موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265516 / تحميل: 6272
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

جواز الجمع من صحاح صريحة ، فهل هناك دليل على حرمة الجمع يمكن أن تجدينه أيّتها الأُخت؟

لا أظنّك ستجدين دليلاً واحداً يقول بعدم جواز الجمع ، نعم هناك اعتذارات وتوجيهات لهذه الصحاح التي ذكرناها ، كلّها لا تقوى على إبطال قول الإمامية بجواز الجمع.

والإمامية تقول بالتفريق في الصلاة ، وتقول أيضاً بجواز الجمع ، فلا مانع في الإتيان بكلتي الرخصتين ، ولئلا يشقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أُمّته ، فقد أجاز الجمع بين الصلاتين ، وأنتِ ترين كم هو محرج حقّاً أن يواظب الإنسان ـ خصوصاً في هذا العصر مع تفاقم الانشغالات والالتزامات ـ الالتزام بالتفريق بين الصلاتين.

وإلى هنا ، فقد تبيّن أنّ الشيعة الإمامية لم تأخذ جواز الجمع من الإمام الحسينعليه‌السلام ، بل أخذته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استناداً إلى ما ذكرناه من الصحاح.

وبذلك تبيّن أيضاً عدم العلاقة بين تسمية صلاة الظهر وصلاة العصر وبين الجمع بينهما ؛ فإنّ الحكم لا يغيّر من حقيقة الموضوع ، فضلاً عن تسميته.

( تايف بن جرمان الهذلي ـ السعودية ـ سنّي )

أدلّته من الكتاب والسنّة :

س : فرض الله خمس صلوات على المسلمين ، وأراد تبارك وتعالى : إتيان الصلاة في وقتها ، هل تصلّون الخمس صلوات في أوقاتها؟ ولكم جزيل الشكر ، وبحفظ الله.

ج : إنّ الشيعة الإمامية ينفردون تطبيقيّاً في الجمع بين الصلاتين ، ويذهبون إلى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم ، بل الجمع عندهم من البديهيات ، وهم يعملون به في جميع الآفاق ، تابعين في ذلك أئمّتهمعليهم‌السلام ، الذي نهجوا نهج رسول

٢٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا لا تجد لهذه المسألة عنواناً في فقههم ـ مع أنّه موجود في أخبارهم ـ بينما على العكس من ذلك في فقه غيرهم.

فلقد جوّز مالك والشافعيّ وأحمد الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر و على تفصيل عندهم ، في حين منع أبو حنيفة ذلك!!

وممّا اتفق عليه الفريقان ـ شيعة وسنّة ـ هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة؟ والدليل على صحّة ما يذهب إليه الإمامية هو القرآن الكريم ، والسنّة النبويّة المطهّرة ، التي ترويها كتب الجمهور!

مواقيت الصلاة في القرآن :

١ ـ قوله تعالى :( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) (١) يقول الفخر الرازيّ ـ وهو أحد أعلام المفسّرين من أهل السنّة ـ : ( فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات ، وقت الزوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر.

وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقاً.

إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره )(٢) .

وعلى عادته في عدم استغلال النتائج ، وتنكّره لصحّتها ، مع كامل اعترافه

____________

١ ـ الإسراء : ٧٨.

٢ ـ التفسير الكبير ٥ / ٣٨٤.

٢٦٢

الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع ، يفضّل الرازيّ التشبّث ببعض الروايات الملائمة لأهوائه!

كما أيّد البغداديّ هذا الأمر بقوله : ( والحمل على الزوال أولى القولين : لكثرة القائلين به ، وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها ، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ،( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) أي ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدو الليل ، وهذا يتناول المغرب والعشاء ،( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يعني صلاة الفجر )(١) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (٢) .

يقول القرطبيّ في تفسير هذه الآية : ( لم يختلف أحد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة قوله تعالى :( طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال مجاهد : الطرف الأوّل صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر ، واختاره ابن عطية والزلف المغرب والعشاء )(٣) .

وفي تفسير القرآن العظيم عن مجاهد في قوله تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال : ( هي الصبح في أوّل النهار ، والظهر والعصر مرة أُخرى

وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه : وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هما زلفا الليل ، المغرب والعشاء ، وكذا قال مجاهد ومحمّد بن كعب وقتادة والضحّاك : أنّها صلاة المغرب والعشاء )(٤) .

فهذه الآيات ، وأقوال المفسّرين قد دلّت بصراحة على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة ، وهذا يعني أنّ جمع الصلاة عند الشيعة الإمامية موافق للأصل.

____________

١ ـ تفسير الخازن ٣ / ١٤٠.

٢ ـ هود : ١١٤.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٠٩.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٧٨.

٢٦٣

جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للصلاة :

ولقد جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء في المدينة ـ أي أنّه كان حاضراً وغير مسافر ـ ولم يكن هناك عارض من مطر أو مرض أو وقد أقرّت بذلك كتب أهل السنّة.

فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر )(١) .

وأيضاً عن ابن عباس قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء )(٢) .

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله ابن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته )(٣) .

وعن معاذ بن جبل قال : ( جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت : ما حمله على ذلك؟ فقال : أراد أن لا يحرج أُمّـتـه )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ١٥٢.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٨ ، تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٥ ، مسند أبي داود : ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال ٩ / ٣٠٣.

٤ ـ صحيح مسلم ١ / ٢٨٤ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٣ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٣٤٤ و ٨ / ٣٧٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢٦٧ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٥٨ ، كنز العمّال ٨ / ٢٤٧ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٤٣ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٢٣٥.

٢٦٤

وأخرج البخاريّ بسنده عن أبي أمامه قوله : ( صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثمّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك ، فوجدناه يصلّي العصر! فقلت : يا عم! ما هذه الصلاة التي صلّيت؟ قال : العصر ، وهذه صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كنّا نصلّي معه )(١) .

وكذا اخرج مالك في موطّئه عن ابن عباس : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر )(٢) .

كما أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أنّه قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً )(٣) .

ومصادر أُخرى ذكرت جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء ، من غير اضطرار(٤) .

وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور ـ القائلين بجواز الجمع وغير القائلين به ـ متّفقون على صحّة هذه الأحاديث وظهورها ، وتعليقاتهم خير دليل على ذلك! وحسبك ما نقله النوويّ في شرحه لصحيح مسلم ، والزرقانيّ في شرحه لموطّأ مالك ، والعسقلانيّ والقسطلانيّ ، وزكريا الأنصاريّ في شروحهم لصحيح البخاريّ ، وسائر من علّق على أيّ كتاب من كتب السنن المشتمل على أحاديث عبد الله بن عباس في الجمع بين الصلاتين.

علّة الجمع :

ولقد كانت الأحاديث التي روتها الصحاح ، كحديث ابن عباس : أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته ، وحديث معاذ بن جبل : أراد أن لا يحرج أُمّته ، صريحة في بيان العلة ، فجمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشائين ، هو

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٨.

٢ ـ الموطّأ ١ / ١٤٤.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢١.

٤ ـ سنن أبي داود ١ / ٢٧١ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٨٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١.

٢٦٥

للتوسعة على الأُمّة ، وعدم إحراجها بالتزام التفريق ، رأفة بأهل المشاغل ـ وهم أغلب الناس ـ لأنّ التفريق لا يتيسّر لكلّ أحد ، وعدم اليسر لا يجتمع مع سهولة الشريعة وسماحتها ، إذ إنّ التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجّهاً للصلاة على مضض! أو تركها أصلاً!

ولقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن خلال فعله المبارك ، فلماذا ينكر المخالفون أمر الله وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا يتأوّلون هذا التشريع ويتركون غيره؟!

فالجمع ميسور لكلّ إنسان ، ولا يتنافى مع الشرع الصحيح ، ويقبله العقل والذوق السليم ، فهو يتماشى مع القرآن ، ويهتدي بالسنّة.

ولقد اتفقت مرويّات أهل البيتعليهم‌السلام مع الآيات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال ، ومع الأحاديث الشريفة التي رويت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان وإقامتين )(١) .

هذا بالإضافة إلى أحاديث كثيرة مروية عن أهل البيت النبويّ الطاهر بهذا الخصوص.

( أحمد الصنعانيّ ـ اليمن ـ سنّي ـ ٣٢ سنة ـ طالب علم )

بحث حول جوازه لعذر وغيره :

س : أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار ، وهذا تيسير كبير ، فقد ورد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع في غير سفر ولا مطر ، فسئل في ذلك ابن عباس فقيل له :

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨.

٢٦٦

ما أراد بذلك؟ فقال : أراد ألاّ يحرج أُمّته.

فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كلّ فرض في وقته ، فيمكن الجمع ، على ألاّ يتّخذ الإنسان ذلك ديدناً وعادة ، كلّ يومين أو ثلاثة ، وكلّما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن ، إنّما جواز ذلك في حالات الندرة ، وعلى قلّة ، لرفع الحرج والمشقّة التي يواجهها الإنسان.

فمثلاً ، شرطي المرور إذا كانت نوبته قبل المغرب إلى ما بعد العشاء ، فله أن يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير ، على حسب استطاعته ، أو طبيب يجري عملية لمريض ، ولا يستطيع تركها ، يمكنه في هذه الحالة أن يجمع جمع تقديم أو تأخير ، وذلك ممّا شرع تيسيراً من الإسلام لأهله ، ورفعاً للحرج عنهم.

أمّا الذهاب إلى الاحتفال بمناسبة من المناسبات ، فلا أرى ضرورة أو عذراً للجمع ، مادام الإنسان يجد فرصة هناك للصلاة ، وينبغي ألاّ يستحي بإقامته للصلاة ـ سواء كان رجلاً أو امرأة ـ لأنّ هذا الحياء غير جائز فيما يتعلّق بالصلاة وأدائها في أيّ مكان ، بل الواجب فيمن يقيم الصلاة أن يجعل من نفسه قدوة صالحة للآخرين حتّى يتعلّم الناس الصلاة ، لأنّها من شعائر الله التي يجب أن تظهر ، وأن يجاهر المسلمون بها ويعظّموها( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) .

وإن ممّا يعاب على كثير من الاحتفالات الرسمية التي تقام في كثير من البلاد الإسلاميّة ، أنّها تبتلع أوقات الصلاة ـ وبخاصّة المغرب ـ دون أن تبالي بحقّ الله تعالى ، وبضمائر المؤمنين الحريصين على أداء الصلوات في مواقيتها.

ولو أنّ المحافظين على الصلاة الذين يحضرون مثل هذه الاحتفالات ، قاموا إلى الصلاة عند حضور وقتها ، قومة رجل واحد ، لحسّب المسؤولون عن تلك الاحتفالات لوقت الصلاة ألف حساب وحساب.

____________

١ ـ الحجّ : ٣٢.

٢٦٧

وعلى كلّ حال ، من وجد حرجاً أو مشقّة في صلاة كلّ صلاة في وقتها ، فله أن يجمع كما ذكرنا ، والله الموفّق للسداد.

ج : لقد قرأنا مقالكم الذي نعتزّ به ونقدّره ، ونلفت انتباهكم إلى أنّ الرخصة الواردة في الجمع مطلقة ، غير مخصّصة بالعذر ، بالأخصّ إذا لاحظنا بعين الاعتبار التسهيل على الأُمّة ، فيمكن أن يجمع الناس دائماً ، وإن كان التفريق أفضل.

هذا مع العلم أنّ الروايات المروية عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام صريحة وواضحة في جواز الجمع مطلقاً ، وأمّا ما روي عن طريق أهل السنّة ، فيمكن إثبات الرخصة المطلقة أيضاً ، وذلك لما روي عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر )(١) .

وفي حديث وكيع قال : ( قلت لابن عباس : لم فعل ذلك؟ قال : كي لا يحرج أُمّته )(٢) .

وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس : ( ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته )(٣) .

وعن جابر بن يزيد عن ابن عباس : ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٩٠ ، سنن أبي داود ١ / ٢٧١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٨٥ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٤٧١ ، المعجم الكبير ١٢ / ٥٨ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٥٣ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٢٣٦.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ٣٥٤ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٧.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، الجامع الكبير ١ / ١٢١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧.

٤ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٧ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، مسند ابن الجعد : ٢٤٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ١٥٧ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٤٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٣٧.

٢٦٨

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته )(١) .

قال النوويّ : ( وأمّا حديث ابن عباس ، فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال : منهم من تأوّله على أنّه جمع بعذر المطر ، هذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدّمين ، وهو ضعيف بالرواية الأُخرى : من غير خوف ولا مطر.

ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم ، فصلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر دخل فصلاّها ، وهذا أيضاً باطل ، لأنّه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله على تأخير الأُولى إلى آخر وقتها ، فصلاّها فيه ، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل ، لأنّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب ، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره ، صريح في ردّ التأويل.

ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ، ممّا هو في معناه من الأعذار ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطّابيّ ، والمتولّي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٨ ، تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٥ ، مسند أبي داود : ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال ٩ / ٣٠٣.

٢٦٩

لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر )(١) .

ولكن الوجه الذي اختاره النوويّ ، ومن سبقه غير صحيح ، لأنّ فعل ابن عباس لا يوحي بالمرض ، إذ كيف يتسنّى لمريض أن يخطب منذ العصر ، وحتّى ظهور النجوم ، فإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع بسبب المرض ، فما عذر ابن عباس في الجمع ، ولا أدري ما وجه موافقة أبي هريرة في الدلالة على المرض؟!

وقد ردّ القسطلانيّ هذا العذر بقوله : ( وحمله بعضهم على الجمع للمرض ، وقوّاه النوويّ لأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ، وتعقّب بأنّه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجّح ، وتخصيص بلا مخصّص.

وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث ، فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة ، لمن لا يتّخذه عادة ، وبه قال أشهب والقفال الشاشي ، وحكاه الخطّابيّ عن جماعة من أصحاب الحديث ، وتأوّله آخرون على الجمع الصوريّ بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها ، وعجّل العصر في أوّل وقتها ، وضعّف لمخالفته الظاهر )(٢) .

أمّا الترمذيّ ، فقد أورد هذه الروايات في جامعه ، وادّعى في كتاب العلل أنّ هذا الحديث غير معمول به ، ولكن المباركفوري قال : ( قال الترمذيّ في كتابه العلل ما لفظه : جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( من شرب الخمرة فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه )(٣) قال : وقد بيّنا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب.

قلت : وقد تعصّب المُلاّ معين في كتابه دراسات اللبيب على كلام الترمذيّ

____________

١ ـ شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٨.

٢ ـ إرشاد الساري ٢ / ٢٢٢.

٣ ـ تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٨.

٢٧٠

هذا ، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول بهما ، والحقّ مع المُلاّ معين عندي والله تعالى أعلم.

أمّا رواية حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من جمع بين صلاتين بغير عذر ، فقد أتى باباً من أبواب الكبائر )(١) ، فإنّ الترمذيّ بعد أن أخرج هذا الحديث ، قال : حنش هذا أبو علي الرحبي متروك )(٢) .

وقال ابن حجر في ترجمة حنش : ( قال البخاريّ : أحاديثه منكرة جدّاً ، ولا يكتب حديثه ، وقال العقيليّ : له غير حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلاّ به ولا أصل له ، وقد صح عن ابن عباس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر )(٣) .

____________

١ ـ مسند أبي يعلى ٥ / ١٣٦ ، المعجم الكبير ١١ / ١٧٢ ، سنن الدارقطنيّ ١ / ٣٨٠.

٢ ـ سنن الدارقطنيّ ١ / ٣٨٠.

٣ ـ تهذيب التهذيب ٢ / ٣١٤.

٢٧١
٢٧٢

الحجاب :

( محمّد ـ أمريكا ـ )

فلسفته :

س : ما هي فلسفة الحجاب؟ ولماذا هو واجب في الإسلام؟

ج : إنّ فلسفة الحجاب مذكورة في القرآن الكريم ، قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (١) .

وقال أيضاً :( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (٢) .

حيث بيّن علّة الحجاب بقوله :( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) من الخواطر المريبة والشيطانية ، وأجلب للعفّة ، وأبعد للتهمة ، وأقوى في الحماية.

فالآيتان الشريفتان تدلاّن على وجوب الحجاب ، بالإضافة إلى ورود روايات عن النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام تؤكّد وجوب الحجاب.

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٩.

٢ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢٧٣

والسيرة العملية للمسلمين في مختلف الأدوار والبلدان قائمة على حفظ الحجاب.

هذا بالإضافة ما للحجاب من آثار إيجابية في حفظ الروابط العائلية والأُسرية ، والعلاقة الزوجية بين المرأة وزوجها ، وأهلها وذويها ، وكلّما تكون المرأة محجّبة فستكون ارتباطاتها وعلاقاتها بأهلها وذويها أتمّ ، وصيانتها أكثر ، وخاصّة إذا كانت متزوّجة ، وكلّما كان هناك سفور وخلاعة فستكون المرأة مبتذلة ، وستكون غير ملتزمة بشيء من الآداب الدينية والأخلاق الرفيعة.

