موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة12%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265456 / تحميل: 6268
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

جواز الجمع من صحاح صريحة ، فهل هناك دليل على حرمة الجمع يمكن أن تجدينه أيّتها الأُخت؟

لا أظنّك ستجدين دليلاً واحداً يقول بعدم جواز الجمع ، نعم هناك اعتذارات وتوجيهات لهذه الصحاح التي ذكرناها ، كلّها لا تقوى على إبطال قول الإمامية بجواز الجمع.

والإمامية تقول بالتفريق في الصلاة ، وتقول أيضاً بجواز الجمع ، فلا مانع في الإتيان بكلتي الرخصتين ، ولئلا يشقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أُمّته ، فقد أجاز الجمع بين الصلاتين ، وأنتِ ترين كم هو محرج حقّاً أن يواظب الإنسان ـ خصوصاً في هذا العصر مع تفاقم الانشغالات والالتزامات ـ الالتزام بالتفريق بين الصلاتين.

وإلى هنا ، فقد تبيّن أنّ الشيعة الإمامية لم تأخذ جواز الجمع من الإمام الحسينعليه‌السلام ، بل أخذته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استناداً إلى ما ذكرناه من الصحاح.

وبذلك تبيّن أيضاً عدم العلاقة بين تسمية صلاة الظهر وصلاة العصر وبين الجمع بينهما ؛ فإنّ الحكم لا يغيّر من حقيقة الموضوع ، فضلاً عن تسميته.

( تايف بن جرمان الهذلي ـ السعودية ـ سنّي )

أدلّته من الكتاب والسنّة :

س : فرض الله خمس صلوات على المسلمين ، وأراد تبارك وتعالى : إتيان الصلاة في وقتها ، هل تصلّون الخمس صلوات في أوقاتها؟ ولكم جزيل الشكر ، وبحفظ الله.

ج : إنّ الشيعة الإمامية ينفردون تطبيقيّاً في الجمع بين الصلاتين ، ويذهبون إلى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم ، بل الجمع عندهم من البديهيات ، وهم يعملون به في جميع الآفاق ، تابعين في ذلك أئمّتهمعليهم‌السلام ، الذي نهجوا نهج رسول

٢٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا لا تجد لهذه المسألة عنواناً في فقههم ـ مع أنّه موجود في أخبارهم ـ بينما على العكس من ذلك في فقه غيرهم.

فلقد جوّز مالك والشافعيّ وأحمد الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر و على تفصيل عندهم ، في حين منع أبو حنيفة ذلك!!

وممّا اتفق عليه الفريقان ـ شيعة وسنّة ـ هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة؟ والدليل على صحّة ما يذهب إليه الإمامية هو القرآن الكريم ، والسنّة النبويّة المطهّرة ، التي ترويها كتب الجمهور!

مواقيت الصلاة في القرآن :

١ ـ قوله تعالى :( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) (١) يقول الفخر الرازيّ ـ وهو أحد أعلام المفسّرين من أهل السنّة ـ : ( فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات ، وقت الزوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر.

وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقاً.

إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره )(٢) .

وعلى عادته في عدم استغلال النتائج ، وتنكّره لصحّتها ، مع كامل اعترافه

____________

١ ـ الإسراء : ٧٨.

٢ ـ التفسير الكبير ٥ / ٣٨٤.

٢٦٢

الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع ، يفضّل الرازيّ التشبّث ببعض الروايات الملائمة لأهوائه!

كما أيّد البغداديّ هذا الأمر بقوله : ( والحمل على الزوال أولى القولين : لكثرة القائلين به ، وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها ، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ،( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) أي ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدو الليل ، وهذا يتناول المغرب والعشاء ،( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يعني صلاة الفجر )(١) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (٢) .

يقول القرطبيّ في تفسير هذه الآية : ( لم يختلف أحد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة قوله تعالى :( طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال مجاهد : الطرف الأوّل صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر ، واختاره ابن عطية والزلف المغرب والعشاء )(٣) .

وفي تفسير القرآن العظيم عن مجاهد في قوله تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال : ( هي الصبح في أوّل النهار ، والظهر والعصر مرة أُخرى

وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه : وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هما زلفا الليل ، المغرب والعشاء ، وكذا قال مجاهد ومحمّد بن كعب وقتادة والضحّاك : أنّها صلاة المغرب والعشاء )(٤) .

فهذه الآيات ، وأقوال المفسّرين قد دلّت بصراحة على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة ، وهذا يعني أنّ جمع الصلاة عند الشيعة الإمامية موافق للأصل.

____________

١ ـ تفسير الخازن ٣ / ١٤٠.

٢ ـ هود : ١١٤.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٠٩.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٧٨.

٢٦٣

جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للصلاة :

ولقد جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء في المدينة ـ أي أنّه كان حاضراً وغير مسافر ـ ولم يكن هناك عارض من مطر أو مرض أو وقد أقرّت بذلك كتب أهل السنّة.

فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر )(١) .

وأيضاً عن ابن عباس قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء )(٢) .

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله ابن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته )(٣) .

وعن معاذ بن جبل قال : ( جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت : ما حمله على ذلك؟ فقال : أراد أن لا يحرج أُمّـتـه )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ١٥٢.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٨ ، تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٥ ، مسند أبي داود : ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال ٩ / ٣٠٣.

٤ ـ صحيح مسلم ١ / ٢٨٤ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٣ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٣٤٤ و ٨ / ٣٧٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢٦٧ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٥٨ ، كنز العمّال ٨ / ٢٤٧ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٤٣ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٢٣٥.

٢٦٤

وأخرج البخاريّ بسنده عن أبي أمامه قوله : ( صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثمّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك ، فوجدناه يصلّي العصر! فقلت : يا عم! ما هذه الصلاة التي صلّيت؟ قال : العصر ، وهذه صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كنّا نصلّي معه )(١) .

وكذا اخرج مالك في موطّئه عن ابن عباس : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر )(٢) .

كما أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أنّه قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً )(٣) .

ومصادر أُخرى ذكرت جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء ، من غير اضطرار(٤) .

وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور ـ القائلين بجواز الجمع وغير القائلين به ـ متّفقون على صحّة هذه الأحاديث وظهورها ، وتعليقاتهم خير دليل على ذلك! وحسبك ما نقله النوويّ في شرحه لصحيح مسلم ، والزرقانيّ في شرحه لموطّأ مالك ، والعسقلانيّ والقسطلانيّ ، وزكريا الأنصاريّ في شروحهم لصحيح البخاريّ ، وسائر من علّق على أيّ كتاب من كتب السنن المشتمل على أحاديث عبد الله بن عباس في الجمع بين الصلاتين.

علّة الجمع :

ولقد كانت الأحاديث التي روتها الصحاح ، كحديث ابن عباس : أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته ، وحديث معاذ بن جبل : أراد أن لا يحرج أُمّته ، صريحة في بيان العلة ، فجمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشائين ، هو

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٨.

٢ ـ الموطّأ ١ / ١٤٤.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢١.

٤ ـ سنن أبي داود ١ / ٢٧١ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٨٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١.

٢٦٥

للتوسعة على الأُمّة ، وعدم إحراجها بالتزام التفريق ، رأفة بأهل المشاغل ـ وهم أغلب الناس ـ لأنّ التفريق لا يتيسّر لكلّ أحد ، وعدم اليسر لا يجتمع مع سهولة الشريعة وسماحتها ، إذ إنّ التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجّهاً للصلاة على مضض! أو تركها أصلاً!

ولقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن خلال فعله المبارك ، فلماذا ينكر المخالفون أمر الله وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا يتأوّلون هذا التشريع ويتركون غيره؟!

فالجمع ميسور لكلّ إنسان ، ولا يتنافى مع الشرع الصحيح ، ويقبله العقل والذوق السليم ، فهو يتماشى مع القرآن ، ويهتدي بالسنّة.

ولقد اتفقت مرويّات أهل البيتعليهم‌السلام مع الآيات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال ، ومع الأحاديث الشريفة التي رويت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان وإقامتين )(١) .

هذا بالإضافة إلى أحاديث كثيرة مروية عن أهل البيت النبويّ الطاهر بهذا الخصوص.

