موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 266445 / تحميل: 7526
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

قالرحمه‌الله : وفي انعقاد قضاء الاعمى تردد ، أظهره أنه لا ينعقد ، لافتقاره الى التمييز بين الخصوم ، وتعذر ذلك مع العمى الا فيما يقل.

أقول : منشؤه : النظر الى قضاء الاصل بالجواز.

والالتفات الى ما ذكره المصنف من الاستدلال ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) ، محتجا بعين هذا الدليل.

وأما اشتراط الحرية ، ففيه تردد من حيث العمل بالاصل ، ويؤيده قول الصادقعليه‌السلام : من روى أحاديثنا وعرف أحكامنا فاجعلوه قاضيا(٢) . ولفظة « من » تتناول الحر والعبد ، وهو الاقوى عند المصنف. ومن حيث أن القضاء منصب جليل ومرتبة عالية ، والعبد ليس أهلا لهما ، وهو خيرته في المبسوط(٣) ، ونمنع المقدمة الثانية.

قالرحمه‌الله : اذا وجد اثنان متفاوتان(٤) في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما ، فان قلد الافضل جاز ، وهل يجوز العدول الى المفضول؟ فيه تردد ، والوجه الجواز ، لان خطأه ينجبر بنظر الامام.

أقول : منشؤه : النظر الى أن تقليد المفضول قبيح عقلا ، فلا يجوز اعتماده. أما المقدمة الاولى ، فلما فيه من تقديم المفضول على الفاضل. وأما الثانية ، فلقولهعليه‌السلام « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن »(٥) .

والالتفات الى أن القضاء نيابة ، فيتبع اختيار المنوب عنه ، ولان خلل المفضول

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٠١.

(٢) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٠٢.

(٣) المبسوط ٨ / ١٠١.

(٤) فى النسختين : متساويان.

(٥) عوالى اللئالى ١ / ٣٨١.

١٤١

ينجبر بنظر الامامعليه‌السلام .

قالرحمه‌الله : المقصد الثاني في مسائل متعلقة بالدعوى ، وهي خمس : الاولى ـ قال الشيخ : لا يسمع الدعوى اذا كانت مجهولة ، مثل أن يدعي ثوبا أو فرسا ، ويقبل الاقرار بالمجهول ويلزم تفسيره ، وفي الاول اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الدعوى لها جواب ، فربما كان بنعم فلا يمكن الحاكم أن يقتضي به عليه ، لانه مجهول ، وليس كذلك الاقرار بالمجهول.

أما أولا ، فلان الدعوى حق المدعي ، والاقرار حق على المقر ، وما كان عليه فهو أغلظ مما كان حقا له ، فلهذا سمعنا المجهول في الثاني ولم يسمع الا المعلوم في الاول ،

وأما ثانيا ، فلانا لو لم نقبل الاقرار المجهول لامكن أن يرجع عن اقراره فلهذا سمعنا مجهوله كما يسمع معلومه ، وليس كذلك الدعوى ، لانا اذا لم نسمعها أمكن أن يدعى دعوى معلومة ، ولان هناك داع بدعوة الى دعواه فافترقا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) ، محتجا بعين هذا الدليل وأتبعه المتأخر محتجا به أيضا ، وهو قوي.

والالتفات الى أن الدعوى المجهولة دعوى جازمة ، فلا يسقط ، ولان الدعوى المجهولة يصدق على صاحبها أنه مدع وعلى المنسوبة إليه أنه مدعى عليه ، فيكون مسموعة ، عملا بقولهعليه‌السلام « البينة على المدعي واليمين على من أنكر »(٢) .

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٥٦.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٤٤ و ٤٥٣ و ٢ / ٢٥٨ و ٣٤٥.

أقول : هنا بياض بقدر ثلاث صفحات فى نسخة « م » وبقدر صفحتين فى نسخة « س » وقال فى هامش نسخة « س » : هكذا وجد بياضا من قوله « من أنكر » الى قوله « اد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك » فى نسخة بخط الشيخ أحمد بن فهد رحمه‌الله .

١٤٢

أد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، ثم أجاز أخذ الوديعة يحق له بعد ترك الخبر ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف(١) ، محتجا بعين هذا الدليل.

والالتفات الى عموم الاخبار الدالة على جواز الاقتصاص من غير فرق بين الوديعة وغيرها ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) ، واختاره المتأخر.

قالرحمه‌الله في المقصد الاول ، في الاختلاف في دعوى الاملاك ـ الى قوله : وفي الثاني يقضي بها للخارج دون المتشبث ، ان شهدتا لهما بالملك المطلق ، وفيه قول آخر ذكره في الخلاف بعيد.

أقول : أشار بذلك الى ما ذكره الشيخ في الخلاف من أن البينة بينة المتشبث فيقضى له بها دون الخارج ، واستدلاله بخبر جابر أن رجلين اختصما الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في دابة أو بعير ، فأقام كل واحد منهما البينة أنها له نتجها فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للذي هي في يده.

وفي معناه خبر غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن عليعليه‌السلام ، الا أنه زادعليه‌السلام بأن قال : لو لم تكن في يده جعلها بينهما نصفين(٣) .

غير مفيد لمدعاه ، فان الخبر يرد الآن على أن البينة بينة ذي اليد اذا شهدتا لهما بالسبب لا مطلقا فاعرفه ، على أن الشيخرحمه‌الله قال في هذه المسألة أيضا بعد أن نقل عن أبي حنيفة وأصحابه : ان التداعي ان كان ملكا مطلقا لا يتكرر سببه سمعنا بينة الداخل ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، وقد ذكرناه في النهاية والمبسوط وفي كتابي الاخبار(٤) . وظاهر هذا الرجوع عما صدره في أول المسألة.

قالرحمه‌الله : الخامسة ـ لو ادعى دارا في يد انسان وأقام بينة أنها كانت

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٤٦.

(٢) المبسوط ٨ / ٣١١.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٣٦ ، مسألة ٢ من كتاب الدعاوى.

(٤) الخلاف ٢ / ٦٣٥.

١٤٣

في يده أمس أو منذ شهر ، قيل : لا يسمع هذه البينة. وكذا لو شهدت له بالملك أمس ، لان ظاهر اليد الآن الملك ، فلا يدفع ، بالمحتمل ، وفيه اشكال ولعل الاقرب القبول.

أقول : القائل هو الشيخرحمه‌الله في الخلاف ، محتجا بأن المدعي يدعي الملك في الحال والبينة يشهد له بالامس فقد شهدت له بغير ما يدعيه فلم يقبل. ثم قال : فان قالوا : انها شهدت له بالملك أمس ، والملك مستدام الى أن يعلم زواله قلنا : لا نسلم أن الملك يثبت بها حتى يكون مستداما ، على أن زوال الاول موجود فلا يزال الثابت بأمر محتمل(١) . وهو أحد قولي الشافعي.

واعلم أن هذا البحث يبنى على مسألة يجب تحقيقها وبها يتضح وجه الاشكال وهي أن الشهادة بقديم الملك هل هي أولى من الشهادة لحديثه أم لا؟.

فنقول : اختلف قول(٢) الشيخرحمه‌الله في هذه المسألة ، فذهب في الخلاف(٣) الى أن الملك المتنازع فيه ان كان في يد من شهدت له البينة بقديم الملك قضي له به ، لان معه حجتين : بينة قديمة ويد. وان كان في يد من شهدت بحديث الملك فصاحب اليد أولى ، وهو مذهب أبي حنيفة.

وذهب في المبسوط الى أن الشهادة بقديم الملك أولى مطلقا ، سواء حصل معها يد أو لم يحصل ، قال : وهو الذي يدل عليه أخبارنا ، لان البينة أقوى من اليد ، وكذلك ما رجح بالبينة أقوى مما رجح باليد ، ولان صاحب اليد مدعى عليه والمدعي من له البينة بقديم الملك ، فكان أولى للخبر(٤) .

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٣٩.

(٢) فى « م » : قولا.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٤١.

(٤) المبسوط ٨ / ٢٨٠.

١٤٤

وما ذكره في المبسوط أقوى ، فعلى هذا يسمع البينة في المسألة التي ذكرها المصنف ، لان البينة يشهد له بقديم الملك وبينة الاخرى بحديثه.

قالرحمه‌الله في المقصد الثاني ، في الاختلاف في العقود : اذا اتفقا على استئجار دار معينة شهرا معينا واختلفا في الاجرة ، وأقام كل واحد منهما بينة بما قدره ، فان تقدم تاريخ أحدهما عمل به ، لان الثاني يكون باطلا. وان كان التاريخ واحدا ، تحقق التعارض ، اذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين وحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، هذا اختيار شيخنا في المبسوط.

وقال آخر : يقضى بينة المؤخر ، لان القول قول المستأجر لو لم يكن بينة اذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر ، فيكون القول قوله. ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت البينة في طرف المدعي ، وحينئذ نقول : هو مدع زيادة وقد أقام البينة بها ، فيجب أن يثبت ، وفي القولين تردد.

أقول : القول الاول للشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) ، كما ذكره المصنف. والقول الثاني لبعض الجمهور ، وحكاه الشيخ في المبسوط.

وتردد المصنف في القولين معا ، ومنشأ تردده : النظر الى أن قول الشيخ ضعيف ، فلا يعتمد عليه. أما أولا ، فلان الشيخ حكم بالقرعة مع تحقق التعارض ولم يعتبر أسباب الترجيح من أرجحية العدالة وأكثرية العدد. وأما ثانيا ، فلان القرعة وردت على خلاف مقتضى الاصل ، فيقتصر بها على موردها.

والقول الثاني الذي حكاه الشيخرحمه‌الله عن بعض الجمهور ضعيف أيضا. أما أولا ، فلان كل واحد منها مدع ، فتخصيص أحدهما بسماع بينته دون الاخر ترجيح من غير مرجح ، وهو باطل. وأما ثانيا ، فلان القضاء ببينة الموجر انما

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٢٨١.

١٤٥

يسوغ اذا لم يتحقق التعارض بين الشيئين ، لكن التعارض هنا متحقق ، فيبطل القول بتقديم بينة المؤخر.

