موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310253 / تحميل: 7151
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

( ميكائيل ـ ـ )

رواية ضرب موسى لملك الموت ضعيفة :

س : بارك الله جهودكم الطيّبة ، ووفّقكم لنصرة أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، أمّا بعد ، لدي سؤال أرجو أن أحصل على الإجابة الشافية منكم عليه :

هل صحيح أنّ رواية ضرب النبيّ موسىعليه‌السلام لملك الموت حتّى فقأ عينه صحيحة عند علماء الشيعة؟ حسب ما ذكر لي أحد المناقشين من أهل السنّة في المصادر التالي : لئالى الأخبار ، الأنوار النعمانية ، المحجّة البيضاء ، البرهان ، بحار الأنوار ، وفّقكم الله لما يحبّه ويرضاه.

ج : كُلّ الأحاديث المذكورة هي أحاديث ضعيفة غير معتمدة ، منقولة من كتب متأخّرة ، أُلّفت بعد القرن العاشر الهجري ، وكما تعلمون : فإنّ وجود رواية في مصادر الحديث عند الشيعة لا يعني أن تكون صحيحة ويجب العمل بها ، فكيف وأن ما ذكر موجود في مصادر متأخّرة ، وفي بعضها كالمحجّة البيضاء فإنّها منقولة عن مصادر أهل السنّة ، وعلى المدّعي أنّ الشيعة تعمل بهذه الروايات وتعتقد بها إثبات هذا المدّعى بالدليل ، ووفقاً على مباني الشيعة.

( مريم ساجواني ـ الإمارات ـ )

حكمة ذكر النبيّ موسى أكثر من غيره :

س : ما الحكمة من ذكر قصّة نبي الله موسى عليه‌السلام في القرآن الكريم أكثر من باقي الأنبياء عليهم‌السلام ؟

ج : يمكن أن يقال : أنّ الحكمة في ذكر قصّة موسىعليه‌السلام في القرآن الكريم أكثر من باقي الأنبياء ، وذلك لما في عهد موسىعليه‌السلام من قضايا كثيرة تكون عبراً ودروساً ، ولكون قومه اليهود الذين أتمّ الله عليهم الحجّة أبوا إلاّ عتواً واستكباراً ، ومراحل التدرّج مع اليهود ومحاولات الهداية لهم ، فكانت نبوّة موسىعليه‌السلام مليئة بالحوادث والإثارات التي يمكن أن يستلهم منها الكثير من الدروس.

٣٠١

( مهند ـ البحرين ـ )

نوح الأب الثاني للبشرية :

س : لماذا لقّب نبي الله نوح عليه‌السلام بأنّه ثاني أب للبشرية بعد آدم عليه‌السلام ؟ ألم يكن في السفينة معه بشر غيره؟ وألف سلام لكم وتحية.

ج : يستفاد من الآية :( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ) (١) ، أنّ البشرية بعد نوحعليه‌السلام تكوّنت من نسله ، وأنّ الآخرين الموجودين في السفينة قد انقرضوا فيما بعد ، ولكن توجد رواية في تفسير القمّي لهذه الآية : بأنّ ولد آدمعليه‌السلام بالعموم لم يكونوا من ولد نوح بعد الطوفان(٢) ، بل أنّ الآية بصدد حصر المؤمنين من ولد آدمعليه‌السلام في عقب نوحعليه‌السلام .

وممّا ذكرنا يظهر أن لقب الأب الثاني للبشرية ، لا يمكن التأكّد عليه إلاّ من باب المجاز والتوسّع في الكلمة ، وعلى أيّ حال فالأمر سهل ، كما لا يخفى على المتأمّل.

( أحمد عيسى ـ البحرين ـ ٢٢ سنة ـ خرّيج معهد )

حكمة منع آدم الأكل من الشجرة :

س : أوّلاً نشكركم على فكرة طرح الأسئلة ، سؤالي هو : ما هي الحكمة من منع الله تعالى آدم عليه‌السلام من الأكل من تلك الشجرة؟

ج : الآيات القرآنية في آدمعليه‌السلام ، وفي هذا الموضوع بالذات ، تشير إلى وجود نوع من اختبار خاصّ ، وفتنة من نوع خاصّ مغاير للاختبار والفتنة الدنيوية ، وفيه إشارة إلى ما ستؤول إليه البشرية من بعد آدم ، وما ستبتلي به من الامتحان والاختبار.

__________________

١ ـ الصافات : ٧٧.

٢ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢٢٣.

٣٠٢

قال تعالى :( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ ) (١) .

وقال تعالى :( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) (٢) .

