موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267585 / تحميل: 7554
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٢ ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تبدأوا اهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم »(١) .

٣ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن اليهودي ، والنصراني ، والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس ، كيف ينبغي أن يرد عليهم : فقال : يقول : عليكم »(٢) .

٤ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك »(٣) .

هذه الروايات الصحيحة صريحة في الاقتصار على « عليك أو عليكم » في الأجابة على تسليم أهل الكتاب. وأما الابتداء به فمنهي كما يأتي في السلام المنهي. ومعنى ذلك أن الذي يضمره اليهودي أو غيره من سوء هو عليه دون غيره من الناس.

وقد تقدم كيفية السلام على المشرك بأن يقول : « السلام على من اتبع الهدى »(٤) وذكرنا هناك أن السلام دعاء السلامة للمسلم عليه ولا ينفع الكافر ، بل والدعاء له لكونه كافراً كفر ، نعم ربما انتفع به إذا كان موضعاُ للأنتفاع ، وقد سبق استغفار إبراهيمعليه‌السلام لآزر الذي حكاه الله بقوله تعالى :( ولما تبين أنه عدو لله تبرَّأ منه ) (٥) .

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٨ ـ ٦٤٩ ، الحديث ٢. في هامشه : في جميع النسخ بإثبات الواو ، يعني علينا السلام وعليكم ما تستحقون.

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٩.

٣ ـ المصدر نفسه.

٤ ـ المصدر نفسه وتقدم عقيب ٢٠ ـ الحديث من أحاديث ( ٧ ـ أدب السلام ).

٥ ـ التوبة : ١١٤.

ولكن في صادقي : « تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام » أصول الكافي ٢ | ٦٥٠

١٤١

ولبعض حول التسليم لأهل الكتاب كلام وهو : كان اليهود يسلمون على النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، فيردعليهم‌السلام حتى كان من بعض سفهائهم تحريف السلام بلفظ ( السام ) ، أي الموت ، فكان النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يجيبهم بقوله : « وعليكم » وسمعت عائشة واحداً منهم يقول له : السام عليك. فقالت له وعليك السام واللعنة ، فانتهرها النبي عليه الصلاة والسلام مبيناً لها أن المسلم لا يكون فاحشاً ، ولا سباباً ، وأن الموت علينا وعليهم.

وروي عن بعض الصحابة كابن عباس أنهم كانوا يقولون للذمي : السلام عليك. وعن الشعبي عن أئمة السلف أنه قال لنصراني سلم عليه : وعليك السلام ورحمة الله تعالى. فقيل له في ذلك ؛ فقال : « أليس في رحمة يعيش » وفي حديث البخاري : الأمر بالسلام على من تعرف ومن لا تعرف. وروى ابن المنذر عن الحسن أنه قال :( فحيوا بأحسن منها ) للمسلمين ،( أو ردوها ) لأهل الكتاب. وعليه يقال للكتابي ورد السلام عين ما يقوله ، وإن كان فيه ذكر الرحمة.

هذه لمعة مما روي عن السلف ، ثم جاء الخلف فاختلفوا في السلام على غير المسلم ، فقال كثيرون : إنهم لا يبدأون بالسلام لحديث ورد في ذلك ؛ وحملوا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحاجة ، أي لا يسلم عليهم ابتداء إلا لحاجة. وأما الرد فقال بعض الفقهاء : إنه واجب كرد السلام ، وقال بعضهم : سنة.

أما ما ورد من حق المسلم على المسلم فلا ينافي حق غيره ، فالسلام حق عام ، ويراد به أمران : مطلق التحية ، وتأمين من تسلم عليه من الغدر والإيذاء ، وكل ما يسيء. وقد روى الطبراني(١) والبيهقي من حديث أبي

__________________

وفي هامشه أي : علينا أو على من يستحقه.

أقول : السلام كاللعنة يطلب أهله كائناً من كان.

١ ـ هو أبو القاسم سليمان بن أحمد أحد حفاظ أهل السنة ، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق ، والحجاز ، واليمن ، ومصر وغيرها ، وسمع الكثير ، وعدد شيوخه ألف شيخ ، ويقال : له مسند الدنيا ، يروي عنه أبو نعيم الأصبهاني ، وله مصنفات أشهرها المعاجم

١٤٢

أمامة : « إن الله تعالى جعل السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا »

وأكثر الأحاديث التي وردت في السلام عامة ، وذكر في بعضها « المسلم » ، أما جعل تحية الإسلام عامة فعندي أن ذلك مطلوب ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن اليهود كانوا يسلمون على المسلمين فيردون عليهم ، فكان من تحريفهم ما كان سبباً لأمر النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، بأمر المسلمين أن يردوا عليهم بلفظ « وعليكم » ، حتى لا يكونوا مخدوعين للمحرفين. ومن مقتضى القواعد أن الشيء يزول بزوال سببه.

ولم يرد أن أحداً من الصحابة نهى اليهود عن السلام ، لأنهم لم يكونوا ليحظروا على الناس آداب الإسلام ، ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيء يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءته الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين. ـ إلى أن قال القائل : ـ هذا ما أفتينا به منذ بعض سنين ، وحديث عائشة المشار إليه في الفتوى رواه الشيخان في صحيحيهما ، ورويا عن أبي هريرة عدم ابتدئنا إياهم بالسلام ، ولعل ذلك كان لأسباب خاصة اقتضاها ما كان بينهم وبين المسلمين من الحروب ، وكانوا هم المعتدين فيها. روى أحمد عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم : « إني راكب غداً إلى يهود فلا تبدأوهم بالسلام ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » فيظهر هنا أنه نهى أن يبدأوهم بالسلام ، لأن السلام تأمين ، وما كان يحب أن يأمنهم وهو غير أمين منهم ، لما تكرر من غدرهم ونكثهم للعهد معه ، فكان ترك السلام عليهم تخويفاً لهم ليكونوا أقرب إلى المواتاة(١) .

