موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة3%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265394 / تحميل: 6265
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

جهتين مختلفتين ، ولا على وصفين متضادين

ثمّ إن ثبت تاريخيّاً أنّ هناك حصلت مبايعة قهرية ـ كمسح يد أبي بكر على يد أمير المؤمنينعليه‌السلام المقبوضة ـ فلا تدلّ على شيء كما هو واضح

فثبت بما بيّناه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه )(١) .

( علي البصريّ ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب ثانوية )

بيعة الشجرة :

س : هل بيعة العقبة الأُولى هي بيعة الشجرة؟ وما قصّة بيعة الشجرة؟

ج : كلاّ ، ليست بيعة العقبة الأُولى هي بيعة الشجرة.

لأنّ بيعة العقبة الأُولى ـ والتي يقال لها : بيعة النساء أيضاً ـ هي أوّل بيعة أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين الأنصار ، الذين أسلموا في المدينة المنوّرة ، وهم يزيدون على العشرة ، وكانت بيعتهم بمنى على الإسلام.

وقد أخبر عنها عبادة بن الصامت فقال : ( بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف )(٢) .

وأمّا بيعة الشجرة ـ والتي يقال لها : بيعة الرضوان لقوله تعالى :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (٣) ـ هي البيعة الثالثة ، التي أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين ، وهم يزيدون على ألف وثلاثمائة ، وكانت بيعتهم تحت الشجرة

____________

١ ـ الفصول المختارة : ٥٦.

٢ ـ سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٩٧.

٣ ـ الفتح : ١٨.

٤١

في الحديبية ـ سنة سبع من الهجرة ـ على الموت ، أو على ألاّ يفرّوا.

وذلك عندما ندبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العمرة ، فخرجوا محرمين للعمرة ، ولما صدّتهم قريش عن بيت الله الحرام ، وتهيّأت لقتالهم ، تبدّلت السفرة من العمرة إلى القتال ، فكانت الحالة الثانية مخالفة لما انتدبهم إليها ، فاقتضت الحالة أن يأخذ منهم البيعة على العمل الجديد وغير المعهود ، وهو قتال المشركين ، ففعل ذلك ، فأعطت البيعة ثمرها في إرعاب أهل مكّة ، وعندها صالحوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( محمّد ـ المغرب ـ ١٥ سنة )

بيعة العقبة :

س : ما معنى بيعة العقبة؟

ج : بيعة العقبة هي بيعتان :

بيعة العقبة الأُولى ، أو بيعة النساء : هي أوّل بيعة أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين الأنصار ، الذين أسلموا في المدينة المنوّرة ، وهم يزيدون على العشرة ، وكانت بيعتهم بمنى على الإسلام.

وقد أخبر عنها عبادة بن الصامت فقال : ( بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ).

وبيعة العقبة الثانية : حصلت في موسم حج السنّة الثالثة عشرة من البعثة ، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى الموسم ، فلقيه جماعة من الأنصار ، فواعدوه العقبة من أوسط أيّام التشريق.

قال كعب بن مالك : ( اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلاً ، ومعهم امرأتان من نسائهم ، فبايعنا وجعل علينا اثنا عشر نقيباً منّا تسعة من

٤٢

الخزرج ، وثلاثة من الأوس ، ثمّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالخروج إلى المدينة ، فخرجوا إرسالاً ، وأقام هو بمكّة ينتظر أن يؤذن له )(١) .

وكانت مبايعتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أن يمنعوه وأهله ، ممّا يمنعون منه أنفسهم ، وأهليهم وأولادهم ، وأن يؤوهم وينصروهم ، وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن يقولوا في الله ، ولا يخافوا لومة لائم.

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفيّ ـ ٢٠ سنة )

بيعة علي لأبي بكر كانت على الحقّ :

س : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) ، دعني أسألك تعليقاً على هذه الرواية ، هل كان علي مع الحقّ حين بايع أبا بكر بالخلافة؟ فإن قلت : لا ، فقد نقضت دليلك ، وإن قلت : نعم ، فأقول : ألا يسع الشيعة ما وسع علي؟

ج : إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي )(٢) ، أو : ( علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )(٣) ، أو : ( اللهم أدر الحقّ معه حيث دار )(٤) ، فهذه الأقوال وغيرها مع آية التطهير نستدلّ

____________

١ ـ بحار الأنوار ١٩ / ٢٤.

