موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة12%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 271523 / تحميل: 6634
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(٢) ، كما نصّ عليه في كتابه ، ولا خالق سواه

ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب والمعاصي ، ويلوم العباد بالكسب الذميم ، وهو يخلق الأشياء ، والله يخلق الإعراض ، ولكنّ العبد مباشر للإعراض فهو معرض ، والمعرض من يباشر الفعل لا من يخلق ، وكذا المنع(٣) .

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٢.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٠٢ ، سورة الرعد ١٣ : ١٦ ، سورة الزمر ٣٩ : ٦٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٢.

(٣) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦٩ ـ ٩١ ، تمهيد الأوائل : ٣٤١ ـ ٣٤٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٦ ـ ٩٣ ، المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦١ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٥ ـ ١٣٩.

٣٤١

وأقول :

لا يخفى أنّ قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) وارد في مقامين من الكتاب المجيد

الأوّل : قوله تعالى في سورة الأنعام : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )(١) .

وهو ظاهر في غير أفعال العباد ؛ لأنّه سبحانه قد جعل الأمر بعبادته واستحقاقه لها فرعا عن وحدانيّته وخلقه للكائنات.

ومن الواضح أنّ تفريع الأمر بالعبادة على خلق الكائنات إنّما يتمّ إذا كانت العبادة فعلا للعبد ، إذ لا معنى لقولنا : لا إله إلّا هو خالق عبادتكم وغيرها فاعبدوه.

الثاني : قوله تعالى في سورة الرعد : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ )(٢) .

وقد استدلّ المجبّرة بهذه الآية على مذهبهم من حيث اشتمالها على العموم ، وعلى إنكار من يخلق كخلقه(٣) .

وأجيب بأنّ الآية وردت حجّة على الكفّار ، فلو أريد بها العموم

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٠٢.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ١٦.

(٣) تمهيد الأوائل : ٣٤٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ، تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٣٨.

٣٤٢

لأفعال العباد لانقلبت الحجّة بها للكفّار ؛ لأنّه إذا كان هو الخالق لشركهم لمّا صلح الإنكار عليهم به ، وكان لهم أن يقولوا : إذا كنت قد فعلت ذلك بنا فلم تنكر علينا بفعل فعلته فينا ونحن لا أثر لنا فيه أصلا؟!

مضافا إلى أنّ المراد الإنكار عليهم في جعل آلهة لا يمكن الاشتباه بإلهيّتهم ، إذ لم يجعلوا لله تعالى شركاء لهم خلق يشبه خلقه حتّى يحصل به الالتباس في الإلهية.

وهذا إنّما يراد به المخلوقات المناسبة للإلهية كالسماوات والأرض والأجسام والأعراض ، فيكون عموم قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) إنّما هو بالنسبة إلى تلك المخلوقات ، لا مثل الشرك والإلحاد والظلم والفساد ونحوها ، ممّا يصدر من البشر ويتنزّه عنه خالق العجائب وعظام الأمور وبديع السماوات والأرضين.

ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فالعموم مخصّص بالأدلّة العقلية والنقلية ، الكتابية وغيرها ، الدالّة على إنّ العباد هم الفاعلون لأفعالهم ، كما ستعرف إن شاء الله.

وأمّا قوله : « ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب ».

ففيه : إنّ الكسب إن كان من فعلهم فقد خرج عن مذهبه ، وإن كان من فعل الله تعالى فالإشكال بحاله ؛ إذ كيف يعاقبهم على فعله؟!

وأمّا قوله : « والمعرض من يباشر الإعراض لا من يخلق ».

ففيه : إنّ المصنّف لم يدّع صدق المعرض على الله تعالى بناء على مذهبهم حتّى يجيبه بذلك ، بل يقول في تقرير مذهبهم : إنّه سبحانه يخلق الإعراض في الناس ، وينكر على المعرض أي المحلّ الذي يخلق فيه الإعراض ، كما هو مراد الخصم بمباشر الإعراض.

٣٤٣

وبالضرورة أنّ الإنكار على المحلّ الذي لا أثر له بوجه أصلا جزاف لا يرتضيه العقل ، وإنّما حقّ الإنكار أن يقع على الفاعل المؤثّر.

ومثله الكلام في قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا )(١) ؛ إذ كيف ينكر عليهم وهو الذي منعهم؟!

* * *

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ٩٤.

٣٤٤

قال المصنّف ـ عطّر الله ثراه ـ(١) :

وقالت الإمامية : إنّ الله تعالى لم يفعل شيئا عبثا ، بل إنّما يفعل لغرض ومصلحة ، وإنّما يمرض لمصالح العباد ، ويعوّض الثواب ، بحيث ينتفي العبث والظلم(٢) .

وقالت الأشاعرة : لا يجوز أن يفعل الله تعالى شيئا لغرض من الأغراض ، ولا لمصلحة ، ويؤلم العبد بغير مصلحة ولا غرض(٣) .

بل يجوز أن يخلق خلقا في النار مخلّدين فيها من غير أن يكونوا قد عصوا أو لا(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٤.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ رقم ٢٦ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٨ وما بعدها ، تقريب المعارف : ١١٤ وما بعدها ، قواعد المرام في علم الكلام : ١١٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٨.

(٣) الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١١٥ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٦ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، المواقف : ٣٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

(٤) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٧ ، تمهيد الأوائل : ٣٨٢ ـ ٣٨٦ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤.

٣٤٥

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ أفعال الله تعالى ليست معلّلة بالأغراض.

وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض(٢) ـ كما سيجيء بعد هذا ـ ، ووافقهم في ذلك جماهير الحكماء والإلهيّين.

وهو يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، إن أراد تخليد عباده في النار فهو المطاع والحاكم ، ولا تأثير للعصيان في أفعاله ، بل هو المؤثّر المطلق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٤.

(٢) المسائل الخمسون : ٦٢ المسألة ٣٧ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، طوالع الأنوار : ٢٠٣ المسألة ٥ ، المواقف : ٣٣١ المقصد ٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

٣٤٦

وأقول :

ليس في كلامه إلّا ما يتضمّن تصديق المصنّف بما حكاه عنهم والالتزام بنسبتهم إلى العدل الرحمن ما لا يرضى بنسبته إليه ذو وجدان ، فإنّهم إذا أجازوا عليه سبحانه إيلام عبيده بلا غرض ولا مصلحة ، وتخليد عباده بالنار بلا غرض ولا غاية ، فقد أجازوا أن يكون من العابثين وأظلم الظالمين.

وليت شعري ما الذي حسّن لهم تلك المقالات الجائرة الفاجرة في حقّ خالقهم تبعا لإنسان خطأه أكثر من صوابه؟!

وما زعمه من موافقة الفلاسفة محلّ نظر ؛ إذ لا يبعد أنّ الفلاسفة إنّما ينفون الغرض الذي به الاستكمال دون كلّيّ الغرض(١) ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) انظر مثلا : تهافت التهافت : ٤٩١ ، شرح التجريد : ٤٤٣.

٣٤٧

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وقالت الإمامية : لا يحسن في حكمة الله تعالى أن يظهر المعجزات على يد الكذّابين ، ولا يصدّق المبطلين ، ولا يرسل السفهاء والفسّاق والعصاة(٢) .

وقالت الأشاعرة : يحسن كلّ ذلك(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٤.

(٢) النكت الاعتقادية : ٣٧ ، تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ١٧ ـ ١٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٣) مقالات الإسلاميّين : ٢٢٦ ، المواقف : ٣٤١ و ٣٥٨ ـ ٣٦٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ و ٢٦٥ و ٢٨١.