أقـول : وليس قوله هذا إلا اجتهاداً في مقابل النص الصحيح الصريح من منع الابتداء بالسلام على أهل الكتاب.

__________________

الثلاثة وهي أشهر كتبه ، مولده بطبرية الشام سنة ٢٦٠ ـ أي عام وفاة الإمام أبي محمد العسكريعليه‌السلام ـ وسكن أصبهان إلى أن توفي بها في قع سنة ٣٦٠ الكنى والألقاب ٢ | ٤٤٣.

فعمر مئة سنة وشيوخه ألف ، ومن ثم قيل فيه مسند الدنيا.

١ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٢ ـ ٣١٦.

١٤٣

الناحـية الثـانيـة :

إبلاغ المتحمل للسلام إلى المبلغ له هو من الأمانات التي يجب أداؤها إلى أهلها بعد القبول ، وأنّه وديعة كما في حديث سلمان (١). والمبلغ الرسول الذي على عاتقه الرسالة ، فإن لم يفعل فما بلّغ رسالته ، وقيل : كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم بنفسه على من يواجهه ، ويحمّل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، وإذا بلّغه أحد السلام عن غيره يردّ عليه وعلى المبلّغ به(٢) .

ونذكر عدداً من احاديث الإبلاغ :

الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال « بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم على جبل من جبال تهامة والمسلمون حوله ، إذ أقبل شيخ وبيده عصاً ، فنظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : مشية الجنّ ونغمتهم وعجبهم ، فأتى فسلّم فردّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال له : من أنت؟ فقال : أنا هامة بن الهيم بن لا قيس بن إبليس ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سبحان الله سبحان الله ، ما بينك وبين إبليس إلا أبوان! قال : لا ، قال : كم أتى عليك؟ قال : أكلت الدنيا عمرها إلا القليل ، قال : على ذلك؟ قال : كنت ابن أعوام ، أفهم الكلام ، وآمر بإفساد الطعام الأرحام ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بئس العمر والله عمل الشيخ المثلوم(٣) أو المتوسّم. قال : زدني من التعداد ، إنّي ملّيت ممّن شرك في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم ، وكنت مع نوح في مسجده فيمن آمن به ، وعاتبته على دعوته عليهم ، فلم أزل أعاتبه حتى بكى وأبكاني ، وقال : إنّي من النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، فقلت : يا نوح إنّني ممّن شرك في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم ، هل تدري

____________

١ ـ أمالي الشيخ الطوسي ١ | ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

٢ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٦.

٣ ـ من الثلمة : الانصداع صفة كل من شاخ وكبر.

١٤٤

عند ربّك من التوبة؟ قال : نعم ، يا هام همّ بخير وافعله قبل الحسرة والندامة ، إنّي وجدت فيما أنزل الله تعالى عليّ : ليس من عبد عمل ذنباّ كائناّ ما كان ، وبالغاّ ما بلغ ، ثم تاب ، إلا تاب الله تعالى عليه فقم الساعة فاغتسل وخرّ لله ساجداً ، ففعلت ما أمرني إذ نادى مناد من السماء : ارفع رأسك قبلت توبتك ، فخررت لله ساجداً حولاً. وكنت مع هود في مسجده ، ومن آمن به من قومه ، وعاتبته على دعوته عليهم ، وكنت زوّاراً ليعقوب بن إسحق بن إبراهيم ، وكنت من يوسف بالمكان الأمين ، وكنت ألقى إلياس في أودية الرّمال وأنا ألقاه الآن ، ولقيت موسى بن عمران فقال لي : إذا لقيت عيسى بن مريم فاقرأه السلام. فلقيت عيسى بن مريم فأقرأته السلام ، فقال لي عيسى بن مريم : إذا لقيت محمداً فاقرأه السلام ، فقد أقرأتك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عيسى بن مريم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سبحان الله! صلى الله على عيسى ما دامت الدنيا دنيا وسلم(١) يا هام ما أديت الأمانة. فقال هام : هنيئا لك يا رسول الله ، سمعت الأمم السالفة يصلّون عليك ، ويثنون على أمّتك ، فعلّمني يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : وما أعلمك؟ قال : علّمني التورية ، فعلّمه رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، عم يتساءلون ، والنازعات ، والواقعة ، وقال له : يا هام لا تدع زيارتنا وارفع إلينا حوائجك »(٢) .

__________________

١ ـ في الحديث سقط : ( وسلام عليك يا هام بما أدّيت الأمانة ) مستدرك الوسائل. ٨ | ٣٦٩.

٢ ـ الجعفريّات ١٧٥ ـ ١٧٦ ، مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦٩ ، جامع أحاديث الشيعة ١٥ | ٦١٣ ـ ٦١٤.

أقول : قد جاء ذكر هام بن الهيم في حديث تجارة النبي ، صلى الله عليه وآله ، إلى الشام لخديجة عليها السلام حيث أراد أعداؤه هلاكه بثعبان أظهروه في طريق النبي ، فجفلت منه ناقة النبي فزعق بها النبي ، وقال : ويحك كيف تخافين وعليك خاتم الرسل وإمام البشر؟ ثم التفت إلى الثعبان وقال له : ارجع من حيث أتيت ، وإياك أن تتعرض لأحد من الركب. فنطق الثعبان بقدرة الله تعالى وقال : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : السلام على من اتبع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى ، فعندها قال : يا محمد ما أنا من هوام الأرض ، وإنما أنا ملك من ملوك الجنّ واسمي الهام بن الهيم ، وقد آمنت على يد أبيك إبراهيم الخليل إلى آخرالقصّة. البحار ١٦ | ٣٥ ـ ٣٦.

١٤٥

أقول : على فرض ثبوت القصة ، تدل على أن تحمل إبلاغ السلام من الأمانة ، وأنه لا بد من وصولها إلى أهلها ، وقد فعله هذا المخلوق العجيب هام بن الهيم بن لاقيس بن إبليس ، وظاهر حاله أنه مقبول التوبة ، وقد أخذ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم القرآن وبعض سوره.