حيث تشاهد بوضوح مسألة الامتحان ووسوسة الشيطان والاختبار ، وفي آخر الآيات ينجرّ الامتحان ليشمل الجميع من ذرّيته وولده.

هذا كُلّه أن استطعنا أن نتوصّل إلى حكمة وعلّة هذا المنع من أكل الشجرة ، الذي يعود إلى الامتحان والاختبار ، وإلاّ فإنّه ربما لم نتوصّل إلى سبب وحكمة بعض الأعمال ، وليس من الواجب أن يتّضح سبب وحكمة كُلّ الأعمال.

( أبو أحمد الموسوي ـ بريطانيا ـ ٣٧ سنة ـ مهندس كيمياء )

أجساد المعصومين لا تبلى :

س : ورد في سيرة مولانا أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام ، قصّة الراهب النصراني ، والاستسقاء متوسّلاً بعظم لأحد الأنبياء عليهم‌السلام ، فكيف يتّفق هذا مع المشهور من أنّ الأجساد الشريفة للأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، وكذا الشهداء

__________________

١ ـ الأعراف : ٢٧.

٢ ـ طه : ١١٧ ـ ١٢٦.

٣٠٣

والصالحين لا تبلى ، ولا ينتابها الفناء كرامة لهم؟ أفيدونا غفر الله لكم.

ج : هذه القصّة وردت في جُلّ الكتب التي دوّنت في مجال الحديث والسيرة(١) ، ممّا يبعث الاطمئان في النفس بحدوثها ؛ وفي نفس الوقت لا معارضة بينها وبين الاعتقاد بعدم فناء أجساد الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام ، إذ بناءً على هذه الرواية فإنّ رجلاً أخذ عظماً من عظام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يبعد أن يكون اقتطعه وفصله عن جسده الشريف ، وليس في الحديث إشارة إلى تفسّخ الجسد ، وانفصال العظام وتجزئتها.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

الحجّة ما بين عيسى ومحمّد :

س : من اعتقاداتنا الأساسية نحن الشيعة : أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، لكن من زمن عيسى عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هل كانت الأرض من دون حجّة؟ أو كان هناك أنبياء موجودين؟

ج : إنّ عقيدتنا بأنّ الأرض لا تخلو من الحجّة ممّا لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً ، والأدلّة الواضحة هي قائمة على هذا المدّعى ، كما لا يخفى على المتتبع في هذا المجال ، ولكن لا نعتقد أنّ هؤلاء الحجج كانوا كُلّهم أنبياء ، بل أنّ بعضهم كانوا أوصياء.

وأمّا في الفترة ما بين عيسىعليه‌السلام والنبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد تشير بعض الروايات إلى وجود بعض الأوصياء بل وحتّى الأنبياء ، فمثلاً ينقل الشيخ الصدوققدس‌سره أنّ بين نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين عيسىعليه‌السلام أنبياء وأئمّة مستورون خائفون ، منهم خالد بن سنان العبسي ، نبي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر ، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسون سنة(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : الثاقب في المناقب : ٥٧٥ ، الخرائج والجرائح ١ / ٤٤٢ ، كشف الغمّة ٣ / ٢٢٥ ، بحار الأنوار ٥٠ / ٢٧١.

٢ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٦٥٩.

٣٠٤

ويؤيّده ما ورد في كتب أهل السنّة بوجود أربعة من الأنبياء في هذه الفترة ، منهم خالد المذكور(١) ، وقد ورد في بعض الآثار : أنّ أبا طالب كان من الأوصياء في هذه الفترة(٢) .

( جمال أحمد ـ البحرين ـ )

الفرق بين النبيّ والرسول :

س : هل يوجد فرق جوهري بين النبيّ والرسول؟ أم أنّ النبيّ هو ذاته الرسول؟ الرجاء التفصيل مع ذكر الأمثلة.

ج : أختلف العلماء في تعريف النبيّ والرسول ، وبيان الفرق بينهما ، ولكن الحقّ أنّ الرسول أعلى رتبةً من النبيّ ، إذ هو يحمل رسالةً إلى من بعث إليه ، وأمّا النبيّ فلا يتحمّل هداية الآخرين.

نعم الاثنان متّفقان في مسألة نزول الوحي إليهما ، ولكن النبيّ يأتيه الوحي في المنام ، والرسول يرى جبرائيل ، ويتلقّى الوحي معاينةً ومشافهةً(٣) .

وبالجملة : فالأمر سهل ، إذ قد تجتمع لبعضهم الرتبتان معاً ، كنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله وإبراهيمعليه‌السلام ، ومن جانب قد يستعمل كثيراً التعبير بأحدهما مكان الآخر مسامحةً وعنايةً.