( أحمد الصنعانيّ ـ اليمن ـ سنّي ـ ٣٢ سنة ـ طالب علم )

بحث حول جوازه لعذر وغيره :

س : أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار ، وهذا تيسير كبير ، فقد ورد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع في غير سفر ولا مطر ، فسئل في ذلك ابن عباس فقيل له :

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨.

٢٦٦

ما أراد بذلك؟ فقال : أراد ألاّ يحرج أُمّته.

فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كلّ فرض في وقته ، فيمكن الجمع ، على ألاّ يتّخذ الإنسان ذلك ديدناً وعادة ، كلّ يومين أو ثلاثة ، وكلّما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن ، إنّما جواز ذلك في حالات الندرة ، وعلى قلّة ، لرفع الحرج والمشقّة التي يواجهها الإنسان.

فمثلاً ، شرطي المرور إذا كانت نوبته قبل المغرب إلى ما بعد العشاء ، فله أن يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير ، على حسب استطاعته ، أو طبيب يجري عملية لمريض ، ولا يستطيع تركها ، يمكنه في هذه الحالة أن يجمع جمع تقديم أو تأخير ، وذلك ممّا شرع تيسيراً من الإسلام لأهله ، ورفعاً للحرج عنهم.

أمّا الذهاب إلى الاحتفال بمناسبة من المناسبات ، فلا أرى ضرورة أو عذراً للجمع ، مادام الإنسان يجد فرصة هناك للصلاة ، وينبغي ألاّ يستحي بإقامته للصلاة ـ سواء كان رجلاً أو امرأة ـ لأنّ هذا الحياء غير جائز فيما يتعلّق بالصلاة وأدائها في أيّ مكان ، بل الواجب فيمن يقيم الصلاة أن يجعل من نفسه قدوة صالحة للآخرين حتّى يتعلّم الناس الصلاة ، لأنّها من شعائر الله التي يجب أن تظهر ، وأن يجاهر المسلمون بها ويعظّموها( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) .

وإن ممّا يعاب على كثير من الاحتفالات الرسمية التي تقام في كثير من البلاد الإسلاميّة ، أنّها تبتلع أوقات الصلاة ـ وبخاصّة المغرب ـ دون أن تبالي بحقّ الله تعالى ، وبضمائر المؤمنين الحريصين على أداء الصلوات في مواقيتها.

ولو أنّ المحافظين على الصلاة الذين يحضرون مثل هذه الاحتفالات ، قاموا إلى الصلاة عند حضور وقتها ، قومة رجل واحد ، لحسّب المسؤولون عن تلك الاحتفالات لوقت الصلاة ألف حساب وحساب.

____________

١ ـ الحجّ : ٣٢.

٢٦٧

وعلى كلّ حال ، من وجد حرجاً أو مشقّة في صلاة كلّ صلاة في وقتها ، فله أن يجمع كما ذكرنا ، والله الموفّق للسداد.

ج : لقد قرأنا مقالكم الذي نعتزّ به ونقدّره ، ونلفت انتباهكم إلى أنّ الرخصة الواردة في الجمع مطلقة ، غير مخصّصة بالعذر ، بالأخصّ إذا لاحظنا بعين الاعتبار التسهيل على الأُمّة ، فيمكن أن يجمع الناس دائماً ، وإن كان التفريق أفضل.

هذا مع العلم أنّ الروايات المروية عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام صريحة وواضحة في جواز الجمع مطلقاً ، وأمّا ما روي عن طريق أهل السنّة ، فيمكن إثبات الرخصة المطلقة أيضاً ، وذلك لما روي عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر )(١) .

وفي حديث وكيع قال : ( قلت لابن عباس : لم فعل ذلك؟ قال : كي لا يحرج أُمّته )(٢) .

وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس : ( ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته )(٣) .

وعن جابر بن يزيد عن ابن عباس : ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٩٠ ، سنن أبي داود ١ / ٢٧١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٨٥ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٤٧١ ، المعجم الكبير ١٢ / ٥٨ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٥٣ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٢٣٦.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ٣٥٤ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٧.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، الجامع الكبير ١ / ١٢١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧.

٤ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٧ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، مسند ابن الجعد : ٢٤٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ١٥٧ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٤٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٣٧.

٢٦٨

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته )(١) .

قال النوويّ : ( وأمّا حديث ابن عباس ، فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال : منهم من تأوّله على أنّه جمع بعذر المطر ، هذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدّمين ، وهو ضعيف بالرواية الأُخرى : من غير خوف ولا مطر.

ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم ، فصلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر دخل فصلاّها ، وهذا أيضاً باطل ، لأنّه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله على تأخير الأُولى إلى آخر وقتها ، فصلاّها فيه ، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل ، لأنّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب ، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره ، صريح في ردّ التأويل.

ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ، ممّا هو في معناه من الأعذار ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطّابيّ ، والمتولّي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٨ ، تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٥ ، مسند أبي داود : ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال ٩ / ٣٠٣.

٢٦٩

لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر )(١) .

ولكن الوجه الذي اختاره النوويّ ، ومن سبقه غير صحيح ، لأنّ فعل ابن عباس لا يوحي بالمرض ، إذ كيف يتسنّى لمريض أن يخطب منذ العصر ، وحتّى ظهور النجوم ، فإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع بسبب المرض ، فما عذر ابن عباس في الجمع ، ولا أدري ما وجه موافقة أبي هريرة في الدلالة على المرض؟!

وقد ردّ القسطلانيّ هذا العذر بقوله : ( وحمله بعضهم على الجمع للمرض ، وقوّاه النوويّ لأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ، وتعقّب بأنّه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجّح ، وتخصيص بلا مخصّص.

وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث ، فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة ، لمن لا يتّخذه عادة ، وبه قال أشهب والقفال الشاشي ، وحكاه الخطّابيّ عن جماعة من أصحاب الحديث ، وتأوّله آخرون على الجمع الصوريّ بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها ، وعجّل العصر في أوّل وقتها ، وضعّف لمخالفته الظاهر )(٢) .

أمّا الترمذيّ ، فقد أورد هذه الروايات في جامعه ، وادّعى في كتاب العلل أنّ هذا الحديث غير معمول به ، ولكن المباركفوري قال : ( قال الترمذيّ في كتابه العلل ما لفظه : جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( من شرب الخمرة فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه )(٣) قال : وقد بيّنا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب.

قلت : وقد تعصّب المُلاّ معين في كتابه دراسات اللبيب على كلام الترمذيّ

____________

١ ـ شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٨.

٢ ـ إرشاد الساري ٢ / ٢٢٢.

٣ ـ تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٨.

٢٧٠

هذا ، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول بهما ، والحقّ مع المُلاّ معين عندي والله تعالى أعلم.

أمّا رواية حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من جمع بين صلاتين بغير عذر ، فقد أتى باباً من أبواب الكبائر )(١) ، فإنّ الترمذيّ بعد أن أخرج هذا الحديث ، قال : حنش هذا أبو علي الرحبي متروك )(٢) .

وقال ابن حجر في ترجمة حنش : ( قال البخاريّ : أحاديثه منكرة جدّاً ، ولا يكتب حديثه ، وقال العقيليّ : له غير حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلاّ به ولا أصل له ، وقد صح عن ابن عباس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر )(٣) .

____________

١ ـ مسند أبي يعلى ٥ / ١٣٦ ، المعجم الكبير ١١ / ١٧٢ ، سنن الدارقطنيّ ١ / ٣٨٠.

٢ ـ سنن الدارقطنيّ ١ / ٣٨٠.

٣ ـ تهذيب التهذيب ٢ / ٣١٤.

٢٧١
٢٧٢

الحجاب :

( محمّد ـ أمريكا ـ )

فلسفته :

س : ما هي فلسفة الحجاب؟ ولماذا هو واجب في الإسلام؟

ج : إنّ فلسفة الحجاب مذكورة في القرآن الكريم ، قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (١) .

وقال أيضاً :( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (٢) .

حيث بيّن علّة الحجاب بقوله :( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) من الخواطر المريبة والشيطانية ، وأجلب للعفّة ، وأبعد للتهمة ، وأقوى في الحماية.

