موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265971 / تحميل: 7518
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ففقهاء المذاهب مختلفون في تحديد شرعية سلطة الحاكم.

وقد ظهر متأخراً طرح ثالث للشورى؛ وهو أن الشورى تكون كاشفة ومبيِّنة عمَّن له حق الولاية في علم اللَّه عزَّ وجل، والشورى تكون كاشفاً إثباتياً عن الأجدر والأكثر تأهُّلاً لنيل منصب الولاية، وأن الولاية ثابتة له من اللَّه عزَّ وجل. ويظهر هذا الطرح في كتابات بعض المتأخرين من أتباع المذاهب غير الإمامية.

النظرية الثانية:

أن الولاية تثبت بالنص لشخص الولي، إلاّ أن فعلية ولايته منوطة بالبيعة والشورى، وعند فقد النص يكون الأمر شورى. وبالتعبير الحديث يقال: إن السلطة التنفيذية بيد الأمة، غايتها يكونون مقيَّدين بالمنصوص عليه، وفي حالة عدمه، يختارون مَن تنطبق عليه المواصفات والشرائط. أما السلطة التشريعية، فهي بيد الأمة. فالولاية للمختار بالأصالة، لا بالنيابة عمّن اختار المنصوص عليه.

النظرية الثالثة:

في حالة وجود النص فهو المتَّبع ولا دور للشورى، وفي حالة عدمه أو غيبة المنصوص عليه، فالأمر يعود للأمة لاختبار الحاكم، لكن ذلك مشروط بنظارة أهل الخبرة الشرعية؛ وهم الفقهاء.

وفي عصر الغيبة يكون الأمر للأمة شورى، تمارس السلطة التنفيذية والتشريعية، غايته يكون ذلك تحت نظارة وإشراف الفقيه.

ولهذه النظرية صياغات:

1 - أن دور الفقيه يكون كدور المحكمة الدستورية في التعبير الحديث؛ وهو فصل النزاعات والاختلافات الحاصلة بين السلطات، وإمضاء التشريعات التي

١٢١

تصدرها الهيئة التمثيلية للأمة، وهذا هو ما ذكره الميرزا النائيني في تنبيه الأمة وتنزية المِلَّة.

2 - أن الفقيه يكون له دور المشاهد والرقيب على سير عمل السلطات الثلاث، فإذا ما انحرفت عن مسارها الصحيح، تدخَّل لتقييم اعوجاجها، وهذا ما يذكره الشهيد الصدر في عهد الغيبة.

3 - أن الفقيه هو المحور في الحكم، غايته قد تعوزه الخبرة العملية في تحصيل الموضوعات فيستعين بأهل الخبرة في كافَّة المجالات التي يحتاجها في تسيير شؤون الدولة؛ من سياسة واقتصاد وقانون وثقافة... وهذا نظير ما طرحه السيد الخوئي في الجهاد من كونه بيد الفقيه غايته يجب أن يستعين بأهل الخبرة من السياسين والعسكريين في إعلان الجهاد.

وهذا التفسير الأخير يباين النظرية المزبورة، وقد يتطابق مع النظرية الخامسة الآتية.

النظرية الرابعة:

أن ولاية الأمر هي بيد المنصوص عليه أو مَن ينيبه المنصوص عليه، ولا يعود الاختيار للأمة. غايتها أن كليهما ملزمان في تسيير أمور الأمة بالشورى، ويكون رأي الشورى ملزِماً لهما ولا يجوز لهما مخالفته.

وطبقاً للتعبير الحديث: السلطة التنفيذية بيد المنصوص عليه أو مَن ينيبه، والسلطة التشريعية - في كلا الفرضين - بيد الأمة.

١٢٢

النظرية الخامسة:

أن ولاية الأمر تكون بالنص ولا مناص منه؛ حيث إن الولاية للَّه عزَّ وجلَّ يجعلها لمَن يشاء من خلقه، فهي تابعة للمنصوص عليه أو مَن ينيبه، غايته يكون ملزَماً في طريقة تسيير شؤون دولته وأمَّته بالاستشارة، لكنَّه غير ملزَم بنتيجة المشورة فيستطيع مخالفتها.

وتكون فائدة الاستشارة بالنسبة للمعصوم ما سوف نبيِّنه فيما بعد، أمَّا بالنسبة لغير المعصوم، فهي نوع من الاستعانة الفكرية.

وهذه النظرية هي التي يتبناها فقهاء الإمامية، وهي مؤدَّى نظرية النص، غايته فيها نوع من الاستعانة بالشورى في إدارة شؤون الأمة.

وهناك طرح أخير يُتَدَاول بين علماء الإمامية - ولْيَكن نظرية سادسة - حاصله: أن الولاية هي بالنص دائماً، غايته في عصر الغيبة جَعل المعصومُ نيابةَ عامة ضمن مَن تتوفَّر فيهم شرائط خاصة، ويعود للأمة تعيين ذلك المصداق فيمَن تتوفَّر فيهم الشرائط.

وشرعية سلطة ذلك الولي المختار من قبل الأمة هي بكون الولاية له من المعصوم، لا من الأمة، غاية الأمر أن الاستنابة من المعصوم هي لمَن تتوفَّر فيه شرائط؛ أحدها: رجوع الأمة إليه، المستفاد من: (فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) (اجعلوا بينكم ممَّن قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد جعلته قاضيا) (فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً).

وهذا الطرح الأخير يكاد يتطابق مع النظرية الخامسة، مع إناطة دور للأمة في الاختيار والرجوع إلى الفقيه.

وقد خالف الإنصاف مَن نسب النظريات الأخرى إلى الإمامية، بل هي رأي عدَّةٍ من المتأخرين، لا المتسالم بينهم المنسوب إلى الضرورة عندهم، ومِن ثَمَّ لم يكن

١٢٣

من الإنصاف أيضاً التعبير والاقتصار على تلك النظريات مع كونها خلاف ظاهر المشهور بين الإمامية، فإن تصريحاتهم تنادي بالخلاف، مع إطباقهم في كل الطبقات على حصر مشروعية الحكم - بكل شعبه، وفي كل الأدوار الزمانية - بالنص. وقد بحث الفقهاء جانباً من هذا الموضوع في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وكتاب القضاء، وكتاب الجهاد، ومسألة التولِّي عن السلطان الجائر في المكاسب المحرَّمة.

ولابدَّ أن نشير إلى أن النظريات الأربع عندما تسند دور الشورى في تشريع القوانين، فإن ذلك يكون في الموارد التي سكت عنها الشارع ولم يكن له فيها حكم خاص، وبتعبير أخر: أن الشورى تكون لسد منطقة الفراغ في التشريع، بخلاف النظريتين الخامسة والسادسة؛ حيث لا يكون لمجلس الشورى - مثلاً - أيُّ دور تشريعي، بل هو أشبه بالمجلس الاستشاري، فتحتاج قوانينه إلى إمضاء الفقيه.

١٢٤

المبحث الثالث:

الأدلَّة النقلية التي أُقيمت على النظريَّات المختلفة.

وتشترك النظريات الأربع في إناطة جانب من الحكم - التنفيذي والتشريعي - أصالة بالأمة؛ ومن هنا سوف نجعل ذلك هو المحور في البحث، فهل يوجد للأمة مثل هذا الدور أم لا؟

والمستدِل بهذه الأدلة تارةً يستدِل على أن الولاية لمجموع الأمة، وتارة للنخبة؛ وهم أهل الحل والعقد، وقد يستدل بها على أن الولاية ثابتة للأمة في عصر الغيبة فقط؛ دون عصر النص.

أولاً:

الأدلة المتضمِّنة للفظ الشورى.

1 - الآيات: وقد ورد لفظ الشورى في موضعين من القرآن الكريم:

أ - قوله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (1) .

ب - ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (2) .

فالآية الأولى وردت بصيغة الأمر، والآية الثانية وردت في سياق بيان صفات

____________________

(1) آل عمران 2: 159 / مدنية.

(2) الشورى 42: 38 / مكِّية.

١٢٥

المؤمنين، وبعض هذه الصفات إلزامي وبعضها ندبي.

وصيغة الأمر في الآية الأولى تجلي الخطاب؛ إذ هو أمر في وجوب المشاورة في كافَّة الشؤون حتى بالنسبة للرسول، ويكون الهدف من ذلك تعليم الأمة وتثقيفها على هذا النوع من الأسلوب؛ وهو المشورة.

أمَّا الآية الثانية، فورد فيه لفظان:

الأول: (أمرهم)، والمراد به الشأن أو الشي‏ء المهم، وعند إضافته إلى المسلمين يكون المجموع دالَّاً على أن الأمر والشي‏ء المهم هو الذي يرتبط بالمجموع، وهل يوجد ما هو أهم من تعيين الولي الذي يقوم بإدارة شؤون المجتمع؟!

الثاني: (الشورى)، فتعني تداول الآراء بين المجموع. وكلمة (بينهم) تؤكِّد دخالة المجموع في إبداء الرأي، واستقلالية هذا الرأي عن العناصر الخارجة عنهم.

والآية الكريمة تعدِّد مجموعة من صفات المؤمنين؛ أكثرها إلزامي كإقامة الصلاة والإنفاق الواجب والاجتناب عن الكبائر، وهذا الوصف طبيعي من حيث تعلُّقه بالوظائف العامة، والأمور التي تعني المجتمع لا تقبل الندبية؛ حيث أن بعض الأمور إنْ شُرِّعت، وجبت، ولا يمكن أن تكون مشروعة وغير واجبة، وبهذا يُستدل على إلزامية الشورى الواردة في هذه الآية.

ويلاحظ أن هذه الآية مكِّية؛ وقد نزلت في وقت لم يكن للمسلمين دولة وكيان بالمعنى المتعارف.

