موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة12%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 266499 / تحميل: 6298
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

العلوم ـ في مقدمات شرحه على (الشرائع) ، قال : (وجدت بخط الشيخ السيِّد سعید صاحب (حدائق الأبرار) ، من أحفاد الشارح الفاضل الشهيد الثاني ، قال : وجدت بخط الشيخ ناصر البويهي ، وهو من الفقهاء المتبحِّرین ، والعلماء المتَّقين ، ما هذا لفظه : أنه رأى في منامه كأنَّه في قرية جزّين ، التي هي قرية الشيخ شمس الدین محمّد بن مكي الشهير بالشهيد الأول ، في سنة ٩٥٥ ، قال : ذهبت إلى باب بيت الشيخ فطرقته فخرج الشيخ إليّ ، فطلبت منه الكتاب الَّذي صنّفه الشيخ جمال الدين بن المطهَّر في الاجتهاد ، فدخل بيته وأتاني بالكتاب ومعه کتاب آخر ، وأظنُّه في الروايات ، فناولنيهما واستيقظت وهما معی) ، انتهى(١) .

ولدرحمه‌الله سنة ٧ ٣٤ ، واستشهد في سنة ٧٧ ٦ فكان عمره الشريف اثنين وخمسين سنة ، وصرَّح في أربعینه : (أنَّ فخر المحقِّقين أجازه في داره بالحلِّة سنة ٧ ٥ ١ ، وكذا السيِّد عميد الدين في الحضرة الحائرية ، وابن نما بعد هذا التاريخ بسنة ، وكذا ابن معيِّة بعده بسنة ، والمطار آبادي بعده بسنة ، فعلم أنهرحمه‌الله ارتحل إلى العراق وتلمَّذ على تلامذة العلّامةرحمه‌الله أوائل بلوغه ، وهم جماعة كثيرة نشير إلى أساميهم الشريفة) ، انتهى(٢) .

ويروي عن نحوٍ من أربعين شيخاً من علماء العامّة من أهل مكّة والمدينة ، ودار السلام (بغداد) ، ومصر ، ودمشق ، وبيت المقدس ، ومقام الخليلعليه‌السلام .

ومن تأمَّل في مدَّة عمره الشريف ، ومسافرته إلى تلك البلاد ، وتصانيفه الرائقة في الفنون الشرعية ، وأنظاره الدقيقة ، وتبحُّره في الفنون العربية والأشعار

__________________

(١) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣۰٢.

(٢) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣٠٣.

٣٢١

والقصص النافعة ، يعلم أنه من الَّذين اختارهم الله تعالی لتكميل عباده وعمارة بلاده ، وأنَّ كل ما قيل أو يقال في حقِّه فهو دون مقاعه ومرتبته(١) .

وقَدْ تلمَّذ على كثير من فضلاء الفريقين ، وروى عن جمٍّ غفیر منهم ، وله كتب منها :

(الذكرى) خرج منه الطهارة والصلاة.

وکتاب (الدروس) خرج منه أكثر الفقه.

وکتاب (غاية المراد في شرح نکت الارشاد).

وکتاب (جامع البين في فوائد الشرحين) جمع فيه بين شرحي (تهذيب الأُصول) المعروف بالعميدي ، وشرح السيِّد ضياء الدين.

وكتاب (البيان في الفقه).

ورسالة (الباقيات الصالحات).

و (اللُّمعة الدمشقية) في الفقه.

والأربعون حديثاً).

و (الألفية) و (النفلية) وهما في الواجبات والمستحبات المتعلقة بالصلاة.

و (رسالة في قصر من سافر بقصد الإفطار والتقصير).

و (خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار).

وکتاب (القواعد).

و (رسالة التكليف).

__________________

(١) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣۰٣.

٣٢٢

و (إجازة مبسوطة حسنة).

وکتاب (المزار) و (الدرَّة الباهرة) اقتصر فيه على إيراد الكلمات القصار من النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام .

وكتاب (المسائل المقداديات).

و (شرح قصيدة الشيخ أبي الحسن علي بن الحسين الشهفيني العاملي في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام ) مجنّساً.

سبب قتله

وسبب قتله على ما ذُكِر : (أنه قتل في دولة [بيدر وسلطنة] برقوق ، بفتوى القاضي برهان الدين المالكي ، وعَبّاد بن جُماعة الشافعي ، بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام)(١) .

وكان سبب حبسه وقتله على ما ذكره المولی محمّد تقي المجلسيرحمه‌الله في (شرح الفقيه) : أنَّه لِما ذكرهُرحمه‌الله في الألفية من أنَّ الإقرار بالنبوة وإمامة الأئمّة الإثني عشر شرط في صحَّة الصلاة ، وأنَّ من لم يعتقد بذلك فلا صلاة له.

فتأثرت العامَّة من ذلك ، وقالوا : إنه يلزم من ذلك بطلان سائر عياداتنا ، فقتلوه بذلك(٢) .

وقيل : إنه وشی به رجل من أعدائه وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشيعة وغيرهم ، وشهد بذلك جماعة كثيرة وكتبوا

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١۸٢ ، ومابين المعقوفين منه.

(٢) لم أعثر عليه في روضة المتقين ولعله في شرحه الفارسي ، وينظر عن شهادته بالتفصيل : روضات الجنات ٧ : ١٠ ـ ٢١.

٣٢٣

عليه شهادتهم ، وثبت ذلك عند قاضي صيدا ، ثُمَّ أتوا به إلى قاضي الشام فحبس عنده سنة ، ثُمَّ أفتى الشافعي بتوبته ، والمالكي بقتله ، فتوقف في التوبة خوفاً من أن يثبت عليه الذنب ، وأنكر ما نسبوه إليه للتقية.

فقالوا : قَدْ ثبت ذلك عليك ، وحكم القاضي لا ينقض ، والإنكار لا يفيد ، فغلب رأي المالكي لكثرة المتعصّبين عليه ، فقُتل ، ثُمَّ صُلب ، ورُجم ، ثُمَّ اُحرق. وذكر بعضُ : أنه وجده بخط المقداد تلميذهرحمه‌الله (١) .

سيف الدين برقوق

وبرقوق هذا الَّذي قُتل في أيام سلطنته ، هو : الملك الظاهر سيف الدين برقوق ، وإنما سمِّي برقوق ؛ لجحوظٍ في عينيه ، وهو أول ملوك الجراكسة بمصر والشام ، وكان ابتداء دولتهم سنة ٧۸ ٤ ، وانقراضهم في سنة ۹٢٢ ، فمدة ملكهم ١٣۸ سنة ، وعددهم ثلاثة وعشرون ملكاً ، وكان وفاة برقوق ليلة الجمعة في خامس عشر شوال سنة ۸۰١ (٢).

كتابة الملك علي بن مؤيد إلى الشهيد الأول

وفي شرح (اللُّمعة) أن الشهيدرحمه‌الله كتب (اللُّمعة) بالتماس شمس الدین محمّد الآوي الَّذي هو من أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده تیمورلنك فصار معه قسراً ، إلى أن توفّي ـ أي : السلطان علي بن مؤيد ـ في حدود سنة ٧٩٥ بعد أن استشهد المصنِّف (قدَّس الله سرّه) بتسع سنين ، وكان بينه وبين المصنِّف (قدَّس الله سرّه)

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١۸٣.

(٢) ينظر ترجمته في : الأعلام ٢ : ٤۸.

٣٢٤

مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ، ثُمَّ إلى الشام. وطلب منه أخيراً التوجَّه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطُّف والتعظيم والحث للمصنِّفرحمه‌الله على ذلك ، فأبی وأعتذر إليه.

وصنَّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد ، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكَّن أحد من نسخها منه لضنّته(١) بها ، وإنَّما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول تعظيماً لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثُمَّ أصلحه المصنِّف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايراً للأصل يحسب اللفظ ، وذلك في سنة ٧۸٢.

ونقل عن المصنفرحمه‌الله أن مجلسه بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور ؛ لخلطته بهم وصحبته لهم.

قال : (فلمَّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليَّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليَّ أحد منهم منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف.

قالرحمه‌الله : وهو من جملة كراماتهقدس‌سره ونُوِّرَ ضريحه) ، انتهى(١) .

أقول : وعلي بن مؤيد كان من الشيعة الخُلَّص لأهل البيتعليهم‌السلام ، وكان حسن السيرة يجتنب المسكرات ، ويعظّم العلماء والسادات إلى الغاية ، وكان في كل

__________________

(١) ضَنَّ (بالضاد) : بمعنى (حرص).

(١) الروضة البهية ١ : ٢٣٨.

٣٢٥

صباح ينتظر ظهور الحجّة عجَّل الله فرجه ، ويخرج خيله ورکابه استعداداً لنصرته ، وكان يحمل الجوشن تحت ثيابه ، وكان كريماً للغاية.

ولمّا دخل تیمور کور (كان خراسان) حضر مجلسه علي بن مؤيد فلازم خدمته ، فاشفق عليه تيمور وأنفذه على ما كان تحت تصرُّفه من بلاد خراسان وما والاها ، فكان علي بن مؤيد لا يفارق جيش تیمور في الأسفار إلى أن توفّي سنة ٧۸٣ ، وكان هو الثاني عشر من ملوك (سربداران) وانتهت به ملوکيَّتهم.