( محمّد آل إبراهيم ـ السعودية ـ )

هو من مصلحة الفرد والمجتمع :

س : يطرح إشكال في وسط بعض الشباب ، وهو : هل الدين شأن فردي أم هو شأن اجتماعيّ؟ يعني هل المظاهر الاجتماعيّة من حجاب وغيره ، هو أمر خاصّ بالمرأة وقناعتها؟ أم هو واجب تلتزم به اجتماعيّاً حتّى ولو لم تكن مقتنعة به شرعاً؟

ما هو الردّ المناسب في هذا المجال ، وحفظكم الله من كلّ سوء ، ونفع بكم المسلمين.

ج : إنّ الحجاب وأمثاله ممّا أوجبه الله تعالى واجب على المرأة أن تلتزم به ، ولو لم تكن مقتنعة به ، لكن لابدّ من تبيين فلسفة الحجاب وأمثاله للمرأة المسلمة ، حتّى تعمل بهذا الواجب الإلهيّ عن قناعة ، فإنّ الله تعالى لم يفرض على عباده شيئاً ، ولم ينههم عن شيء إلاّ لمصلحة الفرد والمجتمع وإصلاحهما.

( علي ـ المغرب ـ ٢٢ سنة ـ ليسانس )

عدم قناعة المرأة به لا يسقط الفرض :

س : إذا كان ارتداء الحجاب نتيجة ضغوط معيّنة ، أو عن عدم اقتناع ، فأظنّ أنّه لا داعي لارتدائه.

٢٧٤

إنّ فهم عمق الحجاب الذي يتعدّى مجرد كونه قيد اجتماعيّ ، وإلى كونه يعبّر عن هوية المرأة المسلمة ، وعن كينونيتها الحقيقيّة ، إنّ مثل هذا الفهم الواعي للحجاب ، سوف يجعل المرأة المسلمة تفتخر بلباسها ، وهويّتها أينما حلّت وارتحلت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ وجوب الحجاب من المسلّمات في الشريعة الإسلاميّة ، لاشكّ لأحد فيه ، وحكمه حكم سائر الواجبات ، نعم إذا كان عن قناعة ذاتيّة مصحوبة بالدليل فهو المطلوب ، وعلينا أن نوصل فلسفة الحجاب إلى جميع النساء ، ليرتدين الحجاب عن قناعة كاملة ، ولكن إذا لم تتوصّل المرأة إلى قناعة تامّة ، فهل يسقط الفرض؟!

الجواب واضح : بأنّ الوجوب باق ، وتأثم من لا ترتدي الحجاب ، وهذا حكمه حكم سائر الفرائض ، إذا لم يتوصّل الإنسان إلى حكمتها ، فإنّها لا تسقط عنه.

( أحمد ـ السعودية ـ )

لا فرق في مشروعيته بين الحرّة والأمة :

س : لماذا يفرّق الشارع في الحجاب بين الحرّة والأمة؟ وما هو معنى الحجاب؟ وماذا يريد الشارع منه؟

ج : قال الله تعالى :( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

وقال تعالى :( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ

____________

١ ـ النور : ٣٠ ـ ٣١.

٢٧٥

أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (١) .

وقال تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) .

فقد حدّدت الآيات هدف التشريع من إيجاد العازل والحجاب بين الجنسين ـ الذكر والأنثى ـ هو المحافظة على جوّ العفّة والطهارة من الفواحش ، والانتهاكات الجنسية الرذيلة ، والغضّ من الطرفين غير مقيّد بالحرّ والحرائر دون العبد والإماء ، بل هو عامّ لجميع المؤمنين ، لاسيّما إذا اشتمل على تلذّذ جنس ونظرات مرتابة.

نعم ، قد استثنى جملة من الفقهاء لزوم التجنّب من وقوع النظر ، بالنسبة إلى النساء المتهتّكات في الحجاب ، لكن شرط عدم التلذّذ من النظر إليهن.

أمّا لزوم الحجاب والتستّر على الحرائر دون الإماء في الآيات الكريمة ، فليس بمعنى عدم مشروعية الحجاب للأمة ، وحرمة الحجاب عليها ، فهذا لم يقل به قائل من فقهاء الإمامية ، وذهاب عمر إلى ذلك فهو وشأنه ، لا صلة لفهمه بالآيات الكريمة ، وإنّما مؤدّى الآيات هو قصر الوجوب على الحرائر دون الإماء.

وذلك لكون الإماء في الغالب إنّما استعبدت بسبب الكفر ، كي تمرّ ببيئة مسلمة تربوية تتعرّف فيها على الدين والإيمان ، ومع كونهن في الغالب من الكافرات ، فالخطاب الديني كيف يتوجّه إليهن ، فالمشروعية للحجاب عامّ لكلّ من الحرائر والإماء ، إلاّ أنّ اللزوم هو على الحرائر كمسؤولية أشد ، لارتفاع المستوى التربوي فيهن.

كما لا يعني هذا القصر ـ من تحميل المسؤولية بنحو اللزوم على الحرائر ـ

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٢٧٦

جواز انتهاك أعراض الإماء ، كما يتوهّمه هذا القائل ، فإنّ ذلك لم يتوهّمه أحد من الآيات أو الفتاوى.

( أحمد ـ مصر ـ ٢٢ سنة ـ طالب )

الأدلّة على وجوب ستر الوجه والردّ عليها :

س : سؤالي عن النقاب ، وهو أن تغطّي المرأة وجهها بحيث لا يظهر منه إلاّ العينان ، هل له أدلّة في المذهب الشيعيّ؟ وهل كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام والسيّدة زينب ، وكلّ أُمّهات المؤمنين يظهرن أمام الرجال ووجوههن مكشوفة؟ أم كنّ يرتدين النقاب؟

ج : لقد اختلف الفقهاء في جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية مع عدم التلذّذ والريبة ، فمن الأقوال في ذلك قول بعدم الجواز مطلقاً إلاّ لحاجة ، وقول بالجواز مطلقاً على كراهية.

ومن أدلّة القائلين بعدم جواز النظر إلى وجه المرأة ، ما يؤدّي بالتالي إلى ستر المرأة وجهها ، ما يأتي :

١ ـ قوله تعالى :( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (١) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّها تدلّ على العموم.

٢ ـ قوله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) (٢) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّ الوجه من الزينة ، والذي يؤيّد هذا الفهم مفهوم الأخبار القائلة في أنّه لابأس بالنظر إلى وجه من يراد تزويجها ، حيث اشترط في بعضها عدم البأس بصورة إرادة التزويج.

٣ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إنّ النظر سهم من سهام إبليس مسموم )(٣) .

____________

١ ـ النور : ٣٠.

٢ ـ النور : ٣١.

٣ ـ الكافي ٥ / ٥٥٩.

٢٧٧

٤ ـ قول الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام : (ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينيّن النظر )(١) .

٥ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : (وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة )(٢) .

٦ ـ مكاتبة الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّدعليه‌السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، ويسمع كلامها ، إذا شهد عدلان أنّها فلانة بنت فلان ، التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها ، حتّى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّععليه‌السلام : ( تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء الله )(٣) .

٧ ـ جريان السيرة على منع النساء من أن يخرجن متكشّفات.

٨ ـ إنّ النظر مظنّة الشهوة والفتنة ، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب.

٩ ـ خبر المرأة الخثعمية التي جاءت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجه الفضل عنها ، وقال : (رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما )(٤) .

وقد ردّت جميع تلك الأدلّة ، بما يأتي :

١ ـ إنّ آية الغضّ لا تفيد العموم.

٢ ـ إنّ قوله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) مخصّصة بقوله :( إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) ، وقد مرّ في رواية بالثياب والكحل وخضاب الكفّ والسوار ، ولا ريب أنّ إبداء الأخيرين مستلزم لإبداء الكفّين غالباً.

هذا بالإضافة إلى الروايات التي توضّح خروج الوجه والكفّين عن الزينة ،

____________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ الكافي ٥ / ٥٥٩.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٣ / ٦٧.

٤ ـ إيضاح الفوائد ٣ / ٦.

٢٧٨

مثل صحيحة الفضيل ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) ؟ قال : (نعم ، وما دون الخمار دون الزينة ، وما من السوارين )(١) ، ففيها دلالة ظاهرة على خروج الوجه والكفّين عن الزينة التي يحرم إبداؤها ، هذا بالإضافة إلى أخبار أُخرى تجوّز إظهار الوجه والكفّين.

وأمّا الأخبار التي تدلّ على اشتراط جواز النظر بإرادة التزويج ، ففيه أوّلاً : إنّ سياقه الشرط فيها ليس مفيداً للتعليق ، كما يظهر بالتأمّل فيها ، مع أنّه لو سلّم ثبوت المفهوم ، فقد عرفت أنّ الجواز هناك غير مشروط بما يشترط هنا من عدم قصد اختيار حسن المرأة خلقة ، ولون وجهها وقبحها وقابليتها للمعاشرة والمباشرة وعدمها ، ولاشكّ أنّ النظر بهذا القصد معلّق على إرادة التزويج ، مع أنّ الجواز هناك أُريد به الإباحة بالمعنى الأعم ، وهو معلّق على إرادة التزويج ، هذا كلّه مع أنّ في الأخبار التي ذكرناها كفاية في الخروج عن ظاهر المفهوم ، بحمل البأس على الكراهة.