2- الاستدلال بسيرة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث التزم بالشورى في عدِّة مواضع:

1 - واقعة بدر: حينما نزل الرسول في موقع، قال له الحباب بن المنذر بن الجموح: يارسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة). فقال: يارسول اللَّه، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتّى نأتي أوَّل

١٢٦

ماء من القوم، فننزله، ثُمَّ نغور ما وراءه من القُلُب، ثُمَّ نبني عليه حوضاً، فنملؤه ماءً، ثُمَّ نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال له الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لقد أشرت بالرأي) (1).

2 - غزوة أحد: حيث تشير كثير من كتب السير على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رأيه البقاء في المدينة، ورأي عامة المسلمين هو الخروج، وقد اختار ما رآه عامة المسلمين في الخروج من المدينة، حيث دخل صلى‌الله‌عليه‌وآله بيته وخرج لابساً لامته وصلَّى بهم الجمعة، ثُم خرج، فندم الناس وقالوا: يارسول اللَّه، استكرهنا ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد صلى اللَّه عليك، فقال‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لامته أن يضعها حتّى يقاتل) (2) .

3 - غزوة الأحزاب/ الخندق:

فقد أخذ برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق، وقصته معروفة مشهورة.

وموقف آخر حينما أراد الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عقد الصلح مع غطفان، فأرسل إلى عيينة بن حصين والحارث بن عوف؛ وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمَن معهما عنه وعن أصحابه، فلمَّا أراد أن يوقِّع معهما الشهادة والصلح، بعث إلى سعد بن مُعاذ وسعد بن عُبادة، فذكر لهما ذلك واستشارهما، فقالا: يارسول اللَّه، أمراً تحبُّه فنصنعه، أم شيئاً أمرك به اللَّه لابدَّ لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: (بل شي‏ء أصنعه لكم، واللَّه ما أصنعُ ذلك إلاّ لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما)، فقال له سعد بن معاذ: يارسول اللَّه، قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك باللَّه وعبادة الأوثان، لا نعبد اللَّه ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلاّ قِرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا اللَّه بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك

____________________

(1) ابن هشام، السيرة النبوية، ج1، ص620.

(2) المصدر، ج3، ص 63.

١٢٧

وبه، نعطيهم أموالنا، واللَّه مالنا بهذا من حاجة، واللَّه لا نعطيهم إلاَّ السيف حتّى يحكم اللَّه بيننا وبينهم، قال رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأنت وذلك)، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثُم قال: يجهزوا علينا (1) .

فهذه المواقف هي نبذ يسيرة من سيرة الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تعامله مع قومه، وأنه كان ينزل عند رأي مَن يستشيرهم، ولو لم يكن ينزل عند رأيهم؛ لكان الأمر بالمشورة لغواً وعبثاً.

وعليه نعود إلى الآيتين الكريمتين، فإن الأمر الوارد الاستشارة فيه، إمَّا أن نعمِّمه إلى رأس الهرم السياسي، وهو الخليفة والزعيم، أو لا أقل يستفاد منها الإلزام في الوظائف التي تهمُّ المجتمع كالقوة التنفيذية والتشريعية.

3 - الاستدلال بالعديد من الروايات الدالَّة على وجوب الشورى.

ونحن نقسِّمها إلى أصناف:

الصنف الأوَّل: روايات الشورى.

ـ قول علي‏ عليه‌السلام في ‏النهج / قسم الكتب / الكتاب 6: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ؛ وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً، كان ذلك للَّه رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة، ردُّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى، قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين، وولّاه اللَّه ما تولَّى، وإن طلحة والزبير بايعاني، ثُم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردِّهما، فجاهدتهما على ذلك حتّى جاء الحق وظهر أمر اللَّه وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون).

وقد ذكر صدرها ابن

____________________

(1) ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص223.

١٢٨

مزاحم في وقعة صِفِّين: (أمَّا بعد، فإن بيعتي لزمتك وأنت بالشام؛ لأنه بايعني....).

ـ النبوي: (إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأموركم شورى بينكم، فظهْر الأرض خير لكم من بطنها) (1) .

ـ النبوي: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة). البخاري/ كتاب المغازي/ باب: كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كسرى.

ـ قوله عليه‌السلام عندما أُريد البيعة له: (دعوني والتمسوا غيري.... واعلموا إن أجبتكم، ركبتُ بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني، فأنا كأحدكم، ولعلِّي أسمعكم وأطوعكم لمَن ولّيتموه أمركم، وأنا لكن وزير خير لكم من أمير) (2) .

ـ تاريخ اليعقوبي( ج2/ ص9) في أحداث غزوة مؤتة، قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أمير الجيوش زيد بن حارثة، فإن قُتل، فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل، فعبد اللَّه بن رواحة، فإن قُتل، فليرتضي المسلمون من أحبوا).

ـ وفي الطبري(ج6 / ص3066) عن ابن الحنفية قال: كنت مع أبي حين قُتل عثمان، فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: إن هذا الرجل قد قُتل، ولا بدَّ للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحقَّ بهذا الأمر منك؛ لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: (لا تفعلوا؛ فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميرا) فقالوا: لا واللَّه، ما نحن بفاعلين حتّى نبايعك. قال: (ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية، ولا تكون إلاّ عن رضى المسلمين).

ـ وفي الكامل ( ج3 / ص193): (أيُّها الناس، عن ملأ وأذن إنّ هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلاّ مَن أمّرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر، وكنت كارهاً لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون عليكم،

____________________

(1) تحف العقول، ص36، وسنن الترمذي، ج3، 361، باب الفتن/ 64.

(2) النهج، خ 92، و الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج6، ص3076، وابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص193.

١٢٩

ألا وإنه ليس لي دونكم إلاّ مفاتيح ما لكم، وليس لي أن أخذ درهماً دونكم).

ـ كشف المحَجة لابن طاووس (ص180) قوله عليه‌السلام : (وقد كان رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليَّ عهداً؛ فقال: ياابن أبي‏ طالب، لك ولاء أمتي، فإن ولُّوك في عافية واجمعوا عليك بالرضا، فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك، فدعهم وما هم فيه).

ـ النبوي في شرح ابن أبي الحديد(ج11 / ص11): (إنْ تولُّوها عليَّاً، تجدوه هادياً مهديا).

ـ كتاب سليم بن قيس (ص118) عن النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ما ولَّت أمة - قط - أمرها رجلاً وفيهم أعلم منه إلاَّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ما تركوا).

ـ كتاب سليم بن قيس (ص182) عنه ‏ عليه‌السلام : (والواجب في حكم اللَّه وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل.... أن لا يعملوا عملاً، ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدِّموا يداً ولا رجلاً، ولا يبدؤوا بشي‏ء، بل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً عارفاً بالقضاء والسنة يجمع أمرهم).

ـ مقاتل الطالبيين (ص36) عن الحسن المجتبى عليه‌السلام في خطاب لمعاوية: (إن علياً لمَّا مضى لسبيله.... ولَّآني المسلمون الأمر بعده، فدع التمادي بالباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي؛ فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك).

ـ بحار الأنوار (ج65 / ص44/ ب 19) كيفية المصالحة من تاريخ الإمام الحسن‏ عليه‌السلام : صالحه على أن يسلِّم له ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين).

ـ إرشاد المفيد (ص185) و الكامل في التأريخ لإبن الأثير(ج4 / ص20) كتاب وجهاء الكوفة لسيد الشهداء عليه‌السلام : (أمَّا بعد، فالحمد للَّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة، فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمّر عليها بغير رضى منها)

١٣٠

فأجابهم عليه‌السلام : (إني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملائكم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فإني أقدم إليكم وشيكاً).

ـ الدعائم (ج2 / ص572/ كتاب آداب القضاء) عن الصادق‏ عليه‌السلام : (ولاية أهل العدل الذين أمر اللَّه بولايتهم وتوليتهم وقبولها والعمل لهم، فرض من اللَّه).

ـ قوله‏ عليه‌السلام لطلحة والزبير: (ولو وقع حكم ليس في كتاب اللَّه بيانه، ولا في السنة برهانه، لشاورتكما) (1) .

ـ سنن أبي داود (ج 2 / كتاب الجهاد/ باب القوم يسافرون يؤمِّرون أحدهم) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمَّر أحدهم). وفي مسند أحمد بن حنبل(ج2/ص177): (لا يحلُّ لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة، إلا أمَّروا عليهم أحدهم).

ـ في كتاب الوثائق السياسية (ص 120 / الوثيقة 33) معاهدته مع أهل ومضمون المعاهدة هو أنه: (ليس عليكم أمير إلاّ من أنفسكم أو عن أهل رسول اللَّه، والسلام).

ـ في خطبة الإمام علي‏ عليه‌السلام (رقم 73): (ولعمري لأن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى تحضرها عامة الناس، فما إلى ذلك بسبيل، ولكن أهلها يحكمون على مَن غاب عنها، ثُم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار).

وفي الخطبة(127): (والزموا السواد الأعظم؛ فإنّ يد اللَّه مع الجماعة، وإيَّاكم والفِرقة).

ـ وفي وقعة صِفِّين عندما كان القرّاء يتوسطون بين الإمام ومعاوية، قال معاوية: إن كان الأمر كما يزعمون، فما له ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا ولا ممَّن هاهنا معنا؟ فقال علي‏ عليه‌السلام : (إنما الناس تتَّبع المهاجرين والأنصار، وهم شهود المسلمين

____________________

(1) ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج7، ص 41.

١٣١

على ولايتهم وأمر دينهم، فرضوا بي وبايعوني، ولستُ استحلُّ أن أدع حزب معاوية يحكم على الأمة ويركبهم ويشقَّ عصاهم).

فرجعوا إلى معاوية، فأخبروه بذلك، فقال: ليس كما يقول، فما بال مَن هاهنا من المهاجرين والأنصار، لم يدخلوا في الأمر فيؤامِّروه؟! فانصرفوا إلى علي‏ عليه‌السلام ، فقالوا له ذلك واخبروه، فقال عليه‌السلام : (ويحكم هذا للبدريِّين دون الصحابة، وليس في الأرض بدري إلاّ وقد بايعني، وهو معي، أو قد أقام ورضي، فلا يغرنّكم معاوية من أنفسكم ودينكم) (1) .