٢ ـ تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٤٩ ، الإمامة والسياسة ١ / ٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٣٤٣ ، كشف الغمّة ١ / ١٤٤.

٣ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ، المعجم الصغير ١ / ٢٥٥ ، المعجم الأوسط ٥ / ١٣٥ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ، فيض القدير ٤ / ٤٧٠ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٧ ، ينابيع المودّة ١ / ١٢٤ و ٢٦٩ و ٢ / ٩٦ و ٣٩٦ و ٤٠٣.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٦٧ و ١٠ / ٢٧٠ ، الجامع الصغير ٢ / ٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٤٣ ، فيض القدير ٤ / ٢٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٦٣ و ٤٢ / ٤٨٨ و ٤٤ / ١٣٩ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٧٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٨.

٤٣

بها نقلياً على العصمة.

وأمّا مبايعة أمير المؤمنينعليه‌السلام لأبي بكر بالخلافة ، فلا نخطّئ عليّاًعليه‌السلام في فعله ، لأنّه إمام معصوم ، وكلّ ما يفعله فيه مصلحة ، وليس يعني ذلك أنّه اعتقاده ، ودين الله وشرعه ، وإنّما فعله كان لمصلحة أكبر وأعظم من تركه للمسلمين في ذلك الوقت ، دون مشاركة منه في بيان حقّه ، وبيان شرع الله وأحكامه ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، والدعوة إلى الله وإلى المذهب الحقّ ؛ لأنّه رأى نفسه معزولاً عن الساحة ، والوجوه مكفهرّة غاضبة حاقدة لا يستطيع معها نشر الإسلام والنصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي من شروطه ـ كما هو معروف ـ أن تحتمل التأثير في المقابل.

وهذا كلّه مرويّ في البخاريّ ، لا من فهمنا ولا رواياتنا ، فقد روى البخاريّ عن عائشة رواية طويلة في ذيلها : ( وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ، فدخل عليه أبو بكر ، فتشهد علي فقال : (إنا قد عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكن استبددت علينا بالأمر ، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصيباً ) ، حتّى فاضت عينا أبي بكر ـ ثمّ قال علي أمام المسلمين ـ : (ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستُبد علينا فوجدنا في أنفسنا ) ، فسّر بذلك المسلمون ، وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف )(١) فأقرأ وتدبّر!!

وبيعة الإمامعليه‌السلام لمصلحة وخير الإسلام ، وخوفاً عليه بعد أن لم يكن له طريق آخر ، لا يخرج الأمر عن كونه حدث بالاضطرار ، فإنّهم اضطّروه بعد أن غصبوا حقّه ، ولم يجد طريقاً لأخذه إلاّ بضرر الإسلام ، فآثر المبايعة مع وقوع الظلم عليه خاصّة على ذهاب الإسلام كلّه.

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ٥ / ٨٢.

٤٤

وهذا لا يعني إطلاقاً أحقّية من نصّبوا أنفسهم خلفاء للمسلمين ، كما لا يعني صلح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المشركين في الحديبية أصحّية وأحقّية مشركي قريش ، فتأمّل.

ومن ذلك يظهر لك : أن لا معنى لسؤالك لنا ، بألاّ يسع الشيعة ما وسع علي!! فأنّ الكلام في أحقّية منصب الخلافة لمن يكون ، لا من تسنّم هذا المنصب فعلاً.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأُمور اختلطت عليك نتيجة لما في ذهنك من عقائد أهل السنّة ، فتبني الإشكال عليها ، إذ نحن لا نعتقد أنّ الله تعالى أوكل أمر الخلافة والإمامة للناس ، حتّى إذا بويع أحدهم أصبح خليفة ، بل نعتقد أنّ أمر الإمامة والخلافة بيد الله وحده ، ليس لبشر خيرة فيه ، وعدم تسلّم الإمام زمام السلطة والحكم فعلاً لا يسقط حقّه منها ، كما أنّ عدم الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يلغي نبوّته ، فلاحظ وتأمّل!!

