موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة9%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265327 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بكلمة «أكرم». فانه حذف منه الهمزة التي صدره، وأدخل عليه همزة المتكلم.

فتأمل! والمراد منه اللفظ المغاير(١) للمسمّى، الغير المألف من الأصوات، المتحد باختلاف الأمم والأعصار. وارادة المسمى منه، بعيد لعدم اشتهاره بهذا المعنى.

وقوله تعالى:( سَبِّحِ إسم رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (٢) ، المراد منه، تنزيه اللفظ. أو هو مقحم فيه، كقوله: إلى الحول ثم إسم السلام عليكما.

قيل(٣) : رأي أبي الحسن الأشعري، أن المراد بالاسم، الصفة وهي ينقسم عنده، إلى ما هو نفس المسمى، والى ما هو غيره، والى ما ليس هو، ولا غيره.

قيل: وهو عند أهل الظاهر، من الألفاظ.

فعلى هذا لا يصح قوله: الاسم عين المسمى.

وعند الصوفية: عبارة عن ذات الحق، والوجود المطلق. إذا اعتبرت مع صفة معينة، وتجلي خاص. «فالرحمن» ـ مثلا ـ هو مع الذات الالهية، مع صفة الرحمة. «والقهار» مع صفة القهر.

فعلى هذا، الاسم عين المسمى ـ بحسب التحقق والوجود، وان كان غيره بحسب التعقل. والأسماء الملفوظة، هي أسماء هذه الأسامي.

واضافته إلى الله ـ على التقديرين ـ لامية، والمراد به، بعض أفراده، الذي من جملتها «الله» و( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ».

ويمكن أن يراد به، هذه الأسماء بخصوصها، بقرينة التصريح بها. ويحتمل أن تكون الاضافة بيانية. أما على التقدير الثاني، فظاهرة. وأما على الأول، فبأن يراد بالأسماء الثلاث، أنفسها، لا معانيها. ويكون( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) جاريين

__________________

(١) من أول الكتاب إلى هنا ليس في نسخة أ.

(٢) الأعلى / ١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٦.

٢١

على الله، على سبيل الحكاية، عما أريد به من المعنى والاستعانة والتبرك بالألفاظ، باجرائها على اللسان، واخطار معانيها بالبال، وبالمعاني باخطارها بالبال، واجراء أساميها على اللسان. وأقحم الاسم، لكون التبرك والاستعانة باسمه، والفرق بين اليمين والتيمن. ولم يكتب الألف لكثرة الاستعمال وتطويل الباء، عوض عنه.

و «الله»: أصله «الاله». فحذفت الهمزة وعوضت عنها حرف التعريف.

ولذلك قيل: يا الله ـ بالقطع ـ علم للذات الواجب المستحق لجميع المحامد.

وقد يستعمل في المعبود بالحق، مجازا.

والدليل على الأول: إنّ كلمة «لا إله إلّا الله» تفيد التوحيد، من غير اعتبار عهد وغلبة ـ ضرورة، وبالاتفاق من الثقات. فلو لم يكن علما لم يكن مفيدا. وهو الظاهر.

وعلى الثاني: قوله تعالى:( وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ ) .

قيل: لو لم يكن علما، فالمراد بكلمة «اله» الواقعة إسم «لا»، اما مطلق المعبود، فيلزم الكذب. أو المعبود بالحق، فيلزم استثناء الشيء عن نفسه.

ورد بأن المراد المعبود بالحق. ولا يلزم استثناء الشيء عنه. لأن كلمة «الله» صارت بالغلبة، مختصة بفرد من مفهومها.

وقيل(١) : لأنه يوصف ولا يوصف به. ولأنه لا بد له من إسم يجري عليه صفاته.

ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه.

ورد بأنّه يمكن أن يقال أنّه كان في الأصل وصفا. لكنّه لـمّا غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره، وصار كالعلم، مثل: الثريا والصعق، أجري مجراه في اجراء الوصف عليه.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦.

٢٢

واستدل الذاهبون إلى أنه كان في الأصل وصفا، فغلب، بأن ذاته ـ من حيث هو ـ بلا اعتبار أمر حقيقي أو غيره، غير معقول للبشر. فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ. وبأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوصة، لما أفاد ظاهر قوله تعالى:( وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ ) (١) ، معنى صحيحا. وبأن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا للاخر في المعنى والتركيب، وهو حاصل بينه وبين بعض الألفاظ.

والجواب عن الأول: أنه يكفي في الوضع ملاحظة الذات المخصوصة بوجه، أو هو معقول للبشر.

وعن الثاني: بأنا قد بينا أنه قد يطلق على مفهوم المعبود، مجازا.

وعن الثالث: بأن اشتقاقه من لفظ آخر، لا ينافي علميته لجواز اشتقاق لفظ من لفظ، ثم وضعه لشيء مخصوص.

واشتقاقه من «أله»، «آلهة» و «ألوهة» و «ألوهية» بمعنى «عبد» ومنه «تأله» و «استأله». فالاله: المعبود.

أو من أله، إذا تحير، إذ العقول تحير في معرفته.

أو من ألهت «فلانا» أي، سكنت اليه. لأن القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن إلى معرفته.

أو من «أله»، إذا فزع من أمر نزل عليه.

أو «إلهه»: أجاره، إذ العابد يفزع اليه. أو هو يجيره حقيقة، أو بزعمه، إذا أطلق على غير(٢) الله، كاطلاقهم الاله على الصبح.

أو من «أله» الفصيل، إذا ولع بأمه، إذ العباد يولعون بالتضرع إليه في الشدائد.

__________________

(١) الانعام / ٣.

(٢) ليس في أ.

٢٣

أو من «وله»، إذا تحير وتخبط عقله. وكان أصله «ولاه» فقلبت الواو، همزة، لاستثقال الكسرة عليها، استثقال الضمة في وجوه.

فقيل «اله»، كاعأد وأشاح. ويرده الجمع على «آلهة» دون «أولهة».

وقيل: أصله «لاه» مصدر «لاه يليه»، «ليها» «ولاها»، إذا احتجب وارتفع لأنه تعالى محجوب عن ادراك الأبصار، ومرتفع على كل شيء، وعما لا يليق به.

ويشهد له قول الشاعر :

كحلفة من أبي رباح

يسمعها لاهه الكبار

وقيل: أصله «لاها»، بالسريانية. فعرّب بحذف الالف الاخيرة وإدخال اللام عليه.

وقيل: تفخيم لامه، إذا انفتح ما قبله، أو انضم سنّة.

وقيل: مطلقا، وحذف ألفه، لحن يفسد به الصلاة. ولا ينعقد به صريح اليمين. وقد جاء لضرورة الشعر :

ألا لا بارك الله في سهيل

إذا ما بارك الله في الرجال

هذا أصله. ثم وضع علما للذات المخصوصة(١) .

قيل: وهو إسم الله الأعظم، لأنه لا يخرج بالتصرف فيه ما أمكن عن معنى.

(وفي عيون الأخبار(٢) ، حديث ذكرته في شرح( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) . وفيه: قلت: «الأحد»، «الصمد». وقلت: لا يشبه شيئا. والله، واحد، والإنسان، واحد. أليس قد تشابهت الوحدانية؟

قال: يا فتح! أحلت ـ ثبتك الله ـ إنّما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء، فهي واحدة. وهي دلالة على المسمى.

__________________

(١) البيضاوي، أنوار التنزيل ١ / ٦.

(٢) عيون الأخبار ١ / ١٢٧، ح ٢٣.

٢٤

وبإسناده(١) إلى محمد بن سنان، قال: سألت الرضا ـ عليه السلام ـ عن الاسم، ما هو؟ قال: صفة لموصوف.

وبإسناده(٢) إلى الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا ـ عليه السلام ـ عن( بِسْمِ اللهِ ) ، قال: معنى قول القائل( بِسْمِ اللهِ ) ، أي: أسم على نفسي بسمةً من سمات الله ـ عزّ وجل ـ وهي العبادة(٣) .

قلت له: ما السمة؟ قال: العلامة.

وفي كتاب التوحيد(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ حديث طويل ـ وقد سأله بعض الزنادقة عن الله ـ عز وجل ـ وفيه: قال السائل: فما هو؟

قال: أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ: هو الرب، وهو المعبود، وهو الله. وليس قولي «الله» اثبات هذه الحروف: أ ـ ل ـ ه. و «لكن راجع»(٥) إلى معنى: هو(٦) خالق الأشياء وصانعها. وقعت عليه هذه الحروف. وهو المعنى الذي سمّي به «الله» و «الرحمن» و «الرحيم» و «العزيز» وأشباه ذلك من أسمائه. وهو المعبود ـ جل وعز.

وبإسناده(٧) إلى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ انه قال ـ وقد سئل ما الفائدة في حروف الهجاء؟ ما من حرف إلّا وهو إسم من أسماء الله ـ عز وجل.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٩، ح ٢٥.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٦٠، ح ١٩.

(٣) المصدر: العبودية.

(٤) التوحيد / ٢٤٥، ح ١.

(٥) المصدر: لكنى أرجع.

(٦) المصدر: هو شيء.

(٧) نفس المصدر / ٢٣٥، ح ٢.