فهذا الجواب للإمام يدلِّل على مدى قيمة رأي النخبة في المجتمع أو أهل الحلِّ والعقد.

وأمر الإمام معروف عندما أقبل عليه الثائرون من الأمصار بعد مقتل عثمان وأرادوا مبايعته، فقال: (إنما ذلك لأهل الشورى وأهل بدر).

ولا يُتَصوَّر أنَّ أجوبة الإمام هي في مقام المحاجَّة؛ فقد ورد عن الإمام الرضا عليه‌السلام عن إبائه عليهم‌السلام ‏عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن جاءكم برأيه يفرّق الجماعة ويغصب الأمة أمرها ويتولَّى من غير مشورة، فاقتلوه) (2) ، فهي ليست في مقام المحاجة، بل ذكرها ابتداءً وتأسيساً لقانون وجوب اتباع رأي الأمة، وهو الشورى وعدم جواز الخروج عن رأيهم.

الصنف الثاني: روايات الاستشارة.

وهي روايات كثيرة متظافرة من جهة المعنى، تؤكِّد على ضرورة المشاورة والاستشارة في الأمور كافّة؛ نحو قوله ‏عليه السلام: ( لن يهلك امرؤ عن

____________________

(1) وقعة صِفِّين، ص 189 - 190.

(2) عيون أخبار الرضا، ح2، ب31، ص62.

١٣٢

مشورة)، (خاطر بنفسه مَن استغنى برأيه)، وذكرت الروايات فضيلة المشاورة والشروط الواجب توفرها في المستشار؛ من الإيمان والعقل، وهي مفصَّلة يمكن ملاحظتها في:

  - وسائل الشيعة/ كتاب الحج، وأبواب أحكام العِشرة/ ب 26 - 21.

  - بحار الأنوار/ ج72 / ب 48 - 43.

وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة:

أ - إن التأكيد الوارد في هذه الروايات يدلِّل على محبوبية الاستشارة ولزوم اتباع نتيجتها، ولو كانت نتيجتها غير واجبة الاِتباع؛ لكان الأمر بها والحثُّ عليها بهذا النحو لغواً وعبثاً.

ب - إنه قد ورد في بعض الروايات على نحو القضية الشرطية: (مَن لم يستشر، هلك). فقد يقول قائل: إن الوقوع في الهلكة في بعض الحالات قد يكون له وجه، لكن إذا عمَّمنا الأمر بالاستشارة للوظائف العامة التي تهمُّ صالح المجتمع، فإن الوقوع في التهلكة لا يكون جائزاً بأيِّ نحوٍ كان؛ فهي تدلّ على وجوب الاستشارة ولزوم نتيجتها.

ج - بعض الروايات توجب اتباع أراء المستشارين، وفي بعضها التحذير: (إيَّاك والخلاف، فإن مخالفة الوَرِع العاقل مفسدة في الدين والدنيا) (1)؛ فهذه تدل على لزوم الأخذ بالاستشارة.

د - ورد في روايةٍ أنه قيل: يارسول اللَّه ما الحزم؟ قال: (مشاورة ذوي الرأي واَتباعهم) (2) .

فالاستشارة لها ارتباط بالحزم؛ وهو استجماع العزم والإرادة، فالإرادة في مثل هذه الأمور التي تهم المجتمع، والتي يجب أن يؤخذ بها بالحزم، يجب أن تكون صادرة

____________________

(1) وسائل الشيعة، أبواب العشرة، ب22، ح5.

(2) المصدر، ب21، ح1.

١٣٣

ومنبعثة عن الاستشارة.

هـ - إن العقل العملي يحكم بلزوم الاستشارة؛ وذلك لأن عقل الإنسان وحده غير محيط بجهات الحسن والقبح في الأفعال، فإذا أراد أن يقْدم على أمرٍ ما، يجب عليه مشاورة الآخرين والأخذ بأرآئهم حتّى يظهر له وجوه الحسن والقبح. وتزداد أهمية الاستشارة كلَّما ازدادت أهمية المورد الذي يريد الإنسان أخذ قرار فيه، فكيف إذا كان شأناً من الشؤون والمصالح العامة للمجتمع. والحِكَم والعِلل المذكورة في الروايات إنما هي إرشاد لهذا الحكم العقلي.

وقد يقال: إن الآيات والروايات الواردة في الشورى لا تدل على المطلوب؛ وذلك لأنها اكتفت بذكر العنوان فقط مع الإغفال عن ذكر تفصيلات الاستشارة وكيف تكون؟ وما هو دور أهل الحلِّ والعقد؟ وماذا يحصل عند الخلاف؟ هذا مع عظم أهمية الشورى حسب مدعى القائل، ودخالتها في تلك الأمور الهامة، فلماذا سكت الشارع عن تحديد كل هذه التفصيلات؟

والجواب: أنه ممّا لاشك فيه أن هذه القاعدة تدخل في تنظيم شؤون المجتمع، فهي تتأثر بظروف المجتمع الخاصة، فلو كان الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أتخذ عدداً معيناً للمشورة، فهو عدد يتلائم مع تعداد المسلمين في ذلك الزمان، ومع ذلك؛ فإنه سوف يتمسَّك بهذا العدد حتّى مع بلوغ عدد أفراد المجتمع الآف الأضعاف؛ فلذلك لم يشأ الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل هناك ضوابط جزئية لهذه المسألة الهامة حتّى يكون لكل مجتمع - في كل زمان - ما يرتأيه؛ طبقاً لظروفه الخاصة، وحتّى يكون الإسلام متلائماً مع التطوُّرات الحاصلة في كل مجتمع.

هذا تمام ما يمكن الاستدلال به من الطائفة الأولى؛ وهي أهم الطوائف، يبقى تقييم أدلة الشورى:

كيفية الاستفادة من الشورى في اتخاذ الآراء والقرارات؛ هل يُتَّبع الكم أم الكيف؟

فمن جهة يقال: إنه من أجل حفظ النظام واستقامة الأمر لا يمكن طرح رأي

١٣٤

الأكثرية، فيجب أن يؤخذ به على حساب الأقلِّية.

والمشكلة تنشأ من أن الأقلِّية لو كانت متضمِّنة لرأي نخبة المجتمع من المفكرين والعلماء، فكيف يمكن غمض النظر عن هذا الأمر وترجيح رأي الأكثرية؟

فذهب كثير إلى محاولة التلفيق بين هذين الرأيين:

ـ فقال البعض: إن الأمة يجب أن تقوم بانتخاب النخبة، وهؤلاء ينتخبون الولي.

ـ أن توضع حدود لانتخاب واختيار الأمة؛ أي لا تكون الأمور مطلقة على عنانها بالنسبة للأمة، بل يجب أن يتقيَّدوا بقوانين وأحكام إسلامية.

التقييم:

أوَّلاً: رأي آخر في فهم الأدلَّة.

في مقام تقييم هذه الأدلة من آيات وروايات، وقبل أن نبدأ بالإجابة على كل نقطة من النقاط السابقة، فإنا نذكر أن نفس الآيتين اللتين اِستُدِل بهما على الشورى يوجد لهما تفسير آخر؛ وهو مشهور وشائع بين المفسِّرين والمفكرين، وحاصل‏ ذلك:

أن المستفاد من الآيات والروايات هو حثُّ المكلف - الذي هو في موضع المسؤولية عن الأمة وإدارة شؤونها، بل حتّى في أموره الخاصة - على الاستشارة وتوسعة أفق التفكير ومنابعه، وعدم التعنُّت برأيه والتوحُّد به، بل يُلزم الإنسان بفحص أراء الآخرين مع تمسُّكه بأن يكون الرأي النهائي له، وألاّ يكون متحرِّكاً تبعاً لإرادة المجموع.

١٣٥

بيان ذلك:

ذكرنا سابقاً في الفصل الأول عن وجود قوتين مفكِّرتين في النفس البشرية؛ أحدهما: النظرية، والأخرى: العملية،

فالأولى تقوم بدور البحث بين المعلومات المتوفِّرة؛ لأجل تهيئة مقدِّمات استكشاف المجهول وإدراك النتيجة.

والأخرى عملية تقوم بدور الإذعان والتسليم والجزم بتلك النتيجة، وتسيير القوى السفلى وممارسة دور الأمير والتوجيه لها.

وبتعبير آخر: أن الإنسان في منهجية تفكيره يتَّبع ما هو متداول في العصر الحديث من سلطات الشورى والتشريع؛ حيث دور البحث والتنقيب، ثُم دور القضاء القانوني الذي يقوم بالإذعان والجزم بهذه النتيجة وعدمها، ثُم دور التنفيذ وتوجيه القوى العمالة.

فالإنسان في تفكيره ينطوي على تلك السلطات التي تدير شؤون المجتمع المدني؛ لذلك عُبِّر عن المجتمع بـ: الإنسان المجموعي. وكلَّما دقَّقنا النظر وتأملنا في سير عملية التفكير في الإنسان الصغير، سوف يتَّضح لنا حلاً لملابسات كثيرة في الإنسان المجموعي.

فالمدَّعى هو: أن الشور والتشاور فعل ومادة وعنوان لفعل القوى الفكرية النظرية، وليس عنواناً لفعل القوى العملية وسلطتها العمَّالة على القوى النازلة، وهي الإرادة، ثُم ترد مرحلة الجزم والتسليم والإذعان، وهي مرحلة قضائية؛ إذ تكون فيصلاً بين التسليم بتلك النتيجة وعدمها، وهو فعل مزدوج بين القوة الفكرية والعملية، فالقضاء يقوم بتحديد الكبرى، وهو عمل فكري وليس بعملي، ثُم تطبيق الكبرى على النزاعات والموارد الموجودة والمعروضة أمامه.