٣٤٨

وقال الفضل(١) :

لا حسن ولا قبح بالعقل عند الأشاعرة ، بل جرى عادة الله تعالى بعدم إظهار المعجزة على يد الكذّابين ، لا لقبحه في العقل ، وهو يرسل الرسل ، وهم الصادقون.

ولو شاء الله أن يبعث من يريد من خلقه ، فهو الحاكم في خلقه ، ولا يجب عليه شيء ، ولا شيء منه قبيح ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٦.

٣٤٩

وأقول :

لا يخفى أنّ تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب ـ عقلا ـ مناف لما يذكرونه عند الكلام في عصمة الأنبياء ، من دلالة المعجزة عقلا على عصمتهم عن الكذب ، في دعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله تعالى.

ولكن إذا كان الكلام تبعا للهوى ومبنيّا على شفا جرف هار ، يجوز الاختلاف فيه بمثل ذلك.

وأمّا دعوى جريان العادة بعدم إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فمحتاجة إلى دعوى علم الغيب ممّن لم يقبح عقله إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فإنّه لم يعرف كلّ كاذب ، ولم يطّلع على أحوالهم ، فلعلّ بعض من يعتقد نبوّته لظهور المعجزة على يده كان كاذبا ، ولا يمكن العلم بعدم المعجزة لكلّ كاذب من إخبار نبيّنا ٦ ـ إذ لعلّه لم يكن نبيّا ـ وإن تواتر ظهور المعجزات على يده ، على إنّه لم يثبت عنه ذلك الإخبار.

ولو ثبت مع نبوّته فخبره لا يفيد العلم ، لتجويز الأشاعرة الكذب في مثل ذلك على الأنبياء سهوا ، بل عمدا(١) ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأمّا تجويزهم أن يرسل الله السفهاء والفسّاق ، فأفظع من ذلك ، وسيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٢٨٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢٠.

٣٥٠

قال المصنّف ـ أعلى الله منزلته ـ(١) :

وقالت الإمامية : إنّ الله سبحانه لم يكلّف أحدا فوق طاقته(٢) .

وقالت الأشاعرة : لم يكلّف الله أحدا إلّا فوق طاقته ، وما لا يتمكّن من تركه وفعله ، ولامهم على ترك ما لم يعطهم القدرة على فعله.

وجوّزوا أن يكلّف الله مقطوع اليد الكتابة ، ومن لا مال له الزكاة ، ومن لا يقدر على المشي للزمانة الطيران إلى السماء ، وأن يكلّف العاطل الزمن المفلوج خلق الأجسام ، وأن يجعل القديم محدثا والمحدث قديما.

وجوّزوا أن يرسل رسولا إلى عباده بالمعجزات ليأمرهم بأن يجعلوا الجسم الأسود أبيض دفعة واحدة ، ويأمرهم بالكتابة الحسنة ، ولا يخلق لهم الأيدي والآلات ، وأن يكتبوا في الهواء بغير دواة ولا مداد ولا قلم ولا يد ما يقرأه كلّ أحد(٣) .

وقالت الإمامية : ربّنا أعدل وأحكم من ذلك(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٥.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ رقم ٢٦ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٠ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٣) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٨ ـ ١٠٠ و ١١٢ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ و ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٠.

(٤) النكت الاعتقادية : ٣٢ ، أوائل المقالات : ٥٦ ـ ٥٧ رقم ٢٤ و ٢٦.

٣٥١

وقال الفضل(١) :

تكليف ما لا يطاق جائز عند الأشاعرة ؛ لأنّه لا يجب على الله شيء ، ولا يقبح منه فعل ، إذ يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ومنعه المعتزلة لقبحه عقلا(٢) .

والحال : إنّه لا بدّ لهم أن يقولوا به ، فإنّ الله أخبرهم بعدم إيمان أبي لهب وكلّفه الإيمان ، فهذا تكليف ما لا يطاق ؛ لأنّ إيمانه محال وفوق طاقته ؛ لأنّه إن آمن لزم الكذب في خبر الله تعالى ، وهو محال اتّفاقا.

وهذا شيء يلزم المعتزلة القول بتكليف ما لا يطاق.

ثمّ ما لا يطاق على مراتب : أوسطها ما لا يتعلّق به القدرة الحادثة عادة ، سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومة كخلق الأجسام أم لا ، بأن يكون من جنس ما يتعلّق به ، كحمل الجبل ، والطيران إلى السماء ، والأمثلة التي ذكرها الرجل الطامّاتي فهذا شيء يجوّزه الأشاعرة ، وإن لم يقع بالاستقراء ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(٣) .

وقد عرّفناك معنى هذا التجويز في ما سبق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٧.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٣ و ٢٩٥ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٥٢

وأقول :

لا أدري كيف يقع الكلام مع هؤلاء القوم؟! فإنّ النزاع ينقطع إذا بلغ إلى مقدّمات ضرورية ، وهؤلاء جعلوا نزاعهم في الضروريات!

ليت شعري إذا لم يحكم العقل بامتناع التكليف بما لا يطاق وجوّز أن ينهى الله العبد عن الفعل ، ويخلقه فيه اضطرارا ، ويعاقبه عليه ، فقل لي أيّ أمر يدركه العقل؟!

قيل : اجتمع النظّام والنجّار للمناظرة ، فقال له النجّار : لم يدفع أن يكلّف الله عباده ما لا يطيقون؟!

فسكت النظّام ، فقيل له : لم سكتّ؟!

قال : كنت أريد بمناظرته أن ألزمه القول بتكليف ما لا يطاق ، فإذا التزمه ولم يستح فبم ألزمه؟!(١) .

وجلّ مسائل هذا الكتاب من هذا الباب كما رأيت وترى إن شاء الله تعالى.

وكفاك إنكارهم أن يجب على الله شيء ، فإنّه إذا لم يجب عليه شيء بعدله وحكمته ورحمته ، فأيّ إله يكون؟! وكيف يكون حال الدنيا والآخرة؟!

ومثله تجويز أن يفعل ما يشاء ممّا لا غرض فيه ولا غاية ولا حكمة ولا عدل ، كتكليف ما لا يطاق ؛ تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) انظر مضمونه في : شرح الأصول الخمسة : ٤٠٠.

٣٥٣

وأمّا قوله : « والحال : إنّه لا بدّ لهم أن يقولوا به ، فإنّ الله أخبر بعدم إيمان أبي لهب »

فمدفوع بأنّه تعالى إنّما أخبر بأنّه سيصلى نارا ، وهو لا يستلزم الكفر ؛ لجواز تعذيب المسلم الفاسق

والأولى أن يقول : إنّ الله سبحانه أخبر نبيّه ٦ ، بقوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(١) ونحوه في القرآن كثير ، ومع ذلك كلّف الناس جميعا بالإيمان ، وأخبر بصدور المعاصي من الناس وكلّفهم بالطاعة.

والجواب : إنّ الإخبار بعدم الإيمان مثلا لا يستوجب امتناعه ، بل غاية ما يقتضيه صدور ما أخبر به على ما هو عليه في نفسه من الإمكان ، والممكن مطاق في نفسه ، يصحّ التكليف به أو بخلافه ، وإن علم بعدم وقوعه من المكلّف لاختياره العدم.