أما تحقق التعارض ، فلانه اذا كان التاريخ واحدا ، استحال وقوع عقدين متغايرين. وان كان العقد الذي ادعاه الموجر أقدم من تاريخ العقد الذي ادعاه المستأجر ، كان الاول صحيحا والثاني باطلا ، اذ الاجارة عقد لازم ، فمع تحققه يمتنع فسخه. وان كان تاريخ عقد المستأجر هو الاقدم كان صحيحا ، وكان عقد الموجر باطلا ، ولا اشكال في القسمين الآخرين ، اذ لا نزاع فيهما ولا تعارض. وانما النزاع في القسم الاول ، وقد بينا تحقق التعارض فيه.

وأما أن القضاء ببينة الموجر مشروط بعدم تحقق التعارض بين البينتين فلوجهين : الاول اتفاق الفقهاء على أن مع التعارض يجب الترجيح ، ومع انتفائه يحكم بالقرعة وأن الحكم بتقديم بينة الموجر مستلزم للمحال فيكون محالا. أما المقدمة الاولى فلاستلزامه الترجيح من غير مرجح ، ولا شك في استحالته. وأما المقدمة الثانية فظاهرة.

واذ قد بان ضعف هذين القولين وجب اطراحهما والرجوع الى غيرهما ، ومما ذاك(١) الاجود أنه الحكم بالقرعة مع انتفاء أسباب الترجيح ، وبعض القائلين بالتعارض حكم بالتهاتر مع تساوي البينتين ، وحينئذ الاليق به القول بالتحالف فيبطل عقد الاجارة وتجب أجرة المثل مع انقضاء المدة أو بعضها.

ومنهم من قال يوقف ، ومنهم من قال يقسم ، والوقف غير ممكن ، اذ فيه تفويت المنافع ، والقسمة غير ممكنة أما أولا ، فلان القعد لا ينقسم. وأما ثانيا ، فلان الزيادة يدعيها أحدهما وينفيها الاخر ولا يثبتها لنفسه ، فلم يبق الا القرعة ، وهو مذهب الغزالي. وانما طولنا الكلام فيهما لانها مهمة.

__________________

(١) كذا في النسختين مع علامة الاستفهام فيهما.

١٤٦

قالرحمه‌الله : ولو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن ـ الى قوله : ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ، ويرجع كل منهما بنصف الثمن وهل لهما أن يفسخا؟ الاقرب نعم ، لتبعض المبيع قبل قبضه. ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم وفي لزوم ذلك تردد ، أقربه اللزوم.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المقتضي اللزوم موجود ، والمعارض لا يصلح للمعارضة ، فيجب القول باللزوم. أما المقتضي ، فهو وجود عقد البيع الصادر عن أهله ، ولا شك في الحكم بثبوته هنا.

وأما انتفاء المعارض ، فلان المعارض المذكور ليس الا تبعض الصفقة المقتضي للفسخ لدفع ضرر الشركة ، وهو منتف هنا ، اذ التقدير أن أحدهما قد فسخ ، فانتفى التبعيض فينتفي معلوله ، وهو خيار الفسخ ، ولعله الاقوى.

واعلم أن الشيخرحمه‌الله فصل تفصيلا ، وهو أن الفسخ ان وقع من أحدهما قبل أن يختار الاخر امساك النصف ، توفر الكل عليه ، اذ لا مزاحم حينئذ. وان وقع بعد الاختيار لم يكن له أخذ النصف الاخر ، لان الحاكم قد قضى له بالنصف الذي أمسكه دون الاخر ، فعوده يحتاج الى دليل.

والالتفات الى أن الخيار ثبت له أولا قبل فسخ المشتري الاخر فكذا بعده ، عملا بالاستصحاب ، ولانه لو توقف ثبوت الفسخ لاحدهما على ثبوته للآخر ، فان انعكس دار ، والا لزم الترجيح من غير مرجح ، وهو ظاهر كلام الشيخ وصاحب الوجيز.

وهذان الدليلان ضعيفان ، أما الاول فلان خيار ثبت لمعنى ، وقد انتفى فينتفي بانتفائه ، عملا بالعلية. وأما الثاني فلجواز التلازم كالمضافين والعلة والمعلول المتساوي.

قالرحمه‌الله في كتاب الشهادات : الثانية ـ لا تقبل شهادة القاذف ، ولو تاب

١٤٧

قبلت. وحد التوبة أن يكذب نفسه وان كان صادقا ويوري باطنا ، وقيل : يكذبها ان كان كاذبا ، ويخطئها في الملأ ان كان صادقا ، والاول مروي.

وفي اشتراط اصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد ، والاقرب الاكتفاء بالاستمرار لان بقاءه على التوبة اصلاح ولو ساعة.

أقول : لا خلاف في وجوب القبول مع التوبة ، وانما نشأ الخلاف في حدها فذهب الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) والخلاف(٢) الى الاول ، وبه روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو اختيار الاصطخري ، وذهب المتأخر الى الثاني.

وقواه الشيخرحمه‌الله في الكتابين أخيرا ، قال : لانه اذا أكذب نفسه ربما كان صادقا في الاول فيما بينه وبين الله تعالى ، فيكون هذا الا كذاب كذبا ، وذلك قبيح ، وهذا مذهب أبي اسحاق المروزي.

واعلم أن المتأخر أورد مع ضد القول في كتابه ، فتوهم صاحب كشف الرموز أنه قال من عنده. وأما اصلاح العمل ، وهو أن يعمل طاعة بعد التوبة ، ففي اعتباره خلاف ، فذهب الشيخرحمه‌الله في المبسوط والخلاف الى اعتباره ، نظرا الى قوله تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا »(٣) فاعتبر تعالى التوبة وصلاح العمل.

وذهب الشافعي في أحد قوليه الى أنه غير معتبر ، التفاتا الى أن البقاء على التوبة ولو ساعة طاعة واصلاح ، فلا يعتبر في غير ذلك ، لاصالة البراءة ، والمصنف تردد فيه ، ومنشأ تردده من النظر الى الوجهين.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٧٦.

(٢) الخلاف ٢ / ٦١٠ ـ ٦١١.

(٣) سورة البقرة : ١٦٠.

١٤٨

تذنيب :

القائلون باشتراط الاصلاح اختلفوا ، فذهب الشافعي في أحد قوليه الى أنه معتبر سنة ، واختاره الشيخ في المبسوط(١) ، وذهب في الخلاف(٢) الى أن ذلك غير معتبر ، بل الطاعة الواحدة كافية في قبول الشهادة ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

قالرحمه‌الله : لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم ، ترد به الشهادة ، وفي المتكأ عليه والافتراش له تردد ، والجواز مروي.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم النهي عن استعمال الحرير ، ولان العلة المقتضية لتحريم لبسه موجودة في التكأة عليه والافتراش له ، فيثبت التحريم عملا بالمقتضي.

والالتفات الى أصالة الجواز ، ترك العمل بها في تحريم الملبوس ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداه ، ولان الجواز مروي عن أهل البيتعليهم‌السلام .

قالرحمه‌الله : قيل : لا تقبل شهادة المملوك أصلا ـ الى قوله : أما المكاتب المطلق اذا أدى من مكاتبته شيئا ، قال في النهاية : تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه ، وفيه تردد ، أقربه المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المكاتب المطلق عبد ، فلا تقبل شهادته على مولاه ، عملا بظاهر الاخبار الدالة على المنع من ذلك ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

والالتفات الى أن الحرية التي فيه تقتضي ثبوت المزية له على غيره من العبيد وليس الا قبول شهادته على مولاه بقدر ما تحرر منه ، وهو اختيار الشيخ في النهاية(٣) ، وهذا الدليل اقناعي.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٧٧.

(٢) الخلاف ٢ / ٦١١.

(٣) النهاية ص ٣٣١.

١٤٩

قالرحمه‌الله : التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة ، فيمنع القبول. أما في حقوق الله ، أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع ، اذ لا مدعي لها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الصورتين ، فيمنع القبول عملا بالعلية ، وهو خيرة الشيخ في النهاية(١) ، حكاه عنه صاحب كشف الرموز.

والالتفات الى أن حقوق الله تعالى لا مدعي لها ، فيجوز التبرع بالشهادة فيها قبل السؤال ، لانتفاء التهمة هنا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) ، على ما حكاه كشف الرموز ، وهو حسن حذرا من سقوط حدود الله الا نادرا.

قالرحمه‌الله في الطرف الثاني فيما يصير به الشاهد شاهدا : وما يكفي فيه السماع ، فالنسب والموت والملك المطلق ، لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الاغلب ويتحقق كل واحد من هذه بتوالي الاخبار من جماعة ، لا بضمهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتآخم العلم ، وفي هذا عندي تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم النهي عن اتباع الظن ، ولا شك ان الاستفاضة ظن ، فيكون منهيا عن اتباعها ، وهو يقتضي عدم الاجتزاء بها.

لا يقال : ينتقض ذلك ، فان طرق أكثر أحكام الشريعة ظنية.

لانا نقول : الواجب العمل بالعموم حتى يظهر دليل الخصوص ، ولم يوجد هنا دليل دال على وجوب اتباع هذا النوع من الظن بخلاف ما ذكرتموه.

والالتفات الى أنه قول أكثر علمائنا فيكون راجحا ، فيجب اتباعه. أما الاولى فلان الكثرة أمارة الرجحان. وأما الثانية ، فلقضاء العقل بوجوب اتباع الراجح

__________________

(١) النهاية ص ٣٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ١٨٦.

١٥٠

وبقولهعليه‌السلام « دع ما يريبك الى ما لا يريبك »(١) ولان الاقتصار على ما ذكره المصنف مشقة عظيمة وحرجا ظاهرا ، فيكون منفيا عملا بالآية والرواية ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) .

قالرحمه‌الله : أما شهادته على المقبوض فماضية قطعا.

أقول : أشار بذلك الى ما ذكره الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٣) من القطع بجواز شهادته ، وذلك في صورتين :

الاولى : اذا كانت يده في يد رجل وهو بصير ، فعمي ويده في يده وهو عارف باسمه ونسبه ، صح أن يحتمل الشهادة عليه وهو أعمى.