وعلى كل حال.... فالمشورة والتساؤل يقابله الفعل الأول من أفعال العقل، وهو البحث والتنقيب، والفعل الثاني هو إدراك النتيجة، فهو أمر غير مسألة البحث، وإن

١٣٦

اختص بها العقل النظري أيضاً، إلاّ أنه ليس عين الفعل الأول، ويبقى الفعل الثالث: وهو الجزم والتسليم والإذعان، وهو ما أطلقنا عليه بالقضائية.

إذن؛ فالمشورة والتشاور ماهية لفعل إدراك المعلومات، لا ماهية لفعل عملي، فكيف يناسب عنوان السلطة والولاية والقدرة التي هي عناوين لأفعال القوى العملية؟ فهناك جمع للآراء تارة، وتارة أخرى جمع للإرادات، والشورى عنوان للأول لا الثاني، بل ليست هي - أيضاًـ في حقيقتهاً جمع للآراء، كما ليس للجمع والاجتماع مدخلية فيها، بل هي - كما سيأتي في معناه المقرَّر في اللغة - تقليب الآراء لاستخراج الصواب، سواء كان هو رأي الواحد أم الأقل أم الأكثر، فصبغة الرأي المنتخب هو لصوابيته لا لكثرته، فهي لا تعني حسم الأمر في اتخاذ قرار في مسألة ما، بل هي مقدمة لفعل آخر يقوم به المستشير.

وإذا عدنا إلى مفسَّري العامة في القرون الأربعة الأولى، لا نلاحظ وجود نظرية معينة حول الشورى أو تفسير كلا الآيتين بمعنى ولاية الشورى، بل على العكس، تراهم يذهبون في تفسيرها إلى معنى المشورة اللغوية. ويشكك الطبري: أنه كيف يؤمَر النبيّ باتباع الشورى مع أنه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله غني عن المسلمين بالوحي؟ (1) ، ويذكر فوائد الشورى؛ من اقتداء الأمة به، وتأليف قلوبهم، وينقل ذلك عن قتادة وابن إسحاق والربيع والضحَّاك والحسن البصري. والسيوطي في (الدر المنثور) يورد روايات كثيرة في ذيل الآية الكريمة على حسن الاستشارة واستحبابها، وأن المشاورة من الأمور الموصِلة للحق؛ ومنها ما عن الإمام علي‏ عليه‌السلام : (يارسول اللَّه، إذا نزل بنا الأمر من بعدك، وليس فيه قران؛ وليس فيه من قولك ومن سنتك، فماذا نصنع؟ قال: اجتمعوا وليكن فيكم العابد، فتُرْشَدون إلى أصوب الآراء).

____________________

(1) الطبري، جامع البيان، ذيل سورة آل عمران، ج4، ص101.

١٣٧

فقد يستفاد منها؛ أنه في مورد منطقة الفراغ يكون التشريع بيد الشورى، إلاّ أن الأمر ليس كذلك، بل المشاورة من أجل معالجة الأمر من كافة جوانبه، وتبادل الرأي للوصول إلى ما هو الصواب في نفسه، لا من جهة نسبته للأكثرية أو شبهها.

يقول الزمخشري في ذيل ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) : إن الشورى كالفُتيا بمعنى التشاور. ويقول في ذيل ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) : يعني في أمر الحرب ونحوه ممَّا لم ينزل عليك فيه، وهي لتستظهر برأيهم.... ويذكر من فوائده: لئلاَّ يثقل على العرب استبداده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرأي دونهم، ( فَإِذَا عَزَمْتَ ) يعني قطعت الرأي على شي‏ء بعد الشورى (1) .

فالجزم والرأي النهائي يكون للرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو قد يخالف أكثرية الآراء.

وما نلاحظه من استدلال العامة بالآيتين على ولاية الشورى بدأ في العصور المتأخرة بكتابات الآلوسي ورشيد رضا وابن الخازن.

إذن، خلاصة ما يذهب إليه هذا الرأي أنه يوجد منحى في فهم هاتين الآيتين غير ما استدل به أصحاب ولاية الشورى، وأن أوائل المفسِّرين لم يجعلوا هذه الآية دليلاً على ولاية الشورى.

مضافاً إلى أن مبدأ ولاية الشورى يقترب من مبدأ سيادة الأمة، وهو المصطلح الحديث في النظم السياسية المعبِّر عن حكم الأمة، وتدخل الأمة في إدارة شؤونها بنفسها، وهذا المبدأ من المبادئ الحديثة التي ظهرت في القرنين الأخيرين وما زالت تتدخَّل فيه يد القانونيين حتّى يسدُّوا الثغرات التي تظهر بين آونة وأخرى، فلا نجد مظهراً واحداً معبِّراً عن هذا المبدأ، مع أن أغلب دول العالم تتمسَّك به. وأن الديمقراطية هي الأساس الذي تستند عليه الدولة الحديثة إلاّ أن الثغرات والعيوب

____________________

(1) الزمخشري، الكشَّاف، ج1، ص242.

١٣٨

الكثيرة التي ظهرت في هذه الممارسة للسلطة، دعتهم إلى أن يعيدوا النظر مرة وثانية وثالثة ليغيِّروا في طريقة الانتخاب وأهلية المنتخِب؛ وما ذلك إلاّ لأنهم يرون أن هذه الديمقراطية تؤدي إلى مظهر من مظاهر الدكتاتورية الحديثة؛ بسيطرة أصحاب رؤوس الأموال وظهور طبقة معينة تتداول الحكم فيما بينها.

ثانياً: الجواب عن تلك الأدلة.

بعد استعراض السير التأريخي لنظرية الشورى والرأي الآخر في فهم الآيتين الشريفتين، وهو الحق، فإنا نذكر الجواب عن الأدلة السابقة، وهي في نفسها تكون دليلاً على الفهم الآخر الذي ذكرناه وقوِّيناه.

الوجه الأول:

وهو العمدة؛ حيث إن المعنى اللغوي لمادة الشور والمشاورة معاً هو الموضوع لهذا المصطلح.

ـ فسَّر الراغب الأصفهاني الشورى بأنها من التشاور والمشاورة والمشورة؛ وهي استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض الآخر. وقولهم: شرت العسل إذا أخذته من موضعه واستخرجته منه (1) .

ـ يذكر ابن منظور في لسان العرب أن الأصل اللغوي هو من شار العسل إي استخرجه من الوقية واجتناه.... ويقال: شرت الدابة إذا أجريتها لتعرف قوتها. وحمله البعض على قوله تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) بمعنى لتعْلَم الأمين والمخلص من غيره، واستشاره أي طلب منه المشورة.

____________________

(1) المفردات، مادة (شور)، ص 270.

١٣٩

فالمدار في الاشتقاقات يشير إلى عملية الفحص والبحث الفكرية عن حقيقة الأمر، والوصول إلى نتيجة صحيحة (1) .

ـ تاج العروس: فلان شَيِّرُك؛ أي وزيرك، يقال: فلان وزير فلان وشَـيِّره أي مشاوره. وجمعه شوراء كما في شُعراء، وأشرني عسلاً وأشرني على عسل أعني على جَنْيه وأخذه من مواضعه (2) .

وهذه تؤكد أن المشاورة هي أحد أساليب الفحص والبحث قبل اتخاذ الرأي النهائي والعزم الإرادي في المسألة، وهو ما أشرنا إليه بأنه الفعل الأول للفكر.

ـ وأوضح من كل ما مضى ما يذكره ابن فارس أن شور وضعت لأصلين مفردين: الأول إبداء شي‏ء وأظهاره وعرضه. والآخر أخذ شي‏ء (3) .

وكلا المعنين شاهدان على ما ذكرناه؛ فالأول عملية استكشاف واختبار وفحص، والثانية أخذ الرأي الصائب من تصفُّح الآراء. فتكاد كلمات اللُّغويين تشير إلى هذه الحقيقة في الشورى، ولم يرد منها ذكْرٌ وإشارة إلى جهة سلطة أو إرادة أو ولاية أو قدرة تتحلَّى بها الشورى.

ـ ومن كتب اللغة المتأخرة نرى ما ذكر في المعجم الوسيط: (شار الشي‏ء عرضه ليُبدي ما فيه من محاسن، وأشار إليه بيده، أومأ إليه معبِّراً عن معنى من المعاني كالدعوة للدخول والخروج. اشتور القوم: شاور بعضهم البعض، والمستشار: العليم الذي يؤخذ رأيه في أمر هام؛ علمي أو فني أو سياسي أو قضائي ونحوه، هو اصطلاح محدَث) إلاّ أنها ليست مرتجلة، بل منقولة عن الأصل اللغوي؛ لمناسبة بين المنقول منه والمنقول إليه، بل قد يقال: إنه نفس المعنى القديم وليس معنى جديداً

____________________

(1) لسان العرب، ج4، ص335.

(2) الزبيدي، تاج العروس، مادة(شور).

(3) معجم مقاييس اللغة، مادة شور.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم »(١) .

وبعد هذا البيان الجلي ، والحجّة الناصعة ، تحصل القناعة لكُلّ عارف بصير ، فالحاصل : أنّ التسليم بما هو قضاء الله وقدره ليس من الإلقاء للنفس في التهلكة.

الثاني : إنّ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام كانوا مجبورين في حياتهم الشخصية ، وأمام الأحداث والظواهر على العمل بعلمهم العادي المتأتّي من العلل الطبيعية ، والأسباب المتداولة المتوفّرة للجميع.

ويؤكّد على ذلك استسلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمام إرادة الله تعالى ، جاء في التاريخ : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في المسجد ، فأخبروه بسوء حال ابنه إبراهيم ، فذهبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت واحتضن ابنه ، فقال له ـ وهو ينظر إليه ـ : «يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من الله شيئاً ، إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، ونهانا عن الصياح ، ولولا أنّه وعد صادق وموعود جامع وجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه »(٢) .

