موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة9%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265705 / تحميل: 6290
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الصالحاًتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ »(١) قال: هم الأئمّة.

( باب )

( أن الائمة عليهم‌السلام نور الله عز وجل )

١ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن مرداس قال: حدَّثنا صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن أبي خالد الكابليّ قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الّذي أَنْزَلْنا »(٢) فقال

________________________________________________________

ظلـماً وجوراً.

وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النّبي وأهل بيته، وتضمّنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عندّ قيام المهدي منهم، فيكون المراد بقوله «كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » هو أنّ جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم وداود وسليمان، ويدل على ذلك قوله: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »(٣) و «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً »(٤) وقوله: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً »(٥) وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم الثقلين، وأيضاً فان التمكن في الأرض على الإطلاق، ولم يتفق فيما مضى فهو منتظر، لأنّ الله عزّ اسمه لا يخلف وعده.

باب ان الائمةعليهم‌السلام نور الله عز وجل في أرضه(٦)

الحديث الاول: ضعيف على المشهور.

«وَالنُّورِ الّذي أَنْزَلْنا » المشهور بين المفسّرين أنّ المراد بالنّور هنا القرآن، سمّاه نوراً لـما فيه من الأدلّة والحجج الموصلة إلى الحقّ، فشبّه بالنّور الّذي يهتدى به إلى الطّريق.

__________________

(١) سورة النور: ٥٥.

(٢) سورة التغابن: ٨.

(٣) سورة البقرة: ٣٠.

(٤) سورة ص: ٢٦.

(٥) سورة النساء: ٥٤.

(٦) كذا في النسخ ولعل جملة « في ارضه » زائدة من النساخ.

٣٦١

يا أبا خالد النور والله الأئمّة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة وهم والله نور

________________________________________________________

وأقول: لـمّا كان النّور في الأصل ما يصير سبباً لظهور شيء فسمّي الوجود نوراً لأنّه يصيّر سبباً لظهور الأشياء في الخارج، والعلم نوراً لأنّه سبب لظهور الأشياء عندّ العقل، وكلّ كمال نوراً لأنّه يصيّر سبباً لظهور صاحبه وأنوار النيرين(١) والكواكب نوراً لكونها أسبابا لظهور الأجسام وصفاتها للحس، وبهذه الوجوه يطلق على الرب تعالى النور، ونور الأنوار، لأنّه منبع كلّ وجود وعلم وكمال، فإطلاقه على الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام لأنهم أسباب لهداية الخلق وعلمهم وكمالهم بل وجودهم، لأنهم العلل الغائية لوجود جميع الأشياء.

وأمّا نسبة الإنزال إليهم، فإمّا لإنزال أرواحهم المقدسة إلى أجسادهم المطهرة، أو أمرهم بتبليغ الرسالات ودعوة الخلق ومعاًشرتهم بعد كونهم روحانيين في غاية التقدّس والتنزّه كما قال: تعالى: «أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رسولاً »(٢) وفي بعض الأخبار أنّ الله أنزل نورهم فأسكنه في صلب آدم، وقيل: إنزال النور إيقاع ولائهم وحبّهم في قلوب المؤمنين، وقيل: لـمّا كان المراد بالنور ما يهتدى به من العلم والكاشف عنه المبيّن أو المثبت فيه، الحافظ له من النفوس الزكيّة الّتي هي ينابيع العلوم والكتاب المشتمل عليها، أو الروح الّذي أنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون مع الأئمة بعده وهو مناط المعارف الحقيقيّة، والمراد بقوله: « إنا أنزلنا » على تقدير حمل النور على النفوس القدسيّة: أنزلنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كونها أنوارا، وأنّ متابعتهم واقتفاءهم مناط الاهتداء، وهم الأئمة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحقيقة من غير تجوز، وعلى سائر التقادير فقوله: « أنزلنا » أيّ أنزلناه وهو منزل عليه حقيقة علـماً كان أو كتاباً، أو روحاً، والأئمّةعليهم‌السلام هم حملته وحفظته وذووه.

وإطلاق النور عليهم كاطلاق كتاب الله وكلامه في قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا

__________________

(١) كذا في الأصل وفي المخطوطتين « النيران » بدل « النيرين » والظاهر هو المختار.

(٢) سورة الطلاق: ١٠.

٣٦٢

الله الّذي أنزل وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم والله ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله عزَّ وجلَّ نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ؛ والله يا أبا خالد لا يحبّنا عبدٌ ويتولاًنا حتّى يطهّر الله قلبه ولا يطهّر الله قلب عبد حتّى يسلّم لنا ويكون سلـماً لنا ، فإذا كان سلـماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.

٢ - عليُّ بن إبراهيم بإسناده، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى : «الَّذِينَ

________________________________________________________

كتاب الله الناطق، لكونه حامل علم الكتاب وحافظه، ولكونه مستكملا به وموصوفاً به ومتّحداً معه، فكأنّه هو، وقوله: « لنور الإمام » أيّ هدايته، وتعريفه المعارف الإلهيّة أو ولايته ومعرفته، وقيل: الإضافة للبيان أيّ هم أنور وأكشف من الشمس « وهم والله ينورون قلوب المؤمنين » بتعريف المعارف إياهم وتثبيتها في قلوبهم « ويحجب الله نورهم عمّن يشاء » أنّ لا يطهره عن دنس الخباثة لشقاوته وسوء اختياره فيظلم قلوبهم، ولا تتنور بنور معرفتهم لحجاب خباثتهم عن التنّور به.

وقوله: حتّى يسلم لنا، من الإسلام أو التسليم، والسّلم بالكسر خلاف الحرب أي سالـماً محبّاً لنا.

الحديث الثاني: مرسل.

«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ » قال: الطبرسيّرحمه‌الله : أيّ يؤمنون به ويعتقدون نبوّته وفي « الأميّ » أقوال:

أحدها: أنّه الّذي لا يكتب ولا يقرء.

وثانيها: أنّه منسوب إلى الأمّة، والمعنى أنّه على جبلّة الأمّة قبل استفادة الكتابة، وقيل: أنّ المراد بالأمّة: العرب لأنها لم تكن تحسن الكتابة.

٣٦٣

يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ

________________________________________________________

وثالثها: أنّه منسوب إلى الأمّ، والمعنى أنّه على ما ولدته أمّه قبل تعلّم الكتابة.

ورابعها: أنّه منسوب إلى أمّ القرى وهو مكّة، وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام « انتهى ».

وأقول: إختلفوا في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هل كان يقدر أنّ يقرأ ويكتب أم لا؟

والّذي يقتضيه الجمع بين الأخبار أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن تعلّم الخط والقراءة من أحدّ من البشر، لكنّه كان قادراً على الكتابة وعالماً بالمكتوب بما علم به سائر الأمور من قبل الله تعالى، ولم يكن يقرء ويكتب ليكون حجّته علي قومه أتمّ وأكمل.

«الّذي يَجِدُونَهُ » قال: الطبرسي: معناه يجدون نعته وصفته ونبوّته مكتوباً في الكتابين، لأنّه مكتوب في التوراة في السفر الخامس: « إني سأقيم لهم نبيّاً من إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فيه، فيقول لهم كلـمّا أوحيته به » وفيها أيضاً مكتوب: « وإمّا ابن الأمّة فقد باركت عليه جدا جدا، وسيلد اثنا عشر عظيماً وأؤخره لأمّة عظيمة » وفيها أيضاً: « أتانا الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فارأنّ ».

وفي الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع، منها: « نعطيكم فارقليط آخر يكون معكم آخر الدهر كله » وفيه أيضاً قول المسيح للحواريين: « أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحقّ الّذي لا يتكلّم من قبل نفسه، أنّه نذيركم بجميع الحقّ ويخبركم بالأمور المزمعة ويمدحني ويشهد لي ».

«وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ » هذا من تتمة المكتوب أو ابتداء من قول الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ » أيّ ثقلهم، شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل «وَالْأَغْلالَ الّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ » أيّ العهود الّتي كانت في ذمتهم،

٣٦٤

- إلى قوله -وَاتَّبَعُوا النُّورَ الّذي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(١) قال: النور في هذا الموضع [ عليٌّ ] أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام .

٣ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام لقد آتى الله أهل الكتاب خيراً كثيراً ، قال: وما ذاك قلت قول الله تعالى: «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ

________________________________________________________

جعل تلك العهود بمنزلة الأغلال الّتي تكون في الأعناق للزومها، وقيل: يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قبل نفوسهم في التوبة وفرض ما يصيبه البول من أجسادهم وما أشبه ذلك من تحريم السبت، وتحريم العروق والشحوم، وقطع الأعضاء الخاطئة، ووجوب القصاص دون الدية.

«وَعَزَّرُوهُ » أيّ عظموه ووقروه «وَاتَّبَعُوا النُّورَ » قال:(٢) معناه: القران الّذي هو نور في القلوب كما أنّ الضياء نور في العيون، ويهتدى به في أمور الذين كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا «الّذي أُنْزِلَ مَعَهُ » أيّ عليه وقد تقوم « مع » مقام « على » وقيل: في زمأنّه وعلى عهده، وقال: البيضاوي: معه، أيّ مع نبوته، وإنّما سماه نوراً لأنّه بإعجازه ظاهر أمره، مظهر غيره، أو لأنّه كاشف الحقائق مظهر لها، ويجوز أنّ يكون معه متعلقا باتبعوا، أيّ واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة، انتهى.

أقول: على ما فسّرهعليه‌السلام لا حاجة إلى التكلف في المعيّة، والتجوز في الإنزال مشترك كما عرفت، على أنّه يحتمل أنّ يكون المراد أنهم القران لانتقاش ألفاظه ومعانيه في أرواحهم المقدسة واتصافهم بصفاته المرضيّة، واجتنابهم عمّا فيه من الرذائل المنهية.

الحديث الثالث: ضعيف.

والمراد بأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كعبد الله بن سلام وأضرابه، والضمير في قوله: « من قبله » وفي قوله: « به » للقران كالمستكنّ في قوله

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٥٧.