الثانية : شهادة المضبوط ، وهو أن يمسك برأس رجل ويقرب فاه الى أذنه فيقر بحق ، فلا يفارقه حتى يأتي به الحاكم ، فيقول : هذا أقر لفلان بكذا وكذا.

قالرحمه‌الله في الطرف الثالث في أقسام الحقوق : وأما حقوق الادمي فثلاثة الى قوله : وفي العتق والنكاح والقصاص تردد ، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين.

أقول : قد سبق ما يضاهي هذا البحث في الحكم بالشاهد واليمين مستوفى ، فلا وجه لاعادته.

قالرحمه‌الله في الطرف الرابع في الشهادة على الشهادة : وللتحمل مراتب الى قوله : ويليه أن يسمعه يقول : أنا أشهد لفلان بن فلان على فلان بن فلان بكذا ويذكر السبب ، مثل أن يقول : من ثمن ثوب أو عقار ، اذ هي صورة جزم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى قبول الشهادة على الشهادة على خلاف مقتضى

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٣٩٤ و ٣ / ٣٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ١٨٠.

(٣) المبسوط ٨ / ١٨٤.

١٥١

الاصالة ، ترك العمل بها في الصورتين : صورة الاسترعاء ، وصورة سماعه ، يشهد بذلك عند الحاكم ، للاجماع فيبقى معمولا بهما فيما عداهما.

والالتفات الى أن الاصل قاص بجوازه ، ولان العلة المقتضية لقبول الشهادة على الشهادة ـ وهي تعذر اثبات الحقوق لو لا شرع ذلك ـ موجودة هنا ، ولان حضور شاهد الاصل عند الحاكم لاداء الشهادة مما يقل غالبا ، فلو كان القبول مشروطا به لزم الحرج والمشقة المنفيين بالآية والرواية. وكذا لو كان مشروطا بالاسترعاء ، لانه مما يقل أيضا الا نادرا ، فمست الحاجة الى شرع مرتبة ثالثة للتحمل ، وليست الا هذه ، اذ هي صورة جزم بثبوت الحق للمشهود عليه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

واعلم أن المتأخر ذكر أن مراتب التحمل هي هذه الثلاث في كتابه كما ذكر الشيخ في المبسوط ، الا أنه قال بعد ذلك : وهذا جميعه أورده شيخنا في مبسوطه وأوردناه على ما أورده ، ولم يرد في أخبارنا من هذا شي‌ء. وهذا الكلام يدل على تردده فيه.

قالرحمه‌الله : أما لو لم يذكر سبب الحق ، بل اقتصر على قوله : أنا أشهد لفلان على فلان بكذا لم يصر متحملا ، لاعتياد التسامح بمثله ، وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب اشكال.

أقول : اعلم أن الشيخرحمه‌الله فرق في المبسوط(٢) بين هاتين المسألتين ، بأن قوله في هذه الصورة أشهد بذلك ينقسم الى الشهادة بالحق ، ويحمل العلم به على وجه لا يشهد به ، وهو أن يسمع الناس يقولون لفلان على فلان كذا وكذا واذا احتمل ذلك وقف التحمل بهذا الاحتمال ، وليست كذلك الصورة الاولى ، لانتفاء هذا الاحتمال بذكر السبب ، وعروة الحق إليه.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٢٣١.

(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٢.

١٥٢

والمنصف استشكل الفرق ، ومنشؤه تساويهما في الجزم بثبوت الحق ، بقبول أحدهما والغاء الاخرى تخصيص من غير مرجح ، وهو باطل.

قالرحمه‌الله : وتقبل شهادة النساء على الشهادة فيما تقبل فيه منفردات ، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية ، وفيه تردد ، أشبهه المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولان قبول شهادتهن في هذه الاشياء أصلا يستلزم أولوية قبولها فرعا ، اذ هي أضعف ، لاستنادها الى شهادة الاصل ، وهو مذهب أبي حنيفة ، الا أنه قبل شهادتهن على الشهادة فيما لهن فيه مدخل أيضا ، وان لم تثبت بهن منفردات ، كالاموال والديون.

ونحن قصرنا الجواز على ما تقبل فيه شهادتهن منفردات ، عملا بالمتفق عليه والشيخ قصر الجواز في الخلاف(١) على شهادتهن على الشهادة في الاملاك والديون والعقود ، محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم.

والالتفات الى أن تجويز ذلك حكم شرعي ، فيقف على الدلالة الشرعية وحيث لا دلالة فلا حكم ، وهو اختيار المتأخر.

وقال الشيخرحمه‌الله في المبسوط : الاول قوي لكن الثاني أحوط(٢) .

واعلم أن في كلام الشيخ في هذه المسألة في النافع اجمالا ومقصوده ما ذكرناه.

قالرحمه‌الله في القسم الثاني في الطوارئ : لو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم بهما ـ الى قوله : وفي الحكم بحد القذف والقصاص تردد ، أشبهه الحكم لتعلق حق الا دمي به.

أقول : منشؤه النظر الى أن حدوث الفسق قبل الحكم شبهة ، فيسقط القذف

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٣.

١٥٣

والقصاص بهما ، عملا بظاهر قولهعليه‌السلام « ادرءوا الحدود بالشبهات »(١) وهو قوى وحكاه الشيخ عن بعض الفقهاء ، قالوا : لانه كحد الربا.

والالتفات الى أن فيها حقا لآدميّ فيحكم بهما ، وإلا لزم الاضرار به ، وتضييع حقه بعد ثبوته شرعا ، ولانهما كالمال ، وهو اختيار الشيخ محتجا بالدليل الاخر.

قالرحمه‌الله : لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم ـ الى قوله : ولو رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فان كان حدا لله نقض الحكم ، لتحقق الشبهة الموجبة للسقوط. وكذا لو كان الادمي كحد القذف ، أو مشتركا كحد السرقة ، وفي نقض الحكم لما عدا ذلك تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المحكوم به مقطوع بصحته شرعا ، ورجوعهما يحتمل الصدق والكذب ، فلو نقض به ما قد قطع عليه ترك العمل بهذا الدليل في بعض الصور لوجود دليل أقوى ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، وهو ظاهر كلام الشيخ في كتابي الفروع وأتبعهما المتأخر.

والالتفات الى ان الرواية المتضمنة رد الزوجة المشهود بطلاقها على زوجها الاول مع رجوع الشهود عن ذلك يستلزم نقض الحكم في غير الصور الثلاث مع الرجوع قبل الاستيفاء ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٢) (٣) .

[ قالرحمه‌الله : اذا قتل المرتد مسلما عمدا ، فللولي قتله قودا ويسقط قتل الردة. ولو عفا الولي قتل بالردة. ولو قتل ](٤) خطا كانت الدية في ماله مخففة

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٦ و ٢ / ٣٤٩ و ٣ / ٥٤٥.

(٢) النهاية ص ٣٣٦.

(٣) أقول : هنا بياض فى النسختين ، وقال فى هامش « س » : هكذا وجد هذا البياض الّذي هو من « النهاية » الى « الخطأ » فى نسخة بخط الشيخ أحمد بن فهدرحمه‌الله .

(٤) ما بين المعقوفتين أثبته من الشرائع المطبوع.

١٥٤

مؤجلة ، لانه لا عاقلة له على تردد. ولو قتل أو مات حلت ، كما تحل الاموال المؤجلة

أقول : منشؤه : النظر الى أن المرتد كافر ، فلا تحمل العاقلة عنه شيئا من الدية كغيره.

والالتفات الى أنه متحرم يحرمه الاسلام ، فيعقل عنه ورثته المسلمون لان ميراثه لهم ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

قالرحمه‌الله تعالى : اذا مات المرتد ، فقتله من يعتقد بقاءه على الردة ، قال الشيخ : يثبت القود ، لتحقق قتل المسلم ظلما ، ولان الظاهر أنه لا يطلق الارتداد الا بعد توبته ، وفي القصاص تردد ، لعدم القصد الى قتل المسلم.

أقول : منشؤه : النظر الى ظاهر الآيات الدالة على ثبوت القود مع حصول القتل العمد العدوان ، ولان الظاهر من حال المرتد اذا أطلق أنه أطلق بعد توبة واسلام وهو خيرة الشيخ في المبسوط(٢) ، محتجا بهذين الدليلين.

والالتفات الى أن اعتقاد البقاء على الردة شبهة مبيحة للقتل ، فيسقط القصاص معها ، عملا بظاهر قولهعليه‌السلام « ادرءوا الحدود بالشبهات »(٣) .

ولا شك أن القصاص حد. أما أولا فللاستعمال. وأما ثانيا فلان الحد هو المنع وهذا المعنى متحقق في القصاص ، فيدخل تحته عملا(٤) بالاشتقاق ، ولانه لم يقصد قتل المسلم ، وهو خيرة المصنفرحمه‌الله ومذهب بعض الفقهاء.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٢) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٦ و ٢ / ٣٤٩ و ٣ / ٥٤٥.

(٤) فى « م » : عموما.

١٥٥

فرع :

قال الشيخ في المبسوط : وكذا البحث لو قتل من يعتقد بقاءه على العبودية فبان حرا أو رأى ذميا فقتله يعتقد أنه على الكفر ، فبان مسلما(١) .

فرع آخر :

ان قلنا بثبوت القود ، فالولي بالخياران شاء قتل وان شاء أخذ الدية. وان قلنا بالعدم ، فالدية عليه مغلطة حالة في ماله ، لانه قتل عمدا ، وانما أسقطنا القود للشبهة.

قالرحمه‌الله في الباب الثالث في الدفاع : من به سلعة اذا أمر بقطعها فمات فلا دية له على القاطع ، ولو كان مولى عليه ، فالدية على القاطع ان كان وليا ، كالاب والجد للاب. وان كان أجنبيا ، ففي القود تردد ، والاشبه الدية في ماله لا القود لانه لم يقصد القتل.

أقول : منشؤه : النظر الى أن قطع السلعة(٢) مما يقتل غالبا ، فيكون القصد الى قطعها قصدا الى القتل وان لم يقصده ، فيجب به القود. وانما أسقطناه عن الأب والجد له ، لانهما لا يقادان به.

