موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة5%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297446 / تحميل: 6713
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القسم بغير الله :

( عبد المجيد البحراني ـ )

جائز ولكن لا يصحّ :

س : توجد رواية ذكرت في أكثر من مصدر من مصادرنا ، ونصّ الرواية عن الإمام المعصوم : « إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به »(١) .

فيقول السائل : نجد أنّ البعض يقسم على الآخر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، فكيف نجمع بين هذه الرواية وبين ما يفعله البعض؟

ج : إنّ الأحاديث المروية في الوسائل(٢) ، والمقارنة والجمع فيما بينها ، يوصلنا إلى نتيجة : أنّ هذه الرواية لا تدلّ على الحرمة ، بل على عدم ترتّب آثار اليمين ، فلا يكون يميناً ، وليس عليه كفّارة إن خالف ، لأنّ اليمين الذي تترتّب عليه الآثار ، وتجب بمخالفته الكفّارة ، هو الحلف بالله وأسمائه الخاصّة ، حتّى أنّك تشاهد في الرسائل العملية التعبير : بلا يصحّ الحلف بالله وبأسمائه تعالى ، ولم يقولوا : لا يجوز.

وللتوضيح أكثر ، فإنّ الروايات المروية في هذا الباب على قسمين :

__________________

١ ـ الكافي ٧ / ٤٤٩ ، من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٧٦ ، تهذيب الأحكام ٨ / ٢٧٧.

٢ ـ وسائل الشيعة ٢٣ / ٢٥٩.

٦١

قسم : تنهى عن القسم بغير الله ، كهذا الحديث وأمثاله.

وقسم فيها القسم بغير الله ، كقول الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث : « لا وقرابتي من رسول الله »(١) ، وقول الإمام الرضاعليه‌السلام أيضاً : « تعدوا وبيت الله الحقّ »(٢) ، وقول أبي جرير القمّي لأبي الحسنعليه‌السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمّ إليك ، ثمّ حلفت له : وحقّ رسول الله ، وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه(٣) .

ولمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلاً يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرّة وقال له : «ويحك إنّ الله لا يحجبه شيء عن شيء » ، فقال الرجل : فأُكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال : «لا ، لأنّك حلفت بغير الله »(٤) .

فالجمع بين هذه الأحاديث جعل العلماء يفتون بعدم صحّة القسم بغير الله ، بمعنى عدم ترتّب آثار القسم عليه ، لا عدم الجواز.

( الغريب ـ أمريكا ـ ٣٠ سنة ـ مهندس كهرباء )

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي :

س : هل يترتّب أثر دنيوي أو أُخروي للقسم بالقرآن الكريم كذباً؟

ج : أمّا من حيث الأثر التكليفي كالكفّارة فلا ، لانحصاره بالحلف بـ « الله » فقط ، نعم يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي لفرية الكذب ، منها : حرمان الهداية ، قال تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٥) ، ووراثة الفقر ، فعن الإمام عليعليه‌السلام : « واعتياد الكذب يورث الفقر »(٦) .

__________________

١ ـ الكافي ١ / ١٨٧.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٧٧٩.

٣ ـ الكافي ١ / ٣٨٠.

٤ ـ الفصول المختارة : ٦٥.

٥ ـ غافر : ٢٨.

٦ ـ الخصال : ٥٠٥.

٦٢

وذهاب البهاء ، قال النبيّ عيسىعليه‌السلام : «من كثر كذبه ذهب بهاؤه »(١) ، وقد جُعل الكذب شرّ مفاتيح الشرّ ، قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ الله جعل للشرّ أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب »(٢) .

ومن الآثار الآخروية التعرّض لعقاب الله تعالى ، والمكوث في النار ، قال المولى جلّ وعلا :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (٣) .

وهذا العمل ، أي الحلف بالقرآن الكريم كاذباً ، فيه جناية مزدوجة ، الأُولى جرأة صارخة على كتاب الله العزيز ، الذي قال المولى سبحانه فيه :( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ ) (٤) ، والثانية جريمة الكذب والافتراء التي تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

أعاذنا الله من شرور أنفسنا ، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

( أحمد ـ ـ ٣١ سنة )

حكمه في المذاهب الأربعة :

س : هل يجوز الحلف بغير الله عزّ وجلّ؟ وما هو حكمه عند المذاهب الأربعة؟ وشكراً.

ج : تضافر الحلف بغير الله تعالى في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، فقد حلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير مورد بغير اسم الله.

فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : «أما وأبيك لتنبئنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء »(٥) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٣٤١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٣٩.

٣ ـ الجاثية : ٧.

٤ ـ الحشر : ٢١.

٥ ـ صحيح مسلم ٣ / ٩٣.

٦٣

هذا وقد حلف غير واحد من الصحابة بغير الله تعالى كأبي بكر ، فعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، أنّ رجلاً من أهل اليمن ـ أقطع اليد والرجل ـ قدم فنزل على أبي بكر ، فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلّي من الليل ، فيقول أبو بكر : وأبيك ، ما ليلك بليل سارق(١) .

وهذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد حلف بغيره تعالى في غير واحد من خطبه ، كقوله : « ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ ، وخابط الغي من إدهان ولا إيهان »(٢) ، وكقولهعليه‌السلام : «ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود »(٣) ، إلى غير ذلك من الأقسام الواردة في كلامهعليه‌السلام وسائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الأُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من الله تعالى بغير ذاته تعالى من الجماد والنبات والإنسان ، فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمتّ إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه لله سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فإنّه لو كان حقيقة الحلف بغير الله شركاً ، فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم ، الحلف بغير الله لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّ من الحلف بالله تعالى ، أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ، ولا علاقة له بالبحث.

وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية فقالوا : بأنّ الحلف بالأب والحياة ـ كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه ـ مكروه.

وأمّا الشافعية فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه.

__________________

١ ـ الموطّأ ٢ / ٨٣٥.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣١.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٣٨٧.

٦٤

وأمّا المالكية فقالوا : إنّ في القسم بالعظماء والمقدّسات ـ كالنبيّ والكعبة ـ فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.

وأمّا الحنابلة فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله وبصفاته سبحانه حرام ، حتّى لو كان حلفاً بالنبيّ أو بأحد أولياء الله تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الأربعة ، ولسنا الآن بصدد مناقشتهم ، ولكن الحري بفقهائهم ـ ولاسيّما في العصر الراهن ـ فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد ، إذ كم ترك السلف للخلف.

على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لأنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب المغني ـ الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة ـ : « أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبيّ ، وأنّه ينعقد لأنّه أحد ركني الشهادة »(١) .

وقال أحمد : « لو حلف بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انعقدت يمينه ، لأنّه حلف بما لا يتمّ الأيمان إلاّ به فتلزمه الكفّارة »(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : المغني لابن قدامة ١١ / ٢٠٩.

٢ ـ المجموع ١٨ / ١٨.

