موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة12%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265504 / تحميل: 6272
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

سوف يطعن بهم الناس بعده؟

ج : لا توجد روايات في مصادرنا الحديثية تشير إلى مكانة أبي بكر وعمر ، وذلك لعدم وجود فضائل لهما واقعاً ، وما هو موجود في كتب أهل السنّة ، فنحن نعتقد بأنّه غير صحيح ، بل موضوع.

وأمّا ما هو موجود فيها من فضائل إمامنا عليعليه‌السلام فهو أدلّ دليل على واقعية وحقيقة فضائلهعليه‌السلام .

ثمّ إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضع ثقته في هؤلاء النفر لهو أوّل الكلام ، نعم هذا ما حاول أن يصوّره الخطّ الأُموي بالروايات الكثيرة التي وضعت لهذا الغرض ، عبر ما رواه رواة هذا الخطّ ، وكان من رؤوس الرواة في هذا الخطّ المنحرف عن أهل البيتعليهم‌السلام عائشة ، إذ حاولت بمختلف الروايات دعم موقف أبيها وموقف عمر.

ثمّ استمر هذا الاتجاه مع الرواة الآخرين ـ كأبي هريرة ـ المدعومين من السلطة الأُموية ، فكان هؤلاء الرواة أحد أعمدة الحرب الموجّه ضدّ عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا لماذا لم يطردهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حوله؟ فذلك لأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هاد ومنذر ، ولا ينبغي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدفع من يؤمن به ولو ظاهراً ، بحجّة أنّه منحرف أو سينحرف ، إذ كيف سيؤمن به الآخرون ويلتحقون به ، وهذا واضح من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يتحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه )(١) ، عندما أشير عليه بذلك في قصّة معروفة.

وإذا اعترض معترض بأنّه لماذا لا نجد روايات في بيان حقيقتهم؟ وما سيؤول إليه أمرهم ، فإنّا نقول له : توجد ولكنّها لم تنقل في كتب أهل السنّة ، لأنّها

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٩٣ ، صحيح البخاريّ ٤ / ١٦٠ و ٦ / ٦٦ ، صحيح مسلم ٨ / ١٩.

٤٤١

خلاف عقيدتهم ، وبقيت في كتب الشيعة إلى الآن.

( ـ ـ )

ما ورد عن ابن الحنفيّة في أبي بكر وعمر ضعيف :

س : لقد فادني موقعكم في أمر ديننا ودنيانا كثيراً.

هناك حديث يردّده دائماً السلفيّون وهو : أنّ محمّد بن الحنفيّة سأل أمير المؤمنين عن من هو أفضل بعد النبيّ ، فقال : ( أبو بكر وعمر ) ، ثمّ قال : ( أنا واحد من المسلمين ).

وأنّهعليه‌السلام كان يجلد كلّ من قال : إنّ عليّاً أفضل من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ، ولكن العقل السليم يرفض هذا الحديث ، لأنـّه لا يمكن لأبي بكر وعمر مغتصبي الخلافة ، ومغتصبي حقّ الزهراء عليها‌السلام ، أن يكونا أفضل من علي عليه‌السلام ، وأن يدخلا الجنّة كأنّهما لم يفعلا شيئاً ، وإنّي سمعت أنّ هذا الحديث افتراه ابن تيمية ، فما تقولون في هذا الحديث وصحّته؟ الرجاء إفادتي.

ج : نلخّص الإجابة بنقاط :

١ ـ ما ورد في كتب أهل السنّة ليس بحجّة علينا ، وإلاّ كانت رواياتنا حجّة عليهم أيضاً.

٢ ـ إنّ السلفيّين يدعون تواتر مضمون هذا الحديث ، وقد يكون تبعاً لمجمل كلام ابن تيمية ، فإنّ له عدّة عبارات في كتبه غير منضبطة المعنى ، ولكن إدعاء تواتره دعوى بلا دليل ، ويعجزون عن إثباتها قطعاً ، وإنّما هي حجّة لإحراج الشيعيّ ، لا تصمد أمام النقد والاستقصاء.

٣ ـ هذه الرواية عن ابن الحنفيّة وردت في البخاريّ(١) وهي ضعيفة السند ، إذ

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ١٩٥.

٤٤٢

فيه محمّد بن كثير العبدي ، قال فيه ابن معين : ( لم يكن بثقة )(١) ، وفيه سفيان الثوري ، وكان يدلّس عن الضعفاء(٢) .

( كرّار أحمد المصطفى ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة ومبلّغ دين )

عدم مشاركة الأئمّة في فتوحاتهم :

س : هل كان أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام يقومون بفتح الدول تحت لواء مغتصبي الخلافة؟ فمثلاً هل قام الإمام الحسنعليه‌السلام بحركات فتح لدول غير إسلامية تحت إمرة أحد ولاة عمر أو أبي بكر؟

وإذا كان ذلك صحيحاً ألا يعتبر ذلك إضفاء نوع من الشرعيّة على خلافة هؤلاء؟ وماذا عن نشر الدين الإسلاميّ بصورة مبتورة؟ فهم بذلك يفتحون الدول تحت اسم إسلام ناقص من مفهوم الإمامة؟

ج : ورد في بعض كتب السير والتاريخ ما يشير إلى هذا الموضوع ، ولكن بطرق غير سليمة ، إمّا لعدم وجود السند ، وإمّا لضعفه ، فلا يثبت منه حتّى مورد واحد لكي يحتجّ به.

على أنّنا نجد عدم ذكر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذه الفتوحات!! وهو الأحرى أن يكون قائداً لها ، أو مشاركاً فيها على الأقل.

مضافاً إلى أنّ أئمّة الحقّعليهم‌السلام كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيراً ، فقد روي أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام قال لعبد الملك بن عمرو : (يا عبد الملك مالي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك )؟ قال : قلت : وأين؟

قال : ( جدّة ، وعبّادان ، والمصيصة ، وقزوين ) ، فقلت : انتظاراً لأمركم ،

____________

١ ـ مقدمة فتح الباري : ٤٤١.

٢ ـ الجرح والتعديل ٤ / ٢٢٥ ، مسند ابن الجعد : ٢٧٩.

٤٤٣

والاقتداء بكم ، فقال : (إي والله ، لو كان خيراً ما سبقونا إليه )(١) .

وثمّة عدّة روايات أُخرى تدلّ على أنّهمعليهم‌السلام كانوا لا يشّجعون شيعتهم ، بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب.

وهل هذا كلّه ينسجم مع ما ذكرته تلك الكتب من مشاركتهم في الحروب؟!

وأخيراً : جاء في بعض الكتب أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام قد اشترك في فتح جرجان ، وهذا إن ثبت فإنّه يحمل على كونه أيّام خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما صرّح به بعضهم وقال : ( فإن ثبت هذا يدلّ على أنّه كان في أيّام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه )(٢) .

( غانم فرحان ـ الكويت ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

تعامل أبي بكر وعمر مع الأحداث :

س : كثيراً ما يحتجّ البعض حول مسألة الفتوحات الإسلاميّة في عهد أبي بكر وعمر ، بأنّها انتصار ودليل على حسن القيادة في ذلك الوقت ووحدة المسلمين ، ولو أخذنا الموضوع بشكل سطحي ، قد يتبادر إلينا أنّ هذا الاعتقاد صحيح؟

لكن بالمقابل وعند قراءة التاريخ الإسلاميّ والتمعّن فيه ، لا يذكر لهذه الوحدة بشيء ، ولم يتطرّق إلاّ للمشاكل والفتن في عهد الخلفاء الثلاثة ، فكيف يمكن أن نوفّق بين الفتوحات والمشاكل والفتن في ذلك الزمن؟ مع الشكر الجزيل.

ج : إنّ المراحل الأُولى من الخلافة كانت مرحلة استقرار سياسي بالنسبة للخلفاء ، فلم يكن أحد يعارض أبا بكر وعمر على الخلافة ، بعدما أظهرا من القسوة والغلظة الشديدة مع الخصوم ، وهذا ما يعبّر عنه بالوحدة التي حصلت

____________

١ ـ الكافي ٥ / ١٩ ، التهذيب ٦ / ١٢٦.

٢ ـ تاريخ جرجان : ٤٨.

٤٤٤

تحت سطوة سيف الخليفة ودرّة عمر ، فصار لهما المجال لتوسيع النفوذ على المناطق المجاورة للدولة الإسلاميّة.

يقول الكاتب المصري سعيد أيوب : ( ولولا غلظة عمر في التعامل مع بعض رؤوس القوم ، لوجد أعداء الدولة لهم ثغرات يعملون فيها على انقراض الإسلام بصورة من الصور ، ولكن عمر وهو المشهور بالتصدّي لهم ، وعلى سبيل المثال فعمر هو القائل في سعد بن عبادة ـ وهو رئيس الأنصار وسيّدها ـ : اقتلوا سعداً قتل الله سعداً.

وعمر هو الذي شتم أبا هريرة ، وعمر هو الذي خوّن عمرو بن العاص ، ونسب إليه سرقة مال الفيء ، وعمر شتم خالد بن الوليد وطعن في دينه ، وحكم بفسقه وبوجوب قتله ، فسرعة عمر إلى محاسبة البعض جعلت البعض الآخر يعيش يومه )(١) .

نعم كانت في بداية خلافة أبي بكر وقائع ، استخدم معهم أبو بكر السيف ، حتّى استتب له أمر الخلافة ، فجهّز الجيوش للفتوحات.