٢٥

وبإسناده(١) إلى هشام بن الحكم، أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن أسماء الله ـ عز وجل ـ واشتقاقها. فقال: «الله» هو مشتق من «اله». و «اله» يقتضى مألوها. والاسم غير المسمى. فمن عبد الاسم دون المعنى، فقد كفر. ولم يعبد شيئا.

ومن عبد الاسم والمعنى، فقد أشرك وعبد اثنين. ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد. أفهمت يا هشام؟

قال: قلت: زدني.

قال: لله ـ عز وجل ـ تسعة وتسعون اسما. فلو كان الاسم هو المسمى، لكان كل إسم منها هو إلها، ولكن الله ـ عز وجل ـ معنى يدل عليه هذه الأسماء. وكلها غيره.

يا هشام! الخبز، إسم للمأكول. والماء، إسم للمشروب. والثوب، إسم للملبوس. والنار، إسم للمحرق. أفهمت يا هشام؟ فهما تدفع به وتنافر به أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله ـ عز وجل ـ غيره؟

قلت: نعم.

قال: نفعك الله به. وثبتك يا هشام.

قال هشام: فوالله ما قهرني أحد في التوحيد [حينئذ](٢) ، حتى قمت مقامي هذا.

وبإسناده(٣) إلى عبد الأعلى، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ حديث طويل ـ قال ـ عليه السلام ـ في آخره: والله يسمى بأسمائه. وهو(٤) غير أسمائه. والأسماء

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٢١، ح ١٣.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) نفس المصدر / ١٤٣ ـ ١٤٢، ح ٧.

(٤) المصدر: فهو.

٢٦

غيره.

وفيه: واسم الله، غير الله. وكل شيء وقع عليه إسم شيء، فهو مخلوق، ما خلا الله.

وبإسناده(١) إلى الحسن بن راشد، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ قال: سألته عن معنى «الله».

قال: استولى على ما دقّ وجلّ.

وفي كتاب معاني الأخبار(٢) ، بإسناده إلى أبي إسحاق الخزاعي، عن أبيه، قال: دخلت مع أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ على بعض مواليه، يعوده. فرأيت الرجل يكثر من قول «آه».

فقلت له: يا اخي، أذكر ربك، واستغث به.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السلام: إنّ «آه»، إسم من اسماء الله ـ عز وجل.

فمن قال «آه»، فقد استغاث بالله ـ تبارك وتعالى)(٣) .

(وفي تهذيب الأحكام(٤) : محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حماد بن زيد، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن أبى عبد الله، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ قال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، أقرب إلى إسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها.

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣٠، ح ٤.

(٢) معاني الاخبار / ٣٣٦، ح ١.

(٣) ما بين القوسين ليس في أ.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٨٩، ح ١١٥٩، مجمع البيان ١ / ١٨، عيون الأخبار ٢ / ٥ وتفسير البرهان نقلا عن التهذيب ١ / ٤١.

٢٧

وفي مهج الدعوات(١) : باسنادنا إلى محمد بن الحسن الصفار، من كتاب فضل الدعاء، بإسناده إلى معاوية بن عمار، عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنه قال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من(٢) إسم الله الأكبر. وقال: الأعظم.

وبرواية ابن عباس(٣) ، قال ـ صلى الله عليه وآله:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) إسم من أسماء الله الأكبر. وما بينه وبين إسم الله الأكبر، إلّا كما بين سواد العين وبياضها)(٤) .

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) : صفتان للمبالغة. من «رحم»، بالضم. كالغضبان من غضب. والعليم من علم، بعد نقله إلى فعل. وهي انعطاف(٥) للقلب. يصير سبب الإحسان. ومنه الرحم، لانعطافها على ما فيها.

وأسماء الله تعالى، تؤخذ باعتبار الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي هي الانفعالات.

في نهج البلاغة(٦) : رحيم لا يوصف بالرقّة.

وفي كتاب الأهليلجة(٧) : قال الصادق ـ عليه السلام ـ: إنّ الرحمة وما يحدث لنا، منها شفقة ومنها جود. وانّ رحمة الله، ثوابه لخلقه. والرحمة من العباد شيئان :

أحدهما: يحدث في القلب الرأفة والرقّة، لما يرى بالمرحوم من الضرر والحاجة وضروب البلاء.

__________________

(١) مهج الدعوات / ٣١٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) نفس المصدر / ٣١٩.

(٤) ما بين القوسين في «ر» و «أ».

(٥) ر: وهي بالضم. والرحمة انعطاف.

(٦) نهج البلاغة، ط / ١٧٩.

(٧) بحار الأنوار ٣ / ١٦٩.

٢٨

والاخر: ما يحدث منا بعد(١) الرأفة واللطف على المرحوم. والرحمة منا بما نزلت به.

وقد يقول القائل: أنظر إلى رحمة فلان، وإنّما يريد الفعل الذي أحدث(٢) عن الرأفة(٣) التي في قلب فلان. وإنّما يضاف إلى الله ـ عز وجل ـ من فعل «ما عنى»(٤) من هذه الأشياء.

وأما المعنى الذي في(٥) القلب، فهو منفي عن الله. كما وصف عن نفسه فهو رحيم، لا رحمة(٦) رقّة.

وفي( الرَّحْمنِ ) من المبالغة، ما ليس في( الرَّحِيمِ ) ، لأن زيادة البناء يكون لزيادة المعنى، كما يكون للإلحاق والتزيين. ويكون ذلك باعتبار الكمية أو الكيفية.

فعلى الأول: يقال: رحمان الدنيا، لأنه يعم المؤمن والكافر. ورحيم الاخرة، لأنه يخص المؤمن.

وعلى الثاني: رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا، لأن النعم الأخروية، كلها جسام.

وأما الدنيوية فجليلة وحقيرة وقدم. والقياس يقتضي الترقّي من الأدنى إلى الأعلى، لأنه صار كالعلم، من حيث أنه لا يوصف به غيره.

__________________

(١) أ: يحدث منا ما بعد الرأفة. المصدر: ما يحدث منا من بعد الرأفة.

(٢) المصدر: حدث.

(٣) المصدر: الرقة.

(٤) أ: ما حدث بحال. المصدر: ما حدث عنا.

(٥) المصدر: هو في.

(٦) أ: ليس للرحمة في.

٢٩

أو، لأن( الرَّحْمنِ ) لما دل على أصول النعم، ذكر( الرَّحِيمِ ) ليشمل ما يخرج منها، فيكون كالتتمة له.

أو، للمحافظة على رؤوس الآي.

أو، لتقدم نعم الدنيا.

أو، لما ذهب إليه الصوفية، من أنّ الرحمة هي الوجود.

فان اعتبرت من حيث وحدتها وإطلاقها، نظرا إلى وحدتها، اشتق منه( الرَّحْمنِ ) .

وإنْ اعتبرت من حيث تخصصها وتخصيصها باعتبار متعلقاتها، اشتق منه( الرَّحِيمِ ) .

ولا شك أنّ الحيثية الأولى متقدّمة على الثانية. وهو غير منصرف، حملا على نظيره في بابه، وإنْ منع اختصاصه بالله، أن يكون له مؤنّث على فعلى أو فعلانة.

(وفي مجمع البيان(١) : وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ: إنّ عيسى بن مريم قال:( الرَّحْمنِ ) ، رحمن الدنيا. و( الرَّحِيمِ ) ، رحيم الاخرة.

وروى عن الصادق ـ عليه السلام ـ:( الرَّحْمنِ ) إسم خاص، بصفة عامة.

و( الرَّحِيمِ ) إسم عام، بصفة خاصة.

وفي عيون الأخبار(٢) : بإسناده عن الرضا ـ عليه السلام ـ انه قال في دعائه رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما. صل على محمد وآل محمد.

وفي شرح الآيات الباهرة: وذكر في تفسير الامام الحسن العسكري ـ عليه السلام(٣) ـ قال: وتفسير قوله ـ عز وجل ـ( الرَّحْمنِ ) ، أن( الرَّحْمنِ ) مشتق من الرحمة.

وقال: قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: سمعت رسول الله ـ صلى

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢١.

(٢) عيون الأخبار ٢ / ١٦، ٣٧ ح.

(٣) تفسير العسكري / ١٧.

٣٠

الله عليه وآله ـ يقول: قال الله تعالى: أنا الرحمن. وهي من(١) الرحم. شققت لها أسماء من اسمي. من وصلها وصلته. ومن قطعها بتتّه(٢) . ثم قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: إنّ الرحم التي اشتقها الله تعالى من اسمه(٣) بقوله «أنا الرحمن»، هي رحم محمد(٤) ـ صلى الله عليه وآله ـ. وان من إعظام الله، إعظام محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وان من إعظام محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ، إعظام رحم محمد.

وان كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا، هو من رحم محمد(٥) . وان إعظامهم من إعظام محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ. فالويل لمن استخف بشيء من «حرمة رحم محمد ـ صلى الله عليه وآله»(٦) ـ. وطوبى لمن عظم حرمته وأكرم رحمه، ووصلها.