٦٥
٦٦

قول آمين في الصلاة :

( السيّد سلمان ـ البحرين ـ )

لا يصحّ لتوقيفية العبادات :

س : أمّا بعد ، لا أرى أيّ مانع في استخدام كلمة آمين في الصلاة ، إذا كانت بمعنى : اللهم استجب ، فالصلاة في طبيعة الحال هي نوع من أنواع الدعاء ، الذي تصحبه حركات نصّ الباري عليها ، ليقوم بها العبد للتأكيد على صدقية هذا الدعاء ، والحاجة إليه ، وللاعتراف بربوبية الله عزّ وجلّ.

كما أنّ كلمة آمين كثيراً ما تنطلق من أفواه خطبائنا على المنابر بعد الفراغ من مجالس الذكر ، فهل يجوز ذكرها على المنابر؟ ولا تجوز في الصلاة؟ وما هو الفرق؟

ج : إنّ العبادات توقيفية ، بمعنى عدم جواز الإضافة من عندنا ، وأن كانت حسنة المعنى ، بل الالتزام بكُلّ تفاصيلها بما ورد من نصوص في ذلك.

وكلمة آمين كلمة حسنة ، نستعملها ونستعمل غيرها من الألفاظ ، ولكنّ استعمالها في الصلاة يحتاج إلى نصّ صريح ، ولم يرد النصّ فتكون بدعة ، والبدعة : إدخال شيء ما في الدين وهو ليس منه.

ونعطيك مثالاً آخر يوضّح لك المطلب : من المستحبّات صلاة ألف ركعة في شهر رمضان ، كانت تصلّى هذه الألف في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي بكر فرادى ،

٦٧

ولمّا كان في عهد عمر بن الخطّاب ، دخل المسجد فرأى الناس يصلّونها فرادى ، فجمعهم فصلّى بهم هذه النافلة جماعة ، ثمّ قال : نعمت البدعة هذه(١) .

أُنظر يا أخي ، تارة يكون الملاك الالتزام بما جاء به الشرع ، وتارة يكون بالذوقيات ، لا بما حدّده الشرع ، والعقل والفطرة والقرآن والسنّة كُلّها تدلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشرع ، وإلاّ فكان الدين لعبة بيد الحكّام ، تتلاعب به الأذواق.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

مبطل للصلاة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة العقائدية الهادفة ، وأتمنّى لكم دوام النجاح.

سؤالي هو بخصوص آمين ، حيث أنّ علماء الشيعة لم يتوحّدون على جواب واحد : فمنهم من يقول : إنّ آمين تبطل الصلاة ، لأنّ أي زيادة أو نقصان في الصلاة هو مبطل لها ، مع أنّكم تستحبّون بقول شيء آخر غير آمين ، ولا أتذكر بالضبط القول الذي تقولونه بعد( وَلاَ الضَّالِّينَ ) .

فهل يوجد حديث يحرّم أو ينهي على قول آمين ، سواء في كتب العامّة؟ أو في كتبكم؟ وشكراً لكم.

ج : الكلام في قول آمين كما يلي : إنّ هذه اللفظة لم ترد على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الحمد ، وبما أنّ العبادات ـ وعلى رأسها الصلاة ـ توقيفية ، بمعنى أنّها موقوفة على إذن الشارع وما ورد عنه ، فيجب التقيّد بما صدر عنه فيها.

فإذا لم تكن لفظة آمين واردة عن الشارع ، فإمّا أن يقصد المصلّي من الإتيان بها بعد الحمد أنّها جزء من الصلاة ـ كما يفعله أهل السنّة ـ أو لا يقصد الجزئية بها.

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، المصنّف للصنعاني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، الموطّأ ١ / ١١٤.

٦٨

فإن كان الأوّل فالصلاة باطلة ، لدخولها تحت عنوان البدعة ، والتي هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين.

وإن لم يقصد بها الجزئية ـ سواء الجزء الواجب أو المستحبّ ـ فتارة يقصد بها مطلق الدعاء لله تعالى ، والذي هو بمعنى : ربّ استجب ، وأُخرى يأتي بها لا بعنوان الدعاء.

فإن قصد الأوّل فلابأس به ، ويجوز الإتيان بها بعنوان مطلق استحباب الدعاء في إثناء الصلاة ، وإن لم يقصد الدعاء فالصلاة باطلة ، لأنّه لغو وكلام زائد في الصلاة ، وقد اتفق الأعلام على أنّ الكلام الزائد في الصلاة عمداً مبطل لها.

وأمّا ما تقوله الشيعة بعد سورة الحمد ، فهو عبارة عن دعاء ، قولهم : الحمد لله ربّ العالمين ، وقد وردت النصوص والروايات الكثيرة في استحباب هذا الدعاء بعد سورة الحمد ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة ، والتي تقول باستحباب الدعاء وذكر الله في كُلّ وقت ومكان.

( أبو أحمد ـ الكويت ـ )

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : نشكركم على جهودكم الطيّبة ، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.

أمّا بعد : هل توجد روايات في كتب العامّة ، من أنّ أوّل من سنّها في الصلاة عمر؟ أي : قول آمين ، هذا وتقبّلوا منّا فائق الاحترام والشكر.

ج : لم يقل أحد من الشيعة أو السنّة بأنّ عمر سنّ قول آمين في الصلاة ، ولكنّ الوارد في رواياتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّها من البدع التي أُحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا حكم فقهاء الشيعة ببطلان الصلاة حال التلفّظ بها بقصد الجزئية ، كما يفعله أهل السنّة.

٦٩

وما ورد في روايات أهل السنّة عن قول آمين كُلّها تعاني من مشاكل في أسانيدها ، فمنها المرسل ، ومنها مروية عن رجال متّفق على تضعيفهم ، ومنها مروية عن رجال مختلف فيهم ، ومنها مروية عن مجهولين ، وهكذا.

إذاً ، كُلّها أحاديث عليها علامات استفهام ، ولا يصحّ الاعتماد عليها.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند :

س : أنا سنّي مالكي ، أُريد الإجابة على سؤالي : ما هو الدليل بأنّ التأمين بدعة ، يوجد حديث في الكتب السنّية بأنّ التأمين سنّة نبوية ، فما هو تعقيبكم على ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : التأمين في الصلاة بعد قراءة الحمد محظور ومبطل عند الشيعة ، لخروجه عن مصداقية الصلاة ، إذ هو من كلام الآدميين ، ولا يصلح شيء منه في الصلاة ، ولهم في هذا المجال أحاديث وردت عن طريق أئمّتهمعليهم‌السلام .

ويؤيّد هذا الحكم بأنّ الروايات التي وردت عند أهل السنّة لمشروعية التأمين ، بأجمعها غير صالحة للاستناد بسبب ضعف السند ، إذ أكثرها نقلت عن أبي هريرة ، وهو كما نعلم مغموز فيه ، ويكفيك أن تقرأ كتابي : أبو هريرة للسيّد شرف الدين ، وشيخ المضيرة أبي هريرة للشيخ محمود أبو ريّة ، لتطلّع على شخصيته.