فالآيتان الشريفتان تدلاّن على وجوب الحجاب ، بالإضافة إلى ورود روايات عن النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام تؤكّد وجوب الحجاب.

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٩.

٢ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢٧٣

والسيرة العملية للمسلمين في مختلف الأدوار والبلدان قائمة على حفظ الحجاب.

هذا بالإضافة ما للحجاب من آثار إيجابية في حفظ الروابط العائلية والأُسرية ، والعلاقة الزوجية بين المرأة وزوجها ، وأهلها وذويها ، وكلّما تكون المرأة محجّبة فستكون ارتباطاتها وعلاقاتها بأهلها وذويها أتمّ ، وصيانتها أكثر ، وخاصّة إذا كانت متزوّجة ، وكلّما كان هناك سفور وخلاعة فستكون المرأة مبتذلة ، وستكون غير ملتزمة بشيء من الآداب الدينية والأخلاق الرفيعة.

( محمّد آل إبراهيم ـ السعودية ـ )

هو من مصلحة الفرد والمجتمع :

س : يطرح إشكال في وسط بعض الشباب ، وهو : هل الدين شأن فردي أم هو شأن اجتماعيّ؟ يعني هل المظاهر الاجتماعيّة من حجاب وغيره ، هو أمر خاصّ بالمرأة وقناعتها؟ أم هو واجب تلتزم به اجتماعيّاً حتّى ولو لم تكن مقتنعة به شرعاً؟

ما هو الردّ المناسب في هذا المجال ، وحفظكم الله من كلّ سوء ، ونفع بكم المسلمين.

ج : إنّ الحجاب وأمثاله ممّا أوجبه الله تعالى واجب على المرأة أن تلتزم به ، ولو لم تكن مقتنعة به ، لكن لابدّ من تبيين فلسفة الحجاب وأمثاله للمرأة المسلمة ، حتّى تعمل بهذا الواجب الإلهيّ عن قناعة ، فإنّ الله تعالى لم يفرض على عباده شيئاً ، ولم ينههم عن شيء إلاّ لمصلحة الفرد والمجتمع وإصلاحهما.

( علي ـ المغرب ـ ٢٢ سنة ـ ليسانس )

عدم قناعة المرأة به لا يسقط الفرض :

س : إذا كان ارتداء الحجاب نتيجة ضغوط معيّنة ، أو عن عدم اقتناع ، فأظنّ أنّه لا داعي لارتدائه.

٢٧٤

إنّ فهم عمق الحجاب الذي يتعدّى مجرد كونه قيد اجتماعيّ ، وإلى كونه يعبّر عن هوية المرأة المسلمة ، وعن كينونيتها الحقيقيّة ، إنّ مثل هذا الفهم الواعي للحجاب ، سوف يجعل المرأة المسلمة تفتخر بلباسها ، وهويّتها أينما حلّت وارتحلت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ وجوب الحجاب من المسلّمات في الشريعة الإسلاميّة ، لاشكّ لأحد فيه ، وحكمه حكم سائر الواجبات ، نعم إذا كان عن قناعة ذاتيّة مصحوبة بالدليل فهو المطلوب ، وعلينا أن نوصل فلسفة الحجاب إلى جميع النساء ، ليرتدين الحجاب عن قناعة كاملة ، ولكن إذا لم تتوصّل المرأة إلى قناعة تامّة ، فهل يسقط الفرض؟!

الجواب واضح : بأنّ الوجوب باق ، وتأثم من لا ترتدي الحجاب ، وهذا حكمه حكم سائر الفرائض ، إذا لم يتوصّل الإنسان إلى حكمتها ، فإنّها لا تسقط عنه.

( أحمد ـ السعودية ـ )

لا فرق في مشروعيته بين الحرّة والأمة :

س : لماذا يفرّق الشارع في الحجاب بين الحرّة والأمة؟ وما هو معنى الحجاب؟ وماذا يريد الشارع منه؟

ج : قال الله تعالى :( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

وقال تعالى :( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ

____________

١ ـ النور : ٣٠ ـ ٣١.

٢٧٥

أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (١) .

وقال تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) .

فقد حدّدت الآيات هدف التشريع من إيجاد العازل والحجاب بين الجنسين ـ الذكر والأنثى ـ هو المحافظة على جوّ العفّة والطهارة من الفواحش ، والانتهاكات الجنسية الرذيلة ، والغضّ من الطرفين غير مقيّد بالحرّ والحرائر دون العبد والإماء ، بل هو عامّ لجميع المؤمنين ، لاسيّما إذا اشتمل على تلذّذ جنس ونظرات مرتابة.

نعم ، قد استثنى جملة من الفقهاء لزوم التجنّب من وقوع النظر ، بالنسبة إلى النساء المتهتّكات في الحجاب ، لكن شرط عدم التلذّذ من النظر إليهن.

أمّا لزوم الحجاب والتستّر على الحرائر دون الإماء في الآيات الكريمة ، فليس بمعنى عدم مشروعية الحجاب للأمة ، وحرمة الحجاب عليها ، فهذا لم يقل به قائل من فقهاء الإمامية ، وذهاب عمر إلى ذلك فهو وشأنه ، لا صلة لفهمه بالآيات الكريمة ، وإنّما مؤدّى الآيات هو قصر الوجوب على الحرائر دون الإماء.

وذلك لكون الإماء في الغالب إنّما استعبدت بسبب الكفر ، كي تمرّ ببيئة مسلمة تربوية تتعرّف فيها على الدين والإيمان ، ومع كونهن في الغالب من الكافرات ، فالخطاب الديني كيف يتوجّه إليهن ، فالمشروعية للحجاب عامّ لكلّ من الحرائر والإماء ، إلاّ أنّ اللزوم هو على الحرائر كمسؤولية أشد ، لارتفاع المستوى التربوي فيهن.

كما لا يعني هذا القصر ـ من تحميل المسؤولية بنحو اللزوم على الحرائر ـ

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٢٧٦

جواز انتهاك أعراض الإماء ، كما يتوهّمه هذا القائل ، فإنّ ذلك لم يتوهّمه أحد من الآيات أو الفتاوى.

( أحمد ـ مصر ـ ٢٢ سنة ـ طالب )

الأدلّة على وجوب ستر الوجه والردّ عليها :

س : سؤالي عن النقاب ، وهو أن تغطّي المرأة وجهها بحيث لا يظهر منه إلاّ العينان ، هل له أدلّة في المذهب الشيعيّ؟ وهل كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام والسيّدة زينب ، وكلّ أُمّهات المؤمنين يظهرن أمام الرجال ووجوههن مكشوفة؟ أم كنّ يرتدين النقاب؟

ج : لقد اختلف الفقهاء في جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية مع عدم التلذّذ والريبة ، فمن الأقوال في ذلك قول بعدم الجواز مطلقاً إلاّ لحاجة ، وقول بالجواز مطلقاً على كراهية.

ومن أدلّة القائلين بعدم جواز النظر إلى وجه المرأة ، ما يؤدّي بالتالي إلى ستر المرأة وجهها ، ما يأتي :

١ ـ قوله تعالى :( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (١) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّها تدلّ على العموم.

٢ ـ قوله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) (٢) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّ الوجه من الزينة ، والذي يؤيّد هذا الفهم مفهوم الأخبار القائلة في أنّه لابأس بالنظر إلى وجه من يراد تزويجها ، حيث اشترط في بعضها عدم البأس بصورة إرادة التزويج.

٣ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إنّ النظر سهم من سهام إبليس مسموم )(٣) .

____________

١ ـ النور : ٣٠.

٢ ـ النور : ٣١.

٣ ـ الكافي ٥ / ٥٥٩.

٢٧٧

٤ ـ قول الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام : (ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينيّن النظر )(١) .

٥ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : (وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة )(٢) .

٦ ـ مكاتبة الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّدعليه‌السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، ويسمع كلامها ، إذا شهد عدلان أنّها فلانة بنت فلان ، التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها ، حتّى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّععليه‌السلام : ( تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء الله )(٣) .

٧ ـ جريان السيرة على منع النساء من أن يخرجن متكشّفات.

٨ ـ إنّ النظر مظنّة الشهوة والفتنة ، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب.