(٢) أيّ قال: الطبرسيّرحمه‌الله .

٣٦٥

يُؤْمِنُونَ - إلى قوله -أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا »(١) قال: فقال: قد آتاكم الله كما آتاهم ثمَّ تلا: «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نوراً تَمْشُونَ بِهِ »(٢) يعني إماماً تأتمّون به.

٤ - أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن عليّ بن أسباط والحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن أبي خالد الكابليّ قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى: «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الّذي أَنْزَلْنا »(٣) فقال: يا أبا

________________________________________________________

تعالى «وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ » أيّ بأنّه كلام الله «أنّه الحقّ مِنْ ربّنا » استئناف لبيان ما أوجب إيم ا نهم به «إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ » استئناف آخر للدلالة عليّ أنّ إيمانهم به ليس ممّا أحدثوا حينئذ بل تقادم عهده لـمّا رأوا ذكره في الكتب المتقدّمة «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ » مرّة على إيمانهم بكتابهم، ومرّة على إيمانهم بالقران «بِما صَبَرُوا » بصبرهم وثباتهم على الإيمانين، أو على الإيمان بالقران قبل النزول وبعده، أو على أذى المشركين وأذى من هاجرهم من أهل دينهم.

«يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا » قال: الطبرسيّ (ره): أيّ اعترفوا بتوحيد الله وصدّقوا بموسى وعيسى «اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ » محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن عباس، وقيل: معناه يا ايها الذين آمنوا ظاهراً آمنوا باطناً «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ » أي يعطكم نصيبين «مِنْ رَحْمَتِهِ » نصيباً لأيمانكم من تقدّم من الأنبياء، ونصيبا لأيمانكم بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَيَجْعَلْ لَكُمْ نوراً تَمْشُونَ بِهِ » أيّ هدى تهتدون به، وقيل: النور القرآن، انتهى.

وأقول: عليّ تأويلهعليه‌السلام لعلّ المراد آمنوا برسوله فيما أتى به من ولاية الأئمةعليهم‌السلام ، وسيأتي تأويل الكفلين بالحسنينعليهما‌السلام .

الحديث الرابع: ضعيف.

__________________

(١) سورة القصص: ٥٤.

(٢) سورة الحديد: ٢٨.

(٣) سورة التغابن: ٨.

٣٦٦

خالد النور والله الأئمّةعليهم‌السلام يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الّذين ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها.

٥ - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن عبد الله بن القاسم، عن صالح بن سهل الهمدانيّ قال: قال: أبو عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى: «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ »(١) فاطمةعليها‌السلام «فِيها مِصْباحٌ » الحسن «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » الحسين

________________________________________________________

« ويغشاهم بها » أي بالظلمة.

الحديث الخامس: ضعيف بالسنّد الأوّل، صحيح بالسندّ الثاني.

«اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » أيّ منورهما بنور الوجود والعلم والهداية، والأنوار الظاهرة، وقيل: أيّ ذو نور السماوات والأرض، والنور الأئمةعليهم‌السلام ، فهم نور السماوات حين كانوا محدقين بالعرش، والأرض بعد ما أنزلوا صلب آدم «مَثَلُ نُورِهِ » أيّ صفة نور الله العجيبة الشأنّ «كَمِشْكاةٍ » أيّ مثل مشكاة وهي الكرة الغير النافذة الّتي يوضع فيها المصباح وقيل: المشكاة الأنبوبة(٢) في وسط القنديل، والمصباح: الفتيلة المشتعلّة «فِيها مِصْباحٌ » الحسن.

أقول: في تفسير عليّ بن إبراهيم هكذا «فِيها مِصْباحٌ » الحسن و «الْمِصْباحُ » الحسين «فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » كان فاطمة كوكب « إلخ ».

فالمصباح المذكور في الآية ثانياً المراد به غير المذكور أوّلاً وهو الحسينعليه‌السلام ، ولعلّ فيه إشارة إلى وحدة نوريهما، وشبّهت فاطمةعليها‌السلام مرة بالمشكاة ومرة بالقنديل من الزجاجة، ووجه التشبيه فيهما متّحد وعند كونهاعليها‌السلام ظرفا لنور الحسينعليه‌السلام شبّهت بالزجاجة، لزيادة نوره باعتبار كون سائر الأئمة من ولدهعليه‌السلام ،

__________________

(١) سورة النور: ٣٥.

(٢) الأنبوبة: ما بين العقدتين من القصب أو الرمح، ويستعار لكلّ أجوف مستدير كالقصب.

٣٦٧

«الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » فاطمة كوكبٌ درّيٌّ بين نساء أهل الدُّنيا «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » إبراهيمعليه‌السلام «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهوديّة ولا نصرانيّة

________________________________________________________

فلذا غيّر التشبيه.

وعلى ما في الكتاب قد يتوّهم أنّ المراد بالزجاجة الحسينعليه‌السلام ، فيوجّه بما ذكره بعض الأفاضل حيث قال: مثّل النور الحقيقي الّذي هو من عالم الأمر بالنور الظاهري الّذي هو من عالم الخلق، والنور ضياء بنفسه ومضيء لـمّا يطلع عليه ويشرق عليه، فمثّل الجوهر الرّوحاني المناط للانكشافات العقليّة بالمصباح، وحامله بالمشكاة، والحامل لمادته والمشتمل عليها الّتي منها مدده وحفظه عن الانقطاع والنفاد بالزجاجة الّتي هي وعاء مادة نور المصباح الّتي هي الزيت، ففي الأنوار الحقيقيّة الّتي هي النفوس القدسية والأرواح الزكية للأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام الحسنعليه‌السلام مصباح، وفاطمةعليه‌السلام مشكاة فيها المصباح، والحسينعليه‌السلام الزجاجة فيها مادة نور المصباح، ويجيء منها مدده، والزجاجة كوكب دري والمراد به فاطمةعليها‌السلام ، فأنّ الزجاجة يعنّي الحسينعليه‌السلام مجمع النور الفائض من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الواصل إليه ابتداء ووساطة، كما كانتعليها‌السلام مجمع ذلك والمعنىّ عنها بالمشكاة كوكب دري لإحاطتها بالنور كله، والزجاجة أيضاً لإحاطتها بجميع النور كأنها كوكب درّي «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » إبراهيم أيّ المشبه بالشجرة فيما ضرب له المثل إبراهيم، لأنّ ابتداء ظهور ذلك النور منه، ومواد العلوم من أثمار تلك الشجرة.

قال: البيضاوي «دُرِّيٌ » مضيء متلألئ كالزّهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدر، أو فعيل كمريق من الدرء فأنّه يدفع الظلام بضوئه، أو بعض ضوئه بعضاً من لمعاًنّه إلّا أنّه قلبت همزته ياءا «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » أيّ ابتداء ثقوب المصباح من شجرة الزيتون المتكاثرة نفعه بأنّ رويت ذبالته بزيتها «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » يقع

٣٦٨

«يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد العلم ينفجر بها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ » إمامٌ منها

________________________________________________________

الشمس عليها حينا دون حين، بل بحيث تقع عليها طول النّهار كالتي تكون على قلة جبل أو صحراء واسعة، فانّ ثمرته تكون أنضج وزيتها أصفى أو نابتة في شرق المعمورة وغربها بل وفي وسطها وهو الشّام، فأنّ زيتونة أجود الزيتون، أوّلاً في مضحيٌّ تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها، أو في مقناة تغيب عنها دائماً فتتركها نيا « انتهى ».

وأقول: هذا ما يتعلّق بالمشبّه به، وإمّا تطبيقه على المشبّه فأنّ إبراهيمعليه‌السلام لكونه أصل عمدة الأنبياء وهمعليهم‌السلام أغصانه وتشعبت منه الغصون المختلفة من الأنبياء والأوصياء من بني إسرائيل وبني إسماعيل، واستنارت منهم أنوار عظيمة في الفرق الثلاث من أهل الكتب من اليهود والنصارى والمسلمين، فكان إبراهيمعليه‌السلام كالشجرة الزيتونة من جهة تلك الشعب والأنوار، ولـمّا كان تحقق ثمار تلك الشجرة وسريأنّ أنوار هذه الزيتونة في نبينا وأهل بيته صلوات الله عليهم أكمل وأكثر وأتم، لكونهم الأئمة الفضلي، وأمتهم الأمّة الوسطى وشريعتهم وسيرتهم وطريقتهم أعدل السير وأقومها كما قال: تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمّة وَسَطاً »(١) كما أنّ اليهود كانوا يصلون إلى المغرب والنصارى إلى المشرق، فجعل قبلتهم وسط القبلتين، وكذا في حكم القصاص والديات وسائر الأحكام جعلوّاً وسطا فشبه إبراهيمعليه‌السلام من جهة تشعب هذه الأنوار العظيمة منه بزيتونة لم تكن شرقية ولا غربية، أيّ غير منحرفة عن الاعتدال إلى الإفراط والتفريط، المتحققين في الملتين والشريعتين، وأومأ بالشرقية إلى النصارى، وبالغربية إلى اليهود لقبلتيهم، ويمكن أنّ يكون المراد بالآية الزيتونة الّتي تكون في وسط الشجرة في شرقها، فلا تطلع الشمس عليها بعد العصر، ولا غربية لا تطلع الشمس عليها في أول اليوم، فيكون التشبيه أتمّ وأكمل «يَكادُ زَيْتُها » أيّ زيت الشجرة أو الزيتونة، والمراد بالزيتونة في المشبّه المادّة البعيدة للعلم، وهي الإمأمّة والخلافة الّتي منبعهما إبراهيم حيث قال: سبحانه: «إِنِّي جاعِلُكَ

__________________

(١) سورة البقرة: ١٤٣.

٣٦٩

بعد إمام «يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » يهدي الله للأئمّة من يشاء «وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ

________________________________________________________

لِلنَّاسِ إماماً » وسرى في ذريّته المقدسة، وبالزيت الموادّ القربية من الوحيٌّ والإلهام، وإضاءة الزيت انفجار العلم من تلك المواد «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أيّ وحيٌّ أو تعليم من البشر أو سؤال، فأنّ السؤال ممّا يقدح نار العلم.