٢ ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي كهمس قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : « عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام. قال : عليك وعليه السلام ، إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له : إن جعفر بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به عليّعليه‌السلام عند رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالزمه ؛ فإن عليّاعليه‌السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بصدق الحديث وأداء الأمانة »(١) .

بـيـان :

يبلغ الإمامعليه‌السلام عن غيره السلام ، ثم يبلغه كما بلغه ، وفيه دلالة على تبادل التبليغ السلامي المسبب لمزيد الحب والسكون ، كما وفيه دلالة على إكرام الوسيط أولاً ، ثم المبلغ الغائب ، فخص الإجابة بأبي كهمس الوسيط ، ثم ابن أبي يعفور الغائب بقولهعليه‌السلام : « عليك وعليه السلام » ؛ وربما انعكست الإجابة كما في قصة هامة بن الهيم ، ولعل الشرف أو الضعة سبب للتقديم مرة ، وللتأخير أخرى ، وإلا فهو بالخيار ، وعلى أي تقدير ، لا بد من إكرام الوسيط إذاً لتحمل نوع من التحية التي يجب ردها

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ١٠٤ ، باب الصدق وأداء الأمانة ، الحديث ٥ ، الوسائل ١٣ | ٢١٨ ، جامع أحاديث الشيعة ١٥ | ٦١٤ ـ ٦١٥.

ونظيره ما رواه المفيد بإسناده إلى خيثمة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال : دخلت عليه أودعه وأنا أريد الشخوص إلى المدينة ، فقال : أبلغ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله ، والعمل الصالح ، وأن يعود صحيحهم مريضهم ، وليعد غنيهم على فقيرهم ، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، وأن يتفاوضوا علم الدين ؛ فإن في ذلك حياة لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيا أمرنا ، الفصول المختارة ٢٨٧ ، الطبعة الرابعة ، قم ـ إيران ، ١٣٩٦.

فقد دل هذا الحديث كسابقه على إبلاغ السلام ، والأحاديث المروية في ذلك كثيرة.

١٤٦

بالأحسن ، أو المماثل ، وتقديمه يعتبر من الأحسن.

٣ ـ قال ابن الشيخ الطوسي : ( وبهذا الإسناد )(١) عن عباد قال : حدثني عمي عن أبيه ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله البجلي قال : « سمعت سلمان الفارسي يقول لي وللأشعث بن قيس : إن لي عندكما وديعة. فقلنا : ما نعلمها إلا أن قوماً قالوا لنا : أقرأوا سلمان عنا السلام. قال : فأي شيءٍ أفضل من السلام؟ وهي تحية أهل الجنة »(١) .

بـيـان :

إن دل الحديث على شيءٍ فله دلالة على فضل السلام ، وأنه تحية أهل الجنة المصرح بها في آية( وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ ) (٢) . والتصريح بأن التحمل للسلام من غيره إلى غيره من الودائع والأمانات المردودة إلى أربابها يطالب بها لو أهمل في الوصول ، ومنه يعلم الأهتمام بأمر السلام في الإسلام لا يقوم به إلا من يهمه ذلك.

٤ ـ روى الشيخ الحر عن محمد بن الحسن ، في ( المجالس والأخبار ) ، عن أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ـ إلى قوله : ـ عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إن ملكاً من الملائكة سأل الله أن يعطيه سمع العباد ، فأعطاه ، فليس من أحد من المؤمنين قال : ( صلى الله على محمد وآله وسلم ) إلا قال الملك : وعليك السلام ، ثم قال الملك : يارسول الله إن فلاناً يقرئك السلام ، فيقول رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعليه السلام »(٣) .

بـيـان :

لا يخص إبلاغ السلام بهذا الملك ، ولله عز وجل ملائكة موكلون

__________________

١ ـ أمالي الشيخ الطوسي ١ | ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، الجزء الثاني عشر.

٢ ـ يونس : ١٠.

أقول : وفي زيارة النبي يقول فيه الزائر « بلغ روح نبيك محمد صلى الله عليه وآله مني السلام ». كامل الزيارات ١٨ ، الباب ٣. وأنه تعالى يبلغه.

٣ ـ الوسائل ٨ | ٤٤٧ ، باب ٤٣ في كيفية رد السلام الحديث ٤.

١٤٧

بإبلاغ السلام على كل من الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ، ولا سيما الإمام ، سيد الشهداء ، الحسين بن علي عليهما صلوات الله وسلامه ، بل نقول بالقياس إلى جميع المؤمنين بعضهم إلى بعض ، فكيف بأئمتهم سادة العالم أجمع ، وأن كل زيارة ، أو دعاء ، أو سلام ، يبلغ ذلك كله النبي والأئمة الهداة صلى الله عليهم وسلم وإليك.

٥ ـ الصادقي : « تأتي قبر رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : نعم ، فقال : أما أنه يسمعك من قريب ويبلغه عنك إذا كنت نائياً »(١) . يراد من « من قريب » الحرم أو المدينة ، والنائي خارجها.

٦ ـ الصادقي الآخر : عامر بن عبد الله قال : « قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إني زدت جمّالي دينارين أو ثلاث على أن يمر بي إلى المدينة فقال : قد أحسنت ، أما أيسر هذا تأتي قبر رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما إنه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد »(٢) .

بـيـان :

لم ينص على المبلغ عما يقوله عامر بن عبد الله من زيارة أو سلام أو عمل. وهل هم الملائكة الموكلة على ذلك أو غيرهم من خلق الله؟. وعلى أي تقدير دل الحديثان الأخيران على المطلوب.

٧ ـ إن جبرئيلعليه‌السلام هو رسول الله إلى رسول الله ، مبلغ سلام الله في كل نزول عليه ، ومنه الحديث الصادقي السابق : « لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة صلوات الله عليها تلوذ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتدور حوله ، وتقول : يا أبة أين أمي؟ قال : فنزل جبرئيلعليه‌السلام فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام تقول لها إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب »(٣) .