وقال الامام ـ عليه السلام: وأما قوله:( الرَّحِيمِ ) ، فان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قال: رحيم بعباده المؤمنين. ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم. فبها تتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها(٧) ، وتحن الأمهات من الحيوان على أولادها. فإذا كان يوم القيامة، أضاف هذه الرحمة الواحدة(٨) إلى تسع وتسعين رحمة، فيرحم بها أمة محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ثمّ يشفعهم فيمن يحبّون له الشفاعة من أهل الملّة، حتّى أنّ الواحد ليجيء إلى مؤمن

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: قطعته.

(٣) المصدر: رحمته.

(٤) المصدر: آل محمد.

(٥) أيضا.

(٦) المصدر: حرمته.

(٧) المصدر: لولدها.

(٨) ليس في المصدر.

٣١

من الشيعة، فيقول له(١) : اشفع لي! فيقول له(٢) : أي حق لك عليّ؟

يقول: سقيتك يوما ماء.

فيذكر ذلك، فيشفع له، فيشفع فيه.

ويجيء آخر فيقول: أنا(٣) لي عليك حق [فاشفع لي!](٤) .

فيقول: [و](٥) ما حقك؟

فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حارّ.

«فيشفع له»(٦) فيشفع فيه. فلا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه. وان المؤمن أكرم على الله تعالى مما يظنون.

وفي كتاب التوحيد(٧) : بإسناده إلى عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

فقال: الباء، بهاء الله. والسين، سناء الله. والميم، مجد الله ـ وروى بعضهم ملك الله ـ. و( اللهِ ) ، اله كل شيء. و( الرَّحْمنِ ) ، بجميع خلقه. و( الرَّحِيمِ ) »، بالمؤمنين، خاصة.

وفي أصول الكافي(٨) مثله، سواء.

وفي كتاب التوحيد(٩) ـ أيضا ـ: بإسناده إلى صفوان بن يحيى، عمن حدّثه ،

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: ان.

(٤ و ٥) يوجد في المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) التوحيد / ٢٣٠.

(٨) الكافي ١ / ١١٤.

(٩) التوحيد / ٢٣٠.

٣٢

عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: انه سئل عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

فقال: الباء، بهاء الله. والسين، سناء الله. والميم، ملك الله.

قال: قلت:( اللهِ ) ؟

قال: الف، آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا. واللام، الزام الله خلقه ولايتنا.

قلت: فالهاء؟

قال: هوان لمن خالف محمدا وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.

قلت:( الرَّحْمنِ ) ؟

قال: بجميع العالم.

قلت:( الرَّحِيمِ ) ؟

قال: بالمؤمنين خاصة.

وفيه(١) ـ أيضا: حدّثنا محمد بن القسم الجرجاني المفسّر ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار ـ وكانا من الشيعة الإماميّة ـ عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد ـ عليهم السّلام ـ، في قول الله ـ عزّ وجل ـ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، فقال( اللهِ ) هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد، كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من كل من دونه(٢) . وتقطع الأسباب(٣) عن جميع ما سواه يقول: بسم الله، أي: أستعين على أموري كلها بالله. الذي لا تحق العبادة إلّا له. المغيث إذا استغيث المجيب إذا دعي. وهو ما قال رجل للصادق ـ عليه السلام ـ: يا بن رسول الله!

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣٠ ـ ٢٣٢.

(٢) المصدر: من هو.

(٣) المصدر: من.

٣٣

دلّني على الله، ما هو؟ فقد كثر(١) عليّ المجادلون. وحيّروني.

فقال له: يا عبد الله! هل ركبت سفينة قطّ؟

قال: نعم.

قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تعينك(٢) ؟

قال: نعم.

قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟

قال: نعم.

قال الصادق ـ عليه السلام: فذلك الشيء هو الله، القادر على الانجاء، حيث لا منجي. وعلى الاغاثة، حيث لا مغيث. [ثم قال الصادق](٣) : وقام رجل إلى علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ فقال: أخبرني ما(٤) معنى( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ؟

فقال علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ: حدثني أبي، عن أخيه، الحسن عن أبيه، أمير المؤمنين عليهم السلام ـ: إنّ رجلا قام اليه. فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، ما معناه؟

فقال: [ان](٥) قولك( اللهِ ) أعظم إسم من أسماء الله ـ عز وجل ـ وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمى به غير الله. ولم يتسم به مخلوق.

__________________

(١) المصدر: أكثر.

(٢) المصدر: تغنيك.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: عن.

(٥) يوجد في المصدر.

٣٤

فقال الرجل: فما تفسير قول(١) ( اللهِ ) ؟

فقال: هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد، كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من [هو](٢) دونه. وتقطع الأسباب من كل من سواه. وذلك أن كل مترائس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه اليه، فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله ـ عز وجل ـ يقول:( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إليه إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ) (٣) . فقال الله ـ جل جلاله ـ لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي! اني قد ألزمتكم الحاجة الي، في كل حال وذلة العبودية في كل وقت. قال: فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته، فاني ان أردت أن أعطيكم، لم يقدر غيري على منعكم. وان أردت أن أمنعكم، لم يقدر غيري على إعطائكم. فأنا أحق من سئل. وأولى من تضرع اليه. فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير، أو عظيم:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، أي: أستعين على هذا الامر، بالله. الذي لا تحق العبادة لغيره. المغيث إذا استغيث. المجيب إذا دعي. الرحمن الذي يرحم، ويبسط الرزق علينا.

الرحيم بنا، في أدياننا ودنيانا وآخرتنا. وخفف علينا الدين، وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييز من أعدائه)(٤) .

__________________

(١) المصدر: قوله.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) الانعام / ٤١.

(٤) ما بين القوسين ليس في أ.

٣٥

(وفي الحديث(١) : إذا قال العبد:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، قال الله ـ عز وجل ـ: بدأ عبدى باسمي. حق عليّ أن أتمم(٢) أموره، وأبارك له في أحواله.

وفي الكافي(٣) : محمد بن يحيى، عن علي بن الحسين بن علي، عن عباد ابن يعقوب، عن عمر بن مصعب، عن فرات بن أحنف، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: سمعته يقول: أول كتاب نزل من السماء( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فإذا قرأت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، فلا تبالي ألّا تستعيذ. إذا قرأت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، سدّتك فيما بين السماء والأرض.

وفي أصول الكافي(٤) : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ: لا تدع( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وان كان بعده شعر.

عدة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، عن يوسف بن عبد السلام، عن سيف بن هارون، مولى آل جعدة قال: لا تكتب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) لفلان، ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.

عدة من أصحابنا(٦) ، عن سهل بن زياد، عن إدريس الحارثي، عن محمد ابن سنان، عن مفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ أكتب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من أجود كتابك. ولا تمد الباء، حتى ترفع السين.

__________________

(١) تفسير العسكري / ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) المصدر: أتمم له.

(٣) الكافي ٣ / ٣١٣ ح ٣.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢، ح ١.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢، والسند سند ح ٢ والمتن متن ح ٣.

(٦) نفس المصدر، والسند سند ح ٢٠، ٢ / ٦٢٤ والمتن متن ح ٢، ٢ / ٦٧٢.

٣٦

عنه(١) : عن علي بن حكم، عن الحسن بن السري، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: احتجبوا(٢) من الناس ـ كلهم ـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »، و «بقل هو الله أحد»، اقرأها عن يمينك وعن شمالك [ومن بين يديك](٣) ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك. وإذا(٤) دخلت على سلطان جائر، فاقرأها، حتى(٥) تنظر إليه ثلاث مرات. واعقد بيدك اليسرى. ثم لا تفارقها (حتى) تخرج من عنده.

وفي كتاب التوحيد(٦) : بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث طويل ـ فيه: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: من حزنه أمر يتعاطاه، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وهو مخلص لله ويقبل بقلبه اليه، لم ينفك من احدى اثنتين: اما بلوغ حاجته في الدنيا، وما يعد له ويدخر لديه. وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين.

وفيه(٧) : عن الصادق ـ عليه السلام ـ، في حديث طويل، فيه: ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، فيمتحنه الله ـ عز وجل ـ بمكروه. ولينبهه على شكر الله ـ تبارك وتعالى ـ والثناء عليه. ويمحق عنه وصمه وتقصيره عند تركه قول «بسم الله [الرحمن الرحيم»](٨) .

__________________

(١) نفس المصدر، والسند سند ح ٣، ٢ / ٦٧٢ والمتن متن ح ٢٠، ٢ / ٦٢٤.

(٢) المصدر: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ يا مفضل! احتجز.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: فإذا.

(٥) المصدر: حين.

(٦) التوحيد / ٢٣٢.

(٧) نفس المصدر / ٢٣١.

(٨) يوجد في المصدر.

٣٧

وفي عيون الأخبار(١) ، في تأويل( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) : بإسناده إلى الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا ـ عليه السلام ـ، عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، قال: معنى قول القائل «بسم الله»: أسم على نفسي بسمة من سمات الله ـ عزّ وجل ـ وهي العبادة.

قلت له: ما السمة؟

قال: العلامة.

وبالإسناد(٢) ، إلى عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن(٣) ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

فقال(٤) : الباء بهاء الله. والسين، سناء الله. والميم، مجد الله ـ وروى بعضهم: ملك الله(٥) ـ و «الله»، اله كل شيء. «الرحمن»، بجميع خلقه.