٩ ـ خبر المرأة الخثعمية التي جاءت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجه الفضل عنها ، وقال : (رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما )(٤) .

وقد ردّت جميع تلك الأدلّة ، بما يأتي :

١ ـ إنّ آية الغضّ لا تفيد العموم.

٢ ـ إنّ قوله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) مخصّصة بقوله :( إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) ، وقد مرّ في رواية بالثياب والكحل وخضاب الكفّ والسوار ، ولا ريب أنّ إبداء الأخيرين مستلزم لإبداء الكفّين غالباً.

هذا بالإضافة إلى الروايات التي توضّح خروج الوجه والكفّين عن الزينة ،

____________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ الكافي ٥ / ٥٥٩.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٣ / ٦٧.

٤ ـ إيضاح الفوائد ٣ / ٦.

٢٧٨

مثل صحيحة الفضيل ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) ؟ قال : (نعم ، وما دون الخمار دون الزينة ، وما من السوارين )(١) ، ففيها دلالة ظاهرة على خروج الوجه والكفّين عن الزينة التي يحرم إبداؤها ، هذا بالإضافة إلى أخبار أُخرى تجوّز إظهار الوجه والكفّين.

وأمّا الأخبار التي تدلّ على اشتراط جواز النظر بإرادة التزويج ، ففيه أوّلاً : إنّ سياقه الشرط فيها ليس مفيداً للتعليق ، كما يظهر بالتأمّل فيها ، مع أنّه لو سلّم ثبوت المفهوم ، فقد عرفت أنّ الجواز هناك غير مشروط بما يشترط هنا من عدم قصد اختيار حسن المرأة خلقة ، ولون وجهها وقبحها وقابليتها للمعاشرة والمباشرة وعدمها ، ولاشكّ أنّ النظر بهذا القصد معلّق على إرادة التزويج ، مع أنّ الجواز هناك أُريد به الإباحة بالمعنى الأعم ، وهو معلّق على إرادة التزويج ، هذا كلّه مع أنّ في الأخبار التي ذكرناها كفاية في الخروج عن ظاهر المفهوم ، بحمل البأس على الكراهة.

٣ ـ وأمّا فيما دلّ على أنّ النظر سهم من سهام إبليس ، فلإنّه ظاهر فيما كان عن شهوة كما لا يخفى ، وكذا ما دلّ على أنّ ( زنى العين النظر ) ، ويشهد له قولهعليه‌السلام : ( وزنا الفم القبلة ) ، فإنّها لا تكون إلاّ عن شهوة.

٤ ـ أمّا قوله : ( ربّ نظرة أورثت حسرة ) فلأنّه على وجه الإيجاب الجزئي ، ولا يجدي في ما نحن فيه.

٥ ـ وأمّا في المكاتبة ، فلعدم وجوب التنقّب أوّلاً ، واحتمال كون الأمر بالتنقّب من جهة اباء المرأة عن التكشّف لكونها متستّرة مستحية عن أن تبرز للرجال ، فإنّ ذلك ممّا يشقّ على كثير من النساء ، وإن كان جائزاً ، إذ ربّ جائز يشقّ من جهة الغيرة والمروءة.

____________

١ ـ وسائل الشيعة ٢٠ / ٢٠٠.

٢٧٩

٦ ـ وأمّا جريان السيرة على المنع ، فإنّه لا يخفى أنّ هذا المنع ليس بآكد من منع تكشّفهن لمن يريد تزويجهن ، بل هذا آكد بمراتب شتّى ، ومع ذلك فالثابت أنّه فعل جائز ، وما الإنكار في المقامين إلاّ لأجل الغيرة والاستحياء ، إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار.

٧ ـ وأمّا فيما ذكره من أنّ النظر مظنّة الشهوة ووقوع الفتنة ، ففيه أنّ المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة دون التحريم ، كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعيّة ، مع أنّ هذا استحسان لا نقول به.

٨ ـ وأمّا خبر الخثعمية ، فهو على جواز النظر أدلّ كما لا يخفى ، الخبر إنّما يصلح أن يكون دليلاً لحرمة النظر مع الريبة مطلقاً ، لأنّها بأيّ معنى كانت من الشيطان.

فالحصيلة من كلّ هذا : إنّ كلّ الأدلّة التي قيلت في عدم جواز النظر إلى الوجه ، وما يستتبعه من ستر الوجه على المرأة لا تنهض في قبال أدلّة القائلين بالجواز ، فلذلك إنّ من قال بعدم جواز النظر جعل ذلك على سبيل الاحتياط.

أمّا الأخبار الواردة عن الزهراءعليها‌السلام ، والتي تدلّل على مدى محافظتهاعليها‌السلام على الحجاب ، مثل قولهاعليها‌السلام : ( ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها )(١) ، وإجابتها على سؤال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المرأة : ( متى تكون أدنى من ربّها )؟ فأجابت : ( أدنى ما تكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها )(٢) .

والأخبار التي تنقل عنها أنّها عندما تكلّمت مع أبي بكر ، وحشر من المسلمين ، نيطت دونها ملاءة ، وإنّهاعليها‌السلام كانت مرتدية لرداء على وجهها حال زفافها لعليعليه‌السلام ، فإنّ هذه الأخبار لا تدلّ على وجوب ستر المرأة لوجهها.

وما قالته أو عملته الزهراءعليها‌السلام ما هو إلاّ الحالة المثالية للمرأة ، وإذا كانتعليها‌السلام بهذا المستوى من الحجاب ، فلأنّهاعليها‌السلام القمّة للمرأة المثالية ، التي تعمل

____________

١ ـ دعائم الإسلام ٢ / ٢١٥.

٢ ـ بحار الأنوار ٤٣ / ٩٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

زواج المسيار :

( رندا ـ فلسطين ـ سنّية ـ ٢٣ سنة )

شروطه وحكمه :

س : ما هو زواج المسيار؟ وما هي شروطه؟ وما حكمه شرعاً؟ وكيف يكون؟

ج : إنّ زواج المسيار الذي شاع مؤخّراً عند بعض الناس هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاءا.

ودافع هذا كما هو معلوم ، الاستجابة إلى الحاجة الجنسية لكلا الزوجين ، دون قيود وشروط تسبّب مشكلةً في الاقتران بينهما.

ولكن المسلمين لا حاجة لهم بزواج المسيار بعد أن أباح الله زواج المتعة ، إذ إنّ الإسلام أخذ بالاعتبار أهمّية إشباع الحاجة الجنسية لدى الجنسين ، وأكّد على تهذيبها وتوجيهها بطريقة تضمن لكلا الطرفين حقوقهما الجنسية ورغبتهما ، وقد أكّد القرآن الكريم هذا الزواج المعروف بالمتعة ، بقوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) ، فكان صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمارسون هذا الزواج المؤقّت ـ المعروف بالمتعة ـ متى ما احتاج أحدهم إلى ذلك.

____________

١ ـ النساء : ٢٤.

٥٤١

أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ علينا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١) .

وزواج المتعة أو الزواج المؤقّت هو : أن يتّفق الزوجان على الزواج ، ويحدّدان مدّة معلومة ، ومهرٍ معلوم ـ تماماً كما هو الزواج الدائم ـ إلاّ أنّ له مدّة محدودة ، هذا هو الزواج المؤقّت في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أُلغي وبقي عليه الشيعة وبعض السنّة(٢) يبيحونه.

( ـ ـ )

الفرق بينه وبين المتعة :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق على مستوى الاسم والاصطلاح؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : إنّ زواج المسيار هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاء.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاق بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا ـ عن عمدٍ أو عن جهل ـ أن يذعنوا إلى حكم شرعيّ شرّعه الله تعالى في كتابه ـ كما شرّع الزواج الدائم ـ وهو نكاح المتعة.

فكما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ،

____________

١ ـ المائدة : ٨٧ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠.

٢ ـ كابن جريج المكّيّ.

٥٤٢

شرّع الله تعالى ـ وهو العالم بما يحتاجه خلقه ـ زواج المتعة تلافياً لأيّ عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية.