وهذه صورة ما كتبه إلى الشهيدرحمه‌الله :

(سلامٌ كَنَشْرِ العَنْبَرِ المُتَضَوّعِ

يُخلَّفُ رِيْحَ المِسْكِ في كُلِّ مَوْضِعِ

عَلَى شَمْسِ دِيْنِ الحقِّ دامَ ظِلالُهُ

بجدٍّ سَعيدٍ في نَعيمٍ مُمتَّعِ

أدام الله تعالی مجلس المولى الإمام العالم ، الفاضل الكامل ، السالك الناسك ، رضيّ الأخلاق ، وفيّ الأعراق ، علّامة العالم ، مرشد طوائف الأُمَم ، قدوة العلماء الراسخين ، اُسوة الفضلاء المحقِّقين ، مفتي الفرق ، الفاروق بالحق للحقّ ، حاوي فنون الفضائل والمعاني ، حائز قصب السبق في حلبة الأعاظم والأعالي ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، محيي مراسم الأئمة الطاهرین ، سرّ الله في الأرضين ، مولانا شمس الملّة والحق والدین ، مد الله أطناب ظلاله بمحمّد وآله في دولة راسية الأوتاد ، ونعمة متصلة الأمداد ، إلى يوم التناد.

ويعد : فالمحب المشتاق مشتاق إلى كريم لقائه غاية الاشتياق ، وأن يتشرف بعد البعاد بقرب التلاق.

حُرِمَ الطَّرْفُ عَنْ مُحَيّاكَ لَكِنْ

قَدْ حَظى القَلْبِ مِنْ مُحَيّاكَ رَيّا

٣٢٦

وينهي إلى ذلك الجناب ، لا زال مرجعاً لأُولي الألباب ، أنّ شيعة خراسان (صانها الله عن الحدثان) ، متعطِّشون إلى زلال وصاله ، والاغتراف من بحر فضله وأفضاله ، وأفاضل هذه الديار قَدْ مزق شملهم أيدي الأدوار ، وفرق جلَّهم ، بل كلهم صنوف صروف الليل والنهار.

وقال أمير المؤمنين (عليه سلام رب العالمين) : «ثلمةُ الدين موتُ العلماء». وإنّا لا نجد فينا من يوثق به على علمه في فتياه ، أو يهتدي الناس برشد هداه ، فيسألون الله شرف حضوره والاستضاءة بنوره ، والاقتداء بعلومه الشريفة ، والإهداء برسومه المنيفة ، واليقين بكرمه العميم ، وفضله الجسيم ، أن لا يُخَيِّبَ رجاءهُم ولا يَرُدَّ دعاءهم ، ويُسعِفَ مسؤولهم ، وينجح مأمولهم نظم :

إذَا كانَ الدُّعَاءُ لَمحْضِ خَيْرٍ

عَلَى اَيْدي الكَرِيْمِ فَلَا يردُّ

امتثالا بما قال الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ(١) .

ولا شك أنَّ الأرحام أولى بصلة الرحم الإسلامية الروحانية ، وأحرى القرابات بالرعاية القرابة الإيمانية ثُمَّ الجسمانية ، فهما عقدتان لا تحلُّهما الأطوار والأدوار ، بل شعبتان لا يهزمهما إعصار الأعصار ، ونحن نخاف غضب الله تعالى على هذه البلاد لفقد المرشد ، وعدم الإرشاد.

والمسؤول من إنعامه العام ، وإكرامه التام ، أن يتفضَّل علينا ، ويتوجَّه إلينا ، متوكِّلا على الله القدير ، غیر متعلّل بنوع من المعاذير. فإنَّا بحمد الله نعرف قَدْره ، ونستعظم أمره ، إن شاء الله تعالی.

__________________

(١) الرعد : ٢١.

٣٢٧

والمتوقَّع من مكارم أخلاقه ، ومحاسن ذاته ، إسبال ذيل العفو على هذا الهفو ، والسلام على أهل الإسلام) ، انتهى(١) .

وفي جميع ما ذكرناه دلالة واضحة على بطلان ما في (أمل الآمل) من كون تأليف (اللمعة) في سنة حبس الشهيد ، وهي آخر سنيّ حياته الزاهرة التي كانت بوجوده عامرة(٢) .

[أشعارهرحمه‌الله ]

وربما ينسب إليه من الشعر ما هو في مقام العرفان :

بالشوقِ والذوقِ نالوا عزَّة الشرفِ

لا بالدُّلوفِ ولا بالعُجبِ والصَّلَفِ

ومذهبُ القوم أخلاقٌ مطهَّرة

بها تخلَّقَتِ الأجسادُ في نُطَفِ

صبرٌ وشكرٌ وإیثارٌ ومَخمَصَةٌ

وأنفُسٌ تقطعُ الأنفاسَ باللَّهفِ

والزهدُ في كلِّ فانِ لا بقاءَ له

کما مضت سُنَّةُ الأخيارِ والسَّلفِ

قومٌ لتصفيةِ الأرواحِ قَدْ عَمِلوا

وأسلموا عَرَضَ الأشباحِ للتلفِ

ما ضرَّهُمْ رثُّ أطمارٍ ولا خَلقٍ

كالدرِّ حاضِرُهُ مخلولِقُ الصَّلَفِ

لا بالتخلُّقِ بالمعروفِ تعرفُهُم

ولا التكلُّف في شيء من الكَلَفِ

يا شقوتي قَدْ تولَّت أُمّةَ سَلَفت

حَتَّى تخلّفْتُ في خلفٍ مِنَ الخَلَفِ

ينمِّقون تزاويرَ الغُرورِ لنا

بالزُّورِ والبَهتِ والبُهتان والسَّرفِ

ليسَ التصوُّفُ عُكّازاً ومِسبَحةً

کلّا ولا الفقرُ رؤيا ذلِكَ الشَّرفِ

وإن تروحُ وتغدو في مرقَّعةٍ

وتحتَها موبقاتُ الكبرِ والسَّرفِ

__________________

(١) مقدمة الروضة البهية ١ : ١٤٣ ، مستدركات أعيان الشيعة ١ : ٢٣٧ ، الشهيد الأول حياته وآثاره : ١٩٥.

(٢) أمل الآمل ١ : ١۸١ رقم ١٨۸.

٣٢٨

وتظهرُ الزهدَ في الدنيا وأنتَ على

عکوفِها کعُکوفِ الكبِ في الجِيَفِ

الفقر سرُّ وعنك النفسُ تحجبُه

فارفع حجابَكَ تجلُ ظلمَةَ التلفِ

وفارقِ الجنسَ واقر النفسَ في نَفسٍ

وغِبْ عن الحُسنِ واجلِبْ دمعَةَ الأسَفِ

وَاتْلُ المثاني ووحِّدْ إن عزمتَ على

ذكرِ الحبيبِ وصِفْ ما شئت واتَّصفِ

واخضَعْ له وتذلَّل إذ دعيتَ لهُ

واعرِف محلَّكَ من آباكَ واعترِفِ

وقِفْ على عرفاتِ الذلِّ منكسراً

وحولَ كعبةِ عرفانِ الصَّفا فَطُفِ

وادخل إلى خلوة الأفكار مبتكراً

وعُدْ إلى حانة الأذكار بالصُّحُفِ

وإنْ سقاكَ مُديرُ الراحِ من بدهِ

كأسَ التجلَّي فَخُذْ بالطاسِ واعْتَرِفِ

واشربْ وسَقِّ ولا تبخَلْ على ظمأ

فإنْ رجعتَ بلا رِيٍّ فوا أسفي(١)

ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد العالي الكركي العاملي حين قَدْومه من مكَّة المشرفة :

ندمتَ بطالعِ السعدِ السعيدِ

فحيَّاكَ القريبُ مع البعيدِ

وأحييتَ القلوبَ وكان كلٌّ

من الأصحابِ بعدَك كالفقيدِ

وزرتَ المُصطفی وبنيهِ حقّاً

وبُلِّغْتَ الأمانيَ في الصُّعودِ

نَعِمْتَ بحجِّ بیتِ اللهِ حَتَّی

وصلتَ إلى المكارِمِ والسُّعودِ

وعاودت الأقارِبَ في نعيمٍ

من الرحمنِ أُتبِعَ بالخُلودِ

ودامَ لك الهنا بِهِمُ وداموا

مع الأيام في رَغمِ الحَسودِ

فلو حلفت حاكيتَ المثاني

بطاعَةِ والدٍ بَرٍّ ودودِ

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠ : ٦٣.

