاً القوانين والنواميس الثابتة الإلهيّة ، لا تكون تحت تصرّف الإنسان حتّى يفترض فيها تخييره.

ومجمل الكلام في حدود خيارات الفرد هو : أنّ ما كان ضروريّاً بالنسبة لرقيّ وتكامل الإنسان يكون على العموم من موارد تخييره ، وما كان خارجاً عن تخطيطه ومتناول يده ، يكون قضاءاً حتميّاً بالنسبة إليه.

( علي موسى ـ البحرين ـ )

الفرق بين القضاء والقدر :

س : ما الفرق بين القضاء والقدر باختصار؟ وشكراً.

ج : إنّ القدر هو عبارة عن تقدير وجود الشيء وكيفيته ، وتعيين حدوده وخصوصيّاته التي يوجد عليها ، كالخيّاط يقدّر الثوب قبل أن يخيطه.

والقضاء : عبارة عن ضرورة وجود الشيء في ظرفه الخاصّ ، عند تحقّق جميع الأسباب والشرائط التي يتوقّف عليها.

فالتقدير هندسة الشيء ، والقضاء هو البت بلزوم تحقّق تلك الهندسة.

ولا يلزم من القضاء والقدر أن يكون الإنسان مجبراً في فعله ، باعتبار كون الأفعال مقدّرة ومقضية من الله تعالى ؛ وذلك لأنّ من ضمن الشرائط الدخيلة في تقدير الشيء والقضاء به ، هي اختيارية الإنسان وإرادته ، فالله قدّر الفعل وقضى به ، لكن من ضمن حدود الشيء وخصوصيّاته ، أن يكون مقدوراً وباختياره.

٢٤٢

ورد في الكافي قال : كان أمير المؤمنين جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفّين ، إذ اقبل شيخ فجثا بين يديه ، ثمّ قال له : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ، أبقضاء من الله وقدر؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (أجل يا شيخ ، ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم بطن وادٍ ، إلاّ بقضاء من الله وقدر ) ، فقال له الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين! فقالعليه‌السلام : (مه يا شيخ ، فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليه مضطرين ).

فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ، ولا إليه مضطرّين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ، ومنقلبنا ، ومنصرفنا؟

فقال له : (وتظنّ أنّه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً ، إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة للمذنب ، ولا محمّدة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب! تلك مقالة أخوان عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان ، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها ، إنّ الله تبارك وتعالى كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، ولم يملك مفوّضاًَ ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار )(١) .

فبيّنعليه‌السلام أنّ القضاء والقدر لا ينافي اختيارية الإنسان ، وأنّه ليس مجبراً ، لأنّ الأفعال الإنسانية لا تخرج عن دائرة علم الله سبحانه ، ومع ذلك فالإنسان مختار فيما يفعل.

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٥٥.

٢٤٣

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

التخيير والتسيير :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنّي تتبعت موضوع القضاء والقدر ، ولكن وجدت إجابات مختلفة في الموضوع ، فما الفرق بين القضاء والقدر؟ ومسيّر أو مخيّر؟ وكانت الإجابة : أنّ الإنسان مخيّر لا مسيّر ، وكذلك وجدت إجابة : أنّ الإنسان ما بين البينين ، وكانت تحت معنى آخر ، وهو الجبر والتفويض.

وسؤالي : هل يوجد فرق بالمعنى والفهم بين مسيّر ومخيّر؟ والجبر والتفويض؟

ج : إنّ معنى القدر هو : الحدّ والمقدار ، قال ابن فارس : القدر هو حدّ كلّ شيء ومقداره وقيمته وثمنه.

وقال الراغب : القدر والتقدير : تبيين كمّية الشيء.

وأمّا القضاء : قال ابن فارس : القضاء أصل صحيح يدلّ على أحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته.

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : (القدر هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين )(١) .

والقضاء والقدر كلاهما عينيّ وعلميّ :

فالعينيّ : يمثّل كيفية الخلقة وشعبها ، والخلق من مراتب التوحيد ، وهو التوحيد في الخالقية ، وأنّه ليس على صفحة الوجود خالق مستقلّ سواه.

وكون التقدير والقضاء العينيّين منه سبحانه ، لا يلازم كون الإنسان مسلوب الاختيار ، لأنّ المفروض أنَّ الحرّية والاختيار من الخصوصيّات الموجودة في الإنسان.