وزواج المتعة هو : عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج ، دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث ـ أي لا يرث أحدهما الآخر ، إن مات أحدهما في مدّة العقد ـ وعلى الزوجة أن تعتدّ. ويراجع في ذلك الى الكتب الفقهية.

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه ، أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، ولم يُنسخ حكمها أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواج قائم بذاته ، له خصوصيّاته ، وللزوجة مهرها ، وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم ، بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( ـ ـ )

حكمه عند الإمامية :

س : ما هو حكم زواج المسيار على مباني الإمامية ، وفتاواهم؟

ج : إنّ زواج المسيار ـ على ما ينقل من ذوي الخبرة ـ هو زواج يعتبر فيه العقد ـ من الإيجاب والقبول ـ وثبوت المهر ، ويختلف عن الزواج العادي ، بتنازل الزوجة عن حقّ المبيت ، والنفقة والإرث ، أو حتّى عن مراعاة العدل بينها ، وبين الزوجات الأُخرى ـ إن وجدت ـ.

وهذا الزواج بحسب الموازين الشرعيّة يعتبر زواجاً دائماً مع شروط.

ولكنّ الذي ينبغي أن يقال : إنّ هناك ـ في موضوع الزواج ـ حقوقاً وأحكاماً ، فما كان من الحقوق فهو قابل للتنازل ، أو المصالحة متى ما وجد ـ كحقّ المبيت أو النفقة ـ وأمّا ما كان من الأحكام ـ كالإرث ـ فلا سبيل لإسقاطه ،

٥٤٣

أو التنازل عنه ، لأنّه حكم شرعيّ ثابت لكلّ زواج دائم ، فلا أثر لإلغائه في المقام.

وبالجملة : ففي هذا الزواج ـ المتداول عند البعض ـ توجد شروط غير صحيحة من الأصل ـ كاشتراط عدم التوريث ـ وشروط جائزة ، ولكن مع صياغتها بصورة صحيحة.

وعلى كلّ حال ، وحتّى في صورة بطلان الشرط ـ من الأساس أو من جهة شكلية صياغتها ـ فلا يضرّ بأصل الزواج ، لأنّ الشرط الفاسد ليس مفسداً ومبطلاً للعقد ، فيبقى الزواج المذكور زواجاً دائماً شرعيّاً ، مع غضّ النظر عن الشروط.

وأخيراً : فإنّ الحلّ الصحيح في الموضوع ، هو زواج المتعة ـ الذي هو عقد شرعيّ ـ وإن أنكرها البعض دعماً لمذهبهم ، ومخالفةً منهم للحقّ الصريح ، ففيه ما يطلبه البعض من الاشتراطات المذكورة في زواج المسيار بدون ورود النقوض عليه ، من اشتراط عدم التوريث وغيرها.

فعلى المسلمين أن يعملوا بما شرّع لهم ، حتّى لا يقعوا في مأزق ، يجعلهم يبحثون عن قوانين وأحكام غير صحيحة ، أو غير متّفقة.

وتتميماً للفائدة نذكر لكم بعض فتاوى علماء الطائفة حول زواج المسيار :

ظهر في الآونة الأخيرة في دول الخليج ـ خصوصاً في السعودية ـ ما يسمّى بزواج المسيار أو زواج النهاريات ، وصورته : أن يتزوّج الرجل المرأة بإيجاب وقبول ، مع الالتزام بالشروط الشرعيّة ، من عقد وشاهد ، لكنّه يتميّز عن الزواج العادي ، بأنّ الزوجة فيه تتنازل عن حقّها في أن ينام زوجها عندها ، وتتنازل عن حقّها بالعدل بينها وبين الزوجة الأُولى ، وعن النفقة والإرث ، وهذا إنّ الزوج لا يخبر زوجته الأُولى بأنّه متزوّج من ثانية.

جواب مكتب سماحة السيّد السيستانيّ : ( لا مانع منه ، لكن لا أثر للتنازل عن الإرث فعلاً ، نعم يجوز اشتراط أن تعرض عن سهمها في وقته لصالح الورثة

٥٤٤

أو تهبه لهم ، فيجب عليها ذلك تكليفاً ).

وأجاب سماحة الشيخ جواد التبريزي بقوله : ( تنازل الزوجة ( المسيار ) عن حقّها في النفقة ، والقسم ( المبيت ) لابأس به ، وأمّا تنازلها عن حقّها في الإرث فلا يصحّ ، نعم إذا مات زوجها لها أن لا تطالب الورثة الباقين بحصّتها وتتركها لهم ، ولا يجب عليها إخبار الورثة بترك حصّتها لهم وإعراضها عنها ، والله العالم ).

( العامليّ ـ الكويت ـ ٢٨ سنة )

أحد مصاديق الزواج الدائم :

س : لا يوجد دليل شرعيّ على زواج المسيار ، بل هو من اختراع البعض من شرذمة من يدّعي الإسلام ، فأين الراوية أو الآية على جوازه؟

ج : لا تطلق الأحكام الشرعيّة هكذا جزافاً ، فإنّ لاستنباط الحكم الشرعيّ سواء كان تكليفيّ أو وضعيّ قواعد وأُصول خاصّة يتبعها الفقيه ، لكي يفتي بجواز أو صحّة أو بطلان فعل أو سلوك أو تصرّف معيّن.

فأوّلاً ؛ أودّ أن أوضّح لك أنّ مصطلح الزواج المسيار مصطلح جديد ، لم يكن موجوداً في زمن التشريع ، وإنّما تعورف واتفق عليه عرف الناس في الوقت الحاضر ، بأنّه يدلّ على عقد زواج دائم بشروط معيّنة.

ومن هذا يتّضح لك أنّ الزواج المسيار هو في الأساس على حقيقته زواج دائم اشترط في عقده شروط معيّنة ، أي لو أنّ رجلاً وامرأة عاشا في قرون المسلمين السابقة ، وتعاقدا على مثل هذا العقد المسمّى الآن بالزواج المسيار ، فمن الواضح أنّ في زمانهما لم يكن يطلق عليه مثل هذه التسمية ، ولكن مع ذلك لا يخلو أمره من حكم شرعيّ ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاعتراض على مثل هذا الزواج بالقول أنّه لا رواية فيه أو آية ، وإنّما يجب أن يعرف حكمه بالرجوع إلى الأدلّة والقواعد الفقهيّة.

٥٤٥

فنقول : كما عرفت فإنّ هذا الزواج المصطلح عليه الآن بالزواج المسيار هو أحد مصاديق الزواج الدائم ، والزواج الدائم بإجماله جائز قطعاً لا يختلف فيه أحد من المسلمين ، ولكن عقد الزواج الدائم فيه شروط مذكورة في كتب الفقه ، ثمّ أنّه كغيره من العقود يمكن الاتفاق فيه بين الطرفين على شروط من خارجه.

فجاء الكلام في الشروط التي تنافي مقتضى العقد بين الفقهاء ، كشرط عدم الإرث ، أو عدم النفقة ، أو عدم السفر بها ، أو عدم التسرّي وغير ذلك ، فمن قائل بالجواز ، ومن قائل ببطلان أصل العقد ، ومن قائل بصحّة العقد ولغو الشرط ، وهذا الاختلاف مأخوذ من مجمل أقوال علماء المذاهب الإسلاميّة الخمسة.

وعليه ، فإنّ الحكم في الزواج المسيار يعود في الحقيقة إلى المختار في القول بالشرط المخالف لمقتضى العقد ، إذ ليس هو نوع مستقلّ من أنواع الزواج ، حتّى يحتاج إلى دليل خاصّ به ، كما في زواج المتعة مثلاً.

وعليه ، فنحن يجب أن نناقش من جوّزه أو حرّمه ، أو قال بأنّ الشرط لاغ في مبناه الفقهيّ في مسألة الشرط المخالف لمقتضى العقد.

ولكن لي كلمة أخيرة وهي : أنّ سبب اللجوء إلى مثل هكذا زواج بهذه الشروط ؛ هو نتيجة لتضييق شرع الله عندما حرّم عمر المتعة على المسلمين ، فألجأتهم الحاجة إلى اختراع مثل هكذا زواج.