وبعبارة أُخرى : إنّا نقول : نعم إنّ عليّاً عندما بايع أبا بكر كان على الحقّ ، إذ إنّه بايعه مضطرّاً ومكرهاً حفظاً للإسلام ، ولا يعني ذلك أنّ الحقّ في الإمامة ذهب إلى أبي بكر ، أو أنّ الإمام أسقط حقّه وأعطاه لأبي بكر.

ونقول أيضاً : بعد أن ثبتت عصمة الإمامعليه‌السلام ، فإنّ كلّ أفعاله تكون صحيحة مطابقة لشرع الله ، فبعد أن ثبتت صحّة الحديث ( علي من الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) المثبت لعصمة الإمامعليه‌السلام ، يجب أن نحمل كلّ أفعاله على الصحّة ، لا أن نرد الحديث بفعل من أفعاله ، نظنّ نحن أنّه لم يكن فيه على صواب ، فإنّ هذا أكل من القفا.

( حسين حبيب عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

أُكره الإمام علي عليها :

س : هل الإمام عليعليه‌السلام بايع أبا بكر أم لم يبايع؟ وإذا بايع أفلا يعدّ ذلك اعتراف بخلافة أبي بكر؟

وهل يوجد من علماء المذهب من يقول إنّه بايع؟

٤٥

ج : لقد رفض الإمام عليعليه‌السلام البيعة لأبي بكر ، وبقي في بيته منشغلاً بجمع القرآن ، لكن عمر أصرّ على أن يبايع لأبي بكر ، وقال : والله لأحرقن عليكم البيت ، أو لتخرجن إلى البيعة ، وعندما وصل الإمامعليه‌السلام لأبي بكر مجبراً على ذلك : قال : (أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أُولى بالبيعة لي ) ، فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتّى تبايع ، فقال له علي : (ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه )(١) ، ثمّ انصرف عليعليه‌السلام إلى منزله ولم يبايع.

وبقي اتباع الخليفة يصرّون على أن يبايع الإمامعليه‌السلام ، فاضطرّ أخيراً لأن يضع يده في يد أبي بكر ، لكنّه وضعها مضمومة ، لكن القوم رضوا منه بتلك البيعة ، وأعلنوا في المسجد أنّ الإمام قد بايع ، ولقد كانت تلك البيعة بعد تهديد للإمامعليه‌السلام بالقتل وتهديد مسبق بحرق داره.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (والله ما بايع علي عليه‌السلام حتّى رأى الدخان قد دخل عليه بيته )(٢) .

وأنّهعليه‌السلام كان يقول في ذلك اليوم لمّا أكره على البيعة :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٣) ويردّد ذلك ويكرّره.

من كلّ هذا نفهم أنّ الإمامعليه‌السلام لم يبايع عن رضا واختيار ، وأنّه كان مكرهاً على ذلك ، والبيعة بالإكراه لا تعطي أيّ شرعيّة لخلافة أبي بكر.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ١٢.

٢ ـ الكنى والألقاب ١ / ٣٨٧ ، الشافي في الإمامة ٣ / ٢٤١.

٣ ـ الأعراف : ١٥٠.

٤٦

التبرّك :

( الكويت ـ سنّي ـ )

تبرّك الصحابة بقبر النبيّ :

س : أخواني الكرام أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تُناقش ، فهي ليست فكرية إلى حدّ ما ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الآلاف من البشر في كلّ يوم ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أنّ هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ؟

وأنا أدعو الناس إلى زيارة القبور لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن ليس إلى أن توصل لعبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا؟

ج : نسأل الله تعالى لكم الموفّقية في التعرّف على مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد ولا شيعي واحد يعبد القبور ، وإنّما هو زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق التبرّك هو عبادة للقبر فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، وإنّما القائل

٤٧

بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّوا عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

ونحن نذكر لكم بعض الصحابة الذين تبرّكوا بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتقفوا على الحقيقة.

١ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام قال : ( لما رمس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاءت فاطمةعليها‌السلام فوقفت على قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذت قبضة من تراب القبر ، ووضعته على عينها ، وبكت وأنشأت تقول :

ماذا على من شمّ تـربـة أحمد

أن لا يشمّ مـدى الزمـان غـواليـا

صُبّت عليَّ مصـائـب لو أنّهـا

صُبّت على الأيّام عدن ليـاليـا(١)

٢ ـ عن أبي الدرداء قال : ( إنّ بلالاً ـ مؤذّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ رأى في منامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : ( ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال )؟ فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ، ويمرّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسينعليهما‌السلام فجعل يضمّهما ويقبّلهما )(٢) .