فالله سبحانه قدَّر وجود الإنسان بخصوصيّات كثيرة ، منها كونه فاعلاً بالاختيار.

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٥٨.

٢٤٤

وأمّا القضاء والقدر العلميّان : وهذه هي المزلقة الكبرى للسطحيين الذين مالوا إلى الجبر.

وبيانه : أنّ علمه سبحانه لم يتعلّق بصدور أيّ أثر من مؤثّره على أيّ وجه اتفق ، وإنّما تعلّق علمه بصدور الآثار عن العلل ، مع الخصوصية الكامنة في نفس تلك العلل.

فإن كانت العلّة علّة طبيعية فاقدة للشعور والاختيار ، كصدور الحرارة عن النار ، أو واجدة للعلم فاقدة للاختيار ، كصدور الارتعاش في الإنسان المرتعش ، فتعلّق علمه سبحانه بصدور فعلها وأثرها عنها بهذه الخصوصيّات.

أمّا لو كانت العلّة عالمة وشاعرة ومريدة ومختارة ، كالإنسان فقد تعلّق علمه سبحانه على صدور أفعالها منها بتلك الخصوصيّات ، وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرّية ، فلا يلزم من قضاء الله وقدره العلميّين القول بالجبر.

وقد تبيّن ممّا قدّمناه : أنّ الإيمان بالقضاء والقدر لا يجرّ إلى القول بالجبر قطعاً.

وأمّا سؤالك عن الفرق بين معنى التسيير والتخيير ، ومعنى الجبر والتفويض ، فإنّ التسيير بمعنى الجبر ، والتخيير يعني أنّ الإنسان مخيّر في فعله غير مجبور ، والتفويض يعني أنّ الله فوّض أفعال الإنسان للإنسان ولا دخل له بها ، ونحن نقول : أنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ، كما أوضح ذلك أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، والمراد من ذلك الأمر هو نفس معنى( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (١) .

وكذلك قولنا : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وببساطة نقول : أنّ المسبّب لأفعالنا والذي يعطينا الحول والقوّة والقدرة على فعل ما نشاء هو الله سبحانه ، وبشكل متواصل ومستمر ، ولو شاء قطع ذلك بإرادته ، ولما استطعنا فعل شيء أبداً ،

____________

١ ـ التكوير : ٢٩.

٢٤٥

فتكون مشيئتنا وإرادتنا تابعة لمشيئة الله وإرادته ، وكذا حولنا وقوّتنا تابعة لاستمرار عطاء الله تعالى وتقديره لنا فعل ما نريد ، فلو شاء أعطى وأقدر ، ولو شاء منع وأعجز.

وأمّا الفاعل المباشر المختار فهو الإنسان الفقير ، الذي يمدّه الله تعالى بالحول والقوّة لفعل ما يريد ، ولكن بمشيئة الله تعالى ، لأنّ الله تعالى هو المعطي ويستطيع المنع في أيّ آن من الآنات التي يشاء ، فنبقى محتاجين فقراء لعطاء الله دائماً ، لا كما قال المفوّضة من أنّ الإنسان مستقلّ بفعله. ولا ما قاله المجبّرة من أنّ الإنسان مجبور على فعله غير مخيّر ؛ إذ يلزم على الأوّل عدم سعة قدرته ، وعلى الثاني قبح عقابه على المعصية.

( فاطمة راشد عبد الكريم ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ توجيهي )

الشقاوة والسعادة مع اختيارية الإنسان :

س : ما معنى العبارة التالية في العقيدة الإسلاميّة : ( السعيد سعيد في بطن أُمّه ، والشقيّ شقيّ في بطن أُمّه ) (١) ؟ وكيف تتناسب هذه العبارة واختيارية الإنسان وعدم إجباره؟ وشاكرين لكم حسن تعاونكم معنا ، وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ هذا الحديث وإن ورد في بعض المصادر المعتبرة لدى الإمامية ، إلاّ أنّه قد رفضه بعض الأجلاّء مثل بهاء الدين العامليّقدس‌سره ، ونسبه إلى الوضع ، إلاّ أنّه لو ثبت ففي ضوء الأدلّة التي تحتّم علينا الالتزام بأنّ لا جبر ولا تفويض والأمر بين الأمرين توضيح هذا الحديث بنحوٍ لا يتنافى مع هذا المبدأ ، وقد قيل في ذلك شيء كثير.