٣ ـ وأمّا فيما دلّ على أنّ النظر سهم من سهام إبليس ، فلإنّه ظاهر فيما كان عن شهوة كما لا يخفى ، وكذا ما دلّ على أنّ ( زنى العين النظر ) ، ويشهد له قولهعليه‌السلام : ( وزنا الفم القبلة ) ، فإنّها لا تكون إلاّ عن شهوة.

٤ ـ أمّا قوله : ( ربّ نظرة أورثت حسرة ) فلأنّه على وجه الإيجاب الجزئي ، ولا يجدي في ما نحن فيه.

٥ ـ وأمّا في المكاتبة ، فلعدم وجوب التنقّب أوّلاً ، واحتمال كون الأمر بالتنقّب من جهة اباء المرأة عن التكشّف لكونها متستّرة مستحية عن أن تبرز للرجال ، فإنّ ذلك ممّا يشقّ على كثير من النساء ، وإن كان جائزاً ، إذ ربّ جائز يشقّ من جهة الغيرة والمروءة.

____________

١ ـ وسائل الشيعة ٢٠ / ٢٠٠.

٢٧٩

٦ ـ وأمّا جريان السيرة على المنع ، فإنّه لا يخفى أنّ هذا المنع ليس بآكد من منع تكشّفهن لمن يريد تزويجهن ، بل هذا آكد بمراتب شتّى ، ومع ذلك فالثابت أنّه فعل جائز ، وما الإنكار في المقامين إلاّ لأجل الغيرة والاستحياء ، إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار.

٧ ـ وأمّا فيما ذكره من أنّ النظر مظنّة الشهوة ووقوع الفتنة ، ففيه أنّ المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة دون التحريم ، كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعيّة ، مع أنّ هذا استحسان لا نقول به.

٨ ـ وأمّا خبر الخثعمية ، فهو على جواز النظر أدلّ كما لا يخفى ، الخبر إنّما يصلح أن يكون دليلاً لحرمة النظر مع الريبة مطلقاً ، لأنّها بأيّ معنى كانت من الشيطان.

فالحصيلة من كلّ هذا : إنّ كلّ الأدلّة التي قيلت في عدم جواز النظر إلى الوجه ، وما يستتبعه من ستر الوجه على المرأة لا تنهض في قبال أدلّة القائلين بالجواز ، فلذلك إنّ من قال بعدم جواز النظر جعل ذلك على سبيل الاحتياط.

أمّا الأخبار الواردة عن الزهراءعليها‌السلام ، والتي تدلّل على مدى محافظتهاعليها‌السلام على الحجاب ، مثل قولهاعليها‌السلام : ( ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها )(١) ، وإجابتها على سؤال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المرأة : ( متى تكون أدنى من ربّها )؟ فأجابت : ( أدنى ما تكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها )(٢) .

والأخبار التي تنقل عنها أنّها عندما تكلّمت مع أبي بكر ، وحشر من المسلمين ، نيطت دونها ملاءة ، وإنّهاعليها‌السلام كانت مرتدية لرداء على وجهها حال زفافها لعليعليه‌السلام ، فإنّ هذه الأخبار لا تدلّ على وجوب ستر المرأة لوجهها.

وما قالته أو عملته الزهراءعليها‌السلام ما هو إلاّ الحالة المثالية للمرأة ، وإذا كانتعليها‌السلام بهذا المستوى من الحجاب ، فلأنّهاعليها‌السلام القمّة للمرأة المثالية ، التي تعمل

____________

١ ـ دعائم الإسلام ٢ / ٢١٥.

٢ ـ بحار الأنوار ٤٣ / ٩٢.

٢٨٠

المستحبّات ، وتنتهي عن المكروهات ، فلا يمكن أن يكتشف من فعلها وجوب ستر الوجه للمرأة.

وكذلك الحال بالنسبة لزينبعليها‌السلام ، التي استنكرت من يزيد إبداء وجوه النساء ، وإنّ أُمّ كلثوم خطبت بالناس من وراء كلّتها ، فإن تصرف تلكن النساء العظيمات لم يفهم منه الفقهاء وجوب ستر الوجه على المرأة ، بل إنّه عمل راجح للمرأة.

وأمّا أُمّهات المؤمنين ، فقد نزلت في حقّهن آية أن لا يسألوهن إلاّ من وراء حجاب ، وقد قيل : إنّ هذه الآية من مختصّاتهن.

٢٨١
٢٨٢

الحديث :

( أبو علي الموسويّ ـ ـ )

ابن شهر آشوب وتوثيقه لأبي سعد الدجاجيّ :

س : جاء في كتاب مناقب آل أبي طالب ٣ / ٥٧ ما نصّه : ( أحمد بن حنبل ، عن عبد الرزاق ، عن المعمّر ، عن الزهري ، عن ابن المسيّب ، عن أبي هريرة وابن بطّة في الإبانة ، عن ابن عباس ، كلاهما عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في حلمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى إدريس في تمامه وكماله وجماله ، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل ) ، قال : فتطاول الناس بأعناقهم فإذا هم بعلي كأنّما ينقلب في صبب ، وينحط من جبل ).

وكما تلاحظون فإنّ الإسناد صحيح ، وغير مطعون فيه أبداً ، لكن المشكلة هي : من أين نقل ابن شهر آشوب هذا الحديث عن أحمد؟

ذكر في كتابه : أنّه نقل أحاديث أحمد عن طريق هذه السلسلة : عن أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ ، عن الحسن بن علي المذهب ، عن أبي بكر بن مالك القطيفيّ ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه.

وكلّ من في السلسلة معروف ، إلاّ أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ ، فمن هو؟ وما هي ترجمته؟ وهل صحّت روايته عن الحسن بن علي المذهب؟

ج : سألت عن أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ ، ومدى توثيقه عند العامّة أو الخاصّة ، فنقول : إنّا لم نجد صراحةً اسم أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ في كتب الرجال ، بل هناك من يسمّى بالدجاجيّ ، هو محمّد بن علي الدجاجيّ ،

٢٨٣

وثّقه ابن ماكولا في الإكمال بتعليقة قال : ( وكان ثقة في الحديث )(١) .

وذكره السمعاني في الأنساب ، في باب الدال والجيم ، ولا يبعد أن يكون المشار إليه هو أبو سعد الدجاجيّ ، فإنّ كثيراً من الرواة تتعدّد أسماؤهم وكناهم ، فبعضهم يعرفونهم بالكنية ، وآخرون بالاسم الصريح.

ومهما يكن من شيءٍ ، فإنّ ابن شهر آشوب صرّح في مقدّمة كتابه المناقب : أنّ ما أورده من روايات هذا الكتاب هو ما صحّ عنده ، وهذه شهادة مهمّة على توثيقه لطرق رواياته من الخاصّة والعامّة ، ويكفينا قوله : فصحّ لي الرواية عنهم ، بأن أقول : حدّثني وأخبرني وأنبأني ، وسمعت واعترف لي بأنّه سمعه ، ورواه كما قرأته ، وناولني من طرق الخاصّة.

فقد وثّق من نقل عنه ، أو سمعه ، أو أخبره مباشرة ، وكان من هؤلاء أبو سعد الدجاجيّ ، الذي نقل عنه كتاب أحمد بن حنبل.

فإنّ شهادة ابن شهر آشوب ترقى إلى مستوى الحسّ ، من رجلٍ شهدت له الطائفة بالعلم والزهد والعبادة ، فضلاً عن معرفته بالرجال.

وقال السيّد الخوئيّ في معجمه : ( قال السيّد التفريشي في النقد : محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندرانيّ ، رشيد الدين ، شيخ هذه الطائفة ، وفقيهها له كتب ، منها كتاب الرجال ، وقال الشيخ الحرّ كان عالماً فاضلاً ثـقـة )(٢) .

وأثنى عليه ابن حجر العسقلانيّ ثناءً حسناً ، وقال عنه بعد مدحه : ( اشتغل بالحديث ، ولقى الرجال ، ثمّ تفقّه ، وبلغ النهاية في فقه أهل البيت )(٣) .

ممّا يشعر بأنّ الرجل كان مقبولاً حتّى عند العامّة ، فضلاً عن الخاصّة.

وأثنى عليه كذلك من العامّة الصفدي فقال : ( ووعظ على المنبر أيّام المقتفي

____________

١ ـ الإكمال ٤ / ٢٠٨.

٢ ـ معجم رجال الحديث ١٧ / ٣٥٤.

٣ ـ لسان الميزان ٥ / ٣١٠.