«نُورٌ عَلى نُورٍ » قال: البيضاوي أيّ نور متضاعف فأنّ نور المصباح زاد في إنارته صفا الزيت وزهرة القنديل، وضبط المشكاة لأشعته « انتهى » وفي المشبّه كلّ إمام يتلو إماماً يزيد في إنارة علم الله وحكمته بين الناس.

أقول: ويؤيّد هذا التأويل ما رواه ابن بطريق (ره) في العمدة والسيّد ابن طاوسرضي‌الله‌عنه في الطرائف من مناقب ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن الحسن البصري أنّه قال: المشكاة فاطمة، والمصباح الحسن والحسينعليهم‌السلام و «الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » فاطمةعليها‌السلام كوكباً درياً بين نساء العالمين «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » الشجرة المباركة إبراهيمعليه‌السلام «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهوديّة ولا نصرانيّة «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » قال: يكاد العلم أنّ ينطق منها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ » قال: منها إمام بعد إمام «يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » قال: يهدي لولايتهم من يشاء.

وذكر الطّبرسيقدس‌سره في تأويلها أقوالا:

أحدها: أنّه مثل ضربه الله لنبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فالمشكاة صدره، والزجاجة قلبه، والمصباح فيه النبوة «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » أيّ لا يهودية ولا نصرانية «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » يعنّي شجرة النبوة وهي إبراهيمعليه‌السلام « يكاد » محمّد يتبين للناس ولو لم يتكلّم به، كما أنّ ذلك الزيت يضيء «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أيّ تصيبه النار، وقد قيل: أيضاً أنّ المشكاة إبراهيمعليه‌السلام ، والزجاجة إسماعيل، والمصباح محمّد كما سمّي سراجا في موضع آخر «مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » يعنّي إبراهيم لأنّ أكثر الأنبياء من صلبه «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا نصرانية ولا يهودية لأنّ النّصارى تصلي إلى المشرق، واليهود تصلي إلى المغرب «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » أيّ يكاد محاسن محمّد تظهر قبل أنّ يوحى إليه «نُورٌ عَلى نُورٍ » أي نبيّ من نسل نبيّ وقيل: أنّ المشكاة عبد المطلب،

٣٧٠

لِلنَّاسِ » قلت «أَوْ كَظُلُماتٍ » قال: الأوّل وصاحبه «يَغْشاهُ مَوْجٌ » الثالث «مِنْ فَوْقِهِ

________________________________________________________

والزجاجة عبد الله، والمصباح هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا شرقيّة ولا غربيّة بل مكيّة، لأنّ مكّة وسط الدّنيا، وروي عن الرّضاعليه‌السلام أنّه قال: نحن المشكاة، والمصباح محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يهدي الله لولايتنا من أحب، وفي كتاب التّوحيد لأبي جعفر ابن بابويه (ره) بالإسناد عن عيسى بن رأشدّ عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في قوله: «كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » قال: نور العلم في صدر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » الزجاجة صدر عليّعليه‌السلام صار علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدر على، علم النبي عليّاً «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » نور العلم «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » قال: يكاد العالم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يتكلّم بالعلم قبل أنّ يسأل «نُورٌ عَلى نُورٍ » أيّ إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في أثر إمام من آل محمّد، وذلك من لدن آدم إلى أنّ تقوم السّاعة « الخبر ».

وثانيها: أنها مثل ضربه الله للمؤمن، والمشكاة نفسه والزجاجة صدره والمصباح الإيمان والقرآن، في قلبه «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » هي الإخلاص لله وحدّه لا شريك له، فهي خضراء ناعمة كشجرة التفت بها الشجرة فلا يصيبها الشمس على أيّ حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غربت، وكذلك المؤمن قد اختزن من(١) أين يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال، أنّ أعطي شكر، وأنّ ابتلي صبر، وأنّ حكم عدل، وأنّ قال: صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحيّ يمشي بين قبور الأموات «نُورٌ عَلى نُورٍ » كلامه نور وعلمه نور ومدخله نور ومخرجه نور، ومصيره إلى نور يوم القيامة عن أبي بن كعب.

وثالثها: أنّه مثل القران في قلب المؤمن فكما أنّ هذا المصباح يستضاء به وهو كما هو لا ينقص، فكذلك القران تهتدي به ويعمل به كالمصباح فالمصباح هو القران والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة لسانه وفمه، والشجرة المباركة شجرة الوحيٌّ «يَكادُ

__________________

(١) اختزن الطريق: أخذ أقربه. وفي المصدر: قد احترز.

٣٧١

مَوْجٌ » ظلمات الثاني «بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » معاوية لعنه الله وفتن بني اُميّة «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ »

________________________________________________________

زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد حجج القران تتضّح وإن لم يقرء، وقيل: تكاد حجج الله على خلقه تضيء لمن تفكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القران «نُورٌ عَلى نُورٍ » يعني أنّ القران نور مع سائر الأدلة قبله فازدادوا نوراً على نور «يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » أيّ يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء أو لنبوته وولايته « انتهى ».

وأقول: لـمّا ضرب الله الأمثال للمؤمنين وأئمّتهمعليهم‌السلام ضرب مثلين للكافرين والمنافقين وأئمّتهم، فالمثل الأوّل قوله: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْأنّ ماءً حتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجدّه شيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ » والثاني قوله: «أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ » فقوله «أَوْ كَظُلُماتٍ »، عطف على قوله «كَسَرابٍ »، وأو للتخيير، فأنّ أعمالهم لكونها لاغية كالسراب، ولكونها خالية عن نور الحقّ كالظلمات، فأنّ شئت شبهتهم بذلك أو للتنويع فأنّ الظلمات في الدنيا والسراب في الآخرة.

«فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ » أيّ عميق منسوب إلى اللجج وهو معظم الماء «يَغْشاهُ » أيّ يغشى البحر «مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » مترادفة متراكمة «مِنْ فَوْقِهِ » أيّ من فوق الموج الثاني سحاب تغطي النجوم وتحجب أنوارها.

وامّا تأويلهعليه‌السلام فيحتمل وجهين:

الأوّل: أنّ المعنى أنّ الظلمات المذكورة في الآية أوّلاً أبو بكر، ويغشاه موج: إشارة إلى صاحبه يعنّي عمر، فأنّه أتم بدع الأوّل وأكملها، وزاد على الظلمة ظلمة، وعلى الحيرة حيرة، ومن فوقه موج: عبارة عن عثمأنّ وهو الثالث، حيث زاد على بدعهما وإضلال الناس عن الحق، وقوله: ظلمات الثاني، أيّ لفظ الظلمات الواقع ثانياً في الآية، الموصوف فيها بأنّ بعضها فوق بعض إشارة إلى معاوية وفتن بني أمية.

وقوله: إذا أخرج يده المؤمن، بيان للثمرة المترتبة على تلك الظلمات، المتراكمة من حيرة المؤمنين واشتباه الأحكام الظاهرة عليهم، فأنّ اليد أظهر أجزاء

٣٧٢

المؤمن في ظلمة فتنتهم «لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نوراً » إماماً من ولد فاطمة

________________________________________________________

الإنسان له، ويحتمل ان يكون فتن بني أميّة مبتدأ، خبره: إذا أخرج يده، أيّ قوله إذا أخرج يده، إشارة إلى فتن بني أمية، ويحتمل أيضاً أنّ يكون المراد بالثاني عمر، والظلمات مضافاً إليه، أيّ ظلمات عمرّ فتنة بعضها فوق بعض، فيكون قوله: ومعاوية ابتداء كلام آخر، أيّ إذا أخرج يده إشارة إلى معاوية وفتن بني أمية، وإنّما كرر عمرّ لأنّه رأس الفتنة ورئيس النفاق، ولا يخفى بعد هذين الوجهين.

والثاني أن يكون المراد أنّ قوله تعالى: «أَوْ كَظُلُماتٍ » إشارة إلى الأوّل وصاحبه الأوّلين، ويغشاه موج إلى الثالث يعنّي عثمأنّ الّذي من فوقه موج، يعنّي من بعده، إشارة إلى ما وقع بعده من عشائره من بني أمية وظلمات الثاني بعضها فوق بعض بالإضافة، أيّ كظلمات عمر، وتكراره لـمّا مرّ فقوله: معاوية وفتن بني أمية، ابتداء كلام آخر، ويحتمل أنّ يكون « من » في قوله «مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ »، إلى قوله: فتن بني أمية كلاماً واحدا، فالمراد بالموج معاوية وبالظلمات فتن بني أمية، وعبر عنهم بظلمات الثاني لأنهم كانوا من ثمرات ظلمه وجوره على أهل البيتعليهم‌السلام .

أقول: ويؤيّد الثاني أنّ عليّ بن إبراهيم أورد في تفسيره هذا الخبر هكذا: أيّ كظلمات فلان وفلان «فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ » يعنّي نعثل وفوقه موج طلحة والزبير «ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » معاوية وفتن بني أمية إلى آخر الخبر، ونعثل كناية عن عثمان.

قال: ابن الأثير في النهاية: كان أعداء عثمأنّ يسمونه نعثلا تشبيهاً له برجلَّ من مصر كان طويل اللحية اسمه نعثل، وقيل: النعثل: الشيخ الأحمق.

وذكر الضباع: وروى صأحبّ كتاب تأويل الآيات الظاهرة بإسناده عن الحكم بن حمرأنّ قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله عزّ وجل: «أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ » قال: فلان وفلان «يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » قال: أصحاب الجمل وصفين والنهروان

٣٧٣

عليها‌السلام «فَما لَهُ مِنْ نُورٍ »(١) إمام يوم القيامة.

وقال: في قوله «يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ »(٢) أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتّى ينزلوهم منازل أهل الجنة.

عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجلي ومحمّد بن يحيى، عن العمركيّ بن عليّ جميعاً، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسىعليه‌السلام مثله.