ويمكن أن يفسّر بأنّ الحديث يكشف عن أنّ من يسعد في عمله وعقيدته

____________

١ ـ شرح أُصول الكافي ١ / ٢٣٥.

٢٤٦

بعد الولادة ، وبلوغه حدّ التكليف ، معلوم لله سبحانه ، كما أنّ من يشقى باختياره فساد العقيدة والعمل معلوم لله سبحانه أيضاً ، ومعلوم أنّ العلم لا يكون علّة للمعلوم ؛ لأنّه كاشف وغير مؤثّر وتابع وليس متبوعاً ، فعلمك بأنّك تموت يوماً ما جزماً ويموت جميع من على الأرض يوماً من الأيّام ، ليس يعني أنّك بعلمك قاتل لهم ، هذا هو أبرز التفاسير وأحسنها ، وقلنا هناك تفاسير أُخرى ، والله ولي التوفيق.

وبناء على ظاهر النصّ المقتضي تحقّق الشقاوة ، والإنسان جنين في رحم أُمّه ، فإنّ أُريد الشقاوة الدنيوية من الصحّة والمرضية البدنية والنفسية ، والفقر والغنى ، فهي إمّا من تقدير الله سبحانه ابتلاءً منه للعباد حسب اقتضاء الحكمة البالغة ، التي لا تصل إليها ادراكات عقولنا ، وإمّا بعض منها بفعل الأباء والأُمهات ، ومعنى الشقاوة التعب والمشقّة ، التي يبتلى بها الناس. وإن أُريد بها الشقاوة الأُخروية ، فالمراد بها ما يؤول إليه أمر الجنين نتيجة سوء التصرّف منه ، ومن الأبوين كأن يكون ابن زنى ، وهو على هذا جناية أبويه ، فيكون معظم وزره عليهما ، مثل من كان سبباً لضلال أحد.

( نوفل ـ المغرب ـ ٢٦ سنة )

فعلنا بإرادتنا وبقدرة من الله :

س : هل الإنسان بإرادته هو الفاعل؟ أم الله هو خالق الإرادة ، والإنسان متروك له حرّية الاختيار؟ ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) ، وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ أصحاب المناهج الفكرية في مسألة أفعال الإنسان ، اعتقدوا بأنّ الأمر ينحصر في القول بالجبر أو التفويض ، وأنّه ليس هناك طريق ثالث يسلكه الإنسان الباحث لتفسير أفعال العباد ، فقد كان الجنوح إلى الجبر في العصور الأُولى لأجل التحفّظ على التوحيد الأفعالي ، وأنّه لا خالق إلاّ هو ، كما أنّ الانحياز إلى التفويض كان لغاية التحفّظ على عدله سبحانه.

٢٤٧

فالأشاعرة جنحوا إلى الجبر حرصاً على الأصل الأوّل ، والمعتزلة إلى الثاني حرصاً على أصل العدل ، وكلا الطرفين غفل عن نظرية ثالثة يوافقها العقل ويدعمها الكتاب والسنّة ، وفيها الحفاظ على كلّ من أصلي التوحيد والعدل ، مع نزاهتها عن مضاعفات القولين ، فإنّ في القول بالجبر بطلان البعث والتكليف ، وفي القول بالتفويض الثنوية والشرك.

فهذه النظرية الثالثة هي مذهب الأمر بين الأمرين ، الذي لم يزل أئمّة أهل البيتعليه‌السلام يحثّون عليه ، وخلاصة هذا المذهب :

أنّ أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ، ونحن أسبابها الطبيعية ، وهي تحت قدرتنا واختيارنا ، ومن جهة أُخرى هي مقدورة لله تعالى ، وداخلة في سلطانه ، لأنّه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتّى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ، لأنّ لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوّض لنا خلق أفعالنا حتّى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر ، وهو قادر على كلّ شيء ومحيط بالعباد.

وهذا بحث دقيق شريف ينبغي الاطلاع عليه ، وللتوسعة يراجع كتاب الإلهيّات للشيخ السبحانيّ ، بحث مناهج الاختيار ، وكتاب عقائد الإمامية للشيخ المظفّرقدس‌سره .

أمّا آية( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (١) ، فالظاهر من السياق أنّ ( ما ) موصولة بقرينة قوله تعالى :( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ) (٢) ، ويكون معنى الآية : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها ، والله خلقكم أيّها العبدة والأصنام التي تعملونها.