__________________

١ ـ كامل الزيارات ١٢ ، والمخاطب أبو بكر الحضرمي ، وقد أمره الصادقعليه‌السلام أن يأتي مسجد الرسول ويكثر الصلاة فيه ، وأن يسلم عليه ويزورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ ـ كامل الزيارات ١٢.

٣ ـ أمالي الطوسي ٢ | ١٧٨ ـ ١٧٩ ، والحديث الثاني من ( ١ ـ السلام اسم من أسماء الله الحسنى ).

١٤٨

والكل يدري أن إبلاغ السلام من شخص إلى آخر أمر مألوف ، متداول بين الجميع ، العالي منهم والداني ، وربما جاء في القصص من إبلاغ سلام الله(١) ، أو الملائكة ، أو الأنبياء ، والأئمةعليهم‌السلام إلى بعض الناس المرضي عندهم ؛ أما في المكاتيب المتبادلة بين الكاتب والمكتوب إليه فحدث ولا حرج ؛ إذ السلام كالبسملة مما يبدأ به في الكتابة ، ومن ثم جاء النص « رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ». لدلالة الحديث على مفروغية إبلاغ السلام ورده مشافهة وكتابة.

منها : طلب زائر قبر النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أن يبلغه الله سلامه ، كما في زيارته التي علمها أبو الحسنعليه‌السلام إبراهيم بن أبي البلاد وفي آخرها : « بلغ روح نبيك محمد ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مني السلام »(٢) .

ومنها : ما قاله الحر : ( ١٤ ـ باب استحباب إبلاغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلام الإخوان من المؤمنين ) في صحيح كاظمي قال : « فإذا أتيت قبر النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقضيت ما يجب عليك ، فصل ركعتين ، ثم قف عند رأس النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قل : السلام عليك يا نبي الله من أبي ، وأمي ، وولدي ، وخاصيَّتي ، وجميع أهل بلدي ، حرهم ، وعبدهم ، وأبيضهم ، وأسودهم ، فلا تشاء أن تقول للرجل : قد أقرأت رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عنك السلام إلا كنت صادقاً »(٣) .

بـيـان :

إنّ كلّ كلّي انطباقه على أفراده انطباق قهري ، فمن عمم في الدعاء وقال : ( اللهم اغفر للمؤمنين ) فمن كان مؤمناً حقاً شمله ، وطبق على

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٧٠ ، باب التكاتب.

٢ ـ كامل الزيارات ١٨ ، الباب ٣.

٣ ـ الوسائل ١٠ | ٢٨٠.

أقول : ومن مواضع طلب الزائر من الله إبلاغ السلام ، ما جاء في دعاء ركعتي الزيارة : « وأبلغهم عني أفضل التحية والسلام ، واردد عليّ منهم التحية والسلام » البحار ١٠١ | ٣٦١.

١٤٩

مصداقه الدعاء ، فكذا الطائف حول البيت الحرام بالأسبوع الناوي بطوافه الناس جميعاً. فالحديث هو سند لصحة النية الشاملة في كل أمر مرضي عند الله تعالى.

٨ ـ روى العياشي عن زرارة ، وحُمران بن أعين ، ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : حدّث أبو سعيد الخدري أن رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إنّ جبرئيل أتاني ليلة أُسري بي فحين رجعت قلت : يا جبرئيل هل لك من حاجة؟ قال حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام ، وحدثنا عند ذلك أنها قالت حين لقيها نبي الله عليه وآله السلام ، فقال لها الذي قال جبرئيل ، فقالت : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام ، وعلى جبرئيل السلام »(١) .

٩ ـ في حديث المعراج المطول إلى أن قال جبرئيلعليه‌السلام : « يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام ، قال : فقلت : هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام »(٢) .

بـيان :

كان من الأجدر ذكر الحديثين في أول الفصول العشرة ، ولكن الذي كنا بصدده من إبلاغ السلام أوجب ذكرهما هنا ، وسيأتي في الخاتمة ، في حديث المعراج ، ما يتبين به الغرض من سلام الله تعالى ، وسلام جبرئيل ، وجواب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

١٠ ـ حديث دردائيل وقد لقي جبرئيل يهبط إلى الأرض ليهنّأ محمداً بمولود له اسمه الحسين : « إذا هبطت إلى محمد فاقرأه مني السلام ، وقل له : بحق هذا المولود عليك إلا سألت ربك أن يرضى عني »(٤) .

١١ ـ روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قدم

__________________

١ ـ البحار ١٦ | ٧ ، و ٨ | ٣٨٥ ، الحديث ٩٠ من باب المعراج.

٢ ـ البحار ١٨ | ٣١٣.

٣ ـ في الأمر الأول من الأمور الثلاثة في الخاتمة.

٤ ـ كمال الدين ١ | ٢٨٣.

١٥٠

أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاماً فباعه ، فلما فرغ قال له يوسف : أين منزلك؟ قال له : بموضع كذا وكذا ، قال : فقال له : فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فنادِ : يا يعقوب! يا يعقوب! فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم ، فقل له : لقيت رجلاً بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك : إن وديعتك عند الله عزّ وجلّ لن تضيع ، قال : فمضى الأعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه : احفظوا عليّ الإبل ثم نادى : يا يعقوب! يايعقوب! فخرج إليه رجل أعمى ، طويل ، جسيم ، جميل ، يتقي الحائط بيده ، حتى أقبل فقال له الرجل : أنت يعقوب؟ قال : نعم ، فأبلغه ما قال له يوسف ، قال : فسقط مغشياً عليه ، ثم أفاق فقال : يا أعرابي ألك حاجة إلى الله عزّ وجلّ؟ فقال له : نعم إني رجل كثير المال ولي ابنة عم ليس يولد لي منها ، وأحب أن تدعو الله أن يرزقني ولداً ، قال : فتوضأ يعقوب وصلى ركعتين ثم دعا الله عزّ وجلّ ، فرزق أربعة أبطن ، أو قال : ستة أبطن في بطن أثنان(١) .