وكان بإمكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق الإعجاز والولاية ، تلك الولاية التي كانت للسيّد المسيحعليه‌السلام في معجزاته في إحياء الموتى ، وإعادة صحّة وسلامة المرضى من أمراضهم الصعبة ، أن يعيد سلامة ابنه.

كان بإمكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ببركة الدعاء المستجاب الذي منحه الله تعالى أن يغيّر الحالة التي كانت لابنه ، وكان بإمكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق العلم الغيبي

____________

١ ـ المصدر السابق ١ / ٢٦١.

٢ ـ السيرة الحلبية ٣ / ٤٣٤.

٣٦١

أن يقضي على عوامل المرض لكي لا يمرض ابنه ، ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخدم في هذا الأمر ، ولا في الأُمور الأُخرى هذه الأسباب المؤثّرة ، ولم يخطُ خارج الأحداث الطبيعية والأسباب العادّية ، لماذا؟!

لأنّ هذه الأسباب غير العادّية أُعطيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهداف أُخرى ، وأنّه عليه أن يستخدمها فيما يخصّ بإثبات الولاية ، أو في المواقف التي يحتاج إليها فيها ، لا في المسائل الصغيرة والأعمال الشخصية العادّية.

نعم ، إنّه يستطيع استخدام هذه الأسباب عندما يقترن الأمر بإذن إلهي ، عندما يريد أن يثبت ويبرهن نبوّته وارتباطه بمقام الربوبية مثلاً.

ومن أسباب عدم استخدام هذه الأُمور رعاية الجوانب التربوية ، فإنّ حياة الزعيم القائد والإمام لو كانت بعيدة عن المصائب والمشاكل ، والبلايا والأمراض مثلاً ، لم يستطع أن يوصي الآخرين بالصبر والتحمّل في المشاكل والمصائب ، أو يدعو الأُمّة للمقاومة وتحمّل الصعاب والصبر عليها ، إذ لاشكّ في أنّ صبر القائد والإمام في المصائب والمشاكل ، ومقاومته وإيثاره في ميادين الجهاد قدوة للآخرين ، لأنّ الشخص الذي لا يعرف الألم وعدم الراحة ، ولم يلمس طوال حياته المصائب والمشاكل ، لا يمكنه أن يكون نموذجاً في الأخلاق ، وقدوة لحياة الإنسان.

ولهذا ترى في التاريخ أنّ الشخصيات الإلهية كانت تسعى كالآخرين لحلّ مشاكلها ، ومواجهة مصائبها بالوسائل العادّية.

ويؤكّد على ذلك ما نشاهده في أسلوب حياة المعصومينعليهم‌السلام من أنّه لا يختلف كثيراً عن حياة الآخرين ، كانوا يمرضون مثلهم ، ويتوسّلون لشفائهم بالأدوية التي كانت في زمنهم ، وفي الحياة الاجتماعية ، أو المعارك الجهادية يستخدمون نفس الوسائل التي يستخدمها الآخرون ، ويرسلون الأشخاص ليأتوهم بالتقارير عن المعارك ، فإنّ كُلّ ذلك يدلّ على أنّهم لم يكونوا ليستفيدون من الوسائل الإعجازية.

٣٦٢

فصفوة البحث : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة يعلمون الغيب ، ولكن لا يستخدمون ذلك العلم إلاّ في المواقف الخاصّة ، لا في حياتهم اليومية العادّية.

فكانواعليهم‌السلام يعلمون أنّ هذا الطعام الذي يأكلونه مسموم ، ولكنّهم يسلّمون لأمر الله تعالى وقدره.

( السيّد الموسوي الساري ـ البحرين ـ )

يشمل الموضوعات الخارجية :

س : هل الإمام يعلم بالموضوعات الخارجية المحضة؟ وما هو الدليل؟

ج : إنّ علم الإمامعليه‌السلام كتب حوله الكثير من علمائنا الأبرار ، وذكروا أدلّتهم عليه ، فتارة نبحث في علم الإمام ، وتارة نفرّق بين علمه بالموضوعات الخارجية المحضة وغيره ، فإذا فرغنا من الأدلّة الدالّة على علم الإمام ، وأثبتنا بالدليل والبرهان هذه المسألة ، فالأدلّة تشمل علم الإمام بكُلّ نواحيه ، والفرق بين علمه بالموضوعات الخارجية وغيره يحتاج إلى دليل ، لا أنّ علمه بالموضوعات الخارجية المحضة يحتاج إلى دليل ، إذ الأدلّة عامّة تشمل كُلّ العلوم ، والتخصيص يحتاج إلى دليل.

أضف إلى هذا ، توجد أدلّة صريحة في علم الإمام بالموضوعات الخارجية ، لا نطيل بذكرها الجواب.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

علمه بيوم موته :

س : هل يعلم الإمام عليه‌السلام بيوم موته؟ وأنّه متى يموت؟

ج : لقد ثبت في محلّه عقلاً ونقلاً : أنّ الأرض بل كُلّ الكون الرحب الوسيع لا يخلو من حجّة لله تعالى ، إمّا ظاهراً وإمّا مستوراً ، ويكون كالشمس خلف السحاب ، والحجّة هو الإنسان الكامل الذي يكون بمنزلة قطب رحى عالم

٣٦٣

الإمكان ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، وهذه الحجّة الإلهية التي تتجلّى وتتبلور في الإنسان الكامل ، الذي هو خليفة الله في أسمائه وصفاته ، إنّما تكون بنصّ ونصب واختيار واصطفاء من الله سبحانه.

فكان أوّل مخلوق لله هو نور محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ نور أمير المؤمنين عليعليه‌السلام اشتقّ من نور رسول الله ، وكلاهما من نور الله ، ومن شجرة واحدة ، كما في الأحاديث الشريفة عند السنّة والشيعة ، فأعطاهما الله الولاية العظمى في خلقه ، ثمّ كانت في عترتهما الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، وفي الأنبياء والأوصياء ، فكُلّ واحد في عصره كان حجّة الله على خلقه ، ولازم الحجّية أن يعلم الحجّة بعلم لدُّني وغيبي من لدن حكيم عليم من الله سبحانه ، فاطلعهم الله برضاه على مغيّباته.

ومن المغيّبات علم المنايا والآجال ، فالنبيّ وكذلك الوصي حجّة الله يعلم علم المنايا والآجال ، ولولا ذلك العلم لما تمّت الحجّة الإلهية ، ولله الحجّة البالغة ، فلابدّ لحجّة الله أن يعلم متى يموت؟ وتنتقل الحجّة منه إلى وصيّه وخليفته من بعده ـ من نبي أو وصي ـ فكُلّ إمام معصوم حجّة الله يعلم متى يموت ، ومتى يُسلّم مقاليد الإمامة والحجّة إلى الإمام الذي من بعده ، بنصّ ونصب من الله تعالى ، ومن لم يعلم بزمان موته ، كيف يكون حجّة الله على الخلائق؟ وكيف يسلّم مقاليد وأزمة الأُمور طرّاً إلى من كان بعده.

فالعقل وكذلك النقل يقضي أن يكون الحجّة عالماً بما كان وما يكون ، وما هو كائن ، كُلّ ذلك بإذن من الله تعالى وبإرادته ، فإنّ الله جلّ جلاله هو العالم بالغيب على الإطلاق ، إلاّ أنّه يطلع على الغيب من ارتضى من رسول ، فالرسول يعلم الغيب إلاّ أنّه بإذن الله سبحانه ، فالحجّة ـ النبيّ أو الوصي ـ يعلم موته ، ويعلم بالمغيّبات ، ولولا ذلك لما كان حجّة الله على الطبيعة وما ورائها ، فتدّبر.

٣٦٤

( هناء علي سلمان ـ البحرين ـ )

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر :

س : لماذا يا ترى لا يدفع الأئمّة عليهم‌السلام الأذى عن أنفسهم؟ مع علمهم بوجود الضرر ، والذي يؤدّي بهم إلى الوفاة؟

ج : علم المعصوم شيء ، وعمله وتكليفه شيء آخر ، إذ المعصومعليه‌السلام مكلّف بالعمل بالظاهر ، ليتمّ الاختيار الذي وهبه الله للبشرية ، فالنبيّ والإمامعليهما‌السلام وظيفتهما العمل بالظاهر ، وخير شاهد على هذا : لو رجعنا إلى زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرأيناه ما كان يقيم الحدّ إلاّ على من تمّت الشهادة عليه ، ونعلم قطعاً بوجود مخالفات في عهد الرسول لم تقام الشهادة عليها ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعاقب عليها بالاعتماد على علمه بالأُمور.

( سمير ـ السعودية ـ )

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر :

س : دائماً ما يسألني زملائي في المدرسة عن حقيقة أنّ الأئمّة المعصومين يعلمون الغيب ، وأنا طبعاً أجاوبهم بالتأكيد أنّهم يعلمون الغيب ـ حسب ما تعلّمناه من شيوخنا في القطيف وغيرها ـ ولكن سألني أحدهم قائلاً : ما دام أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام يعلم الغيب ، فلماذا لم يجتنب عبد الرحمن بن ملجم الخارجي لعنه الله عندما قتله؟ ولماذا لم يتراجع الحسين عليه‌السلام عن الذهاب إلى كربلاء ، وهو يعلم أنّه سيخذل وسيقتل ، وشكراً.

ج : إنّ علم الغيب المطلق من مختصّات ربّ العالمين ، فلا يعلم الغيب إلاّ هو ، نعم يطلع الله أنبياءه ورسله وأولياءه على الغيب ، وذلك كإحياء الموتى الذي هو من مختصّات الله جلّ جلاله إلاّ من إذن له ، هذا أوّلاً.

٣٦٥

وثانياً : إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء الذين يطلعهم الله على الغيب ، وظيفتهم العملية ترتيب الأثر على الظاهر.

توضيح ذلك : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يقيم الحدّ إلاّ بعد أن تتمّ البيّنة ، مع أنّنا نجزم بأنّ في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الناس يعصون في خلواتهم ، ونجزم بأنّ النبيّ كان يعلم بأفعالهم ، ولكن ما كان يقيم الحدّ إلاّ إذا تمّت البيّنة.