وبعضها القليل قد جاء في طريقه محمّد بن كثير العبدي ، الذي جرّحه يحيى بن معين ، وبعضها الآخر قد اشتمل على حجر بن عنبس في السند ، الذي أنكره ابن القطّان ، وقال : إنّه لا يعرف ، وأحياناً وردت عن أبي عبد الله ، الذي أنكره صاحب الزوائد ، وعن بشر بن رافع ، الذي ضعّفه أحمد ، ونسبه ابن حبّان بالوضع في الرواية.

٧٠

فهي كما ترى لا يوجد فيها حديث صحيح السند ، قابل للاعتماد في إثبات هذه السنّة المزعومة!!

ثمّ على فرض ورود أحاديث في هذا المجال ، فهي متعارضة مع روايات أُخرى تحدّثت عن صلاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرد فيها التأمين ، فعلى سبيل المثال :

عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : فأعرض علينا ، قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر(١) ، فلم يذكر التأمين ، وعليه فيجب علينا إسقاط طرفي المعارضة من الحجّية ـ كما هو مقرّر في علم الأُصول ـ ثمّ الحكم بعدم ورود التأمين في الصلاة.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٧٢ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، شرح معاني الآثار ١ / ٢٢٣ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٩٦.

٧١
٧٢

القياس :

( أحمد أزهر ـ الإمارات ـ )

في نظر الشيعة :

س : هل تؤمن الشيعة بمبدأ القياس في التشريع الإسلامي؟

ج : الشيعة لا تعمل بالقياس في أحكامها الشرعية ، وذلك لوجود النهي عنه في النصوص الشرعية ، ولبطلانه عقلاً ، ولوجود قواعد كُلّية وأدلّة تامّة تغنينا عن إعمال القياس.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تعريفه :

س : ما معنى القياس الذي يعدّه العامّة مصدراً من مصادر التشريع في فقههم؟ ومن المعلوم أنّ القياس باطل في عرف مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الحقّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ القياس في اللغة هو : التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع ، إذ قدّرته به ، وفي الاصطلاح عرّف تارة بالاجتهاد ، وأُخرى ببذل الجهد لاستخراج الحقّ ، ولكن يرد على هذين التعريفين أنّهما غير جامعين ولا مانعين.

أمّا كونهما غير جامعين ، فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم.

٧٣

وأمّا كونهما غير مانعين ، فلدخول النظر في بقية الأدلّة ، كالكتاب والسنّة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنّها ليست من القياس المصطلح بشيء.

والمشهور أنّه : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما ، من حكم أو صفة.

ولكن سجّلت على هذا التعريف عدّة مفارقات ، لعلّ أهمّها ما أورده الآمدي عليه من لزوم الدور ، ولهذا عرّفه الآمدي بأنّه : « عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل »(١) .

وعرّفه ابن الهمام : « هو مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعي ، لا تدرك بمجرّد فهم اللغة » ، ويبدو أنّ هذا التعريف أسلم التعاريف من الإشكالات والمؤاخذات.

ثمّ إنّ الذي رفضه أهل البيتعليهم‌السلام من القياس ، هو القياس في الأحكام الشرعية ، لعدم إحراز علّة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، وأمّا القياس في مجال أُصول العقائد فلا مانع فيه.

( جابر عبد الواحد ـ البحرين ـ )

أدلّته :

س : أشكركم على جهودكم ، وأسألكم عن أدلّة القياس التي أعتمد عليها أهل السنّة في حجّيته؟ مع ذكر ردّ علمائنا عليهم ، وأرجو أن يكون فيه شيء من التطويل ، وجزاكم الله خير الجزاء.

ج : الأدلّة التي ذكرها المثبتون للقياس كثيرة ، وهذه الأدلّة تعتمد على الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

أدلّتهم من الكتاب : وقد استدلّوا من الكتاب بعدّة آيات هي :

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٣ / ١٩٠.

٧٤

١ ـ قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (١) .

وتقريبها : أنّ القياس بعد استنباط علّته بالطرق الظنّية من الكتاب والسنّة ، يكون ردّاً إلى الله والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهما بهذه الآية ، ومعناه أنّنا مأمورون بالرجوع إلى القياس عند التنازع ، وليس معنى الأمر بذلك إلاّ جعل الحجّية له.

ولكن يرد عليه بعض المؤاخذات وهي :

أ ـ إنّ دلالة الآية متوقّفة على أن يكون القياس الظنّي ردّاً إلى الله والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا إلى هذه الآية ونظائرها لإثبات كونه ردّاً.

ب ـ الآية إنّما وردت في التنازع والرجوع إلى الله والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً ، لاختلاف الظنون.

وعلى هذا ، فالآية أجنبية عن جعل الحجّية لأيّ مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع إلى من له حقّ القضاء ، والحكم باسم الإسلام لفضّ الخصومات.

ج ـ إنّ الآية لا تدلّ على حجّية القياس بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها إلى مقام الإفتاء والعمل الشخصي ، لا يتمّ إلاّ من طريق السبر والتقسيم أو غيره.

٢ ـ قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) (٢) .

__________________

١ ـ النساء : ٥٩.

٢ ـ الحشر : ٢.

٧٥

موضع الدلالة من الآية كلمة اعتبروا ، بدعوى أنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار فقد أُمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجّيته.

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتّضح لها وجه ، وذلك :

أ ـ إنّ إثبات الحجّية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان ، هو أنّنا لو صرّحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مراداً لصاحبه.

ب ـ مع التنزّل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها ، إلاّ أنّها واردة لجعل الحجّية لأصل القياس كدليل.

٣ ـ قوله تعالى :( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (١) .

وقد قرّب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : إنّ الله عزّ وجلّ ، استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإنّ الله عزّ وجلّ قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدأ خلقها وإنشائها أوّل مرّة ، لإقناع الجاحدين بأنّ من قدر على بدأ خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسّيات ، ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان.

والجواب على هذا التقريب :

أ ـ إنّ هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجّية القياس ، لصحّ أن يعقّب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلّم الكلام كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر.

__________________

١ ـ يس : ٧٨ ـ ٧٩.

٧٦

ب ـ لو سلّم ذلك ـ جدلاً ـ فالآية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجّية لأصل القياس لا لمسالكه ، والدليل الذي يتكفّل حجّية الأصل لا يتكفّل بيان ما يتحقّق به.

ج ـ ولو سلّمنا أيضاً دلالته على حجّية مسالكه ، فهي لا تدلّ عليها بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، لأنّ الآية إنّما وردت في قياس الأُمور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها إلى الأُمور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره ، فيلزم الدور.

٤ ـ قوله تعالى :( فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) .

قد استدلّ بها الشافعي على حجّيته ، حيث قال : « فهذا تمثيل الشيء بعدله ، وقال تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكّل ذلك إلى اجتهادنا ورأينا »(٢) .

والجواب : إنّ الشارع وإن ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلاّ أنّه على وفق ما جعل لها الشارع ، أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظنّي من هذه الطرق كالبيّنة هو موضع الخلاف ، والآية أجنبية عن إثباته.

٥ ـ قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (٣) .

قد استدلّ بها ابن تيمية على القياس بتقريب : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية.