( زكريا عباس راضي ـ البحرين ـ )

يأجوج ومأجوج :

س : أودّ أن أسألكم ، هل هناك موضوع يحكي عن يأجوج ومأجوج في موقعكم ، فقد بحثت فيه ولم أجد ، وشكراً لكم.

__________________

١ ـ التفسير الكبير ٤ / ٣٣٠ ، روح المعاني ١٠ / ٢٩٥ ، السيرة الحلبية ١ / ٣٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٤٤٥ ، بحار الأنوار ٣٥ / ٧٣.

٣ ـ الكافي ١ / ١٧٦.

٣٠٥

ج : هناك الكثير من الأخبار الغريبة في وصف يأجوج ومأجوج نحن اعرضنا عنها ، واكتفينا بنقل الأخبار المقبولة نوعاً ما.

فيأجوج ومأجوج أُمّتان ، وهم من أولاد آدم وحوّاء ، وهو قول أكثر العلماء ، ويشهد له قول الإمام الهاديعليه‌السلام : «إنّهم من ولد يافث بن نوح »(١) .

وعن حذيفة قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يأجوج ومأجوج فقال : « يأجوج أُمّة ، ومأجوج أُمّة ، كُلّ أُمّة أربعمائة أُمّة ، لا يموت الرجل منهم حتّى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه ، كُلّ قد حمل السلاح »(٢) .

والمروي أنّهم أقوام وحشية غير متمدّنين ، بل يعيشون كالبهائم ، وقد أشار القرآن إلى أنّهم قوم مفسدون في الأرض ، وقيل من فسادهم أنّهم كانوا يخرجون فيقتلون ، ويأكلون لحومهم ودوابهم.

وعن الكلبي : كانوا يخرجون أيّام الربيع ، فلا يدعون شيئاً أخضر إلاّ أكلوه ، ولا يابساً إلاّ احتملوه(٣) .

كما إنّهم يتميّزون عن باقي الأقوام بكثرة العدد ، كما في الخبر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

كما وإنّهم من الأقوام الذين يقاتلون عيسى بن مريمعليه‌السلام بعد خروجه ، فيغلبهمعليه‌السلام ويكون ذلك بين يدي الساعة(٥) .

( أميرة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالبة )

علّة تكليم موسى :

س : لماذا النبيّ موسى عليه‌السلام هو الذي كلّمه الله تعالى؟

__________________

١ ـ الكافي ٨ / ٢٢٠.

٢ ـ مجمع البيان ٦ / ٣٨٧.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ المصدر السابق ٧ / ١٢٦.

٥ ـ الخصال : ٤٤٧.

٣٠٦

ج : أورد الشيخ الصدوق روايتين عن العلّة التي من أجلها اصطفى الله تعالى موسى لكلامه دون خلقه :

١ ـ عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى عليه‌السلام : أتدري لما اصطفيتك لكلامي دون خلقي؟ فقال موسى : لا يا ربّ ، فقال : يا موسى إنّي قلّبت عبادي ظهراً لبطن ، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي منك نفساً ، يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التراب ».

٢ ـ عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «إنّ موسى عليه‌السلام احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحاً ، قال : فصعد على جبل بالشام يقال له : أريحا ، فقال : يا ربّ إن كنت حبست عنّي وحيك وكلامك لذنوب بني إسرائيل ، فغفرانك القديم ».

قال : «فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا موسى بن عمران ، أتدري لم اصطفيتك لوحي وكلامي دون خلقي؟ فقال : لا علم لي يا ربّ ، فقال : يا موسى إنّي أطلعت إلى خلقي إطلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعاً لي منك ، فمن ثمّ خصصتك بوحي وكلامي من بين خلقي ».

قال : «وكان موسى عليه‌السلام : إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض والأيسر »(١) .

هذه بعض العلل ، وقد تكون هناك علل أُخرى ، لا يعلمها إلاّ الله والراسخون في العلم ، بالإضافة إلى أنّ مثل هذه الأُمور لا يسأل عنها لقوله تعالى :( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (٢) .

( أبو حيدر ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ بكالوريوس )

اصطفاء الأنبياء :

س : كيف يتمّ اصطفاء واختيار الأنبياء عليهم‌السلام ؟ وفي أيّ مرحلة يتمّ ذلك؟

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٥٦.

٢ ـ الأنبياء : ٢٣.

٣٠٧

ج : إنّ الله تعالى ـ ومن منطلق علمه الذاتي والأزلي ـ كان يعلم بأنّ الأنبياءعليهم‌السلام سيصلون بجدّهم وجهدهم في عالم الدنيا إلى المرتبة القصوى بين الممكنات ، بعد إعطائهم الخيار والاختيار من جانب الباري تعالى.