٢٨٤

ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه )(١) ، وأثنى عليه كثيراً.

وذكره كذلك الفيروز آباديّ في البلغة ، وقال عنه السيوطيّ : ( ونبغ في الأُصول حتّى صار رحلة ـ أي يقصده العلماء من كلّ مكان ـ )(٢) .

ولا ننسى أنّ ابن شهر آشوب من علماء الطائفة ، في القرن السادس الهجريّ ، فهو من جملة متقدّمي علماء الطائفة ، ممّا يعدّ توثيقه أشبه بالحسّ منه إلى الحدس ، لذا فإنّ توثيقه لأبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ يعدّ كافياً لنا ، ولعلّه لم يقع بأيدينا مصدراً رجالياً يذكر أبو سعد الدجاجيّ ، وهذا لا يعني نفي الرجل ، بل أنّ كثيراً من الرواة ذكرهم الرجاليون ، دون أن نعثر عليهم في مكان آخر.

وبذلك توثيق أبو سعد الدجاجيّ ممّا لا ريب فيه ، استناداً إلى توثيق وشهادة ابن شهر آشوب.

( ـ ـ )

ذكر الأحاديث الضعاف في الكتب الأربعة :

س : لماذا ذكر أصحاب الكتب الأربعة بعض الأحاديث الضعاف؟ أو حتّى ما يمسّ العقيدة بشيء من التجريح ، وهي التي يأخذها علينا أهل السنّة ـ وإن كانت صحاحهم مملوءة بذلك ـ فسؤالي هو : لماذا ذكر هؤلاء تلك الأحاديث؟ مع ما في ظاهرها من الباطل؟

ثمّ إنّ ذهاب جمع من الإخباريّين إلى صحّة رواية الكتب الأربعة ، ألا يقدح بالمذهب؟ لما ذكرته من وجود روايات غير صحيحة فيها؟

ج : لا يوجد عندنا ـ نحن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ـ كتاب صحيح من أوّله إلى آخره ، سوى القرآن الكريم ، وعلماؤنا كان همّهم بالدرجة الأُولى

____________

١ ـ الوافي بالوفيات ٤ / ١١٨.

٢ ـ طبقات المفسّرين : ٩٦.

٢٨٥

جمع الأحاديث في الكتب.

ويشهد بذلك ، أنّ نفس هؤلاء العلماء ـ الذين ألّفوا هذه الكتب الجامعة للأحاديث ـ عندما نرجع إلى مؤلّفاتهم في العقائد ، نرى بأنّهم يعتقدون بالعقائد الحقّة ، التي نعتقدها نحن الآن ، على خلاف ما تدلّ عليه بعض الأخبار ، التي ذكروها هم في كتبهم الحديثية ، ممّا يدلّ على أنّهم في كتبهم الحديثية ، لم يكونوا ملتزمين بالصحّة ، وأنّه لا تدلّ روايتهم لحديث على اعتقادهم بمضمون ذلك الحديث ، فكان همّهم في تلك العصور أن يجمعوا الروايات.

أمّا في خصوص الروايات المتعلّقة بالأحكام الشرعيّة الفرعية ، فأكثرها مستنبطة من الكتب الأربعة المذكورة في السؤال ، وهذا لا يدلّ على أنّ كلّ حديث موجود في هذه الكتب فهو صحيح.

وأمّا أن تكون روايات هذه الكتب كلّها من الأوّل إلى الآخر صحيحة ، فلا يقول به أحد إلاّ مجموعة من الإخباريّين ، وكان هذا الرأي الضعيف قد ردّ عليه علماؤنا في كتبهم ، ولا يوجد الآن من يعتقد بهذا الرأي من علمائنا ، لذلك سمّي أُولئك بالإخباريّين ، وسمّي سائر العلماء بالأصوليّين. والإخباريّون وإن كانوا من علمائنا الذين نحترمهم ، إلاّ أنّ مدرسة الإخباريّين تميّزت بآراء لم يكن لها أُسس علميّة متينة ، ولذلك لم يكتب لها البقاء والاستمرار في الأوساط العلميّة.

( عبد الرزاق ـ الكويت ـ سنّي ـ ٣٠ سنة ـ طالب ثانوية )

حديث الطينة في مصادر أهل السنّة :

س : ما هي عقيدة الطينة؟ ولا أقصد بذلك التربة ، ولكن الطينة التي كما قرأتها للكليني ( باب طينة المؤمن والكافر ).

ج : إنّ أحاديث الطينة ومضامينها ليست ممّا تنفرد بها الشيعة ، كيف وقد وردت روايات كثيرة في هذا المجال عند أهل السنّة ، فعلى سبيل المثال جاء :

٢٨٦

(وجعلت شيعتكم من بقية طينتكم )(١) .

وجاء : (خلقت ذرّية محبّينا من طينة تحت العرش ، وخلقت ذرّية مبغضينا من طينة الخبال ، وهي في جهنّم )(٢) .

وجاء : (فيها طينة خلقنا الله تعالى منها ، وخلق منها شيعتنا ، فمن لم يكن من تلك الطينة ، فليس منّا ، ولا من شيعتنا )(٣) .

وجاء : (إنّ الله خلق عليّين ، وخلق طينتنا منها ، وخلق طينة محبّينا منها ، وخلق سجّين ، وخلق طينة مبغضينا منها ، فأرواح محبّينا تتوق إلى ما خُلِقت )(٤) .

وأيضاً ، وردت أحاديث فيها مضامين دالّة على معنى الطينة ، فمنها : (السعيد من سعد في بطن أُمّه ، والشقي من شقي في بطن أُمّه )(٥) .

ثمّ إنّ علمائنا الأبرار ذكروا وجوهاً للتفصّي في المقام :

منها : أنّها أخبار آحاد لا تفيد علماً ، بل وأنّ في إسناد بعضها ضعف بيّن ، حتّى أنّ العلاّمة المجلسيّ في شرحه للكافي ، ضعّف كافّة أسانيد روايات هذا الباب السبعة(٦) ، مضافاً إلى معارضتها مع ما يدلّ على اختيار الإنسان بين الخير والشرّ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٧) .

ومنها : أنّها تدلّ على الاختلاف التكوينيّ في قابليّات النوع البشري.

____________

١ ـ الشيعة في أحاديث الفريقين : ٢٣٢ ، عن در بحر المعارف للشيخ ابن حسنويه الحنفيّ : ٦٥ مخطوط.

٢ ـ الفضائل : ١٧٠.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٥.

٤ ـ المصدر السابق ٤١ / ٢٥٥.

٥ ـ المعجم الأوسط ٣ / ١٠٧ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٨ ، كنز العمّال ١ / ١٠٧ ، فيض القدير ٤ / ١٨٤ ، كشف الخفاء ١ / ٤٥٢.

٦ ـ مرآة العقول ٧ / ١.

٧ ـ البلد : ١٠.

٢٨٧

ومنها : ـ وهو الصحيح على التحقيق ـ أنّها منزّلة على العلم الإلهيّ ، فكما أنّ علم الله لا ينتج منه الجبر ـ كما قرّر في محلّه ـ هذا الأمر في المقام أيضاً لا يوجب الجبر.

وعليه فالواجب علينا : أن نقتفي الأحكام الظاهريّة ، ونسعى في سبيل هداية الناس ، لأنّ العلم الإلهيّ لا يولّد وظيفةً قطّ.

( غدير ـ الكويت ـ )

كتبه التي يرجع إليها الشيعة :

س : أُودّ معرفة ما هي الكتب التي يرجع إليها المذهب الشيعيّ في أحاديثهم؟ مثال لتوضيح السؤال : أعني أنّ المذهب السنّي يرجع إلى مختار الصحاح ، فنحن إلى ماذا نرجع؟

ج : إنّ الشيعة ترجع إلى الكتب الأربعة ، وهي : الكافي ، من لا يحضره الفقيه ، الاستبصار ، التهذيب ، وغيرها من كتب الحديث.

ولكن هناك فرق ، فإنّ عند أكثر أهل السنّة : أنّ الصحاح كلّها صحيحة ، وعند الشيعة : كلّ كتاب غير القرآن المجيد خاضع للبحث في السند ، وهذا البحث يختصّ بالعلماء المطّلعين.

( سيّد عدنان ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب ثانوية )

معنى من قارف ذنباً فارقه عقل :

س : ما معنى هذا الحديث النبويّ الشريف : ( من أذنب ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً )؟

ج : لم يرد هذا الحديث في المجامع الروائية عند الفريقين ، مثل الكتب الأربعة ، والبحار ، والصحاح الستّة ، والمسانيد ، والسنن ، بل جاء في بعض الكتب الأخلاقية والعرفانية بصورة مرسلة بعبارة : ( من قارف ـ قارن ـ ذنباً

٢٨٨

فارقه عقل لا يعود ـ لم يعد ـ إليه أبداً )(١) .