وأخيراً : أنّه يمكن أن يكون بعض من يحرّم الزواج المسيار الآن ـ خاصّة من الفرقة الوهابيّة ـ يستند في فتواه وحكمه إلى الاستحسان وسدّ الذرائع وما إلى ذلك ، وهو نفس الدافع الذي دفع عمر إلى تحريم المتعة ، ألا وهو رأي أرتآه!! مخالفاً لما شرّع من قبل الله ، وجاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٤٦

زيارة القبور :

( أبو منتظر ـ السعودية ـ سنّي )

زيارة الشيعة لها :

س : إخواني الكرام ، أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة : معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تناقشها على أيّ واحد بأسئلة ليست فكرية إلى حدّ ما ، وهو لا يجد كلام يقوله ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً لنا إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الملايين من البشر ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أن هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ ، ولكن أنا أدعو الناس إلى زيارة القبور ، لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن لا أن توصل إلى عبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا السؤال؟

ج : نسأل الله تعالى لكم التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد شيعيّ واحد يعبد القبور ، وإنّما هي زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق

٥٤٧

التبرّك هو عبادة للقبر ، فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ، وإنّما القائل بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة ، مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات ، التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّت عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهمعليهم‌السلام ، فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ومنزلته من الله ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( جاسم محمّد غلوم بدر ـ البحرين ـ ٢٤ سنة ـ دبلوم )

الضرب على القبور بالحجر :

س : لماذا يضربون على القبر بالحجر؟ وبعض الأحيان باليد ، قبل قراءة الفاتحة ، أو قراءة الزيارة؟ وهل لهذا الفعل استحباب أو أنّه بدعة؟ وإذا كان العمل مستحبّ ، أرجو ذكر الدليل.

ج : قد ورد استحباب وضع اليد على القبر وقراءة سورة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) سبع مرّات ، فإنّ الميت يرى بعد ذلك الزائر لقبره ببركة قراءة هذه السورة ، وهذا كثيراً ما يعمله الناس.

٥٤٨

أمّا ضرب القبر بالحجر أو باليد ، فلعلّها عادة بعضهم عند زيارة قبور موتاهم ، ظنّاً منهم أنّ ذلك أبلغ في وصول ما يهديه من الفاتحة ، ولم يرد في هذا المجال شيء من الروايات أو السيرة.

( ـ ـ )

كيف تعادل كذا حجّة وعمرة :

س : أحياناً يقال : أنّ زيارة المعصوم تعادل كذا حجّة وعمرة ، أُريد أن أعرف هل هذا موجود في الروايات؟

ج : من الأُمور المتعارف عليها أن يقاس بعض الأشياء بأشياء أُخرى ، إذا كان الشيء الثاني معلوماً ، فمثلاً يقاس قبح الغيبة بالزنا ، لأنّ قبح الزنا معلوم لكلّ مسلم ، بل لكلّ موحّد ، بل لكلّ عاقل ، ومعلومية الأشياء تختلف باختلاف الثقافات والأشياء ، والأعصار والأمصار كما هو واضح.

ففضيلة الحجّ والعمرة معلومة لكلّ مسلم من خلال مصدر التشريع الإسلاميّ ـ من الآيات القرآنيّة والسنّة الشريفة ـ فكان الحجّ مقياساً للفضيلة والثواب ، كما أنّ الشهيد يُعدّ من المقاييس في بيان الفضائل والأجر والثواب.

ومن هذا المنطلق ، نجد الروايات التي تخبر عن مقام الزائر للعتبات المقدّسة ، وزيارة الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام لأجل بيان الثواب والأجر العظيم يقاس بالحجّ والعمرة ، والروايات في مقام العدد مختلفة ، فمثلاً في زيارة الإمام الرضاعليه‌السلام ورد أنّها يكتب للزائر سبع حجج ، وفي بعضها سبعين ، وفي آخر مائة حجّة ، ومائة عمرة مقبولة ، وفي آخر مائة ألف حجّة مقبولة ، هذه الدرجات والأعداد إنّما هي باعتبار ما يحمل الزائر من المعرفة بإمامه المزور ، فمن الزائرين والزائرات ما يعطى لهم ثواب سبع حجج ، ومنهم ما يعطى لهم ثواب مائة ألف حجّة ، وهذا من الأمر الطبيعي والوجدانيّ والعقلي ، فلو كان العطاء واحداً والناس يختلفون في علمهم ومعرفتهم وثقافتهم لكان خلافاً للعدل ، بل من العدالة أن يعطى كلّ

٥٤٩

واحد بما يستحقّه ، فإنّ العدل بمعنى وضع الشيء في موضعه.

وأمّا الروايات التي فيها أجر الزائر قياساً بالحجّ ، فإليك جملة منها :

١ ـ عن محمّد بن سليمان قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي الرضاعليهما‌السلام عن رجل حجّ حجّة الإسلام ، فدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فأعانه الله تعالى على حجّه وعمرته ، ثمّ أتى المدينة فسلّم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أتى أباك أمير المؤمنينعليه‌السلام عارفاً بحقّه ، يعلم أنّه حجّة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فسلّم عليه ، ثمّ أتى أبا عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام فسلّم عليه ، ثمّ أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، ثمّ انصرف إلى بلاده.

فلمّا كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحجّ به ، فأيّهما أفضل؟ هذا الذي حجّ حجّة الإسلام يرجع أيضاً فيحجّ ، أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام فيسلّم عليه؟ قالعليه‌السلام : (بل يأتي خراسان فيسلّم على أبي عليه‌السلام أفضل ، وليكن ذلك في رجب )(١) .

٢ ـ عن أبي الصلت الهروي قال : سمعت الرضاعليه‌السلام يقول : (والله ما منّا إلاّ مقتول شهيد ) ، فقيل له : فمن يقتلك يا بن رسول الله؟

قال : (شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ، ثمّ يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزّ وجلّ له أجر مائة ألف شهيد ، ومائة ألف صدّيق ، ومائة ألف حاج ومعتمر ، ومائة ألف مجاهد ، وحشر في زمرتنا ، وجعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا )(٢) .

٣ ـ عن أحمد البزنطي قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام : (أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله عزّ وجلّ ألف حجّة ).

قال : فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام ـ الإمام الجواد ـ : ألف حجّة؟

____________

١ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢٨٩.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٧.

٥٥٠

قالعليه‌السلام : ( أي والله ، وألفا حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه )(١) .

٤ ـ عن سليمان بن حفص المروزي قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول : (من زار قبر ولدي علي كان له عند الله تعالى سبعون حجّة مبرورة ).

قلت : سبعون حجّة؟ قال : (نعم سبعين ألف حجّة ) ، ثمّ قال : (ربّ حجّة لا تقبل ، من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه )(٢) .

( يعرب البحرانيّ ـ الإمارات ـ )

كيفية قياسها بالحجّ والعمرة :

س : ورد في كتاب مفاتيح الجنان وضياء الصالحين ـ على سبيل المثال ـ : إنّ الزيارة تعادل ستين حجّة ، أو من قرأ الدعاء المذكور ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ما المقصود بذلك؟

ج : إنّ ما ورد في كتاب مفاتيح الجنان من الأجر العظيم ، لبعض الزيارات فهو شيء معقول ، لأنّ قضية الأجر والثواب قضية شرعيّة ـ أي بيد الشارع تحديد الأجر والثواب ـ وهذا لا يعني أنّ الزيارة أفضل أو مساوية للحجّ والعمرة أبداً ، ولكن المقصود هو : أنّ الزيارة حيث كانت لغرض مقدّس ـ الذي هو إحياء أمر الحسينعليه‌السلام ، وبالتالي إحياء لأمر الإسلام ، وتعظيم لشعائر الله تعالى ـ فحينئذ يدخل في باب الشعائر التي أهتمّ بها الشارع المقدّس ، وتعبيراً منه لهذا الاهتمام ، يقرّر مثلاً أنّ الزيارة الفلانية تعادل كذا حجّة وعمرة في الثواب والأجر ، وهذا ناظر إلى الحجّ والعمرة المستحبّتين دون الواجبتين.

ونظير هذا ورد حتّى في كتب إخواننا السنّة : حيث ورد في بعض المستحبّات أنّها تعادل حجّة أو مائة حجّة ، مثلاً : الترمذيّ يروي حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من

____________

١ ـ ثواب الأعمال : ٩٨.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٠.