فيكون صدق الخبر تابعا لوقوع المخبر به على ما هو عليه في نفسه لا العكس ، نظير تبعية العلم للمعلوم ، فإنّ علمه تعالى بالممكنات لا يجعل خلاف ما علمه ممتنعا ، بل هو تابع للمعلوم ؛ لأنّه عبارة عن انكشاف المعلوم على ما هو عليه.

ولو كان المعلوم تابعا للعلم لما صحّ التكليف أصلا ؛ لصيرورة كلّ مكلّف به ، إمّا واجبا حيث يعلم بوقوعه ، أو ممتنعا حيث يعلم بعدم وقوعه ، ولا يقوله عارف.

وأمّا ما ذكره من أنّ ما لا يطاق على مراتب ، أوسطها إلى قوله :

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

٣٥٤

« هذا شيء نجوّزه » فهو مشعر بأنّهم لا يجوّزون التكليف بالرتبة العليا ، وهي ما يمتنع لنفس مفهومه ، كالجمع بين الضدّين وإعدام الواجب.

والظاهر أنّه من باب تقليل الشناعة ، وإلّا فالمناط عندهم في جواز التكليف بالرتبة الوسطى والسفلى ، هو أنّه تعالى لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء ، وهو يقتضي صحّة التكليف بالرتبة العليا ـ كما ستعرفه وتعرف تمام الكلام فيه في المطلب الثامن ـ ، وكلام القوم في المقام مضطرب ؛ ولذا جعل الخصم أمثلة المصنّف من الوسطى ، والحال أنّ بعضها من العليا ، كجعل القديم محدثا.

ثمّ إنّ الخصم ذكر عدم وقوع التكليف بما لا يطاق بالاستقراء ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(١) ، وهو مناف لقوله سابقا بتكليف أبي لهب بالإيمان وأنّه فوق طاقته.

ومن المضحك وصفه للمصنّف رحمه الله تعالى بالطامّاتي ، والحال أنّ الطامّات هي أقوالهم ، وقد اعترف بها ، وليس للمصنّف إلّا النقل عنهم!

* * *

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٥٥

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

وقالت الإمامية : ما أضلّ الله أحدا من عباده عن الدين ، ولم يرسل رسولا إلّا بالحكمة والموعظة الحسنة(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أضلّ الله كثيرا من عباده عن الدين ، ولبّس عليهم ، وأغواهم ، وأنّه يجوز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبّه ومدح إبليس.

فيكون من سبّ الله تعالى ومدح الشيطان ، واعتقد التثليث والإلحاد وأنواع الشرك مستحقّا للثواب والتعظيم.

ويكون من مدح الله تعالى طول عمره ، وعبده بمقتضى أوامره ، وذمّ إبليس دائما ، في العقاب المخلّد واللعن المؤبّد.

وجوّزوا أن يكون في من سلف من الأنبياء ممّن لم يبلغنا خبره من لم تكن شريعته إلّا هذا(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن ميثم ـ ٥ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ، وانظر مؤدّى ذلك في : الذخيرة في علم الكلام : ٣٢٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٦٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٧٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٢ و ٢١١ و ٢١٢.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢.

٣٥٦

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله خالق كلّ شيء ، ولا يجري في ملكه إلّا ما يشاء ، ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ، بل يقولون : هو الهادي وهو المضلّ ، كما نصّ عليه في كتابه المجيد : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(٢) ، وهو تعالى يرسل الرسل ويأمرهم بإرشاد الخلائق.

وما ذكره الرجل الطامّاتي من جواز إرسال الرسل بغير هذه الهداية ، فقد علمت معنى هذا التجويز ، وأنّ المراد من هذا التجويز نفي وجوب شيء عليه.

وهذه الطامّات المميلة لقلوب العوامّ لا تنفع ذلك الرجل ، وكلّ ما بثّه من الطامّات افتراء ، بل هم أهل السنّة والجماعة والهداية.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٩١.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٩٣ ، سورة فاطر ٣٥ : ٨.

٣٥٧

وأقول :

لا يخفى أنّ قوله : « لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء » من كلام أبي إسحاق الأسفراييني الشافعي(١) عندما دخل القاضي عبد الجبّار المعتزلي(٢) دار الصاحب بن عبّاد(٣) فرأى أبا إسحاق جالسا ، فقال : سبحان من تنزّه عن الفحشاء! ـ تعريضا بأبي إسحاق بأنّه من الأشاعرة الّذين ينسبون الفحشاء إلى الله تعالى ـ فقال أبو إسحاق : سبحان من لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء(٤) .

__________________

(١) تقدّمت ترجمته في صفحة ٥٩ من هذا الجزء.

(٢) هو : أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبّار بن أحمد الهمداني المعتزلي ، أحد كبار متكلّمي المعتزلة ، ولد سنة ٣٥٩ ه‍ ، كان ينتحل مذهب الشافعية في الفروع ، وهو من كبار فقهائهم ، ولّي القضاء بالريّ ، وله تصانيف كثيرة منها : المغني في علم الكلام ، شرح الأصول الخمسة ، طبقات المعتزلة ، وغيرها ، توفّى بالريّ سنة ٤١٥ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ١١ / ١١٣ ـ ١١٥ رقم ٥٨٠٦ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ رقم ١٥٠ ، لسان الميزان ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧ رقم ١٥٣٩ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، هديّة العارفين ٥ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩.

(٣) هو : أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس الطالقاني ، كان نادرة الدهر في فضائله ومكارمه وكرمه ، أخذ الأدب عن أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي ـ صاحب كتاب « المجمل في اللغة » ـ وكذا عن ابن العميد ، وغيرهما.

كان مولده سنة ٣٢٠ ه‍ بإصطخر ، وقيل بالطالقان ، وتوفّي ليلة الرابع والعشرين من صفر سنة ٣٨٥ ه‍ بالريّ ، ثمّ نقل إلى أصبهان ودفن هناك.

انظر : معجم الأدباء ٢ / ٢١٣ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٢٨ رقم ٩٦ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥١١ رقم ٣٧٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١١٣.

(٤) شرح المقاصد ٤ / ٢٧٥ ، شرح العقائد النسفية : ١٤٠ ـ ١٤١ ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد : ٤٢.

٣٥٨

وحاصله : إنّ كلّ ما يجري في ملكه من أنواع الفواحش ، والفجور ، والكفر ، والإلحاد ، والكذب ، والظلم ، والغواية ، ونحوها ، إنّما هو بإساءته ومن فعله!

فيا ليت شعري كيف يصلح مع هذا الزعم أن يسبّحه وينزّهه؟!

وأمّا قوله : « ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ».

فهو تعريض بأهل العدل حيث ينسبون تلك الأفعال الشنيعة والأحوال الفظيعة إلى العباد ، وينزّهون الله سبحانه عنها.

ومن المعلوم أنّ ذلك لا يستدعي القول بالشركة ، فإنّهم إنّما يرون أنّه تعالى أقدرهم على أفعالهم بلا حاجة منه إليهم ، ففعلوها بتمكينه لهم ، فلا استقلال لهم حتّى يكونوا آلهة ، فكيف يشبهون المجوس؟! وإنّما الذي يشبههم من يقول بزيادة صفاته على ذاته ، وقدمها مثله ، وحاجته إليها في الخلق ، بحيث لولاها لما خلق شيئا فهي شريكته في الإلهية ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وأمّا ما استدلّ به من قوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(١) .