مثال آخر : قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١) .

فهنا يرد سؤال : كيف تزوّج نوح ولوطعليهما‌السلام بامرأتين طالحتين مع علمهما بحالهما؟

الجواب : إنّ نوح ولوط وجميع الأنبياء والمرسلين والأولياءعليهم‌السلام لم تكن وظيفتهم ترتيب الأثر إلاّ على الظاهر ، إلاّ في موارد نادرة ، وذلك لئلا يبطل الاختيار وسنّة الحياة التي سنّها الله تعالى.

هذا ، وفي المسألة أقوال أُخرى ، نشير إلى بعضها :

١ ـ إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء إذا شاءوا علموا ، وهذه الموارد من الموارد التي لم تتعلّق مشيئتهم بالعلم بها.

٢ ـ إنّ الله تعالى ينسيهم ما كانوا يعلمون في هذه الموارد.

٣ ـ إنّ من عظمة المعصومين أن يعلموا ويسلّموا التسليم المطلق لإرادة الله سبحانه في هذه الموارد.

وختاماً : ننبّهكم بأنّ مسألة علم الإمام فرع لمسألة الإمامة ، لا يمكن أن نبحثها قبل البحث في مسألة الإمامة والتسليم بها.

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٣٦٦

( محمّد ـ اليمن ـ )

كيف ينسجم مع عزل علي لقيس بخدعة من معاوية :

س : كيف يكون الإمام علي عالماً بالغيب ، مع أنّه عزل قيس بن سعد من ولاية مصر بخدعة من معاوية؟ ألم يكن الإمام عالماً بهذا؟ أرجو الإجابة.

ج : في البداية أرى من الضروري التمييز بين مصطلحين : علم الغيب ، وتعلّم الغيب من عالم الغيب.

فالأوّل ـ أعني علم الغيب ـ هو من مختصّات الله سبحانه( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (١) ،( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (٢) .

وأمّا الثاني ـ أعني تعلّم الغيب من عالم الغيب ـ فيمكن ثبوته لغير الله سبحانه ، قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (٣) ،( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (٤) ، وكان عيسىعليه‌السلام يعلم الغيب( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (٥) .

وكان الخضرعليه‌السلام يعلم الغيب ، كما صرّح القرآن الكريم بذلك في سورة الكهف حيث قتل الغلام ، وأقام الجدار ، وأعاب السفينة ، ولم يتمكّن موسى من الصبر على هذا الغيب ، حتّى بيَّن له الخضر النكات الغيبية في ذلك :( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ

____________

١ ـ الأنعام : ٥٩.

٢ ـ الأعراف : ١٨٨.

٣ ـ آل عمران : ١٧٩.

٤ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٥ ـ آل عمران : ٤٩.

٣٦٧

جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) (١) ، ومن خلال هذا نخرج بهذه النتيجة ، وهي أنّه لا يوجد أيّ محذور في ثبوت الغيب لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن ارجع لاستدرك وأقول هو تعلّم الغيب وليس علماً بالغيب.

وباتضاح هذا نعود إلى التساؤل الذي أشرتم إليه ونقول : إنّ أصل القضية التي قام بها معاوية هي مجرّد نقل تاريخي ، وليس كُلّ نقل تاريخي يمكن الاعتماد عليه ، والذي نقل تلك القضية هو إبراهيم الثقفي في كتابه الغارات(٢) .

ويوجد كلام حول أصل كتاب الغارات ، فضلاً عن سند الرواية ، ولو سلّمنا صدقها فمن المحتمل أن يكون الإمامعليه‌السلام عالماً بالخدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً على عزل قيس بسبب ضغط بعض أصحابه ، كما هو الحال في حرب صفّين في قضية الحكمين ، فإنّهعليه‌السلام كان يعلم بأنّ قضية الحكمين خدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً إلى قبولها لضغط بعض أصحابه.

وما نقوله ليس مجرد احتمال ، بل تساعده بعض الكتب التاريخية ، فقد روى البلاذري في أنساب الأشراف أنّه كان مضطرّاً إلى عزل قيس من قبل أصحابه(٣) ، ونقل ذلك أيضاً الطبري في تاريخه(٤) .

وملخّص ما نريد أن نقوله : أنّ قضية خدعة معاوية ، قد نقلها الثقفي في كتابه ، ومجرد النقل التاريخي لا يصلح أن يكون مدركاً لتسجيل الإشكال ، وإذا كان يصلح لذلك ، فهناك نقل تاريخي معاكس يدلّ على اضطرار الإمامعليه‌السلام لقبول عزل قيس ، وهو نقل البلاذري والطبري.

____________

١ ـ الكهف : ٧٤ ـ ٨٠.

٢ ـ الغارات ١ / ٢١٧.

٣ ـ أنساب الأشراف : ٣٩٢.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٥٥٤.

٣٦٨

( جمال أحمد ـ البحرين ـ )

معنى علمه الناسوتي واللاهوتي :

س : قرأنا أنّ علم الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ينقسم إلى ناسوتي ولاهوتي ، الرجاء شرح هذين القسمين مع الأمثلة إن أمكن.

ج : إنّ علم الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام قد يكون من مبدأ الوحي بلا واسطة أو بواسطة ، فهذا علم إلهي ، أو قد يعبّر عنه البعض بعلمٍ لاهوتي.

وقد يكون منشأ علمهم الطرق المتعارفة والمألوفة عند الناس ، وهذا علم عادي ، وقد يسمّيه البعض بعلم ناسوتي.

ثمّ إنّ القسم الأوّل هو المايز بين المرتبطين بعالم الوحي وغيرهم ، إذ لا إشكال في عدم طرق الخطأ والزلل في هذا العلم ، ومن ثمّ سوف يكون عالمه معصوماً من جميع الجهات ، كما هو واضح بأدنى تأمّل ، ومن هذا القسم ، علم الأحكام والعقائد والمعارف الإلهية.

وأمّا القسم الثاني ، فيحصل من مقدّمات عادية ومتداولة ، وهذا القسم يشمل العلم بالموضوعات الصرفة التي لا علاقة لها بأصل الدين والوحي ، فالنبيّ أو الإمامعليه‌السلام يتصرّف في مورده بمعونة القواعد العقلية والعرفية.

وهذا القسم وإن كان يحتمل فيه الخطأ والخلل عند الناس بصورة عامّة ، إلاّ أنّ المصلحة الإلهية تقتضي نفي هذا الاحتمال بالنسبة للنبي والإمامعليه‌السلام ، وهذه المصلحة هي حفظ مكانة المعصومعليه‌السلام في أعين الناس عن مطلق السهو والخطأ ، ولأنّ التمييز بين الأحكام والموضوعات ليس أمراً سهلاً عند الجميع ، فينبغي سدّ باب الاحتمال لئلا يكون إغراءً لهم في المقام.

على أن تقسيم علم النبي والإمامعليهما‌السلام إلى ناسوتي ولاهوتي غير صحيح ، لأنّ المطّلع على العلم اللاهوتي له إطلاع على العلم الناسوتي ، أو بالأحرى لا يحتاج له أصلاً.

٣٦٩

( أبو علي ـ لبنان ـ ٣٣ سنة ـ طالب علم )

الفرق بينه وبين علم الله :

س : ما هو القول الفصل لديكم حول علم الإمام المعصومعليه‌السلام ؟ هل هو حصولي أم هو حضوري؟ علماً أنّ هناك لكُلّ من القولين روايات عدّة تؤيّده ، فأيّ طائفة من الروايات تؤيّدون؟

أرجو الإجابة مع الدليل القاطع إن أمكن ، ولكن الأجر.

ج : تارة نبحث عن علم المعصومعليه‌السلام هل هو حضوري ـ أي حاضر عنده بدون أن يتعلّم ويكتسب العلم ـ أو هو حصولي ـ أي يحصل عنده من خلال التعلّم والتكسّب ـ؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمهمعليهم‌السلام حضوري.

وأُخرى نبحث عن علم المعصومعليه‌السلام على رأي المشهور ـ أي أنّ علمهعليه‌السلام حضوري لا حصولي ـ فنقول : هل أنّ علمهعليه‌السلام حاضر عنده بالفعل ـ بمعنى أنّ المعلومات منكشفة عنده فعلاً ـ أو حاضر عنه بالقوّة ـ بمعنى متى ما أراد وأشاء أن يعلم علم ـ؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمهعليه‌السلام فعلي.

وما أُثير من أنّه يلزم على هذا الرأي اتحاد علم الله تعالى مع علم المعصومعليه‌السلام ، وبالتالي يلزم الشرك والغلوّ.

فيردّه : بأنّ هناك فروق بين علمه تعالى الحضوري وعلم المعصومعليه‌السلام الحضوري الفعلي ، منها :

١ ـ إنّ علمه تعالى قديم وعلم المعصوم حادث.

٢ ـ إنّ علمه تعالى علّة وعلم المعصوم معلول.

٣ ـ إنّ علمه تعالى عين ذاته وعلم المعصوم عرضي موهوب منه تعالى.

٣٧٠

٤ ـ إنّ علمه تعالى مطلق وعلم المعصوم محدود ، بمعنى أنّهعليه‌السلام يعلم ما كان وما يكون ، وما هو كائن بمقدار ما اطلعه الله تعالى عليه ، ولا يعلم العلم المخزون المكنون الذي استأثر الله به لنفسه.

وقد ذكر علماؤنا في بحث علم الإمامعليه‌السلام مجموعة من المؤيّدات للنصوص ـ من الآيات والروايات ـ المثبتة لعموم علمهعليه‌السلام وفعليته.

هذا وقد حملوا النصوص ـ من الآيات والروايات ـ النافية لعموم علم المعصومعليه‌السلام ، والنافية لفعلية علمهعليه‌السلام على عدّة محامل ، فلتراجع في مظانّها.

( علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

ثابت بسبب تعليم من الله :

س : لدي عدّة أسئلة عن علم الغيب :

١ ـ هل علم أهل البيتعليهم‌السلام لدنّي؟

٢ ـ هل الإمام المهديعليه‌السلام الآن مثلاً يعلم بأمر رسالتي هذه إليكم؟ أي هل عنده علم الغيب الذي من هذا النوع؟

٣ ـ ما معنى الفقرة : « ارتضاكم لغيبه » الواردة في شرح الزيارة الجامعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : إذا كنتم تقصدون من العلم اللدنّي العلم الذاتي الذي لا يحتاج إلى تعليم حتّى بالطرق غير المتعارفة ـ وذلك كما هو الحال في علم الله سبحانه ـ فالجواب : كلا ، إنّ علمهم ليس علماً لدنّياً بالمعنى المذكور ، كيف وأمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب من العلم ، يفتح كُلّ باب ألف باب »(١) .

كيف وعندهم الصحيفة الجامعة ، التي فيها علم كُلّ شيء حتّى أرش الخدش ، كيف والمولود منهم إذا وُلد ضرب له عمود من نور يرى من خلاله

____________

١ ـ الخصال : ٥٧٢.

٣٧١

الأشياء ، كيف وهم يزدادون في كُلّ ليلة جمعة ، إنّ هذا وما شاكله يدلّ على أنّ علمهم ليس ذاتياً كعلم الله تعالى.

وإن كنتم تقصدون منه العلم الذي لا يحتاج إلى تعليم بالطرق المتعارفة ، بل يحصل لهم بطرق غير متعارفة ، فنسلّم أنّ علمهم لدنّي بالمعنى المذكور.

فحصيلة الجواب إذاً : أنّه لابدّ من التفصيل ، فعلمهم لدنّي بالمعنى الثاني ، وليس لدنّياً بالمعنى الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : نعم ، أيّ مانع في أن يكون الإمامعليه‌السلام علم برسالتك هذه ، فإنّ علم الغيب على قسمين ، علم بالغيب من دون تعليم من الله سبحانه ، وهذا من مختصّات الله سبحانه( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (١) ، وعلم بالغيب بسبب تعليم من الله سبحانه ، وهذا هو الثابت للنبي والإمام ، قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (٢) ، وقال :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (٣) .

وكان عيسىعليه‌السلام يعلم الغيب( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (٤) ، وكان الخضرعليه‌السلام يعلم الغيب أيضاً على ما نقل القرآن الكريم في القصّة التي دارت بينه وبين موسىعليه‌السلام :( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) (٥) .

وجاء في نهج البلاغة : أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حينما أخبر عن التتار بقوله : « كأنّي أراهم قوماً كأنّ وجوههم المجانُّ المطرّقة ، يلبسون السَرَق والديباج ،

____________

١ ـ الأنعام : ٥٩.

٢ ـ آل عمران : ١٧٩.

٣ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٤ ـ آل عمران : ٤٩.

٥ ـ الكهف : ٨٠.

٣٧٢

ويعتقبون الخيل العتاق » ، فقال له بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فضحكعليه‌السلام وقال للرجل ـ وكان كلبياً ـ : « يا أخا كلب ، ليس هو بعلم الغيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم »(١) .

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : معناها واضح ، وهو أنّهمعليهم‌السلام يعلمون الغيب ، بسبب التعليم من قبل الله سبحانه ، فالعلوم الغيبية الثابتة لله سبحانه قد ثبت بعضها لهمعليهم‌السلام كما قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (٢) ،( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٣) .

( سامي جحهف ـ اليمن ـ زيدي ـ ١٩ سنة ـ طالب )

لا يتنافى مع قوله( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )

س : قال الله تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (٤) فقد نفى الله أن يكون النبيّ يعلم الغيب ، فكذلك من هم أقلّ منه منزلة ، وهم الأئمّة فما هو ردّكم؟

ج : إنّ عقيدتنا في علم المعصومعليه‌السلام تتلخّص فيما يلي :

أ ـ علمهمعليهم‌السلام علم لدنّي ، أي أعطي من قبل الله تعالى كرامةً لهم.

ب ـ يعلمون الغيب بصراحة القرآن :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٥) .

ج ـ إنّ حدود علمهمعليهم‌السلام من جهة الكمّية والكيفية تتبع إرادة الله تعالى ، فلا يكون ذاتياً ولا أزلياً.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ٢١٥.

٢ ـ آل عمران : ١٧٩.

٣ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٤ ـ التوبة : ١٠١.

٥ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٣٧٣

د ـ إنّهمعليهم‌السلام ليسوا مكلّفين بالعمل على طبق هذا العلم ، بل وليست وظيفتهم إظهاره في كافّة الموارد.

وعليه ، فكثيراً ما كانوا يتعاملون مع الواقع الموجود على ضوء العلوم العادّية والظاهرية بدلاً من علم الغيب ، لمصالح شتّى ذكرت في مظانّها.

وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ عدم العلم المذكور في الآية هو بالنظر إلى العلوم العادّية ، لا العلم اللدنّي المسمّى بعلم الغيب ، وهذا نتيجة الجمع بين الأدلّة في المقام.

ولتقريب المعنى نذكر مورداً آخر يدلّ بوضوح على الموضوع ، فمثلاً : يخاطب القرآن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة لبعض المنافقين ويقول :( وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) (١) ، أي كان ممكناً أن يعرّف الله تعالى المنافقين بواسطة الوحي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بإمكانه أيضاً أن يتعرّف عليهم ـ المنافقين ـ من خلال العلم العادي.

فالنتيجة : إنّ إعطاء علم الغيب للمعصومعليه‌السلام لا ينكر ، وهذا بمعنى قابليتهعليه‌السلام لهذا المقام ، وأمّا تطبيقه له في الموارد المختلفة ، فذلك أمر آخر.

____________

١ ـ محمّد : ٣٠.

٣٧٤

عمر بن الخطّاب :

( ـ الكويت ـ )

عدم انطباق ما جاء في الإنجيل عليه :

س : جاء في مقالة لأحد الكتّاب السنّة ، وهي : ورغبة منّا في بيان بعض صفات الفاروق في أسفار أهل الكتاب ، نقول : قد وردت نبوآت كثيرة ومتواترة في أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاءت تترى في كتب اليهود والنصارى ، ومن ذلك :

يقول النبيّ زكريا وفي سفره : ابتهجي يا بنة صهيون ، اهتفي يا بنت أورشليم ، هو ذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور ، وديع وراكب على حمار ، وعلى جحش بن آتان ، واقطع المركبة من افرايم ، والفرس من أورشليم ، وتقطع قوس الحرب ، ويتكلّم بالسلام ـ أي الإسلام ـ للأُمم ، وسلطانه من البحر إلى البحر ، ومن النهر إلى أقاصي الأرض « سفر زكريا ٩ / ٩ طبعة البروتستنتية ـ دار الكتاب المقدّس ».

وأورشليم هي القدس ، والمَلِك الذي فتح القدس بالصلح والموادعة هو قطعاً عمر ، وأبرز صفة فيه هي العدل ، وقد ركب عمر في طريقه إلى بيت المقدس ، وهذا مصداق لقوله : يأتي إليك ، وراكب على جحش ابن آتان ، وهو البرذون ، وقد حاول القسّ المسيحي وليم باركلي في كتابه تفسير العهد الجديد ، أن يزوّر هذه البشارة فيقول : حاول بعض مفكّري وعلماء الإسلام أن يثبتوا هذه البشارة على أحد خلفائهم ، الذي أتوا بعد محمّد ، والصحيح أنّ كلامهم

٣٧٥

باطل ، بل المبشّر به هو الربّ يسوع المسيح ، عندما يأتي في الدينونة ، يدين الناس بالحقّ ، والكلمة في آخر العالم « تفسير العهد الجديد : ١٧٤ ».

وأقول أنا : أنّ كلامه في غاية الهذيان والبطلان ، لأنّ هذا الملك هو بشر ، وليس ربّ وإله!! ثمّ إنّه من زمن زكريا إلى زمن عيسى إلى ما بعدهم لم يأت ملك عادل تدين له القدس ، بل كانت القدس تحت السيطرة الوثنية للرومان المحتلّين بحكم الحديد والنار ، وأوّل فتح إسلامي للقدس هو في زمن الفاروق ، بل وهو الذي أتى بنفسه لفتحها بكُلّ وداعة وعدل ، فليتأمّل كُلّ من ورم أنفه!!

ولو تأمّلت قليلاً ، وركّزت ذهنك برهة ، لوجدت أنّ الصفات التي جاءت في حقّ الفاروق ، كالتالي : عادل ، منصور وديع ، راكب على حمار!!

إنّها ثلاثة صفات تدلّ على الفاروق خاصّة ، في مسيره نحو بيت المقدس ، وتجد كُلّ صفة منها مفصول بينها حرف : العطف « واو » ، والذي يلفت النظر بحقّ ، أنّنا لو رتّبنا الحروف الأُولى من هذه الصفات لوجدنا : عادل = ع ، منصور = م ، راكب حمار = ر ، فإنّ النتيجة تكون : عمر!!

وممّا يؤكّد ذلك أيضاً ، ما جاء في سفر حبقوق قدامه : ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ، وقف وقاس الأرض نظر فرجفت الأُمم ، ودكّت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القدم ، مسالك الأزل له ، رأيت خيام كوشان تحت رجليه ، وجفّت أرض مدين « سفر حبقوق قدامة ٣ / ٥ ».

وأنا أقول : من الذي ظهرت في طريقه الحمى؟ ألم تسمعوا بطاعون عامواس! وكيف أنّه ظهر في مقدم عمر إلى القدس ، ومن الذي دكّت الجبال الدهرية على يديه ـ فارس والروم ـ؟

من الذي صارت خيام كوشان ـ هي مصر كما جاء في قاموس الكتاب المقدّس ـ تحت رجليه؟ انتهى كلام الكاتب السنّي.