وبعبارة أُخرى : إنّ الله تعالى كان يعلم بوفاء الأنبياءعليهم‌السلام في عالم الوجود بكافّة المتطلّبات التي تؤهّلهم لهذا المنصب الإلهي ، وعليه فأعطاهم تلك المرتبة السامية بسبب علمه المسبق على الإعطاء.

فالنتيجة : إنّ كافّة المواهب المعطاة هي ناتجة ومكافئة على سلوكهم وسيرتهمعليهم‌السلام في الدنيا ، وإن أُعطيت من قبل.

ولا يخفى أنّ هذه النظرية قابلة للتأييد بنصوص روائية ، وعلى سبيل المثال ورد في فقرات من دعاء الندبة هكذا : «اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ، وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقرّبتهم »(١) .

والخلاصة : إنّ الفضائل والميزات التكوينية والتشريعية للأنبياءعليهم‌السلام بأجمعها هي حصيلة الجهود والمتاعب التي تحمّلوها في سبيل نشر الدين والعقيدة ، وتبليغ الوحي وزعامة الأُمّة وغيرها.

( الموالي ـ عمان ـ ٢٤ سنة )

تمنّي مريم لا ينافي التسليم :

س : سؤالي حول السيّدة مريم العذراء عليها‌السلام حين قالت : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) (٢) ، كيف نوفّق بين هذا وبين رضاها بقضاء الله وقدره؟

__________________

١ ـ إقبال الأعمال ١ / ٥٠٤.

٢ ـ مريم : ٢٣.

٣٠٨

ج : إنّ مريمعليها‌السلام حينما تمنّت الموت لم تتمنّه رفضاً منها للقضاء الإلهي وإنكاراًً له ، بل كان ذلك منها استحياءً من قومها ، وخوفاً من اتهامهم لها ، إنّه حقّاً موقف عصيب وأمر شديد ، فمريم كانت امرأة معروفة بالعفّة والصلاح والمكانة العالية ، إذا بها فجأة تحمل وتلد من غير زوج ، ماذا تقول لهم؟ وهل يصدّقونها في دعواها؟ أنّه لهذا تمنّت الموت.

وهذا لا يتنافى مع التسليم للقضاء الإلهي ، أنّه تماماً نظير موقف الإمام الحسينعليه‌السلام حينما قال : «صبراً على قضائك ، ولا معبود سواك »(١) ، ولكنّه في نفس الوقت كان قلبه يعتصر ألماً لعياله وأطفاله ، بل ولأهل الكوفة المقاتلين له ، حيث يدخلون النار بسبب قتالهم له ، بل إنّ جدّه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو المصداق البارز للراضي بقضاء الله تعالى ، كان يتألّم لقومه ويحزن من إيذائهم له ، حتّى قال : «ما أُوذي نبيّ مثل ما أُوذيت »(٢) ، إنّه كما لا منافاة بين هذا وذاك في حقّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام الحسينعليه‌السلام ، وكذلك لا منافاة بينهما في حقّ مريمعليها‌السلام .

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٣ / ٨٢.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٢ ، كشف الغمّة ٣ / ٣٤٦.

٣٠٩
٣١٠

النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله :

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

وآية عبس وتولّى :

س : فيمن نزلت الآية : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ؟

ج : قد ذهب أبناء العامّة في هذه القضية أنّها نزلت في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واعتمدوا في ذلك على أحاديث ضعيفة السند ، لأنّها تنتهي إلى من لم يدرك هذه القضية أصلاً ، لأنّه أمّا كان حينها طفلاً ، أو لم يكن ولد(١) .

وورد عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّها نزلت في رجل من بني أُمية(٢) ، والقرائن أيضاً تدلّ على أنّها بعيدة عن ساحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّ الآية تصف المعاتب بصفات منها : أنّه يتصدّى للأغنياء لغناهم ، ويتلهّى عن الفقراء لفقرهم ، وهذه الصفات بعيدة عن سجايا نبيّنا الأكرم ، إذ هو الذي وصفه الله بأنّه :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٣) .

وقال الله تعالى عن نبيّه في سورة القلم التي نزلت قبل سورة عبس( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤) ، فكيف يصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الأمر المنافي للأخلاق ،

__________________

١ ـ أُنظر : جامع البيان ٣٠ / ٦٤ ، أسباب نزول الآيات : ٢٩٧ ، الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٢١١ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٥٠١.

٢ ـ التبيان ١٠ / ٢٦٩ ، مجمع البيان ١٠ / ٢٦٦ ، الأصفى في تفسير القرآن ٢ / ١٤٠٥.