والالتفات الى أن القاطع لم يقصد الفعل ، فلا يقاد به ، بل يجب عليه دية العمد ، عملا بأصالة براءة الذمة وحقن الدماء ، الا مع وجود الاسباب المبيحة لها.

قالرحمه‌الله في كتاب القصاص : أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا ثم أرسله فمات ، ففي القصاص تردد ، والاشبه القصاص ان قصد القتل ، والدية ان لم يقصد أو اشتبه القصد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن شرط جواز القصاص يحقق القتل العمد ،

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٢) السلعة : عقدة تكون فى الرأس أو البدن.

١٥٦

وهو غير موجود هنا ، للشك في كون العمل حاصلا بهذا النوع من القتل.

والالتفات الى أنه فعل فعلا حصل به الموت ، فيثبت به القصاص. أما الصغرى ففرضية. وأما الكبرى ، فللرواية الدالة على ذلك ، وهي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو آجرة أو بعود فمات كان عمدا(١) . ولما كان هذا القول ضعيفا لا جرم كان القول الاول أجود.

وأعلم أن هذا البحث انما يتمشى مع جهل قصد الفاعل ، أو العلم بأنه لم يقصد القتل. أما لو علم منه قصد القتل بهذا الفعل ، فالاصح ثبوت القصاص ، وان كان ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) يأباه.

قالرحمه‌الله : ولو جعل السم في طعام صاحب المنزل ، فوجده صاحبه فأكله فمات ، قال في الخلاف والمبسوط : عليه القود ، وفيه اشكال.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في الخلاف(٣) ، وأفتى فيها بتحتم القود على الجاعل ، وقواه في المبسوط(٤) لا غير ، محتجا بأنه كالقاتل وبأنه عرضه لاكل الطعام وألجأه إليه بالإباحة لاكله ولم يعلمه ، ألا ترى لو علم أن فيه السم لم يختر شربه ولا أكله.

وهذان الدليلان ذكرهمارحمه‌الله في مسألة من جعل السم في طعام نفسه وقدمه الى الغير ولم يعلم أنه مسموم ، ثم قال في مسألتنا : هذه دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء.

والمصنفرحمه‌الله استشكل القول بايجاب القود ، ومنشؤه : النظر الى أن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ١٥٦ ، ح ٥.

(٢) المبسوط ٧ / ١٧.

(٣) الخلاف ٢ / ٣٥٣ مسألة ٣١ من كتاب الجنايات

(٤) المبسوط ٧ / ٤٥.

١٥٧

الا كل مستقل باتلاف نفسه بمباشرة الا كل العاري عن اذن الجاعل ، فيسقط القود عن الجاعل ، لانه كالسبب. ولا خلاف في سقوط الضمان عن ذي السبب مع مجامعته المباشر ، وهو أحد قولي الشافعي.

والالتفات الى الدليل الذي ذكره الشيخرحمه‌الله . وفيه نظر ، لاقتران السبب في المسألة الاولى بالالجاء ، وتجرده عنه في الثانية.

فرع :

ظاهر كلام الشيخ المصنفرحمه‌الله يقتضي سقوط الدية أيضا ، وهو مذهب الشافعي ، ومنهم من أوجب الدية ، وهو قول الشافعي أيضا ، وايجاب القود عندي الاقوى.

قالرحمه‌الله : الثاني ـ لو قال : اقتل نفسك ، فان كان مميزا فلا شي‌ء على الملزم ، وإلا فعلى الملزم القود ، وفي تحقق اكراه العاقل هنا اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن حقيقة الاكراه الاجبار على الشي‌ء والالجاء إليه ولا شك في تحقق هذا المعنى في العاقل مع الزامه قتل نفسه.

والالتفات الى أن الاكراه على الفعل انما يتحقق اذا كان الاتيان بالفعل المكره عليه مسقطا للضرر الحاصل من جهة المكره ، بتقدير عدم ايقاع الفعل المكره عليه ، ولا شك في انتفاء هذا هنا ، لان قتل هذا المكره لا بدّ منه ، أما في صورة قتل نفسه فظاهر ، وأما في صورة عدم قتله نفسه ، فلان التقدير أن المكره يقتله ثم ان لم يقتل نفسه ، فالقتل حاصل على التقديرين ، فلا اكراه حينئذ ، وفائدة هذا البحث قليلة جدا.

قالرحمه‌الله : لو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه ، فهلك قتلا به ، لان سراية الاول لم تنقطع بالثاني ، لشياع ألمه قبل الثانية. وليس كذا لو قطع يده

١٥٨

وقتله الاخر ، لان السراية انقطعت بالتعجيل ، وفي الاول اشكال.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن الثاني قطع سراية الاول ، بدلالة أنه لا يتجدد معه الالم بعد قطع الثاني ، فيكون الاول قاطعا والثاني قاتلا ، فيقطع الاول ولا يقتل ويقتل الثاني ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ولعله قوي.

والالتفات الى أن الهلاك حصل وألم القطعين باق ، فليس استناد القتل الى أحدهما أولى من الاخر ، فاما أن لا يستند الى واحد منهما ، أو الى واحد معين أو غير معين أو إليهما ، والاقسام الثلاثة باطلة ، فتعين الرابع.

أما بطلان الاول فبالاجماع ، لاستلزامه اهدار دم المرء المسلم.

وأما الثاني ، فلانه ترجيح من غير مرجح ، وهو محال.

وأما الثالث ، فهو باطل ، وبتقدير صحته فالمقصود حاصل. أما أنه باطل ، فلان ما ليس بمعين معدوم ، والمعدوم يستحيل أن يكون مؤثرا. وأما حصول المقصود على تقدير صحته ، فلاستلزامها وجوب القود على القاتل والقاطع معا ، وهر المطلوب ، فتعين الرابع وهو مذهب الشيخ في الخلاف(١) ، محتجا بعين هذا الدليل ، وبه قال الشافعي.

قالرحمه‌الله : الرابعة ـ اذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا ، قال في النهاية : للاولياء أن يقتلوهما ويؤدوا الى سيد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم ، أو يقتلوا العبد ، وليس لمولاه على الحر سبيل ، والاشبه أن مع قتلهما يؤدون الى الحر نصف ديته ، ولا يرد على مولى العبد شي‌ء ما لم تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر ، فيرد عليه الزائد.

وان قتلوا العبد وكانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول ، أدى الى مولاه

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٣٦١.

١٥٩

الزائد ، فان استوعب الدية والا كان تمام الدية لاولياء الاول ، وفي هذه اختلاف للاصحاب ، وما ذكرناه أنسب بالمذهب.

أقول : في هذه المسألة أقوال :

الاول : ما حكاه المصنف عن الشيخ في النهاية(١) ، والاعتراض عليه من وجوه :

الاول ـ قوله « وان قتلوهما ردوا على سيد العبد ثمنه » والصواب أنهم يردون على الحر نصف ديته وعلى سيد العبد ما زاد من قيمته على جنايته. ولو كانت مساوية للجناية أو ناقصة عنها ، فلا ردّ.

الثاني : قوله « أو يقتلوا العبد خاصة وليس لسيد العبد على الحر سبيل » وهو على الاطلاق غير مستقيم ، بل هو حق ان كانت قيمته تساوي خمسمائة دينار أو ينقص عنها. أما لو كانت قيمته تزيد عن جنايته رد الحر على مولاه ما فضل عن جنايته ، فان بقي شي‌ء كان لاولياء المقتول أولا.

الثالث : قوله « أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم » والصواب أن يقدر استرقاقه بأن يكون قيمته مساوية لجنايته ، أو ناقصة عنها. أما لو كانت قيمته زائدة عن قدر جنايته ـ وهي خمسمائة دينار ـ استرق منه بقدر الجناية وكان الباقي للمولى. وأما ايجاب أداء خمسة آلاف ، فيتأتى على القول بفكه بأرش الجناية ، لا على القول الاخر.

الثاني : قال أبو الصلاح الحلبي : اذا قتل الحر والعبد حرا ، فاختار وليه الدية ، فعلى الحر النصف ، وعلى سيد العبد النصف الاخر. وان اختاروا قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر. وان اختاروا قتل الحر ، فعلى سيد العبد نصف

__________________

(١) النهاية ص ٧٤٥.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

والمعروف والمشهور أنّ فاطمةعليها‌السلام خرجت من الدنيا وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ، وأمرت أمير المؤمنينعليه‌السلام أن لا يسمح لأبي بكر وعمر حضور تشييع جنازتها ، ولهذا فقد دفنت ليلاً.

( العجمي ـ عمان ـ )

شكّه في يوم الحديبية :

س : ما مدى صحّة قول الخليفة الثاني عمر في يوم الحديبية : ما شككت بنبوّة محمّد مثل شكّي يوم الحديبية؟ وأرجو ذكر المصادر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ عمر بن الخطّاب وقع في الشكّ والريب بنبوّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الحديبية وغيره ، والمصادر التاريخية خير شاهد على ذلك.

فقد قال السيوطي : « وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم فذكر قضية شكّ عمر يوم الحديبية ، إلى أن وصل إلى قول عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ »(١) .

وأورد الصالحي الشامي هذه القضية في سيرته ، ناقلاً عن ابن إسحاق ، وأبي عبيد ، وعبد الرزاق ، وأحمد بن حنبل ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، ومحمّد بن عمر عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، فذكر هذه القضيّة ، إلى أن حكى قول عمر قائلاً : وقال كما في الصحيح : والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ(٢) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٦ / ٧٧.

٢ ـ سبل الهدى والرشاد ٥ / ٥٣.

٣٨١

وعن أبي يعلى عن عمر أنّه قال : اتهموا الرأي على الدين ، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برأي ، وما ألوت عن الحقّ ، وفيه قال : فرضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبيت ، حتّى قال لي : يا عمر ، تراني قد رضيت وتأبى(١) .

فإنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوَ في شكّ أنت يا بن الخطّاب » للإنكار التوبيخي ـ كما قال القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري(٢) .

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالماً بما يخطر في نفس الخليفة ، وما يجول في باله ، وعارفاً بمفاد مقاله ، لا أنّه استعلم عمّا خفي عليه من حاله ، والخليفة لم ينكر ذلك ، بل طلب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر له من وباله.