( أحمد ـ البحرين ـ ٢٩ سنة ـ ماجستير )

نقدهم علماؤنا :

س : يقولون أنّ الإمام الخميني قد سبّ الشيخين في كتابه كشف الأسرار ، حيث قال : ( ولا شغل لنا الآن مع الشيخين ، ومع مخالفتهما للقرآن ، وتلاعبهما بأحكام الله ، والتحليل والتحريم من أنفسهم ، والظلامات التي ألحقوها بفاطمة بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجهلهما بأحكام الله ، … وأمثال هؤلاء الأشخاص من الجهّال الظالمين لا يليقون بالإمامة ، وليسوا بأولي الأمر ) (٢) .

____________

١ ـ معالم الفتن ١ / ٣٩٣.

٢ ـ كشف الأسرار : ١١٩.

٤٤٥

كيف يمكن الردّ على مثل هذه الأقاويل ، جزاكم الله خير الجزاء عن أهل البيت.

ج : مسألة سبّ السيّد الخمينيقدس‌سره للشيخين ، فإنّ قوله فيهم ليس من السبّ والشتم ، وإنّما هو في مقام نقد رجال يتصدّون لمواقع الإمامة والقيادة ، وهنا ليس هو جائزاً فحسب ، وإنّما الواجب على العالم بعدم استحقاق من يتصدّى لذلك أن يبيّن للناس الواقع والحقّ ، ولا حرج منه أبداً كما يفعل علماء الجرح والتعديل ، مثلاً وكما قال ابن سيرين : ( هذا الحديث دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم )(٢) .

وهذا الأمر لا ينفرد به السيّد الخميني ، بل نقل مسلم في صحيحه عن الإمام عليعليه‌السلام بأنّه نسب ذلك وأكثر لأبي بكر وعمر ، فقال على لسان عمر : ( فرأيتماه ـ أي أنت يا علي والعباس ـ كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إنّه لصادق بار راشد تابع للحقّ ، ثمّ توفّي أبو بكر ، وأنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم أنّي لصادق بار راشد تابع للحقّ )(٢) .

____________

١ ـ فيض القدير ٦ / ٤٩٧ ، الجرح والتعديل ٢ / ١٥.

٢ ـ صحيح مسلم ٥ / ١٥٢.

٤٤٦

الخلق والخليقة :

( رؤوف ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

لا منافاة بين علمه تعالى وبين خلقه :

س : إذا كان الله تعالى يعلم من سيدخل النار فلماذا خلقه؟ هل ينسجم هذا مع الرحمة الإلهيّة؟

ج : إنّ الله تعالى يعلم من سيدخل النار ، ومن سيدخل الجنّة بلا شك في ذلك ، إلاّ أنّه لا منافاة ولا تعارض بين علمه تعالى وبين خلقه ، فعلمه لا يعني إجبار الإنسان أن يدخل النار ، فهو خلقه وترك له الاختيار للصلاح والطاعة( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (١) .

فالله تعالى قد خلق خلقه ، وأوضح لهم سبل الهداية ، وترك لهم الاختيار ، فإمّا الطاعة وإمّا المعصية ، وهذا لا ينافي علمه تعالى في خلقه ، وعلمه تعالى لا يؤثّر في طاعة المطيع ، ولا في معصية العاصي.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

العلم الإلهيّ لا يولّد وظيفة قط :

س : يراودني سؤال هو : إذا كان الله تعالى يعلم بأنّ فلان في النار ، فلماذا أوجده؟ وما هي العلّة من خلق المعذّبين في النار؟

____________

١ ـ الإنسان : ٣.

٤٤٧

ج : فملّخص القول في المقام هو : أنّ العلم الإلهيّ لا يتولّد منه وظيفة عملية ، أي أنّه لا يكون علّة تشريعيّة لأفعال العباد ، وعليه فلا جبر من جانبه تعالى ، بل إنّ الناس في سعةٍ واختيار ، بالنسبة لتكاليفهم وقراراتهم الشخصية.

نعم ، إنّ الله تعالى ومن منطلق علمه الذاتيّ ، يعلم بما يؤول إليه أفعال الإنسان ، وهذا أمر آخر لا يفرض تلك الأفعال على الإنسان ، فالأفعال التي تصدر منه تكون اختيارية ، وإن كان معلوماً مسبقاً في علم الله تعالى.

وأمّا علّة خلق المعذّبين بالنار ، فهو في الحقيقة التساؤل عن حكمة مطلق الخلق والوجود ، والجواب هو : القول بالتفضّل الإلهيّ ، إذ إنّ الوجود ـ في مقابل العدم ـ فضل وميزة بلا كلام ونقاش ، وأمّا الخصوصيّات الأُخرى ـ مثل معصية الإنسان التي توجب النار وغيرها ـ خارجة عن حكمة أصل الوجود ، بل إنّها من صفات عمل الفرد.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم ـ الكويت ـ )

مسألة كون الأرض على قرن ثور :

س : سادتي الكرام ، لقد قرأت في الروايات والأحاديث : ( إنّ الأرض على قرن ثور ) ، فكيف ذلك؟ ونسألكم الدعاء.

ج : وردت عدّة روايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، تنصّ على ردّ الروايات الغامضة إليهمعليهم‌السلام لتوضيحها وبيانها ، ولا يصحّ طرحها أو تفسيرها حسب المذاق والمزاج ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن محمّد بن عيسى قال : أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى الإمام أبي الحسن الثالثعليه‌السلام وجوابه بخطّه ، فقال : نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادكعليهم‌السلام ، قد اختلفوا علينا فيه ، كيف العمل على اختلافه؟ إذ نرد إليك فقد أختلف فيه؟

٤٤٨

فكتبعليه‌السلام : (وقرأته ما علمتم أنّه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا )(١) .

٢ ـ عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : (وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده ، وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا )(٢) .

٣ ـ عن جابر قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد ( صلوات الله عليهم ) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول ، وإلى العالم من آل محمّد ، وإنّما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله ، فيقول : والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر )(٣) .

وهذه الرواية التي ذكرتموها من الروايات الغامضة التي لا نعرف بيانها وتفسيرها ، فنردّ علمها إلى أهلها.

كما وجّه السيّد هبة الدين الشهرستاني في كتابه هذه الرواية بقوله : ( نعم ، إنّما يستشكل المعترض فيما ورد في الشريعة : من أنّ الأرض خلقت على الحوت ، أو على قرن الثور ، ونحو ذلك )(٤) .

ولذا لم يؤمن بهذه الأخبار كثير من الفضلاء ، وأوّلها جماعة إلى المعاني الباطنية.

____________

١ ـ بصائر الدرجات : ٥٤٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٢٣٢.

٣ ـ الكافي ١ / ٤٠١.

٤ ـ إلهيّئة والإسلام : ٥٨.

٤٤٩

وقد منّ الله تعالى عليّ بفتح مقفلها ، وحلّ مشكلها بتقدير المضاف ، وهو أمر شائع عند البلغاء ، والمعنى : أنّ الأرض خلقت على شكل قرن ثور ـ بناءاً على القول المختار في هذه العصور ـ فيكون التناسب بين هيئة الأرض وهيئة قرني الثور من جهات :

الأُولى : أنّ وضع القرون في الثيران على الاستدارة من طرفي اليمين والشمال ، وكذلك الأرض مستديرة من طرفيها المشرق والمغرب ، فيناسب ذلك ما في بعض الأخبار من أنّ قرناً من قرني ذلك الثور في المشرق ، والقرن الآخر في المغرب.

ومن الغريب أنّ استدارة القرن بهذه الكيفية مخصوص بنوع الثيران ، ليس لباقي الأنعام وذوات القرون مثله على ما استقريناه.

الثانية : أنّ شكل القرنين في الثور مسطّح من طرفيه الأعلى والأسفل ، ومحدّب مستدير من جانبيه اليمين واليسار ، وقد عرفت استكشاف نيوتون وإصرار من تأخّر عنه على أنّ الأرض مستديرة الجانبين مسطّحة القطبين ، وذكرنا أنّ هذا المعنى المستخرج بالآلات الدقيقة والأفكار الحادّة مستفاد من أخبار وافرة عن النبيّ وعترته الطاهرةعليهم‌السلام .

الثالثة : أنّ جرم الأرض على الدوام واقع في طرف مدار بيضوي ، وكذلك قرنا الثور واقعان في موضع من رأسه ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى ذقنه ، بحيث يحيط بتمام رأسه ذلك الخطّ ظهر شكل المدار البيضوي ، ولو اعتبرت المدار بدن الثور أيضاً كان قرناه واقعين في موضع من البدن ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى موضع الذنب بحيث يحيط بجثّته ذلك الخطّ ظهر أيضاً شكل المدار البيضوي.

فالحدس يطمئن بأنّ الحججعليهم‌السلام لم يجدوا مساغاً لتوضيح هذه العلوم والأسرار لجهّال عصرهم ، فأدرجوها في طيّ كلماتهم ورمزوها في ضمن إشاراتهم لأجل ذلك ، وضربوا للإشارة إلى مطلوبهم تمثالاً جامعاً لأكثر الجهات بأخصر العبارات ، حتّى إذا تلى بعدهم على أهل العلم والتحقيق استخرجوا من طيّه السرّ الدقيق.