٣٢٩

وإنِّي مشفقٌ والعزمُ منِّي

لقاؤك من قصيرٍ أو مدیدِ(١)

ووجد بخطهرحمه‌الله : هكذا أنشدني السيِّد أبو محمّد عبد الله بن محمّد الحسيني أدام الله أفضاله وفوائده لابن الجوزي :

اقسمتُ باللهِ وآلانهِ

أليّةً ألقى بها ربي

أنَّ عليَّ بن أبي طالب

إمامُ أهلِ الشرقِ والغربِ

مَنْ لم یَکُنْ مذهَبُهُ مذهبي

فإنَّه ليس بذي لُبٍّ

قال الشيخ محمّد بن مكي فعارضته تماماً له :

لأنَّه صنوُ نبيِّ الهدى مَن

سيفُهُ القاطِعُ في الحَرْبِ

وقد وقاه من جميع الردى

بنفسه في الخصبِ والجَدْبِ

والنصُّ في الذكر وفي إنَّما

ولیُّکم کافٍ لذي لُبّ)(٢)

ومنها أيضاً في مناقضة هذين البيتين لبعض النواصب ، أو ربما ينتسب الجواب إلى السيِّد المرتضىرحمه‌الله :

قولُ الروافضِ : (نحنُ اطيبُ مولداً)

قولٌ جرى بخلافِ دینِ مُحَمّدِ

نكحوا النساء تمتُّعاً فولدن من

ذاكَ النكاحِ فأينَ طيبُ المولِدِ؟

[فأجابهرحمه‌الله ](٣) :

إنَّ التمتُّع سنَّة مفروضة

ورد الكتابُ بها وسنَّة أحمَدِ

وروى الرواة بأن ذلك قَدْ جرى

من غير شكٍّ في زمانِ مُحَمّدِ

__________________

(١) بحار الأنوار ١۰٤ : ٢۹.

(٢) بحار الأنوار ١۰٤ : ١۸ باختلاف يسير.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعني.

٣٣٠

ثم استمرَّ الحال في تحليلها

قَدْ صحَّ ذلك في الحديث المُسنَدِ

عن جابرٍ وعن ابنِ مسعودِ التَّقي

وعن ابنِ عبَّاسِ الكريم المَولِدِ(١)

مسألة المتعة

وبالحري بالمقام أن نذيّل الكلام بذکر شطرٍ من أخبار المتعة ، وإثبات حلّيتها ، فتقول :

المتعة : هو النكاح المنقطع ، وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل امرأة بمال معيّن إلى أجل معيّن فيجامعها(٢) ، ولا خلاف بين الإماميّة في أنَّ شرعيتها مستمرة إلى الآن(٣) .

والأخبار بشرعيتها من طريق أهل البيتعليهم‌السلام بالغة ـ أو كادت أن تبلغ ـ حدّ التواتر ؛ لكثرتها ، حَتَّى أنه مع كثرة اختلاف أخبارنا ـ الَّذي أكثره بسبب التقيّة ـ وكثرة مخالفينا في نكاح المتعة لم يوجد خبرٌ واحد فيها يدل على منعها ، وذلك عجیب غریب(٤) .

بل لا خلاف بين المسلمين قاطبة في أصل شرعيتها ، وأنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام.

__________________

(١) الصراط المستقیم ٣ : ٢٦٧ ، روضات الجنات ٧ : ١٦ ، وينظر بالتفصيل عن ترجمة الشهيد الأولرحمه‌الله : الشهيد الأول حياته وآثاره للشيخ رضا المختاري دام فضله.

(٢) تعريفها هذا قاله الرازي في تفسيره ١۰ : ٤٩.

(٣) الروضة البهية ٥ : ٢٤٥.

(٤) الروضة البهية ٥ : ٢٨٣.

٣٣١

ففي تفسير الرازي : (روي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم مكّة في عمرته تزيّن نساء مكّة ، فشكا أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء.

واختلفوا في أنّها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمَّة إلی أنها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحة كما كانت.

قال : وهذا القول ـ أي : عدم النسخ ـ مرويٌّ عن ابن عبَّاس وعمران بن الحصين) ، انتهى(١) .

وفي رجال الشيخ أبي عليرحمه‌الله في ترجمة عبد الملك بن جریج : (أنّ حلّية المتعة ليست من متفرّدات الشيعة حَتَّى يقال بتشيّع من قال بها ، بل الكثير من العامّة كان يذهب إليها أيضاً وكان الخلاف فيها بينهم معروفاً ، إلى أن استقر رأي علمائهم الأربعة(٢) على التحريم ، بل المنقول في جملة من كتب العامّة ـ على ما وجدت ـ انّ مالكاً أيضاً كان يستحلّ المتعة ، فلاحظ.

إلى أن قالرحمه‌الله : وقد عدّ السيِّد المرتضیرضي‌الله‌عنه في (الانتصار) وقبله شيخه المفيدرحمه‌الله جماعة من علماء العامّة كانوا يذهبون إلى حلّية المتعة ، وعدّا منهم عبد الملك بن جريج) ، انتهى(٣) .

وذكر الشيخ عبد الحقّ الدهلويّ في (تحصيل الكمال) في ترجمة أبن جریج : (أنّه كان يبيح المتعة وفعلها)(٤) .

__________________

(١) تفسير الرازي ١٠ : ٤٩.

(٢) علماؤهم الأربعة هم : أبو حنيفة ومالك بن أنس وابن حنبل وابن إدريس الشافعي.

(٣) منتهى المقال ٤ : ٢٦٣ رقم ١۸٢٣ ، الانتصار : ٢٦۸ ، خلاصة الإيجاز في المتعة : ٢١.

(٤) تحصيل الكمال ، لم أهتد إليه ، وذكر هذا القول الذهبي عند ترجمته لابن جريج في كتابه الكاشف في معرفة من له رواية في كتب السنة ١ : ٦٦٦ رقم ٣٤٦١ وفيه : (ويفعلها).

٣٣٢

وابن جريج هذا من أكابر مشايخ العامّة وشيوخ أئمّتهم كما لا يخفى.

ويدلّ على الحِلّية من العقل ما ذكره المرتضى في (الانتصار) ، والعلَّامة أبو الفتوح الرازي في تفسيره (روض الجنان) ، وابن إدريس الحِلّي في (السرائر) : (إنّ من الثابت بالبرهان العقلي أنّ كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل فهي مباحة بضرورة العقل ، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بضرورة العقل)(١) .

ومن النقل : قوله تعالى في سورة النساء : ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ(٢) ، اتفق جمهور المفسِّرين على أنَّ المراد به نكاح المتعة ، وأجمع أهل البيتعليهم‌السلام على ذلك(٣) .

وروي عن جماعة من الصحابة منهم اُبي بن كعب ، وابن عبَّاس ، وابن مسعود أنهم قرؤوا : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّی) وذلك تصريح بأنَّ المراد به عقد المتعة.

ومن جملة من روى ذلك الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عبَّاس ، ومحمّد بن جرير الطبري ، والفخر الرازي ، والنيسابوري في تفاسيرهم عن أبي نضرة(٥) .

__________________

(١) الانتصار : ٢٦۸ ، تفسير الرازي ١۰ : ٥٣ ، السرائر ٢ : ٦١۸.

(٢) سورة النساء : من آية ٢٤.

(٣) ينظر : تفسير السمرقندي ١ : ٣١۹ ، المصنّف لعبد الرزاق ٧ : ٤۹۸ ، تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ ، التبيان ٣ : ١٦٥.

(٤) ينظر : مستدرك الحاكم ٢ : ٣۰٥ ، السنن الكبرى ٧ : ٢۰٥ ، عمدة القاري ١۸ : ٢۰۸ ، المعجم الكبير ١۰ : ٣٢۰ التبيان ٣ : ١٦٥.

(٥) تفسير الثعلبي ٣ : ٢۸٦ ، جامع البيان ٥ : ١۸ ، تفسير الرازي ١۰ : ٥١ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٣۰٥ ، غرائب القرآن ٥ : ٣٩٢.

٣٣٣

وفي (الكشّاف) عن ابن عبَّاس قال : (هي محكمة ـ يعني : لم تنسخ ـ وكان يقرأ : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّی ))(١) .

وقال ابن الأثير الجزري في (النهاية) : (وفي حديث ابن عبَّاس : (ما كانت المتعة إلّا رحمة ، رحم الله بها أمة محمّد صلی الله عليه وسلم ، لولا نهیه عنها ما احتاج إلى الزّنى إلّا شفی )

أي : إلّا قليل من الناس ، من قولهم : غابت الشمس إلّا شفى ، أي إلّا قليلاً من ضوئها عند غروبها)(٢) .

وقال جلال الدين السيوطي في (الدر النثير) : (ولو بقيت المتعة ما احتاج إلی الزّنى إلّا شفى ، أي : إلّا قليل من الناس )(٣) .

ونقل عن الأزهري تفسير الحديث بأن معناه : (إلا أن يشفى ، أي : يشرف علی الزّنى ولا يواقعه ، فأقام الاسم وهو (الشفى) مقام المصدر الحقيقي وهو (الإشفاء) على الشيء ). انتهى(٤) .

وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أنّه سُئل عن حلّية المتعة ، فأجاب : (إنّه حلال ، ثُمَّ قرأ قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(٥) )(٦) .

__________________

(١) الكشّاف عن حقائق التتریل ١ : ٥١٩.

(٢) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٤۸۸.

(٣) الدر النثير المطبوع بهامش النهاية ٢ : ٢٢۹ ، مادة (ش. ف. ا).

(٤) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٤۸۸.

(٥) سورة المائدة : ۸٧.

(٦) صحيح مسلم ٤ : ١٣۰.

٣٣٤

وقال النووي في ذيله : (أنه فيه إشارة إلى أنّه كان يعتقَدْ بإباحتها کابن عبَّاس)(١) .