وقد أجاب عنه الشوكاني : « بمنع كون الآية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلّمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها ، فإنّه لا تسوية إلاّ في الأُمور المتوازنة ، ولا توازن إلاّ عند القطع بنفي الفارق ، لا في

__________________

١ ـ المائدة : ٩٥.

٢ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٧.

٣ ـ النحل : ٩٠.

٧٧

الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة »(١) .

والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.

أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :

أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : « فإن لم تجد في كتاب الله »؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : «فإن لم تجد في سنّة رسول الله ، ولا في كتاب الله »؟ قال : أجتهد رأيي ، قال : فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدره ، وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله »(٢) .

وتقريبه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.

ويردّ على الاستدلال بالرواية :

١ ـ إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.

٢ ـ إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :

أ ـ إنّ إقرار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.

__________________

١ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٨.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ، سنن الدارمي ١ / ٦٠ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١١٤ ، مسند أبي داود : ٧٦.

٧٨

ب ـ إنّ هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختصّ باب القضاء بأحكام لا تسري إلى عالم الإفتاء.

ج ـ إنّ هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي ، ولا أقلّ من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعاً بين هذه الأدلّة.

ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للقياس ، وبما أنّ عمله حجّة باعتباره سنّة واجبة الإتباع ، فإنّ هذه الطائفة من الأحاديث دالّة على حجّية القياس.

والأحاديث التي ذكروها كثيرة :

منها : حديث الجارية الخثعمية أنّها قالت : يا رسول الله ، إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك »؟ قالت : نعم ، قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء ».

ووجه الاحتجاج به كما قرّبه الآمدي : إنّه ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس.

ومنها : الحديث الذي جاء فيه : إنّه قال لأُمّ سلمة ، وقد سئلت عن قُبلة الصائم : هل أخبرته أنّي أُقبّل وأنا صائم ، وإنّما ذكر ذلك فيما يقول الآمدي تنبيهاً على قياس غيره عليه.

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا : نعم ، فقال : «فلا إذن »(١) .

والجواب على هذه الأحاديث :

١ ـ إنّ هذه الأحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجّية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها ، جعل الحجّية لمثل أقيستهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا كان معلوم العلّة لديه ، كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته ، من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الأحكام.

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٤ / ٣٤.

٧٩

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيباً ، لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف(٢) .

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!

٢ ـ إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.

فالكبرى ـ وهي مطوية ـ : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون الله وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دين الله لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فدين الله أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.

ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.

__________________

١ ـ النجم : ٤.

٢ ـ الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٦ / ٧٧٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

صورة وشكل المعجزة ، التي يريدها الناس منهم ، مع ملاحظة المصلحة في المقام ، كما حدث للنبي صالحعليه‌السلام حينما أخرج لقومه ناقة مع فصيلها ، حينما طالبه قومه بإظهارها كمعجزة لإثبات نبوّته ، ومن دون سبق إنذار.

( محمّد ـ ـ طالب )

لازمة لكُلّ نبي :

س : لماذا يحتاج كُلّ نبي إلى معجزة لإثبات نبوّته؟ ومع الشكر الجزيل.

ج : تكليف عامّة البشر واجب على الله تعالى ، وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة ، والأدلّة العقلية الواضحة ، فإنّ البشر محتاجون إلى التكليف في طريق تكاملهم ، وحصولهم على السعادة الكبرى ، والتجارة الرابحة.

فإذا لم يكلّفهم الله تعالى ، فإمّا أن يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف ، وهذا جهل يتنزّه عنه المولى عزّ وجلّ ، وإمّا لأنّ الله أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم ، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق ، وإمّا لأنّه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك ، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق ، فلابدّ من تكليف البشر.

ومن الضروري أنّ التكليف يحتاج إلى مبلّغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه :( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) .

ومن الضروري أيضاً أنّ السفارة الإلهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدّعون ، ويرغب في الحصول عليها الراغبون ، ونتيجة هذا أن يشتبه الصادق بالكاذب ، ويختلط المضلّ بالهادي ، فلابدّ لمدّعي السفارة أن يقيم شاهداً واضحاً يدلّ على صدقه في الدعوى ، وأمانته في التبليغ ، ولا يكون هذا الشاهد من الأفعال العادّية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها ، فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية.

__________________

١ ـ الأنفال : ٤٢.

٢٨١

وإنّما يكون الإعجاز دليلاً على صدق المدّعي ، لأنّ المعجز فيه خرق للنواميس الطبيعية ، فلا يمكن أن يقع من أحد إلاّ بعناية من الله تعالى ، وإقدار منه ، فلو كان مدّعي النبوّة كاذباً في دعواه ، كان إقداره على المعجز من قبل الله تعالى إغراء بالجهل ، وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى.

فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالّة على صدقه ، وكاشفة عن رضا الحقّ سبحانه بنبوّته.

٢٨٢

الملائكة :

( ـ ـ )

علمها بأنّ الإنسان يسفك الدماء :

س : قالت الملائكة لله تعالى : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) (١) ، فظاهر الآية أنّ الملائكة كانت على علم بما سيقع ، من أين علمت؟ ونلاحظ أنّ الملائكة في ظاهر الآية أبدت اعتراض لمشيئة الله ، فكيف نفسّر هذا؟

ج : إنّ الملائكة قد رأوا من قبل ما فعله الجنّ في الأرض من الفساد ، والحديث عن الخلافة الإلهية في الأرض ، وهذه لا تتلائم مع السفك والفساد ، فبتحليلهم الخاصّ كأنّما قالوا في مقام الاستفهام وليس الاعتراض والاستنكار : أنّه كيف تجعل فيها خليفة لك ، وهو بطبيعته سوف يسفك الدم ويفسد في الأرض ، كما حدث لأبناء آدمعليه‌السلام ؟

فأجابهم الله تعالى :( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ، كما أنّه يعلم غيب السماوات والأرض.

هذا ، وأجاب السيّد الطباطبائي بجواب آخر فقال : « قوله تعالى :( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) إلى قوله :( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) مشعر بأنّهم إنّما فهموا وقوع الإفساد وسفك الدماء من قوله سبحانه :( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٢) ، حيث أنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى

__________________

١ ـ البقرة : ٣٠.

٢ ـ البقرة : ٣٠.

٢٨٣

الغضبية والشهوية ، والدار دار التزاحم ، محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، مركباتها في معرض الانحلال ، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان ، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية ، ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون ، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء.

ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلاّ بكثرة من الأفراد ، ونظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد والسفك ، والخلافة وهي قيام شيء مقام آخر لا تتمّ إلاّ بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجودية ، وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف ، والله سبحانه في وجوده مسمّى بالأسماء الحسنى ، متّصف بالصفات العليا ، من أوصاف الجمال والجلال ، منزّه في نفسه عن النقص ، ومقدّس في فعله عن الشرّ والفساد جلّت عظمته ، والخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف ، ولا يحكي بوجوده المشوب بكُلّ نقص وشين الوجود الإلهي المقدّس المنزّه عن جميع النقائص وكُلّ الأعدام ، فأين التراب وربّ الأرباب.

وهذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه ، واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة ، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء ، والدليل على ذلك قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم :( إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (١) حيث صدّر الجملة بأن التعليلية المشعرة بتسلّم مدخولها ، فافهم.

فملخّص قولهم يعود إلى أنّ جعل الخلافة إنّما هو لأجل أن يحكى الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده ، والأرضية لا تدعه بفعل ذلك ، بل تجرّه إلى الفساد والشر ، والغاية من هذا الجعل وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك ، فنحن خلفاؤك أو فاجعلنا خلفاء لك ، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فردّ الله سبحانه ذلك عليهم بقوله :( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) (٢) .

__________________

١ ـ البقرة : ٣٢.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن ١ / ١١٥.

٢٨٤

( أبو ياسر الجبوري ـ سويسرا ـ )

الله تعالى غير محتاج لهم :

س : سؤالي هو : إن كان الله غير محتاج لأحد ، فلماذا خلق الله الملائكة رغم زهده فيهم؟ وفّقكم الله لمرضاته.

ج : إنّ خلق الله تعالى للملائكة ليس بسبب الحاجة إلى مراقبة العباد في أعمالهم ، والاستعانة بالملائكة لأُمور خلقه ، بل الله أكرم من أن يحتاج إلى أحد من خلقه ، إذ كيف يحتاج إلى مَن هو محتاج إليه؟ وقوله تعالى :( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) (١) دليل على افتقار الملائكة إليه.

وعلمه تعالى بما يفعله العباد يدلّ على أنّه غير محتاج إلى الاستعانة بالملائكة ، وقد أشار إلى إحاطته بأعمال عباده بقوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٢) أي : يعلم دقائق وتفاصيل أعضائه فضلاً عن خطرات قلبه ، فلا يحتاج إلى أن تعلمه الملائكة بذلك ، بل خلقه للملائكة لا من باب الحاجة بل من جهة أنّ الله تعالى قد خلق هذا الكون حسب نظام ومقتضيات وأسباب ، وأراد تعالى أن تجري أُمور هذا الكون بأسبابها ، وفق قوانينه التي خلقها لهذا الكون ، فهذا الكون وما فيه تحت هيمنته وجبروته لا يتخلّف عنه طرفة عين أبداً.

قال الإمام عليعليه‌السلام في دعاء كميل : « وكلّ سيئة أمرت باثباتها الكرام الكاتبين الذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي ، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي ، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم ، والشاهد لما خفي عنهم »(٣) .

__________________

١ ـ البقرة : ٣١ ـ ٣٢.

٢ ـ ق : ١٦.

٣ ـ مصباح المتهجّد : ٨٤٩.

٢٨٥

ومعنى هذا : أنّ الملائكة يخفى عليهم ما لا يخفى على الله تعالى ، فكيف هو يحتاج إليهم ويستعين بهم؟ بل الصحيح ـ والله أعلم ـ أنّ ذلك لانتظام الكون وشؤون الخلق ، فخلق الملائكة وكلّفهم بمهام وقضايا هو أعلم بها.

( سعد الحسيني ـ العراق ـ )

حول نورهم وسجودهم :

س : أرجو التفضّل بالإجابة على التساؤل التالي : هل إذا اجتمعت الملائكة يصبح نورهم مساوياً لنور الله عزّ وجلّ؟ وهل سجد جميع الملائكة لآدم عليه‌السلام ؟ أم جزء منهم؟ أرجو تقبّل الشكر الجزيل.

ج : إنّ نور الله تعالى نور أزلي غير مخلوق لا نعرف كنهه ، بينما نور الملائكة نور حادث مخلوق ، وعليه لا يمكن أن نقيس نور من الأنوار بنور الله تعالى ، هذا أوّلاً.

وثانياً : قد سجد جميع الملائكة لآدمعليه‌السلام إلاّ إبليس ، وذلك لصريح الآية :( فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ ) (١) ، فكلمة( كُلُّهُمْ ) و( أَجْمَعُونَ ) تدلاّن على سجود كُلّ الملائكة إلاّ ما استثنته الآية ، وهو إبليس لعنة الله عليه.

( ـ سوريا ـ ١٦ سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

أُريد أن أنوّه إلى الأخ سعد الحسيني في سؤاله عن سجود الملائكة لآدم عليه‌السلام ، بعد أن أجاب مركز الأبحاث العقائدية جزاه الله تعالى عنّا كُلّ خير : أنّ إبليس لعنه الله ليس من الملائكة ، بل هو من الجنّ ، وقد خلقه الله تعالى من نار.

__________________

١ ـ ص : ٧٢ ـ ٧٣.

٢٨٦

قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) (١) ، وهذا يدلّ أنّ إبليس لعنه الله ليس من الملائكة ، ولكنّه كان عبداً صالحاً ، وقد عصى الله تعالى وأصرّ على معصيته ، ولم يستغفر ربّه ولم يتب إليه ، فخرج من رحمة الله تعالى ، وهبط إلى الأرض.

( زهرة ـ البحرين ـ )

وظائفها :

س : لماذا خلق الله الملائكة؟ ولماذا كلّفهم بمهمّات معيّنة ومحدّدة؟ شاكرين لكم إجابتكم.

ج : حكمة خلق الملائكة ـ كما تظهر من بعض النصوص ـ هي لتنفيذ مشيئة الله تعالى في خلقه ، فمهمّتهم تلقّي الأوامر من مبدأ الخلق وإيصالها إلى عالم الخلق ، إمّا تشريعاً ـ كإيصال الوحي إلى الأنبياء ـ وإمّا تكويناً في موارد الإرادة التكوينية.

وبما أنّ إرادة الباري تعالى ومشيئته غير قابلة للخطأ والزلل ، فلابدّ أن تكون آلاتها وأدواتها مصونة من ذلك ، وهذا معنى عصمة الملائكةعليهم‌السلام .

وبما أنّ الوظائف والمهمّات التي يتولّونها هي مختلفة وأحياناً متغايرة ، فلابدّ من تقسيم الوظائف والتكاليف بالنظر إلى الأدوار التي خصّصوا للقيام بها.

( عصام البعداني. اليمن )

حكمة خلقهم :

س : ما هي الحكمة من خلق الله للملائكة؟

__________________

١ ـ الكهف : ٥٠.

٢٨٧

ج : إنّ كثيراً من الحكم والعلل والأسباب لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، وعليه لا يمكننا معرفة كُلّ الحكم والعلل ، نعم يمكن أن نعرف بعضها من خلال ما ورد في القرآن الكريم ، والروايات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام .

فما ورد في القرآن قوله تعالى :( الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلآئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) ، إذاً من الحكم : أنّهم رسل من قبل الله تعالى.

وأمّا ما ورد في الروايات ممّا يفهم منه بعض الحكم فكثير ، منها :

١ ـ قول الإمام عليعليه‌السلام :« ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته ، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته ، خلقاً بديعاً من ملائكته ، وملأ بهم فروج فجاجها ، وحشا بهم فتوق أجوائها »(٢) .