و «الرحيم»، بالمؤمنين خاصة.

وفي كتاب التوحيد(٦) بإسناده إلى صفوان بن يحيى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ، أنه سئل عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . فقال: الباء بهاء الله. والسين، سناء الله. والميم، ملك الله.

قال: قلت: الله؟

قال: الألف، آلاء الله على خلقه من النعيم بولائنا(٧) . واللام، الزام الله

__________________

(١) عيون الأخبار ١ / ٢٦.

(٢) الكافي ١ / ١١٤، ح ١.

(٣) المصدر: عن تفسير.

(٤) المصدر: قال.

(٥) المصدر: الميم، ملك الله.

(٦) التوحيد / ٢٣٠.

(٧) المصدر: بولايتنا.

٣٨

خلقه ولايتنا.

قلت: فالهاء؟

قال: هوان لمن خالف محمدا وآل محمد ـ صلوات الله عليهم.

قلت: الرحمن؟

قال: بجميع العالم.

قلت: الرحيم؟

قال: بالمؤمنين خاصة.

وبإسناده(١) إلى الحسن بن أبي راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ قال: سألته عن معنى «الله».

قال: استوى على ما دقّ وجلّ. وخص التسمية بهذه الأسماء، ليعلم العارف أن الحقيق لأن يستعان به في جميع الأمور، هو المعبود الحقيقي، الذي هو مولى النعم، كلها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها. فيتوجه بشراشره إلى جنابه)(٢) .

( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) :

«الحمد»: هو الثناء باللسان، على الجميل الاختياري، من نعمة أو غيرها.

والمدح: هو الثناء على الجميل، مطلقا.

وفي الكشاف(٣) : انهما اخوان لتخصيصه المدح، أيضا، بالجميل الاختياري.

وقد صرح به في تفسير قوله تعالى:( وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ ) (٤) .

لا يقال: إذا خص «الحمد» بالجميل الاختياري، لزم أن لا يحمد الله تعالى على صفاته الذاتية، كالعلم والقدرة والارادة. بل اختص بأفعاله الصّادرة عنه ،

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣٠.

(٢) ما بين القوسين يوجد في أ.

(٣) لم نعثر عليه في الكشاف ولكنه موجود في أنوار التنزيل ١ / ٧.

(٤) الحجرات / ٧.

٣٩

باختياره. لأنا نقول: تجعل تلك الصفات، لكون ذاته كافية فيها بمنزلة أفعال اختيارية، يستقل بها فاعلها.

ولا يخفى على المتأمل، أن ذلك الجعل، لا يقتضي صحة «الحمد» على الصفات الذاتية. بل يقتضي صحة اطلاق لفظ «الحمد»، على الثناء على صفاته، تجوّزا. وأين أحدهما عن الاخر؟

وحقيقته عند العارفين، اظهار كمال المحمود ـ قولا أو فعلا أو حالا ـ سواء كان ذلك الكمال اختياريا، أو غير اختياري.

والشكر، مقابلة النعمة ـ قولا وعملا واعتقادا.

قال :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة

يدي ولساني والضمير المحجب

فهو أعم منها، من وجه. وأخص من آخر. ولما كان «الحمد» من شعب «الشكر»، أشيع للنعمة، وأدل على مكانها، لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح، من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه.

فقال ـ عليه السلام ـ: «الحمد لله»، رأس الشكر. ما شكر الله من لم يحمده.

«والذم»، نقيض «الحمد».

والكفران، نقيض الشكر.

ورفعه بالابتداء، وخبره، لله. وأصله النصب. وقد قرئ به(١) .

وانما عدل به إلى الرفع، دلالة على الدوام والثبات.

وقرئ «الحمد لله» باتباع الدال اللام، وبالعكس ـ تنزيلا لهما ـ لكثرة استعمالهما معا، بمنزلة كلمة واحدة. كقولهم منحدر(٢) الجبل ومغيره.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧.

(٢) ر: ظهر.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

٢ ـ إنّ روح الإنسان تبقى حية بعد خروجها من الجسد ، وانتقالها إلى عالم البرزخ ، ومعنى أنّها حية أنّ لها عقل وإدراك ، ويدلّ عليه آيات كثيرة ، منها قوله تعالى في قصّة حبيب النجّار :( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) (١) .

فإنّه هناك وهو في عالم البرزخ يتمنّى أن يعلم قومه ما أنعم الله عليه ، والتمنّي فعل منه ، وكذلك قوله تعالى :( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) ، فهي صريحة بحياتهم بعد الممات ، وأنّهم يفرحون ويستبشرون.

٣ ـ وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية ، بمعنى إمكان الاتصال بالأرواح ومخاطبتها ، وأنّها تسمع وتحسّ بما يفعله الأحياء ، قال تعالى عما أخبر به عن نبي الله صالحعليه‌السلام :( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) (٣) .

وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه بعدما خاطب المشركين المقتولين في معركة بدر : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوا )(٤) .

وسلامنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نهاية كلّ صلاة ، إذ لو لم يكن هناك صلة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته ، فما معنى سلامنا عليه.

ورواية أنّ الميّت يسمع قرع نعال أصحابه بعد وضعه في القبر(٥) ، وهناك

____________

١ ـ ياسين : ٢٦ ـ ٢٧.

٢ ـ آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.

٣ ـ الأعراف : ٧٨ ـ ٧٩.

٤ ـ مسند أحمد ٣ / ١٠٤ ، صحيح مسلم ٨ / ١٦٤.

٥ ـ الجامع الصغير ١ / ٣١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ١٣ / ٢٣٣.

٥٦١

كلمات كثيرة لعلماء المسلمين تؤيّد ذلك ، وكلّ ما ذكرنا قد دلّت عليه التجارب والبحوث العلميّة لعلماء الغرب أيضاً ، والتي نشرت في مقالات وكتب كثيرة.

وأمّا ما ذكرت من انتقال الروح إلى مكان آخر ، وهو يوحي بأنّك تتصوّر أنّ للحياة البرزخية نفس قوانين الحياة الدنيوية من المكان والزمان والقرب والبعد وغيرها ، فإذا بعد الشخص لمسافة لا يمكنه سماع المتكلّم البعيد عنه ، ولكن يزول هذا التوهّم إذا عرفنا أنّ الحياتين مختلفتين بالقوانين ، وأنّ عالم البرزخ غير عالم الدنيا ، ثمّ أنّه ثبت في محلّه في علم الفلسفة ، أنّ الروح مجرّدة لا تخضع للقوانين المادّية.

وأمّا الجواب على القسم الثاني من السؤال ، فيكون أيضاً بنقاط :

١ ـ إنّ الإيمان يجب أن يكون مقروناً بالعمل ، فلا نفع للإيمان بدون عمل ، خلافاً لما قاله المرجئة ، إذ قدّموا الإيمان وأخّروا العمل.

٢ ـ إنّ الله بفضله وجوده وسّع على الإنسان دائرة الانتفاع بالعمل ، حتّى شمل الانتفاع بعد الموت بالأعمال التي تتحقّق بعد الموت ، وهذه الأعمال على نوعين :

أ ـ ما إذا قام الإنسان بالعمل بنفسه ، ولكن يبقى العمل بعد موته يستفيد منه الناس ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ من ثلاثة : إلاّ من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له )(١) ، فهذه الأعمال ناتجة من الإنسان ، وهو الذي تسبّب بها ، وبقيت بعد موته يستفاد منها.

ب ـ فيما إذا لم يكن للميّت في العمل سعي ولا تسبيب ، وظاهر الكتاب والسنّة أنّ ثواب هذا العمل من غيره يصل إلى الميّت بفضل الله وسعة جوده ورحمته ، فيما إذا قام الآخر بالعمل الصالح نيابة عن الميّت ، وبعث ثوابه إليه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٣٧٢ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٣.

٥٦٢

قال تعالى :( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، ففيها تصريح بدعاء المؤمنين للآخرين ، وأنّهم ينتفعون بعمل غيرهم.

والروايات تدلّ على انتفاع الميّت بدعاء الآخرين ، فقد تواتر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله زيارته لأهل بقيع غرقد ودعائه لهم ، وأمّا الأعمال غير الدعاء ـ كالصوم والصلاة والحجّ والصدقة والقراءة وغيرها ـ نيابة عن الميت ، فقد روي عن عائشة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه )(٢) .

وعن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله إنّ أُمّ سعد كانت تحجّ من مالي ، وتصدّق وتصل الرحم وتنفق من مالي ، وأنّها قد ماتت ، فهل ينفعها أن أفعل ذلك عنها؟ قال : (نعم )(٣) .

وغيرها من الروايات الكثيرة عن العامّة والخاصّة ، وإنّما نقلنا روايات العامّة لإلقاء الحجّة ، وعلى هذا فقهاء المذاهب الإسلاميّة فراجع ، مع أنّ هناك شبهات يأتي بها الوهابيّون ليس هنا مجال إيرادها.

وعلى كلٍّ فإنّ الغرض من طرح هذا الموضوع من أنّ الميّت لا ينتفع بعمل غيره ، يطرح كمقدّمة للدخول إلى منع التوسّل والاستغاثة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّةعليهم‌السلام والأولياء ، باعتبار أنّهم موتى.