فتتمّ الحجّة على المشركين بأنّهم ومعبوداتهم مخلوقات لله سبحانه ، فلا

____________

١ ـ الصافّات : ٩٦.

٢ ـ الصافّات : ٩٥.

٢٤٨

وجه لترك عبادة الخالق وعبادة المخلوق ، أمّا لو قلنا بأن ( ما ) في الآية مصدرية ، فتفقد الآية الثانية صلتها بالأُولى ، ويكون مفاد الآيتين : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها والله خلقكم أيّها العبدة وخلق أعمالكم وأفعالكم؟

والحال أنّه ليس لعملهم صلة بعبادة ما ينحتونه ، ولو قلنا بذلك لتمّت الحجّة لغير صالح نبيّ الله إبراهيمعليه‌السلام ولانقلبت عليه ، إذ عندئذ ينفتح لهم باب العذر بحجّة أنّه لو كان الله سبحانه هو الخالق لأعمالنا ، فلماذا توبّخنا وتنددنا بعبادتنا إيّاهم.

( حيدر عبد الأمير ـ العراق ـ )

التقدير العلميّ والعينيّ :

س : أرجو مساعدتي في التمييز بين القضاء والتقدير الإلهيّ ، وما سواها من حوادث الأُمور ، التي ينبغي فيها للمؤمن أن لا يستسلم ، ولا يتنازل عن أبسط حقوقه.

وأعني هل يجب على المؤمن أن يصبر دائماً ، ويرضى بما يحصل عليه ويعتبره تقديراً إلهيّاً؟ ويحقّ له أن يفعل كلّ ما يضمن له استحقاقاته.

أرجو إرشادي إلى أحد المصادر المفصّلة ، وحفظكم الله.

ج : لقد أوضح أهل البيتعليه‌السلام المراد من القضاء والقدر ، فعن الإمام الرضاعليه‌السلام قال : ( القدر هي الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين )(١) ، وقال الإمام الكاظمعليه‌السلام ـ بعد سؤاله عن معنى قضى ـ : ( إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له )(٢) .

وقد قسّم التقدير والقضاء على قسمين : علميّ وعينيّ :

وحاصل التقدير العينيّ : أنّ الموجودات الإمكانية على صنفين! موجود مجرّد

____________

١ ـ الكافي ١ / ١٥٨.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٥٠.

٢٤٩

عن المادّة والزمان والمكان ، فقدره هو ماهيته التي يتحدّد بها وجوده ، وموجود مادّيّ خلق في إطار الزمان والمكان ، فقدره عبارة عن جميع خصائصه الزمانية والمكانية والكيفية والكمّية.

وأمّا القضاء فهو عبارة عن الضرورة التي تحف وجود الشيء بتحقيق علّته التامّة ، بحيث يكون وجوده ضرورياً مقطوعاً به من ناحية علّته الوجودية ، وعلى ذلك فكلّ ما في الكون لا يتحقّق إلاّ بقضاء وقدر ، فتقديره تحديد الأشياء الموجودة فيه من حيث وجودها ، وآثار وجودها ، وخصوصيّات كونها ، أي العلل والشرائط.

وأمّا قضاؤه ، فلمّا كانت الحوادث في وجودها وتحقّقها منتهية إليه سبحانه ، فما لم يتمّ لها العلل والشرائط الموجبة لوجودها ، فإنّها تبقى على حال التردد بين الوقوع واللاوقوع ، فإذا تمّت عللها وعامّة شرائطها ، ولم يبق لها إلاّ أن توجد كان ذلك في الله قضاءه ، وفصلاً لها من الجانب الآخر ، وقطعاً للإبهام.

ثمّ إنّ كون التقدير والقضاء العينيّين منه سبحانه لا يلازم كون الإنسان مسلوب الاختيار ، لأنّ المفروض أنّ الحرّية والاختيار من الخصوصيّات الموجودة فيه ، كما أنّه سبحانه إذا قضى بأفعال الإنسان ، فإنّما قضى على صدورها منه عن طريق المبادئ الموجودة فيه التي منها الحرّية والاختيار.

وإنّ السنن الإلهيّة الواردة في الكتاب والسنّة ، أو التي كشف عنها الإنسان عبر ممارساته وتجاربه كلّها من تقديره وقضائه سبحانه ، والإنسان تجاه هذه النواميس والسنن حرّ مختار ، فعلى أيّة واحدة منها طبّق حياته يرى نتيجة عمله.