٣ ـ التوبة : ١٢٨.

٤ ـ القلم : ٤.

٣١١

ولقد نزلت آية الإنذار( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) قبل سورة عبس بسنتين ، فهل نسي الرسول ذلك ، وإذا كان نسي فما الذي يؤمننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضاً؟ وفي قوله تعالى عن الرسول :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢) .

ومن يتمعّن هذه الآيات يجد أنّها خبر محض ، ولم يُصرّح فيها بالمخبر عنه ، وقوله تعالى :( وَمَا يُدْرِيكَ ) (٣) ليس الخطاب فيها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما هو التفات من الغيبة إلى الخطاب مع العابس نفسه ، فالآية في ظاهرها لا تدلّ أنّها فيمن نزلت ، وإنّما يفسّرها لنا أهل البيت ـ وهم الثقل الثاني الذي به نعتصم من الضلال ـ فورد عنهم أنّها نزلت في رجل من بني أُمية.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى عبد الله بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً مرحباً ، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبداً »(٤) ، وكان يريد الرسول بذلك التعريض بمن صدر منه ذلك في حقّ ابن أُمّ مكتوم ، كأنّه يقول له : والله أنا لا أعاملك كما عاملك فلان.

فمدلول الآية يكون كالتالي :( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ذلك الرجل من بني أُمية( أَن جَاءهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيك ) هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب مع العابس نفسه( لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ ) أيّها العابس الغني( لَهُ تَصَدَّى ) لأهداف دنيوية( وَمَا عَلَيْك ) أيّها العابس( أَلاَّ يَزَّكَّى ) على يد شخص آخر ممّن هو في المجلس كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ،( وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ ) أيّها العابس( عَنْهُ تَلَهَّى ) لأهداف دنيوية.

__________________

١ ـ الشعراء : ٢١٥.

٢ ـ الأحزاب : ٢١.

٣ ـ عبس : ٣.

٤ ـ مجمع البيان ١٠ / ٢٦٦.

٣١٢

هذا ولكن الأيدي غير الأمينة قد حرّفت هذا الموقف ، لتدافع عن بني أُمية غفلة منها أن ذلك يكون سبب ليتشبّث به المخالفون للإطاحة بمكانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن( يَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) .

( رضا يوسف التوبلاني ـ البحرين ـ )

استشهاده مسموماً :

س : ما مدى صحّة ما ينقل من أنّ الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله استشهد مسموماً ، وما المصادر الذي تؤيّد ذلك؟ وهل تتّفقون مع ما قدّمه الكاتب المعاصر نجاح الطائي من تحقيقات تاريخية في اغتيالات الصدر الإسلامي الأوّل؟ دمتم موفّقين لكُلّ خير.

ج : إنّ استشهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مسموماً أورده الشيخ الصدوققدس‌سره ، وعدّه من عقائد الشيعة ، حيث قال : « اعتقادنا في النبيّ أنّه سُمّ في غزوة خيبر ، فما زالت هذه الأكلة تعاوده حتّى قطعت أبهره فمات منها »(٢) ، وقد أخبر النبيّ والأئمّة أنّهم مقتولون ، فمن قال : إنّهم لم يقتلوا فقد كذبهم(٣) .

نعم ، بعض القدماء من علمائنا الأبرار لم تثبت عندهم شهادة النبيّ بالسمّ ، وذلك يعود للاختلاف في المبنى ، حيث أنّ مبناهم في الأحكام والموضوعات لا يتمّ إلاّ بالأخبار المتواترة ، ومن المعلوم : أنّ شهادة النبيّ بالسمّ ، أو العمومات الدالّة على شهادة جميع المعصومين ، لم ترد بها الأخبار المتواترة التي توجب القطع ، بل وردت بها أخبار تورث الظنّ القوي.

قال العلاّمة المجلسي : « مع ورود الأخبار الكثيرة الدالّة عموماً على هذا الأمر ، والأخبار المخصوصة الدالّة على شهادة أكثرهم ، وكيفيتها كما سيأتي في أبواب تواريخ وفاتهمعليهم‌السلام ، لا سبيل إلى الحكم بردّه ، وكونه من

__________________

١ ـ التوبة : ٣٢.

٢ ـ الاعتقادات : ٩٧.

٣ ـ المصدر السابق : ٩٩.

٣١٣

الأرجاف ، نعم ليس فيمن سوى أمير المؤمنين ، وفاطمة والحسن والحسين ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسىعليهم‌السلام أخبار متواترة توجب القطع بوقوعه ، بل إنّما تورث الظنّ القوي بذلك ، ولم يقم دليل على نفيه ، وقرائن أحوالهم وأحوال مخالفيهم شاهدة بذلك »(١) .