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ٢ / ٤١١ ، الشرح الكبير ٢ / ٤٣٠ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٣٧ ، الوفا بأحوال المصطفى : ٨١٩ ، وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٥ ، نظم درر السمطين : ١٨١ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٣٤ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٣٧ ، مشارق الأنوار : ٦٣.

٢ ـ نيل الأوطار ٥ / ١٨٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٧ / ١٣٧ ، أُسد الغابة ١ / ٢٠٨ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٥٨ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٨٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٥٩ ، مشارق الأنوار : ٥٧.

٤٨

٣ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام قال : (قدم علينا إعرابي بعدما دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أيّام ، فرمى بنفسه على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحثا من ترابه على رأسه ، وقال : يا رسول الله قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١) ، وقد ظلمت نفسي ، وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر : أنّه قد غفر لك )(٢) .

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهمعليهم‌السلام فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ، ومنزلته من الله تعالى ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ، ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( عباس ـ البحرين ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ذكرتم في الردّ على سؤال أحد الأخوان في باب تبرّك الصحابة بقبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عدداً من الأحاديث ، فهل هذه الأحاديث صحيحة عند أهل السنّة؟ كما أرجو ذكر المزيد منها ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ أنّ بعض هذه الروايات قد صحّحها رواتها في كتبهم ، كما وقد ذكرها مجموعة أُخرى من علماء أهل السنّة في كتبهم ، ثمّ بالإضافة إلى هذه الروايات ، نذكر روايات وأقوال أُخرى دالّة على تبرّك الصحابة وغيرهم ، منها :

____________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ كنز العمّال ٤ / ٢٥٩ الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٢٦٥ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٤٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٨١ و ٣٩٠.

٤٩

١ ـ عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوماً ، فوجد رجلاً واضعاً وجهه ـ جبهته ـ على القبر ، فأخذ مروان برقبته ، ثمّ قال : هل تدري ما تصنع؟

فأقبل عليه ‏ ، فإذا أبو أيّوب الأنصاريّ ، فقال : نعم جئت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم آتِ الحجر ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله )(١) .

٢ ـ عن إسماعيل بن يعقوب التيمي قال : ( كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه ، قال : وكان يصيبه الصمات ، فكان يقوم كما هو يضع خدّه على قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يرجع ، فعوتب في ذلك ، فقال : إنَّه ليصيبني خطرة ، فإذا وجدت ذلك ‏استشفيت بقبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان يأتي موضعاً من المسجد في الصحن ، فيتمرّغ فيه ‏ويضطجع ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّي رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الموضع ـ يعني في‏ النوم ـ )(٢) .

٣ ـ روى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه ، قال ‏عبد الله : ( سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ، ويفعل ‏بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال : لابأس به )(٣) .

٤ ـ ذكر الخطيب ابن حملة : ( أنَّ عبد الله بن عمر كان ‏يضع يده اليمنى على القبر الشريف ، وأنَّ بلالاًرضي‌الله‌عنه وضع خدّيه عليه أيضاً.

ورأيت في كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد ثمّ قال : ولاشكّ أنَّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك ، والمقصود من ذلك كلّه الاحترام والتعظيم ، والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف

____________

١ ـ مسند أحمد ٥ / ٤٢٢ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥١٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٤٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٧٢٨ ، كنز العمّال ٦ / ٨٨ ، فيض القدير ٦ / ٥٠١ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٧ / ٢٤٩ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٩٩ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٩٨ ، وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤.

٢ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٦.

٣ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤ ، العلل ‏٢ / ٤٩٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٩٨.

٥٠

في ‏حياته ، فأُناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه ، وأُناس فيهم أناة يتأخّرون ، والكلّ محلُّ خير )(١) .

٥ ـ قال الشافعيّ الصغير محمد بن أحمد الرملي ـ ‏المتوفّى ١٠٠٤ هـ ـ في شرح المنها الجواب : ( ويكره أن يجعل على القبر مظلّة ، وأن يُقبَّل التابوت‏ الذي يُجعل فوق القبر واستلامه ، وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء.