وفي تفسير الرازي والنيسابوري ، قال عمارة : (سألت ابن عبَّاس عن المتعة ، أسِفاحٌ هي أم نکاح؟ قال : لا سفاح ولا نكاح.

قلت : فما هي؟ قال : هي متعة ، كما قال تعالى ، قلت : هل لها عدّة؟ قال : نعم ، عدّتها حيضة. قلت : هل يتوارثان؟ قال : لا)(٣) .

قال أبو حنيفة : (آية الميراث تنطق بنسخ المتعة ، فقال له في ردّه مؤمن الطاق : قَدْ ثبت النكاح بغیر میراث. فقال أبو حنيفة : من أين قلت ذلك؟

فقال : لو أنَّ رجلاً من المسلمين تزوَّج بامرأةٍ من أهل الكتاب ، ثُمَّ توفّي عنها ما تقول فيها؟ قال : لا ترث منه. فقال : قَدْ ثبت النكاح بغیر میراث)(٣) .

قلت : وتخلف الإرث عن الزوجة كثير كالأمّة إذا كانت زوجة لم ترث ولم تورث ، وكذلك القاتلة ، بل وتخلُّفها عن الطلاق كذلك كالأمَّة المبيوعة تبين بغیر طلاق ، والملاعنة ، والمختلعة ، والمرتدّ عنها زوجها ، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأُم.

وفي التفاسير الثلاثة : الثعلبي ، والنيسابوري ، والرازي عن عمران بن الحصين : (أنه نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٢٥۰.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٤٩ ، غرائب القرآن ٥ : ٣٩٢.

(٣) الكافي ٥ : ٥۰ ح ۸ ، باختلاف يسير.

٣٣٥

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمتَّعنا بها ومات ولم ينهنا عنها ، ثُمَّ قال رجل برأيه ما شاء)(١) .

وفي تفسير الرازي ، والنيسابوري أنه : (روی محمّد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، أنه قال : لولا أنَّ عمر نهى الناس عن المتعة زني إلّا شقي)(٢) .

وفي صحيح مسلم قال : سمعت عبد الله يقول : كنّا نغزو مع رسول الله صلی الله عليه وسلم ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثُمَّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثُمَّ قرأ عبد الله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(٣) ، وهي في سورة المائدة)(٤) .

وفيه أيضاً عن جابر الأنصاري ، وسلمة بن أكوع قال : (خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنَّ رسول الله قَدْ أذِنَ لكُم أن تستمتعوا ، يعني : متعة النساء )(٥) .

وفيه أيضاً بهذين السندين قال : (إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتانا فأذن لنا المتعة )(٦) .

وفيه أيضاً عن سيرة قال : (أذِنَ لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر فتمتَّعا )(٧) .

__________________

(١) تفسير الثعلبی ٣ : ٢۸٦ ، تفسير الرازي ١۰ : ٤٩ ، غرائب القرآن ٥ : ٣٩١ ، والمراد بالرجل هنا هو عمر.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٤۸ ، غرائب القرآن ٥ : ٣۹٢ ، جامع البيان ٥ : ١۹.

(٣) سورة المائدة : ۸٧.

(٤) صحیح مسلم ٤ : ١٣۰ والمقصود بعبد الله هو ابن مسعود ، وورد في الأصل عن ابن عبَّاس دون ذكر الاسم ، وما أثبتناه من المصدر ، ومنشأ اللبس الاشتراك بالاسم ، فلذا اقتضى التنبيه.

(٥) صحیح مسلم ٤ : ١٣۰.

(٦) صحیح مسلم ٤ : ١٣۰.

(٧) صحیح مسلم ٤ : ١٣١ باختصار.

٣٣٦

وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله ، يقول : (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر ، حَتَّى نهی عنه عمر في شأن عمرو بن حریث )(١) .

وفيه أيضاً : (جاء رجل إلى جابر الأنصاري فذكر له منازعة ابن عبَّاس وابن الزبير فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُمَّ نهانا عنهما عمر) (٢) .

قلت : تثنية الضمير ؛ لرجوعه إلى متعة الحج ، ومتعة النساء.

ومناظرة ابن عبَّاس وابن الزبير مذكورة في كتب التواریخ ، وخلاصة القصّة :

(أنَّ ابن عبَّاس قال لابن الزبير : یا جلف ، يا جاف! أتطعن بالمتعة وقَدْ وجدت وخلقت منها؟ فقال ابن الزبير : وكيف ذلك؟ فقال له : إنّ أباك أمهر اُمّك ببردة يمانية عتيقة ، وتمتع بها ، فحملت بك.

ويروى أنّ ابن الزبير وإن ازداد عناداً ، غير أنّه ما كان يحرك القصّة بحضور ابن عبَّاس)(٣) .

وفي صحيح مسلم عن عطاء ، أنَّ جابر الأنصاري ورد إلى منزله معتمراً ، فسأله قوم من مسائل دينهم ، فسُئل عن المتعة؟

فقال : (نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر)(٤) .

وفيه أيضاً في كتاب الحجّ عن أبي ذر قال : (كانت المتعة لنا رخصة)(٥) .

__________________

(١) صحیح مسلم ٤ : ١٣١.

(٢) صحیح مسلم ٤ : ١٣١.

(٣) ينظر القصة في : الفتوح لابن اعثم ٦ : ٣٢٤ ، شرح نهج البلاغة ٢۰ : ١٢۸ ، الدرجات الرفيعة : ١٣٤.

(٤) صحيح مسلم ٤ : ١٣١ بتصرف يسير.

(٥) صحيح مسلم ٤ : ٤٦ بتصرف يسير ، وفيه أن الحديث كان عن متعة الحج.

٣٣٧

وفيه أيضاً في كتاب الحجّ عن أبي ذر : (أنه لا تصلح المتعة إلّا لنا خاصة ، يعني : متعة النساء ومتعة الحجّ )(١) .

قلت : ومراد أبي ذر من قوله (لنا) يعني : اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما عرفت من حديث ابن عبَّاس : (ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها اُمَّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وفي (صحيح البخاري) ـ الَّذي هو عند العامّة كالقرآن الثاني ـ في أوائل کتاب التفسير ، عن عمران بن الحصين أنّه قال : (نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حَتَّى مات ، قال رجل برأيه ما شاء )(٣) .

وفي (تفسير الرازي) أن عمر قال في خطبته : (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما) (٤) .

وروى الترمذي : (أنه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبد الله بن عمر : هي حلال ، فقال الشامي : إن أباك قَدْ نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهی عنها وصنعها رسول الله صلی الله عليه وسلم ، أمرَ أبي يُتّبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح)(١) .

__________________

(١) صحیح مسلم ٤ : ٤٦ وفيه : (المتعتان) بدل : (المتعة).

(٢) النهاية في غريب الحدیث ٢ : ٤۸۸.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٥۸.

(٤) تفسير الرازي ١۰ : ٥٠.

٣٣٨

وقال ابن الخطيب في (مستطرفه) ـ وهو تلميذ النووي ـ : (إن القاضي يحيى بن أكثم سأل شيخاً من شيوخ المدينة عن دلیل حلّية المتعة ، وإنه كان من أشد المنکرین؟ فقال الشيخ : إن الخير الصحيح عنه أنه قال على المنبر : إن الله ورسوله أحل لكم المتعتين وإني محرَّمهما ، فنحن نقبل شهادته في تحليلهما ، ولا نقبل تحريمهما ؛ لأن التحريم با قراره من عند نفسه )(٢) .

إذا حفظت ما تلوناه عليك فهلمّ واستمع ما ذكره الرازي في تفسيره ، واعتمد عليه في ردِّ التمسك بآية المتعة ، قال : (والَّذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن تقول : إنا لا ننكر أنَّ المتعة كانت مباحة ، إنما الَّذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضاً عن تمسُّكهم بقراءة اُبيّ وابن عبَّاس )(٣)

أقول :

أوّلاً : قَدْ عرفت فيما تقدّم اعتراف جماعة من الصحابة بعدم النسخ وأنّ الحكم ثابت إلى يوم القيامة ، تعم ، قَدْ يقال : إنّ آية المتعة منسوخة بقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(٤) حيث منع النكاح إلّا لزوجة أو ملك يمين ، وإذا لم تكن الممتَّعة

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ١٥۹ ح ۸٢٣ ، وفي الأصل أن سؤال الرجل كان عن متعة النساء ، وما أثبتناه من المصدر ، وربما استند المؤلِّفرحمه‌الله إلى حديث أبي ذررضي‌الله‌عنه المتقدّم.

(٢) لم أعثر عليه في كتاب المستطرف المطبوع بدار الندى سنة ١٤٢٥ هـ فلعل يد الزَّمان الخؤون تصرفت به.

(٣) تفسير الرازي ١۰ : ٥٣.

(٤) سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٣٣٩

زوجة ولا ملك يمين فقد سقط قول من أحلَّها ، وهو نفخ في غير ضرام ، فإنّ آية المتعة في سورة (النساء) وهي مدنيّة وآية منع النكاح مكّية ، والمكّية لا تنسخ المدنية كما لا يخفی.