٤٥٠

( عيسى أحمد كلوت ـ لبنان ـ )

فلسفة الخلقة :

س : لماذا خلق الله الخلق؟

ج : لم يخلق الله تعالى الخلق عبثاً وباطلاً ، وإنّما خلقهم لعلّةٍ وحكمةٍ ، وهو غير محتاج إليهم ، ولا مضطرّ إلى خلقهم ، وأشارت إلى هذا المعنى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، ننقل لك بعضها ، وللمزيد راجع كتاب ( بحار الأنوار ) للعلاّمة المجلسيّ(١) .

أمّا الآيات ، فمنها :

١ ـ قوله تعالى :( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ ) (٢) .

٢ ـ قوله تعالى :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) (٣) .

٣ ـ قوله تعالى :( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٤) .

٤ ـ قوله تعالى :( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ) (٥) .

٥ ـ قوله تعالى :( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (٦) .

وأمّا الأحاديث ، فمنها :

١ ـ عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام فقلت له : لم خلق الله الخلق؟

____________

١ ـ بحار الأنوار ٥ / ٣٠٩.

٢ ـ الحجر : ٨٥.

٣ ـ المؤمنون : ١١٥.

٤ ـ ص : ٢٧.

٥ ـ الأنبياء : ١٦.

٦ ـ القيامة : ٣٦.

٤٥١

فقال : (إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ، ولم يتركهم سدىً ، بل خلقهم لإظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعةً ، ولا ليدفع بهم مضرّةً ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد )(١) .

٢ ـ عن عبد الله بن سلام مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (في صحف موسى بن عمران عليه‌السلام : يا عبادي إنّي لم أخلق الخلق لأستكثر بهم من قلّة ، ولا لآنس بهم من وحشةٍ ، ولا لأستعين بهم على شيء عجزت عنه ، ولا لجرّ منفعة ، ولا لدفع مضرّة ، ولو أنّ جميع خلقي من أهل السماوات والأرض اجتمعوا على طاعتي وعبادتي ، لا يفترون عن ذلك ليلاً ولا نهاراً ، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، سبحاني وتعاليت عن ذلك )(٢) .

٣ ـ روى هشام بن الحكم ، أنّه سأل الزنديق أبا عبد اللهعليه‌السلام : فلأيّ علّة خلق الخلق؟ وهو غير محتاج إليهم؟ ولا مضطرّ إلى خلقهم؟ ولا يليق به العبث بنا؟

قال : (خلقهم لإظهار حكمته ، وإنفاذ علمه ، وإمضاء تدبيره )(٣) .

( محمّد ـ هولندا ـ )

هل خلقت الأرواح قبل الأجساد؟

س : هناك طائفة كبيرة من الروايات التي تقول : بأنّ الأرواح خلقت قبل الأجساد ، فهل هذه الروايات معتمدة بين العلماء؟ وهل ينسجم القول بأنّ النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء ـ كما هو أصل في الحكمة المتعالية ـ مع تلك الروايات؟ وما هو وجه الجمع إن أمكن؟

____________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٩.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٣.

٣ ـ الاحتجاج ٢ / ٨٠.

٤٥٢

هذا ، ولكم منّا خالص الدعاء.

ج : قال الشيخ المفيدقدس‌سره : ( وأمّا الخبر بأنّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامّة كما روته الخاصّة(١) ، وليس هو مع ذلك بما يقطع على الله سبحانه بصحّته ، وإنّما نقله رواته لحسن الظنّ به.

وإن ثبت القول فالمعنى فيه : إنّ الله تعالى قدّر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد ، ثمّ اخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدمّناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه )(٢) .

وقال العلاّمة المجلسيّقدس‌سره : ( اعلم أنّ ما تقدّم من الأخبار المعتبرة في هذا الباب ، وما أسلفناه في أبواب بدء خلق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام ـ وهي قريبة من التواتر ـ دلّت على تقدّم خلق الأرواح على الأجساد ، وما ذكروه من الأدلّة على حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة ، لا يمكن ردّ تلك الروايات لأجلها ).

وجاء في الهامش : ( الكلام حول روايات خلق الأرواح قبل الأبدان ، يقع في جهات :

١ ـ في صدورها : هل تكون مقطوعة الصدور أو لا؟ وعلى فرض عدم القطع بصدورها ، هل يوجد دليل على وجوب التعبّد بها أو لا؟

٢ ـ في دلالتها : هل تدلّ دلالة صريحة على تقدّم وجود الأرواح على أبدانها ، خارجاً بالتقدّم الزماني أو لا؟

٣ ـ في توافقها مع الأدلّة العقلية.

فنقول : أمّا من الجهة الأُولى ، فهي غير بالغة حدّ التواتر ، فلا يحصل القطع بصدورها عادة ، وأدلّة حجّية الخبر الواحد قاصرة عن غير ما يتعلّق بالأحكام

____________

١ ـ معاني الأخبار : ١٠٨.

٢ ـ المسائل السروية : ٥٢.

٤٥٣

الفرعية العملية ، فلا يوجد دليل على وجوب التعبّد بها.

وأمّا من الجهة الثانية ، فلا ريب في ظهورها في ذلك في حدّ نفسها ، وإن لم يبلغ إلى مرتبة النصّ.

وقد أوّل الشيخ المفيد الخلق بالتقدير ، كما أنّه يمكن حملها على نوع من التمثيل والاستعارة ، إذا وجد دليل قطعي معارض لمدلولها.

وأمّا من الجهة الثالثة ، فقد دار البحث بين الفلاسفة حول حدوث النفس وقدمها ، وذهب أصحاب مدرسة صدر المتإلهيّن ، إلى أنّها تحدث بحدوث البدن ، غير بالغة حدّ التجرّد العقلي متحركة نحوه ، ولا مجال لذكر أدلّتهم ونقدها هاهنا.

وهناك أمر يتعلّق بمعرفة شؤون النفس ، يستعصي على الأذهان المتوغّلة في المادّيات ، ولعلّ إجادة التأمّل فيه يعين على حلّ العويصة ، وهو : أنّ النفس وإن كانت أمراً متعلّقاً بالمادّة ، بل ناشئاً عنها ومتحداً بها ، وبهذا الاعتبار صحّ مقايستها بالحوادث ، واتصافها بالمقارنة والتقدّم والتأخر زماناً ، إلاّ أنّها حين ما تدخل في حظيرة التجرّد ، تجد نفسها محيطة بالبدن ، من ناحية البدء والنهاية ، وأنّ شعاعها يمتد إلى ما قبل حدوث البدن ، كما أنّه يمتد إلى ما بعد انحلاله.

فالذي ينظر إلى جوهرها المجرّد ، من فوق عالم الطبيعة ، يجدها خارجة عن وعاء الزمان محيطة به ، وإذا قايسها إلى ظاهرة مادّية ، واقعة في ظرف الزمان كالبدن ، يجدها موجودة معها وقبلها وبعدها ، فيصحّ له أن يحكم بتقدّم وجودها على وجود البدن ، مع أنّ من ينظر إليها من نافذة عالم المادّة ، ويعتبرها أمراً متعلّقاً بالبدن ، بل مرتبة كاملة له ، انتهى إليها بالحركة الجوهرية ، وبهذا الاعتبار يسمّيها نفساً ، يحكم بحدوثها عند حدوث البدن ، وحصول التجرّد لها بعد ذلك ، ولا منافاة بين النظرين ، وبهذا يمكن الجمع بين القولين.

٤٥٤

وممّا ينبغي الالتفات إليه ، أنّ في تقدّم خلق الأرواح على الأبدان بألفي عام ـ على حدّ التعبير الوارد في الروايات ـ لم يعتبر كلّ روح إلى بدنه ، بحيث يكون خلق كلّ روح قبل خلق بدنه ، بألفي عام كامل لا أزيد ولا أنقص ، وإلاّ لزم عدم وجود جميع الأرواح في زمن عليعليه‌السلام ، فضلاً عمّا قبله ، ضرورة حدوث كثير من الأبدان بعد زمنه بآلاف السنين ، ولا يبعد أن يكون ذكر الألفين لأجل التكثير ، وتثنية الألف للإشارة إلى التقدّم العقلي والمثالي )(١) .

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٨ سنة ـ التاسعة أساسي )

أوّل شيء خلقه الله :

س : ما هو أوّل شيء خلقه الله تعالى؟ هل هو القلم؟ كما تقول العامّة.

ج : تعدّدت الأقوال في أوّل مخلوق خلقه الله تعالى ، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في هذا المجال ، وهي :

١ ـ نور النبيّ : فعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أوّل ما خلق الله نوري ، ففتق منه نور علي ، ثمّ خلق العرش واللوح ، والشمس وضوء النهار ، ونور الأبصار والعقل والمعرفة )(٢) .

٢ ـ روح النبيّ : فعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أوّل ما خلق الله روحي )(٣) .

٣ ـ العرش : فعن ابن عباس : أوّل ما خلق الله العرش فاستوى عليه(٤) .

٤ ـ القلم : فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : (أوّل ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة )(٥) .

____________

١ ـ بحار الأنوار ٥٨ / ١٤١.

٢ ـ بحار الأنوار ٥٤ / ١٧٠.

٣ ـ شرح أُصول الكافي ١٢ / ١١.

٤ ـ بحار الأنوار ٥٤ / ٣١٤.

٥ ـ تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٨.