نعم ؛ إنّ قصد التبرّك لا يكره كما أفتى به الوالد )(٢) .

٦ ـ الذهبيّ المعاصر لابن تيمية ، والذي يعترفون بإمامته ، فقد انتقد أصحاب هذا الرأي المتطرّف ، وسمّاهم المتنطعين وأتباع الخوارج ، وأفتى بأنّ تحريمهم للتبرّك بمنبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة!

قال في سير أعلام النبلاء : ( أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أنّ عبد الله سأل أباه عمّن يلمس رمانة منبر النبيّ ، ويمسّ الحجرة النبويّة؟ فقال : لا أرى بذلك بأساً؟! أعاذنا الله وإيّاكم من رأي الخوارج ، ومن البدع )(٣) .

٧ ـ قال البخاريّ : ( باب ما ذكر من درع النبيّ وعصاه ، وسيفه وقدحه وخاتمه ، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك ، ممّا لم يذكر قسمته ، ومن شعره ونعله وآنيته ، ممّا تبرّك أصحابه وغيرهم بعد وفاته )(٤) .

وغيرها من أقوال العلماء السنّة الدالّة على جواز التبرّك.

( خالد ـ ـ )

رأي الشيعة فيه :

س : ما هو رأيكم في التبرّك بالقبور؟

____________

١ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٥.

٢ ـ الغدير ٥ / ١٥١.

٣ ـ سير أعلام النبلاء ١١ / ٢١٢.

٤ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٤٦.

٥١

ج : من المعلوم لديك أنّ الأشياء تابعة لأسبابها وعللها ومناشئها ، وتكتسب الوصف المناسب لها بحسب الهدف والغاية منها.

وقضية التبرّك بالقبور لا تخرج عن هذه القاعدة ، فالقبر إنّما يكتسب الاهتمام وعدمه إذا سلّطنا الضوء على صاحب القبر ، فإنّ كان المدفون فيه عبداً كافراً فاسقاً ، فمن الطبيعيّ لا يصحّ التبرّك بقبره.

أمّا إذا كان عبداً مقرّباً عند الله تعالى ، ووليّاً من أوليائه ، أو نبيّاً ، أو ما شاكل ، فيكتسب القبر اهتماماً لأجل المدفون فيه.

ويصحّ التبرّك بالقبر لأجل صحّة التبرّك بصاحبه ، فقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصحّ التبرّك به ؛ لأجل أنّ المسلمين كانوا يتبرّكون به في حياته.

وكما قلنا : فإنّ الأشياء تابعة لمناشئها وعللها.

وقد تناقل المسلمون ـ شيعة وسنّة على السواء ـ صحّة التبرّك بالقبر وأمثاله ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : فقد نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب العلل والسؤالات قال : ( سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ، ويفعل ‏بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال : لابأس به )(٢) .

( عاشق الحسين ـ الكويت ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعي )

بالأضرحة وربط الخرق الخضراء :

س : نسعد كثيراً ـ نحن أبناء المذهب الجعفريّ ـ بربط الخرق السوداء والخضراء في أيادينا وحاجياتنا الخاصّة ، دون أدنى معرفة بأصل هذه العادة ، ويسألنا أخوتنا كثيراً من أهل السنّة عن هذا الموضوع ، ولا نجيب بوضوح ، كيف نفسّر ذلك؟

ج : إنّ الشيعة بل المسلمين جميعاً ، يعتقدون بحياة الأولياء بعد الموت ،

____________

١ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤ ، العلل ‏٢ / ٤٩٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٩٨.

٥٢

ودليلهم في ذلك أدلّة كثيرة ، منها قوله تعالى :( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، هذا حال الشهداء ، فكيف بأئمّة آل البيتعليهم‌السلام فهم شهداء وأولياء.

فاعتقاد حياتهم ممّا لاشكّ فيه ولا ريب ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّهم يرون ويسمعون من زارهم ، ومن سألهم وهم في قبورهم ، هذه كرامة ومنزلة وهبها الله لهم تعظيماً لمقامهم وشرفهم.