( بدر الدين ـ المغرب ـ )

تركه لشرب الخمر :

س : ورد في بعض الكتب : أنّ عمر بن الخطّاب بقي يشرب الخمر حتّى نزل قول الله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (٣) ، فقال عمر : انتهينا انتهينا(٤) .

السؤال : هل لديكم تقدير لوقت نزول هذه الآية؟ وبالتالي متى توقّف عمر عن شرب الخمر؟ فوقت نزولها إذن أراه مهمّاً في هذه القضية!

ج : لا يمكن تحديد تواريخ نزول الآيات بالضبط ، فذلك عسير جدّاً بعد أن أغفل من قبل محقّقي الفريقين ، ولعلّ دليل عدم اهتمامهم في متابعة تاريخ نزول

____________

١ ـ المعجم الكبير ١ / ٧٢ و ٦ / ٨٨ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٤٥ ، فتح الباري ٥ / ٢٥٤ و ١٣ / ٢٤٥ ، كنز العمّال ١ / ٣٧٢.

٢ ـ إرشاد الساري ٥ / ٥٣٩.

٣ ـ المائدة : ٩١.

٤ ـ مسند أحمد ١ / ٥٣ ، الجامع الكبير ٤ / ٣٢٠ ، سنن النسائي ٨ / ٢٨٧ ، جامع البيان ٢ / ٤٩٣ و ٧ / ٤٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٢٨٦.

٣٨٢

السور ، هو الاقتصار على مهمّة تفسير الآية دون التعرّض إلى ملازماتها التاريخية ، إلاّ أنّ إمكانية معرفة تاريخ نزول الآيات يمكن استخلاصه من خلال قرائن تاريخية تقرّب تاريخ النزول.

فالآية آنفة الذكر يحتمل بعض المفسّرين أنّها نزلت بعد غزوة أحد بأربعة أشهر(١) ، وبعضهم قال : إنّها نزلت بعد غزوة الأحزاب بأيّام(٢) .

( مقداد ـ الإمارات ـ سنّي ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

بعض ما اتصف به :

س : جاء في بعض كتب الشيعة : أنّ عمر بن الخطّاب كان مصاباً بداء في دبره ، لا يهدأ إلاّ بماء الرجال ، فهل هذه الرواية صحيحة؟ أُريد إجابة صريحة ، إمّا نعم ، وإمّا لا.

ج : إنّ البحث عن هكذا مواضيع ـ نفياً أو إثباتاً ـ لا يثمر في المقام ، والصفح عنها أحرى وأجدر.

ولا يفوتنا أن نذكّركم بأنّ هذا الموضوع بالذات ، قد جاء في بعض كتب أهل السنّة أيضاً ، ففي حاشية السيوطي المدّونة على القاموس في لفظ « الابنة » جاء : « بأنّها كانت في خمسة في زمن الجاهلية ، أحدهم سيّدنا عمر »(٣) .

ثمّ حتّى لو ذكر في كتاب ، فإنّ الموضوع يرتبط برأيه الشخصي ، فلا ينبغي أن يحمل على المذهب ، إلاّ بعد خضوعه للبحث السندي والدلالي ، إذ لا تعتقد الشيعة بصحّة أي كتاب ـ سوى القرآن الكريم ـ مائة بالمائة ، وهنا تخالف الشيعة أهل السنّة في اعتمادهم بلا استثناء على كتب كالصحيحين.

____________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٩.

٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٣١٨ ، فتح القدير ٢ / ٧٥.

٣ ـ بحار الأنوار ٣١ / ٩٦.

٣٨٣

فعلى ضوء ما ذكرنا ، يضطرّ السنّي للدفاع عن البخاري أو مسلم ، ومن ثمّ يرد عليه أخطاؤهما ، في حين أنّ الشيعي لا يتحمّل أخطاء الآخرين ـ إن أخطأوا ـ مهما كانت جلالة قدرهم.

( هادي الفقيه ـ أمريكا ـ ٢١ سنة ـ هندسة الحاسبات )

ما ورد حوله في مصادر أهل السنّة :

س : عندي الكثير من الأصدقاء السنّة ، وهم يسألوني بعض الأسئلة ، وأتمنّى منكم أن تجيبون عليها ، حيث يقولون : عمر بن الخطّاب أفضل من علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

أُريد منكم إن تعطوني بعض الأمثلة لأثبت أنّ علياًعليه‌السلام أفضل من عمر ، ومن كتبهم.

ج : إنّ فضائل الإمام عليعليه‌السلام قد ملأت الخافقين ، ممّا أجبرت الخصوم على الاعتراف ببعضها ، وقد صرّح كبار علماء الفريقين : بأنّ ما بلغنا من فضائل لأمير المؤمنينعليه‌السلام هو أقلّ بكثير ممّا هو على حقيقته ، والفضل ما شهدت به الأعداء.

وأمّا عن عمر ، فننقل لك ما ورد عنه في كتب القوم :

قد لقّبه أهل الكتاب بلقب الفاروق(١) ، وهو لقب لعليعليه‌السلام ، لقّبه به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، وابتز لقب أمير المؤمنينعليه‌السلام لنفسه(٣) ، وهو يعلم بأنّ هذا اللقب خاصّ بعليعليه‌السلام .

____________

١ ـ تاريخ المدينة ٢ / ٦٦٢ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٧٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٤ / ٥١ ، أُسد الغابة ٤ / ٥٧ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٦٧.

٢ ـ ذخائر العقبى : ٥٦ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٢ ، ينابيع المودّة ٢٢ / ١٤٤.

٣ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٧٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٥٧٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٢٩٧ ، أُسد الغابة ٤ / ٧١ ، تاريخ المدينة ٢ / ٦٧٨.

٣٨٤

وقال في موارد متعدّدة : « لولا علي لهلك عمر »(١) .

وكان يعتقد بإضافة سورتين مزعومتين ـ الخلع والحفد ـ إلى القرآن الموجود(٢) ، وادعى آيات أُخرى(٣) ، وكان يقول بتحريف القرآن ، ويرى أنّ أكثره قد ضاع(٤) ، وحرّم السؤال والبحث في تفسير الآيات القرآنية(٥) .

وكان كثير الاعتراض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد اعترض عليه في صلاته على عبد الله بن أُبي(٦) ، واعترض في تبشيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بالجنّة بقولهم كلمة التوحيد(٧) ، وأنكر بشدّة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبية ، حتّى اعترف فيما بعد بشكّه في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والإسلام(٨) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ و ١٤١ و ١٢ / ١٧٩ و ٢٠٥ ، نظم درر السمطين : ١٣٠ ، المناقب : ٨١ ، جواهر المطالب ١ / ١٩٥ ، ينابيع المودّة ١ / ٢١٦ و ٢٢٧ و ٣ / ١٤٧.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ١٩٩ ، فتح الباري ٩ / ١٢ ، مجمع الزوائد ٧ / ٣٥ ، كنز العمّال ٢ / ٤٢١ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤١٩ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٩٦.

٣ ـ صحيح البخاري ٨ / ٢٦ ، الدرّ المنثور ١ / ١٠٦ و ٤ / ٣٧١ ، مسند أبي داود : ١٢ ، مسند أحمد ١ / ٤٧ ، فتح القدير ٣ / ٤٧١ ، السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ١٠٧٢ ، مجمع الزوائد ١ / ٩٧ ، فتح الباري ١٢ / ١٣١ ، المصنّف للصنعاني ٥ / ٤٤١ و ٩ / ٥٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٠ ، المعجم الكبير ٥ / ١٢١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٢٧ ، كنز العمّال ٢ / ٥٩٦ و ٥ / ٤٢٩ و ٦ / ٢٠٨ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤٧٦ ، الدرّ المنثور ١ / ١٠٦ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٤٦.

٤ ـ الدرّ المنثور ٥ / ١٧٩ و ٦ / ٤٢٢ ، المصنّف للصنعاني ٧ / ٣٣٠ ، كنز العمّال ١ / ٥١٧ و ٥ / ٤٣١ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٦٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ٣٦١ ، فيض القدير ٤ / ٧٠٠.

٥ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٧ و ٢٢٧ ، سنن الدارمي ١ / ٥٥ ، كنز العمّال ٢ / ٣٣١ و ٣٨٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٣ / ٤١١ ، فتح القدير ١ / ٣١٩ ، الإصابة ٣ / ٣٧٠.

٦ ـ صحيح البخاري ٢ / ١٠٠ ، السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ٩٧٩ ، المحلّى ١١ / ٢٠٩ ، الجامع الكبير ٤ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ٤ / ٦٨ ، تحفة الأحوذي ٨ / ٣٩٣ ، صحيح ابن حبّان ٧ / ٤٤٩.

٧ ـ صحيح مسلم ١ / ٤٥.

٨ ـ المعجم الكبير ١ / ٧٢ و ٦ / ٨٨ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٤٥ ، فتح الباري ٥ / ٢٥٤ و ١٣ / ٢٤٥ ، كنز العمّال ١ / ٣٧٢ ، الدرّ المنثور ٦ / ٧٧ ، سبل الهدى والرشاد ٥ / ٥٣.

٣٨٥

وكان لا يأتمر بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وشرعه ومنهاجه ، فقد تخلّف عن جيش أُسامة مع تشديد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعنه المتخلّفين(١) .

وابتدع الجماعة في صلاة النوافل « التراويح » ، واستحسن هذه البدعة(٢) ، ومنع عن متعة الحجّ ومتعة النساء ، واعترف أنّهما مشرّعتان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، وغيّر تشريع الطلاق(٤) .

وكان يرى عدم وجوب الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماءً(٥) ، وكان يذعن ويعترف بقلّة علمه حتّى بالنسبة إلى النساء(٦) .

____________

١ ـ الملل والنحل ١ / ٢٣.

٢ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، تحفة الأحوذي ٣ / ٤٥٠ ، نصب الراية ٢ / ١٧٤ ، كنز العمّال ٨ / ٤٠٧ ، تلخيص الحبير ٤ / ٢٤٧ ، كتاب الموطّأ ١ / ١١٤ ، تنوير الحوالك : ١٣٧ ، الشرح الكبير ١ / ٧٤٧ ، نيل الأوطار ٣ / ٦٣ ، صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، فتح الباري ٤ / ٢١٩ ، المصنّف للصعناني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥.