وثانياً : نسأل عن زمان اطّلاع المحرِّم على النسخ ، أكان بعد موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وانقطاع الوحي عن اُمَّته؟ أم كان ذلك في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

اليس إلى ادعاء الأوّل من سبيل ، وعلى فرض الثاني كيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقية زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومدّة خلافة أبي بكر وبعض خلافة المحرِّم؟!

ولو فرضنا اختصاصه بالاطّلاع دون غيره كيف جاز له إخفاء مثل هذا الحكم في تمام هذه المدّة؟ ولمَ لا يطلع عليه الخليفة الأوّل حَتَّى ينهى الناس عنه؟ وما الحكمة في إخفاء حكم الله تعالی عن العباد مع ارتكابهم له بمرأى منه ، كما في الروايات الثابتة في الصحاح الستّة ، وخصوصاً صحیح مسلم أنَّ الصحابة كانوا يقولون : كنا نتمتَّع على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي خلافة أبي بكر ، وشطراً من زمن عمر(١) ؟

قال : وقولهم الناسخ إما أن يكون متواتراً أو آحاداً.

قلنا : لعل بعضهم سمعه ثُمَّ نسيه ، ثُمَّ إن عمررضي‌الله‌عنه لما ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكّروه ، وعرفوا صدقه فيه ، فسلَّموا الأمر له(٢) .

__________________

(١) صحیح مسلم ٤ : ١٣١.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٥٤.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

جماعة من الأئمّة الحفّاظ : كالطحاويّ ، والقاضي عياض وغيرهما ، وقال الطحاويّ : هذا حديث ثابت رواته ثقات )(١) .

١٨ ـ الشيخ محمّد الصبّان ، المتوفّى ١٢٠٦ هـ ، عدّه في إسعاف الراغبين من معجزات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن كرامات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذكر الحديث(٢) .

١٩ ـ السيّد محمّد مؤمن الشبلنجيّ ، عدّه في نور الأبصار من معجزات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، نكتفي بهذا المقدار القليل.

( علي الشهراني ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )

معجزة للرسول وفضيلة لعلي :

س : يرى أهل الاختلاف والبدع : أنّ قضية رجوع الشمس إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام غير صحيحة ، نرجو التفضّل بالردّ على ذلك.

ج : تارة نبحث عن سند حديث ردّ الشمس ، فإنّه حديث صحيح أخرجه جمع من الحفّاظ والمحدّثين بأسانيد متعدّدة ، وطرقه كثيرة ، وفيها طرق صحيحة ثابتة ، نصّ على ذلك غير واحد منهم ، وهي تنتهي إلى : الإمام علي والإمام الحسينعليهما‌السلام ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي هريرة ، وأبي رافع ، وأبي سعيد الخدري ، وأسماء بنت عميس ، كما أنّ بعض كبار علماء أهل السنّة أفردوه بالتأليف.

وللتفصيل حول من روى هذا الحديث ، وصحّح أسانيده ، راجع المصادر التي ذكرت ذلك(٤) .

____________

١ ـ نزل الأبرار : ٤٠.

٢ ـ إسعاف الراغبين : ٥٨ و ١٥٢.

٣ ـ نور الأبصار : ٤٣.

٤ ـ الغدير ٣ / ١٢٦ ، قبسات من فضائل أمير المؤمنين : ٢٣ ، تاريخ مدينة دمشق : ترجمة أمير المؤمنين ، إحقاق الحقّ ٥ / ٥٢١ و ١٦ / ٣١٦.

٣٨١

وأمّا بخصوص شبهة أهل الاختلاف والبدع ، فإنّ نظرة سريعة في متن الحديث تدفع هذا الإشكال : ( عن أسماء بنت عميس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الظهر بالصهباء من أرض خيبر ، ثمّ أرسل عليّاً في حاجة ، فجاء وقد صلّى رسول لله العصر ، فوضع رأسه في حجر علي ، ولم يحرّكه حتّى غربت الشمس ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اللهم إنّ عبدك عليّاً احتبس نفسه على نبيّه ، فردّ عليه شرقها ).

قالت أسماء : فطلعت الشمس حتّى رفعت على الجبال ، فقام علي فتوضّأ وصلّى العصر ، ثمّ غابت الشمس )(١) .

ولا أعلم لماذا يحارب النواصب هذه الفضيلة؟ التي هي معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن تكون فضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

____________

١ ـ البداية والنهاية ٦ / ٨٨ نقلاً عن تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس للحسكاني.

٣٨٢

حديث السفينة :

( السيّد جلال ـ البحرين ـ ٢٧ سنة ـ ماجستير )

من ذكره من أهل السنّة :

س : أرجو أن تردّوا على هذه الشبهة التي وردتني من وهابيّ ، وترسلوا لي الردّ لأعطيه إيّاه.

في حوار لي مع وهابيّ ذكرت له : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ) ، فقال : بأنّ الرواية منكرة ، وقال الألبانيّ : موضوعة.

ج : إنّ حديث السفينة ذكره الكثير من علماء أهل السنّة في كتبهم ، فمنهم :

الحاكم النيسابوريّ في المستدرك وصحّحه(١) , والطبرانيّ في المعجم(٢) ، وإلهيّثمي في مجمع الزوائد(٣) ، وغيرهم(٤) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٤٣ و ٣ / ١٥١.

٢ ـ المعجم الصغير ١ / ١٣٩ و ٢ / ٢٢ ، المعجم الأوسط ٥ / ٣٥٥ و ٦ / ٨٥ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ، ١٢ / ٢٧.

٣ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨.

٤ ـ الجامع الصغير ١ / ٣٧٣ و ٢ / ٥٣٣ ، كنز العمّال ١٢ / ٩٤ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٦١ ، ذخائر العقبى : ٢٠ ، مسند الشهاب ٢ / ٢٧٣ و ٢٧٥ ، فيض القدير ٢ / ٦٥٨ ، الدرّ المنثور ٣ / ٣٣٤ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٣ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٢٣٦ ، تهذيب الكمال ٢٨ / ٤١١ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٤٩٠ ، ينابيع المودّة ١ / ٩٣ و ٢ / ١٠١ و ١١٨ و ٢٦٩ و ٣٢٧ ، نزل الأبرار : ٦ ، نظم درر السمطين : ٢٣٥ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٨٢ و ٤ / ١٦٧ ، لسان العرب ٣ / ٢٠ ، تاج العروس ٢ / ٢٥٩.

٣٨٣

قال ابن حجر في صواعقه ما هذا لفظه : وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً : ( إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا )(٥) .

وكان العلاّمة نجم الدين العسكريّ في كتابه المعد لذكر حديث الثقلين وحديث السفينة ، قد ذكر من طرق أهل السنّة مع تعيين مواضع مصادر الحديث ما زاد عن حدّ التواتر ، بل عن مائة حديث(١) ، فراجع ثمّة.

( أحمد ـ ـ. ١٨ سنة )

رواته من الصحابة والتابعين :

س : نشكركم على إجاباتكم ، وبارك الله في جهودكم.

قرأت في منهاج السنّة لابن تيمية حول حديث السفينة ، فهناك يقول : ( أمّا قوله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها ، فإن كان قد رواه من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات ، فهذا ممّا يزيده وهناً ).

فالرجاء ، هل كلامه صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً ، فما هو الردّ؟

ج : لا يخفى بطلان هذا الكلام وهوانه على ذوي البصيرة والخبرة بالأحاديث ، إذ روى حديث السفينة جماعة كبيرة من علماء أهل السنّة وحفّاظهم ، بطرق متكاثرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا وقد رواه ثمانية من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم :

الإمام عليعليه‌السلام ، أبو ذر الغفاريّ ، عبد الله بن عباس ، أبو سعيد الخدري ، أبو الطفيل عامر بن واثلة ، سلمة بن الأكوع ، أنس بن مالك ، عبد الله بن الزبير.

وممّن رواه من التابعين فكثيرون ، ومن أشهرهم :

الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ، سعيد بن جبير ، حنش بن المعتمر ، سعيد بن

____________

١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤٥.

٢ ـ حديث الثقلين : ١٣٠.

٣٨٤

المسيّب ، عطية بن سعيد العوفي ، عامر بن عبد الله بن الزبير ، أياس بن سلمة ابن الأكوع ، رافع مولى أبي ذر.

ونضيف على هذا ما ذكره الأخوة في موقع البرهان ( www.albrhan.org ) في الإجابة على عبارة ابن تيميّة :

ابن تيميّة والألبانيّ وبعض الجهلة ، تلاعب مكشوف في حديث السفينة :

أما ابن تيمية في ( منهاج البدعة التيمية ) ج ٧ ص ٣٩٥.

قال ابن تيمية : " وأما قوله مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده وهنا.

أما الألباني :

ففي سلسلته الضعيفة الحديث رقم ٤٥٠٣ فقال عنه ضعيف الإسناد لأنّ طريق ابن لهيعة لا معاضد له ( حدّثنا يحيى بن يعلى بن منصور ينا ابن أبي مريم ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عامر بن عبيد الله بن الزبير عن أبيه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم ومن تركها غرق ).

ولكنه جهل أو تجاهل عمدا طريق مصنف ابن أبي شيبة الذي يرفعه لمرتبة الحسن!!

مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٣٧٢ ح ٣٢١١٥ : ( حدّثنا معاوية بن هشام قال ثنا عمار عن الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث عن علي قال : إنّما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكتاب حطة في بني إسرائيل ).

وهذا الجهل لا بأس به؛ لأنّا تعوّدنا على جهل القوم حتى في أسانيدهم.

ولكن الذي يحز في القلب أن نفس الطرق التي ذكرها الألبانيّ في سلسلته الضعيفة يمكن أن تتعاضد بنفس موازين الألبانيّ ؛ إذ في أبحاث الألبانيّ قد عضّد نفس هذه الطرق ببعضها! ولكن عندما لم يكن الكلام عن فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٨٥

توضيح : ـ أننا لا نحب الإطالة ولكن لا بأس بـها هنا ـ :

قال الألبانيّ عن إسناد حديث ابن عباس الذي خدشه بأبي الصهباء الكوفـيّ إذ لم يوثقه إلا ابن حبان ، وبالحسن بن أبي جعفر وهو متروك وقال فيه البخاريّ منكر الحديث.

نقول : أمّا أبو الصهباء الكوفـيّ ، فقد وثقه الذهبيّ في الكاشف!

الكاشف ج ٢ ص ٤٣٦ ت ٦٦٩٢ : ( أبو الصهباء الكوفـيّ عن سعيد بن جبير وعنه حماد بن زيد وعدّة ( ثقة ).

فهل جهل أم تجاهل؟!

في نظرنا ، إلى هنا لا بأس به ، لأنّنا تعودنا ـ كما قلنا سابقا ـ على الجهل.

لكن الطامة الكبرى فهنا :

أنّ السبب لعدم قابلية هذا الطريق ـ طريق ابن عباس ـ لأن يتعاضد من طريق ابن لهيعة الذي ذكره الألبانيّ نفسه ، هو وجود الحسن بن أبي جعفر الذي زعم الألبانيّ أنه شديد الضعف ، فالحسن بن أبي جعفر في نظر الألبانيّ لا يستشهد بحديثه لشدة ضعفه.

ولكن لننظر لما قاله الألبانيّ عن ( الحسن بن أبي جعفر ) في سلسلته الصحيحة ج ٦ ص ١٢٤٠ ـ ١٢٤١.

أخرجه الدارقطنيّ وعلقه البيهقيّ وقال : الحسن بن أبي جعفر ليس بالقويّ ، وقال الذهبي في الكاشف : صالح ، خيّر ، ضعفوه. وقال الحافظ : ضعيف الحديث مع عبادته وفضله. قلت ـ أي الالباني ـ : ( فمثله يستشهد به ) إن شاء الله تعالى ).

سبحان الله! يستشهد به هنا ، ولا يستشهد ] به في فضائل أهل البيت [ لماذا الحقد على أهل البيت؟!

( أحمد ـ ـ ١٨ سنة )

دلالته على إمامة أهل البيت :

س : هل يدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ أم مجرد يدلّ على

٣٨٦

محبّتهم والتودّد لهم؟ أرجو الإجابة وشاكراً جهودكم.

ج : يدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام من وجوه :

١ ـ وجوب اتباعهمعليهم‌السلام على الإطلاق ، ولا يجب اتباع أحد كذلك ـ بعد الله ورسوله ـ إلاّ الإمام.

٢ ـ اتباعهمعليهم‌السلام يوجب النجاة والخلاص ، ومن المعلوم أنّ كونهمعليهم‌السلام كذلك دليل العصمة.

٣ ـ أفضليتهمعليهم‌السلام من سائر الناس مطلقاً ، إذ لو كان أحد أفضل منهم ـ أو في مرتبتهم من الفضل ـ لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاقتداء به دونهمعليهم‌السلام ، وإلاّ لزم أن يكون قد غشّ أُمّته ، وحاشا لرسول الله من ذلك.

٤ ـ عصمتهمعليهم‌السلام ، إنّ هذا الحديث يدلّ على أن محبّة أهل البيتعليهم‌السلام توجب النجاة ، وهذا المعنى يستلزم عصمتهم ، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبّتهم ومتابعتهم ، فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة ، وإذا ثبت عصمتهمعليهم‌السلام لم يبق ريب في إمامتهم.

٥ ـ يدلّ على هلاك وضلال المتخلّفين عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وتخلّف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان ، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثبتت خلافة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٦ ـ يدلّ على أنّ من اتبعهمعليهم‌السلام كان من المفلحين الناجين ، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين ، فبهم وباتباعهم يعرف المؤمن من الكافر ، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الإمامة والرئاسة العامّة ، لأنّه من شؤون العصمة المستلزمة للإمامة.

٧ ـ يدلّ على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ زمان إلى يوم القيامة ، ليتسنّى للأُمّة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة.

٣٨٧
٣٨٨

حديث العشرة المبشّرة :

( حسام ـ ألمانيا ـ )

أدلّة على بطلانه وعدم صحّته :

س : أسمع أنّ الشيعة يقولون : بأنّ أبا بكر ، وعمر ابن الخطّاب ، اغتصبا حقّ سيّدنا علي عليه‌السلام في الإمامة ، وغير ذلك من الأُمور التي تجعلهم من أهل الضلال ، فكيف نوفّق بين هذا الكلام ـ إن صحّ عن الشيعة ـ وبين أنّهما مبشّران بالجنّة؟ ولكم كلّ التقدير.

ج : نحن نعتقد أنّ حديث العشرة المبشّرة هو من الموضوعات المختلقة على عهد بني أُمية ، وضعوه على لسان بعض الصحابة.

وممّا يثبت القول ببطلان حديث تبشير العشرة بالجنّة ، ما رواه الشيخان والنسائيّ عن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : ما سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لأحد يمشي على الأرض ، أنّه من أهل الجنّة إلاّ لعبد الله بن سلام(١) .

فهذا أبو سعد ـ وهو أب أحد العشرة المذكورين في حديث التبشير ـ قد شهد بأنّه لم يسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يبشّر أحداً بالجنّة ، سوى عبد الله بن سلام.

لكنّا نعلم أنّ قوله هذا لا يصحّ على إطلاقه ، إذ قد استفاضت النقول بتبشير جماعة من خيار الصحابة بالجنّة ، إلاّ أنّ القدر المتيقّن من كلامه أنّه لم تقع البشارة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لجميع أُولئك العشرة ، لاسيّما على النحو المذكور في حديث العشرة ، وإن قطعنا بوقوعه لبعضهم في موطن آخر ، كتبشير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٢٢٩ ، صحيح مسلم ٧ / ١٦٠ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٧٠.

٣٨٩

أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام ، وأهل بيته الكرام بالجنّة ، وإخباره بأنّه ساقي الحوض وصاحبه عليه ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وغير ذلك.

فتبيّن : أنّ حديث العشرة المبشّرة والشهادة لهم بالجنّة ، وإنّما هو ـ كما قلنا ـ من الموضوعات المختلقة.

ثمّ إنّ ممّا يبيّن بطلان الخبر ، أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه ، ولا احتجّ به له في مواطن دفع فيها إلى الاحتجاج به ـ كالسقيفة وغيرها ـ وكذلك عمر ، وعثمان أيضاً ، كيف ذهب عنه الاحتجاج؟ ـ إن كان حقّاً ـ لمّا حُوصر ، وطُولب بخلع نفسه ، وهمّوا بقتله ، وما منعه من التعلّق به لدفعهم عن نفسه؟ بل تشبّث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب ، وذكر القطع بالجنّة أولى منها وأحرى ، فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو روايته في وقت عثمان لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه ، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجِنان.

ثمّ ما الذي ثبّط طلحة والزبير الناكثَين ، وسائر الأحياء من العشرة يوم ذاك عن نجدة وليّهم بحديث التبشير بالجنّة؟! ولِمَ ضنّ به أُولئك الرهط ـ لو كان ـ على صاحبهم ، مع أنّه من أنجع ما يُدرأ به الشرّ وتحسم به مادّة النزاع؟!

وعلامَ نبذوا ابن عفّان بعد مقتله ثلاثة أيّام ملقىً على المزبلة حتّى خرج به ناس يسير من أهله إلى حائط بالمدينة ، يقال له : ( حشّ كوكب ) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فرجم المسلمون سريره ، ومنعوا الصلاة عليه ، إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كتب السِيَر والتواريخ في قصّة قتل عثمان(١) .

بل روى ابن عبد ربّه الأندلسيّ عن العتبيّ قال : ( قال رجل من بني ليث : لقيت الزبير قادماً ، فقلت : أبا عبد الله ، ما بالك؟ قال : مطلوب مغلوب ، يغلبني ابني ويطلبني ذنبي ، قال قدمت المدينة ، فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت : أبا إسحاق ،

____________

١ ـ الاستيعاب ٣ / ١٦١ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٣٨ ، المعجم الكبير ١ / ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٥٣٢ ، تاريخ المدينة ١ / ١١٢ ، الإمامة والسياسة ١ / ٦٥.

٣٩٠

من الذي قتل عثمان؟ قال : قتله سيف سلّته عائشة ، وشحذه طلحة ، وسمّه علي ، قلت : فما حال الزبير؟ قال : أشار بيده ، وصمت بلسانه )(١) .