٦ - أحمدُ بن إدريس، عن الحسين بن عبيد الله، عن محمّد بن الحسين وموسى بن عمر، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله تبارك وتعالى «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ »(٣) قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بأفواههم قلت قوله تعالى «وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ » قال: يقول والله متم الإمأمّة والإمأمّة هي النور وذلك قوله عزّ وجلَّ «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الّذي أَنْزَلْنا »(٤) قال: النور هو الإمام.

________________________________________________________

«مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » قال: بنو أمية «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها » قال: بنو أمية إذا أخرج يده يعنّي أمير المؤمنينعليه‌السلام في ظلماتهم «لَمْ يَكَدْ يَراها » أيّ إذا نطق بالحكمة بينهم لم يقبلها منهم أحدّ إلّا من أقر بولايته ثمّ بإمامته «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » أيّ من لم يجعل الله له إماماً في الدنيا فما له في الآخرة من نور، إمام يرشده ويتبعه إلى الجنّة.

الحديث السادس: مجهول.

«يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ » قال: الطبرسيّ (ره): أيّ يريدون إذهاب نور الإيمان والإسلام بفاسد الكلام، الجاري مجرى تراكم الظلام، فمثلهم فيه كمثل من حاول إطفاء نور الشمس بفيه «وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ » أيّ مظهر كلمته ومؤيد نبيه ومعلّى دينه وشريعته.

__________________

(١) سورة النور: ٤٠.

(٢) سورة الحديد: ١٢.

(٣) سورة الصف: ٨.

(٤) سورة التغابن: ٨.

٣٧٤

( باب أن الأئمة هم أركان الأرض )

١ - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما جاء به عليّعليه‌السلام آخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل على جميع من خلق الله عزّ وجلَّ المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله

________________________________________________________

باب ان الائمة هم أركان الأرض

الحديث الاول: ضعيف بسنديه على المشهور.

« ما جاء به على آخذ به » لأنّه واجب الإطاعة من الله ومن رسوله، ولأنّ ما جاء به ممّا جاء به رسول الله وما نهى عنه ممّا نهى عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل » إمّا بيان لـمّا جرى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل، فكما أنّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل على جميع الخلق، كذا لعليّعليه‌السلام الفضل على الجميع، وإمّا بيان للفرق بين ما لهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل وبين ما لعليّعليه‌السلام منه بفضلهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجميع حتّى على عليّعليه‌السلام ، وفضل عليّعليه‌السلام على غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله « والمتعقب عليه في شيء من أحكامه » أيّ الطالب لعثرته والمعيب عليه في شيء منها كالطالب لعثرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمعيب عليه، و « على » للإضرار، والمراد المتقدّم عليه في شيء بأنّ يجعله عقبه وخلفه، وأراد التقدّم عليه، أو يجعل حكمه عقبه وينبذه وراء ظهره، فلا يعمل به، أو تعقبه بمعنى أنّه تأخر عنه ولم يلحق به ولم يقبل أحكامه، أو المراد به شكّ في شيء من أحكامه، والأوّل أظهر ثمّ الأخير.

وكلمة « على » على بعض الوجوه بمعنى عن، وعلى بعضها بتضمين معنى يتعدّى به، قال: الفيروزآبادي: تعقبه أخذه بذنب كان منه، وعن الخبر شكّ فيه وعاد السؤال عنه، واستعقبه وتعقبه طلب عورته أو عثرته.

« في صغيرة أو كبيرة » صفتأنّ للكلمة أو الخصلة أو المسألة أو نحو ذلك « على حدّ

٣٧٥

كان أمير المؤمنينعليه‌السلام باب الله الّذي لا يؤتى إلّا منه وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك وكذلك يجري الأئمّة الهدى واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أنّ تميد بأهلها وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول : أنا قسيم الله بين الجنّة والنار وأنا الفاروق

________________________________________________________

الشرك بالله » أيّ في حكمه إذ لا واسطة بين الإيمان والشرك، والكائن عليه مشرف على الدّخول في الشرك كما ترى في كثير منهم كالمجسّمة والمصوّرة والصّفاتية وأضرابهم، فإنّهم أشركوا من حيث لا يعلمون.

« أنّ تميد » أيّ كراهية أنّ تميد أو من أنّ تميد، بتضمين الأركان معنى الموانع، وفي القاموس ماد يميد ميداُ: تحرك وزاغ « انتهى ».

وفيه إيماء إلى أنّ المراد بالرّواسي في قوله تعالى: «وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أنّ تَمِيدَ بِهِمْ »(١) الأئمةعليهم‌السلام في بطن القرآن، والمراد بالميد إمّا ذهاب نظام الأرض واختلال أحوال أهلها كما يكون عندّ فقد الإمام قبل القيامة، أو حقيقته بالزلازل الحادثة فيها.

وقيل: المراد بمن فوق الأرض الأحياء، بمن تحت الثرى الأموات، لأنهم الأشهاد يوم القيامة، وقد مرّ منا الكلام فيهما.

قولهعليه‌السلام : كثيراً ما يقول، أيّ حينا كثيراً وما زائدة للتأكيد عندّ جميع البصريين، وقيل: اسم نكرة صفة لكثير أو بدل منه، وعلى التقادير يفهم منها التفخيم بالإبهام « أنا قسيم الله » أيّ القسيم المنصوب من قبل الله للتميز بين أهل الجنّة وأهل النار بسبب ولايته وتركها، أو هو الّذي يقف بين الجنّة والنار فيقسمهما بين أهلهما بسبب ولايته وعداوته كما دلت عليه صحاح الأخبار، والأخبار بذلك متواترة من طرق الخاصّة والعامة. قال: في النهاية في حديث عليّعليه‌السلام : أنا قسيم النار، أراد أنّ الناس فريقأنّ فريق معي، فهم على هدى، وفريق على فهم ضلال، فنصف معي في الجنّة ونصف عليّ في النار، وقسيم: فعيل بمعنى فاعل كالجليس والسمير « انتهى » « وأنا الفاروق » أي

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٣١.

٣٧٦

الأكبر وأنا صاحب العصا والميسمّ ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل

________________________________________________________

الّذي فرّق بين الحقّ والباطل كما ذكره الفيروزآبادي، أو الفارق بين أهل الجنّة وأهل النار « وأنا صاحب العصا والميسمّ » قال: في النهاية: الميسمّ هي الحديدة الّتي يوسم بها، وأصله موسم فقلبت الواو ياءاً لكسرة الميم « انتهى ».

وهذا إشارة إلى أنّهعليه‌السلام الدابّة الّتي أخبر بها في القران بقوله: «وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أنّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ »(١) وروي عن ابن عباس وابن جبير وغيرهما قراءة تكلمهم بالتخفيف وفتح التاء وسكون الكاف من الكلم بمعنى الجراحة.

وقال: الطّبرسي روح الله روحه: هي دابة تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنّه مؤمن والكافر بأنّه كافر، وعند ذلك يرتفع التكليف ولا تقبل التوبة، وهو علم من أعلام الساعة، وروى محمّد بن كعب القرظي قال: سئل عليّعليه‌السلام عن الدابة؟ فقال: إمّا والله ما لها ذنب وأنّ لها اللحية، وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس، وعن حذيفة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله السلام قال: دابة الأرض طولها ستون ذراعاً لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه كافر، ومعها عصا موسى وخاتم سليمانعليهما‌السلام ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم، حتّى يقال: يا مؤمن ويا كافر « انتهى ».

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: انتهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثمّ قال: له: قم يا دابة الله، فقال: رجلَّ من أصحابه: يا رسول الله أيسمّي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلّا له خاصّة، وهو الدابة الّتي ذكرها الله في كتابه: «وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ » الآية، ثمّ قال: يا عليّ إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسمّ تسم به أعداءك، فقال: رجل

__________________

(١) سورة النمل: ٨٢.

٣٧٧

________________________________________________________

لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أنّ العامّة يقولون أنّ هذه الدابة إنّما تكلمهم فقال: أبو عبد اللهعليه‌السلام : كلمهم الله في نار جهنم إنّما هو يكلمّهم من الكلام.

وقال: أبو عبد اللهعليه‌السلام : قال: رجلَّ لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظأنّ آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني؟ قال: عمار: أيّة آية هي؟ قال: قوله: «وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ » الآية، فأية دابة هذه؟ قال: عمار: والله ما أجلس ولا آكلّ ولا أشرب حتّى أريكها فجاء عمار مع الرّجلَّ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يأكلّ تمرا وزبدا، فقال: له: يا أبا اليقظان هلم، فجلس عمار وأقبل يأكلّ معه، فتعجب الرّجلَّ منه، فلـمّا قام عمّار قال: له الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظأنّ حلفت أنك لا تأكلّ ولا تشرب ولا تجلس حتّى ترينيها؟ قال: عمار: قد أريتكها أنّ كنت تعقل.

وروى الحسن بن سليمان من كتاب البصائر لسعد بن عبد الله بإسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: أمير المؤمنين في خطبة طويلة: أنا دابّة الأرض، وأنا قسيم النار، وأنا خازن الجنان، وأنا صاحب الأعراف « الخبر ».

وفي كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبي الطّفيل قال: سألت أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الدابّة؟ فقال: يا أبا الطّفيل إله عن هذا(١) فقلت: يا أمير المؤمنين أخبرني به جعلت فداك! قال: هي دابّة تأكل الطّعام وتمشي في الأسواق وتنكح النّساء، فقلت: يا أمير المؤمنين من هو؟ قال: ربّ الأرض الّذي يسكن الأرض قلت: يا أمير المؤمنين من هو؟ قال: الّذي قال: الله: «وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(٢) والّذي «عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ »(٣) والّذي «صَدقّ بِهِ »(٤) قلت: يا أمير المؤمنين فسمّه لي، قال: قد سمّيته لك يا أبا الطّفيل « الخبر ». وأقول: الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في كتاب البحار.