ففيه : إنّ استدلاله موقوف على أن يراد بالإضلال : خلق الضلال ، وبالهداية : خلق الهدى ؛ وهو ممنوع ؛ لجواز أن يراد بالإضلال : الخذلان والإضاعة ، وبالهداية : التوفيق ، كما قال ٧ : «تطاع بتوفيقك وتجحد بخذلانك »(٢) .

__________________

(١) سورة النحل ٦ : ٩٣ ، سورة فاطر ٣٥ : ٨.

(٢) إقبال الأعمال ١ / ٢٩٩ ب‍ ٢٠ دعاء الليلة ١٦ ، وفيه « تعبد » بدل « تطاع ».

٣٥٩

فإنّ الإنسان إذا اجتهد بفعل الخير كان محلّا للتوفيق ، وإذا أصرّ على الشرّ كان أهلا للخذلان ، وآل أمره إلى النفاق والكفر ، كما قال تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً )(١) وقال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ )(٢) ، ولا قرينة على إنّ المراد بالإضلال والهداية في الآية ما ادّعاه ، بل القرينة على خلافه عقلا ونقلا

أمّا العقل : فلأنّ ذلك يستلزم إبطال الثواب والعقاب ، ونفي العدل ، وفائدة الرسل والكتب ، والأوامر والنواهي ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ ، ولأنّه لا يحسن لمن ينهى عن شيء أن يفعله ، ولذا قال شعيب : (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ )(٣)

وقال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم(٤)

وأمّا النقل : فقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى )(٥) ، ومن عليه الهدى كيف يتركه ويخلق الضلال؟!

وقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى )(٦) .

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٧٧.

(٢) سورة الروم ٣٠ : ١٠.

(٣) سورة هود ١١ : ٨٨.

(٤) البيت من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي ، مطلعها :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداء له وخصوم

انظر : ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٢٩ ـ ١٣٢ ، خزانة الأدب ٨ / ٥٦٨.

(٥) سورة الليل ٩٢ : ١٢.

(٦) سورة فصّلت ٤١ : ١٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

زواج المسيار :

( رندا ـ فلسطين ـ سنّية ـ ٢٣ سنة )

شروطه وحكمه :

س : ما هو زواج المسيار؟ وما هي شروطه؟ وما حكمه شرعاً؟ وكيف يكون؟

ج : إنّ زواج المسيار الذي شاع مؤخّراً عند بعض الناس هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاءا.

ودافع هذا كما هو معلوم ، الاستجابة إلى الحاجة الجنسية لكلا الزوجين ، دون قيود وشروط تسبّب مشكلةً في الاقتران بينهما.

ولكن المسلمين لا حاجة لهم بزواج المسيار بعد أن أباح الله زواج المتعة ، إذ إنّ الإسلام أخذ بالاعتبار أهمّية إشباع الحاجة الجنسية لدى الجنسين ، وأكّد على تهذيبها وتوجيهها بطريقة تضمن لكلا الطرفين حقوقهما الجنسية ورغبتهما ، وقد أكّد القرآن الكريم هذا الزواج المعروف بالمتعة ، بقوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) ، فكان صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمارسون هذا الزواج المؤقّت ـ المعروف بالمتعة ـ متى ما احتاج أحدهم إلى ذلك.

____________

١ ـ النساء : ٢٤.

٥٤١

أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ علينا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١) .

وزواج المتعة أو الزواج المؤقّت هو : أن يتّفق الزوجان على الزواج ، ويحدّدان مدّة معلومة ، ومهرٍ معلوم ـ تماماً كما هو الزواج الدائم ـ إلاّ أنّ له مدّة محدودة ، هذا هو الزواج المؤقّت في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أُلغي وبقي عليه الشيعة وبعض السنّة(٢) يبيحونه.

( ـ ـ )

الفرق بينه وبين المتعة :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق على مستوى الاسم والاصطلاح؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : إنّ زواج المسيار هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاء.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاق بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا ـ عن عمدٍ أو عن جهل ـ أن يذعنوا إلى حكم شرعيّ شرّعه الله تعالى في كتابه ـ كما شرّع الزواج الدائم ـ وهو نكاح المتعة.

فكما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ،

____________

١ ـ المائدة : ٨٧ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠.

٢ ـ كابن جريج المكّيّ.

٥٤٢

شرّع الله تعالى ـ وهو العالم بما يحتاجه خلقه ـ زواج المتعة تلافياً لأيّ عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية.

وزواج المتعة هو : عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج ، دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث ـ أي لا يرث أحدهما الآخر ، إن مات أحدهما في مدّة العقد ـ وعلى الزوجة أن تعتدّ. ويراجع في ذلك الى الكتب الفقهية.

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه ، أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، ولم يُنسخ حكمها أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواج قائم بذاته ، له خصوصيّاته ، وللزوجة مهرها ، وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم ، بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( ـ ـ )

حكمه عند الإمامية :

س : ما هو حكم زواج المسيار على مباني الإمامية ، وفتاواهم؟

ج : إنّ زواج المسيار ـ على ما ينقل من ذوي الخبرة ـ هو زواج يعتبر فيه العقد ـ من الإيجاب والقبول ـ وثبوت المهر ، ويختلف عن الزواج العادي ، بتنازل الزوجة عن حقّ المبيت ، والنفقة والإرث ، أو حتّى عن مراعاة العدل بينها ، وبين الزوجات الأُخرى ـ إن وجدت ـ.

وهذا الزواج بحسب الموازين الشرعيّة يعتبر زواجاً دائماً مع شروط.

ولكنّ الذي ينبغي أن يقال : إنّ هناك ـ في موضوع الزواج ـ حقوقاً وأحكاماً ، فما كان من الحقوق فهو قابل للتنازل ، أو المصالحة متى ما وجد ـ كحقّ المبيت أو النفقة ـ وأمّا ما كان من الأحكام ـ كالإرث ـ فلا سبيل لإسقاطه ،

٥٤٣

أو التنازل عنه ، لأنّه حكم شرعيّ ثابت لكلّ زواج دائم ، فلا أثر لإلغائه في المقام.

وبالجملة : ففي هذا الزواج ـ المتداول عند البعض ـ توجد شروط غير صحيحة من الأصل ـ كاشتراط عدم التوريث ـ وشروط جائزة ، ولكن مع صياغتها بصورة صحيحة.

وعلى كلّ حال ، وحتّى في صورة بطلان الشرط ـ من الأساس أو من جهة شكلية صياغتها ـ فلا يضرّ بأصل الزواج ، لأنّ الشرط الفاسد ليس مفسداً ومبطلاً للعقد ، فيبقى الزواج المذكور زواجاً دائماً شرعيّاً ، مع غضّ النظر عن الشروط.

وأخيراً : فإنّ الحلّ الصحيح في الموضوع ، هو زواج المتعة ـ الذي هو عقد شرعيّ ـ وإن أنكرها البعض دعماً لمذهبهم ، ومخالفةً منهم للحقّ الصريح ، ففيه ما يطلبه البعض من الاشتراطات المذكورة في زواج المسيار بدون ورود النقوض عليه ، من اشتراط عدم التوريث وغيرها.

فعلى المسلمين أن يعملوا بما شرّع لهم ، حتّى لا يقعوا في مأزق ، يجعلهم يبحثون عن قوانين وأحكام غير صحيحة ، أو غير متّفقة.