٢ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : «والذي نفسي بيده! لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلاّ وفيها ملك موكّل بها »(٣) .

٣ ـ قول الإمام عليعليه‌السلام : «وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ، ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك ، وأعملهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم تتضمّنهم الأرحام ، ولم تخلقهم من ماء مهين ، أنشأتهم إنشاءً ، فأسكنتهم سماواتك »(٤) .

٤ ـ قول الإمام عليعليه‌السلام : «ثمّ فتق ما بين السماوات العلا ، فملأهن أطواراً من ملائكته : منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافّون لا

__________________

١ ـ فاطر : ١.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٢٣.

٣ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢٥٥.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٠٧.

٢٨٨

يتزايلون ، ومسبّحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان.

ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره.

ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه.

ومنهم الثابتة في الأرضيين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حُجب العزّة وأستار القدرة ، لا يتوّهمون ربّهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدّونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر »(١) .

٥ ـ قول الإمام زين العابدينعليه‌السلام ـ في الصلاة على حملة العرش وكُلّ ملك مقرّب ـ : «اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك ، ورسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ، ما ينزل من البلاء ، ومحبوب الرخاء ، والسفرة الكرام البررة ، والحفظة الكرام الكاتبين ، وملك الموت وأعوانه ، ومنكر ونكير ، ومبشّر وبشير ، ورومان فتّان القبور ، والطائفين بالبيت المعمور ، ومالك والخزنة ، ورضوان وسدنة الجنان ، والذين لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والذين يقولون : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، والزبانية الذين إذا قيل لهم : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) (٢) ابتدروه سراعاً ولم ينظروه ، ومن أوهمنا ذكره ، ولم نعلم مكانه منك ، وبأيّ أمر وكّلته ، وسكّان الهواء والأرض والماء »(٣) .

هذا ويمكن أن نعرف الحكمة من خلقهم من خلال أعمالهم التي وكّلوا بها ، والصفات التي يحملوها وهي :

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٩١.

٢ ـ الحاقة : ٣٠ ـ ٣١.

٣ ـ بحار الأنوار ٥٦ / ٢١٨.

٢٨٩

أوّلاً : أنّهم موجودات مكرّمون ، هم وسائط بينه تعالى وبين العالم المشهود ، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلاّ وللملائكة فيها شأن ، وعليها ملك موكّل ، أو ملائكة موكّلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات ، وليس لهم في ذلك شأن ، إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه ، أو تقريره في مستقرّه ، كما قال تعالى :( لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) .

ثانياً : أنّهم لا يعصون الله فيما أمرهم به ، فليست لهم نفسية مستقلّة ، ذات إرادة مستقلّة ، تريد شيئاً غير ما أراد الله سبحانه ، فلا يستقلّون بعمل ، ولا يغيّرون أمراً حملهم الله إيّاه ، بتحريف أو زيادة أو نقصان ، قال تعالى :( لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (٢) .

ثالثاً : أنّ الملائكة ـ على كثرتهم ـ على مراتب مختلفة علوّاً ودنواً ، فبعضهم فوق بعض ، وبعضهم دون بعض ، فمنهم آمر مطاع ، ومنهم مأمور مطيع لأمره ، والآمر منهم آمر بأمر الله حامل له إلى المأمور ، والمأمور مأمور بأمر الله مطيع له ، فليس لهم من أنفسهم شيء البتة ، قال تعالى :( وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) (٣) ، وقال تعالى :( مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) (٤) ، وقال تعالى :( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ ) (٥) .

رابعاً : أنّهم غير مغلوبين ، لأنّهم إنّما يعملون بأمر الله وإرادته ، قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ) (٦) ، وقال تعالى :( وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) (٧) ، وقال تعالى :( إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ) (٨) .

__________________

١ ـ الأنبياء : ٢٧.

٢ ـ التحريم : ٦.

٣ ـ الصافّات : ١٦٤.

٤ ـ التكوير : ٢١.

٥ ـ سبأ : ٢٣.

٦ ـ فاطر : ٤٤.

٧ ـ يوسف : ٢١.

٨ ـ الطلاق : ٣.

٢٩٠

إذاً ، فهم وسائط بينه تعالى وبين الأشياء ، بدءاً وعوداً على ما يعطيه القرآن الكريم ، بمعنى أنّهم أسباب للحوادث ، فوق الأسباب المادّية في العالم المشهود ، قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده.

أمّا في العود ـ أي حال ظهور آيات الموت ، وقبض الروح ، وإجراء السؤال ، وثواب القبر وعذابه ، وإماتة الكُلّ بنفخ الصور وإحيائهم بذلك ، والحشر ، وإعطاء الكتاب ، ووضع الموازين والحساب ، والسوق إلى الجنّة والنار ـ فوساطتهم فيها غني عن البيان ، والآيات الدالّة على ذلك كثيرة ، لا حاجة إلى إيرادها ، والأخبار المأثورة فيها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام فوق حدّ الإحصاء.

وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع ، من النزول بالوحي ، ودفع الشياطين عن المداخلة فيه ، وتسديد النبيّ ، وتأييد المؤمنين ، وتطهيرهم بالاستغفار.

( أبو ياسر الجبوري ـ ـ )

أيضاً يموتون :

س : منذ أيّام مرّ عليّ تساؤل حول الملائكة ، ولكنّني لم أجد الجواب لهذا السؤال ، أرجو منكم إرشادنا للجواب الصحيح.

سؤالنا هو : هل الملائكة تموت؟ وإن كانت لا تموت فما معنى الآية( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ ) (١) ، وهناك من يقول : بأنّ الله يميت ويفني كُلّ ما خلق ، لكي يبرهن قدرته على فناء كُلّ شيء ، أرجو الإجابة مع جزيل الشكر.

ج : قد روى الشيخ الحرّ العاملي بإسناده عن أبي المغرا قال : حدّثني يعقوب الأحمر قال : دخلنا على أبي عبد اللهعليه‌السلام نعزيه بإسماعيل ، فترحّم عليه ثمّ قال : «إنّ الله عزّ وجلّ نعى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه ، فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم

__________________

١ ـ الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧.

٢٩١

مَّيِّتُونَ ) ، وقال : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) » ، ثمّ أنشأ يحدّث فقال : «أنّه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد ، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد ، إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش ، وجبرائيل ، وميكائيل ».

قال : « فيجيء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي الله عزّ وجلّ فيقول له : من بقى؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل ، فيقال له : قل لجبرائيل وميكائيل فليموتا ، فتقول الملائكة عند ذلك : يا رب رسوليك وأمينيك! فيقول : إنّي قد قضيت على كُلّ نفس فيها الروح الموت.

ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي الله عزّ وجلّ ، فيقال له : من بقى؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش ، فيقول : قل لحملة العرش فليموتوا ، قال : ثمّ يجيء مكتئباً حزيناً لا يرفع رأسه ، فيقول : من بقي؟ فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، فيقال له : مت يا ملك الموت ، ثمّ يأخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه ـ أي بقدرته ـ ويقول : أين الذين كانوا يدّعون معي شريكاً؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلهاً آخر »؟(١) .