وقد نقل في هامش ( علم اليقين ) : أنّ العراقيّ في ( تخريج أحاديث الاحياء ) يقول : إنّه لم ير لهذا الحديث أصلاً.

وأمّا مع غضّ النظر عن سند هذا الحديث ، فالمعنى لابدّ وأن ينصبّ في مدى تأثير الذنوب على روح الإيمان في المؤمن ، وهذا ممّا استفاضت الروايات والأحاديث حوله ، بالنسبة لمطلق الذنوب أو ذنوب خاصّة.

وأيضاً يستقلّ العقل به ، إذ أنّ كلّ فعل لابدّ وأن يكون له تأثير في نفس الفاعل وفي الخارج ، فالذنب من المذنب له تأثير سلبيّ في وجوده التكوينيّ.

نعم ، وفي نفس الوقت ، وردت أحاديث كثيرة تدلّ على فاعلية التوبة والاستغفار ، وإتيان الأعمال الصالحة لإحباط الذنوب ، أو آثارها التكوينيّة والتشريعيّة ؛ فعلى ضوء هذا المطلب ، ينبغي أن لا ييأس المذنب من روح الله ، وعفوه ورحمته ، بل ويسعى أكثر فأكثر في الجانب الإيجابي ، بعد أن مسّه الشرّ قليلاً في الجانب السلبيّ.

( علي ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب )

عدّة من أصحابنا لا تعني مجهولية الرواة :

س : أورد أحد الإخوة الكرام في موضوعه الذي نُشر في بعض الشبكات ، قول السيّد الخوئيّ في كتابه معجم رجال الحديث ٨ / ٢٤٥ : ( لا يكاد ينقضي تعجّبي ، كيف يذكر الكشّي والشيخ هذه الروايات التافهة الساقطة غير المناسبة لمقام زرارة وجلالته ، والمقطوع فسادها ، ولاسيّما أنّ رواة الرواية بأجمعهم مجاهيل ).

وهنا نرى : أنّ السيّد الخوئيّ أسقط الرواية ، لأنّ رواتها مجاهيل ، ولكنّنا في بعض الروايات الشيعيّة نرى كلمة ( عن جماعة من أصحابنا ) ، وما شابهها ،

____________

١ ـ إحياء علوم الدين ٣ / ٢٣ و ٤ / ٧٧ و ٥٨٣ ، المحجّة البيضاء ٥ / ٢٤ و ٧ / ٩٥ و ٨ / ١٦٠.

٢٨٩

فهل هذا يعني أنّ الرواة مجهولين ـ لأنّ هذه الكلمة لا تفصح عن أسماء الرواة بالسند ـ وبالتالي هذا يؤدّي إلى إسقاط الروايات التي يوجد بها مثل هذه الكلمة ، على حسب قول السيّد الخوئيّ أعلاه؟

وإذا أمكن ، يرجى بيان معنى هذه الكلمة ، وما شابهها المذكورة في بعض الروايات؟ شاكرين لكم تعاونكم ، ودمتم برعاية الباري عزّ وجلّ.

ج : ما ذكرتموه من تضعيف السيّد الخوئيّقدس‌سره للروايات الواردة في ذمّ زرارة ، ليس من جهة عبارة ( عن جماعة من أصحابنا ) ، بل لجهة مجهولية رواة السند ، علماً أنّ عبارة الرجاليّين ( جماعة من أصحابنا ) ، أو ( عدّة من أصحابنا ) لا تعني مجهولية الرواة ، بل أنّ هؤلاء الجماعة ، أو العدّة المعروفين مصرّح بأسمائهم ، فهم ليسوا مجاهيل ، ولا يعني سند العدّة أو الجماعة على كون السند مرسلاً ، بل صرّح أكثرهم : أنّ عدّة من أصحابنا تعني فلان وفلان من الرواة الثقات ، فمثلاً : أنّ الشيخ الكلينيّقدس‌سره ذكر أسماء عدّته بهذا التعريف ، فقال : ( وكلّ ما كان فيه : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ابن خالد البرقي ، فهم : أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ ، ومحمّد ابن عبد الله بن أذينة ، وأحمد بن عبد الله بن أُمية ، وعلي بن الحسين السعد آبادي )(١) .

وذكر النجاشيّ عدّته فقال : ( كلّ ما كان في كتابي ( عدّة من أصحابنا ) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، فهم : محمّد بن يحيى العطّار ، وعلي بن موسى الكميذاني ، وداود بن كورة ، وأحمد بن إدريس ، وعلي بن إبراهيم بن هاشم )(٢) .

وهكذا ، فهم معروفون ، وفي كلّ عدّة ـ على الأقلّ ـ فيهم الثقة ، فهو يكفي لصحّة العدّة في السند ، بل أنّ الشيخ حسن بن الشهيد الثانيقدس‌سره أدّعى :

____________

١ ـ الكافي ١ / ٤٨.

٢ ـ رجال النجاشيّ : ٣٧٨.

٢٩٠

أنّ محمّد بن يحيى العطّار أحد العدّة مطلقاً ، وبهذا استنتج أنّ الطريق صحيح من جهة العدّة مطلقاً.

إذاً ، فالعدّة من أصحابنا ، أو جماعة من أصحابنا ليسوا مجهولين ، بل هم مصرّح بأسمائهم ، وفيهم الثقات.

( أبو علي ـ عمان ـ )

من رواته عمر بن سعد :

س : هل صحيح أنّ عمر بن سعد ـ قاتل الإمام الحسين عليه‌السلام ـ من رجال الأحاديث ، عند أصحاب الصحاح الستّة؟

ج : نعم ، قد رووا عنه الكثير في صحاحهم ومسانيدهم ، ووثّقوه في كتب رجالهم.

وهذا من أوضح الدلائل على ابتعاد خطّ السلف والمذاهب الأُخرى عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وإن تعجب فاعجب للبخاري ، حيث لم يرو أيّة رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، مع أنّه طفق الخافقين علماً وفقهاً وحكمة.

وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ).

( أبو محمّد ـ ـ )

المناقشة في الكتب لا تقدح بمؤلّفيها :

س : نحن الشيعة نؤمن بمذهبنا ١٠٠% ، ولا عندنا أيّ شكّ ، ولكن هناك من يأتي من بعض أهل السنّة ، ليشكّك بالمذهب عن طريق الكتب الأربعة لدينا ـ الكافي وغيره ـ في الروايات الواردة فيها عن تحريف القرآن الكريم ، فكيف يكون الجواب عليهم؟ وهل هذا الكلام صحيح بكتاب الكافي وصاحبه الكلينيّ؟

٢٩١

قال الأردبيليّ في ترجمته : ( محمّد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكلينيّ ، خاله علان الكلينيّ الرازيّ ، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف كتاب الكافي في عشرين سنة )(١) .

والفيض الكاشانيّ : ( أمّا الكافي فهو وإن كان أشرفها وأوثقها ، وأتمّها وأجمعها ، لاشتماله على الأُصول من بينها ، وخلوّه من الفضول وشينها )(٢) .

وأمّا تفسير القمّيّ ، وصاحبه الشيخ القمّيّ :

قال النجاشيّ في الفهرست : ( ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنّف كتباً )(٣) .

وأمّا المجلسيّ ، وكتبه المعتمدة الموثوقة :

قال الأردبيليّ عنه : ( محمّد باقر بن محمّد تقيّ بن المقصود علي الملقّب بالمجلسيّ ، أُستاذنا وشيخنا ، شيخ الإسلام والمسلمين ، خاتم المجتهدين ، الإمام العلاّمة ، المحقّق المدقّق ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، وحيد عصره ، فريد دهره ، ثقة ، ثبت ، عين ، كثير العلم ، جيّد التصانيف له كتب نفيسة جيّدة منها : كتاب بحار الأنوار المشتمل على جلّ أخبار الأئمّة الأطهار )(٤) .

وأخيراً الإمام الطبرسيّ :

حسين محمّد تقيّ الدين النوريّ الطبرسيّ ، المتوفّى سنة ١٣٢٠هـ ، ومن مؤلّفاته : مستدرك الوسائل وفصل الخطاب.

قال آقا بزرك الطهرانيّ : ( هو الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقيّ بن الميرزا علي محمّد بن تقيّ النوريّ الطبرسيّ ، إمام أئمّة الحديث والرجال في

____________

١ ـ جامع الرواة ٢ / ٢١٨.

٢ ـ الوافي ١ / ٦.

٣ ـ رجال النجاشيّ : ٢٦٠.

٤ ـ جامع الرواة ٢ / ٧٨.

٢٩٢

الأعصار المتأخّرة ، ومن أعاظم علماء الشيعة ، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ) (١) .

ج : إنّ المبنى عند أكثر الشيعة أن يخضع كلّ كتاب إلى البحث في السند والدلالة ، ولا يوجد كتاب صحيح من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم.