٣ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٥٦ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ و ١٢ / ٢٥١ و ١٦ / ٢٦٥ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٢١ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٣٥٢ و ١٩١ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٩٢ ، علل الدارقطني ٢ / ١٥٦ ، تاريخ بغداد ١٤ / ٢٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٤ / ٧١ ، تهذيب الكمال ٣١ / ٢١٤ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٦٦ ، المبسوط للسرخي ٤ / ٢٧ ، المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٧ / ٥٣٧ ، المحلّى ٧ / ١٠٧.

٤ ـ صحيح مسلم ٤ / ١٨٣ ، مسند أحمد ١ / ٣١٤ ، المستدرك ٢ / ١٩٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٣٣٦ ، فتح الباري ٩ / ٢٩٧ ، المجموع ١٧ / ١٢٢ ، المحلّى ١٠ / ١٦٨ ، سبل السلام ٣ / ١٧٢ ، نيل الأوطار ٧ / ١٤ ، عون المعبود ٦ / ١٩٠ ، سنن الدارقطني ٤ / ٣١ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ / ١٣٠.

٥ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٦٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٢١١ و ٢٢٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ١٢٨ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٥١٧.

٦ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ و ١٢ / ٢٠٨ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٣٣ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٤ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٣٧ ، فيض القدير ٢ / ٨ ، كشف الخفاء ١ / ٢٦٩ و ٢ / ١١٨ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٧٨ ، فتح القدير ١ / ٤٤٣.

٣٨٦

وقال قولته المشهورة عند وفاة رسول الله ، وبمحضرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وردّاً لطلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه ليهجر ، أو إنّه يهجر(١) ، قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله(٢) ، حتّى لا يجعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر لعليعليه‌السلام .

ويشهد التاريخ بمدى جبنه في الحروب!!(٣) ، واعترف بانفلات بيعة أبي بكر لتضمّنها الشرّ(٤) ، وهاجم بيت عليعليه‌السلام وفاطمةعليها‌السلام في جماعة ، لتثبيت بيعة أبي بكر ، وصار ما صار من الحرق ، وإسقاط الجنين(٥) .

وخالف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر في جعله الخلافة في شورى بين ستة(٦) ، وتعلّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة!!(٧) .

ومنع من نشر أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل وأمر بإحراقها(٨) ، ومنع زيارة شجرة الرضوان وأمر بقطعها(٩) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٤٣٥ مسند أحمد ١ / ٣٥٥ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٠ ، أضواء على السنّة المحمّدية : ٥٥.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ٣٢٥ ، صحيح البخاري ١ / ٣٧ و ٥ / ١٣٨ و ٨ / ١٦١ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٤٤ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ١٩٢.

٣ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٢٥ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٥٠ و ٩ / ١٢٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٩٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٧٣ ، المستدرك ٣ / ٣٧ ، كنز العمّال ١٠ / ٤٦٢.

٤ ـ السنن الكبرى للنسائي ٤ / ٢٧٢ ، صحيح ابن حبّان ٢ / ١٥٨ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٦ و ٩ / ٣١ و ١٢ / ١٤٧ و ٢٠ / ٢١ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٨ ، لسان العرب ٢ / ٦٧.

٥ ـ الإمامة والسياسة : ٣٠ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٤٣ ، ٣ / ٢٠٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٦ و ٦ / ٤٨ ، المختصر في أخبار البشر ١ / ٢١٩.

٦ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٠.

٧ ـ الدرّ المنثور ١ / ٢١ ، تنوير الحوالك : ٢١٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١ / ٤٠.

٨ ـ الطبقات الكبرى ٦ / ٧ ، البداية والنهاية ٨ / ١١٥ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ٧ ، الأم ٧ / ٣٥٨ ، كنز العمّال ٢ / ٢٨٥ ، المستدرك ١ / ١٠٢.

٩ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٢٦٩ ، الدرّ المنثور ٦ / ٧٣ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٠١ ، فتح القدير ٥ / ٥٢ ، فتح الباري ٧ / ٣٤٥ ، سبل الهدى والرشاد ٥ / ٥٠.

٣٨٧

وأخيراً : وبعد هذا كُلّه ، كيف يكون أفضل من الإمام عليعليه‌السلام ، وكيف يكون أولى بالخلافة منه؟!

( تقي الدين ـ مصر ـ سنّي ـ ٣٥ سنة ـ طالب علم )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُعلّق على شيء واحد : لا تصحّ قصّة قطع سيّدنا عمر لشجرة بيعة الرضوان عند المحقّقين من أهل السنّة ، والحافظ ابن حجر لو رجعتم إلى كلامه في فتح الباري ، لوجدتم أنّه قال : « ثمّ وجدت عند سعد بإسناد صحيح عن نافع أنّ عمر بلغه »(١) ، فالحافظ لم يصحّح إلاّ إسناد القصّة إلى نافع ، لكن يبقى أنّ هناك انقطاعاً بين نافع وعمر فلا تصحّ القصّة ، هذا من حيث السند ، وقد ضعّفها غير واحد.

ومن حيث المتن : فإنّ هذه الحادثة لا يمكن أن تكون صحيحة ، لمخالفتها ما ثبت في الصحيحين ، من أنّ مكان الشجرة قد خُفي على الصحابة ، وأنّ التابعين كانوا يبحثون عنها بعد وفاة سيّدنا عمر ، ولو كان قد قطعها لانتشر خبر ذلك بينهم.

ففي صحيح البخاري : « حدّثنا محمّد بن رافع حدّثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري ، حدّثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال : لقد رأيت الشجرة ، ثمّ أتيتها بعد فلم أعرفها ، قال محمود : ثمّ أنسيتها بعد »(٢) .

وفيه أيضاً : « حدّثنا محمود ، حدّثنا عبيد الله عن إسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال : انطلقت حاجّاً فمررت بقوم يصلّون قلت : ما هذا المسجد؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة الرضوان ، فأتيت سعيد بن المسيّب فأخبرته ، فقال سعيد : حدّثني أبي أنّه كان فيمن بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الشجرة ، قال : فلمّا خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ،

____________

١ ـ فتح الباري ٧ / ٣٤٥.

٢ ـ صحيح البخاري ٥ / ٦٤.

٣٨٨

فقال سعيد : إنّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعلموها ، وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم »(١) .

وفيه أيضاً : « حدّثنا موسى حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا طارق عن سعيد بن المسيّب عن أبيه : أنّه كان ممّن بايع تحت الشجرة ، فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا »(٢) .

يقول الطبري : « وزعموا أنّ عمر بن الخطّاب مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول : هنا ، وبعضهم يقول : ههنا ، فلمّا كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلّف فذهبت الشجرة ، وكانت سمرة ، إمّا ذهب بها سيل ، وإمّا شيء سوى ذلك »(٣) .

ولم يرتض الحافظ إنكار سعيد حيث قال : « لكن إنكار سعيد بن المسيّب على من زعم أنّه عرفها معتمداً على قول أبيه ، إنّهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدلّ على رفع معرفتها أصلاً ، فقد وقع عند المصنّف من حديث جابر الذي قبل هذا : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ، فهذا يدلّ على أنّه كان يضبط مكانها بعينه ، وإذا كان يضبط موضعها ففيه دلالة على أنّه كان يعرفها بعينها ، لأنّ الظاهر أنّها حين مقالته تلك كانت هلكت إمّا بجفاف أو بغيره ، واستمر هو يعرف موضعها بعينه »(٤) .

قلت : حاصل ما ذكره الحافظ أن يقال : بأنّ مكان الشجرة كان خافياً على جماهير الصحابة ، وليس هناك ما يدلّ على علم سيّدنا عمر بمكانها.

ج : نودّ أن نذكّركم بأنّ المقام مقام بحث وردّ وبدل ، وقرع الحجّة بالحجّة ، وليس المقام مقام إدلاء الكلام ، ورميه كيف ما كان ، فالبدء بالدليل جزء من البدء بغيره ، لأنّ الزمن أصبح زمن الدليل ، وولّى عصر الدعاوى التي لا تقوم على سند.

____________

١ ـ المصدر السابق ٥ / ٦٥.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ جامع البيان ٢٦ / ١١٢.

٤ ـ فتح الباري ٧ / ٣٤٤.

٣٨٩

بالنسبة لشجرة بيعة الرضوان ، فالمروي عن نافع بسند صحيح : أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها.

يبقى الكلام في كون نافع ـ الذي لا يعرف له أب ولا أُمّ ولا رسم ـ مولىً لابن عمر ، وأنّ ابن عمر هو الذي أسره في بعض الغزوات ، فالرواية مرسلة هذا ملخّص الإشكال؟

والجواب أوّلاً : الحديث المرسل لم يقل أحد بأنّه لا يصحّ مطلقاً ، فهناك من فرّق بين إرسال كبار التابعيين وبين غيرهم ، فقد احتجّ بالمرسل مالك وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل(١) ، ونافع من أئمّة التابعين فيمكن الاحتجاج بقوله.

وثانياً : إنّ نافعاً لم يسند الرواية إلى عمر بن الخطّاب حتّى نقول بأنّها مرسلة ، وإنّما جزم بأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها ، وهذا لا يعني الإرسال ، لأنّ نافعاً معاصر لابن عمر بن الخطّاب ـ وهو مولاه ـ ولكثير من الصحابة ، فيكون هذا الأمر معلوم عنده بواسطة الصحابة الذين عاصروا عمر ابن الخطّاب.

ومن خلال معاصرته لزمن قريب من زمن عمر بن الخطّاب ، فقواعد الحديث أشبهت في تطبيقها هنا ، وإنّما هو قول لنافع مولى ابن عمر في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطع الشجرة.

وثالثاً : على كُلّ تقدير ، فقد قال الإمام مالك في حقّ نافع : « إذا قال نافع شيئاً فاختم عليه »(٢) .

وقال الخليلي : « نافع من أئمّة التابعين بالمدينة ، إمام في العلم متّفق عليه صحيح الرواية ، منهم من يقدّمه على سالم ، ومنهم من يقارنه به ، ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه »(٣) .