بـيان :

دعاء الأنبياءعليهم‌السلام لا يرد ، وقد حظي الأعرابي بالأوفر من الحظوظ ، بأن تحمل رسالة نبيّ إلى نبيّ ، فكان موضع الرضا منهما على أنه رزق عدداً من أولاد(٢) .

١٢ ـ إبلاغ جابر الأنصاري عن الرسول إلى الباقر السلام : « فرسول الله يا مولاي يقرئ عليك السلام ، فقال أبو جعفر : يا جابر على رسول الله

__________________

١ ـ كمال الدين ١ | ١٤١ ـ ١٤٢.

٢ ـ ببركة دعاء يعقوبعليه‌السلام كما وهب الله لعلي بن بابويه القمي ولده الصدوق رحمهما الله بدعاء الإمام المهديعليه‌السلام . ولكن أين الثريا من الثرى وأين الصدوق طاب ثراه من الأعرابي. وقولنا : أين الثريا من الثرى من الأمثال ، أمثال وحكم ١ | ٣٣٠ ، وفيه : أين الثرى من الثريا ، وقد جاء ذكره في القصيدة الجلجلية لعمرو بن العاص يخاطب بها معاوية بن أبي سفيان ، والمقارنة بينه وبين عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام في جملة منها إلى أن قال :

فإن قيل بينكما نسبة

فأين الحسام من المنجل

وأين الثريا وأين الثرى

وأين معاوية من علي

الأبيات ، الأنوار النعمانية ١ | ١٢١ ـ ١٢٢ للسيد نعمة الجزائري ولأدنى علاقة جئنا بهذه النبذة.

١٥١

السلام وعليك يا جابر »(١) .

١٣ ـ قال الصدوق : حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقنديرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه ، قال : حدثنا محمد بن نصر [ نصير ] عن الحسين بن موسى الخشاب قال : حدثنا الحكم بن بهلول الأنصاري عن إسماعيل بن همام ، عن عمران بن قرة ، عن أبي محمد المدني ، عن ابن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، قال : حدثنا سليم بن قيس الهلالي قال : « سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول : ما نزلت على رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، آية من القرآن إلا أقرأنيها ، وأملاها عليّ ، وكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها ، وتفسيرها ، وناسخها ، ومنسوخها ، ومحكمها ، ومتشابهها ، ودعا الله عزّ وجلّ لي أن يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا علماً أملاه عليّ فكتبته ، وما ترك شيئاً علمه الله عزّ وجلّ من حلال ، ولا حرام ، ولا أمر ، ولا نهي ، وما كان ، أو يكون ، من طاعة ، أو معصية ، إلا علمنيه وحفظته ، ولم أنس منه حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله عزّ وجلّ أن يملأ قلبي فهماً وحكمةً ونوراً ، لم أنس من ذلك شيئاً ، ولم يفتني شيء لم أكتبه ، فقلت : يا رسول الله أتتخوف علي النسيان فيما بعد؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لست أتخوف عليك نسياناً ، ولا جهلاً ، وقد أخبرني ربّي جلّ جلاله أنه قد استجاب لي فيك ، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، فقلت : يا رسول الله من شركائي من بعدي؟ قال : الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي ، فقال :( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولىِ الأمر منكم ) الآية(٢) ، فقلت : يا رسول الله ومن هم؟ قال : الأوصياء مني ، إلى أن يردوا عليّ الحوض ، كلهم هادٍ مهتدٍ ، لا يضرَّهم من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع عنهم البلاء ، ويستجاب دعاؤهم. قلت : يا رسول الله سمهم لي. فقال : ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن ـ ثم ابني هذا ـ ووضع يده

__________________

١ ـ كمال الدين ١ | ٢٥٤ ، والحديث مطول اختصرناه لضيق المجال.

٢ ـ النساء : ٥٩.

١٥٢

على رأس الحسينعليهما‌السلام ـ ثم ابن له يقال له : عليّ وسيولد في حياتك فاقرئه مني السلام ، ثم تكمله اثني عشر ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمهم لي [ رجلاً فرجلاً ] ، فسماهم رجلاً رجلاً ، فيهم والله يا أخا بني هلال مهديّ أمّتي محمد ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم »(١) .

١٤ ـ ما رواه الصدوق ، في الكاظمي في سبب إسلام سلمان الفارسي ، نقلاً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان من أهل شيراز ، واسمه روزبه ، والقصة طويلة ، إلى نزوله على راهب ، فلما حضرته الوفاة قال : إني ميت ، فقلت له : فعلى من تخلفني؟ فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلا راهباً بأنطاكية ، فإذا لقيته فاقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحاً فلما مات غسلته(٢)

١٥ ـ « ثم إن آدم لما مرض ، المرضة التي قبض فيها ، أرسل إلى هبة الله فقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فاقرئه مني السلام »(٣) .

ومنها : إبلاغ سلام الكاظمعليه‌السلام لشطيطة :

روى الشيخ المجلسي ، طاب ثراه ، عن شهر آشوب قال أبو علي بن راشد وغيره في خبر طويل : إنه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور ، واختاروا محمد بن علي النيسابوري ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وشقة من الثياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها ، تساوي أربعة دراهم ، فقالت : إن الله لا يستحي من الله(٤) .

قال : فثنيت درهمها وجاؤوا بجزءٍ فيه مسائل ملء سبعين ورقة ، في كل

__________________

١ ـ كمال الدين ١ | ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

٢ ـ كمال الدين ١ | ١٦١ ـ ١٦٦.

٣ ـ كمال الدين ١ | ٢١٤.

٤ ـ اقتباس من قوله تعالى( والله لا يستحيى من الحق ) الأحزاب : ٥٣.