فالشاب مثلاً الذي يبدأ حياته بإمكاناته الحرّة ، وأعصابه المتماسكة ، وذكائه المعتدل ، فإمّا أن يصرف تلك المواهب في سبيل تحصيل العلوم والفنون والكسب والتجارة ، فمصيره وتقديره هي الحياة السعيدة الرغيدة ، وإمّا أن

٢٥٠

يسئ الاستفادة من رصيده المادّي والمعنوي ، ويصرفه في الشهوات واللذّات الزائدة ، فتقديره هو الحياة الشقية المظلمة.

والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والشاب حرّ في اختيار أحد الطريقين ، والنتيجة التي تعود إليه بقضاء الله وقدره ، كما أنّ له أن يرجع أثناء الطريق ، فيختار بنفسه تقديراً آخر ويغيّر مصيره ، وهذا أيضاً يكون من تقدير الله تعالى ، فإنّه هو الذي خلقنا وخيّرنا وقدّرنا على الرجوع ، وفتح لنا باب التوبة.

ومثال آخر : المريض الذي يقع طريح الفراش ، أمامه تقديران : إمّا أن يعالج نفسه فيشفى ، أو يهمل نفسه فيستمر المرض به. والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والمريض حرّ في اختيار سلوك أيّ الطريقين شاء. وأنت إذا نظرت إلى الكون والمجتمع والحياة الإنسانية تقدر على تمييز عشرات من هذه السنن السائدة ، وتعرف أنّها كلّها من تقاديره سبحانه ، والإنسان حرّ في اختيار واحد منها ، ولأجل ذلك يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (خمسة لا يستجاب لهم : رجل ، ورجل مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ، ولم يسرع المشي حتّى سقط عليه )(١) .

والسرّ في عدم استجابة دعائه واضح ؛ لأنّ تقديره سبحانه وقضاءه على الإنسان الذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل هو الموت ، وبذلك تقف على مغزى ما روي عن عليعليه‌السلام عندما عدل من حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقالعليه‌السلام : (أَفِرُّ من قضاء الله إلى قدر الله عزّ وجلّ )(٢) .

يعني أنّ ذلك باختياري ، فإن شئت بقيت في هذا القضاء ، وإن شئت مضيت إلى قدر آخر ، فإن بقيت أقتل بقضاء الله ، وإن عدلت أبقى بتقدير منه سبحانه ، ولكلّ تقدير مصير ، فأيّهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.

وأمّا القضاء والقدر العلميّ ، فالتقدير منه : هو علمه سبحانه بما تكون

____________

١ ـ الخصال : ٢٩٩.

٢ ـ التوحيد : ٣٦٩.

٢٥١

عليه الأشياء كلّها من حدود وخصوصيّات ، والقضاء منه : علمه سبحانه بحتمية وجود تلك الأشياء وعللها ومبادئها ، والقضاء والقدر العلميّ لا يستلزم وجود الجبر في الأفعال الاختيارية للعباد ، وذلك لأنّ علمه سبحانه تعلّق بصدور الآثار عن العلل مع الخصوصية الكافية في نفس تلك العلل ، ومن تلك الخصوصيّات الاختيار عند الإنسان ، ولمزيد من التفصيل راجع كتاب الإلهيّات للشيخ جعفر السبحانيّ.

٢٥٢

الجفر :

( عبد الله الحمد )

علمه من مختصّات الأئمّة :

س : أُودّ لو أعلم هل عندكم علم الجفر للإمام الصادق؟ وشكراً.

ج : الجفر الذي أنتم بصدده ليس موجوداً عندنا ، ولا عند أيّ شخص ، بل هو من مختصّات الأئمّةعليهم‌السلام يتوارثونه ، وهو الآن عند الإمام الحجّة المنتظرعليه‌السلام ، يظهره عند ظهورهعليه‌السلام .

وللمزيد من المعلومات عن الجفر ، ننقل لكم بعض ما روي عن أهل البيتعليه‌السلام في التعريف به :

١ ـ عن علي بن سعيد قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : (أمّا قوله في الجفر إنّما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب ، فيه كتب وعلم ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة من حلال أو حرام ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ علي عليه‌السلام (١) .

٢ ـ عن أبي مريم قال : قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : (عندنا الجامعة ، وهي سبعون ذراعاً ، فيها كلّ شيء حتّى أرش الخدش ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ علي عليه‌السلام ، وعندنا الجفر ، وهو أديم عكاظيّ ، قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه ، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة )(٢) .