٤٥٥

وذهب بعض الأعلام إلى أنّ العقل الوارد في الأخبار بأنّه أوّل المخلوقات ، هو نورهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ الماء : فعن جابر الجعفي قال : جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحداً يفسّرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف غير ما قال الآخر.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : (وما ذلك )؟ فقال : أسألك ، ما أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ من خلقه؟ فإن بعض من سألته قال : القدرة ، وقال بعضهم : العلم ، وقال بعضهم : الروح.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : (ما قالوا شيئاً ، أخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزاً ولا عز ، لأنّه كان قبل عزّه ، وذلك قوله : ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) ، وكان خالقاً ولا مخلوق ، فأوّل شيء خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء )(٢) .

٦ ـ الهواء : في تفسير قوله تعالى :( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ) (٣) ، قال الشيخ القمّيّقدس‌سره : ( وذلك في مبدأ الخلق ، أنّ الربّ تبارك وتعالى خلق الهواء ، ثمّ خلق القلم ، فأمره أن يجري ، فقال : يا ربّ بم أجري؟ فقال : بما هو كائن ، ثمّ خلق الظلمة من الهواء ، وخلق النور من الهواء ، وخلق الماء من الهواء ، وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم من الهواء ـ وهو الريح الشديد ـ وخلق النار من الهواء ، وخلق الخلق كلّهم من هذه الستّة التي خلقت من الهواء )(٤) .

٧ ـ العقل : فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أوّل ما خلق الله العقل )(٥) .

____________

١ ـ الصافّات : ١٨٠.

٢ ـ التوحيد : ٦٦.

٣ ـ هود : ٧.

٤ ـ تفسير القمّيّ ١ / ٣٢١.

٥ ـ شرح أُصول الكافي ١ / ٢٠٤.

٤٥٦

ووجه التوفيق بين هذه الأخبار هو : أنّ بعضها محمول على الأوّلية الإضافية ، وبعضها على الحقيقة ، فأوّلية نور النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حقيقية ، وغيره إضافية نسبية.

( ـ ـ )

كيفية خلق الإنسان :

س : في حديث لابن القيّم الجوزيّة في كتابه إغاثة اللهفان ، قال متحدّثاً عن الملائكة : ( فإنّهم موكلّون بتخليقه ـ أي الإنسان ـ ونقله من طور إلى طور ، وتصويره وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث ، وكتابة رزقه وعمله وأجله ، وشقاوته وسعادته ، وملازمته في جميع أحواله ، وإحصاء أقواله وأفعاله ، وحفظه في حياته ، وقبض روحه عند وفاته ، وعرضها على خالقه وفاطره ، وهم الموكلّون بعذابه ونعيمه في البرزخ ، وبعد البعث ، وهم الموكلّون بعمل آلات النعيم والعذاب )(٣) .

هل نؤمن بهذا الحديث؟ وما المقصود في قوله : ( الظلمات الثلاث )؟

ج : إنّ ما ذكره ابن القيّم في خلق الإنسان هو قريب إلى رواياتٍ وردت عن آل البيتعليهم‌السلام في هذا الشأن ، حيث ذكرت هذه الروايات كيفية الخلقة ، والملكان الموكّلان في ذلك.

ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : ( إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي ممّا أخذ عليها الميثاق في صلب آدم ، أو ما يبدو له فيه ) إلى أن قال : ( فتردد فيه أربعين صباحاً ، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، ثمّ تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة.

ثمّ يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله ، يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم ، وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فينفخان فيهما روح الحياة والبقاء ، ويشقّان له

____________

٣ ـ إغاثة اللهفان ٢ / ١٣٠.

٤٥٧

السمع والبصر ، وجميع الجوارح ، وجميع ما في البطن بإذن الله.

ثمّ يوحي الله إلى الملكين : اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري ، واشترطا لي البداء فيما تكتبان ، فيقولان : يا ربّ ، ما نكتب؟ قال : فيوحي الله عزّ وجلّ إليهما : ارفعا رؤوسكما إلى رأس أُمّه ، فيرفعان رؤوسهما ، فإذا اللوح يقرع جبهة أُمّه ، فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته ورؤيته ، وأجله وميثاقه ، شقياً أو سعيداً ، وجميع شأنه )(١) .

على أنّ ما حكته الصحيحة من أطوار خلقته خارج عن إدراك عقولنا ، والوصول إلى ذلك بأذهاننا القاصرة ، فما علينا إلاّ التسليم ، فسبحان الله وبحمده.

ثمّ أنّ الظاهر من الظلمات الثلاث ، المراحل الثلاث المبهمة التي يمرّ بها الطفل ، فهي : مرحلة النطفة ، ومرحلة العلقة ، ومرحلة المضغة ، وكلّ واحدة منها أبهم من سابقتها ، ولمجهوليتها فكأنّها ظلمة في ظلمة ، هذا ما يمكن تفسيره بالظلمات الثلاث ، والله أعلم.

( سالم بن زيد ـ الكويت ـ )

من أيّ شيء خلقت الملائكة والنباتات والبهائم :

س : خلق الله الإنسان من طين ، والجنّ من النار ، ممّا خلق الملائكة والبهائم والنباتات؟

ج : إنّ الملائكة خلقت من النور ، والنباتات خلقت من التراب ، وأمّا البهائم فالظاهر من بعض الروايات أنّها خلقت من التراب ، غايته كيفية التربة تختلف بين الإنسان والبهائم ، فالتربة التي اختيرت لأبي البشرعليه‌السلام مغايرة في الجودة والنوعية والدرجة لتربة خلق البهائم ، ولكن توجد كلمات في بعض كتب

____________

١ ـ تفسير الصافي ١ / ٣١٦.

٤٥٨

الحديث بخلاف ذلك ، أي أنّ الحيوان الفلاني مثلاً ، خُلق من المادّة الفلانية ، والحيوان الفلاني خُلق من الريح ، وما شاكل ذلك.

( مريم محمّد ـ فلسطين ـ )

كيفية زواج أولاد آدم :

س : هل صحيح أنّ أبناء آدم عليه‌السلام كانوا يتزوّجون في بداية الخلق من أخواتهم؟ وشكراً.

ج : لقد أختلف العلماء والمفسّرون في كيفية بدء النسل بعد آدمعليه‌السلام ، فقيل : يحتمل أن يكون قبل آدم بشر مخلوق ، كما في بعض الروايات ، وإن كانت ضعيفة ، فربما بقي من ذلك النسل ما تزوّجه هابيل وقابيل ، ومن ثمّ بدء النسل الجديد لآخر المرحلة البشرية المتكاملة.

وقيل : بجواز نكاح الأخ من الأُخت في النسل الأوّل فقط ، أي بين هابيل وقابيل وأختيهما ، إذ حوّاء كانت تلد توأماً من ذكر وأنثى ، ويكون هذا من التشريع الخاصّ لبدء النسل البشري ، وهذا ما يتمسّك به المجوس من جواز نكاح المحارم ، إلاّ أنّه ورد في الروايات أنّ التحليل كان في النسل الأوّل ، ومن بعده كان التحريم ، والمجوس قالوا بما بعد الأوّل.

والصحيح ما ورد عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وإنكار مقولة المجوس واتباعهم غاية الإنكار ، فقد ورد في خبر زرارة قال : سئل الإمام الصادقعليه‌السلام : كيف بدأ النسل من ذرّية آدمعليه‌السلام ؟ فإنّ أُناساً عندنا يقولون : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى آدمعليه‌السلام : يزوّج بناته بنيه ، وإنّ هذا الخلق كلّه أصله من الأخوة والأخوات.

فقالعليه‌السلام : (تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، يقول من قال هذا : بأنّ الله عزّ وجلّ خلق صفوة خلقه ، وأحبّائه وأنبيائه ورسله ، والمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات من حرام؟ ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال؟ وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيّب.

٤٥٩

فو الله لقد تبيّنت أنّ بعض البهائم تنكّرت له أُخته ، فلمّا نزا عليها ونزل كشف له عنها ، فلمّا علم أنّها أخته أخرج عزموله ـ أي ذكره ـ ثمّ قبض عليه بأسنانه حتّى قطعه فخرّ ميتاً ، وآخر تنكّرت له أُمّه ، ففعل هذا بعينه ، فكيف الإنسان في أُنسيته وفضله وعلمه؟!

غير أنّ جيلاً من هذا الخلق الذي ترون ، رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل بالعلم ، كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق ما خلق وما هو كائن أبداً ) إلى أن قال : ( وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ليس فيها تحليل شيء من ذلك ، حقّاً أقول : ما أراد من يقول هذا وشبهه ، إلاّ تقوية حجج المجوس ، فمالهم قتلهم الله )؟!

ثمّ أنشأ يحدّثنا كيف كان بدء النسل من آدم ، وكيف كان بدء النسل من ذرّيته ، فقال :عليه‌السلام : ( إنّ آدمعليه‌السلام ولد له سبعون بطناً ، في كلّ بطن غلام وجارية ، إلى أن قتل هابيل ، فلمّا قتل قابيل هابيل ، جزع آدم على هابيل جزعاً قطعه عن إتيان النساء ، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّاء خمس مائة عاماً ، ثمّ تخلّى ما به من الجزع عليه ، فغشي حوّاء فوهب الله له شيثاً وحده ليس معه ثاني ، واسم شيث هبة الله ، وهو أوّل من أوصى إليه من الآدميين في الأرض.