١٥٣

ورقة مسألة ، وباقي الورق بياض ، ليكتب الجواب تحتها ، وقد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم ، وختم عليها بثلاث خواتيم ، على كل حزام خاتم ، وقالوا : أدفع إلى الإمام ليلة وخذ منه في غدٍ ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة ، وانظر هل أجاب عن المسائل ، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحق للمال فادفع إليه ، وإلا فرد إلينا أموالنا.

فدخل على الأفطح عبد الله بن جعفر وجربه وخرج عنه قائلاً : رب اهدني إلى سواء الصراط ، قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول : أجب مَن تريد ، فأتى بي دار جعفر بن جعفر ، فلمّا رآني قال لي : ولِمَ تقنط يا أبا جعفر؟ ـ كنية محمد بن علي النيسابوري ـ ولِمَ تفزع إلى اليهود والنصارى؟ إلي فأنا حجّةالله ووليه ، ألَمْ يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي؟ وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان ، الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازوري(١) ، والشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين.

قال : فطار عقلي من مقاله ، وأتيت بما أمرني ووضعت ذلك قِبَله، فإخذ درهم شطيطة وإزارها ، ثم استقبلني وقال : إن الله لا يستحيي من الحق(٢) ، يا أبا جعفر أبلغ شطيطة سلامي ، واعطها هذه الصرة ، وكانت أربعين درهماً ، ثم قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا ، قرية فاطمةعليها‌السلام ، وغزل أختي حليمة ـ ابنة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ـ ثم قال : وقل لها : ستعيشين تسعة عشر يوماً من وصول أبي جعفر، ووصول الشقة والدراهم ، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهماً ، وأجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك وما يلزم عنك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ، فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاكتم عليّ ؛ فإنه أبقى لنفسك ، ثم قال : واردد الأموال إلى أصحابها ، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء ، وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل أن تجيئنا بالجزء؟.

__________________

١ ـ كذا.

٢ ـ محاكاة لما قالته شطيطة عند دفع الحقوق إلى أبي جعفر النيسابوري البريد ، وإعلام بعلمهعليه‌السلام بما قالت.

١٥٤

فوجدت الخواتيم صحيحة ، ففتحت منها واحداً من وسطها فوجدت فيه مكتوباً : ما يقول العالمعليه‌السلام في رجل قال : نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقّي قديماً ، وكان له جماعة من العبيد؟.

الجواب بخطه :(١) .

بـيان :

لم نكمل الحديث لطوله ، ولا شاهد لنا منه سوى قولهعليه‌السلام « أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة » وقد بلغه أبو جعفر إياها وأدى ماحمّل من الرسالة ، فجزاه الله عن إمامه خيراً.

الناحية الثالثة : نذكر فيها بعض فروع صيغ السلام ، وبيان رد المماثل في الصلاة.

أما بعض الفروع فقد جاء النص على لزوم صيغة الجمع في مواضع ثلاثة :

١ ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ثلاثة ترد عليهم رد الجماعة وإن كان وحداً : عند العطاس يقال: يرحمكم الله وإن لم يكن معه غيره. الرجل يسلّم على الرجل فيقول : السلام عليكم. والرجل يدعو للرجل فيقول : عافاكم الله وإن كان واحداً ؛ فإن معه غيره »(٢) .

بـيان :

قولهعليه‌السلام آخر الحديث : « فإن معه غيره » دليل صالح للثلاثة ، لأن العاطس معه الملكان ، والكرام الكاتبون ، لا ينفكون عنه في ليل أو نهار ، وهكذا المسلّم عليه ، والمدعوّ له بالعافية. فالحكم معلل وبلفظ أوضح : أنه منصوص العلة لذكرها فيه على أن المؤمن كالكعبة ، وأنه عند

__________________

١ ـ البحار ٤٨ | ٧٣ ـ ٧٥ ، والمناقب ٤ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٥ ، الوسائل ٨ | ٤٤٦.

١٥٥

الله عزّ وجلّ عظيم ، واجب الاحترام ، ومن حرمته عنده تعالى أنّه سمّاه باسمه عزّ اسمه( السلام المؤمن المهيمن ) (١) وله فضائل لا يعدها إلا الله تعالى.

٢ ـ من فروع السلام أنّ المسلّم يجب عليه أن يجهر ، فقد روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول : سلّمت فلم يردّوا عليّ ، ولعله يكون قد سلّم ولم يسمعهم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه ، ولا يقول المسلّم : سلّمت فلم يردّوا عليّ ، ثم قال : كان عليّ »(٢) .

٣ ـ من فروع السلام إذا سلّم واحد من الجماعة بقوم أجزأهم ، وإذا ردَّ واحد من الجماعة أجزأ عنهم ، كما عنونه في الكافي بنفس العنوان ، روى الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله قال : « إذا مرت الجماعة يقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم ، وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم »(٣) .

٤ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : « إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم ». ولاشك أن عبد الرحمن بن الحجاج لا يقول ذلك إلا عن إمامه الصادقعليه‌السلام (٤) .

٥ ـ محمد بن يحيى عن احمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا رد واحد أجزأ عنهم »(٥) .

__________________

١ ـ الحشر : ٢٣.

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٥ ، الوسائل ٨ | ٤٤٣.

٣ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٧ ، الوسائل ٨ | ٤٥٠.

٤ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٧ ، الوسائل ٨ | ٤٥٠.

٥ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٧ ، الوسائل ٨ | ٤٥٠.

١٥٦

بـيان :

الوحدة الإيمانية بين أفراد الناس تعتبرهم كفرد، وكجسد واحد فيه روح واحدة ، فإذا سلّم واحد من الجماعة كأنهم كلّهم قد سلّموا ، كما لو أجاب فرد من الجماعة على المسلّم فهو بمنزلة إجابة الجماعة نفسها ، وهذا المعنى ثابت في العرف العام أيضاً ، وليس الإجزاء أمراً مخترعاً ، بل ممّا عليه الناس إذا كانت بينهم مؤاصرة ومؤاخاة يضمهم تعامل روحي ، أو ماديّ ، وإن لم يكونوا مؤمنين موحّدين.