والعلماء الأعلام قديماً وحديثاً جمعوا الأحاديث ، ورتّبوها حسب المواضيع الفقهيّة ، والعقائديّة والأخلاقية و ، وجمعهم لهذه الأحاديث ، لا يعني قولهم بصحّة جميعها ، وإنّما جمع الكثير من العلماء الأحاديث للحفاظ عليها ، وإيصالها إلى الأجيال الأُخرى ، وحتّى الذين جمعوا ما اعتقدوا صحّته ، فإنّه يتماشى مع مبانيهم في التصحيح والتضعيف ، فإذا اختلفت المباني اختلفت النتائج.

ولا يُفهم من عدم قبولنا لجميع الأحاديث ، قدحنا في مؤلّفي تلك الكتب ، فإنّهم وكما نقلت من أقوال : علماء أتقياء ، ولكن الاجتهاد شيء آخر ، فلا نخلط بين أن يكون المؤلّف عالماً ورعاً تقيّاً ، وبين مناقشتنا لما جاء في كتابه ، فلا منافاة بينهما ، بالأخصّ مع اختلاف المباني ، وباب الاجتهاد مفتوح.

هذا ، وإنّ الكتب الأربعة هي : الكافي للكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسيّ ، وليس تفسير القمّيّ ، ولا مؤلّفات المجلسيّ والنوريّ والطبرسيّ من الكتب الأربعة.

وأمّا كتاب فصل الخطاب ، فإنّه جمع فيه من أحاديث أهل السنّة في التحريف ، أكثر ممّا جمعه وأورده من مصادر الشيعة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فقد ألّف علماء الشيعة عدّة كتب في ردّ كتاب فصل الخطاب.

وثالثاً : ألّف السجستانيّ كتاب المصاحف ، وابن الخطيب كتاب الفرقان ، أثبتا فيه التحريف ، وكلاهما من علماء أهل السنّة.

ونحن نرفض أي قول في التحريف أيّاً كان قائله.

____________

١ ـ مستدرك الوسائل ١ / ٤١.

٢٩٣

( موالي ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب )

حديث يعفور أو عفير :

س : ما مدى صحّة هذه الرواية ، علماً بأنّ العامّة يتّهموننا ، بأنّنا نروي عن الحمير :

روى الكلينيّ في أُصول الكافي هذه الرواية عن الحمار يعفور ، وهي : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مسح على كفل حماره ، فبكى الحمار ، وسأله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك؟

فردّ الحمار قائلاً : حدّثني أبي عن جدّي ، عن أبيه عن جدّه ، عن الحمار الأكبر الذي ركب مع نوح في السفينة : أنّ نبيّ الله نوح مسح على كفله ، وقال : يخرج من صلبك حمار يركبه خاتم النبيّين ، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار.

ج : قال ثقة الإسلام الكلينيّ رحمه الله ـ بعد ذكره لرواية أشير فيها إلى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يملك حماراً اسمه ( عفير ) ـ : وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : (إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : بأبي أنت وأمّي ، إنّ أبي حدثني ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النبيّين وخاتمهم ، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار ).

هذه هي الرواية التي ذكرها الكلينيّ رحمه الله في الكافي ، ولا أدري ما هو إشكال الخصم فيها ، فإن كان إشكال في أنّها ذكرت أنّ للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حمار اسمه عفير ، فهذا ما ذكره غير واحد من علمائه كالقاضي أبي الفضل عياض ابن موسى الحصبيّ ( ت ٥٤٤ هـ ) حيث قال : ( وما روى عن إبراهيم بن حمّاد بسنده من كلام الحمار الذي أصابه بخيبر وقال له : اسمي يزيد بن شهاب ، فسمّاه النبيّ يعفوراً ) ، وابن الأثير في أسد الغابة ( ١ / ١٤٠ ) : ( كان له حمار أخضر اسمه عفير وقيل يعفور ) والمناويّ في فيض القدير : ( وكان له حماراً اسمه عفير ) وغيرهم.

وإن كان إشكال الخصم ـ كما ذكرت ـ أنّنا نروي عن الحمير ، فما

٢٩٤

أجهل صاحب هذا الإشكال حيث إنّه لا يفرّق بين سند الرواية ومتنها ، فهذه الرواية مرسلة كما هو واضح من قول الكلينيّ رحمه الله : ( وروي أن أمير المؤمنين قال : ) ، وما ذكر في الرواية من قول الحمار : ( إن أبي حدثني ، عن أبيه ) هو داخل متن الرواية الذي بدأ من قول المرويّ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله ) إلى آخر الرواية ـ وليس سنداً لها.

وإن كان إشكال البعض في هذه الرواية من حيث إنها ذكرت تكلّم الحمار مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما أبعد صاحب هذا الإشكال عن كتاب الله وما ذكره من تكلّم سيلمانعليه‌السلام مع الهدهد ، ونبيّنا أفضل من سليمان. ويظهر أن صاحب الإشكال لا يعلم بما في صحاحه ، حيث روى البخاريّ في صحيحه(١) تكلّم البقرة والذئب بمرأى ومسمع من الصحابة فتعجّبوا وقالوا : ( سبحان الله بقرة تتكلم؟! سبحان الله ذئب يتكلّم؟! ).

وفي الختام نذكر ما رواه ابن عساكر ـ وهو من أعلام القوم ـ في تاريخ مدينة دمشق ( ٤ / ٢٣٢ ) : ( عن أبي منظور قال : فكلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحمار ، فكلّمه الحمار ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما اسمك؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله عزّ وجلّ من نسل جدّي ستين حماراً كلّهم لم يركبهم إلا نبي ، قد كنت أتوقعك أن تركبني ، لم يبق من نسل جدّي غيري ، ولا من الأنبياء غيرك قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : فأنت يعفور ، يا يعفور ، قال : لبيك ).

( سعد الربيعي ـ ألمانيا ـ )

الكتب الأربعة والكلام في أسانيدها :

س : هناك قول منسوب إلى شرف الدين الموسويّ ، لا أعلم أين ذكر ، فهل هو صحيح؟ وما تفسيره؟

وهو : قال عبد الحسين شرف الدين الموسويّ : الكافي والاستبصار ومن لا

____________

١ ـ صحيح البخاري ٤ / ١٤٩.

٢٩٥

يحضره الفقيه والتهذيب متواترة مقطوع بصحّة مضامينها ، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها.

فهل هذا القول صحيح؟ وإذا كان صحيحاً ، فما معنى قوله : مقطوع بصحّة مضامينها؟ هل أنّ كلّ ما ورد فيه من أحاديث هي صحيحة؟ أرجو موافاتي بالإجابة بالسرعة الممكنة ، مع احترامي وتقديري ، وبارك الله فيكم.

ج : إنّ الرأي المعتمد عند الشيعة هو : أنّ كلّ حديث يخضع للبحث في السند والدلالة ، وما إلى ذلك من الأُصول ، مثل العرض على الكتاب ، ودراسة تاريخيّة لزمن صدور الحديث.

وذهب جماعة من المحدّثين إلى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور.

وذهب البعض ـ ومنهم السيّد شرف الدينقدس‌سره ـ إلى أنّ الكتب الأربعة مقطوع بصحّة مضامينها ، بمعنى : أنّ الأحاديث الضعيفة فيها والغير معتمدة ، تؤيّدها بنفس المضمون أحاديث أُخرى صحيحة السند ، فتكون المضامين مقطوع بصحّتها.

وكما قلنا : فإنّ الرأي المعتمد عند الشيعة ـ وعليه أكثر المتأخّرين ـ يخالف هاتين النظريتين ، وهذا القول لا يقدح بالكتب الأربعة ، وكما ربما يتوهّمه بعض الجهلة ، فإنّ المبنى الصحيح والموافق للعقل عند الشيعة ، فتح باب الاجتهاد واستمراره ، فإذا اجتهد أيّ عالم في أيّ مسألة ، فيحقّ للمجتهد الآخر مناقشة ما توصّل إليه الآخر ، وتأييده أو نقضه ، والمسائل الرجالية أيضاً من هذا القبيل.

وهذا البحث المبنائيّ ، ينجرّ أيضاً لمناقشة مباني أهل السنّة القائلين بصحّة البخاريّ ومسلم ، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد ، ولاسيّما أنّ في الرواة من هو معروف بالكذب والوضع ، ولا أقلّ نجزم بوجود رواة مختلف فيهم ، فأيّ دليل يلزمنا أن نقلّد البخاريّ ومسلم فيما اجتهدا فيه؟! بالأخصّ مع علمنا بوجود روايات متناقضة أشدّ التناقض فيما بين البخاريّ ومسلم ، بل في كلّ من البخاريّ ومسلم.