ثمّ ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثاني ، فلمّا أدركا وأراد الله عزّ وجلّ أن يبلغ بالنسل ما ترون ، وأن يكون ما قد جرى به القلم ، من تحريم ما حرّم الله عزّ وجلّ من الأخوات على الأخوة ، أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله عزّ وجلّ آدم أن يزوّجها من شيث فزوّجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر حوراء من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر الله تعالى آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد لشيث غلام ، وولد ليافث جارية ، فأمر الله عزّ وجلّ آدم حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل ذلك فولد

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

وفي السنة الحادية والعشرين ، في الليلة التاسعة من شهر صفر قبل الصبح بساعة ، هجم على النَّجف ، فظهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام المعجزات الظاهرة ، والكرامات الباهرة ، فقتل من جيشه کثير ، ورجع خائباً(١) .

وفي سنة ١٢٢ ٥ في الليلة التاسعة من شهر رمضان : أحاطت الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنَّجف ، ومشهد الحسينعليه‌السلام ، وقد قطعوا الطريق ، ونهبوا زوَّار الحسينعليه‌السلام بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان ، وقتلوا منهم جمعاً غفيراً ، وأكثر القتلى من زوار العجم. وربما قيل : إنهم مائة وخمسون ، وقيل : أقل ، وبقي جملة من زوَّار العرب في الحلَّة ما تمكَّنوا من الرجوع ، فبعضهم صام رمضان في الحلَّة ، وبعضهم مضى إلى الحسكة.

وكانت النَّجف في حصار والأعراب غير منصرفين ، وهم من الكوفة إلى مشهد الحسينعليه‌السلام بفرسخين ، أو أكثر ، وطائفة الخزاعل متخاذلون مختلفون. ولمّا كثر تهاجمهم على النَّجف خافت الحكومة العثمانية على الخزانة العلوية ، فاضطرت إلى حملها إلى الكاظميةعليه‌السلام (٢) .

وفي سنة ١٢٣۸ وقع القرار ما بين الدولتين : الإيرانية ، والعثمانية على إرجاع ذلك إلى النَّجف مع إشراف معتمد من رجال إيران ، ففعلت.

وفي الآونة الأخيرة وجد على بعض أقفالها خاتم جدِّي العلَّامة السيِّد علي بحر العلومرحمه‌الله (٣) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۹٣ ـ ٣٩٥.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۹٦.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٢٧.

٥٦١

نهر التاجيّة

وفي (مجالس المؤمنين) : (أن الفاضل العادل علاء الدين خواجة عطاء الملك الجويني ، حاكم بغداد من قبل أباقان ، أخ الخواجة شمس الدين محمّد الجويني ، اللَّذين هما من كبار وزراء طبقة المغول ، وينتمي نسبهما إلى الشيخ الفقيه أبو المعالي ، إمام الحرمين ، وهو صاحب التاريخ المعروف بجهان كشا ، المتوفّى سنة ٦٨٣ ، حفر نهر التاجية في أرض النَّجف ، وصرف عليه أزيد من مائة ألف دينار ذهب )(١) .

وأجرى الماء حوف النَّجف سنة ٦٧٦ في شهر رجب ، والقصّة مذكورة في تاريخ وصاف مفصلاً.

وفي (القاموس) : (والتاجيَّة نهر بالكوفة )(٢) .

أقول : وإنَّما قيل تاجيَّة ؛ لأنَّ تاج الدين علي ابن أمير الدين ـ من فضلاء عصر علاء الدين ـ كان المباشر له فاشتهر باسمه ، وهو نهر التاجيَّة ، المعروف الآن بحيث لا يخفى مكانه(٣) .

حارث بن عمرو

وفي (تاريخ تجارب الأُمَم) لأبي علي بن مسكويه : (أن حارث ابن عمرو الَّذي كان من ملوك العرب في زمن الجاهلية ، ومعاصراً لقباذ الساماني ، عزم على شقّ

__________________

(١) مجالس المؤمنين ٢ : ٤٨٠.

(٢) القاموس المحيط ١ : ١٨٠.

(٣) ينظر عن هذا النهر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٨٦ ـ ٢٨٩ ، ٢ : ١٩٨ ـ ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٦٥.

٥٦٢

نهر من شط الفرات إلى جهة النَّجف، بإشارة من أحد تبايعة اليمن. فأجرى الفرات إلى الحيرة ، وحوالي أرض النَّجف)(١) .

قبَّة الشنبق

ثم قام من بعده بهذا العبء الثقيل سليمان بن أعين المتوفَّى سنة ٢ ٥ ۰ ، وكان من عظماء رجال الشيعة المعروفين في القرن الثالث الهجري. فأنبط عيناً فوّارة من مكان يعرف بقُبَّة الشنبق ممَّا يلي النَّجف(٢) .

الشاه طهماسب الصفوي

وفي سنة ۹ ٤ ٢ زار الشاه طهماسب الصفوي مرقد أمير المؤمنين ، فأمر بحفر نهر من الحلَّة ، فحفر من فوق نهر التاجيّة ، من جهة الغرب ، على الطريق السائر إلى قرية نمرود من الحلَّة ، فامتد طوله قدر ستَّة فراسخ في عرض عشرة أذرع. ولكن لم يصل الماء إلى النَّجف ؛ لارتفاع أرضها عن مجرى الماء ، وبينه وبين نهر التاجيّة ما يقرب من میل ، أو أقل ، ويعرف بنهر الطهماسية ، وهو الآن عليه المزارع والعشائر(٣) .

__________________

(١) ينظر عن هذا النهر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٧٧ ، نقله عن المآثر والآثار : ٨٤.

(٢) ينظر عن هذه القناة : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢۸٢.

(٣) ينظر عن هذا النهر : تاریخ النجف الأشرف ١ : ٢۸۹ ، ٢٦٩.

٥٦٣

نهر آصف الدولة الهندي

وممَّن بذل جهده في إجراء الماء إلى النَّجف : النواب آصف الدولة بهادر یحیی خان الهندي ، الَّذي هو من أحفاد برهان الملك ، من أعاظم رجال محمّد شاه سنة ١٢۰۸ ، وأرخه بعضهم بقوله : (صدقة جارية)(١) .

نهر الشيخ صاحب الجواهر في النّجف

ومنهم العلَّامة الماهر الشيخ : محمّد حسن صاحب الجواهر ، المتوفى سنة ١ ٢٦٦ ، وبذل عليه ثمانين ألف تومان ، على نفقة السلطان ثریا جاه محمّد أمجد علي شاه الهندي ، المتوفّى في اليوم الواحد والعشرين من شهر صفر ، سنة ١ ٢٦٣ ، وتخلَّف مكانه ابنه السلطان محمّد واجد علي شاه ، ثُمَّ توفّي الشيخ قبل الحصول على النتيجة ، ونهر الشيخ في خارج النَّجف معلوم(٢) .

نهر السيِّد أسد الله

ومن بعده اشتغل بهذه المهمة حجّة الإسلام : السيِّد أسد الله الأصفهاني المتوفَّى سنة ١٢۹۰ ، وصرف على ذلك ثلاثين ألف تومان من ثلث المرحوم إسماعيل خان النوري الكرماني ، المعروف بوكيل الملك المتوفي سنة ١٢۸٣ ، وكان من رجال الدولة القاجارية فأجرى الماء في نهر النَّجف سنة ١ ٢ ۸۸ ، فاستقدام إلى مدَّة ، ثُمَّ فسد قناته بواسطة البَرَد الخشن الَّذي جاء في فصل الشتاء

__________________

(١) ينظر عن هذا النهر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣٧٥.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢۹٧ ـ ٢۹۹.

٥٦٤

سنة ١٣۰٧ ، حَتَّى قيل : إنَّ الحبَّة منه أكبر من الرمّانة ، واَّلذي رأيته بعیني کان أصغر منه(١) .

نهر الحيدرية

وفي سنة ١٣۰ ٥ : أمر السلطان المخلوع عبد الحميد العثماني بحفر نهر الحيدرية ، الموجود فعلاً ، ومنه الاستقاء. وتاريخ الفراغ منه : (عذب الشرب)(٢) .

حصار النّجف على عهد الأنكليز

وفي اليوم السابع من شهر جمادى الثانية من شهور سنة ١٣٣ ٦ ، هجم بعض الأشرار من أهالي النَّجف على دار الحكومة الإنكليزية ، وقتلوا الحاكم السياسي الإنكليزي قبطان مارشال ، فقامت القيامة الكبرى على أهل البلدة ، وجعلوا البلدة في حصار شديد ، وأغلقوا أبواب البلدة ، ولا يدخل فيها داخل ، ولا يخرج منها شارد ، والناس في داخل البلدة والأشقياء على أطراف سور البلدة ، يحاربون الجيش الإنكليزي ، والمدافع والدبابات تنشر على الأهالي الرصاص والقُلل. ونفد ما كان عند الناس من الماء الحلو ، وبلغ لحم الطير في نصف روبية ، ووزنة الحنطة في سبع ليرات ، وهكذا بقية الحاجيات.

واستدام الحال على هذا المنوال أربعين يوماً ، ففتحوا البلدة عنوة ، ودخلوها قهراً ، فقتل من قتل ، واُسر من اُسر ، وقد أرَّخ بعضهم ذلك بقوله : (حصار وغلا ، ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم)(١) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠١.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣٠١ ـ ٣٠٧.