بقي من فروع السلام فرع هام ، وهو الإجابة بالمماثل ، إذا كان الإنسان في الصلاة وقد سلّم عليه والحكم بردّ المِثل مشهور بين الأصحاب ، لنصوص نذكرها أوّلاً ثم بيان ما كان منها :

١ ـ روى الشيخ الحرّ عن محمد بن الحسن ، بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، قال « دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك ، فقال : السلام عليك ، فقلت كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم مِثل ما قيل له »(١) .

٢ ـ روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، قال : يردّ سلام عليكم ولا يقول : وعليكم السلام ، فإن رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان قائماً يصلي فمرَّ به عمّار بن ياسر ، فسلّم عليه عمّار ، فردّ عليه النبيّ ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هكذا »(٢) .

٣ ـ روى الحرّ عن الشيخ الطوسي ، بإسناده عن سعد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن علي بن النعمان ، عن

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٥ ، الباب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ١.

٢ ـ الكافي ٣ | ٣٦٦ ، باب التسليم على المصلي الحديث ١ ، الوسائل ٤ | ١٢٦٥.

١٥٧

منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا سلّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ عليه خفيًّا كما قال »(١) .

٤ ـ وعنه عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « سألته عن السلام على المصلّي؟ فقال : إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة ، فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك »(٢) .

٥ ـ وبإسناده عن محمد بن مسلم ، أنه سأل أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة ، فقال : « إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة ، فسلم عليه ، تقول : السلام عليك وأشر بأصبعك »(٣) .

٦ ـ قال الصدوق : وقال أبو جعفرعليه‌السلام : « سلّم عمّار على رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو في الصلاة فردّ عليه ، ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : إن السلام اسم من أسماء الله عزّ وجلّ »(٤) .

٧ ـ عبد الله بن جعفر الحميري في ( قرب الإسناد ) عن عبد الله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه ، قال : « سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل ، هل يصلح له أن يردّ؟ قال : نعم ، يقول : السلام عليك فيشير إليه بأصبعه »(٥) .

بـيان :

قال الشيخ المجلسي : ردّ السلام واجب على الكفاية في الصلاة وغيرها ، إجماعاً كما في التذكرة ، وتدل على وجوب الرد في الصلاة صريحاً ، أخبار كثيرة ، وقد قطع الأصحاب بأنه يجب الردّ في الصلاة بالمثل ، وجوز جماعة من المحقيقن الردّ بالأحسن أيضاً لعموم الآية(٦) .

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٥ ، الحديث ٣ من الباب ١٦ من القواطع.

٢ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٦.

٣ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٦ ، الحديث ٥.

٤ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٦ ، الحديث ٦.

٥ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٦ ، الحديث ٧.

٦ ـ مرآة العقول ١٥ | ٢٤٠.

١٥٨

وحصر الردّ على الإشارة بالأصبع أو غيره تردّه هذه الأخبار الصريحة في الردّ بالقول : نعم خبران منها : أضافا الإشارة بالأصبع ، وليس فيهما دلالة على الحصر بعد قولهعليه‌السلام : « تقول : السلام عليك وأشر بأصبعك »(١) . أو « يقول : السلام عليك فيشير إليه بأصبعه »(٢) .

وقال طاب ثراه : وهل يجب إسماع المسلّم تحقيقاً أو تقديراً؟ قولان ، ويتحقق الامتثال برد واحد ممن يجب عليه الردّ ، وفي الاكتفاء بردّ الصبيّ المميّز وجهان ، ولو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً فالأظهر وجوب الردّ ، وهل يجوز للمصلّي الردّ بعد قيام غيره به؟ قولان ، ولو ترك الردّ فهل تبطل صلاته؟ احتمالات ، ثالثها البطلان إن أتى بشيءٍ من الأذكار وقت توجّه الخطاب بالردّ ، وذكر جمع من الأصحاب أنه لا يكره السلام على المصلّي ، ويمكن القول بالكراهة ، لما رواه الحميري في قرب الإسناد عن الصادقعليه‌السلام إذ قال : « كنت أسمع أبي يقول : إذا دخلت المسجد(٣) والقوم يصلّون ، فلا تسلّم عليهم وصل(٤) على النبي وآله ، ثم أقبل على صلاتك »(٥) .

ويمكن حمل أخبار المنع على التقية ، لكون أكثرها مشتملة على رجال العامّة واشتهاره بينهم(٦) .

أقـول :

تقدمت نصوص الردّ في الصلاة وهي تدلّ بأجمعها على الوجوب ، لأن قولهعليه‌السلام : « تردّ عليه ، أو تقول » ظاهره الوجوب. وأما حديث الباقرعليه‌السلام : « ولا على المصلي ، وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام » فسيأتي(٧) بيانه قريباً بما يوافق النصوص.

__________________

١ ـ كما في الحديث رقم ٥ ـ

٢ ـ حديث الحميري رقم ٧.

٣ ـ في الوسائل ٤ | ١٢٦٧ ، الباب ١٧ قواطع الصلاة ، الحديث ٢ « المسجد الحرام ».

٤ ـ في المصدر نفسه « وسلّم ».

٥ ـ الوسائل ٤ | ١٢٦٧.

٦ ـ مرآة العقول ١٥ | ٢٤٠ ـ ٢٤١.

٧ ـ سادس أحاديث ( ٩ ـ السلام المنهي عنه ).

١٥٩
١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( أبو جعفر ـ ـ )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّةعليهم‌السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيتعليهم‌السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين ـ الجزائر ـ )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد الله فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام بأمر من الله؟ أي أنّ الله خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم بالله جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣٢١

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهمعليهم‌السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من الله تعالى ، أي : أنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ الله تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام عليعليه‌السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(١) .

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله ، ومقصودنا من سبق علم الله قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك » ؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٥.

٣٢٢

البيتعليهم‌السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي ـ الجزائر ـ )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم الله بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام ـ البحرين ـ )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيمعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) .