٣ ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ذكروا ولد الحسن

____________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٨١.

٢ ـ المصدر السابق : ١٨٠.

٢٥٣

فذكروا الجفر ، فقال : (والله إنّ عندي لجلدي ماعز وضأن ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّه علي عليه‌السلام بيده ، عندي لجلد سبعين ذراعاً ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّه علي عليه‌السلام بيده ، وإنّ فيه لجميع ما يحتاج إليه الناس حتّى أرش الخدش )(١) .

٤ ـ عن علي بن الحسين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إنّ عبد الله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلاّ ما عند الناس ، فقال : (صدق والله عبد الله ابن الحسن ، ما عنده من العلم إلاّ ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة ، فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أيدري عبد الله بن الحسن ما الجفر؟ مسك بعير أم مسك شاة؟ وعندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله ، وخطّ علي ، كيف يصنع عبد الله إذا جاء الناس من كلّ أُفق يسألونه )(٢) .

ومن أراد المزيد حول موضوع الجفر فاليراجع كتاب ( حقيقة الجفر ) لأكرم بركات العامليّ ، تقديم العلامة السيّد جعفر مرتضى العامليّ.

( عمّار ـ الكويت ـ )

مضمونه :

س : بارك الله في جهودكم ، وشكر الله مساعيكم ، كثيراً ما اسمع عن الجفر ، فهل يمكنكم أن تذكروا لي بعض مضامينه؟ وشكراً.

ج : في مضمون الجفر أقوال كثيرة ، نذكر منها :

١ ـ إنّ في الجفر تفسير القرآن الكريم ، وما في باطنه من غرائب المعاني ، وكلّ ما يحتاج إلى علمه أتباع آل البيتعليهم‌السلام ، وكلّ ما يكون إلى يوم القيامة.

____________

١ ـ المصدر السابق : ١٧٩.

٢ ـ المصدر السابق : ١٧٨.

٢٥٤

٢ ـ إنّ في الجفر ما جرى للأولين ، وما جرى للآخرين ، وفيه اسم الله الأعظم ، وتاج آدم ، وخاتم سليمان ، وحجاب آصف.

٣ ـ إنّ الإمام عليعليه‌السلام قد ذكر فيه على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم.

٤ ـ إنّ في الجفر علم ما سيقع لأهل البيتعليه‌السلام على العموم ، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص.

٥ ـ إنّ في الجفر مجموعة نبوءات وحكم ، ورموز وعبر.

ويستخلص من مجمل هذه الأقوال ، أنّ الجفر يتضمّن ذكر الأخبار التي ستقع حتّى انقراض العالم.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : (وعندنا الجفر ، وهو أديم عكاظيّ ، قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه ، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة )(١) .

وللمزيد راجع الكتاب الذي أشرنا إليه في الإجابة على السؤال الأوّل.

____________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٨٠.

٢٥٥
٢٥٦

الجمع بين الصلاتين :

( العلي ـ ـ )

في صحيح البخاريّ ومسلم :

س : أُريد أن تتفضّلوا عليّ بذكر الأحاديث من كتب السنّة ، التي تؤيّد ما تنتهجه الشيعة في جمع الصلوات؟

ج : لا يخفى أنّ حجّتنا التي نتعبّد فيما بيننا وبين الله تعالى في مسألة الجمع بين الصلاتين ، وفي غيرها من المسائل ، إنّما هي في صحاحنا عن أئمّتناعليهم‌السلام .

وقد نحتجّ على أهل السنّة بصحاحهم لظهورها فيما نقول ، وحسبنا منها ما قد أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، وإليك ما أخرجه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر من صحيحه ، إذ قال :

( ١ ـ حدّثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر.

٢ ـ وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس قال : صلّيت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمانياً جميعاً ، وسبعاً جميعاً ، قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنّه أخّر الظهر وعجّل العصر ، وأخّر المغرب وعجّل العشاء ، قال : وأنا أظنّ ذاك.

٣ ـ وحدّثنا أبو الربيع الزهرانيّ عن ابن عباس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

٤ ـ حدّثنا أبو الربيع الزهرانيّ عن عبد الله بن شقيق قال : خطبنا ابن

٢٥٧

عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس ، وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟

ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته.