وتتميماً للفائدة نذكر لكم بعض فتاوى علماء الطائفة حول زواج المسيار :

ظهر في الآونة الأخيرة في دول الخليج ـ خصوصاً في السعودية ـ ما يسمّى بزواج المسيار أو زواج النهاريات ، وصورته : أن يتزوّج الرجل المرأة بإيجاب وقبول ، مع الالتزام بالشروط الشرعيّة ، من عقد وشاهد ، لكنّه يتميّز عن الزواج العادي ، بأنّ الزوجة فيه تتنازل عن حقّها في أن ينام زوجها عندها ، وتتنازل عن حقّها بالعدل بينها وبين الزوجة الأُولى ، وعن النفقة والإرث ، وهذا إنّ الزوج لا يخبر زوجته الأُولى بأنّه متزوّج من ثانية.

جواب مكتب سماحة السيّد السيستانيّ : ( لا مانع منه ، لكن لا أثر للتنازل عن الإرث فعلاً ، نعم يجوز اشتراط أن تعرض عن سهمها في وقته لصالح الورثة

٥٤٤

أو تهبه لهم ، فيجب عليها ذلك تكليفاً ).

وأجاب سماحة الشيخ جواد التبريزي بقوله : ( تنازل الزوجة ( المسيار ) عن حقّها في النفقة ، والقسم ( المبيت ) لابأس به ، وأمّا تنازلها عن حقّها في الإرث فلا يصحّ ، نعم إذا مات زوجها لها أن لا تطالب الورثة الباقين بحصّتها وتتركها لهم ، ولا يجب عليها إخبار الورثة بترك حصّتها لهم وإعراضها عنها ، والله العالم ).

( العامليّ ـ الكويت ـ ٢٨ سنة )

أحد مصاديق الزواج الدائم :

س : لا يوجد دليل شرعيّ على زواج المسيار ، بل هو من اختراع البعض من شرذمة من يدّعي الإسلام ، فأين الراوية أو الآية على جوازه؟

ج : لا تطلق الأحكام الشرعيّة هكذا جزافاً ، فإنّ لاستنباط الحكم الشرعيّ سواء كان تكليفيّ أو وضعيّ قواعد وأُصول خاصّة يتبعها الفقيه ، لكي يفتي بجواز أو صحّة أو بطلان فعل أو سلوك أو تصرّف معيّن.

فأوّلاً ؛ أودّ أن أوضّح لك أنّ مصطلح الزواج المسيار مصطلح جديد ، لم يكن موجوداً في زمن التشريع ، وإنّما تعورف واتفق عليه عرف الناس في الوقت الحاضر ، بأنّه يدلّ على عقد زواج دائم بشروط معيّنة.

ومن هذا يتّضح لك أنّ الزواج المسيار هو في الأساس على حقيقته زواج دائم اشترط في عقده شروط معيّنة ، أي لو أنّ رجلاً وامرأة عاشا في قرون المسلمين السابقة ، وتعاقدا على مثل هذا العقد المسمّى الآن بالزواج المسيار ، فمن الواضح أنّ في زمانهما لم يكن يطلق عليه مثل هذه التسمية ، ولكن مع ذلك لا يخلو أمره من حكم شرعيّ ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاعتراض على مثل هذا الزواج بالقول أنّه لا رواية فيه أو آية ، وإنّما يجب أن يعرف حكمه بالرجوع إلى الأدلّة والقواعد الفقهيّة.

٥٤٥

فنقول : كما عرفت فإنّ هذا الزواج المصطلح عليه الآن بالزواج المسيار هو أحد مصاديق الزواج الدائم ، والزواج الدائم بإجماله جائز قطعاً لا يختلف فيه أحد من المسلمين ، ولكن عقد الزواج الدائم فيه شروط مذكورة في كتب الفقه ، ثمّ أنّه كغيره من العقود يمكن الاتفاق فيه بين الطرفين على شروط من خارجه.

فجاء الكلام في الشروط التي تنافي مقتضى العقد بين الفقهاء ، كشرط عدم الإرث ، أو عدم النفقة ، أو عدم السفر بها ، أو عدم التسرّي وغير ذلك ، فمن قائل بالجواز ، ومن قائل ببطلان أصل العقد ، ومن قائل بصحّة العقد ولغو الشرط ، وهذا الاختلاف مأخوذ من مجمل أقوال علماء المذاهب الإسلاميّة الخمسة.

وعليه ، فإنّ الحكم في الزواج المسيار يعود في الحقيقة إلى المختار في القول بالشرط المخالف لمقتضى العقد ، إذ ليس هو نوع مستقلّ من أنواع الزواج ، حتّى يحتاج إلى دليل خاصّ به ، كما في زواج المتعة مثلاً.

وعليه ، فنحن يجب أن نناقش من جوّزه أو حرّمه ، أو قال بأنّ الشرط لاغ في مبناه الفقهيّ في مسألة الشرط المخالف لمقتضى العقد.

ولكن لي كلمة أخيرة وهي : أنّ سبب اللجوء إلى مثل هكذا زواج بهذه الشروط ؛ هو نتيجة لتضييق شرع الله عندما حرّم عمر المتعة على المسلمين ، فألجأتهم الحاجة إلى اختراع مثل هكذا زواج.

وأخيراً : أنّه يمكن أن يكون بعض من يحرّم الزواج المسيار الآن ـ خاصّة من الفرقة الوهابيّة ـ يستند في فتواه وحكمه إلى الاستحسان وسدّ الذرائع وما إلى ذلك ، وهو نفس الدافع الذي دفع عمر إلى تحريم المتعة ، ألا وهو رأي أرتآه!! مخالفاً لما شرّع من قبل الله ، وجاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٤٦

زيارة القبور :

( أبو منتظر ـ السعودية ـ سنّي )

زيارة الشيعة لها :

س : إخواني الكرام ، أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة : معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تناقشها على أيّ واحد بأسئلة ليست فكرية إلى حدّ ما ، وهو لا يجد كلام يقوله ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً لنا إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الملايين من البشر ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أن هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ ، ولكن أنا أدعو الناس إلى زيارة القبور ، لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن لا أن توصل إلى عبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا السؤال؟

ج : نسأل الله تعالى لكم التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد شيعيّ واحد يعبد القبور ، وإنّما هي زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق

٥٤٧

التبرّك هو عبادة للقبر ، فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ، وإنّما القائل بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة ، مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات ، التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّت عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهمعليهم‌السلام ، فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ومنزلته من الله ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( جاسم محمّد غلوم بدر ـ البحرين ـ ٢٤ سنة ـ دبلوم )

الضرب على القبور بالحجر :

س : لماذا يضربون على القبر بالحجر؟ وبعض الأحيان باليد ، قبل قراءة الفاتحة ، أو قراءة الزيارة؟ وهل لهذا الفعل استحباب أو أنّه بدعة؟ وإذا كان العمل مستحبّ ، أرجو ذكر الدليل.

ج : قد ورد استحباب وضع اليد على القبر وقراءة سورة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) سبع مرّات ، فإنّ الميت يرى بعد ذلك الزائر لقبره ببركة قراءة هذه السورة ، وهذا كثيراً ما يعمله الناس.

٥٤٨

أمّا ضرب القبر بالحجر أو باليد ، فلعلّها عادة بعضهم عند زيارة قبور موتاهم ، ظنّاً منهم أنّ ذلك أبلغ في وصول ما يهديه من الفاتحة ، ولم يرد في هذا المجال شيء من الروايات أو السيرة.