٢٩٦

( بدر الدين ـ المغرب ـ )

صحّته عند أهل السنّة لا يكون حجّة علينا :

س : سؤالي متعلّق بالحديث الوارد عن الإمام عليعليه‌السلام : ( خير هذه الأُمّة بعد نبيّها أبي بكر وعمر ) ، فهذا الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة من عدّة طرق ، ويرويه عن الإمام كلّ من محمّد بن الحنفيّة عند أبي داود ، وكلّ من وهب بن عبد الله ، ويزيد بن عبد خير ، وعلقمة بن قيس عند أحمد ، وعبد الله ابن سلامة عند ابن ماجة.

والرواة فيما أرى من خلال برنامج الكتب التسعة ، الذي أعدّته شركة صخر أغلبهم ثقات ، فمن المحال أن يجتمع كلّ هؤلاء على كذبه! بل كيف إذا علمنا بأنّ الكثيرين منهم معدودون عند الشيعة من الثقات أيضاً.

لقد اخترت مذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن قناعة تامّة بولاية عليعليه‌السلام ، وعلوّ شأنه ، لكن تبقى مثل هذه الأحاديث تدعوني لمراجعة المفاهيم.

أرجو منكم جواباً علميّاً شافياً ، مبنيّاً على دراسة السند والرجال ، حول مدى مصداقية هذا الحديث ، أو عدم مصداقيته؟ ولكم جزيل الشكر ، والسلام.

ج : إنّ المبنى عند الشيعة هو أن يخضع كلّ حديث إلى البحث السندي ، والجرح والتعديل ، بخلاف المبنى عند أهل السنّة ، حيث يذهب الأكثر إلى صحّة ما في البخاريّ ومسلم ، وفي الآونة الأخيرة نجد بعض العلماء من أهل السنّة ممّن يذهب إلى نفس المبنى عند الشيعة في الأخذ بالأحاديث.

وإن استشهد الشيعة بشيء من الأحاديث في صحاح أهل السنّة ، فهو من باب الإلزام ، (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) ، وإلاّ فإنّ هذه الصحاح لا توجد فيها أيّ حجّية عند الشيعة ، وإنّما يستشهد بها الشيعة من باب الإلزام على من تكون عنده معتبرة.

وبعد هذا كلّه ، فيمكننا أن نبحث هذه الأحاديث التي ذكرتها في عدّة مراحل :

٢٩٧

١ ـ إذا أردنا إبطالها من باب الإلزام ، فعلينا البحث في السند بحثاً دقيقاً ، ومن ثمّ نشاهد هل تتمّ كلّ هذه الأحاديث من الناحية السندية بجميع رواة هذه الأحاديث ، أم لا؟

٢ ـ حتّى لو فرضنا صحّة بعض أسانيد هذه الأحاديث على مباني أهل السنّة ، فكما قلنا : فإنّها لا تكون حجّة علينا ، لأنّ أصل الكتب التي روت هذه الأحاديث ليست حجّة علينا ، لأسباب كثيرة ليس هذا محلّه.

٣ ـ وعلى هذا الفرض ، حيث نفترض صحّة سند بعضها ، فإنّها معارضة بأحاديث صحيحة أُخرى مثلها ، ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، عن مالك بن أوس في حديث طويل ، أنّه قال عمر بن الخطّاب لعلي والعباس ما هذا نصّه :

( فلمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال أبو بكر : أنا وليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجئتما ، تطلب ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا نورّث ما تركناه صدقة ) ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ، ثمّ توفّي أبو بكر ، وأنا وليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووليّ أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثما غادراً خائناً ، والله يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ )(١) .

فالمبنى عند أهل السنّة صحّة ما في صحيح مسلم ، وفيه : أنّ عليّاً والعباس رأيهما أنّ أبا بكر وعمر : كاذبان ، آثمان ، غادران ، خائنان ، فكيف يمكن أن يرى عليعليه‌السلام أبا بكر وعمر خير هذه الأُمّة بعد نبيّها؟!

وكذلك يمكنك مراجعة الأحاديث التي تنصّ على أنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه خير البشر ، وأفضل الخلق بعد النبيّ ، وغيرها.

وكذلك يمكنكم مراجعة حديث الطير المشوي ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________

١ ـ صحيح مسلم ٥ / ١٥٢.

٢٩٨

( اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ) ، فجاء علي وأكل معه(١) .

( بدر الدين ـ المغرب ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : لقد كان جوابكم شافياً ومفاجئاً في نفس الوقت ، عندما قرأت الحديث الذي أشرتم إليه في صحيح مسلم لأوّل مرّة ، ونتيجة لذلك فالسؤال الذي دائماً يلح في الذهن هو : ما هي المقاييس التي تعرف بها الأحاديث التي يجب اتباعها؟ من التي يجب الاحتياط منها ، أو تركها؟ أتكلّم هنا عن مصادر أهل السنّة.

والسؤال الثاني : هو كيف التعامل مع بعض الرواة من الصحابة ، الذين تحاملوا ، أو لم يوالوا وينصروا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مثل أبي هريرة؟ هل تعتبر أحاديثه متروكة؟ وفي هذه الحالة ، هل نترك الأحاديث التي رواها في فضائل الإمامعليه‌السلام ؟

وأخيراً : أتوجّه إليكم بطلب النصح لما ينبغي عمله الآن ، خاصّة وإنّي أحاول أن أبذل الجهد لتقريب معاني الولاية والإمامة لإخواني وعشيرتي من أهل السنّة ، الذين أصبحت أعاني من الجفاء من ناحيتهم على اثر التحوّل الذي صرت إليه ، والفضل لله في ذلك.

ومن ناحية أُخرى ، فقد كلّمني بعض الإخوة من الشيعة حول اتخاذ مرجعية ، لكن هذه النقطة مازالت عندي محلّ غموض واحتياط ، فأرجو توضيح أبعاد اتخاذ المرجعية ، وماذا يتبعها من التزامات ، وما هو توجيهكم في هذا الباب؟ أرجو ألاّ أكون أطلت عليكم ، والسلام.

ج : كما قلنا لكم في الجواب السابق : إنّ استشهاد الشيعة بشيء من

____________

١ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠.

٢٩٩

أحاديث أهل السنّة هو من باب الإلزام ، ولا يعني استشهادهم هذا هو الحجّية ، لأنّ الحجّية في الحديث لا تكون إلاّ أن يكون جميع الرواة ثقات ، وقبل أن نبحث عن سند الحديث من ناحية الجرح والتعديل ، علينا أن نبحث أوّلاً عن المؤلّفين لكتب الحديث ، والجامعين لها ، فإذا لم تثبت وثاقتهم سقطت كتبهم بالكلّ من الحجّية.

هذا ، ولو بحثنا في سيرة مؤلّفي الصحاح والمسانيد بحثاً علميّاً موضوعيّاً مجرّداً عن أيّ تعصّب ، لتوصّلنا إلى أنّ أكثرهم لم تبلغ وثاقته إلى حدّ يصلح أن يكون حجّة ، حيث أثّرت فيهم السلطة الحاكمة في وقتهم على كيفية جمع الحديث ونقله ، حتّى أنّهم حرّفوا في بعض الأحاديث إرضاءً منهم لأهواء الحاكم ، كما أنّ مذاهبهم التي كانوا يعتقدون بها وخلافهم مع المذاهب الأُخرى ، جعلهم ينحازون كلّ الانحياز في تقطيع الأحاديث ، وكيفية تبويبها.

أضف إلى ذلك تعصّبهم الملحوظ ، الذي كانوا يبدونه ضدّ أهل البيتعليه‌السلام ومذهبهم ، ممّا جعلهم يروون عن أعداء أهل البيتعليهم‌السلام ، ويتركوا الرواية عن نفس أئمّة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

ونكرّر ونعيد : بأنّنا إنّما نستشهد بأحاديث أهل السنّة من باب الإلزام : ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) لا من باب الحجّية.

هذا ، وإنّ أحاديثهم يمكن أن تكون قرينة وشاهداً للاستفادة منها ، يعني تكون مساعداً للحجّية ، لا حجّة بنفسها.

وتبيّن من هذا الجواب كيفية المعاملة مع بعض الرواة من الصحابة ، وأنّ أحاديثهم نستشهد بها من باب الإلزام ، والتي توافق المذهب الحقّ منها ، تكون قرينة مساعدة للحجّية ، لا حجّة بنفسها.

وأمّا النصح ، فإنّكم والحمد لله قد دخلتم إلى المذهب الحقّ عن قناعة كاملة ، وبحث متكامل ، ولقد عرفتم طريقة أهل البيتعليه‌السلام في كيفية التعامل مع من يخالفهم ، بالأخصّ من ذوي الأرحام ، حيث كانت معاملتهم مع من يخالفهم في غاية الحُسن والتلطّف معهم ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن ، حتّى

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621