٥٦٥

وفي سنة ١٣٢٠ : طلبت الحكومة التركية الأنابيب الحديدية لتناول الماء من نهر الكوفة إلى النَّجف بمسافة خمسة أميال ، وجلبت الأنابيب من شركة (جرمن) ، وعند تكامل أكثرها في الندف ، وقعت الحرب العظمى ، فكانت الضربة القاضية على ذلك المشروع والأنابيب مطروحة على الجادة ، ما بين النَّجف والكوفة. وقد علا جملة منها الرمال ، وسترها التراب. ولعل بعد تطاول السنين إذا اتفق انكشاف بعضها بسبب من الأسباب ، وخرجت من تحت التراب بموجب تحيّر غير المطَّلع على حقيقة الحال(٢) .

وفي سنة ١٣٤٦ بذل التاجران الكبيران : الحاج أقا محمّد الملقَّب بمعين التجار البو شهري ، وعمدة التجار الحاج رئيس ، الأموالَ الباهظة لجلب الأنابيب الحديدية مع الماكنة التي تسوق الماء من شط الفرات بالكوفة في الأنابيب ، وتوصلها إلى النَّجف. وقد كمل عملها وتركيبها ، وجرى الماء في يوم الأربعاء ٢٢ جمادى الثانية سنة ١٣٤٨(٣) .

__________________

(١) قال مصنّف كتاب تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢١٧ تعليقاً على هذا الكلام ، ونصّه : (ومن عجيب ما وقفت عليه من الأقوال : ما كتبه السيِّد جعفر بحر العلوم المتوفى سنة ١٣٧٧ هـ ، في كتابه تحفة العالم ، قال ما نصّه ـ وذكر تمام قوله ـ) أقول : لم يكن الحاج نجم ومجموعته إلا الجناح العسكري لجمعية النهضة الإسلامية ، والتي كانت تستمد آراءها وتوجيهاتها من علماء مخلصين كالعلامة الشيخ محمّد جواد الجزائري ، يسانده الزعيم الشجاع محمّد علي بحر العلوم ، وقد أدّوا واجبهم الشرعي في الدفاع عن أرض المسلمين بعد ما رأوا الجيوش الإنكليزية وقد وطأت أرض الغري المقدسة ، واستهترت بمقدرات الناس وكراماتهم ، وأوغلت في الاعتداء على الأشراف وأبناء العلم ، لتصبح ثورة النجف هذه الخطوة الأولى لثورة العراق الكبرى ونيل العراق استقلاله.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ ، وفيه أن السنة كانت ١٣٣٠ هـ.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣١٣ ـ ٣١٥.

٥٦٦

وأيضاً المرحوم : آقا محمّد هو الَّذي قام بأمر المصباح الكهربائي وحده ، ولم يشار له أحد في هذا المشروع ، وينار الصحن الشريف ، والحرم المقدَّس مجّاناً في كلّ ليلة. وكان شروعه این است قبل إرواء النَّجف بالماء بقلیل.

٥٦٧
٥٦٨

المقام الثاني

في الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

هو : ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو السبط الأوّل والإمام الثاني.

وكنيته : أبو محمّد.

ويلقّب بالمجتبي ، والزكيّ ، والسبط.

ولدعليه‌السلام في ليلة السبت النصف من شهر رمضان ـ ولا يعلم في ذلك مخالف ـ في السنة الثانية من الهجرة في المدينة المنورة(١) .

وفي (الإرشاد) : (إنه ولد في السنة الثالثة)(٢) .

وقبض بالمدينة مسموماً سنة ٤٩ من الهجرة ، وله من العمر سبع وأربعون سنة.

وذكر المجلسيرحمه‌الله أن وفاتهعليه‌السلام : (في آخر صفر ، قال : وقيل : الثامن والعشرون ، ودفن بالبقيع )(٣) .

والتمس منه عمر بن الخطاب أن يسافر مع سعد بن أبي وقاص إلى العجم حين جهَّز له جيشاً إلى بلاد الفرس ، ووصل إلى الريِّ ، ومنه إلى قرية كهنك وأردستان ، ومنه إلى قرية فهباية ـ من أعمال نايین ـ ثُمَّ دخل أصفهان وفي خارج

__________________

(١) ينظر : بحار الأنوار ٤٤ : ١٣٤ / ٢٢ باب (تواريخه وأحواله ...) فإن مؤلفهرحمه‌الله ذكر جملة من الأخبار المتعلِّقة بذلك.

(٢) الإرشاد ٢ : ٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ : ١٣۸ ح ٦ ، بتصرف.

٥٦٩

أصفهان قطعة أرض تعرف بلسان الأرض نزل فيها ونطقت الأرض معه قائلة : (يا ابن رسول الله ما أكثر السَّحرة في أصفهان فأقرأ عليهم عوذة)(١) . وصلّى في المسجد العتيق(٢) ، وفي مسجد لنبان أيضاً(٣) .(٤)

صلحهعليه‌السلام مع معاوية

ومن قصَّته : (أنّه بويع بعد وفاة أبيه بيومين ، ووجَّه عماله إلى السواد والجبل ، ثُمَّ خرج إلى معاوية في نيِّف وأربعين ألفاً ، وسيّر على مقدّمته قیس بن سعد بن عبادة في عشرة آلاف ، وأخذ على الفرات يريد الشام ، وسار الحسنعليه‌السلام حَتَّی أتی ساباط المدائن فأقام بها أياماً ، فأحسّ في أصحابه فشلاً وغدراً فقام فيهم خطيباً ، فقال : «تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت؟ فقطعوا عليه كلامه وانتهبوا رحله حَتَّى أخدوا رداءه من على عاتقه.

فقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله» ، ثُمَّ دعا بفرسه فركب وسار حَتَّى إذا كان في مظلم ساباط ، طعنه رجل من بني أسد يقال له : سنان بن الجرّاح بمعول فجرحه جراحة كادت أن تأتي على نفسه ، فصاحَ الحسنُ صيحةٌ وخرَّ مغشياً عليه وابتدر الناس إلى الأسدي فقتلوه ، فأفاق الحسنعليه‌السلام من غشيته ، وقد نزف وضعف ، فعصَّبوا جراحته ، وأقبلوا به إلى المدائن ، فأقام يداوي جراحته ، وخاف أن يُسلمه أصحابه إلى معاوية لما رأىعليه‌السلام من فشلهم وقلة نصرتهم ، فأرسل إلى معاوية ، وشرط عليه شروطاً إن هو أجابه إليها سلَّم إليه الأمر.

__________________

(١) ما بين الشارحتين لم أهتد لمصدره.

(٢) في الأصل : (وصلّى في مسجد عتيق أصفهان) فصحّحنا العبارة ولذا اقتضى التنويه.

(٣) لنبان : قرية كبيرة في أصفهان.

(٤) جواهر الكلام ٢١ : ١٦١ عن بعض التواریخ.

٥٧٠

منها : أن له ولاية الأمر بعده ، فإن حدث به حدث فللحسينعليه‌السلام .

ومنها : أن له خراج دار الحرب من أرض فارس ، وله في كل سنة خمسين ألف ألف.

ومنها : أن لا يهيج أحداً من أصحاب علي ، ولا يعرض لهم بسوء.

ومنها : أن لا يذكر علياً إلّا بخير)(١) .

قال صاحب العمدة : (ويروي أن معاویه کتب كتاباً شرط فيه للحسن شروطاً ، وكتب الحسن كتاباً يشترط فيه شروطاً ، فيختم عليه معاوية ، فلمَّا رأى الحسنعليه‌السلام کتاب معاوية وجد شروطه له أكثر ممَّا اشترطها لنفسه ، فطالبه بذلك.

فقال : قَدْ رضيت بما اشترطته فليس لك غيره ، ثُمَّ لم يف بشيء من الشروط)(٢) .

تنبيه : ليس في الشروط المذكورة ما ينافي إمامتهعليه‌السلام ، فليس فيها خلع نفسه امن الإمامة ، معاذ الله ، إنَّ الإمامة بعد حصولها للإمام لا تخرج عنه بقوله ، بل مقتضى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا »(٣) ، هو أنَّ الإمامة رئاسة إلهية ، وشرافة نفسانية ، لا تنفك عن ذاته ، قام بأمرها أو قعد عنها ، وإنَّما ينخلع عن الإمامة عند العامّة. وهو حَيٌّ ـ بالأحداث والكبائر ، ولو قلنا بتأثير خلع النفس فإنَّما هو في الخلع بالاختيار ومن دون كره وإجبار ، وأمَّا معهما فلا.

__________________

(١) عمدة الطالب : ٦٦.

(٢) عمدة الطالب : ٦٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ٣۰.

٥٧١

وأمَّا البيعة : فإن اُريد بها الصنفة والكف عن المنازعة ، فقد كان ذلك ولا حجة في مثله عليه ، وإن اُريد بها الرضا وطيب النفس ، فوجدان وشاهد الحال شاهدان بخلافه.

وأمَّا أخذ الصلات من معاوية فشائع ، بل واجب. فإنَّ كلّ مالٍ حلَّ في يد كلّ جائر متغلّب على أمر الأُمَّة يجب على كل أحد حَتَّى على الإمامعليه‌السلام انتزاعه من يده ، کیف ما أمكن طوعاً أو کرهاً.