وقيل: « أنا صاحب العصا والميسمّ » أيّ الرّاعي لكلّ الأمّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومميّز من يطيعه ويكون من قطيعة، بالميسم الّذي يعرفون به عن المتخلّف عنه و

__________________

(١) أي أعرض عنه ولا تسئل، من لهى عنه: ترك ذكره وأعرض عنه.

(٢) سورة هود: ١٧.

(٣) سورة الرعد: ٤٣.

(٤) سورة الزمر: ٣٣.

٣٧٨

بمثل ما أقرُّوا به لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الربّ وإنَّ

________________________________________________________

الخارج عنهم، ولا يخفى ما فيه.

« ولقد أقرّت لي » أيّ أذعنت لي بالولاية والفضل كما أذعنت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله « ولقد حملت على مثل حمولته » على بناء المجهول، والحمولة بالفتح ما يحمل عليه من الدّوابّ أي حملني الله على ما حمل عليه نبيه من التبليغ والهداية والخلافة، أو يكون خبراً عن المستقبل، أتى بالماضي لتحقّق وقوعه، أيّ يحملني الله في القيامة على مثل مراكبه من نوق الجنّة وخيولها، فتناسب الفقرة التالية لها، وشهد كثير من الأخبار بها أو في الرّجعة، كما رواه الراوندي في الخرائج بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: الحسين بن عليّعليهما‌السلام لأصحابه قبل أنّ يقتل: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لي: يا بنيّ إنّك لتساق إلى العراق وهي أرض قد التقى فيها النبيون وأوصياء النبيين، وعلى أرض تدعي غموراً و أنّك لتشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لا - يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا «يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلإمّا »(١) يكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنّا نردّ إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمكث ما شاء الله فأكون أول من تنشق الأرض عنه فأخرج خرجة توافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا وحياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ لينزلن عليّ وفد من السماء من عندّ الله لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلن عليّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة، ولينزلن محمّد وعليّ وأنا وأخي وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق، ثمّ ليبرزن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لواءه وليدفعنّه إلى قائمناعليه‌السلام مع سيفه، ثمّ أنا أمكث بعد ذلك ما شاء الله « الخبر ».

ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم، أيّ حملت أحمالي على مثل ما حملصلى‌الله‌عليه‌وآله أحماله عليه في ولاية الأمرّ الجاري على وفق أحكام الله وحكمه، أو حملت اتباعي وشيعتي على ما حملصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه عليه من أحكام القرآن، ويمكن أن يقرأ على

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٦٩.

٣٧٩

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى فيكسى وأدعى فأكسى ويستنطق وأستنطق فأنطق على حدّ منطقه ولقد أعطيت خصإلّا ما سبقني إليها أحد قبلي علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي أبشّر بإذن الله و

________________________________________________________

بناء المجهول الغائب وعليّ بالتشديد، والقائم مقام الفاعل مثل حمولته، والتأنيث باعتبار المضاف إليه، فالحمولة بمعنى الحمل لا المحمول عليه، أيّ حمل الله عليّ من أعباء الإمأمّة وأسرار الخلافة مثل ما حمل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: الفيروزآبادي: الحمولة ما احتمل عليه القوم من بعير وحمار ونحوه كانت عليه أثقال: أو لم تكن، والأحمال بعينها، والحمول بالضمّ: الهوادج أو الإبل عليها الهودج والواحد حمل بالكسر ويفتح « انتهى ».

وقوله: وهي حمولة الربّ، على كلّ من المعاني ظاهر.

« يدعى » بصيغة المجهول أيّ في القيامة « وادعى وأكسى » أيّ مثل دعائه وكسائه « ويستنطق » بصيغة المجهول أيّ للشهادة أو للشفاعة أو للاحتجاج على الأمّة أو الأعم « على حدّ منطقه » أيّ على نهجه وطريقته في الصواب والنفاذ، والمنطق بكسر الطاء مصدر ميمي « خصإلّا » أيّ فضائل « ما سبقني إليها أحدّ » أيّ من الأوصياء أو من الرسل أيضاً، فالمراد بقوله « قبلي » قبل ما أدركته من الأعصار « علمت المنايا » أيّ آجال الناس « والبلايا » أيّ ما يمتحن الله به العباد من الشرور والآفات أو الأعم منها ومن الخيرات « والأنساب » أيّ أعلم والد كلّ شخص فأميز بين أولاد الحلال والحرام « وفصل الخطاب » أيّ الخطاب الفاصل بين الحقّ والباطل أو الخطاب المفصول الواضح الدلالة على المقصود، أو ما كان من خصائصه صلوات الله عليه من الحكم المخصوص في كلّ واقعة، والجوابات المسكتة للخصوم في كلّ مسألة، وقيل: هو القرآن، وفيه بيان الحوادث من ابتداء الخلق إلى يوم القيامة.

« فلم يفتني ما سبقني » أيّ علم ما سبق من الحوادث أو العلوم النازلة على الأنبياء أو الأعم « ولم يعزب » كينصر ويضرب أيّ لم يغب عنّي علم ما غاب عن مجلسي

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

زواج المسيار :

( رندا ـ فلسطين ـ سنّية ـ ٢٣ سنة )

شروطه وحكمه :

س : ما هو زواج المسيار؟ وما هي شروطه؟ وما حكمه شرعاً؟ وكيف يكون؟

ج : إنّ زواج المسيار الذي شاع مؤخّراً عند بعض الناس هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاءا.

ودافع هذا كما هو معلوم ، الاستجابة إلى الحاجة الجنسية لكلا الزوجين ، دون قيود وشروط تسبّب مشكلةً في الاقتران بينهما.

ولكن المسلمين لا حاجة لهم بزواج المسيار بعد أن أباح الله زواج المتعة ، إذ إنّ الإسلام أخذ بالاعتبار أهمّية إشباع الحاجة الجنسية لدى الجنسين ، وأكّد على تهذيبها وتوجيهها بطريقة تضمن لكلا الطرفين حقوقهما الجنسية ورغبتهما ، وقد أكّد القرآن الكريم هذا الزواج المعروف بالمتعة ، بقوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) ، فكان صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمارسون هذا الزواج المؤقّت ـ المعروف بالمتعة ـ متى ما احتاج أحدهم إلى ذلك.

____________

١ ـ النساء : ٢٤.

٥٤١

أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ علينا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١) .

وزواج المتعة أو الزواج المؤقّت هو : أن يتّفق الزوجان على الزواج ، ويحدّدان مدّة معلومة ، ومهرٍ معلوم ـ تماماً كما هو الزواج الدائم ـ إلاّ أنّ له مدّة محدودة ، هذا هو الزواج المؤقّت في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أُلغي وبقي عليه الشيعة وبعض السنّة(٢) يبيحونه.

( ـ ـ )

الفرق بينه وبين المتعة :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق على مستوى الاسم والاصطلاح؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : إنّ زواج المسيار هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاء.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاق بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا ـ عن عمدٍ أو عن جهل ـ أن يذعنوا إلى حكم شرعيّ شرّعه الله تعالى في كتابه ـ كما شرّع الزواج الدائم ـ وهو نكاح المتعة.

فكما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ،

____________

١ ـ المائدة : ٨٧ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠.

٢ ـ كابن جريج المكّيّ.

٥٤٢

شرّع الله تعالى ـ وهو العالم بما يحتاجه خلقه ـ زواج المتعة تلافياً لأيّ عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية.

وزواج المتعة هو : عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج ، دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث ـ أي لا يرث أحدهما الآخر ، إن مات أحدهما في مدّة العقد ـ وعلى الزوجة أن تعتدّ. ويراجع في ذلك الى الكتب الفقهية.

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه ، أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، ولم يُنسخ حكمها أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواج قائم بذاته ، له خصوصيّاته ، وللزوجة مهرها ، وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم ، بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( ـ ـ )

حكمه عند الإمامية :

س : ما هو حكم زواج المسيار على مباني الإمامية ، وفتاواهم؟

ج : إنّ زواج المسيار ـ على ما ينقل من ذوي الخبرة ـ هو زواج يعتبر فيه العقد ـ من الإيجاب والقبول ـ وثبوت المهر ، ويختلف عن الزواج العادي ، بتنازل الزوجة عن حقّ المبيت ، والنفقة والإرث ، أو حتّى عن مراعاة العدل بينها ، وبين الزوجات الأُخرى ـ إن وجدت ـ.

وهذا الزواج بحسب الموازين الشرعيّة يعتبر زواجاً دائماً مع شروط.

ولكنّ الذي ينبغي أن يقال : إنّ هناك ـ في موضوع الزواج ـ حقوقاً وأحكاماً ، فما كان من الحقوق فهو قابل للتنازل ، أو المصالحة متى ما وجد ـ كحقّ المبيت أو النفقة ـ وأمّا ما كان من الأحكام ـ كالإرث ـ فلا سبيل لإسقاطه ،

٥٤٣

أو التنازل عنه ، لأنّه حكم شرعيّ ثابت لكلّ زواج دائم ، فلا أثر لإلغائه في المقام.

وبالجملة : ففي هذا الزواج ـ المتداول عند البعض ـ توجد شروط غير صحيحة من الأصل ـ كاشتراط عدم التوريث ـ وشروط جائزة ، ولكن مع صياغتها بصورة صحيحة.

وعلى كلّ حال ، وحتّى في صورة بطلان الشرط ـ من الأساس أو من جهة شكلية صياغتها ـ فلا يضرّ بأصل الزواج ، لأنّ الشرط الفاسد ليس مفسداً ومبطلاً للعقد ، فيبقى الزواج المذكور زواجاً دائماً شرعيّاً ، مع غضّ النظر عن الشروط.

وأخيراً : فإنّ الحلّ الصحيح في الموضوع ، هو زواج المتعة ـ الذي هو عقد شرعيّ ـ وإن أنكرها البعض دعماً لمذهبهم ، ومخالفةً منهم للحقّ الصريح ، ففيه ما يطلبه البعض من الاشتراطات المذكورة في زواج المسيار بدون ورود النقوض عليه ، من اشتراط عدم التوريث وغيرها.