٥ ـ وحدّثنا ابن أبي عمر عن عبد الله بن شقيق العقيليّ قال : قال رجل لابن عباس : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : لا أُمّ لك أتعلّمنا بالصلاة؟ وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٦ ـ حدّثنا أحمد بن يونس عن ابن عباس قال : صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً بالمدينة ، في غير خوف ولا سفر.

٧ ـ وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس قال : جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمّته )(١) .

هذه الصحاح صريحة في أنّ العلّة في تشريع الجمع إنّما هي التوسعة بقول مطلق على الأُمّة ، وعدم إحراجها بسبب التفريق ، رأفة بأهل الأشغال ، وهم أكثر الناس.

وإليك ما اختاره البخاريّ في صحيحه :

١ ـ حدّثنا أبو النعمان عن ابن عباس : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء(٢) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١.

٢ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٧.

٢٥٨

٢ ـ حدّثنا آدم قال عن ابن عباس قال : صلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سبعاً جميعاً ، وثمانياً جميعاً(١) .

٣ ـ عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى المغرب والعشاء ـ يعني جمعهما ـ في وقت إحداهما دون الأُخرى(٢) .

وهذا النزر اليسير من الجمّ الكثير من صحاح الجماعة كاف في الدلالة على ما نقول.

ويؤيّده ما عن ابن مسعود إذ قال : جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأُولى والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : ( صنعت هذا لكي لا تحرج أُمّتي )(٣) .

والمأثور عن عبد الله بن عمر إذ قيل له : لم ترى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء مقيماً غير مسافر؟ أنّه أجاب بقوله : لأن لا يحرج أُمّته إن جمع رجل(٤) .

وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور كافّة متصافقون على صحّة هذه الأحاديث ، وظهورها فيما نقول من الجواز مطلقاً ، فراجع ما شئت ممّا علّقوه عليها يتّضح لك ذلك ، وحسبك ما نقله النوويّ عنهم في تعليقه على هذه الأحاديث من شرحه لصحيح مسلم.

( يعقوب نور ـ الكويت ـ )

رسول الله أوّل من جمع بينهما :

س : لماذا نرى في المذهب الشيعيّ الجمع بين الصلاتين ، كالظهر والعصر مثلاً.

____________

١ ـ المصدر السابق ١ / ١٤٠.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٤١.

٣ ـ المعجم الأوسط ٤ / ٢٥٢.

٤ ـ كنز العمّال ٨ / ٢٤٦.

٢٥٩

ج : في الحقيقة أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو أوّل من جمع بين الصلاتين في وقت واحد ، من غير ضرورة تلجئه إليه ، من سفر أو مطر أو غير ذلك ؛ والأخبار بذلك كثيرة في الصحاح الستّة ، ومسند أحمد ، وموطأ مالك ، وعلى سبيل المثال : عن ابن عباس قال : ( جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس : وما أراد بذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته )(١) .

مضافاً إلى أنّ في الجمع تسهيلاً على المكلّفين ، فيؤدّي هذا الأمر بالمآل إلى توسيع نطاق الالتزام بالصلاة عند الكلّ.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

وجه الجمع بينهما :

س : لماذا الجمع بين الصلاتين؟ وقد أمر الله بخمس صلوات في اليوم ، مع أنّ الشيعة يعرفون هذا ، ولكنّهم اتبعوا الإمام الحسين ، مع أنّه جمع الصلاتين لأنّه كان في حرب وهذا جائز ، أمّا عندما لا يكون للمرء ظروف تستدعيه للجمع ، فعليه أن يصلّي الصلوات منفردة ، وإلاّ فما الفائدة من تسميته بصلاة العصر أو العشاء؟ إذا كنّا سنصليه في غير وقته؟

ج : إنّ الجمع بين الصلاتين لم يكن من مختصّات الشيعة وحدهم ، بل اشترك جميع المسلمين في رواية جواز الجمع بين الصلاتين ، من دون عذر ولا مطرٍ ولا سفر ، وهذه الصحاح هي دليلنا على جواز الجمع.

ولنا أن نتساءل الآن عن سبب تحريم الجمع بين الصلاتين؟ مع ما ورد في

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢٣ و ٣٥٤ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، سنن أبي داود ١ / ٢٧٢ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٩٠ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١ ، المعجم الأوسط ٥ / ١١٣ ، المعجم الكبير ١٠ / ٣٢٧ ، تاريخ بغداد ٥ / ٤٠٤ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621