( ـ ـ )

كيف تعادل كذا حجّة وعمرة :

س : أحياناً يقال : أنّ زيارة المعصوم تعادل كذا حجّة وعمرة ، أُريد أن أعرف هل هذا موجود في الروايات؟

ج : من الأُمور المتعارف عليها أن يقاس بعض الأشياء بأشياء أُخرى ، إذا كان الشيء الثاني معلوماً ، فمثلاً يقاس قبح الغيبة بالزنا ، لأنّ قبح الزنا معلوم لكلّ مسلم ، بل لكلّ موحّد ، بل لكلّ عاقل ، ومعلومية الأشياء تختلف باختلاف الثقافات والأشياء ، والأعصار والأمصار كما هو واضح.

ففضيلة الحجّ والعمرة معلومة لكلّ مسلم من خلال مصدر التشريع الإسلاميّ ـ من الآيات القرآنيّة والسنّة الشريفة ـ فكان الحجّ مقياساً للفضيلة والثواب ، كما أنّ الشهيد يُعدّ من المقاييس في بيان الفضائل والأجر والثواب.

ومن هذا المنطلق ، نجد الروايات التي تخبر عن مقام الزائر للعتبات المقدّسة ، وزيارة الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام لأجل بيان الثواب والأجر العظيم يقاس بالحجّ والعمرة ، والروايات في مقام العدد مختلفة ، فمثلاً في زيارة الإمام الرضاعليه‌السلام ورد أنّها يكتب للزائر سبع حجج ، وفي بعضها سبعين ، وفي آخر مائة حجّة ، ومائة عمرة مقبولة ، وفي آخر مائة ألف حجّة مقبولة ، هذه الدرجات والأعداد إنّما هي باعتبار ما يحمل الزائر من المعرفة بإمامه المزور ، فمن الزائرين والزائرات ما يعطى لهم ثواب سبع حجج ، ومنهم ما يعطى لهم ثواب مائة ألف حجّة ، وهذا من الأمر الطبيعي والوجدانيّ والعقلي ، فلو كان العطاء واحداً والناس يختلفون في علمهم ومعرفتهم وثقافتهم لكان خلافاً للعدل ، بل من العدالة أن يعطى كلّ

٥٤٩

واحد بما يستحقّه ، فإنّ العدل بمعنى وضع الشيء في موضعه.

وأمّا الروايات التي فيها أجر الزائر قياساً بالحجّ ، فإليك جملة منها :

١ ـ عن محمّد بن سليمان قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي الرضاعليهما‌السلام عن رجل حجّ حجّة الإسلام ، فدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فأعانه الله تعالى على حجّه وعمرته ، ثمّ أتى المدينة فسلّم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أتى أباك أمير المؤمنينعليه‌السلام عارفاً بحقّه ، يعلم أنّه حجّة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فسلّم عليه ، ثمّ أتى أبا عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام فسلّم عليه ، ثمّ أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، ثمّ انصرف إلى بلاده.

فلمّا كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحجّ به ، فأيّهما أفضل؟ هذا الذي حجّ حجّة الإسلام يرجع أيضاً فيحجّ ، أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام فيسلّم عليه؟ قالعليه‌السلام : (بل يأتي خراسان فيسلّم على أبي عليه‌السلام أفضل ، وليكن ذلك في رجب )(١) .

٢ ـ عن أبي الصلت الهروي قال : سمعت الرضاعليه‌السلام يقول : (والله ما منّا إلاّ مقتول شهيد ) ، فقيل له : فمن يقتلك يا بن رسول الله؟

قال : (شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ، ثمّ يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزّ وجلّ له أجر مائة ألف شهيد ، ومائة ألف صدّيق ، ومائة ألف حاج ومعتمر ، ومائة ألف مجاهد ، وحشر في زمرتنا ، وجعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا )(٢) .

٣ ـ عن أحمد البزنطي قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام : (أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله عزّ وجلّ ألف حجّة ).

قال : فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام ـ الإمام الجواد ـ : ألف حجّة؟

____________

١ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢٨٩.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٧.

٥٥٠

قالعليه‌السلام : ( أي والله ، وألفا حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه )(١) .

٤ ـ عن سليمان بن حفص المروزي قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول : (من زار قبر ولدي علي كان له عند الله تعالى سبعون حجّة مبرورة ).

قلت : سبعون حجّة؟ قال : (نعم سبعين ألف حجّة ) ، ثمّ قال : (ربّ حجّة لا تقبل ، من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه )(٢) .

( يعرب البحرانيّ ـ الإمارات ـ )

كيفية قياسها بالحجّ والعمرة :

س : ورد في كتاب مفاتيح الجنان وضياء الصالحين ـ على سبيل المثال ـ : إنّ الزيارة تعادل ستين حجّة ، أو من قرأ الدعاء المذكور ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ما المقصود بذلك؟

ج : إنّ ما ورد في كتاب مفاتيح الجنان من الأجر العظيم ، لبعض الزيارات فهو شيء معقول ، لأنّ قضية الأجر والثواب قضية شرعيّة ـ أي بيد الشارع تحديد الأجر والثواب ـ وهذا لا يعني أنّ الزيارة أفضل أو مساوية للحجّ والعمرة أبداً ، ولكن المقصود هو : أنّ الزيارة حيث كانت لغرض مقدّس ـ الذي هو إحياء أمر الحسينعليه‌السلام ، وبالتالي إحياء لأمر الإسلام ، وتعظيم لشعائر الله تعالى ـ فحينئذ يدخل في باب الشعائر التي أهتمّ بها الشارع المقدّس ، وتعبيراً منه لهذا الاهتمام ، يقرّر مثلاً أنّ الزيارة الفلانية تعادل كذا حجّة وعمرة في الثواب والأجر ، وهذا ناظر إلى الحجّ والعمرة المستحبّتين دون الواجبتين.

ونظير هذا ورد حتّى في كتب إخواننا السنّة : حيث ورد في بعض المستحبّات أنّها تعادل حجّة أو مائة حجّة ، مثلاً : الترمذيّ يروي حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من

____________

١ ـ ثواب الأعمال : ٩٨.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٠.

٥٥١

سبّح الله مائة بالغداة ومائة بالعشي ، كان كمن حجّ مائة حجّة )(١) ، فهذا ليس معناه أنّ التسبيح هو أفضل من الحجّ مطلقاً ، وإنّما لبيان عظمة التسبيح وأهمّيته ، وأنّ له ثواب كذا حجّة ، والمقصود هو الحجّات المستحبّة ، مضافاً إلى أنّ التسبيح لا يغني عن الحجّ.

وكذا ما رواه أحمد بن حنبل من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من مشى إلى صلاة مكتوبة ، وهو متطهّر ، كان له كأجر الحاج المحرم )(٢) .

فزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام باعتبارها من المستحبّات الأكيدة ، تدخل ضمن شعائر الله ، ولهذا تعادل بأجر الحجّة أو العمرة المستحبّتان.

( البحرانيّ ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب حوزة )

الأدلّة على جوازها :

س : ما الدليل على جواز زيارة القبور؟

ج : الأدلّة على جواز زيارة القبور هي :

أوّلاً : الكتاب الكريم ، قال تعالى :( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (٣) .

نهت الآية عن الصلاة والقيام على قبر المنافق ، ومفهومها مطلوبية هذين الأمرين بالنسبة لغيره ـ أي للمؤمن ـ.