وأمّا سؤالك عن التحقيقات التاريخية في اغتيالات الصدر الأوّل ، فهي أيضاً تبقى في دائرة الاحتمال ، لعدم وجود دليل قطعي على إثباتها أو نفيها.

( خليفة ـ ـ )

لا يتأثّر بالسحر :

س : توجد بعض المذاهب تعتقد بأنّ النبيّ قد سحر في فترة من فترات حياته ، فما رأيكم في هكذا اعتقاد؟ وما ردّكم عليهم؟

ج : جاء في بعض المجامع الحديثية من الفريقين ما يشعر بوقوع السحر(٢) ، ولكنّ الصحيح أنّ السحر لا يؤثّر في نفوس الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ـ كما عليه المشهور والمحقّقون من علماء الإمامية ـ ويدلّ عليه عقلاً ، بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فترة السحر ـ على فرض المحال ـ تكون تصرّفاته غير لائقة بالإنسان العادي ، فكيف وهو نبي؟!

وأيضاً يعتبره القرآن من تقوّلات الكفّار والمعاندين في سبيل عدم الرضوخ للحقّ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ) (٣) ، و( فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) (٤) ، و( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا ) (٥) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٢٧ / ٢١٦.

٢ ـ الخرائج والجرائح ١ / ٣٤ ، طبّ الأئمّة : ١١٣ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٩ و ٨٨ و ١٦٤ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١١٧٣.

٣ ـ الإسراء : ٤٧.

٤ ـ الإسراء : ١٠١.

٥ ـ الفرقان : ٨ ـ ٩.

٣١٤

وعليه فلابدّ من تأويل الأحاديث الواردة في هذا المجال بما لا ينافي المسلّمات ، أو طرحها من الأساس باعتبار ضعف أسانيدها.

وهنا نقطة لابأس بالإشارة إليها وهي : أنّ الروايات الشيعية في هذا الموضوع تدلّ فقط على محاولة بعض اليهود لسحر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس فيها دلالة على تأثير ذلك السحر في نفسه الكريمةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل وفيها دلالة على صدق نبّوته ، إذ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله اطّلع على هذا التمويه بإخبار من الله تعالى ، فأمر باستخراج السحر من مكان خاصّ ، فكان كما أخبر هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه القضية أصبحت تأييداً آخر لنبوّته ورسالته.

وعلى العكس ، فإنّ في روايات أهل السنّة في هذا المجال ما يأباه العقل والنقل ، ويردّه حتّى القرآن ـ كما ذكرنا ـ بالصراحة ، فتأويلها أو رفع اليد عنها أحرى وأجدر من طرح الأدلّة العقلية والنقلية بهذا الشأن.

( يحيى العلوي ـ البحرين ـ )

من اختصاصاته الزواج بأكثر من أربع نساء :

س : إذا كان الزواج بالمرأة الخامسة مع وجود أربع زوجات في ذمّة الرجل يعتبر غير جائز ، فما هو وجه الاستثناء بالنسبة للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ إذ بلغ عدد زوجاته ـ على أصحّ الروايات ـ تسع زوجات دائمات؟

أليس من الأحرى بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يلتزم بالحكم القرآني لعدد الزوجات ، وهو قدوة العالمين؟ هل السبب السياسي للزواجات هو كاف لتسويغ هذا الحكم؟ والحالة الاستثنائية لهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإن كان هذا هو السبب وغيره من الأسباب الاجتماعية أو النفسية ، أو غيرها من مسوّغات هذه الحالة الاستثنائية ، فلماذا لم ينزل فيها قرآن؟ مع علمنا بحكم الآية( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) .

__________________

١ ـ الحشر : ٧.

٣١٥

ج : هناك أحكام شرعية خاصّة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمصالح وأسباب وحِكم لا يعلمها إلاّ الله ورسوله ، ومن تلك الأحكام ، له أن يتزوّج أكثر من أربع زوجات بعقد دائم.

وأمّا قضية( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) فهي بمعنى أنّ الأحكام الشرعية التي جاء بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعموم المسلمين ، عليهم أن يتبعوه فيها ويطيعوه ، أمّا الأحكام الشرعية الخاصّة به فليس عليهم شيء.

( أبو قاسم ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ طالب ثانوية )

ليس له أُخوة :

س : هل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عنده إخوة؟ وما أسماؤهم؟ وأتمنّى أن تكون الإجابة سريعة ، والله يعطيكم العافية ، وشكراً على هذا الموقع الممتاز.

ج : لم يكن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إخوة من النسب.