فلو أنّ شيئاً من تبشير عثمان بالجنّة كان قد ثبت عند الصحابة ، لَما ألّبوا عليه ولا كتبوا إلى الناس يستدعونهم لجهاده ، والمنصف المتأمّل لذلك يجزم بأنّ حديث التبشير لم يكن له إذ ذاك عين ولا أثر ، وإنّما اختُلق في دولة بني أُمية.

ثمّ قد علم البرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر ، ما وقع من أكثر هؤلاء المبشّرين من المخالفات للإمام عليعليه‌السلام ، وبين طلحة والزبير من المباينة في الدين ، والتخطئة من بعضهم لبعض ، والتضليل والحرب وسفك الدم على الاستحلال به دون التحريم ، وخروج الجميع من الدنيا على ظاهر التديّن بذلك دون الرجوع عنه بما يوجب العلم واليقين ، فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصواب؟(٢) .

وكيف يحكم للجميع بالأمان من عذاب الجحيم ، والفوز بجنّات النعيم ، والحقّ مع علي يدور معه حيث دار؟(٣) .

ثمّ لو كان الحديث صحيحاً ـ كما زعموا ـ لكان الأمان من عذاب الله لأبي بكر وعمر وعثمان به حاصلاً ، ولَما جزعوا عند احتضارهم من لقاء الله تعالى ، واضطربوا من قدومهم على أعمالهم ، مع اعتقادهم أنّها مرضية لله سبحانه ، ولا شكّوا بالظفر بثواب الله عزّ وجلّ ، ولجَرَوا في الطمأنينة لعفو الله تعالى ـ لثقتهم بخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مجرى أمير المؤمنينعليه‌السلام في التضرّع إلى الله عزّ وجلّ في حياته أن يقبضه الله تعالى إليه ، ويعجِّل له السعادة بما وعده من الشهادة ، وعند احتضاره أظهر من سروره بقرب لقائه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستبشاره بالقدوم على الله عزّ وجلّ لمعرفته بمكانه ، ومحلّه من ثوابه ،

____________

١ ـ العقد الفريد ٥ / ٤٦.

٢ ـ الإفصاح : ٧٣ ، الطرائف : ٥٢٢.

٣ ـ المستدرك ٣ / ١٢٤ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٧٦ و ١٠ / ٢٧٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٧٠.

٣٩١

كيف؟! ومن أطاع الله أحبّ لقاءه ، ومن عصاه كره لقاءه.

قال الشيخ المفيدقدس‌سره : ( والخبر الظاهر أنّ أبا بكر جعل يدعو بالويل والثبور عند احتضاره ، وأنّ عمر تمنّى أن يكون تراباً عند وفاته ، وودَّ لو أنّ أُمّه لم تلده ، وأنّه نجا من أعماله كفافاً ، لا له ولا عليه ، وما ظهر من جزع عثمان بن عفّان عند حصر القوم له ، وتيقّنه بهلاكه ، دليل على أنّ القوم لم يعرفوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما تضمّنه الخبر من استحقاقهم الجنّة على كلّ حال ، ولا أمِنوا من عذاب الله سبحانه لقبيح ما وقع منهم من الأعمال )(١) .

هذا وقد ثبت عند المحقّقين عدم صحّة أسانيد كافّة الطرق المنقولة لهذا الحديث ، إمّا من جهة الإرسال ، وإمّا من جهة اشتمالها على كذّابين ومدلّسين ، أو مهملين ومجهولين.

ويؤيّد ما ذكرنا عدم نقل البخاريّ ومسلم لهذا الحديث ، مع نقلهما لما هو دون هذا الحديث في إثبات فضائل بعض هذه العشرة!!

وممّا قرّرنا ينكشف لك : أنّ حديث تبشير العشرة بالجنّة زخرف من القول ، ليس له أصل ، فلا تغرّنك كثرة طرقه ، ولا تهولنّك وفرة أسانيده وشهرته ، فلرُبّ مشهور لا أصل له.

ومن هنا اتّضح : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ليسا من المبشّرين بالجنّة ، وعليه لا يرد على معتقدات الشيعة شيء.

( حسام ـ ألمانيا ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أعرف كيف أشكركم على هذا الجهد البنّاء ، والردّ المقنع الذي

____________

١ ـ الإفصاح : ٧٣.

٣٩٢

ارفقتموه لي ، والذي سوف يساعدني كثيراً عند محاورتي لبعض معاندي أهل السنّة.

( أبو ساجد ـ أمريكا ـ ٣٣ سنة ـ بكالوريوس )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكر مركز الأبحاث العقائديّة على الردّ المقنع على حديث العشرة المبشّرة بالجنّة المزعومة.

هناك دليل عقلي ونقلي على بطلانه وهو : كيف لرجل ـ مثل عمر بن الخطّاب ـ يدخل الجنّة وهو صاحب بدع ورذائل؟ وأشهرها :

١ ـ أنّه ابتدع صلاة التراويح وجعلها جماعة.

٢ ـ أنّه ابتدع التكتّف بالصلاة تقليداً للمجوس عبدة النار.

٣ ـ كان يعترض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأكبر اعتراض هو عند كتابة الوصية ، واتهامه النبيّ بالهجر.

٤ ـ هجومه على بيت الزهراء وعليعليهما‌السلام ، وحرق الباب ، وإسقاط الجنين ، ورفس غلامه قنفذ لبطن فاطمةعليها‌السلام .

٥ ـ كان غليظاً خاصّة على النساء ، وهو أوّل حاكم يضرب الناس من غير حقّ.

٦ ـ كان يعتقد بتحريف القرآن ، ويعتقد بسورتين مزعومتين.

٧ ـ مبايعته هو وأبو بكر وعثمان وبقية العشرة المزعومين للإمام عليعليه‌السلام في غدير خم ، ومن ثمّ نكثوا وغدروا به.

فبعد كلّ هذه الرذائل ، هل يدخل الجنّة من غير حساب ولا عقاب؟

ملاحظة : هذه الرذائل الذي ذكرتها موجودة في كتب أهل السنّة ، والمصادر مذكورة عند مركز الأبحاث لمن يريد أن يتأكّد.

٣٩٣

( نسيم محمّد ـ أمريكا ـ ٣٠ سنة ـ طالب جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

أحببت أن أساهم بالجواب حول مسألة العشرة المبشّرين بالجنّة ، فأقول : ذكر الإمام مالك الحديث التالي في الموطّأ : ( مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أبي بكر على شهداء أُحد ، فقال : (هؤلاء أشهد عليهم ) ، فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي )!! ، فبكى أبو بكر ، ثمّ بكى ، ثمّ قال : إنا لكائنون بعدك؟ )(١) .

فهل هذا الحديث يدلّ على أنّ أبا بكر من المبشّرين؟ وهذا هو حاله.

ونقل المتقيّ الهنديّ عن الضحّاك بن مزاحم قال : ( قال أبو بكر ـ ونظر إلى عصفور ـ : طوبى لك يا عصفور ، تأكل من الثمار ، وتطير في الأشجار ، لا حساب عليك ولا عذاب ، والله! لوددت أنّي كبش يسمّنني أهلي ، فإذا كنت أعظم ما كنت وأسمنه يذبحوني ، فيجعلوني بعضي شواء ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، ثمّ ألقوني عذرة في الحش ، وأنّي لم أكن خلقت بشراً )(٢) .

فبالله عليكم ، هل هذا كلام شخص بشّره الله ورسوله بالجنّة؟

وروى الحافظ أبو نعيم عن الضحّاك قال : ( قال عمر : يا ليتني كنتُ كبش أهلي ، يسمّنوني ما بدا لهم ، حتّى إذا كنت أسمن ما أكون ، زارهم بعض من يحبّون ، فجعلوا بعضي شواء ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، فأخرجوني عذرة ، ولم أك بشراً )(٣) ، بينما قال الإمام عليعليه‌السلام لحظة استشهاده : (فُزتُ وربّ الكعبة ).

____________

١ ـ الموطّأ ٢ / ٤٦٢.

٢ ـ كنز العمّال ١٢ / ٥٢٩.

٣ ـ حلية الأولياء ١ / ٨٨.

٣٩٤

والبخاريّ يروي لنا كلام عمر بن الخطّاب ساعة احتضاره ، قال عمر أثناء وفاته : ( والله لو أنّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديتُ بهِ من عذاب الله )!!(١) .

بالله عليكم ، هل يقول هذا الكلام من تقولون له بحديث البشارة بالجنّة؟ وهذا يدلّ بطلان أنّه من المبشّرين في الجنّة.

ويروي الإمام أحمد في مسنده ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ) ، وكان عمر يسأل أُمّ سلمة : بالله منهم أنا؟(٢) .

لماذا يسألها عمر من دون سائر الصحابة؟ لماذا عمر يسأل أُمّ سلمة إذا كان من المبشّرين بالجنّة؟ كاد المريب أن يقول : خذوني فأين هم من حديث البشارة بالجنّة؟ والحرّ تكفيه الإشارة.