إذاً ، بموجب هذه الرواية والروايات الأُخرى الواردة في ذيل قوله تعالى :( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) (٢) أنّ الملائكة أيضاً تموت.

__________________

١ ـ الفصول المهمّة ١ / ٢٩٧.

٢ ـ آل عمران : ١٥٨.

٢٩٢

النبوّة والأنبياء :

( زينب ـ بريطانيا ـ )

من صفات النبوّة السلامة من العاهات :

س : نشكر لكم جهودكم ونتمنّى لكم كُلّ خير وصلاح.

هناك سؤال نتمنّى الإجابة عليه وهو : من صفات اختيار الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام السلامة من العاهات والأمراض المعدية ، فلماذا شاء الله تعالى أن يبلى النبيّ أيوب بالأمراض المعدية؟

ج : أوّلاً : كُلّ ما جاء في القرآن الكريم فهو تعاليم لنا ، لا تعاليم لأُمّة موسى أو عيسى أو أيوب أو سليمان أو داودعليهم‌السلام .

والله تعالى صنع بأيوبعليه‌السلام ما صنع ، لكي يدلّ على شيء واحد وهو : أنّ الله تعالى لا يدفع عن أنبيائه وأوليائه كافّة مكاره الدنيا ، وحتّى أنّه لا يمنع عنهم القتل( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (١) ،( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (٢) ،( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (٣) .

__________________

١ ـ البقرة : ٩١.

٢ ـ النساء : ١٥٥.

٣ ـ البقرة : ٨٧.

٢٩٣

هذا التأكيد في الآيات الكريمة يعطي بأنّ الله تعالى لا يعصم نبيه عصمة مادّية ، نعم الله تعالى يعصم نبيّه عصمة معنوية ، يعني لا يرضى بهوان رسوله ، ولا بهوان نبيّه.

فالله تعالى ابتلى أيوبعليه‌السلام حيث يمتحن صبره ، فعندما تحوّل إلى نوع من الاستهانة نادى أيوب ربّه ، فأجابه تعالى :( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) (١) ،( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) (٢) .

ثمّ أنّ رسل الله تعالى لهم مسؤوليتان :

الأُولى : إبلاغ ما شرّعه الله لعباده من أحكام.

والثانية : قيادة الأُمّة ، ولابدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة ، وإلاّ لا تنقاد الأُمّة إلى عالم بعلمه ، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقلية لا مادّية على من يؤمنون بعلمه ، فالأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام حيث أنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم ، فلابدّ وأن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي أن توفّرت في قائد تنقاد له الأُمّة.

فمثلاً : لا يشترط أن يكون أجمل الخلق ، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون سيء الخلق والخُلق ، فالعاهات إن كانت عاهات لا تمسّ كرامة النبيّ والولي فيصابون بها ، فالنبيّ والولي يصابون بالحمّى ، لأنّ الحمّى والرمد وأمثال ذلك لا تشمئزّ منه النفوس ، وأمّا البتور مثلاً أو الجروح ، فهذه حيث النفوس تشمئزّ منها ، فالله تعالى يجنّب رسوله أو وليّه منها.

فالعمدة في المسألة تملّك قلوب من ينقادون إليه ، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة.

__________________

١ ـ ص : ٤٠ ـ ٤١.

٢ ـ الأنبياء : ٩٠.

٢٩٤

فمن هذه الناحية العاهات تختلف : عاهات لا تشمئزّ منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم ، وإنّما يعالجونه ويأتون لزيارته ، وعاهات تشمئزّ منها النفوس ، فالله تعالى لا يجنّب رسوله من كُلّ مرض وعاهة وحمّى ورمد وأمثال ذلك ، وأمّا الطاعون والبثور والأمراض المعدية ، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر ، فالله تعالى يجنّب وليّه ونبيّه ، لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة.

( فاروق ـ المغرب ـ )

إدريس ومعجزته :

س : أُريد أن أعرف عن سيّدنا إدريس؟ ولماذا سمّي بهذا الاسم؟ وما هي معجزته؟

ج : إنّ إدريس كان نبيّاً من أنبياء الله تعالى لقوله تعالى :( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) (١) .

وقيل : سُمّي إدريس لكثرة درسه الكتب ، وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وكان خيّاطاً ، وأوّل من خاط الثياب.

وقيل : إنّ الله سبحانه علّمه النجوم والحساب وعلم الهيئة ، وكان ذلك معجزة له(٢) .

( أُمّ أحمد الدشتي ـ الكويت ـ )

المقصود بالأسباط :

س : وردت كلمة الأسباط في قوله تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ

__________________

١ ـ مريم : ٥٦ ـ ٥٧.

٢ ـ بحار الأنوار ١١ / ٢٧٠.

٢٩٥

وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) (١) فمن هم الأسباط؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : الأسباط هم أنبياء أُنزل عليهم الوحي من ذرّية يعقوبعليه‌السلام ، أو من أسباط بني إسرائيل ـ كداود وسليمان ويونس وأيوب وغيرهم ـ أرسلهم الله تعالى لإتمام الحجّة على الناس ، ببيان ما ينفعهم وما يضرّهم في أخراهم ودنياهم ، لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل.

( حسن محمّد يوسف ـ البحرين ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

عيسى ونفخ الروح :

س : من البديهي أن يوجد الولد بواسطة الأب والأمّ ، ولكن المسيحيين يعتقدون بأنّ المسيح هو ابن الله ، وذلك لوجود الأمّ دون الأب ، ولأنّ الله هو الذي نفخ في روح الأُمّ ـ على حدّ زعمهم ـ أرجو من سماحتكم توضيح هذا الإشكال.

ج : إنّ الطريقة المألوفة لولادة المولود عند البشر هي ولادته من أبٍ وأُمّ ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ؛ إنّما الكلام في أنّ هذه الطريقة هل هي من مقوّمات وجود الإنسان؟ أي أنّ الإنسان بما هو إنسان هل تتوقّف ماهية وجوده على كيفية ولادته؟

والجواب واضح : بأنّ ولادة الإنسان لا ترتبط بموضوع تعنونه وتشخّصه ، بل إنّ كيفية الولادة هي طريق الوصول إلى عالم الدنيا فحسب.

نعم ، لا ننكر أنّ الأسلوب المتعارف هو الولادة من أب وأُمّ ، ولكن إذا اقتضت المصلحة الإلهية في موردٍ ما ـ كإظهار معجزة ـ تبديل هذه الكيفية بشكل آخر فلا مانع منه ، فلا يستغرب من ولادة المسيحعليه‌السلام من دون أب لأجل إظهار المعجزة التكوينية لله تعالى في هكذا خلقه ، ثمّ تأييد رسوله ـ عيسى ـ

__________________

١ ـ النساء : ١٦٣.

٢٩٦

بها ؛ وهذا الأمر قد حدث مسبقاً عند خلق آدمعليه‌السلام وحوّاء من غير أب ولا أُمّ ، فلا يستبعد أبداً.