نعم ، ورد في حديث المؤاخاة الذي رواه جماعة من أعلام السنّة في أنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل نفسه كما ورد في آية المباهلة(١) .

( زينب ـ بريطانيا ـ )

لا يحتاج إلى اجتهاد :

س : عفواً أطرح على حضرتكم هذا السؤال : نحن الشيعة نقول بعدم وقوع الاجتهاد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلماذا لم يقع الاجتهاد منه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أنّه معصوم ، والمعصوم لا يخطأ؟

ج : إنّ المراد من الاجتهاد الممنوع وقوعه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو العمل بالظنّ في الأحكام الشرعية ، وبما أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله متّصل بالوحي وعنده العلم التام بالأحكام الواقعية ، فحينئذ لا يحتاج إلى اجتهاد وإلى عمل بالظنّ.

__________________

١ ـ آل عمران : ٦١.

٣١٦

( تيما ـ الكويت ـ )

ابنته الوحيدة فاطمة :

س : هل صحيح أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن لديه من البنات إلاّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ؟ وأنّ باقي البنات هنّ ربيباته ، وبنات السيّدة خديجة عليها‌السلام ؟

ج : أقوال في عدد بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقول الحقّ هو ما عليه شيعة أهل البيتعليهم‌السلام تبعاً لأئمّتهمعليهم‌السلام ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

وقولهم هو : لم يكن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنتاً غير فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأمّا رقية وزينب فهما ابنتي هالة أُخت خديجة ، حيث تكفّلهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاة هالة وهما طفلتان ، وليستا هما بنات خديجةعليها‌السلام ، لأنّ خديجة تزوّجت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي عذراء ، ولم تلد له من البنات إلاّ فاطمةعليها‌السلام (١) .

( أُمّ البنين ـ السعودية ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

قالت فاطمة الزهراء عليها‌السلام في خطبتها الشهيرة أمام الغاصبين : «فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم وأنا ابنته دون نسائكم »(٢) .

وهذا دليل على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن له بنات غيرها عليها‌السلام ، ودليل على أنّ عمر لم يتزوّج بنات رسول الله ، وشكراً .

( رملة السيّد مصطفى ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالبة جامعة )

على الأكثر مات مسموماً :

س : أودّ أن أطرح إلى حضرتكم سؤال ، وهو يتعلّق بنبي الرحمة النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله باختلاف وتعدّد الروايات ، بعضها تقول : إنّ النبيّ مات مسموماً من

__________________

١ ـ أُنظر : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم ٢ / ١٢١.

٢ ـ الطرائف : ٢٦٤.

٣١٧

امرأة يهودية ، وبعضها تقول : موته طبيعي ، وسؤالي : ما هو سبب موت النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : إنّ بعض الروايات تؤكّد أنّ النبيّ استشهد في أثر السمّ الذي قدّم له بعد غزوة خيبر(١) ، وهذا ممّا يدلّ عليه الدليل النقلي مثل : « ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم »(٢) ، وكما عليه الشيخ الصدوققدس‌سره (٣) ، وأكثر علمائنا الأبرار ، وإن كان بعضهم لا يرتضي بهذا القول بنحو الإطلاق ، بل يرى أنّ الشهادة ثابتة في حقّ بعضهمعليهم‌السلام ، لعدم توفّر شرط تواتر الخبر عنده ، وإن كان صحيحاً.

ويؤيّده أيضاً الدليل العقلي بأنّ المعصومعليه‌السلام بما هو عارف بمنافع ومضارّ الأشياء فلا يتناول ضرراً جسيماً على حدّ التهلكة على نفسه ؛ وعليه فلا مناص من الالتزام بأنّ موته لا يكون كالمتعارف بين باقي الناس ، بل هو نتيجة مؤامرة تحاك عليه فتنجرّ إلى استشهاده.

ثمّ إنّ هناك اختلاف في منشأ السمّ ، فالمعروف أنّه من امرأة يهودية ، ولكن بعض الروايات الخاصّة لا توافق هذا الرأي ، بل ترى أنّ عملية دسّ السم كانت من عمل الآخرين ، ممّن لم تكن مصلحة في إظهار أساميهم لعلاقاتهم الوثيقة بالحكم السائد بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

ولا يبعد أن تشير قصّة اللدود إلى هذا المطلب ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعدما نهى أن يلدوه في مرضه ، أفاق وعلم بلدودهم فاعترض عليهم ، وأمر أن يلد كُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء!!(٥) ، وهذا يثير التساؤل ، فهل كان

__________________

١ ـ الخرائج والجرائح ١ / ٣٤ ، طب الأئمّة : ١١٣ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٩ و ٨٨ و ١٦٤ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١١٧٣.