( حسين مردان ـ العراق ـ ٣٩ سنة ـ مهندس )

ما ورد في تأييده مردود :

س : لي تعقيب على بطلان كون الخلفاء من بعد الرسول غير مبشّرين بالجنّة.

هناك حديث للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ما مضمونه : ( إنّ الله اطلع على أهل بدر ، فقال : أعملوا ما شئتم ، فإنّي قد غفرت لكم ) ، وكان الخلفاء من الذين شهدوا بدراً.

ولقد كانوا من الذين جاهدوا مع الرسول الكريم في بدايات الدعوة ، فهل يحقّ لنا الآن أن لا نذكرهم بخير؟ بسبب خلافهم مع الإمام علي ، ولماذا عاش الإمام معهم دون مشاكل كبيرة؟ الرجاء أعطونا إجابة شافية.

ج : الحديث الذي اعتبرته دليلاً على مدّعاك لا يصمد أمام النقد لوجوه :

١ ـ الحديث من أحاديث الآحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد.

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٢٠١.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٢٩٠.

٣٩٥

٢ ـ معارضة هذا الحديث لمجموعة كبيرة من الآيات القرآنيّة ، والروايات التي رواها الثقات.

٣ ـ اختلفت دلالة الأحاديث ، لكن أغلبها يشير إلى احتمال حصول الغفران على سبيل الظنّ ، لا كما نقلته على سبيل اليقين.

ولو سلّمنا صحّة سند الأحاديث ، فكلّه مشروط بسلامة العاقبة ، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلّفاً غير معصوم ، بأن لا عقاب عليه ، فليفعل ما يشاء ، كما وأنّه أمّا أن يكون قصد النبيّ : اعملوا ما شئتم من أعمال الشرّ ، أو يكون قصده : اعملوا ما شئتم من أعمال الخير والبر.

فإن قالوا : أراد أعمال الخير والبر ، قيل لهم : هذا غير مستنكر أن يكون الله قد غفر لهم ما كان منهم من كراهية الجهاد في هذه المواطن ، كما أخبر عنهم في قوله :( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ) (١) إلى آخر القصّة.

فهذه أحوال كلّها مذمومة من أهل بدر ، فجائز أن يكون الله قد غفر لهم من بعد بأفعال جميلة ظهرت منهم ، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : استأنفوا عمل الخير بالطاعة ، وحسن العمل والتسليم ، وإن كان هذا فيهم كذلك ، فليس هذا حالاً يوجب لأهل بدر كلّهم النجاة ، بل يوجب لمن استأنف منهم أعمال الخير بالمسارعة إلى الطاعة والانقياد بالرضا ، والتسليم إلى ما قد وعدهم الله من المغفرة والعفو عن الدين.

أمّا الذين وصفهم فيه بالأعمال المذمومة ، ومن قصّر في ذلك ، وجرى إلى خلاف ما يرتضيه الله منه ، حمله من بعض معانيه ممّا يلزم غيره من المسلمين.

وإن قالوا : إنّه أراد بقوله : اعملوا ما شئتم من الأعمال السيّئة ، كان هذا القائل جاهلاً متخرّصاً ، لأنّ هذا يوجب إباحة المحارم لأهل بدر ، والتحليل لهم

____________

١ ـ الأنفال : ٥.

٣٩٦

ما حرّمه على غيرهم في الشريعة ، من الزنا والربا ، وشرب الخمر ، وقتل النفس التي حرّم الله قتلها

وإن قالوا : إنّ الله قد علم أنّهم لا يأتون بشيء من ذلك ، قيل لهم : إن كان هذا كما وصفتم ، فقوله : اعملوا ما شئتم وهم لا يعملون ، لا معنى له ولا فائدة فيه ، وليس هذا من قول الحكيم.

وإن قالوا : إنّما أراد بذلك إظهار جلالة منزلتهم للناس ، وتبيين فضيلتهم بتحليل المحارم ، والإباحة للمحظورات ، فيجعل للجاهل سبيلاً إلى الدخول في ذلك ، أو في شيء منه ، قيل لهم : هذا ما لا يستقيم عند ذوي عقل ولا فهم.

مع ما يقال لهما كيف يصحّ ما يقولون : إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للزبير : ( إنّك تقاتل عليّاً ، وأنت ظالم له ) ، فلو كان أباح لهم ما زعمتم ، لكان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله للزبير : تقاتل عليّاً وأنت ظالم له ، ظلماً من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واعتداء على الزبير(١) .

وحتّى لو غضضنا النظر عن دلالة الحديث ، فإنّ إقرارك بوجود الخلاف بينهم وبين الإمام عليعليه‌السلام وحده يكفي لعدم استحقاقهم للجنّة ، لأنّ الخلاف الذي تذكره ليس هو خلافاً شخصيّاً ، بل خلاف يفصح عن عصيانهم لأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدم امتثال أوامره ، وإذا كنت شيعيّاً كما تقول ، فأنت تعترف قطعاً باغتصاب الخلفاء الثلاثة للخلافة ، وهذا من أعظم الكبائر.

وما ورد عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله يكفي ، إذ قال : (أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواماً ثمّ لأغلبن عليهم ، فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي! فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك )!(٢) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (والذي نفسي بيده

____________

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٣٤٠ ، الإصابة ٢ / ٤٦٠ ، الإمامة والسياسة ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٨٩.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ٣٨٤ و ٤٠٢ ، صحيح مسلم ٧ / ٦٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٦٠٢ ، مسند أبي يعلى ٩ / ١٠٢ و ١٢٦ ، كنز العمّال ١٤ / ٤١٨.

٣٩٧

لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل )(١) .

أمّا عدم إيصال الخلاف إلى حدّ الاقتتال ، فذلك لعهد عهده له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يفرّق بين المسلمين ، والإسلام ما يزال بعد في أوّله.

____________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٤٦٧ ، صحيح مسلم ٧ / ٧٠ ، فتح الباري ١١ / ٤١٤ ، كنز العمّال ١٤ / ٤٢٠.

٣٩٨

حديث المؤاخاة :

( هاشم ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

العسقلانيّ يرد ابن تيمية لتضعيفه الحديث :

س : يدّعي بعض المتعصّبين من أهل السنّة بطلان حديث المؤاخاة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعدم وجود سند صحيح لهذه الحادثة ، فماذا تردّون عليهم؟

ج : إنّ القائل بضعف حديث المؤاخاة هو ابن تيمية في كتابه منهاج السنّة(١) ، ولكنّه كلام باطل جدّاً ، فللمؤاخاة أحاديث صحيحة كثيرة ، حتّى اعترف بذلك كبار العلماء الحفّاظ من أهل السنّة ، كابن حجر العسقلانيّ في فتح الباري(٢) ، وصرّح ببطلان كلام ابن تيمية ، وردّ عليه.

( مصطفى ـ السعودية ـ )

يثبت إمامة عليعليه‌السلام :

س : لاشكّ أنّ حديث المؤاخاة يثبت أنّ عليّاً أخ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّه لا يدلّ على إمامة عليعليه‌السلام نصّاً.

سؤال طُرح ، فالرجاء ردّه ، وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ النصّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على نوعين ، منه ما يدلّ بلفظه وصريحه على

____________

١ ـ منهاج السنّة ٧ / ٢٧٨.

٢ ـ فتح الباري ٧ / ٢١١.

٣٩٩

الإمامة ، ومنه ما يدلّ ـ فعلاً كان أو قولاً ـ بنوع من التنزيل عليها ، وحديث المؤاخاة من النوع الثاني.

لأنّ الغرض من مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام عليعليه‌السلام هو تعريف بمنزلة الإمامعليه‌السلام ، وبيان فضله على غيره ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ـ كما دلّ عليه بعض الأخبار ـ فيكون أمير المؤمنينعليه‌السلام هو النظير لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما جعلته آية المباهلة نفسه ، وذلك رمز لإمامتهعليه‌السلام ، ولذا احتج الإمام عليعليه‌السلام بهذا الحديث يوم الشورى(١) .

كما أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً إلى ذلك بقوله : (أنت أخي ووارثي ) ، قالعليه‌السلام : (وما أرثك )؟ قال : (ما ورثت الأنبياء قبلي كتاب الله وسنّتي )(٢) .

فإنّ عليّاًعليه‌السلام إذا ورث مواريث الأنبياء كان من خلفائهم ، وإمام الأُمّة ، إذ ليس الإمام إلاّ من كان كذلك.

( محمّد ـ ـ ٢١ سنة )

متواتر ورواه الكثير من أهل السنّة :

س : ما هو حديث المؤاخاة؟ وهل هو صحيح سنداً؟ شاكرين جهودكم في خدمة الإسلام.

ج : بعد هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة المنوّرة بعدّة أشهر ، آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه من المهاجرين ـ الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة ـ وبين الأنصار ، وهم أهل المدينة ، على الحقّ والمواساة ، فكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، حتّى بقي هو وعليعليهما‌السلام فآخاه ، أي جعله أخاً له ، ومن جملة ما قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : (وأنت أخي ووارثي ) ، وهذا نعبّر عنه بحديث المؤاخاة.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ١٦٧ ، كنز العمّال ٥ / ٧٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٤٢.

٢ ـ مفردات غريب القرآن : ٥١٩.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621