ونذكر هنا رواية واحدة من كتبنا للفائدة ، فعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام نزور الموتى؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فيسمعون بنا إذا أتيناهم؟ قال : (أي والله ليعلمون بكم ، ويفرحون بكم ، ويستأنسون إليكم )(٤) .

____________

١ ـ الحشر : ١٠.

٢ ـ صحيح البخاريّ ٢ / ٢٤٠ ، صحيح مسلم ٣ / ١٥٥.

٣ ـ كنز العمّال ٦ / ٥٩٨.

٤ ـ مستدرك الوسائل ٢ / ٣٦٢.

٥٦٣

وأخيراً بقي هناك شيء وهو فائدة الإحياء من زيارة القبور وهي عديدة :

منها : التذكرة بالآخرة : فعن عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (زوروا القبور فإنّها تذكّركم الآخرة )(١) .

ومنها : الزهد في الدنيا ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّها تزهّد في الدنيا )(٢) .

ومنها : في خصوص زيارة قبر النبيّ ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من زار قبري وجبت له شفاعتي )(٣) .

وما في كتب الخاصّة من فوائد وثواب زيارة قبور الأئمّةعليهم‌السلام الشيء الكثير ، وهو واضح ، ويكفي مراجعة مفاتيح الجنان لمعرفة ذلك.

____________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٥٠٠.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ٥٠١ ، الجامع الصغير ٢ / ٢٩٧.

٣ ـ الجامع الصغير ٢ / ٦٠٥ ، كنز العمّال ١٥ / ٦٥١.

٥٦٤

زيد بن علي والزيديّة :

( العرادي ـ الكويت ـ )

منشأ ظهور الزيديّة والإسماعيلية :

س : أودّ الاستفسار منكم عن عدد فرق الشيعة؟ وكذلك ظروف ظهور كلّ فرقة منها ـ كالإسماعيلية والزيديّة ـ؟

ج : إنّ فرق الشيعة أكثرها لم تدم إلاّ وقتاً قليلاً من الزمن وانقرضت ، ولم يبق من هذه الفرق إلاّ الزيديّة والإسماعيلية ، وإذا أطلق اسم الشيعة فإنّه ينصرف إلى الإمامية الاثني عشرية ، الذين يعتبرون هم الأصل في التشيّع.

وأمّا منشأ ظهور هذه الفرق ، فإنّه يعود إلى مسائل سياسية ودنيوية.

فإنّ زيد بن الإمام علي زين العابدينعليه‌السلام كان قيامه بإذن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وكان هدفه إعطاء الإمامة إلى أهلها ، لكن لمّا استشهد ، حرّفوا أصل الواقعة ، ونسبوا إلى زيد أشياء هو بريء منها.

وأمّا الإسماعيلية ، فإنّ إسماعيل بن الإمام الصادقعليه‌السلام قبل دفنه ، كشف الإمام الصادقعليه‌السلام عن وجهه درءاً للشبهة ، ومع هذا كلّه ، فإنّ فرقة منهم ادعوا أنّه لم يمت.

والزيديّة والإسماعيلية وسائر الفرق يشتركون في مسألة واحدة في أصل تأسيس هذه الفرق ، وهي الحصول على أموال ومناصب ، هذا كلّه بالإضافة إلى التدخّلات الخارجية لإيجاد الخلاف في التيار الشيعيّ ، وهذا يعود إلى الظروف السياسيّة آنذاك.

٥٦٥

( خالد ـ مصر ـ طالب )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : تعليقاً على الجواب المذكور للأخ العرادي ، فإنّ إنكار أنّ الإمام الشهيد زيد عليه‌السلام كان يدّعي الإمامة ، هو مكابرة عجيبة.

ج : إنّ أسلوب التحقيق في القضايا التي تمسّ العقيدة هو : أن لا يعتمد الإنسان المتحرّي للحقيقة ، على كلّ ما قيل أو يقال في أيّ موضوع ، فلربما يكون كذباً صريحاً ، نشره أصحاب المصالح والأهواء ، في سبيل تعزيز المطامع ، والشهوات الدنيوية.

وفي المقام ، ثبت عندنا بطرق قطعية وروايات صريحة : أنّ حركة زيد الشهيد كانت بتأييد وإمضاء الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، حتّى ورد أنّه كان يريد الرضا من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو كناية عن تأييد إمامة أهل البيتعليهم‌السلام في قبال الأمويين ، الذين كانوا لا يرون حقّاً لهم ـ ومن البديهيات التي لا يمكن إنكارها أنّ أئمّتناعليهم‌السلام لا يؤيّدون شخصاً خرج من ولايتهم ، أو ادّعى الإمامة لنفسه ، لأنّ هذا يعتبر فسقاً ، والفاسق لا يستوجب المدح والثناء!.

وهنا لا نستبعد أن تكون الأيادي الأموية والعباسية وراء محاولات الكذب والتزوير لتفتيت الخطّ الإمامي الموحّد ، والذي كان متمثّلاً في إمامة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام .

( محمّد العمدي ـ اليمن ـ )

السعي لإبراء الذمّة للبقاء على الزيديّة :

س : هل يجوز التعبّد بالمذهب الزيديّ وغيره من المذاهب؟

ج : إن كان المراد من التعبّد في أُصول الدين ، فعلى كلّ إنسان مسلم مكلّف أن يحقّق عن المذهب الحقّ من بين المذاهب الإسلاميّة ، ولا يكون معذوراً بمجرد أن يقول : لم يتبيّن لي.

٥٦٦

وإن كان المراد من التعبّد في فروع الدين ، فعلى كلّ إنسان مسلم مكلّف لم يتبيّن له المذهب الحقّ أن يحتاط ـ أي يجمع بين الفتاوى بقدر الإمكان ـ وهذا ما يقتضيه حكم العقل.

وعلى كلّ حال ، لابدّ للإنسان المسلم المكلّف أن يسعى في إبراء ذمّته ، بعد العلم باشتغالها اعتقاداً وعملاً.

( عبد الله أحمد حمادي ـ اليمن ـ زيدي ـ دبلوم )

زيد الشهيد ليس من الأئمّة الاثني عشر :

س : هل تعتبرون الإمام الشهيد زيد بن علي عليه‌السلام من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ؟ ولماذا لا يتمّ اعتباره واحداً من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ؟

ج : إنّ الإمامة ـ بحسب عقيدة الإمامية الاثني عشرية ـ تتبع للنصوص الواردة في هذا المجال ، ولا طريق لإثباتها بدون الوقوف على هذه النصوص والآثار والأحاديث المروية عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

ثمّ على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ زيد الشهيد لم يصرّح ـ في ما ورد إلينا ـ بإمامته وخلافته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم ، ورد بطرق كثيرة وصحيحة : أنّ نهضته كانت من أجل رضا أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يدّع الإمامة لنفسه ، بل تصدّى للباطل والجور في سبيل أن يتاح للحقّ ـ وهم الأئمّة المعصومون ـ فرصة الظهور.

وعلى أيّ حال ، فهو ممدوح من قبل أئمّتناعليهم‌السلام ، وترحّم وبكى عليه من سمع منهم خبر استشهاده ، فهو في الذروة العليا مع الشهداء والصدّيقين ، وحسن أُولئك رفيقاً.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كلّية الدراسات التجارية )

عقيدة الزيديّة بالإمام المهديّ :

س : ما هي عقيدة الزيديّة بالمهديّ؟

٥٦٧

ج : تعتقد الزيديّة بظهور الإمام المهديّعليه‌السلام في آخر الزمان ، وأنّه يملك الأرض ، وتخضع له أهل الأديان ، وأنّه من أهل البيت ، وفي بعض الروايات أنّه من ولد فاطمةعليها‌السلام ، وبالخصوص من ولد الحسنعليه‌السلام ، ولا يعتقدون بأنّه من ولد الحسينعليه‌السلام ـ أي ابن الحسن العسكريّعليه‌السلام ـ ولا يعتقدون بعصمته ، ولا بولادته ، ولا بغيبته.

وللمزيد ، يمكنكم مراجعة كتاب ( العقد الثمين في تبيين أحكام سيرة الأئمّة الهادين ) ، تصنيف الإمام عبد الله بن حمزة بن سليمان ، أحد أئمّة الزيديّة.

( ـ ـ )

موارد اختلاف الزيديّة عن الإمامية :

س : هل توجد اختلافات بين المذهب الاثني عشري والزيديّة؟

ج : نعم توجد اختلافات بين المذهب الاثني عشري والزيديّة ، نذكر بعضاً منها :

١ ـ ترى الإمامية أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالى على لسان رسوله ، أو على لسان الإمام المنصوب ، إذا أراد أن ينصّ على إمام بعده ، وليس للناس حقّ التدخّل في تعيينه.

بينما ترى الزيديّة أنّ الإمامة تكون بالاختيار ، ويعتقدون أنّ النصّ الخفي كان لبعضهم.

٢ ـ ترى الإمامية عدد الأئمّة اثنا عشر إماماً ، أوّلهم أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي بن الحسين ، حتّى الإمام الثاني عشر محمّد المهديّعليه‌السلام .