٢ ـ كفاية الأثر : ١٦٢.

٣ ـ الاعتقادات : ٩٩.

٤ ـ بحار الأنوار ٢٨ / ٢٠ و ٣١ / ٦٤١ ، تفسير العيّاشي ١ / ٢٠٠.

٥ ـ صحيح البخاري ٨ / ٤٢ ، صحيح مسلم ٧ / ٢٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٤ / ٣٧٤ ، صحيح ابن حبّان ١٤ / ٥٥٤ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٧ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٤٦ ، مسند أحمد ٦ / ٥٣ و ١١٨.

٣١٨

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على علم مسبق من الموضوع؟ وشكّ في مؤامرة داخل بيته ، فأمرهم بتناول اللدود ، أم ماذا؟! والله أعلم بحقائق الأُمور.

( هناء علي ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالبة جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُريد أن أعرف ماذا قصدتم من اللدود؟ وبأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بأن يلد كُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء.

ج : إنّ المقصود من اللدود هو نوع من الدواء ـ عجينة مُرّة ـ يُعطى لمن أُصيب بداء ذات الجنب.

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أحسّ بأنّه أُعطي هذا الدواء ، أمر بأن يُعطى لكُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء.

( ريما الجزيري ـ البحرين ـ )

أزواجه وسبب زواجه منهنّ :

س : يقولون لنا : إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام كانوا يتزوّجون في الحروب ، فأنا أُريد أن أعرف لماذا كانوا يفعلون ذلك؟ مع العلم أنّ البعض يقول : أنّهم لا يستغنون عن الزوجات ، وكيف ذلك وهم قد ارتقوا إلى مرحلة أعلى من الملائكة؟! ولكم جزيل الشكر.

ج : قد قصد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بزواجه ـ في بعض الحالات ـ مصاهرة من تقوى بهم شوكته ويشتدّ بهم أزره ، وقصد في حالات أُخرى منح عطفه وحنانه ورعايته لبعض الأرامل والمنكوبات ، ممّن ترمّلن أو نكبن بسبب الإسلام وحروبه.

وإليك قائمة بزوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

١ ـ خديجةعليها‌السلام : تزوّج بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي في الأربعين من العمر ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يعيش الخامسة والعشرين من حياته ، معرفة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بها ، فأصبحت المؤمنة الأُولى برسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣١٩

٢ ـ سودة بنت زمعة : أرملة توفّي زوجها المسلم في مكّة قبل الهجرة ، فخلّفها محنتي الوحدة والترمّل في تلك الظروف العصيبة ، فتزوّجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تقديراً لها ولزوجها ، وحفظاً عليها.

٣ ـ عائشة بنت أبي بكر : تزوّجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي صغيرة السن , لمصالح يعرفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تخدم الاسلام والمسلمين.

٤ ـ حفصة بنت عمر : مات زوجها متأثّراً بجراحات غزوة بدر ، واستدعى أبوها زواجها من عثمان وأبي بكر فأبيا ، فتزوّجها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) تقديراً لمواقف زوجها ، ولنفس المصالح التي كانت في زواج عائشة.

٥ ـ زينب بنت خزيمة : تزوّجت قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّتين ، واستشهد زوجها الثاني يوم بدر ، فتزوّجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تكريماً لها وتقديراً له ؛ ولم تمكث في دار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سوى ثمانية أشهر حتّى ماتت.

٦ ـ أُمّ سلمة : استشهد زوجها أثر جراحات غزوة أُحد فيما بعد ، وخلّف أولاداً له منها ، فتزوّجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تكريماً لزوجها وإشفاقاً عليها ورعايةً لأطفالها ، مضافاً إلى أنّ زوجها الشهيد كان ابن عمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٧ ـ زينب بنت جحش : ابنة عمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، طلّقها زيد بن حارثة بعد أن كان قد زوجّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بها ، فتزوّجها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ زيد كان في الماضي قد تبنّاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرف بزيد بن محمّد إلى أن نزلت الآية( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ ) (٢) فنسب إلى أبيه الحقيقي حارثة ، فأراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من زواجه هذا أن يظهر الحكم الشرعي في جواز الزواج مع مطلّقة الابن غير الحقيقي.

٨ ـ جويرية بنت الحارث : أُسرت وهي بنت سيّد بني المصطلق ، وعلى أثر زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بها بادر المسلمون بإطلاق سراح كُلّ أسرى هذه القبيلة ، باعتبارهم أصهار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٧ ، الطبقات الكبرى ٨ / ٨١.

٢ ـ الأحزاب : ٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667