____________

١ ـ الباعث الحثيث : ٥٧.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٥ / ٩٨.

٣ ـ تهذيب الكمال ٢٩ / ٣٠٦.

٣٩٠

وأمّا ما روي عن سعيد بن المسيّب فهو مطروح لعدّة أُمور.

أوّلاً : إنّ المبايعين تحت الشجرة بشهادة ابن المسيّب نفسه ١٦٠٠ نفر ، أو ١٥٠٠ نفر ، فكيف تعقل أنّ هؤلاء جميعاً نسوا مكان شجرة بيعة الرضوان ، مع أنّ مكان الشجرة يقع في الحديبية ، وهي تبعد مرحلة عن مكّة ، أي مسير نصف يوم(١) ، وفي هؤلاء المبايعين كثير من المهاجرين ، الذين هم من أهل مكّة ، وهم سكنة تلك المناطق.

أقول : مع هذا كُلّه ، كيف نتصوّر أنّهم أضاعوا المكان ولا يعرفوه؟!

بل أنّنا نجد شخصاً أنصارياً ـ وهو جابر بن عبد الله الأنصاري ـ يقول : لو كنت أبصرت اليوم لأريتكم مكان الشجرة(٢) ، مع أنّه كان في زمن بيعة الرضوان شاباً يافعاً ، وهو مدني والحديبية تبعد عن المدينة تسع مراحل(٣) ، ومع ذلك يقول : أنا أعرف مكانها ، وأعرف محلّها ، فما بالك بالمهاجرين ، والذين فيهم الكبار ، وهم أهل مكّة ، كيف لا يعرفونها مع هذا العدد الضخم؟ الذي لا يقل عن ١٤٠٠ نفر من المبايعين؟!

فهذا كُلّه يشهد لصحّة كلام نافع مولى ابن عمر ، من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها ، ويبطل قول سعيد بن المسيّب ، بل لا يمكن تصحيح كلام سعيد بن المسيّب بتاتاً ، والقضية مشهورة عند علماء المسلمين ، وإليك بعض كلماتهم :

قال ابن أبي الحديد : « قد وجدنا في الآثار والأخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قوله هذا في الحجر الأسود ، كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية ، لأنّ المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يأتونها فيقيلون تحتها ، فلمّا تكرّر ذلك أوعدهم عمر فيها ، ثمّ أمر بها فقطعت »(٤) .

____________

١ ـ معجم البلدان ٢ / ٢٢٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٥ / ٦٣.

٣ ـ معجم البلدان ٢ / ٢٢٩.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٠١.

٣٩١

واثبت هذا القول ابن الجوزي في « زاد المسير »(١) ، وذكرها السيوطي في « الدرّ المنثور »(٢) ، والشوكاني في « فتح القدير »(٣) .

وأمّا ما نقلته عن الطبري فلا ربط له بالمقام ، إذ إنّ عمر مرّ بالمكان بعد أن ذهبت الشجرة ، والكلام هو فيمن أذهب الشجرة؟ لا بعد ذهاب الشجرة ، ولا يوجد أيّ مستند على ذهاب السيل بها ، أو شيء آخر ، وإنّما هو كلام بلا سند.

ثمّ إنّ في رواية سعيد بن المسيّب عن أبيه عبارة وهي : « أنسيناها » أو « نسيناها » ، والبخاري أورد « أتيناها » ، أي أن فعل الانساء خارج عن إرادتهم ، ولم يكن منهم ، فكأنّما الله أنساهم مكان الشجرة ، وهذا شيء فيه استفهام كبير ، إذ ما السر في انسائهم مكان شجرة التي بايعوا تحتها بيعة الحديبية.

وأمّا قولك أخيراً : « قلت : حاصل ما ذكره » ، فقد اتّضح ما فيه بعد وضوح كون الصحابة الذين بايعوا أكثر من أربعة عشر مائة ، ومنهم من المهاجرين ، والمكان لا يبعد عن مكّة إلاّ نصف يوم ، فكيف خفي عليهم؟!

وكيف لم يخف على جابر بن عبد الله الأنصاري الحدث السن في تلك الأيّام ، والذي يبعد عن مكّة أربعة أيّام ونصف ، ويخفى على المهاجرين أهل البلد؟!

هذا ملخّص ما جال في البال ، وإلاّ فللمقام كلام يطول به ، أعرضنا عنه اختصاراً.

( إبراهيم ـ البحرين ـ )

اعتداؤه بالقول على الرسول :

س : هل وردت في كتب أهل السنّة حادثة اعتداء عمر بن الخطّاب بالقول على الرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل وفاته؟ وبالتحديد عندما أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكتب وصيّته.

____________

١ ـ زاد المسير ٧ / ١٦٧.

٢ ـ الدرّ المنثور ٦ / ٧٣.

٣ ـ فتح القدير ٥ / ٥٢.

٣٩٢

ج : قد ورد اعتداء عمر بالقول على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنعه من كتابة وصيّته قبيل ارتحالهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعبارات مختلفة ، ومضمون واحد ، يدلّ على مواجهته مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإليك نماذج تلك الأقاويل :

أ ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر(١) .

ب ـ اعتراف عمر بصدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتابة الكتاب ، حتّى لا يجعل الأمر لعليعليه‌السلام (٢) .

ج ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلب عليه الوجع ، حسبنا كتاب الله(٣) .

( غانم النصّار ـ الكويت ـ )

لا يتوب الله عليه ما دام غاصباً :

س : قال تعالى :( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) (٤) .

يروى أنّ الآية المباركة نزلت في عمر بن الخطّاب حينما جامع النساء في رمضان وقت الصيام ، السؤال : يقول الباري عزّ وجلّ :( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) ، فهل المقصود أنّ الله تاب عليه؟ وكيف يتوب عليه وهو المغتصب لحقّ آل البيت؟

ج : أوّلاً : علينا أن نثبت صحّة الرواية ، وعلى فرض صحّتها فإنّ مورد قبول التوبة هو في فعل الجماع في شهر رمضان ، لا مطلق قبول التوبة التي تشمل غصبه لحقّ آل محمّدعليهم‌السلام .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٤٣٥ مسند أحمد ١ / ٣٥٥ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٠ ، أضواء على السنّة المحمّدية : ٥٥.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٧٩.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٣٢٥ ، صحيح البخاري ١ / ٣٧ و ٥ / ١٣٨ و ٨ / ١٦١ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٤٤ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ١٩٢.

٤ ـ البقرة : ١٨٧.

٣٩٣

هذا ، والروايات مختلفة في شأن نزول هذه الآية ، فتدبّر.

( زهيدي ـ المغرب ـ )

تلبّسه بالخلافة وتغييره لأحكام الله :

س : ما حقيقة وصف بعض الشيعة عمر بن الخطّاب بأنّه أساء إلى الخلافة.

ج : إنّ الشيعة ترى أنّ الخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصّ والتعيين ، وأنّ الخليفة بعده هو الإمام عليعليه‌السلام بنصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، وهذا النصّ إلهي ، أي : أنّ النبيّ أمر بتعيين عليعليه‌السلام الخليفة بعده بأمر من الله تعالى.

والنصوص على ذلك من الكتاب والسنّة كثيرة ، منها : آية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وآية المودّة ، وآية التبليغ ، وحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الدار ، وحديث السفينة ، وغيرها من الأدلّة الشرعية ، كما وتستدلّ الشيعة بالعقل ، وذلك لاستحالة أن يترك النبيّ أُمّته من دون أن يعيّن لهم خليفة بعده ، ويترك أُمّته يتنازعون فيما بينهم بعده ، وكذلك تجد سائر الأنبياء والمرسلين لهم أوصياء.

وعلى مبنى الشيعة ماذا يكون حكم المتلبّس بالخلافة؟ وهي ليست له؟! فأوّل إساءة صدرت منه : أنّه تلبّس بالخلافة التي نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أنّها لعليعليه‌السلام .

ومن ثمّ تغييره لأحكام الله الثابتة ، كصلاة التراويح التي قال عنها : نعمت البدعة(١) ، وكمتعة الحجّ والنساء التي قال عنهما : أنا أنهى عنهما وأعاقب

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، تحفة الأحوذي ٣ / ٤٥٠ ، نصب الراية ٢ / ١٧٤ ، كنز العمّال ٨ / ٤٠٧ ، تلخيص الحبير ٤ / ٢٤٧ ، كتاب الموطّأ ١ / ١١٤ ، تنوير الحوالك : ١٣٧ ، الشرح الكبير ١ / ٧٤٧ ، نيل الأوطار ٣ / ٦٣ ، صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، فتح الباري ٤ / ٢١٩ ، المصنّف للصعناني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥.

٣٩٤

عليهما(١) ، ومنعه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكتب الكتاب ، وقوله : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر(٢) ، وبلغ بجهله إلى مرتبة أن صرح بقوله : كُلّ أحد أفقه من عمر(٣) .

وأختم لك الكلام بحديث عن عمر يقول فيه : « يا ليتني كنت كبش أهلي ، سمّنوني ما بدا لهم ، حتّى إذا كنت أسمن ما أكون ، زارهم من يحبّون ، فجعلوا بعضي شواءً ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، فأخرجوني عذرة ، ولم اكن بشراً »(٤) .

فاقرأ وحكّم عقلك واحكم ، هدانا الله وإيّاك إلى سواء السبيل.

( كُميل ـ الكويت ـ )

كان من المنهزمين يوم أُحد :

س : أجد الكثير من الروايات التي لا أعلم مدى صحّتها عند أهل السنّة ، فأرجو تزويدي بالمصادر الموثّقة عندنا ، أو عند أهل السنّة ، حتّى تتمّ الحجّة عليهم : إنّ من بين الفارّين في يوم أُحد عمر وعثمان ، أتمنّى لو احصل على نصّ الحديث ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان.

____________

١ ـ الشرح الكبير ٧ / ٥٣٧ ، المحلّى ٧ / ١٠٧ ، كنز العمّال ١٦ / ٥١٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦ ، شرح معاني الآثار ٢ / ١٤٦ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٥١ و ١٦ / ٢٦٥ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٣٣٨ و ٣٥٢ و ٢ / ١٩١ و ٣ / ٣١٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٩٢ ، علل الدارقطني ٢ / ١٥٦.