فعلى المسلمين أن يعملوا بما شرّع لهم ، حتّى لا يقعوا في مأزق ، يجعلهم يبحثون عن قوانين وأحكام غير صحيحة ، أو غير متّفقة.

وتتميماً للفائدة نذكر لكم بعض فتاوى علماء الطائفة حول زواج المسيار :

ظهر في الآونة الأخيرة في دول الخليج ـ خصوصاً في السعودية ـ ما يسمّى بزواج المسيار أو زواج النهاريات ، وصورته : أن يتزوّج الرجل المرأة بإيجاب وقبول ، مع الالتزام بالشروط الشرعيّة ، من عقد وشاهد ، لكنّه يتميّز عن الزواج العادي ، بأنّ الزوجة فيه تتنازل عن حقّها في أن ينام زوجها عندها ، وتتنازل عن حقّها بالعدل بينها وبين الزوجة الأُولى ، وعن النفقة والإرث ، وهذا إنّ الزوج لا يخبر زوجته الأُولى بأنّه متزوّج من ثانية.

جواب مكتب سماحة السيّد السيستانيّ : ( لا مانع منه ، لكن لا أثر للتنازل عن الإرث فعلاً ، نعم يجوز اشتراط أن تعرض عن سهمها في وقته لصالح الورثة

٥٤٤

أو تهبه لهم ، فيجب عليها ذلك تكليفاً ).

وأجاب سماحة الشيخ جواد التبريزي بقوله : ( تنازل الزوجة ( المسيار ) عن حقّها في النفقة ، والقسم ( المبيت ) لابأس به ، وأمّا تنازلها عن حقّها في الإرث فلا يصحّ ، نعم إذا مات زوجها لها أن لا تطالب الورثة الباقين بحصّتها وتتركها لهم ، ولا يجب عليها إخبار الورثة بترك حصّتها لهم وإعراضها عنها ، والله العالم ).

( العامليّ ـ الكويت ـ ٢٨ سنة )

أحد مصاديق الزواج الدائم :

س : لا يوجد دليل شرعيّ على زواج المسيار ، بل هو من اختراع البعض من شرذمة من يدّعي الإسلام ، فأين الراوية أو الآية على جوازه؟

ج : لا تطلق الأحكام الشرعيّة هكذا جزافاً ، فإنّ لاستنباط الحكم الشرعيّ سواء كان تكليفيّ أو وضعيّ قواعد وأُصول خاصّة يتبعها الفقيه ، لكي يفتي بجواز أو صحّة أو بطلان فعل أو سلوك أو تصرّف معيّن.

فأوّلاً ؛ أودّ أن أوضّح لك أنّ مصطلح الزواج المسيار مصطلح جديد ، لم يكن موجوداً في زمن التشريع ، وإنّما تعورف واتفق عليه عرف الناس في الوقت الحاضر ، بأنّه يدلّ على عقد زواج دائم بشروط معيّنة.

ومن هذا يتّضح لك أنّ الزواج المسيار هو في الأساس على حقيقته زواج دائم اشترط في عقده شروط معيّنة ، أي لو أنّ رجلاً وامرأة عاشا في قرون المسلمين السابقة ، وتعاقدا على مثل هذا العقد المسمّى الآن بالزواج المسيار ، فمن الواضح أنّ في زمانهما لم يكن يطلق عليه مثل هذه التسمية ، ولكن مع ذلك لا يخلو أمره من حكم شرعيّ ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاعتراض على مثل هذا الزواج بالقول أنّه لا رواية فيه أو آية ، وإنّما يجب أن يعرف حكمه بالرجوع إلى الأدلّة والقواعد الفقهيّة.

٥٤٥

فنقول : كما عرفت فإنّ هذا الزواج المصطلح عليه الآن بالزواج المسيار هو أحد مصاديق الزواج الدائم ، والزواج الدائم بإجماله جائز قطعاً لا يختلف فيه أحد من المسلمين ، ولكن عقد الزواج الدائم فيه شروط مذكورة في كتب الفقه ، ثمّ أنّه كغيره من العقود يمكن الاتفاق فيه بين الطرفين على شروط من خارجه.

فجاء الكلام في الشروط التي تنافي مقتضى العقد بين الفقهاء ، كشرط عدم الإرث ، أو عدم النفقة ، أو عدم السفر بها ، أو عدم التسرّي وغير ذلك ، فمن قائل بالجواز ، ومن قائل ببطلان أصل العقد ، ومن قائل بصحّة العقد ولغو الشرط ، وهذا الاختلاف مأخوذ من مجمل أقوال علماء المذاهب الإسلاميّة الخمسة.

وعليه ، فإنّ الحكم في الزواج المسيار يعود في الحقيقة إلى المختار في القول بالشرط المخالف لمقتضى العقد ، إذ ليس هو نوع مستقلّ من أنواع الزواج ، حتّى يحتاج إلى دليل خاصّ به ، كما في زواج المتعة مثلاً.

وعليه ، فنحن يجب أن نناقش من جوّزه أو حرّمه ، أو قال بأنّ الشرط لاغ في مبناه الفقهيّ في مسألة الشرط المخالف لمقتضى العقد.

ولكن لي كلمة أخيرة وهي : أنّ سبب اللجوء إلى مثل هكذا زواج بهذه الشروط ؛ هو نتيجة لتضييق شرع الله عندما حرّم عمر المتعة على المسلمين ، فألجأتهم الحاجة إلى اختراع مثل هكذا زواج.

وأخيراً : أنّه يمكن أن يكون بعض من يحرّم الزواج المسيار الآن ـ خاصّة من الفرقة الوهابيّة ـ يستند في فتواه وحكمه إلى الاستحسان وسدّ الذرائع وما إلى ذلك ، وهو نفس الدافع الذي دفع عمر إلى تحريم المتعة ، ألا وهو رأي أرتآه!! مخالفاً لما شرّع من قبل الله ، وجاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٤٦

زيارة القبور :

( أبو منتظر ـ السعودية ـ سنّي )

زيارة الشيعة لها :

س : إخواني الكرام ، أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة : معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تناقشها على أيّ واحد بأسئلة ليست فكرية إلى حدّ ما ، وهو لا يجد كلام يقوله ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً لنا إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الملايين من البشر ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أن هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ ، ولكن أنا أدعو الناس إلى زيارة القبور ، لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن لا أن توصل إلى عبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا السؤال؟

ج : نسأل الله تعالى لكم التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد شيعيّ واحد يعبد القبور ، وإنّما هي زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق

٥٤٧

التبرّك هو عبادة للقبر ، فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ، وإنّما القائل بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة ، مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات ، التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّت عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهمعليهم‌السلام ، فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ومنزلته من الله ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( جاسم محمّد غلوم بدر ـ البحرين ـ ٢٤ سنة ـ دبلوم )

الضرب على القبور بالحجر :

س : لماذا يضربون على القبر بالحجر؟ وبعض الأحيان باليد ، قبل قراءة الفاتحة ، أو قراءة الزيارة؟ وهل لهذا الفعل استحباب أو أنّه بدعة؟ وإذا كان العمل مستحبّ ، أرجو ذكر الدليل.

ج : قد ورد استحباب وضع اليد على القبر وقراءة سورة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) سبع مرّات ، فإنّ الميت يرى بعد ذلك الزائر لقبره ببركة قراءة هذه السورة ، وهذا كثيراً ما يعمله الناس.

٥٤٨

أمّا ضرب القبر بالحجر أو باليد ، فلعلّها عادة بعضهم عند زيارة قبور موتاهم ، ظنّاً منهم أنّ ذلك أبلغ في وصول ما يهديه من الفاتحة ، ولم يرد في هذا المجال شيء من الروايات أو السيرة.

( ـ ـ )

كيف تعادل كذا حجّة وعمرة :

س : أحياناً يقال : أنّ زيارة المعصوم تعادل كذا حجّة وعمرة ، أُريد أن أعرف هل هذا موجود في الروايات؟

ج : من الأُمور المتعارف عليها أن يقاس بعض الأشياء بأشياء أُخرى ، إذا كان الشيء الثاني معلوماً ، فمثلاً يقاس قبح الغيبة بالزنا ، لأنّ قبح الزنا معلوم لكلّ مسلم ، بل لكلّ موحّد ، بل لكلّ عاقل ، ومعلومية الأشياء تختلف باختلاف الثقافات والأشياء ، والأعصار والأمصار كما هو واضح.

ففضيلة الحجّ والعمرة معلومة لكلّ مسلم من خلال مصدر التشريع الإسلاميّ ـ من الآيات القرآنيّة والسنّة الشريفة ـ فكان الحجّ مقياساً للفضيلة والثواب ، كما أنّ الشهيد يُعدّ من المقاييس في بيان الفضائل والأجر والثواب.

ومن هذا المنطلق ، نجد الروايات التي تخبر عن مقام الزائر للعتبات المقدّسة ، وزيارة الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام لأجل بيان الثواب والأجر العظيم يقاس بالحجّ والعمرة ، والروايات في مقام العدد مختلفة ، فمثلاً في زيارة الإمام الرضاعليه‌السلام ورد أنّها يكتب للزائر سبع حجج ، وفي بعضها سبعين ، وفي آخر مائة حجّة ، ومائة عمرة مقبولة ، وفي آخر مائة ألف حجّة مقبولة ، هذه الدرجات والأعداد إنّما هي باعتبار ما يحمل الزائر من المعرفة بإمامه المزور ، فمن الزائرين والزائرات ما يعطى لهم ثواب سبع حجج ، ومنهم ما يعطى لهم ثواب مائة ألف حجّة ، وهذا من الأمر الطبيعي والوجدانيّ والعقلي ، فلو كان العطاء واحداً والناس يختلفون في علمهم ومعرفتهم وثقافتهم لكان خلافاً للعدل ، بل من العدالة أن يعطى كلّ

٥٤٩

واحد بما يستحقّه ، فإنّ العدل بمعنى وضع الشيء في موضعه.