ثانياً : السنّة النبويّة ، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جسّد بعمله مشروعية زيارة القبور ـ مضافاً إلى أنّه أمر بها ـ وعلّم كيفيّتها ، وكيف يتكلّم الإنسان مع الموتى ، فقد ورد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله زار البقيع ، واليك بعض النصوص :

____________

١ ـ الجامع الكبير ٥ / ١٧٦.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٦٨.

٣ ـ التوبة : ٨٤.

٥٥٢

١ ـ روى مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما كان ليلتها منه ، يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللّهم أغفر لأهل بقيع الغرقد )(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (نهيتكم عن ثلاث ، وأنا آمركم بهنّ : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة )(٢) .

ثالثاً : الفطرة ، فالنفوس السليمة تشتاق إلى زيارة من له بها صلة روحية أو مادّية ، والإسلام دين الفطرة.

رابعاً : سيرة المسلمين ، فإنّها جرت على زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ وفاته ، وإلى يومنا هذا.

خامساً : تصريح أكابر الأُمّة الإسلاميّة وفقهائها على زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد خصّ الإمام السبكيّ الشافعيّ في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين.

كما نقل العلاّمة الأميني في ( الغدير ) كلمات أعلام المذاهب الأربعة بما يتجاوز الأربعين كلمة حول الزيارة(٣) .

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث عن أهل البيتعليهم‌السلام حول زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها مثلاً :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من زارني في حياتي وبعد موتي ، فقد زار الله تعالى )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ٦٣.

٢ ـ سنن أبي داود ٢ / ١٨٩ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٩ / ٢٩٢ ، كنز العمال ١٥ / ٦٤٨.

٣ ـ الغدير ٥ / ١٠٩.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٦.

٥٥٣

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة )(١) .

ثمّ بالإضافة إلى هذه الأدلّة ، هناك آثار تربوية وأخلاقية واجتماعيّة تنطوي عند زيارة القبور ، ومن يشكّك في استحباب زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الواقع يشكّك في الأُمور المسلّمة ، والمتّفق عليها عند المسلمين.

( محمّد ـ ـ )

لا تنافي لا تتخذوا القبور مساجد :

س : ما هو الردّ ـ من الكتاب أو السنّة ـ عند الشيعة على حديث : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )(٢) .

وعلى حديث : ( ألا وإن من كان قبلكم ، كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم مساجد وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد ، إنّي أنهاكم عن ذلك )(٣) .

ما هو الردّ على هذين الحديثين ، ومدى صحّتهما.

ج : إنّ احترام العظماء والصلحاء ، وعلى رأسهم الأنبياء والأولياء ، نشأت عليها جميع الشعوب والأُمم على مدى التاريخ ، فهل من المعقول أن يقابله الدين الحنيف مع ما فيه من تعظيم ، وتركيز للأُسس والمفاهيم الدينية؟

فهذا القرآن الكريم في نقله لقصّة أصحاب الكهف ، يذكر بناء مسجد على قبورهم ، مع تأييده لهذا العمل ، لعدم ردعهم عنه( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (٤) فهل هذا حرام؟ أو على العكس فهو إحياء لذكرى هؤلاء ، وإشارة واضحة لتأييد عملهم؟

____________

١ ـ كامل الزيارات : ٤١.

٢ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١١٠.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ٦٨.

٤ ـ الكهف : ٢١.

٥٥٤

وأيضاً قوله تعالى :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (١) ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأنّ هذه البيوت بيوت الأنبياء ، وحتّى بيت علي وفاطمة(٢) .

ومن المعلوم : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن في بيته ، فزيارته والصلاة والدعاء عند قبره ، يعتبر مشمولاً للنصّ القرآنيّ.

وأمّا الروايتان التي أشرتم إليها ، فمع غضّ النظر عن سندها ، فهما محمولتان على صورة عبادة القبر أو صاحبه ؛ فيا ترى هل يوجد شخص مسلم ـ حتّى مع الوعي القليل ـ ينوي العبادة للقبور؟!

مضافاً إلى أنّه توجد هناك روايات كثيرة بألفاظ متقاربة ، تحثّ على زيارة القبور.

( أبو احمد الأمين ـ الدانمارك ـ ٥٣ سنة ـ بكالوريوس )

تعقيب على الجواب السابق :

الإنسان مخلوق من الطين ، وكذا جميع المخلوقات على البسيطة ، ولما يموت الحيوان ـ ناطقاً كان أو غير ناطق ـ يدفن أو يذرى على البسيطة ، وعلى رأي المخالفين إن صحّ عندهم عدم جواز الصلاة على القبور أو عند القبور ، فأين إذن نذهب لنصلّي ، هل على القمر؟

إذ الخليقة ـ أي الكرة الأرضية ـ منذ أن خلق الله تعالى عليها كلّ دابة هي مكان لقبور هذه الحيوانات ، فلا أرض إلاّ وفيها قبور ، فكلّ الديار قبور منذ أن خلق الإنسان والحياة على الأرض ، إذاً معناه يجب أن نبطل الصلاة ولا نصلّي ، لأنّ الأرض كلّ بقعة فيها ، أمّا قبراً أو تراباً لجسد.

____________

١ ـ النور : ٣٦.

٢ ـ روح المعاني ٩ / ٣٦٧ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٠.

٥٥٥

( محسن ـ كندا ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

زيارة عاشوراء مشهورة السند :

س : أحد الخطباء قال : زيارة عاشوراء مجعولة ، وليست من كلام المعصوم ، بل هي من كلام أحد العلماء ، ولذلك لا يجوز قراءة هذه الزيارة ، هذه القضية أثارت الشكّ في قلوب شباب الشيعة هنا في كندا.

فأرجو تزويدنا بإسناد هذه الزيارة ومعلومات حولها ، حتّى نزيل الشكّ من قلوب الشباب ، أفيدونا مأجورين.

ج : زيارة عاشوراء من الزيارات التي وردت نسبتها إلى الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليست هي من تأليف أحد العلماء ـ كما يدّعي ذلك الخطيب ـ وكان بإمكانكم الرجوع إلى مفاتيح الجنان وملاحظة سند الرواية ، ونسبتها إلى الإمام الباقرعليه‌السلام مرّة ، وأُخرى إلى عمل الإمام الصادقعليه‌السلام بها.

وإن كان البعض يرى ضعف سند الرواية ، إلاّ أنّ عمل المشهور جابر لضعف السند ، أي أنّ كلّ خبر عمل به المشهور فهو حجّة ، سواء كان الراوي ثقة أو غير ثقة.

( محمّد حسين ـ مصر ـ ٣٢ سنة )

زيارة الناحية إحدى زيارات الإمام الحسين :

س : ما حكم زيارة الناحية المقدّسة الواردة عن الإمام المهديّ عليه‌السلام ؟ هل هي صحيحة؟ مع العلم أنّها تحتوي على بعض الأُمور التي نفاها علماؤنا ، كخروج الهاشميّات من خيامهن ، وهن ناشرات الشعور ، لاطمات الخدود ...!!

ج : قد ذكر زيارة الناحية الشيخ محمّد بن المشهديّ ، ونسبها إلى الناحية المقدّسةعليه‌السلام عن طريق أحد الأبواب(١) ، ولهذا وبملاحظة عدم وجود سند واضح

____________

١ ـ المزار الكبير : ٤٩٦.

٥٥٦

يعتمد عليه ، لا يمكن البتّ القاطع بصحّتها ، ولكن لا يضرّ هذا في صحّة العمل بها ، وهي ـ أي الزيارة ـ من الأُمور المستحبّة ، كما وقد عمل بزيارة الناحية مجموعة كبيرة من العلماء والصلحاء.