٥٥١

سبّح الله مائة بالغداة ومائة بالعشي ، كان كمن حجّ مائة حجّة )(١) ، فهذا ليس معناه أنّ التسبيح هو أفضل من الحجّ مطلقاً ، وإنّما لبيان عظمة التسبيح وأهمّيته ، وأنّ له ثواب كذا حجّة ، والمقصود هو الحجّات المستحبّة ، مضافاً إلى أنّ التسبيح لا يغني عن الحجّ.

وكذا ما رواه أحمد بن حنبل من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من مشى إلى صلاة مكتوبة ، وهو متطهّر ، كان له كأجر الحاج المحرم )(٢) .

فزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام باعتبارها من المستحبّات الأكيدة ، تدخل ضمن شعائر الله ، ولهذا تعادل بأجر الحجّة أو العمرة المستحبّتان.

( البحرانيّ ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب حوزة )

الأدلّة على جوازها :

س : ما الدليل على جواز زيارة القبور؟

ج : الأدلّة على جواز زيارة القبور هي :

أوّلاً : الكتاب الكريم ، قال تعالى :( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (٣) .

نهت الآية عن الصلاة والقيام على قبر المنافق ، ومفهومها مطلوبية هذين الأمرين بالنسبة لغيره ـ أي للمؤمن ـ.

ثانياً : السنّة النبويّة ، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جسّد بعمله مشروعية زيارة القبور ـ مضافاً إلى أنّه أمر بها ـ وعلّم كيفيّتها ، وكيف يتكلّم الإنسان مع الموتى ، فقد ورد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله زار البقيع ، واليك بعض النصوص :

____________

١ ـ الجامع الكبير ٥ / ١٧٦.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٦٨.

٣ ـ التوبة : ٨٤.

٥٥٢

١ ـ روى مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما كان ليلتها منه ، يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللّهم أغفر لأهل بقيع الغرقد )(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (نهيتكم عن ثلاث ، وأنا آمركم بهنّ : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة )(٢) .

ثالثاً : الفطرة ، فالنفوس السليمة تشتاق إلى زيارة من له بها صلة روحية أو مادّية ، والإسلام دين الفطرة.

رابعاً : سيرة المسلمين ، فإنّها جرت على زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ وفاته ، وإلى يومنا هذا.

خامساً : تصريح أكابر الأُمّة الإسلاميّة وفقهائها على زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد خصّ الإمام السبكيّ الشافعيّ في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين.

كما نقل العلاّمة الأميني في ( الغدير ) كلمات أعلام المذاهب الأربعة بما يتجاوز الأربعين كلمة حول الزيارة(٣) .

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث عن أهل البيتعليهم‌السلام حول زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها مثلاً :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من زارني في حياتي وبعد موتي ، فقد زار الله تعالى )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ٦٣.

٢ ـ سنن أبي داود ٢ / ١٨٩ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٩ / ٢٩٢ ، كنز العمال ١٥ / ٦٤٨.

٣ ـ الغدير ٥ / ١٠٩.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٦.

٥٥٣

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة )(١) .

ثمّ بالإضافة إلى هذه الأدلّة ، هناك آثار تربوية وأخلاقية واجتماعيّة تنطوي عند زيارة القبور ، ومن يشكّك في استحباب زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الواقع يشكّك في الأُمور المسلّمة ، والمتّفق عليها عند المسلمين.

( محمّد ـ ـ )

لا تنافي لا تتخذوا القبور مساجد :

س : ما هو الردّ ـ من الكتاب أو السنّة ـ عند الشيعة على حديث : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )(٢) .

وعلى حديث : ( ألا وإن من كان قبلكم ، كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم مساجد وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد ، إنّي أنهاكم عن ذلك )(٣) .

ما هو الردّ على هذين الحديثين ، ومدى صحّتهما.

ج : إنّ احترام العظماء والصلحاء ، وعلى رأسهم الأنبياء والأولياء ، نشأت عليها جميع الشعوب والأُمم على مدى التاريخ ، فهل من المعقول أن يقابله الدين الحنيف مع ما فيه من تعظيم ، وتركيز للأُسس والمفاهيم الدينية؟

فهذا القرآن الكريم في نقله لقصّة أصحاب الكهف ، يذكر بناء مسجد على قبورهم ، مع تأييده لهذا العمل ، لعدم ردعهم عنه( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (٤) فهل هذا حرام؟ أو على العكس فهو إحياء لذكرى هؤلاء ، وإشارة واضحة لتأييد عملهم؟

____________

١ ـ كامل الزيارات : ٤١.

٢ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١١٠.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ٦٨.

٤ ـ الكهف : ٢١.

٥٥٤

وأيضاً قوله تعالى :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (١) ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأنّ هذه البيوت بيوت الأنبياء ، وحتّى بيت علي وفاطمة(٢) .

ومن المعلوم : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن في بيته ، فزيارته والصلاة والدعاء عند قبره ، يعتبر مشمولاً للنصّ القرآنيّ.

وأمّا الروايتان التي أشرتم إليها ، فمع غضّ النظر عن سندها ، فهما محمولتان على صورة عبادة القبر أو صاحبه ؛ فيا ترى هل يوجد شخص مسلم ـ حتّى مع الوعي القليل ـ ينوي العبادة للقبور؟!

مضافاً إلى أنّه توجد هناك روايات كثيرة بألفاظ متقاربة ، تحثّ على زيارة القبور.

( أبو احمد الأمين ـ الدانمارك ـ ٥٣ سنة ـ بكالوريوس )

تعقيب على الجواب السابق :

الإنسان مخلوق من الطين ، وكذا جميع المخلوقات على البسيطة ، ولما يموت الحيوان ـ ناطقاً كان أو غير ناطق ـ يدفن أو يذرى على البسيطة ، وعلى رأي المخالفين إن صحّ عندهم عدم جواز الصلاة على القبور أو عند القبور ، فأين إذن نذهب لنصلّي ، هل على القمر؟

إذ الخليقة ـ أي الكرة الأرضية ـ منذ أن خلق الله تعالى عليها كلّ دابة هي مكان لقبور هذه الحيوانات ، فلا أرض إلاّ وفيها قبور ، فكلّ الديار قبور منذ أن خلق الإنسان والحياة على الأرض ، إذاً معناه يجب أن نبطل الصلاة ولا نصلّي ، لأنّ الأرض كلّ بقعة فيها ، أمّا قبراً أو تراباً لجسد.

____________

١ ـ النور : ٣٦.

٢ ـ روح المعاني ٩ / ٣٦٧ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٠.

٥٥٥

( محسن ـ كندا ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

زيارة عاشوراء مشهورة السند :

س : أحد الخطباء قال : زيارة عاشوراء مجعولة ، وليست من كلام المعصوم ، بل هي من كلام أحد العلماء ، ولذلك لا يجوز قراءة هذه الزيارة ، هذه القضية أثارت الشكّ في قلوب شباب الشيعة هنا في كندا.

فأرجو تزويدنا بإسناد هذه الزيارة ومعلومات حولها ، حتّى نزيل الشكّ من قلوب الشباب ، أفيدونا مأجورين.

ج : زيارة عاشوراء من الزيارات التي وردت نسبتها إلى الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليست هي من تأليف أحد العلماء ـ كما يدّعي ذلك الخطيب ـ وكان بإمكانكم الرجوع إلى مفاتيح الجنان وملاحظة سند الرواية ، ونسبتها إلى الإمام الباقرعليه‌السلام مرّة ، وأُخرى إلى عمل الإمام الصادقعليه‌السلام بها.

وإن كان البعض يرى ضعف سند الرواية ، إلاّ أنّ عمل المشهور جابر لضعف السند ، أي أنّ كلّ خبر عمل به المشهور فهو حجّة ، سواء كان الراوي ثقة أو غير ثقة.

( محمّد حسين ـ مصر ـ ٣٢ سنة )

زيارة الناحية إحدى زيارات الإمام الحسين :

س : ما حكم زيارة الناحية المقدّسة الواردة عن الإمام المهديّ عليه‌السلام ؟ هل هي صحيحة؟ مع العلم أنّها تحتوي على بعض الأُمور التي نفاها علماؤنا ، كخروج الهاشميّات من خيامهن ، وهن ناشرات الشعور ، لاطمات الخدود ...!!