١ ـ إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

٢ ـ ما المراد من الظالمين؟

٣ ـ هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

____________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٣٢٣

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة الله على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيمعليه‌السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة :( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيمعليه‌السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيمعليه‌السلام من الله تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّهعليه‌السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة ـ ولو في برهة من عمره ـ لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

٣٢٤

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيمعليه‌السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها ـ بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها ـ يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هوعليه‌السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائهعليه‌السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى الله تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة :( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم ـ سواء تابوا بعد أم لا ـ ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي ـ أمريكا ـ )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه‌السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه‌السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

٢ ـ التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

٣٢٥

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدمعليه‌السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياءعليهم‌السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدمعليه‌السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة ـ كما جاء في تفسيركم ـ فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف الله في مسألة السجود لآدم فلعنه الله.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية :( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (١) .

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياءعليهم‌السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة ـ كما ذكر في محلّه ـ ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها ـ أي العصمة ـ نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٦

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدمعليه‌السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت بهعليه‌السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدمعليه‌السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدمعليه‌السلام من قبل الله تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منهعليه‌السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّهعليه‌السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل الله تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدمعليه‌السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف ـ عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة ـ أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّهعليه‌السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدمعليه‌السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل الله تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) (١) فملخّص القول فيه :

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٧

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب :( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) (١) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدمعليه‌السلام ثابت بحسب النصّ القرآني :( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ) (٢) .

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدمعليه‌السلام وتوبته ، وجعله خليفة الله في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم ـ حينئذٍ ـ مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة ـ نسبة الوراثة ـ إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) (٣) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدمعليه‌السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف الله تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدلالة سبقها بآية( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

____________

١ ـ فاطر : ٣١.

٢ ـ آل عمران : ٣٣.

٣ ـ غافر : ٥٣.

٣٢٨

الْكِتَابِ ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصومعليه‌السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منهعليه‌السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منهعليه‌السلام وقوعاً ـ وليس ممتنع ذاتاً ـ ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

٣٢٩

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصومعليه‌السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصومعليه‌السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصومعليه‌السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منهعليه‌السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه‌السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة ـ كما هو مقرّر في علم الكلام ـ.

٢ ـ إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

٣٣٠

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينهعليه‌السلام وبين اليهودي.

٣ ـ ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً ـ كشريح ـ كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمامعليه‌السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمامعليه‌السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمامعليه‌السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح ـ مع ما كانوا عليه ـ في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم ـ المغرب ـ ٤٥ سنة ـ دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ والله تعالى يقول : ( وَلاَ

٣٣١

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (١) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (٢) .

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمامعليه‌السلام لا غيره ـ كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية ـ لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيينعليهم‌السلام .

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمامعليه‌السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصومعليه‌السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهمعليهم‌السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

____________

١ ـ الأنعام : ١٦٤.

٢ ـ البقرة : ١٦٦.

٣٣٢

بخلاف احتمال خطأ الإمامعليه‌السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( السعودية ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

٣٣٣

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

١ ـ إنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومينعليهم‌السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

٢ ـ إنّ موقف الحسينعليه‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسنعليه‌السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

٣٣٤

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخرعليهما‌السلام .

( علي ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياءعليهم‌السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

٣٣٥

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(١) .

ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعترضوهم(٢) .

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (٣) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

____________

١ ـ فتح القدير ٢ / ٣١١ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ١١٨ ، جامع البيان ١٠ / ١٤ ، زاد المسير ٣ / ٢٤٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٢١ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٢٦ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٦٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٧.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٣.

٣ ـ الأنفال : ١١.

٣٣٦

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(٢) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(٣) .

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(٤) .

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(٥) .

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة عليعليه‌السلام لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(٦) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام( مَا

____________

١ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٠٣ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٢١٩ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ١٩.

٢ ـ التنبيه والإشراف : ٢٠٥ ، المستدرك ٣ / ٣٦٨ ، الاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٧٦٥ ، المعجم الكبير ١ / ١١٠.

٣ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٥٤.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٥٣.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٦٨ و ٧٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٢٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ٨٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٣١.

٦ ـ كنز العمّال ٥ / ٧٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٥.

٣٣٧

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ) (١) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى(٢) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيلعليه‌السلام أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(٣) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إلى القتل(٤) .

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

____________

١ ـ الأنفال : ٦٧.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٣.

٣ ـ المصنّف للصنعاني ٥ / ٢٠٩ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢ ، عيون الأثر ١ / ٣٧٣ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٢.

٤ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٣٦.

٣٣٨

ومنها : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(١) .

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي ـ اندونيسيا ـ ٢٦ سنة ـ خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) :

س : قال تعالى :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ ) (٢) .

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء الله؟ أجيبوا جزاكم الله.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ذلك من الله تعالى تذكير لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد الله تعالى له بذلك ، فقال :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٣٩ ، ١٥١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٤ ، كنز العمّال ١٠ / ٢٢٤ و ٢٢٩.

٢ ـ الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.

٣ ـ القلم : ٤.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٣ ، الجامع الصغير ١ / ٥١ ، كشف الخفاء ١ / ٧٠.

٣٣٩

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى :( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (١) ، وقال حكاية عن شعيب :( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) ، وقال حكاية عن إسماعيل :( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (٣) .

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفي ـ ٢٠ سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه ـ أي الإمام ـ السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم »(٤) .

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب الله ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسىعليه‌السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (٥) ، لماذا يعتذر موسى عليه‌السلام كُلّما سأل

____________

١ ـ الكهف : ٦٩.

٢ ـ القصص : ٢٧.

٣ ـ الصافات : ١٠٢.

٤ ـ الرسالة السعدية : ٧٥.

٥ ـ الكهف : ٧٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585