بينما لا ترى الزيديّة للأئمّة عدداً ، فكلّ من خرج بالإمامة وشهر سيفه ودعا إلى نفسه يكون إماماً واجب الطاعة ، فأوّلهم أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن ، ثمّ

٥٦٨

الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ زيد بن علي بن الحسين ، ثمّ ابنه يحيى ، وهكذا.

٣ ـ ترى الإمامية عصمة أئمّتهمعليهم‌السلام ، بينما لا ترى ذلك الزيديّة.

٤ ـ لم تقل الزيديّة بالرجعة ، والتقيّة ، وغيبة الإمام المهديّعليه‌السلام ، وزواج المتعة ، ويقولون : بالقياس كأبي حنيفة ، ويرون صحّة العمل بالاستصحاب ، ويعتبرون أساس الأحكام الشرعيّة إجماع علماء المسلمين ، ويجوّزون المسحّ على الخفّين ، والاقتداء بالصالح والفاجر في الصلاة ، وأكل ذبائح أهل الكتاب.

والخلاصة : إنّ الزيديّة يرجعون في أكثر أُصولهم إلى المعتزلة ، وفي أكثر فروعهم إلى الحنفيّة.

هذا ، والجدير بالذكر أنّ الزيديّة الجارودية تختلف عن غيرها في كثير من المسائل ، فلا يقع الخلط فيما بينهما.

( محمّد أحمد مطهّر ـ اليمن ـ زيدي ـ ٢٨ سنة ـ بكالوريوس شريعة وقانون )

زيديّ يسأل عن ٤٤ سؤالاً :

س : انطلاقاً ممّا كلّفنا الله به من البحث والسؤال عن مشكلات الدين ، وسعياً لتطهيره عن شائبات شبه المبطلين ، وممّا لا يمكن إنكاره من انتماء المذهب الاثني عشري لمذاهب المسلمين ، فإنّه كغيره يجب البحث في صحّته من عدمها ، ومناقشة عقائده قبل الحكم بصحّة مذهب ما ، وإنّ أهمّ ما يتبادر إلى ذهن المتتبع لأقوال أتباعه ، ويستشكله من ينظر في عقيدة أصحابه ، هي هذه الإشكالات التي نطالب إخواننا منهم كشف ما تضمّنته من المعضلات ، غير متوانين عن تبيين الحقّ الذي يعلمونه ، والاعتراف ببطلان ما قد يرونه ، عملاً بقوله تعالى : ( وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) (١) ، وقوله : ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ

____________

١ ـ آل عمران : ١٨٧.

٥٦٩

تَعْلَمُونَ ) (١) ؛ نسأل الله أن يكتب فائدة ذلك لجميع المسلمين ، وأن ينفع به من أراد اليقين ، آمين ربّ العالمين.

س ١ : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، فهل نحن مكلّفون بموجب هذا الحديث بمعرفة الإمام ذاتاً؟ بحيث لو طلب من أحدنا الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس لاستطاع ، أم أنّا مكلّفون بمعرفته صفة؟ أم أنّه يكفينا مجرد معرفة كونه حيّاً وموجوداً كحجّة ، حتّى ولو كان غائباً؟!

ج : نزولاً عند رغبتكم نجيبكم على أسئلتكم ، عسى الله أن ينفع بها إخواننا المؤمنين ، ويهدينا وإيّاكم وإيّاهم جميعاً إلى سواء السبيل ، وإليكم الجواب عن مسائلكم حسب تسلسلها في رسالتكم :

ج ١ : إنّ الحديث مذكور في التراث الإسلاميّ السنّي والشيعيّ ، وذلك يبعث على الاطمئنان بصحّته إجمالاً لتفاوت ألفاظه ، ولسنا بصدد تحقيق ذلك ، غير أنّا نقول :

الواجب في معرفة الإمامعليه‌السلام ـ كما هو الواجب في معرفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ تشخيصه اسماً ونعتاً وعنواناً ، أمّا معرفته بذاته ـ كما تفسّرون ـ فليس بواجب ، إذ لو قلنا بذلك لخرج أهل العصور التالية بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الإسلام ، وهذا لا يقوله أحد ، ومن قال به وادعى لزوم معرفة النبيّ والإمام بذاتهما ، كذّبه واقع الحال حتّى في بعض معاصريهما ، إذ لم يكن جميع المسلمين في عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرفونه بذاته ، وكتب السير والتاريخ تشهد بذلك.

ودونك تراجم الصحابة في مصادرها ، تجد تقسيمهم إلى عدّة أقسام ، ومنهم من كان صحابياً ولم يرهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع معاصرته له ، فهل كلّ أُولئك ماتوا ميتة جاهلية؟ لأنّهم لم يعرفوا نبيّهم بذاته ، بحيث لو طلب من أحدهم الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس استطاع؟

____________

١ ـ البقرة : ٤٢.

٥٧٠

ويدحض هذا ، ما ترويه بعض كتب السيرة في قدوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة مهاجراً ، ومعه أبو بكر ، فكان المسلمون في استقباله ، ومنهم من كان يسأل أيّهما النبيّ؟ فهل يمكن أن نقول : أنّ أُولئك الذين ماتوا وهم لم يعرفوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ماتوا ميتة جاهلية؟ معاذ الله أن يقول ذلك أحد من المسلمين.

ولمّا كانت الإمامة امتداداً للنبوّة ، وخلافة عنها في إتمام رعاية رسالتها لأنّها فرع عنها ، فهل لك أن تقول : بأنّه يجب في الفرع أكثر ممّا في الأصل؟ إنّما الواجب معرفة النبيّ أو الإمام معرفة إجمالية بأسمائهما وأوصافهما ، وتواتر الحجّة على صحّة وجودهم ، والإيمان بحجّتهم نبوّة أو إمامة.

س ٢ : إنّ الله تعالى حيّ وموجود معنا في كلّ مكان ، وهو الحجّة الأكبر ، فما هي الحاجة إلى حجّة دونه؟ ما لم يكن بين حجّية الله تعالى وحجّية الإمام فرق؟ أم أنّ هناك فرقاً ، فما هو؟!

ج ٢ : صحيح أنّ الله تعالى موجود حي ، ولكن ليس هو الحجّة ، بل الصحيح أن نقول : له الحجّة كما في الكتاب المجيد( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (١) ، لأنّ معنى الحجّة هو البرهان والدليل ، وهو حال من مستدلّ وهو غيره ، والله سبحانه هو جاعل الحجّية فلا يقال هو الحجّة ، إنّما الحجّة له على خلقه بإرساله الرسل وبعثه الأنبياءعليهم‌السلام ، فهم الحجج.

فتنبّه إلى غلط التعبير عندك ـ وهو الحجّة الأكبر ـ فالله سبحانه بمنّه وفضله ولطفه بعباده بعث لهم أنبياء ، وجعل لهم أوصياء من بعدهم يرعون رسالاتهم ، وبذلك يستدلّ على خطأ من يقول : الله هو الحجّة الأكبر.

ثمّ أنا لو سلّمنا جدلاً بصحّة تلك المقولة ، كيف السبيل إلى الأخذ عنه ، وهو يرى ولا يُرى ، فلابدّ للناس من وسيلة يبلغهم عنه أوامره وزواجره ، وهم الأنبياء ، ومن بعدهم الأوصياء ، ونحن على ذلك.

____________

١ ـ الأنعام : ١٤٩.

٥٧١

س ٣ : ما هي الحكمة من غياب الإمام؟ وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة؟

ج ٣ : ليست الغيبة بدعة في التاريخ ، ولا في الدين ، فقد غاب غير واحد من الأنبياء نتيجة اضطرارهم ، والخوف على أنفسهم ، فقد قال موسىعليه‌السلام :( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١) ، وما لنا نذهب في التاريخ السحيق ونغيب في متاهاته ، ولكن هلمّ بنا إلى تاريخ الإسلام القريب ، ألم يغب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مضطرّاً في حصار الشعب طيلة ثلاث سنوات؟ فماذا كان المسلمون يستفيدون منه ، وهو في الشعب محجوب عنهم؟ ألم يغب عن مسلمي مكّة حين هاجر إلى المدينة خائفاً يترقّب؟

وما دمنا كمسلمين نؤمن بأنّ الله تعالى هو الذي يأمر أنبياءه بالغيبة والهجرة حفاظاً عليهم ، ولم يبعدهم عن الطبيعة البشرية من خوف على السلامة ، كان علينا التسليم بأنّ ذلك كان لمصلحة ، وأن كنّا لا ندرك سرّها أسوة بما نجهل كثيراً من أسرار وحكم في أُمور الشريعة ، فليس لنا ولا يحقّ لنا أن نسأل : لماذا غيّب الله موسى عن فرعون عند ولادته؟ ثمّ ردّه الله ليربّيه في قصره ، ليكون له عدوّاً وحزناً؟

وليس لنا أن نسأل : لماذا أمر الله نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالهجرة حين أنزل عليه( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ ) ؟(٢) .

وليس لنا أن نسأل : لماذا صلاة الصبح ركعتان؟ وصلاة الظهر أربعاً؟ والمغرب ثلاثاً؟ وهكذا.