ومن هنا ، فإنّ الشيعة يقفون على قبورهم ، ويسألون الله بحقّهم ، ويدعونه فيستجاب لهم ، فإنّ الله قد جعل لبعض الأماكن شرفاً ومنزلة ، فأحبّ أن يدعوه المؤمن في هذه الأماكن المقدّسة ، كما أحبّ أن يدعوه عند مساجده وبقاعه المشرّفة.

وبذلك فإنّ زائري قبورهم يستحصلون من قبورهم وضرائحهم البركة ، ويتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً ، لذا فإنّ أضرحتهم قد حلّت بها البركة ، وأنّ لهذه الأضرحة آثاراً كما لأجسادهم الشريفة ، فيجعلون ما مسّ أضرحتهم مورداً للاستشفاء بإذن الله تعالى ، وهذه الخرق السوداء والخضراء حينما تمسّ هذه الأضرحة ، يعتقد الناس ببركتها ، فتكون لهم حرزاً لطلب الشفاء مثلاً.

وهذه حالة من حالات اعتقاد الناس بحياة الأئمّةعليهم‌السلام بعد الموت ، فهم يتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً.

ولهذه الحالات نظائر قد حدثت في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّةعليهم‌السلام كذلك ، فالروايات تشير إلى أنّ خديجة بنت خويلدعليها‌السلام قد طلبت من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكفّنها ببردته تبرّكاً بها ، ولتحميها من هول المطّلع ، ومن القبر وحالاته ، وفعلاً فقد استجاب لذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفّنها ببردته(٢) .

وهذا زهير بن أبي سلمى خلع عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بردته فقبّلها متبرّكاً بها ،

____________

١ ـ آل عمران : ١٦٩.

٢ ـ شجرة طوبى ٢ / ٢٣٥.

٥٣

بعد أن مدحه بقصيدته التي سمّيت بالبردة.

والكميت الأسدي الشاعر المعروف ، حين ألقى قصيدته عند الإمام الباقرعليه‌السلام أعطاه الإمام مالاً ، فرفض الكميت أخذه وقال : ما مدحتكم للدنيا ، فإنّ جزائي أُريده من الله تعالى ، وطلب منه قميصه أن يعطيه تبرّكاً بهذا القميص الذي مسّ جسد الإمامعليه‌السلام ، وفعلاً فقد أعطى الإمام قميصه(١) .

ودعبل الخزاعي حين أنشد قصيدته عند الإمام الرضاعليه‌السلام ، قدّم الإمامعليه‌السلام له عطاءً جزيلاً فرفضه ، وطلب منه جبّته وقال : لتقيني من أهوال القبر يا بن رسول الله(٢) .

وفعلاً أعطاه جبّته ، فلمّا وصل بغداد كانت له جارية قد شكت عينها ، وأصابها العمى ، فمسح بفاضل جبّة الإمام على عينها ، فزال ما بها من ألمٍ وعمى.

كلّ هذه شواهد على إقرار الأئمّةعليهم‌السلام بما اعتقده شيعتهم.

مضافاً إلى ما كان عمر بن الخطّاب يتبرّك بالحجر الأسود ويقبّله(٣) ، مع أنّه حجر ، وضريح الإمام مشرّف بما حواه من جسد الإمامعليه‌السلام ، كما أنّ غلاف القرآن منزلته تأتي ممّا يحويه من كلام الله تعالى.

والذي نريد قوله : أنّ اعتقاد الشيعة بشرف هذه الأضرحة ، واستحصال البركة بكلّ ما يمسّ هذه الأضرحة من خرقة خضراء أو غيرها ، ويتمّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى لمنزلة هذا الإمام ، قد جعل سبب الشفاء والبركة لما يعتقده الإنسان بهذا الخرقة.

على أنّنا نودّ التنبيه إلى أنّ لفّ هذه الخرق ليس من الضروريّ أن تكون من ضرورات مذهبنا ، بل هي حالة اعتقادية يعتقدها الشيعة لحسن ظنّهم بالله ،

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٢٩.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٣٥٩.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٥١ ، صحيح البخاريّ ٢ / ١٦٢ ، صحيح مسلم ٤ / ٦٦.