ج : قد ذكر زيارة الناحية الشيخ محمّد بن المشهديّ ، ونسبها إلى الناحية المقدّسةعليه‌السلام عن طريق أحد الأبواب(١) ، ولهذا وبملاحظة عدم وجود سند واضح

____________

١ ـ المزار الكبير : ٤٩٦.

٥٥٦

يعتمد عليه ، لا يمكن البتّ القاطع بصحّتها ، ولكن لا يضرّ هذا في صحّة العمل بها ، وهي ـ أي الزيارة ـ من الأُمور المستحبّة ، كما وقد عمل بزيارة الناحية مجموعة كبيرة من العلماء والصلحاء.

أمّا ما يرد عن بعض العلماء من نفي بعض الأُمور ، فهو نفي للأُمور المحرّمة ، التي تحتملها مضامين تلك الفقرات ، ولكن إذا أمكن تأويل المراد من تلك الفقرات ـ وهو ممكن ـ بما يصحّح تلك الأفعال ، فليس هناك ما يقدح بدلالة تلك الزيارة.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

زيارة الأربعين كانت في نفس سنة القتل :

س : هل كانت زيارة الأربعين في نفس السنة التي قُتل فيها سيّد الشهداء عليه‌السلام ؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام حاولوا على مدى الزمان ، منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف الحاسم لمراجع الدين أمام هذا التيّار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، بالإضافة إلى وجود الحبّ والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات والخطط ، فأثبتوا للأعداء قوّة تمسّكهم بأهل البيتعليهم‌السلام ، وبإقامة شعائرهم ، مهما كلّفهم الأمر من الخطر.

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الكثير من القضايا التاريخيّة لم تصل إلينا بشكل صحيح ، فيد التزوير وقلب الحقائق وتشويهها لا زال موجوداً ، من أجل مصالح شخصية ودنيوية.

كما لا يخفى عليكم أنّ ثبوت بعض القضايا التاريخيّة أو عدم ثبوتها بشكل قطعي ، كقضية رجوع السبايا إلى كربلاء ، لا تمنع المحبّ والموالي لأهل البيتعليهم‌السلام ، من إقامة الشعائر الحسينية.

٥٥٧

والنتيجة : إنّ قضية رجوع السبايا إلى كربلاء من القضايا المشهورة عند علمائنا ، وأنّ رأس الحسينعليه‌السلام قد أعاده الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر في نفس تلك السنة(١) .

( أحمد. الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

زيارة الله لقبر الحسين زيارة شرفية :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهابيّة في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الله يزور قبر الحسين ، قد تعجبون من هذه الحقيقة ، والحقيقة مُرّة.

روى الكلينيّ وغيره : أنّ أبا عبد الله عتب على من أتاه ولم يزر قبر علي بن أبي طالب ، قائلاً : ( لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء )؟ الكافي ٤ / ٥٨٠ ، تهذيب الأحكام ٦ / ٢٠ ، كامل الزيارات : ٨٩ ، كتاب المزار : ١٩ ، فرحة الغريّ : ١٠٢.

وبسبب ما ورد من مثل هذه الفضائل تفوّه أحد أصحاب أبي عبد الله بهذه الكلمة : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ( الكافي ٤ / ٥٨٣ ) ، فتأمّل!

أرجو إعطائي بعض المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهابيّة ، وشكراً.

ج : لقد وردت روايات متضافرة بثواب زيارة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، وفيها من الترغيب والحثّ الكبير ، الدال بكلّ وضوح على الاستحباب المؤكّد ، ويمكن للسائل أن يراجع المصادر المذكورة في متن السؤال ليقف عليها بالتفصيل.

وبالنسبة للألفاظ الواردة فيها ـ كقولهعليه‌السلام : ( ألا تزور من يزوره الله ) ـ فنقول : قد أثبت الإمامية في بحوثهم الكلامية بما لا مزيد عليه استحالة الانتقال

____________

١ ـ أُنظر : مثير الأحزان : ٨٦ ، اللهوف : ١١٤.

٥٥٨

والتنقّل في حقّه سبحانه من مكان إلى مكان ، لما يلزم من الجسمية والنقص والاحتياج ، فلا يمكن تصوّر زيارته سبحانه لغيره ـ كما في لسان هذه الروايات ـ كزيارة الناس بعضهم لبعض ، أو زيارة الملائكة للأولياء الصالحين.

وإنّما المراد هو معنى مجازي ، المقصود منه بيان شرفية المزور وكرامته عنده سبحانه ، كما بيّن سبحانه في آيات عديدة من القرآن الكريم ، مثلاً شرفية الخمس والصدقات ، فذكر سهماً له في الخمس أو بأخذه للصدقات ، كما في قوله تعالى :( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (١) ، وقوله تعالى :( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) (٢) .

فلا يمكن تصوّر أن يكون لله سبحانه سهماً في الخمس على نحو الأخذ والانتفاع ، فهذا محال في حقّه سبحانه ، كذلك لا يمكن أن يتصوّر أن يأخذ الله الصدقات على نحو الحقيقة من التناول والقبض ، فهذه ألفاظ إنّما أُريد منها معنى مجازياً لبيان شرفية الموضوع المتحدّث عنه ، وعليه تكون الألفاظ الواردة في روايات الزيارة إنّما هي وفق هذا السياق القرآنيّ المار ذكره.

أمّا بخصوص عبارة معاوية بن وهب التي ذكرها المستشكل وهي : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ، نقول ـ على فرض ثبتوتها ـ : فهي ظاهرة في إرادة الحجّ المستحبّ ، إذ لا مقارنة بين الواجب منه وبين الزيارة المستحبّة ، وإنّما المقارنة بين المستحبّين ، ومن الممكن أن يكون مستحبّاً أكثر ثواباً من مستحبّ آخر.

وفي الختام نقول : رحم الله امرأً استعان بنعم الله التي وهبها لعباده من الحواس والعقل وسخّرها لمعرفة حقائق الأُمور بالبحث والتدبّر ، بدل أن يكون

____________

١ ـ الأنفال : ٤١.

٢ ـ التوبة : ١٠.

٥٥٩

مطيّه لأهوائه وغرائزه والشيطان ، ويخسر عندها الدنيا والآخرة ، ولا ينفعه الندم إن أراد الندم يوم ذاك ، ولله الحجّة البالغة ، وهو الموفّق للصواب.

( محمود البحرانيّ ـ البحرين ـ ١٧ سنة ـ طالب الثانوية )

الميّت يدرك بعد الموت وينتفع بالعمل :

س : عند زيارة قبر أحد الأموات ، هل يسمع الميّت كلام الزائر أم أنّ روحه قد انتقلت إلى مكان أخر ، وإنّ صوت الزائر لا يصله ، وإذا كان الصوت لا يسمع فما الفائدة من زيارة القبر إذاً؟

أتمنّى الإجابة ، ولكم الشكر الجزيل ، متمنّياً من المولى أن يرزقنا وإيّاكم الثواب وحسن الختام.

ج : إنّ السؤال ينقسم إلى قسمين :

١ ـ هل هناك حياة أُخرى بعد الموت يكون للميّت فيها فعل وإدراك وشعور؟ وهل يمكن أن يكون هناك اتصال بين الحياة الدنيا وعالم البرزخ الذي تنتقل إليه الروح؟ وبالتالي أنّ الميّت يستطيع أن يسمع كلام الحيّ؟

٢ ـ هل أنّ الميّت ينتفع بالأعمال التي يؤدّيها الحيّ بالنيابة عنه ، أو يهديها إليه أو لا؟

والجواب عن القسم الأوّل يكون بنقاط :

١ ـ إنّ حقيقة الإنسان هي بروحه لا ببدنه ، وإنّ هذه الروح لا تفنى بفناء الجسد ، وإنّما تنتقل إلى عالم آخر وهو البرزخ ، قال تعالى :( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) ، ويتوضّح ذلك أكثر إذا عرفنا أنّ معنى التوفّي هو الأخذ والقبض والاستيفاء وليس الإعدام.

____________

١ ـ الزمر : ٤٢.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621