وكلّ ما أمكننا أن ندرك من وجه الحكمة في غيبة بعض الأنبياءعليهم‌السلام ، هو الحفاظ على حياتهم من شرّ أعدائهم ، فكذلك كانت الحكمة في غيبة الإمام المهديّعليه‌السلام الحفاظ على سلامته ، مادام ظرفه كظروفهم من حيث

____________

١ ـ الشعراء : ٢١.

٢ ـ الأنفال : ٣٠.

٥٧٢

ملاحقة العدو له ، وطلب القضاء عليه ، ألم تقرأ في تاريخ الغيبة ما صنع المعتمد العباسي في جدّه وسعيه وإمعانه في التفتيش عن الإمام المهديّعليه‌السلام ، حتّى حبس الجواري برهة من السنين ، فذلك من وجه الحكمة فيما نعلم.

س ٤ : كيف سيعرف الإمام المهديّ الغائب عند خروجه بعد غيابه مئات السنين؟

ج ٤ : يُعرف عندما يؤذن له بالظهور بالآيات البيّنات الخارقة للعادات ، وسمّها بالمعجزات ، كالنداء من السماء باسمهعليه‌السلام ، وصلاة النبيّ عيسى خلفه ، ونحو ذلك ، فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يخرج المهديّ وعلى رأسه ملك ينادي : إنّ هذا المهديّ فاتبعوه )(١) .

وروي عن عليعليه‌السلام قال : (إذا نادى منادٍ من السماء : إنّ الحقّ في آل محمّد ، فعند ذلك يظهر المهديّ على أفواه الناس ، ويشربون حبّه ، ولا يكون لهم ذكر غيره )(٢) .

س ٥ : إذا كان الغياب لحكمة ما ، فلماذا لا تكون تلك الحكمة سبباً لأن يكون معدوماً؟ حتّى إذا حان وقته أوجده الله؟!

ج ٥ : السائل يحسب أنّ الحكمة في الخلق هي بافتراضنا ، وليست بأمر بارئ الخلائق ، فهو الذي يقضي بحكمه ويقدّر بحكمته ، فلا يقال : لماذا جعل الليل والنهار متعاقبين؟ ولم يجعل الزمان كلّه نهاراً أو كلّه ليلاً؟ وهذا ما نطق به القرآن مندّداً بمن لا يدرك وجه الحكمة ، ولا يسلّم لأمره تعالى في ذلك ، فقال :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ

____________

١ ـ مسند الشاميين ٢ / ٧٢ ، ينابيع المودّة ٣ / ٢٩٦ و ٢٩٩ و ٣٤٤ و ٣٨٥ و ٣٩٢.

٢ ـ كنز العمّال ١٤ / ٥٨٨.

٥٧٣

تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

فنحن إذاً نتبع ما بيّن لنا الله تعالى وجه الحكمة فيه ، وما لم يبيّن لنا ذلك ، ليس من حقّنا ـ كمسلمين ـ الاعتراض عليه ، فنقول : لماذا ولماذا؟

ثمّ لو سلّمنا جدلاً أنّ الحكمة أن يكون معدوماً ، فإذا حان وقت ميعاده أوجده الله تعالى ، فذلك يستلزم خلوّ الزمان من إمام يرجع إليه ، وعندها تكون الحجّة للناس على الله حيث لا حجّة إمام يرجعون إليه ، فيبطل الثواب والعقاب ، وتنتفي الحكمة من خلق الخلق ، حيث يقول الله سبحانه :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٢) .

س ٦ : ما الفائدة من عصمة الإمام وعلمه وهو غائب؟ واذكروا لنا الفوائد العملية التي انتفع بها سابقاً ، وينتفع بها حالياً المسلمون عامّة ، والشيعة خاصّة من الإمام المهديّ في فترة غيبته الطويلة؟!

ج ٦ : الفائدة من الإمام المهديّعليه‌السلام في غيبته ، كالفائدة من الشمس إذا تجلّلها السحاب ، كما ورد في الحديث المروي في ( كمال الدين وتمام النعمة ) للشيخ الصدوققدس‌سره فراجع(٣) .

على أنّ في الغيبة نحو اختبار للناس على حدّ ما جاء في القرآن المجيد :( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (٤) ، فتلك سنّة الله في خلقه ، ولن تجد لسنّته تحويلاً.

س ٧ : تحاولون إضفاء صفات على أئمّتكم عامّة ، وعلى الإمام المهديّ

____________

١ ـ القصص ٧١ ـ ٧٣.

٢ ـ الذاريات : ٥٦.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٧.

٤ ـ العنكبوت : ١ ـ ٢.

٥٧٤

الغائب خاصّة ، منها : أنّه يطوف العالم ، ويعرف شيعته ، ويتّصل بالخلّص منهم ، ويلقي إليهم أوامره ، وأنّه يعلم الغيب ، ومفوّض من الله بالتصرّف في الكون ، فسبحان الله هل هذه إلاّ صفات ربّ العالمين؟!

ج ٧ : ليست الصفات المشار إليها تخرجهم عن الطبيعة البشرية ، ولا نقول فيهم إلاّ أنّهم :( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) ، على أنّ بعض ما ذكرت ليس مختصّاً بهم وحدهم ، فإنّ الخضر حيٌّ ويطوف العالم ، ويتّصل بمن أراد أن يلقاه ، فيلقي إليه من علمه ، كما تعلّم منه موسىعليه‌السلام ، فهل وجدت من قال بربوبيته؟

س ٨ : لم يرو أنّ أحد الأئمّة الاثني عشر غاب ؛ فلماذا اختلفت السنّة الإلهيّة في الأئمّة عند المهديّ؟ حتّى غاب هذا الزمن الطويل؟ خاصّة وأنّ معظم الأئمّة الاثني عشر ينطبق عليهم نفس علّة غياب المهديّ؟ وهي الخوف وعدم الناصر كما تقولون؟!

ج ٨ : إنّما اختلفت السنّة في الإمام المهديّعليه‌السلام ، لأنّه خاتم الأئمّة الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر بالتمسّك بهم ، كما في حديث الثقلين ـ المتواتر نقله ـ وأخبر أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

ولأنّه الموعود المنتظر لإقامة الأمن والعوج ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلمت وجوراً ، فهو في مطادرة من أعدائه أكثر ممّا كان عليه آباؤه من الخوف ، وإن كانت لهم غيبات في غياهب السجون طالت أو قصرت ، لكنّها لفترات محدودة.

ومع ذلك فقد ولّدت تلك الحالة عند بعض الشيعة القول بمهدية بعض الأئمّة ، كما في الواقفة الذين وقفوا بالإمامة على الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وجاءت الأحاديث بذمّهم.

س ٩ : لماذا لا نجوّز أنّ الله تعالى قد بدا له في أمر إماتته ، ونقل المهدوية إلى

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧.

٥٧٥

غيره ممّن سيولد لاحقاً ، ويعيش حياة طبيعية كسائر الأئمّة من آبائه ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو طول غيبته التي لها إلى الآن مئات السنين؟!

ج ٩ : ليست مسألة البداء في أمر إمامة المهديّعليه‌السلام بواردة بل منفية ، لأنّها لو كانت واردة لوجب على الله من باب اللطف أن يعرّف الناس إماماً غيره ، ولا يتركهم هملا ، لئلا تخلو الأرض من حجّة قائم لله بأمر الشريعة ، وحيث لم يعيّن غيره فتعيّن هو ، ولا يكون التعيين إلاّ بالنصّ ، وفي الإمام المهديّعليه‌السلام لو تمّ القول بالبداء فممّن يكون النصّ؟ بينما كان النصّ عليه موجوداً باسمه ونعته من قبل وجوده ، وحتّى بعد ولادته.

س ١٠ : لماذا لا نجوّز أنّه شخصية وهمية افترضت من قبلكم تقيّة ، لئلا يندثر مذهبكم بعد انعدام ذرّية الحسن العسكريّ ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو وجود العمل بنظرية التقيّة لديكم ، ودفاعكم عنها دفاعاً شديداً ، وتميّزكم بها دون سائر المذاهب الإسلاميّة؟!

ج ١٠ : مادام أقصى ما لديكم لماذا ولماذا ، فلا أرى يجدي معكم الحوار ، لأنّ المتعنت ليس لديه فوق لماذا من مخرج؟

ومع ذلك فنقول لكم : إذا افترضنا جدلاً كما تقول : فمن هو الإمام الذي يقود الأُمّة في فترة خلوّ الأرض منه ، إذا لم يكن هو المصلح المنتظر؟ وكيف يكون شخصية وهمية ، وقد ثبت وجوده الخارجي ، وشهد بولادته القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وأُمّه وأبوه ، وأراه لبعض خواصّه ، ولو أغمضنا النظر عن ذلك كلّه ، فما رأيكم في علماء العامّة الذين لا يؤمنون بالتقيّة ، وشهدوا بولادته؟ وصحّة نسبه ، وأنّه ابن الحسن العسكريّعليه‌السلام ؟

س ١١ : كيف تقبلون رواية ولادة الإمام المهديّ عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، أم أنّ هناك رواة غيرها ، ومن هم؟!