٥٤

واعتقادهم بمنزلة الإمامعليه‌السلام ، ويمارسونها ليعطيهم الله ذلك على حسب ما يعتقدونه ، وليس في ذلك ما يخالف الكتاب أو السنّة ، بل العقل كذلك.

ومن ثمّ ما تعارف عليه المسلمون من التبرّك بما خلّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قميصه وشعره ، والمسلمون جميعاً يروون قصّة الرجل الذي أحجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبعد حجامته له شرب ذلك الدم ، فسأله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أين ألقيت الدم )؟ فقال : شربته يا رسول الله ، فنهاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، ولكن قال له : (إنّ جسدك لم تمسّه النار أبداً )(١) ، ممّا يشير إلى أنّ لدمهصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصية ، وعدم مسّ ذلك الجسد الذي اختلط بدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ما أمكن توضيحه ببيانٍ سريعٍ مقتضب.

( كميل ـ الكويت ـ )

أخطاء البعض لا تكون باعثة لحذفه :

س : في مسألة التبرّك بقبور النبيّ وآله ؛ قال لي أحدهم : بأنّه صحيح أنّنا نحن الشيعة نعبد الله في ذلك الآن ، وصحيح أنّنا حين نطلب من عندهم قضاء الحوائج نعتقد أنّه بأمر الله ، ولكن في المستقبل سيتحوّل الأمر إلى الاعتقاد بأنّ بيدهم النفع والضرّ ، وهذا كفر ، وبما أنّ دفع المفسدة أُولى من جلب المنفعة ، يجب منع مثل هذه الأُمور ، فما رأيكم؟

ج : لو فرضنا أنّ البعض في مسألة التبرّك بقبر النبيّ وآله ارتكب محرّماً ، أو ما عرف المسألة فوقع في محرّم ، فهل هذا يستطلب نفي هذا الفعل من أساسه؟ أم تصحيح الخطأ عند هذا البعض؟

فلا يمكن أن نحمل أخطاء البعض ـ على فرض وقوعها ـ على أن تكون باعثة لحذف الفعل من أصله ، بل علينا أن نصحّح الأخطاء ، ونوصل المفاهيم الصحيحة إلى الناس.

____________

١ ـ المبسوط للسرخسيّ ٣ / ٦٩.

٥٥

فلو أنّ بعض الناس إنّما يطوف بالبيت الحرام لاعتقاده بأنّ الله تعالى جالس في الكعبة ، ويطوف لأجل هذا ، فهل يحقّ لنا أن نمنع الطواف بحجّة أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة؟!

( عادل أحمد ـ البحرين ـ ٣٥ سنة ـ خرّيج جامعة )

منه تقبيل الأضرحة :

س : عقلي يمنعني من تقبيل الأضرحة ويقول : هذه الأفعال تهين المذهب ، هل عقلي على حقّ أم إيماني ضعيف؟ كما يصفني أصدقائي.

ج : إنّ تقبيل الأضرحة تعتبر من مسائل التبرّك الذي معناه التيمّن ، وهو طلب اليمن ، أي البركة ، وهي النماء في الخير والزيادة فيه ، فالبركة هي الخير الدائم الثابت في الشيء والنامي فيه.

ومبدأ فعله إمّا الحبّ والودّ والتعزيز والتكريم ، وإمّا الاتباع ، فالحبّ يكون مؤدّياً للتبرّك بالحبيب ولوازمه وآثاره ، فحبّ الأنبياء والصلحاء يجرّ كلّ مؤمن إلى حبّ كلّ ما تركوه من آثار ، حتّى أبنيتهم وألبستهم وأولادهم ، حتّى قال الشاعر :

أمرّ على الديار ديـار ليلى

أُقبّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي

ولكنْ حبُّ من سكن الديارا

وأمّا المبدأ الثاني لفعل التبرّك فهو الاتّباع ، فقد ثبت شرعاً أنّ الصحابة كانوا يتبرّكون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينههمصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ولم يزجرهم ، ولم يبيّن بأنّ أفعالهم لا تجوز ، بل كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتركهم يفعلون ذلك ويفعله أيضاً ، من تكثير الطعام أو الشراب عند فقدانه أو نقصانه ، وتحنيكه الأطفال بريقه الشريف ، أو إشفائهم ببصاقه ، كما فعل مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزوة خيبر وغيرها.