وأمّا مسألة النفخ في المقام ، فهي عبارة عن إيجاد الحياة ليس إلاّ ، وعليه فإنّ النفخ الذي صدر من الله تعالى في الحقيقة هو إلقاء الروح البشري عند مريمعليها‌السلام .

ويدلّنا على هذا المعنى استعمالات كلمة النفخ في الموارد المشابهة في القرآن الكريم ، مثلاً :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (١) ، إذ ليس المقصود في الآية : أنّ الباري تعالى قطع قطعةً من روحه ووهبها لمخلوقه!! بل بمعنى أنّه تعالى أعطى ومنح الوجود لهذا المخلوق ، وإضافة الروح إليه ـ روحي ـ إضافة تشريفية.

ثمّ لنا أن نقول لهم ـ على سبيل النقض ـ : إذا كانت عملية النفخ موجبة لإسناد المولود إلى الله ، فالأولى أن ينسب آدمعليه‌السلام إليه!!( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) (٢) .

( الموالي ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

التفاضل بين الأنبياء موجود :

س : ما هو الدليل القطعي على أفضلية الأنبياء على بعضهم ، رغم قوله تعالى :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٣) .

وقوله تعالى :( قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٤) .

__________________

١ ـ الحجر : ٢٩.

٢ ـ الأنعام : ١٠٠.

٣ ـ البقرة : ٢٨٥.

٤ ـ البقرة : ١٣٦.

٢٩٧

أمّا هذه الآية فتفضّل الأنبياء على بعض : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (١) ، ولكم جزيل الشكر.

ج : صرّحت الآية الشريفة :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) بوجود تفضيل إلهي واقع بين الأنبياءعليهم‌السلام ، ففيهم من هو أفضل ، وفيهم من هو مفضّل عليه ، وللجميع فضل ، فإنّ الرسالة في نفسها فضيلة ، وهي مشتركة بين الجميع.

كما صرّحت بوجود اختلاف في علوّ مقاماتهم ، وتفاوت درجاتهم ، مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة ، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد.

وأمّا بالنسبة إلى قوله تعالى :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) ، فلا يدلّ على عدم تفضيل الله تعالى بعض الأنبياء على البعض الآخر ، وقوله :( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) هو لسان حال المؤمنين ، فالمؤمنون كُلّ منهم آمن بالله تعالى ، وبملائكته وبكتبه وبرسله ، لا يفرّقون بين أحد من الرسل ، بخلاف اليهود فإنّهم فرّقوا بين موسى وبين عيسى ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبخلاف النصارى فإنّهم فرّقوا بين موسى وعيسى وبين محمّد ، فانشعبوا شعباً وتحزّبوا أحزاباً ، مع أنّ الله تعالى خلقهم أُمّة واحدة على الفطرة ، وعدم تفريق المؤمنين بين الرسل لا يدلّ على عدم وجود تفاضل بين الرسل عند الله تعالى.

ونفس هذا الكلام يأتي في قوله تعالى :( وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ

__________________

١ ـ البقرة : ٢٥٣.

٢٩٨

مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (١) .

فالآية المباركة في صدد بيان جواب المؤمنين لليهود والنصارى ، وأنّهم لا يفرّقون بين أحد من الأنبياء ، فيؤمنون ببعض ولا يؤمنون بالبعض الآخر ، وإنّما يعتقدون بجميعهم.

( ـ ـ )

دانيال وجرجيس نبيّان :

س : من هو النبيّ دانيال؟ وهل هناك نبي اسمه جرجيس؟

ج : كان دانيالعليه‌السلام نبيّاً مبعوثاً في بني إسرائيل ، حينما كانوا أسرى بيد بخت النصر في بابل ، إذ يظهر من بعض الآثار والأخبار أنّ بخت النصر قد أغار على أورشليم ـ عاصمة اليهود ـ ونهبها ، وأجلى أهلها إلى بابل في سنة ٥٨٨ ق م.

وعلى كُلّ فقد عذّبه بخت النصر في بادئ الأمر ، وثمّ بعد الوقوف على غزارة علمه وحكمته ـ بتعبيره الرؤيا الخاصّة ببخت النصر ـ أطلق سراحه ، وخفّف عن اليهود بسببه ، ولكن هوعليه‌السلام قد قبض في تلك الأيّام بعدما بشّر قومه بعودتهم إلى وطنهم ، بيد من يبيد حكم بخت النصر.

وقد دفنعليه‌السلام في مدينة شوش في محافظة خوزستان الإيرانية ، ومضجعه معروف هناك.

ويظهر من بعض الأخبار : أنّ دانيالعليه‌السلام قد لاقى نبيّ الله داودعليه‌السلام في وقتٍ ما ، وعلى ضوء ما ذكرنا ، فلابدّ أن يكون هذا اللقاء قبل نبوّة دانيالعليه‌السلام بفترة غير وجيزة ، وعليه يجب أن نلتزم بأنّ دانيالعليه‌السلام كان من المعمّرين.

وأمّا جرجيسعليه‌السلام ، فقد جاء ذكره في عداد الأنبياءعليهم‌السلام في موارد كثيرة(٢) ، وأنّه بعث إلى ملك بالشام كان يعبد الأصنام فردعه عنها فلم

__________________

١ ـ البقرة : ١٣٥ ـ ١٣٦.

٢ ـ بحار الأنوار ١٤ / ٤٤٥ و ٣٩ / ٦٤.

٢٩٩

يرتدع ، بل وحبس جرجيسعليه‌السلام وعذّبه بشتّى الطرق ، وظهرت منهعليه‌السلام في هذه الفترة معاجز وكرامات ، أدّت إلى اعتقاد جماعة كثيرة من الناس ، وحتّى من حاشية الملك المذكور بنبوّته ورسالته.

( ـ ـ )

عدم اشتراط النبوّة بعمر خاصّ :

س : إنّ الأنبياء عليهم‌السلام لا يصبحون أنبياء إلاّ إذا أصبحوا أعمارهم ( ٤٠ ) عاماً ـ مثل الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بغض النظر عن معجزاتهم عليهم‌السلام قبل الرسالة ـ مثل النبيّ عيسى عليه‌السلام ـ فلماذا لا ينطبق ذلك على الأئمّة عليهم‌السلام ، فهل شروط الإمامة مغايرة لشروط النبوّة؟

ج : ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، أضف إلى ذلك فإنّ شرائط النبوّة لا تتحد في جميعها مع شرائط الإمامة ، فإن بينهما اتحاد واختلاف.

( السيّد علي ـ ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أنتم قلتم في ردّكم : ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، ولكن هذه الآية : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً ) (١) تثبت أنّ من شروط الأنبياء عليهم‌السلام هي الرجولة ، ولكن ما هو العمر المقصود هنا؟ والله ولي التوفيق.

ج : إنّ الجواب كان ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، والجواب لا يوحي إلى نفي أي شرط ، بل بالنسبة إلى العمر لا يوجد أيّ دليل يحدّد الأنبياء بعمر معيّن.

__________________

١ ـ يوسف : ١٠٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667