وأمّا الروايات التي فيها أجر الزائر قياساً بالحجّ ، فإليك جملة منها :

١ ـ عن محمّد بن سليمان قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي الرضاعليهما‌السلام عن رجل حجّ حجّة الإسلام ، فدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فأعانه الله تعالى على حجّه وعمرته ، ثمّ أتى المدينة فسلّم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أتى أباك أمير المؤمنينعليه‌السلام عارفاً بحقّه ، يعلم أنّه حجّة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فسلّم عليه ، ثمّ أتى أبا عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام فسلّم عليه ، ثمّ أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، ثمّ انصرف إلى بلاده.

فلمّا كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحجّ به ، فأيّهما أفضل؟ هذا الذي حجّ حجّة الإسلام يرجع أيضاً فيحجّ ، أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام فيسلّم عليه؟ قالعليه‌السلام : (بل يأتي خراسان فيسلّم على أبي عليه‌السلام أفضل ، وليكن ذلك في رجب )(١) .

٢ ـ عن أبي الصلت الهروي قال : سمعت الرضاعليه‌السلام يقول : (والله ما منّا إلاّ مقتول شهيد ) ، فقيل له : فمن يقتلك يا بن رسول الله؟

قال : (شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ، ثمّ يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزّ وجلّ له أجر مائة ألف شهيد ، ومائة ألف صدّيق ، ومائة ألف حاج ومعتمر ، ومائة ألف مجاهد ، وحشر في زمرتنا ، وجعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا )(٢) .

٣ ـ عن أحمد البزنطي قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام : (أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله عزّ وجلّ ألف حجّة ).

قال : فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام ـ الإمام الجواد ـ : ألف حجّة؟

____________

١ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢٨٩.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٧.

٥٥٠

قالعليه‌السلام : ( أي والله ، وألفا حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه )(١) .

٤ ـ عن سليمان بن حفص المروزي قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول : (من زار قبر ولدي علي كان له عند الله تعالى سبعون حجّة مبرورة ).

قلت : سبعون حجّة؟ قال : (نعم سبعين ألف حجّة ) ، ثمّ قال : (ربّ حجّة لا تقبل ، من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه )(٢) .

( يعرب البحرانيّ ـ الإمارات ـ )

كيفية قياسها بالحجّ والعمرة :

س : ورد في كتاب مفاتيح الجنان وضياء الصالحين ـ على سبيل المثال ـ : إنّ الزيارة تعادل ستين حجّة ، أو من قرأ الدعاء المذكور ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ما المقصود بذلك؟

ج : إنّ ما ورد في كتاب مفاتيح الجنان من الأجر العظيم ، لبعض الزيارات فهو شيء معقول ، لأنّ قضية الأجر والثواب قضية شرعيّة ـ أي بيد الشارع تحديد الأجر والثواب ـ وهذا لا يعني أنّ الزيارة أفضل أو مساوية للحجّ والعمرة أبداً ، ولكن المقصود هو : أنّ الزيارة حيث كانت لغرض مقدّس ـ الذي هو إحياء أمر الحسينعليه‌السلام ، وبالتالي إحياء لأمر الإسلام ، وتعظيم لشعائر الله تعالى ـ فحينئذ يدخل في باب الشعائر التي أهتمّ بها الشارع المقدّس ، وتعبيراً منه لهذا الاهتمام ، يقرّر مثلاً أنّ الزيارة الفلانية تعادل كذا حجّة وعمرة في الثواب والأجر ، وهذا ناظر إلى الحجّ والعمرة المستحبّتين دون الواجبتين.

ونظير هذا ورد حتّى في كتب إخواننا السنّة : حيث ورد في بعض المستحبّات أنّها تعادل حجّة أو مائة حجّة ، مثلاً : الترمذيّ يروي حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من

____________

١ ـ ثواب الأعمال : ٩٨.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٠.

٥٥١

سبّح الله مائة بالغداة ومائة بالعشي ، كان كمن حجّ مائة حجّة )(١) ، فهذا ليس معناه أنّ التسبيح هو أفضل من الحجّ مطلقاً ، وإنّما لبيان عظمة التسبيح وأهمّيته ، وأنّ له ثواب كذا حجّة ، والمقصود هو الحجّات المستحبّة ، مضافاً إلى أنّ التسبيح لا يغني عن الحجّ.

وكذا ما رواه أحمد بن حنبل من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من مشى إلى صلاة مكتوبة ، وهو متطهّر ، كان له كأجر الحاج المحرم )(٢) .

فزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام باعتبارها من المستحبّات الأكيدة ، تدخل ضمن شعائر الله ، ولهذا تعادل بأجر الحجّة أو العمرة المستحبّتان.

( البحرانيّ ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب حوزة )

الأدلّة على جوازها :

س : ما الدليل على جواز زيارة القبور؟

ج : الأدلّة على جواز زيارة القبور هي :

أوّلاً : الكتاب الكريم ، قال تعالى :( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (٣) .

نهت الآية عن الصلاة والقيام على قبر المنافق ، ومفهومها مطلوبية هذين الأمرين بالنسبة لغيره ـ أي للمؤمن ـ.

ثانياً : السنّة النبويّة ، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جسّد بعمله مشروعية زيارة القبور ـ مضافاً إلى أنّه أمر بها ـ وعلّم كيفيّتها ، وكيف يتكلّم الإنسان مع الموتى ، فقد ورد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله زار البقيع ، واليك بعض النصوص :

____________

١ ـ الجامع الكبير ٥ / ١٧٦.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٦٨.

٣ ـ التوبة : ٨٤.

٥٥٢

١ ـ روى مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما كان ليلتها منه ، يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللّهم أغفر لأهل بقيع الغرقد )(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (نهيتكم عن ثلاث ، وأنا آمركم بهنّ : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة )(٢) .

ثالثاً : الفطرة ، فالنفوس السليمة تشتاق إلى زيارة من له بها صلة روحية أو مادّية ، والإسلام دين الفطرة.

رابعاً : سيرة المسلمين ، فإنّها جرت على زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ وفاته ، وإلى يومنا هذا.

خامساً : تصريح أكابر الأُمّة الإسلاميّة وفقهائها على زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد خصّ الإمام السبكيّ الشافعيّ في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين.

كما نقل العلاّمة الأميني في ( الغدير ) كلمات أعلام المذاهب الأربعة بما يتجاوز الأربعين كلمة حول الزيارة(٣) .

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث عن أهل البيتعليهم‌السلام حول زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها مثلاً :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من زارني في حياتي وبعد موتي ، فقد زار الله تعالى )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ٦٣.

٢ ـ سنن أبي داود ٢ / ١٨٩ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٩ / ٢٩٢ ، كنز العمال ١٥ / ٦٤٨.

٣ ـ الغدير ٥ / ١٠٩.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٦.

٥٥٣

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة )(١) .

ثمّ بالإضافة إلى هذه الأدلّة ، هناك آثار تربوية وأخلاقية واجتماعيّة تنطوي عند زيارة القبور ، ومن يشكّك في استحباب زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الواقع يشكّك في الأُمور المسلّمة ، والمتّفق عليها عند المسلمين.

( محمّد ـ ـ )

لا تنافي لا تتخذوا القبور مساجد :

س : ما هو الردّ ـ من الكتاب أو السنّة ـ عند الشيعة على حديث : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )(٢) .

وعلى حديث : ( ألا وإن من كان قبلكم ، كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم مساجد وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد ، إنّي أنهاكم عن ذلك )(٣) .

ما هو الردّ على هذين الحديثين ، ومدى صحّتهما.

ج : إنّ احترام العظماء والصلحاء ، وعلى رأسهم الأنبياء والأولياء ، نشأت عليها جميع الشعوب والأُمم على مدى التاريخ ، فهل من المعقول أن يقابله الدين الحنيف مع ما فيه من تعظيم ، وتركيز للأُسس والمفاهيم الدينية؟

فهذا القرآن الكريم في نقله لقصّة أصحاب الكهف ، يذكر بناء مسجد على قبورهم ، مع تأييده لهذا العمل ، لعدم ردعهم عنه( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (٤) فهل هذا حرام؟ أو على العكس فهو إحياء لذكرى هؤلاء ، وإشارة واضحة لتأييد عملهم؟

____________

١ ـ كامل الزيارات : ٤١.

٢ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١١٠.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ٦٨.

٤ ـ الكهف : ٢١.

٥٥٤

وأيضاً قوله تعالى :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (١) ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأنّ هذه البيوت بيوت الأنبياء ، وحتّى بيت علي وفاطمة(٢) .

ومن المعلوم : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن في بيته ، فزيارته والصلاة والدعاء عند قبره ، يعتبر مشمولاً للنصّ القرآنيّ.

وأمّا الروايتان التي أشرتم إليها ، فمع غضّ النظر عن سندها ، فهما محمولتان على صورة عبادة القبر أو صاحبه ؛ فيا ترى هل يوجد شخص مسلم ـ حتّى مع الوعي القليل ـ ينوي العبادة للقبور؟!

مضافاً إلى أنّه توجد هناك روايات كثيرة بألفاظ متقاربة ، تحثّ على زيارة القبور.

( أبو احمد الأمين ـ الدانمارك ـ ٥٣ سنة ـ بكالوريوس )

تعقيب على الجواب السابق :

الإنسان مخلوق من الطين ، وكذا جميع المخلوقات على البسيطة ، ولما يموت الحيوان ـ ناطقاً كان أو غير ناطق ـ يدفن أو يذرى على البسيطة ، وعلى رأي المخالفين إن صحّ عندهم عدم جواز الصلاة على القبور أو عند القبور ، فأين إذن نذهب لنصلّي ، هل على القمر؟

إذ الخليقة ـ أي الكرة الأرضية ـ منذ أن خلق الله تعالى عليها كلّ دابة هي مكان لقبور هذه الحيوانات ، فلا أرض إلاّ وفيها قبور ، فكلّ الديار قبور منذ أن خلق الإنسان والحياة على الأرض ، إذاً معناه يجب أن نبطل الصلاة ولا نصلّي ، لأنّ الأرض كلّ بقعة فيها ، أمّا قبراً أو تراباً لجسد.