وقد ثبت في القرآن الكريم فعل ذلك في قصّة يوسف عليه‌السلام ، قال تعالى :

٥٦

(اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ) (١) .

فهذان المبدآن يثبتان جواز التبرّك بل استحبابه لفعل الأنبياءعليهم‌السلام له ، وكذلك يثبت أنّ التبرّك ينفع المتبرّك من شفاء مرض أو اكتساب نور ، أو إثبات عافية ، أو تثبيت إيمان ومحبّة ، وغير ذلك من الأُمور الراجحة.

____________

١ ـ يوسف : ٩٣ ـ ٩٦.

٥٧
٥٨

التجسيم والتشبيه :

( عقيل ـ الكويت ـ )

الآيات الموهمة لهما :

س : ما هو تفسير قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (١) ، و ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) (٢) ، و ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (٣) .

ج : اختلفت الأقوال في تفسير العرش ، فقد جاءت فيه تفاسير ثلاثة :

الأوّل : الأخذ بالمدلول اللغويّ للعرش ، وما يكون هو المتبادر الأوّلي إلى الأذهان ، وهو المكان الخاصّ الذي يجلس فيه من له امتياز على غيره ، كالملوك والأُمراء ، بل وبعض الكبراء ، كرؤساء القبائل وأمثالهم.

وبهذا يفسّرون العرش : بأنّه المكان الذي يجلس فيه الله تعالى( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ،( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (٤) أي جلس على عرشه.

وهناك تفسير للكرسي في قوله تعالى :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (٥) ، حيث قالوا : بأنّ العرش يمتاز عن الكرسيّ ، بأنّ العرش هو الذي يجلس عليه الله تعالى ، والكرسيّ موضع قدميه.

____________

١ ـ طه : ٥.

٢ ـ القلم : ٤٢.

٣ ـ الرحمن : ٢٧.

٤ ـ الأعراف : ٥٤.

٥ ـ البقرة : ٢٥٥.

٥٩

وهذا التفسير ـ بوجهيه ـ لا يمكن الأخذ به بأيّة حال ، لأنّه يقتضي التشبيه والتجسيم الصريح غير المؤوّل ، وهذا مالا تقرّ به طوائف المسلمين ، سوى الشاذّ منها.

وأمّا التنصّل من مشكلة التشبيه والتجسيم بأن نقول : بأنّ الله تعالى يجلس جلوساً واقعياً على عرشه بلا كيف ، ولا نقول : كيف حتّى يستلزم التشبيه والتجسيم ، وهو كلام خالٍ من أيّ معنى معقول.

التفسير الثاني : أنّ الاستواء بمعنى الاستيلاء ، وهذا يلتزم به من يأبى التشبيه والتجسيم بالنسبة إلى الله تعالى ، ويستدلّون بالبيت المعروف : ( قد استوى بشر على العراق ) أي استولى ، وهذا التفسير الثاني فيه المجاز في كلمة الاستواء ، أي بمعنى الاستيلاء.

التفسير الثالث : أنّ الاستواء على العرش كناية على التدبير ، والأخذ بزمام إدارة من له حقّ الإدارة ، والإشراف والتدبير عليه ، وهذا هو المقصود بما يذكره المؤرّخون ، من تواريخ الجلوس على العرش للملوك والأمراء ، بمعنى استوى عليه : بأن جعله تحت قدرته ، ومنع غيره من الجلوس عليه إلاّ بإذنه ، كما نقول : استوى زيد على داره بعد ستة سنوات ، معناه : أنّ داره كانت مغصوبة ، ثمّ عادت إليه ، بأن استولى عليها.

وهذا المعنى ليس المقصود من الآية الكريمة ، بل المقصود القيام بالتدبير ، وإدارة شؤون من له القدرة عليه ، والاستيلاء عليه ، والاستيلاء بمعنى التسلّط عليه ، فالله تعالى حينما يذكر( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) يعني : أنّ الله تعالى خلق خلقه ، ثمّ قام بتدبير أمرهم ، كما يشير إليه قوله تعالى :( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) (١) .

استوى على العرش نوع من المجاز ، الذي كان يفهمه السامعون يوم نزول

____________

١ ـ يونس : ٣.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621