قال الصندوقرحمه‌الله في الباب الثاني والأربعين من كتاب (العيون) : (كان سبيل ما يقبله الرضاعليه‌السلام من المأمون ، سبیل ما كان يقبله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الملوك ، وسبيل ما يقبله الحسن بن عليعليه‌السلام من معمارية ، وسبیل ما كان يقبله الأمة من آبائهعليهم‌السلام من الخلفاء ، ومن كانت الدنيا كلّها له فغُلِبَ عليها ثُمَّ اُعطي بعضَها ، فجائز له أن يأخذه) ، انتهى(١) .

مع أنه لم يظهرعليه‌السلام الموالاة لمعاوية.

ذكر أولادهعليه‌السلام

فصل في أولادهعليه‌السلام :

كان للحسنعليه‌السلام من الولد :

( ١) محمّد الأصغر ، ( ٢) وجعفر ، (٣) وحمزة ، (٤) وفاطمة درجوا ، وأُمُّهم اُمُّ کلثوم بنت الفضل بن العبَّاس بن عبد المطَّلب.

__________________

(١) عیون اخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ١٨٨.

٥٧٢

(٥) ومحمّد الأكبر ، وبه کان یکنی ، (٦) والحسن ، واُمُّهما خولة بنت منظور الغطفانية.

( ٧) وزید ، ( ۸) واُمّ الحسن ، ( ۹) واُمّ الحسين اسمها رملة ، واُمُّهم اُمُّ بشير بنت أبي مسعود الأنصاري ، واسمه عقبة بن عمرو.

( ١۰) إسماعيل ، ( ١١) یعقوب ، واُمُّهما جعدة بنت الأشعث بن قیس التي سمّته.

( ١٢) القاسم ، ( ١٣) أبو بكر ، (١٤) عبد الله ، قُتلوا مع الحسينعليه‌السلام وكان عبد الله صغيراً لم يراهق ، قتل في جنب عمّه ، واُمُّهم اُمُّ ولد ، لا بقية لهم ، وقیل اسم اُمُّهم : نفيلة.

(١٥) حسين الأثرم ، وقبره في فخّ.

(١٦) عبد الرحمن خرج مع عمّه الحسینعليه‌السلام إلى الحجّ فتوفّيَ بالأبواء مُحرِماً.

( ١٧) اُمُّ سلمة لاُمِّ ولدٍ تُسمَّى : ظمياء.

( ١۸) عمرو ، وقيل : عمر ، وكان في الطف ولم يقتل ؛ لصغره ، اُمُّه اُمُّ ولد ولا بقية له.

(١٩) اُمُّ عبد الله ، اسمها فاطمة ، وهي اُمُّ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، واُمُّها أُمُّ ولد تدعى : صافية.

( ٢۰) طلحة ، لا بقية له ، وكان جواداً كريماً ، وأمه : أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التيمي.

وفي تاريخ الخميس ، ومقتل أبي مخنف من أولاد الحسنعليه‌السلام :

٥٧٣

(( ٢١) أحمد ، وفي الأخير أنه قَتل من القوم ثمانين فارساً ، ثُمَّ قُتل في حومة الحرب)(١) .

( ٢٢) رقيّة زوجة عبيد الله بن العبَّاس بن علي ، وفي النَّجف في محلّة البراق ضريح من خشب ينتسب إليها.

وقال السيِّد القزويني في (فلك النجاة) : (إنَّ القاسم بن الحسن السبط ، وهو : القاسم الأكبر ، غیر شهيد الطف المدفون في العتيکيات ـ المسمى الآن : بالمسيِّب ـ قريب من الفرات ، وقد أصيب جريحاً في النهروان)(٢) .

هذا ما وسعني الاطلاع عليه(٣) .

والعقب من أولاده الكرام من زید وحسن(٤) .

[في أحوال زيد ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ]

وذكر أصحاب السيرة : (أنَّ زيد بن الحسن ـ ويكنّى بأبي الحسن ـ كان يلي صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمَّا ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة :

__________________

(١) تاریخ الخمیس ٢ : ٢۹٣ ، المقتل المنسوب لأبي مخنف : ۸٧.

(٢) المزار من فلك النجاة : ١٣٧ ، قال الشيخ محمّد حرز الدينرحمه‌الله في كتابه مراقد المعارف ٢ : ١۹٤ رقم ٢٠٠ عند ذكر مرقده ، ما نصّه : (ولا يخفى أن السيِّد ـ القزویني ـ قَدْ انفرد بهذه الدعوى ولم نعثر على مأخذ لها) كما ذكر النفي له أيضاً السيِّد عبد الرزاق کمونة في مشاهد العترة الطاهرة : ٢٣٧) ، فتأمَّل.

(٣) ينظر في أولاد الإمام الحسنعليه‌السلام وأحوالهم : الإرشاد ٢ : ٢۰ ، المجدي في أنساب الطالبين : ١۹ ـ ۹١ ، کشف الغُمَّة ٢ : ١۹۸ ـ ٢۰٥ ، سر السلسلة العلوية : ٤ ـ ٣۰ ، العدد القویة : ٣٥٢ ، الفصول المهمة ٢ : ٧٤٢ ـ ٧٥٣ ، عمدة الطالب : ٦٤ ـ ١۹١ ، بحار الأنوار ٤٤ : ١٦٣ـ ١٦۸.

(٤) أي : الحسن المثنىرضي‌الله‌عنه .

٥٧٤

أما بعد إذا جاءك كتابي هذا ، فاعزل زيداً عن صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وادفعها إلى فلان بن فلان ـ رجل من قومه ، لعله : أبو هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية ـ قال : وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام.

فلمّا استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إليه :

أمّا بعد ، فإن زید بن الحسن ، شریف بني هاشم وذو سنّهم ، فإذا جاءك كتابي هذا ؛ فاردد إليه صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام)(١) .

وكان رأيه التقية لأعداء الدين والتآلف لهم ، والمداراة معهم ، كما ذكره المفيدرحمه‌الله في (الإرشاد)(٢) ، ولم يحضر مع عمّه الحسينعليه‌السلام يوم الطف لعلَّه لمانع من ذلك ، فلا يدل على ذمّه.

وبالجملة فقد كان جلیل القدر ، کریم الطبع ، طيِّب النفس ، كثير البرّ وکان مسنّاً. ومدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب برِّه(٣) ، وكان يلقب بالأبلج(٤) ، وهو جدّ السيدة نفيسة بنت السيِّد حسن الأنور(٥) .

وفي زيد بن الحسن ، يقول محمّد بن بشر الخارجي :

وزيدٌ ربيعُ الناس في كلِّ شَتَوةٍ

إذا اختلفَتْ أنواؤُها ورعودُها

حَمولٌ لأشناقِ الدِّياتِ كأنَّه

سِراجُ الدُّجی قَدْ قارنته سُعودُها

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٣.

(٣) الارشاد ٢: ٢١.

(٤) ذکره بهذا اللقب السيِّد الأمين في أعيان الشيعة ٧ : ١٤٢ رقم ٤٨٣ نقلاً عن الطراز المذهب : ٦٥ ، والأبلج : الطليق الوجه بالمعروف ، وقيل : الَّذي ليس بمقرون الحاجبين.

(٥) ينظر ترجمتها في : وفيات الأعيان ٥ : ٤٢٣ ، الوافي بالوفيات ٢٧ : ١۰١ ، الأعلام ٨ : ٤٤.

٥٧٥

مات زيد ما بين مكّة والمدينة ، في أرض حاجر قرب ثُغْرة(١) ، سنة ١٢۰ ، وله من العمر تسعون ، وقيل مائة ، ودفن بالبقيع ورثاه جماعة من الشُّعراء.

فممَّن رثاه قدامة بن موسی الجمحي بقوله :

فإنْ يكُ زيدٌ غالَتِ الأرضُ شخصَهُ

فَقَدْ بانَ معروفٌ هناكَ وجُودُ

وإنْ يكُ أمسى رهنَ رمسٍ فَقَدْ ثَوى

بهِ وهوَ محمودُ الفعالِ حَميدُ

سريعٌ إلى المضطرِ يعلمُ أنَّه

سيطلبُهُ المعروفَ ثُمَّ يعودُ

وليسَ بقوَّال وقد حَطّ رحْلَه

لِمُلْتَمِسٍ يَرجوهُ أينَ تُريدُ؟

إذا قَصَّرَ الوغدُ الدنيُّ سما بهِ

إلى المَجدِ آباءٌ لهُ وجُدودُ

إذا ماتَ مِنهُم سيِّدٌ قامَ سيِدٌ

کريمٌ فيبني مَجْدَهُمْ ويُشيدُ

مات ولم يدّع الإمامة ، ولا ادَّعاها له مدَّعٍ من الشيعة ولا من غيرهم ؛ وذلك لأنَّ الشيعة رجلان : إمامي ، وزيدي.

فالإمامي : يعتمد في الإمامة النصوص ، وهي معدومة في ولد الحسنعليه‌السلام باتفاق ، ولم يدَّعٍ ذلك أحد منهم لنفسه ، فيقع فيه الارتياب.

والزيدي : يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسينعليهم‌السلام الدعوة والجهاد. وزيد بن الحسن کان مسالماً لبني اُميَّة ، ومتقلِّد الأعمال من قبلهم ، وكان رأيه التقية لأعدائه ، والتآلف لهم ومداراتهم ، وهذا أيضاً عند الزيدية خارج عن علامات الإمامة(٢) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ٦٩ ، وثُغْرة : ناحية من أعراض المدينة.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

٥٧٦

وكيف كان ، فقد ورد في ذمِّ زيد والطعن عليه أيضاً روایات نقلها القطب الراوندي(١) ، واعتمد عليها بعض المتأخّرين ، فحكم بعدم حسن عقيدته وإيمانه(٢) .