وبالتالي فإنّه يستدلّ على صحّة خلافة عمر بن الخطّاب بما جاء في كتب أهل الكتاب ، مثلما جاءت البشارات في رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فنرجو منكم الردّ على هذا الاستدلال ، ولو كان ردّاً مختصراً ، وفّقكم الله لمرضاته.

٣٧٦

ج : في الإجابة عدّة نقاط :

الأُولى : إنّ الكتاب المقدّس « العهد القديم» ـ وكما هو معروف ـ قد كتب باللغة العبرانية ، وهذا ما اتفق عليه معظم علماء الكتاب المقدّس ، إذ إنّها كانت اللغة السائدة في ذلك الزمان ، ومن ثمّ ترجم إلى اللغات الأُخرى ، كاليونانية والإنكليزية والعربية ، وغيرها.

ومعظم النسخ الأصلية لهذا الكتاب مفقودة ، وأقدم نسخة التي وجدت تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ، وهي ناقصة ، إذ لا تحتوي إلاّ على بعض الأسفار من العهد القديم ، وهذا أحد أسباب الشكّ في نسبة هذا الكتاب كُلّه إلى الوحي الإلهي.

الثانية : فيما يخصّ سفر زكريا ، فإنّ علماء الكتاب المقدّس قسّموا هذا السفر إلى قسمين : الأوّل يبدأ من الإصحاح « ١ ـ ٨ » ، وأمّا القسم الثاني فإنّه يبدأ من الإصحاح « ٩ ـ ١٤ ».

ومن يطالع هذا السِفر يجد الاختلاف في الأسلوب بين القسمين ، حتّى شاعت بين العلماء نسبة هذا السِفر إلى كاتبين مختلفين ، وحاولوا بشتّى الوسائل حلّ هذا الاختلاف ، لكي لا يفقد هذا السِفر قيمته ، وبالتالي يؤدّي إلى التشكيك بصحّة العهد القديم.

ولكن للاختصار نترك البحث في هذه المسألة ، ونسلّم بأنّ كاتب السِفر هو النبيّ زكرياعليه‌السلام .

وأمّا النصوص :

١ ـ أمّا قول الكاتب السنّي : هو ذا ملكك يأتي إليك.

فالمشهور أنّ الخليفة الثاني لم يكن ملكاً لأورشليم ولا لفلسطين ، بل كُلّ ما في الأمر أنّه قدم إلى بيت المقدس ـ سنة ١٥ أو ١٦ هجرية ـ لعقد الصلح مع أهلها ، ودفعهم للجزية ، ولم يلبث فيها إلاّ أيّاماً معدودة ، ومن ثمّ عاد إلى المدينة ، فهو لم يحكم أورشليم ، ولا استفاد أهلها بظلّ عدله!!

٣٧٧

فهل ينطبق هذا على كون ملك أورشليم المنتظر ، الذي بشّر به النبيّ زكرياعليه‌السلام هو الخليفة الثاني ، والذي لم يمكث في بيت المقدس إلاّ أيّاماً؟!

٢ ـ وأمّا الصفات التي ذكرها الكاتب ، وحاول جاهداً إلباسها للخليفة الثاني ، كي تنطبق عليه ما جاء في سِفر زكرياعليه‌السلام ، فهي غير صحيحة ، لأنّ الكاتب يقول عند ذكر صفة هذا الملك : عادل ومنصور وديع ، ويفسّر منصور وديع ، أي الذي فتح القدس بالصلح والموادعة ، وهذا خلاف ما يفهم من النصّ ، فالوديع هنا صفة للملك ، وليست صفة للنصر ، ولأنّ المشهور والمعروف عن الخليفة الثاني ـ بل تكاد تكون أبرز صفة فيه ـ هي غلظته وشدّته وقساوته ، وهذا ما تواترت به كتب التاريخ والحديث ، ولهذا فإنّ الكاتب السنّي ، وهروباً من هذه الحقيقة ، جعل صفة « وديع» للنصر ، وهذا ما لا يرضاه أيّ باحث له إلمام بسيط باللغة العربية.

وحتّى ما فسّره الكاتب بالفتح بوداعة ، فهو مردود أيضاً ، فإنّ الصلح كان بعد معارك بين المسلمين ، وأهل ايليا ، فهذا الأزدي يذكر : أنّ أهل ايليا قاتلوا المسلمين ساعة ثمّ انهزموا ، ثمّ قاتلوهم ثمّ انهزموا إلى داخل حصونهم ، بل يضيف الواقدي : « ولم يزل أبو عبيدة ينازل أهل بيت المقدس أربعة أشهر كاملة ، وما من يوم إلاّ ويقاتلهم قتالاً شديداً »(١) ، ومن بعد هذه المعارك جاء عمر وعقد الصلح ، فهل يعني ذلك أنّ فتح أورشليم كان عن وداعة!!

٣ ـ وأمّا قوله : بأنّ أبرز صفة فيه هي العدل ، ففي ذلك أيضاً شكّ ، فإنّ الخليفة الثاني هو أوّل من أعطى العطايا على السابقة ، وفرّق بين المسلمين في العطاء ، وفي الواقع هو أوّل من أرسى النظام الطبقي في المجتمع الإسلامي ، والذي كان نتيجة طبيعية لهذا التمايز في الفرض والعطاء ، حتّى وصل ذروته في زمن الخليفة الثالث ، الذي انتهج سيرة عمر.

____________

١ ـ فتوح الشام ١ / ٢٢٤.

٣٧٨

ولعلّ أحد الأسباب غير الظاهرية لحرب الجمل في زمان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، هي رفض أمير المؤمنينعليه‌السلام التفاضل في العطاء بين المسلمين للسابقة ، ممّا دفع بعض الصحابة الأوائل ـ كطلحة والزبير ـ إلى اتخاذ مواقف سلبية من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإشعال نار الفتنة والحرب ضدّه.

٤ ـ وما ذكره الكاتب حول ركوب الخليفة الثاني للبرذون ، فنقول :

أوّلاً : لماذا لم يشر الكاتب إلى أنّ هذا الملك الموعود يكون راكباً على حمار كما ذكر النصّ؟

والجواب : لأنّ المؤرّخين بلا استثناء ما ذكر أحداً منهم أنّ الخليفة الثاني ركب الحمار عند خروجه من المدينة إلى بيت المقدس ، بل اختلفوا في أنّه امتطى فرساً أو ناقة ، ولهذا نرى الكاتب يغمض عينيه عن هذا المقطع.

وثانياً : حتّى ما ذكره حول ركوب الخليفة للبرذون غير مقبول ، وذلك لأنّ الخليفة لم يركب البرذون إلاّ للحظة واحدة فقط ، فهذا ابن كثير يقول : ثمّ سار عمر إلى بيت المقدس من الجابية وقد توحّى فرسه ، فأتوه ببرذون فركبه ، فجعل يهملج به ، فنزل عنه وضرب وجهه ، وقال : لا علم الله من علّمك هذا من الخيلاء(١) ، وأضاف الواقدي : « قال عمر : احسبوا ، احسبوا ، ما كنت أرى الناس يركبون الشيطان قبل هذا ، فأتى بجمله فركبه ».

وقال الطبري : « ثمّ دعا بفرسه بعد ما أجمه أيّاماً يوقحه فركبه ، ثمّ سار حتّى انتهى إلى بيت المقدس ولم يركب برذوناً قبله ولا بعده» (٢) .

فليت شعري هل يعقل أن يتنبأ النبيّ زكرياعليه‌السلام بملك أورشليم العظيم ، والمنتظر بصفة كانت له للحظة واحدة ، وهي ركوبه للبرذون؟!

٥ ـ وأمّا ردّه على القسّ المسيحي ، فذلك أيضاً فيه نظر ، وذلك لأنّ النبيّ زكرياعليه‌السلام عندما ذكر نبؤته ، كان يعلم أنّ المسيحعليه‌السلام ليس ربّاً ولا

____________

١ ـ البداية والنهاية ٧ / ٦٧.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ١٠٦.

٣٧٩

إلهاً ، بل هذا من تحريفات النصارى ، الذين ألبسوا المسيحعليه‌السلام ثوب الألوهية زوراً وبهتاناً.

٦ ـ وأمّا ترتيبه للحروف بهذا الشكلّ ، فليس عليه دليل إلاّ الحمية والعصبية ، فيا ترى لو تأمّل أيضاً قليلاً ، ورتّب الحروف من الحرف الرابع ، لكانت النتيجة : ب ول = مادّة نجسة!! فهل هذا يحسب تنبّؤاً؟!

وذكره عن سِفر حبقوق ، فالأمر اغرب ، فقد تكلّف الكاتب السنّي كثيراً ، واكتفى بنقل مقتطفات من النصّ ، وليته لم يفعل ، وهنا سنبيّن النصّ كاملاً ، ولنرى هل ينطبق على الخليفة الثاني أم لا؟!

وإليك هذا النصّ : الله جاء من تيمان ، والقدّوس من جبل فاران ، سلاه ، جلاله غطّى السماوات ، والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور ، له من يده شعاع ، وهناك استتار قدرته ، قدامه ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى

فالضمير في « قدامه » يعود إلى القدّوس الآتي من جبل فاران ، ولا أدري كيف لم يلتفت إلى هذه المسألة البديهية الكاتب السنّي ، فهو يصف القدّوس بأنّ « جلاله غطّى السماوات و... » ، فهل تنطبق هذه الصفات على الخليفة الثاني؟! يا حبّذا لو يبيّن الكاتب السنّي ذلك لنستضيء بعلمه.

وختاماً نقول : إنّ الذي يُؤذي ويُغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يستحقّ أن يكون خليفة للمسلمين ، والخليفة الأوّل والثاني قد أغضبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك كما نُقل عن صحيح البخاري : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن فاطمةعليها‌السلام : «فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها »(١) ، وأيضاً هجرها لأبي بكر ، وأنّها لم تكلّمه حتّى توفّيت(٢) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٥٨.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ٨٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585