____________

١ ـ النور : ٣٦.

٢ ـ روح المعاني ٩ / ٣٦٧ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٠.

٥٥٥

( محسن ـ كندا ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

زيارة عاشوراء مشهورة السند :

س : أحد الخطباء قال : زيارة عاشوراء مجعولة ، وليست من كلام المعصوم ، بل هي من كلام أحد العلماء ، ولذلك لا يجوز قراءة هذه الزيارة ، هذه القضية أثارت الشكّ في قلوب شباب الشيعة هنا في كندا.

فأرجو تزويدنا بإسناد هذه الزيارة ومعلومات حولها ، حتّى نزيل الشكّ من قلوب الشباب ، أفيدونا مأجورين.

ج : زيارة عاشوراء من الزيارات التي وردت نسبتها إلى الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليست هي من تأليف أحد العلماء ـ كما يدّعي ذلك الخطيب ـ وكان بإمكانكم الرجوع إلى مفاتيح الجنان وملاحظة سند الرواية ، ونسبتها إلى الإمام الباقرعليه‌السلام مرّة ، وأُخرى إلى عمل الإمام الصادقعليه‌السلام بها.

وإن كان البعض يرى ضعف سند الرواية ، إلاّ أنّ عمل المشهور جابر لضعف السند ، أي أنّ كلّ خبر عمل به المشهور فهو حجّة ، سواء كان الراوي ثقة أو غير ثقة.

( محمّد حسين ـ مصر ـ ٣٢ سنة )

زيارة الناحية إحدى زيارات الإمام الحسين :

س : ما حكم زيارة الناحية المقدّسة الواردة عن الإمام المهديّ عليه‌السلام ؟ هل هي صحيحة؟ مع العلم أنّها تحتوي على بعض الأُمور التي نفاها علماؤنا ، كخروج الهاشميّات من خيامهن ، وهن ناشرات الشعور ، لاطمات الخدود ...!!

ج : قد ذكر زيارة الناحية الشيخ محمّد بن المشهديّ ، ونسبها إلى الناحية المقدّسةعليه‌السلام عن طريق أحد الأبواب(١) ، ولهذا وبملاحظة عدم وجود سند واضح

____________

١ ـ المزار الكبير : ٤٩٦.

٥٥٦

يعتمد عليه ، لا يمكن البتّ القاطع بصحّتها ، ولكن لا يضرّ هذا في صحّة العمل بها ، وهي ـ أي الزيارة ـ من الأُمور المستحبّة ، كما وقد عمل بزيارة الناحية مجموعة كبيرة من العلماء والصلحاء.

أمّا ما يرد عن بعض العلماء من نفي بعض الأُمور ، فهو نفي للأُمور المحرّمة ، التي تحتملها مضامين تلك الفقرات ، ولكن إذا أمكن تأويل المراد من تلك الفقرات ـ وهو ممكن ـ بما يصحّح تلك الأفعال ، فليس هناك ما يقدح بدلالة تلك الزيارة.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

زيارة الأربعين كانت في نفس سنة القتل :

س : هل كانت زيارة الأربعين في نفس السنة التي قُتل فيها سيّد الشهداء عليه‌السلام ؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام حاولوا على مدى الزمان ، منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف الحاسم لمراجع الدين أمام هذا التيّار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، بالإضافة إلى وجود الحبّ والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات والخطط ، فأثبتوا للأعداء قوّة تمسّكهم بأهل البيتعليهم‌السلام ، وبإقامة شعائرهم ، مهما كلّفهم الأمر من الخطر.

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الكثير من القضايا التاريخيّة لم تصل إلينا بشكل صحيح ، فيد التزوير وقلب الحقائق وتشويهها لا زال موجوداً ، من أجل مصالح شخصية ودنيوية.

كما لا يخفى عليكم أنّ ثبوت بعض القضايا التاريخيّة أو عدم ثبوتها بشكل قطعي ، كقضية رجوع السبايا إلى كربلاء ، لا تمنع المحبّ والموالي لأهل البيتعليهم‌السلام ، من إقامة الشعائر الحسينية.

٥٥٧

والنتيجة : إنّ قضية رجوع السبايا إلى كربلاء من القضايا المشهورة عند علمائنا ، وأنّ رأس الحسينعليه‌السلام قد أعاده الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر في نفس تلك السنة(١) .

( أحمد. الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

زيارة الله لقبر الحسين زيارة شرفية :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهابيّة في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الله يزور قبر الحسين ، قد تعجبون من هذه الحقيقة ، والحقيقة مُرّة.

روى الكلينيّ وغيره : أنّ أبا عبد الله عتب على من أتاه ولم يزر قبر علي بن أبي طالب ، قائلاً : ( لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء )؟ الكافي ٤ / ٥٨٠ ، تهذيب الأحكام ٦ / ٢٠ ، كامل الزيارات : ٨٩ ، كتاب المزار : ١٩ ، فرحة الغريّ : ١٠٢.

وبسبب ما ورد من مثل هذه الفضائل تفوّه أحد أصحاب أبي عبد الله بهذه الكلمة : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ( الكافي ٤ / ٥٨٣ ) ، فتأمّل!

أرجو إعطائي بعض المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهابيّة ، وشكراً.

ج : لقد وردت روايات متضافرة بثواب زيارة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، وفيها من الترغيب والحثّ الكبير ، الدال بكلّ وضوح على الاستحباب المؤكّد ، ويمكن للسائل أن يراجع المصادر المذكورة في متن السؤال ليقف عليها بالتفصيل.

وبالنسبة للألفاظ الواردة فيها ـ كقولهعليه‌السلام : ( ألا تزور من يزوره الله ) ـ فنقول : قد أثبت الإمامية في بحوثهم الكلامية بما لا مزيد عليه استحالة الانتقال

____________

١ ـ أُنظر : مثير الأحزان : ٨٦ ، اللهوف : ١١٤.

٥٥٨

والتنقّل في حقّه سبحانه من مكان إلى مكان ، لما يلزم من الجسمية والنقص والاحتياج ، فلا يمكن تصوّر زيارته سبحانه لغيره ـ كما في لسان هذه الروايات ـ كزيارة الناس بعضهم لبعض ، أو زيارة الملائكة للأولياء الصالحين.

وإنّما المراد هو معنى مجازي ، المقصود منه بيان شرفية المزور وكرامته عنده سبحانه ، كما بيّن سبحانه في آيات عديدة من القرآن الكريم ، مثلاً شرفية الخمس والصدقات ، فذكر سهماً له في الخمس أو بأخذه للصدقات ، كما في قوله تعالى :( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (١) ، وقوله تعالى :( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) (٢) .

فلا يمكن تصوّر أن يكون لله سبحانه سهماً في الخمس على نحو الأخذ والانتفاع ، فهذا محال في حقّه سبحانه ، كذلك لا يمكن أن يتصوّر أن يأخذ الله الصدقات على نحو الحقيقة من التناول والقبض ، فهذه ألفاظ إنّما أُريد منها معنى مجازياً لبيان شرفية الموضوع المتحدّث عنه ، وعليه تكون الألفاظ الواردة في روايات الزيارة إنّما هي وفق هذا السياق القرآنيّ المار ذكره.

أمّا بخصوص عبارة معاوية بن وهب التي ذكرها المستشكل وهي : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ، نقول ـ على فرض ثبتوتها ـ : فهي ظاهرة في إرادة الحجّ المستحبّ ، إذ لا مقارنة بين الواجب منه وبين الزيارة المستحبّة ، وإنّما المقارنة بين المستحبّين ، ومن الممكن أن يكون مستحبّاً أكثر ثواباً من مستحبّ آخر.

وفي الختام نقول : رحم الله امرأً استعان بنعم الله التي وهبها لعباده من الحواس والعقل وسخّرها لمعرفة حقائق الأُمور بالبحث والتدبّر ، بدل أن يكون

____________

١ ـ الأنفال : ٤١.

٢ ـ التوبة : ١٠.

٥٥٩

مطيّه لأهوائه وغرائزه والشيطان ، ويخسر عندها الدنيا والآخرة ، ولا ينفعه الندم إن أراد الندم يوم ذاك ، ولله الحجّة البالغة ، وهو الموفّق للصواب.

( محمود البحرانيّ ـ البحرين ـ ١٧ سنة ـ طالب الثانوية )

الميّت يدرك بعد الموت وينتفع بالعمل :

س : عند زيارة قبر أحد الأموات ، هل يسمع الميّت كلام الزائر أم أنّ روحه قد انتقلت إلى مكان أخر ، وإنّ صوت الزائر لا يصله ، وإذا كان الصوت لا يسمع فما الفائدة من زيارة القبر إذاً؟

أتمنّى الإجابة ، ولكم الشكر الجزيل ، متمنّياً من المولى أن يرزقنا وإيّاكم الثواب وحسن الختام.

ج : إنّ السؤال ينقسم إلى قسمين :

١ ـ هل هناك حياة أُخرى بعد الموت يكون للميّت فيها فعل وإدراك وشعور؟ وهل يمكن أن يكون هناك اتصال بين الحياة الدنيا وعالم البرزخ الذي تنتقل إليه الروح؟ وبالتالي أنّ الميّت يستطيع أن يسمع كلام الحيّ؟

٢ ـ هل أنّ الميّت ينتفع بالأعمال التي يؤدّيها الحيّ بالنيابة عنه ، أو يهديها إليه أو لا؟

والجواب عن القسم الأوّل يكون بنقاط :

١ ـ إنّ حقيقة الإنسان هي بروحه لا ببدنه ، وإنّ هذه الروح لا تفنى بفناء الجسد ، وإنّما تنتقل إلى عالم آخر وهو البرزخ ، قال تعالى :( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) ، ويتوضّح ذلك أكثر إذا عرفنا أنّ معنى التوفّي هو الأخذ والقبض والاستيفاء وليس الإعدام.

____________

١ ـ الزمر : ٤٢.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621