قال جدّي الأمجد : السيِّد محمّد في رسالته : (ولعلَّ ترك الكلام في ذمِّه ومدحه معاً أولى) ، انتهى(٣) .

[في أحوال الشاه عبد العظيم الحسنيعليه‌السلام ]

ومن ذريته : الشاه زاده عبد العظيم ، المدفون بالريّ ، وهو عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زید بن الحسن ، وله مشهد عظيم من آثار مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمّد بن موسى البراوستاني ، قرية من قرى مدينة قم ، وكان من وزراء السلطان بر کیارق بن السلطان ملك شاه(٤) .

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٦۰۰ ـ ٦٠٤ ح ١١ ، وقال السيِّد الخوئي دام ظله في كتابه معجم رجال الحدیث ج ۸ ص ٣٥١ ـ ٣٥٢ ما نصّه : (وفي البحار ، المجلد ٤٦ ، ص ٣٢۹ ، ح ١٢ ، باب أحوال أصحاب الباقرعليه‌السلام وأهل زمانه ، روی عن الخرائج والجرائح رواية طويلة تتضمن معارضة زيد بن الحسن ، الباقرعليه‌السلام ، وذهابه إلى عبد الملك وسعيه في قتل الباقرعليه‌السلام ، ونسبة السحر إليه ومباشرته لقتله بإركابه السرج المسموم ، إلا أن الرواية مرسلة ، على أنها غير قابلة للتصديق ، فإن عبد الملك لم يبق إلى زمان وفاة الباقرعليه‌السلام جزماً ، فالرواية مفتعلة).

(٢) أراد بعض المتأخرين الشيخ المامقانیرحمه‌الله في تنقيح المقال ١ : ٤٦٢ رقم ٤٤١٢ ، فليراجع.

(٣) تاريخ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام : ١۰۸ ، ولم أعثر على هذا الكلام نصّاً في الرسالة ومضمونه موجود فيها ، وقال صاحب الذريعة : (تاريخ الأئمة المعصومینعليهم‌السلام ، وهي للسيد محمّد بن عبد الكريم ابن السيِّد مراد ابن شاء أسد الله ابن السيِّد جلال الدين أمير الحسني الحسيني الطباطبائي البروجردي جد آية الله بحر العلومرحمه‌الله مختصر فرغ منه سنة ١١٢٢ ، وعليه حواش كثيرة مثه بخطه ضمن مجموعة من رسائله في كتب المولى محمد علي الخوانساري). (الذريعة ٣ : ٢١٨ رقم ۸۰٧ بتصرف) فلعل المطبوع منها خال من هذه الحواشي ، فلاحظ.

(٤) قال الحموي في معجم البلدان ١ : ٣٦٨ ، ما نصّه : (براوستان : من قرى قم ، منها الوزير مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمّد البراوستاني وزير السلطان بر كيارق بن ملكشاه ، كان غالباً عليه واتهمه عسكره بفساد حالهم وشغبوا حَتّى سلمه إليهم بشرط أن يحفظوا مهجته فلم يطيعوه وقتلوه ، وذلك في سنة ٤٧٢).

٥٧٧

وقال الصدوقرحمه‌الله في بحث الصوم من كتاب (من لا يحضره الفقيه) : (إنه كان مرضياً ، يعني عند الأئمة عليهم‌السلام )(١) .

قلت : ووصل بخدمة الإمامين التقي والنقيعليهما‌السلام ، وأكثر الرواية عنهما ، وفي رواية كالصحيحة عن الإمام علي الهاديعليه‌السلام أنّ زيارته تعادل زيارة الحسينعليه‌السلام (٢) .

وفي سنة ١٢٧۰ أمر السلطان ناصر الدین شاه القاجاري بتأهب قبّته وتبلیط إيوانه بالقوارير(٣) .

[في أحوال الحسن ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ]

وأمّا الحسن بن الحسنعليه‌السلام ، المعروف بـ(الحسن المثنی) ، فيروى أنه خطب إلى عمّه الحسينعليه‌السلام إحدی انتبه : فاطمة وسكينة.

فقالعليه‌السلام : «اختر با بني أحبَّهما إليك » ، فاستحى الحسن ولم يرد جواباً.

فقال له عمّه الحسينعليه‌السلام : «قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثر شبهاً باُمِّي فاطمة عليهما‌السلام » فزوَّجها منه ، وكانت تلقّب بفاطمة الصغرى ، قبال فاطمة الصديقة الكبری(١) .

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٢٨.

(٢) الرواية وردت في كامل الزيارات ص ٥٣٧ ح ۸٢۸ / ١ ، ونصّها : «حدّثني علي بن الحسين بن موسی بن بابويه ، عن محمّد بن يحيي العطار ، من بعض أهل الري ، قال : دخلت على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام فقال : أين كنت؟ فقلت : زرت الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فقال : أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسينعليه‌السلام ».

(٣) ينظر ترجمته في : خاتمة المستدرك ٤ : ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، نقد الرجال ٣ : ٦٩ ، جامع الرواة ١ : ٤٦٠ ، معجم رجال الحديث ١١ : ٥٠ رقم ٦٥٩١.

٥٧٨

ويظهر من (الكافي) آنها أكبر سناً من أختها سكينة بنت الحسینعليه‌السلام ؛ لأنهعليه‌السلام في يوم الطف أوصى إليها لتوصل الوصية إلى السجّادعليه‌السلام (٢) ، وخطبتها البليغة التي أنشأتها باب الكوفة مروية في الاحتجاج(٣) .

وحضر الحسن بن الحسن مع عمّه الحسينعليه‌السلام بطف كربلاء ، فلمَّا قُتل الحسينعليه‌السلام واُسر الباقون من أهله اُسر الحسن من جعلتهم ، فجاء أسماء بن خارجة فانتزع الحسن من بين الأسرى ، وقال : والله لا يوصل إلى ابن خولة أبداً(٤) .

وقيل : إنه اُصيب بجراحات كثيرة يوم عاشوراء ، وكان ملقى مع القتلى وبه رمق ، فلمَّا أرادوا حزّ الرؤوس ، وأرادوا حزّ رأسه ، قال أسماء بن خارجة : دعوه حَتَّى نرد الكوفة فيرى عبيد الله بن زياد فيه رأيه ، فسمع ابن زیاد ذلك ، فقال :دعوا لأسماء ابن اُخته ، فحمله فعالجه حَتَّى عوفي ، ثُمَّ توجَّه إلى المدينة (٥) .

__________________

(١) مقاتل الطالبیين : ١٢٢ ، الإرشاد ٢ : ٢٥ ، إعلام الوری ١ : ٤١٧.

(٢) ورد الحديث في الكافي ج ١ ـ ص ٣۰٣ ح ١ في (الإشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما) ، ونصّه : «... عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن الحسين بن عليعليهما‌السلام لما حضره الَّذي حضره ، دعا ابنته الكبری فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسینعليه‌السلام مبطوناً معهم لا يرون إلا أنه لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسینعليه‌السلام ثُمَّ صار والله انت الكتاب إلينا یا زیاد ، قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم من خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا ، والله إن فيه الحدود ، حَتَّى أن فيه أرش الخدش».

(٣) الاحتجاج ٢ : ٢٧.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢٥.

(٥) عمدة الطالب : ١٠٠ بتصرف يسير.

٥٧٩

والعجب من ابن الأثير حيث قال : (واستُصغر الحسن بن الحسن واُمُّه خولة بنت منظور بن زياد الفزاري)(١) .

وبالجملة : دسَّ إليه سليمان بن عبد الملك السّم سنة ٩٧ هـ ، وله ثلاث وخمسون سنة ، وأخوه زيد حي بالكوفة ، وأوصى إلى أخيه من اُمِّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة(٢) ، وضربت زوجته فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام على قبره فسطاطاً ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، وكانت تُشبّه بالحور العين ؛ لجمالها ، فلمَّا كانت رأس السنة قالت لمواليها : إذا اظلم الليل فقوَّضوا هذا الفسطاط.

فلمَّا أظلم الليل ، وقوضوه سمعت قائلاً يقول : هل وجدوا ما فقدوا؟

فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا(٣) .

وكان الحسن بن الحسنعليه‌السلام متولياً لصدقات أمير المؤمنين ، فنازعه في ذلك عمّه عمر فقال : الولد أولى بتولية صدقات أبيه من ابن الابن ، وخاصمه على ذلك الحجّاج ، فأحضر الحسن بن الحسنعليه‌السلام وقال له : شارك عمّك عمر بن علي في صدقات أبيه.

فقال الحسن بن الحسنعليه‌السلام : إنّ أبي أمير المؤمنين ولّانيها في حياته ، وإني لا اُغيِّر شرطاً من أمره ، ولا اُدخل في هذه الخدمة من لم يُدخله(٤) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٤ : ٩٣.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩٠ ، الإرشاد ص : ٢٦ بتصرف يسير.

(٤) كذا والوارد : «فقال له الحسن : لا أغير شرط عليعليه‌السلام ولا أدخل فيه من لم يدخل».

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621