ج ١١ : نحن لم نقبل رواية الولادة عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، بل هناك غيرها ، وهي القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وشهادة القابلة في

٥٧٦

إثبات الولادة والاستهلال مقبولة عند جميع المسلمين ، فدونك ما يقول علماؤهم ، وأئمّة المذاهب منهم.

قال أبو حنيفة : ( لأنّ أنساب المسلمين وأحوالهم ، يجب حملها على الصحّة ، وذلك أن تكون ولدته منه في نكاح صحيح )(١) .

وقال النوويّ : ( ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع ، والعيوب التي تحت الثياب شهادة النساء المنفردات ، لأنّ الرجال لا يطّلعون عليها في العادة ، فلو لم تقبل فيها شهادة النساء منفردات ، بطلت عند التجاحد ، ولا يثبت شيء من ذلك )(٢) .

وإذا أخذنا بالإقرار ، فقد جاء في البحر الزخّار ـ وهو من المصادر المهمّة لدى علماء الزيديّة ـ :

فصل : ( ويصحّ إقرار الرجل بولد أو والد إجماعاً ، بشرط مصادقة البالغ ، وعدم شهرة نسب آخر )(٣) .

فتبيّن لنا : أنّ مذاهب المسلمين تقول بما قلناه في الإقرار ، وشهادة النساء المنفردات ، فعلام التشهير بمن يرتّب الآثار على ذلك؟

س ١٢ : هل تجب الحدود على أهلها في حال الغيبة؟ أم أنّها تسقط؟ وهل يجوز سقوطها مئات السنين؟ وما هي الحكمة إذاً من تشريعها؟!

ج ١٢ : من قال لك تسقط الحدود في زمن الغيبة؟ أو تعطّل الأحكام فيها؟ وهذا الشيخ المفيدقدس‌سره يقول : ( فأمّا إقامة الحدود : فهي إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم أئمّة الهدى من آل محمّدعليهم‌السلام ، ومن نصّبوه لذلك من الأمراء والحكّام ، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان )(٤) .

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ٥ / ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ / ٢٨٥.

٢ ـ المجموع ٢٠ / ٢٥٦.

٣ ـ البحر الزخّار ٥ / ١٢.

٤ ـ المقنعة : ٨١٠.

٥٧٧

س ١٣ : في أحاديث الأئمّة مجمل ومتشابه وتقيّة ، فمن أين لنا بإمام الآن في غياب المعصوم ، يبيّن لنا كلّ ذلك؟!

ج ١٣ : يعرف ذلك الفقهاء من شيعتهم ، الذين جعلوا لهم المرجعية عند عدم الحضور ، سواء كان ذلك في أيّامهم ، أو بعد غيبة آخرهمعليه‌السلام ، وكم في تاريخ رجالات الشيعة من أُناس أرجع الأئمّة إليهم الشيعة لأخذ أحكامهم منهم ، كيونس بن عبد الرحمن وأمثاله ، أو النوّاب الأربعة في زمن الغيبة الصغرى.

س ١٤ : تقول الإمامية أنّها أخذت مذهبها عن المعصومين ، فكيف تعرف صحّة مذهبها الآن؟ إن قيل بأحاديث الأئمّة ، فهلا اكتفوا بأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما هو الفرق بينهم وبين سائر المسلمين حينئذ ، فكلّ منهم يأخذ عن المعصوم وهو النبيّ؟!

ج ١٤ : لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة وحدها ، بعد علمكم بأنّها شيبت بالمكذوب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الموضوعات ، وهذا أمر حدث في أيّامه ، وآية النبأ ، وحديث من كذّب عليّ وغيرهما ، تثبت أنّه لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة.

ثمّ هوصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أُمّته بالرجوع إلى أهل بيته ، كما في حديث الثقلين ، والتمسّك بهم على حدّ التمسّك بالقرآن ، كما أمر باتباعهم ، وأمرنا أن لا نتقدّمهم بسبق عليهم في فكر أو مسألة ، لأنّهم أعلم الأُمّة ، ولولا أن يكونوا كذلك لما جاز للنبيّ أن يرجع إليهم ما داموا هم مفضولين.

س ١٥ : متى عرفت الإمامية علم الحديث وأُصول الفقه؟ ومن أوّل من وضعه؟ وما هي حاجتهم إليهما مع وجود المعصوم؟ وما هي فائدة العصمة مع وجودهما؟ وهل بقي هناك داع لادعائهم التميز عن سائر المسلمين بالأخذ عن المعصومين؟!

ج ١٥ : أوّل من كتب في علم الحديث هو الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد دوّن الصحيفة الجامعة التي أملاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتبها عليعليه‌السلام .

فقد روى الكشي عن العيّاشيّ بإسناده إلى سورة بن كليب ، قال : ( قال

٥٧٨

لي زيد بن علي : يا سورة كيف علمتم أنّ صاحبكم ـ يعني جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ـ على ما تذكرونه؟ قال : فقلت له : على الخبير سقطت ، قال : فقال : هات.

فقلت له : كنا نأتي أخاك محمّد بن عليعليهما‌السلام نسأله ، فيقول : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،وقال الله جلّ وعزّ في كتابه ) ، حتّى مضى أخوك فأتيناكم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت فيمن أتيناه ، فتخبرونا ببعض ، ولا تخبرونا بكلّ الذي نسألكم عنه ، حتّى أتينا ابن أخيك جعفراً ، فقال لنا كما قال أبوه : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال تعالى ) فتبسّم ـ يعني زيد بن علي ـ وقال : أما والله إن قلت هذا ، فإن كتب عليعليه‌السلام عنده )(١) .

فهذا زيد يقول : أنّ للإمام عليعليه‌السلام كتباً ، وواحدة من تلك الكتب هي الصحيفة الجامعة ، وقد ورد ذكرها في غير واحد من الكتب المعتبرة المعوّل عليها.

وقد أوصى المعصومونعليهم‌السلام بحفظ الكتب ، وبكتابة الحديث ، فعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : (احتفظوا بكتبكم ، فإنّكم سوف تحتاجون إليها ) ، وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : (اكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا )(٢) .

أمّا الحاجة إلى علم الحديث مع وجود الإمام المعصوم ، فإنّ الاتباع لا يتاح لهم جميعاً أن يأخذوا العلم مباشرة من الإمامعليه‌السلام ، فقد يكونوا في مناطق بعيدة عن الإمامعليه‌السلام ، فيأخذون ممّن سمع من الإمام ، وإذا كان ذلك الحديث مكتوباً يكون أوثق لدى السامع ، وكتابتهم للحديث في ذلك الزمان ليس لهم فقط ، بل لمن يأتي بعدهم ، وإلى يومنا هذا ، وهو كفائدة كتابة حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه.

____________

١ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٧٤.

٢ ـ الكافي ١ / ٥٢.

٥٧٩

وأمّا أُصول الفقه ، فإنّ أوّل ما أخذه الشيعة من الأئمّةعليهم‌السلام أنفسهم كقواعد كلّية ، وهذا واضح لمن راجع كتب أُصول الفقه عندنا ، ومع ذلك فقد ذكرت كتب الرجال عندنا : أنّ بعض أصحابهمعليهم‌السلام ألّفوا في أُصول الفقه ، منها مباحث الألفاظ ، فراجع رجال النجاشيّ ، وفهرست الشيخ الطوسيّ ، وغيرهما.

وأمّا العصمة فهي شرط في الإمام ، والإمام ليس مجتهداً ، فإنّه يعطي حكم الله الواقعي ، والمجتهد يفتي بحكم الله الظاهر ، وهذا السؤال ناتج عن عدم الدقّة!!

ثمّ إنّ التطوّر والتوسّع في أُصول الفقه كان في زمن غيبة الإمامعليه‌السلام ، ومن ضمن فائدة هذا العلم هو الاستعانة به من أجل فهم النصوص الواردة عن المعصومين بعد غياب الإمام المعصوم ، أمّا العصمة للإمام فلابدّ منها ، لأنّها هي التي تثبت لنا عدم وجود احتمال أيّ خطأ في كلام أو فعل أو تقرير المعصوم.

س ١٦ : تقولون بصحّة الاجتهاد في زمن الغيبة ، بعد أن حرّمتموه في زمن الأئمّة ؛ فما هو الدليل القطعي على صحّته؟ وهل هذا الدليل مأخوذ عن الأئمّة أم غيرهم؟ وهل هو موجود في كتبكم المؤلّفة قبل عصر الغيبة؟ بيّنوا لنا ذلك وخرّجوه من تلك المصادر؟!

ج ١٦ : الاجتهاد الذي نقول به هو : الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعيّ من أدلّته ومصادره ، ولا نقول بالمعنى الثاني للاجتهاد ، الذي هو مصدر للفقيه يصدر عنه ودليلاً يستدل به ، كما يصدر عن آيةٍ أو رواية ، والاجتهاد بالمعنى الأوّل من البديهيات ، وكان عمل الأصحاب والاتباع على ذلك ، ولم ينكر الأئمّةعليهم‌السلام هذا الاجتهاد بالمعنى الأوّل ، بل أنّهم أمروا بعض أصحابهم بالعمل بذلك ، كما أمر الإمام الباقرعليه‌السلام أبان بن تغلب ، أن يجلس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويفتي الناس ، حيث قال له : (اجلس في مسجد

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621