أمّا ما يرد عن بعض العلماء من نفي بعض الأُمور ، فهو نفي للأُمور المحرّمة ، التي تحتملها مضامين تلك الفقرات ، ولكن إذا أمكن تأويل المراد من تلك الفقرات ـ وهو ممكن ـ بما يصحّح تلك الأفعال ، فليس هناك ما يقدح بدلالة تلك الزيارة.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

زيارة الأربعين كانت في نفس سنة القتل :

س : هل كانت زيارة الأربعين في نفس السنة التي قُتل فيها سيّد الشهداء عليه‌السلام ؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام حاولوا على مدى الزمان ، منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف الحاسم لمراجع الدين أمام هذا التيّار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، بالإضافة إلى وجود الحبّ والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات والخطط ، فأثبتوا للأعداء قوّة تمسّكهم بأهل البيتعليهم‌السلام ، وبإقامة شعائرهم ، مهما كلّفهم الأمر من الخطر.

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الكثير من القضايا التاريخيّة لم تصل إلينا بشكل صحيح ، فيد التزوير وقلب الحقائق وتشويهها لا زال موجوداً ، من أجل مصالح شخصية ودنيوية.

كما لا يخفى عليكم أنّ ثبوت بعض القضايا التاريخيّة أو عدم ثبوتها بشكل قطعي ، كقضية رجوع السبايا إلى كربلاء ، لا تمنع المحبّ والموالي لأهل البيتعليهم‌السلام ، من إقامة الشعائر الحسينية.

٥٥٧

والنتيجة : إنّ قضية رجوع السبايا إلى كربلاء من القضايا المشهورة عند علمائنا ، وأنّ رأس الحسينعليه‌السلام قد أعاده الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر في نفس تلك السنة(١) .

( أحمد. الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

زيارة الله لقبر الحسين زيارة شرفية :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهابيّة في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الله يزور قبر الحسين ، قد تعجبون من هذه الحقيقة ، والحقيقة مُرّة.

روى الكلينيّ وغيره : أنّ أبا عبد الله عتب على من أتاه ولم يزر قبر علي بن أبي طالب ، قائلاً : ( لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء )؟ الكافي ٤ / ٥٨٠ ، تهذيب الأحكام ٦ / ٢٠ ، كامل الزيارات : ٨٩ ، كتاب المزار : ١٩ ، فرحة الغريّ : ١٠٢.

وبسبب ما ورد من مثل هذه الفضائل تفوّه أحد أصحاب أبي عبد الله بهذه الكلمة : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ( الكافي ٤ / ٥٨٣ ) ، فتأمّل!

أرجو إعطائي بعض المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهابيّة ، وشكراً.

ج : لقد وردت روايات متضافرة بثواب زيارة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، وفيها من الترغيب والحثّ الكبير ، الدال بكلّ وضوح على الاستحباب المؤكّد ، ويمكن للسائل أن يراجع المصادر المذكورة في متن السؤال ليقف عليها بالتفصيل.

وبالنسبة للألفاظ الواردة فيها ـ كقولهعليه‌السلام : ( ألا تزور من يزوره الله ) ـ فنقول : قد أثبت الإمامية في بحوثهم الكلامية بما لا مزيد عليه استحالة الانتقال

____________

١ ـ أُنظر : مثير الأحزان : ٨٦ ، اللهوف : ١١٤.

٥٥٨

والتنقّل في حقّه سبحانه من مكان إلى مكان ، لما يلزم من الجسمية والنقص والاحتياج ، فلا يمكن تصوّر زيارته سبحانه لغيره ـ كما في لسان هذه الروايات ـ كزيارة الناس بعضهم لبعض ، أو زيارة الملائكة للأولياء الصالحين.

وإنّما المراد هو معنى مجازي ، المقصود منه بيان شرفية المزور وكرامته عنده سبحانه ، كما بيّن سبحانه في آيات عديدة من القرآن الكريم ، مثلاً شرفية الخمس والصدقات ، فذكر سهماً له في الخمس أو بأخذه للصدقات ، كما في قوله تعالى :( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (١) ، وقوله تعالى :( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) (٢) .

فلا يمكن تصوّر أن يكون لله سبحانه سهماً في الخمس على نحو الأخذ والانتفاع ، فهذا محال في حقّه سبحانه ، كذلك لا يمكن أن يتصوّر أن يأخذ الله الصدقات على نحو الحقيقة من التناول والقبض ، فهذه ألفاظ إنّما أُريد منها معنى مجازياً لبيان شرفية الموضوع المتحدّث عنه ، وعليه تكون الألفاظ الواردة في روايات الزيارة إنّما هي وفق هذا السياق القرآنيّ المار ذكره.

أمّا بخصوص عبارة معاوية بن وهب التي ذكرها المستشكل وهي : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ، نقول ـ على فرض ثبتوتها ـ : فهي ظاهرة في إرادة الحجّ المستحبّ ، إذ لا مقارنة بين الواجب منه وبين الزيارة المستحبّة ، وإنّما المقارنة بين المستحبّين ، ومن الممكن أن يكون مستحبّاً أكثر ثواباً من مستحبّ آخر.

وفي الختام نقول : رحم الله امرأً استعان بنعم الله التي وهبها لعباده من الحواس والعقل وسخّرها لمعرفة حقائق الأُمور بالبحث والتدبّر ، بدل أن يكون

____________

١ ـ الأنفال : ٤١.

٢ ـ التوبة : ١٠.

٥٥٩

مطيّه لأهوائه وغرائزه والشيطان ، ويخسر عندها الدنيا والآخرة ، ولا ينفعه الندم إن أراد الندم يوم ذاك ، ولله الحجّة البالغة ، وهو الموفّق للصواب.

( محمود البحرانيّ ـ البحرين ـ ١٧ سنة ـ طالب الثانوية )

الميّت يدرك بعد الموت وينتفع بالعمل :

س : عند زيارة قبر أحد الأموات ، هل يسمع الميّت كلام الزائر أم أنّ روحه قد انتقلت إلى مكان أخر ، وإنّ صوت الزائر لا يصله ، وإذا كان الصوت لا يسمع فما الفائدة من زيارة القبر إذاً؟

أتمنّى الإجابة ، ولكم الشكر الجزيل ، متمنّياً من المولى أن يرزقنا وإيّاكم الثواب وحسن الختام.

ج : إنّ السؤال ينقسم إلى قسمين :

١ ـ هل هناك حياة أُخرى بعد الموت يكون للميّت فيها فعل وإدراك وشعور؟ وهل يمكن أن يكون هناك اتصال بين الحياة الدنيا وعالم البرزخ الذي تنتقل إليه الروح؟ وبالتالي أنّ الميّت يستطيع أن يسمع كلام الحيّ؟

٢ ـ هل أنّ الميّت ينتفع بالأعمال التي يؤدّيها الحيّ بالنيابة عنه ، أو يهديها إليه أو لا؟

والجواب عن القسم الأوّل يكون بنقاط :

١ ـ إنّ حقيقة الإنسان هي بروحه لا ببدنه ، وإنّ هذه الروح لا تفنى بفناء الجسد ، وإنّما تنتقل إلى عالم آخر وهو البرزخ ، قال تعالى :( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) ، ويتوضّح ذلك أكثر إذا عرفنا أنّ معنى التوفّي هو الأخذ والقبض والاستيفاء وليس الإعدام.

____________

١ ـ الزمر : ٤٢.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621