٢ ـ صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٤٣٥ مسند أحمد ١ / ٣٥٥ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٠ ، أضواء على السنّة المحمّدية : ٥٥.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٣٣ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٤ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ و ١٢ / ١٥ و ٢٠٨ و ١٧ / ١٧١ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٣٧ ، فيض القدير ٢ / ٨ ، كشف الخفاء ١ / ٢٦٩ و ٢ / ١١٨ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٧٨ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣ ، فتح القدير ١ / ٤٤٣ ، علل الدارقطني ٢ / ٢٣٩ ، نور الأبصار : ١٠٠.

٤ ـ كنز العمّال ١٢ / ٦١٩ ، حلية الأولياء ١ / ٨٨ ، نور الأبصار : ١٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٣٣١.

٣٩٥

ج : قد روى الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل قوله تعالى :( إإِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ) (١) قال : « ومن المنهزمين ـ يعني يوم أُحد ـ عمر ، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم أيضاً عثمان ، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً ، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام »(٢) .

( منار الحقّ ـ السعودية ـ )

قوله لولا علي لهلك عمر :

س : ما هي المصادر التي نقلت قول عمر : لولا علي لهلك عمر ، وأقواله الأُخرى في حقّ الإمام علي عليه‌السلام .

ج : لعمر بن الخطّاب كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نذكر بعضها :

١ ـ لولا علي لهلك عمر(٣) .

٢ ـ لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن(٤) .

٣ ـ اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن(٥) .

٤ ـ لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن(٦) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٥.

٢ ـ التفسير الكبير ٣ / ٣٩٨.

٣ ـ تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ و ١٤١ و ١٢ / ١٧٩ ، نظم درر السمطين : ١٣٠ ، المناقب : ٨١ ، جواهر المطالب ١ / ١٩٥ و ٢٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢١٦ و ٢٢٧ و ٣ / ١٤٧ ، فيض القدير ٤ / ٤٧٠ ، الجوهرة : ٧٢ ، ذخائر العقبى : ٨٢.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٨.

٥ ـ نظم درر السمطين : ١٣٢.

٦ ـ أنساب الأشراف : ١٠٠.

٣٩٦

٥ ـ اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيّاً(١) .

٦ ـ قال سعيد بن المسيّب : كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن(٢) .

٧ ـ أعوذ بالله من كُلّ معضلة ليس لها أبو حسن(٣) .

٨ ـ نعوذ بالله من معضلة لا علي لها(٤) .

٩ ـ أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها(٥) .

١٠ ـ أعوذ بالله من معضلة ليس فيها علي(٦) .

١١ ـ لا أبقاني الله بأرض لستَ بها يا أبا الحسن(٧) .

١٢ ـ عن أبي سعيد : أنّ عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه ، فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن(٨) .

( محمّد يوسف ـ السعودية ـ )

الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل :

س : تقام هذه الأيّام مراسم احتفالات بعيد الزهراء عليها‌السلام ، وحيث إنّه معلوم أنّ بضعة الرسول الأكرم توفّيت بعد أبيها بستّة أشهر على أكثر الروايات ،

____________

١ ـ المناقب : ٩٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٢٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٧٨.

٢ ـ ذخائر العقبى : ٨٢ ، فتح الباري ١٣ / ٢٨٦ ، كنز العمّال ١ / ٣٠٠ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣٩ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٧٢ و ٤٠٥ ، مطالب السؤول : ١٣٧.

٣ ـ تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٦ ، غريب الحديث ٢ / ٢٩٣ ، النهاية في غريب الحديث ٣ / ٢٥٤ ، لسان العرب ١١ / ٤٥٣ ، تاج العروس ٨ / ٢٢.

٤ ـ نظم درر السمطين : ١٣١ ، المناقب : ٩٦.

٥ ـ البداية والنهاية ٧ / ٣٩٧.

٦ ـ ينابيع المودّة ٣ / ١٤٧.

٧ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٠١.

٨ ـ فيض القدير ٤ / ٤٧٠.

٣٩٧

ولكن يقال إنّه هذا اليوم هو وفاة الخليفة الثاني ، الذي اغتصب حقّها من أبيها ، لذلك نحن نحتفل بهذا اليوم ، نرجو التوضيح في هذه المسألة.

أفيدونا جزاكم الله خيراً.

ج : إنّ الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل جاء لورود روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام في فضل هذا اليوم ، وثّقها بعض وضعّفها آخرون ، وقد تكون جاءت لتنصيب الإمام الحجّة المنتظرعليه‌السلام للإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في الثامن من ربيع الأوّل.

وهناك روايات تاريخية تنصّ على مصادفة هذا اليوم مع يوم مقتل عمر بن الخطّاب.

( فراس ـ الأردن ـ )

ما ورد من رثائه في نهج البلاغة :

س : كيف يتّفق ما عرفناه مع ما يلي وهو مقتبس من نهج البلاغة شرح محمّد عبده : « لله بلاء فلان ، فلقد قوّم الأود ، وداوى العمد ، وأقام السنّة ، وخلف الفتنة ، ذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها ، وسبق شرّها ، أدّى إلى الله طاعته ، واتقاه بحقّه ، رحل وتركهم في طرق متشعّبة ، لا يهتدي فيها الضالّ ، ولا يستيقن المهتدي »(١) .

أفتونا مأجورين.

ج : للجواب على هذا السؤال نذكر وباختصار عدّة مطالب :

١ ـ لم يقل أحد من علماء الشيعة بصحّة كُلّ ما جاء في نهج البلاغة ، بل وحتّى الشريف الرضي ـ مؤلّف كتاب نهج البلاغة ـ لم يدعّ صحّة كُلّ ما جاء في كتابه نهج البلاغة ، ولم يصرّح بأنّه ما روى إلاّ ما صحّ عنده سنده ، وكما هو المعلوم من المبنى عند الشيعة ، أن يخضع كُلّ حديث إلى البحث في السند والدلالة.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٣.

٣٩٨

٢ ـ الخطبة وردت من دون تعيين شخص بعينه.

٣ ـ لو سلّمنا كُلّ هذا ، فإنّ بعض المصادر(١) ذكرت : أنّ أصل هذا الكلام حكاه الإمام عليعليه‌السلام عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الأصحاب ، وفي آخره قال الإمام عليعليه‌السلام : « أما والله ما قالت ولكنّها قوّلت» (٢) .

ولتوضيح المطلب نقول : إنّ الإمامعليه‌السلام حكى هذا القول عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الأصحاب ، وربما يشكل بأنّ حكايته لهذا الكلام دليل على قبوله؟ فالجواب يكون بأنّهعليه‌السلام قال بعد أن استشهد بكلام النادبة : « والله ما قالت ولكنّها قوّلت» ، ممّا يشعر بردّه لكلام النادبة وعدم قبوله له.

( موسى ـ السعودية ـ )

نصحه الإمام علي بعدم غزو الروم :

س : قرأت في نهج البلاغة : ومن كلام لهعليه‌السلام ، وقد شاوره عمر بن الخطّاب في الخروج إلى غزو الروم : « وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لأَهْلِ هَذا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَالَّذِي نَصَرَهُمْ ـ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمتَنِعُونَ ـ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ.

إنَّكَ مَتَى تَسِرْ إلى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ ، فَتَلْقَهُمْ بِشَخْصِكَ فَتُنْكَبْ ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ ، وَلَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِجْرَباً ، وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى ، كُنْتَ رِدْءاً للنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ »(٣) .

فهل المقصود من ذلك اعترافه بخلافة عمر؟ وأنّه المرجع الوحيد للناس في زمن خلافته؟

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٨٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٤ / ٤٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ٢٩٦.

٣٩٩

ج : الحكومة في نظر الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ليست هدفاً ، وإنّما وسيلة ، والهدف هو رضى الله تعالى ، والتمكّن من تطبيق أوامر الله ونواهيه ، والحكومة هي إحدى مهامّهم ، وليست كُلّ مهامّهم.

ولأجل هذا ، تجد أنّ أكثر الأنبياء والرسل والأئمّةعليهم‌السلام لم يصلوا إلى الحكومة ، لأنّها لم تكن الهدف ، ولم يكونواعليهم‌السلام كسائر السلاطين والحكّام الذين كرّسوا كُلّ جهودهم للوصول إلى الحكم ، وبأيّ وسيلة كانت.

فإذا تبيّن هذا ، فإنّ الحفاظ على أصل الإسلام وكيانه من أهمّ واجبات الإمامعليه‌السلام ، ولمّا رأى الإمام عليعليه‌السلام أنّ الناس جديدو عهد بالإسلام ، وأنّ أيّ منازعة منه للخلفاء ستؤدّي إلى ارتداد الكثيرين ، وبالتالي سيكون الإسلام في خطر ، فكانعليه‌السلام كما وصف هو حاله : «فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا »(١) .

وكذلك بالنسبة إلى هذه الخطبة ، فإنّهعليه‌السلام ليس له همّ إلاّ الحفاظ على أصل الإسلام ، فلمّا كان في شخوص عمر بن الخطّاب بنفسه إلى الحرب ، ممّا سيؤدّي إلى تضعيف الإسلام ، وذلك للأسباب التي وضّحهاعليه‌السلام في هذه الخطبة ، وجّهعليه‌السلام نصحه إلى عمر بأن لا يخرج ، وهذا ليس اعتراف منهعليه‌السلام بصحّة خلافة عمر ، كما أنّ صبرهعليه‌السلام ليس اعتراف بصحّة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.

هذا ، وإن نصح الإمام وخطابه ليس موجّهاً إلى عمر بن الخطّاب بشخصه ، بل إلى عمر بما يستحلّه من مقام زعامة المسلمين ، وإن كان هذا المقام قد اغتصبه عمر وليس هو حقّ له ، ولكن الآن يحتلّ هذا المقام ، وفي شخوصه تضعيف للإسلام ، ومن أهمّ وظائف الإمام حفظ بيضة الإسلام.

____________

١ ـ المصدر السابق ١ / ١٥١.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585