موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة5%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297531 / تحميل: 6717
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأقول مجيباً : أنّ المسافة ليست قريبة أبداً ، فبعض الروايات تذكر أنّ البعث كان بعد ثلاثة أيّام ، والأكثر تؤكّد بأنّ علياً لحق بهم عند الجحفة ، والجحفة أقرب إلى مكّة منها إلى المدينة

وكذلك لم تذكر أية رواية ـ ولو ضعيفة أو موضوعة ـ بأنّ أبا بكر قد رجع والتحق بالبعثة ، بل هناك رواية صحيحة وصريحة تؤكّد إرجاع أبي بكر بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فوراً

عن أبي بكر نفسه : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ببراءة لأهل مكّة ، لا يحجّ بعد العام مشرك قال : فسار بها ثلاثاً ، ثمّ قال لعليعليه‌السلام ألحقه فَرُدّ عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت ، قال : ففعل ، فلمّا قدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر قال : يا رسول الله ، حدث فيّ شيء ؟ قال :« ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أُمرت ألا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي » (١)

قال ابن حجر : « في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله ثقات »(٢)

٧ ـ أمّا ما ذكروه من علّة إرسال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً بدلاً عن أبي بكر ـ من عادة العرب عند نقض العهود ، بأن يأتي نفس من تعاهد معهم ، أو قريبه لنقض العهد المبرم ـ فباطل ومردود من وجوه منها :

أ ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أعلم بهذه العادات وغيرها ، فكم من مشكلة تدخّل بحلّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكم من مشكلة رآها وصادفها ، بل كم من حديث يذكر فيها للصحابة عادات الجاهلية وأعرافهم لاسيّما الحسنة منها لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق » (٣) ، فلولا علمه بأخلاق وعادات وتقاليد العرب في زمنه ______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣ ، مسند أبي يعلى ١ / ١٠٠ ، كنز العمّال ٢ / ٤١٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٧ ، جواهر المطالب ١ / ٩٧

(٢) مجمع الزوائد ٣ / ٢٣٩

(٣) الجامع لأحكام القرآن ٧ / ٣٤٥ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٥٠٥ و ٧ / ٦ ، لسان العرب ١٠ /
٨٧ ، كشف الخفاء ١ / ٢١١ .

١٨١

وغير زمنه لما قال :« لأتمم » ، فإتمامها يدلّ على إقرارها والاعتراف بها ، وهو فرع معرفتها والعلم بها ، فلماذا لم ينتبه لذلك منذ البداية ؟ وكذلك أبو بكر ، فهو عربي وكبير السنّ ، فكيف غابت عنه تلك الأعراف والتقاليد ، حيث بعثه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! بل لو سلّمنا عدم معرفتهما لذلك أو نسيانهما ، فكيف استغرب واستهجن عزله عن تلك المهمّة معترضاً سائلاً : أنزل فيّ شيء ؟

وكذلك لم يخبر عليعليه‌السلام ولا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه العادة ، ليطيب خاطره ، بل أخبره بأنّ العزل إلهي لا عرفي ولا جاهلي !!

ب ـ إنّ الروايات جميعاً ذكرت تبليغ آيات براءة ، وليس في شيء من القرآن أو الروايات نقض لعهد سابق ، بل كلّ الروايات تشير إلى أنّ المهلة المحدّدة في القرآن بأربعة اشهر ، كانت لمن كان عهده لأقلّ من تلك المدّة ، أو لمن لا عهد له مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا من كان عهده يطول عن تلك المدّة فعهده إليها ، فالبعث كان لتأكيد العهود واحترامها لا نقضها ، فأين نقض العهد الذي يستدعي أن يحضر من عقده أو قريبه ؟!

ج ـ هنالك من هو أقرب من علي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نسباً ووجاهة عند قريش ، كعمّه العباس وعقيل وغيرهما ، فلماذا أرسل علياً ؟ الذي أعتذر من النبيّ ـ كما في بعض الروايات ـ من عدم قابليته على الكلام بصوت مرتفع بين الناس ، فدعا له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال له :« أمّا أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت » ، فوافق على الذهاب لخوفه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفدائه بنفسه ، وقال :« فإن كان ولابدّ فسأذهب أنا » (١)

وهذا الإصرار من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على علي يؤكّد عدم صحّة ادعائهم ، وخصوصاً أنّ الروايات تؤكّد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :« إلّا أنا أو رجل منّي » ، وقد أكّد مراراً وتكراراً كما روى البخاري وغيره قوله لعليعليه‌السلام :« أنت منّي
______________________

(١) مسند أحمد ١ / ١٥٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٤٦

١٨٢

وأنا منك » ، وكذلك : «ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » ، فهذه المنزلة وهذا الاختصاص لعليعليه‌السلام مع وجود غيره أقرب نسباً ، أو أكبر سنّاً ، أو أكثر قبولاً عند قريش والمشركين ، والإصرار عليهعليه‌السلام ، لابدّ أنّ وراءه سرّاً ومغزى ؟!

د ـ بل هناك روايات تنقل أنّ أبا بكر أرسل أبا هريرة وآخرين يؤذّنون في الناس ، وكان علي يؤذّن معهم ، كما يدّعي أبو هريرة ، فيناوبون معه ، فهل هؤلاء المؤذّنون ـ كأبي هريرة والآخرين الذين أرسلهم أبو بكر ـ أقرب للنبيّ من أبي بكر ؟ وهل يصلحون لذلك أكثر منه ؟ فلماذا عزل إذاً ؟!

٨ ـ وعلى كلّ حال حتّى لو صحّ أنّه ذهب للحجّ ، وأكمل المناسك ، فإنّه لو تنزّلنا وأثبتنا له ذلك فهي ليست فضيلة ، لأنّ ذلك قد ثبت لمن لا فضيلة له ، ولا سابقة في الموسم الذي سبقه ، فقد أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عتاباً بن أسيد ـ الذي أسلم في الفتح ، وكان من الطلقاء ـ على الحجّ عام ثمانية بعد عمرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل هذا يعني أنّ عتاباً أفضل الصحابة ؟ أو أنّه صاحب سابقة وفضيلة ، وأفضل أهل مكّة ؟!

ولو طلبنا منكم الإنصاف والتعامل مع الفضائل على حدّ سواء ، فإنّكم أنتم لا تستطيعون أن تجعلوا هذا البعث فضيلة ، لأنّكم حكمتم سابقاً على فضيلة واضحة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّها ليست كذلك ، وذلك حينما خلّفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة عندما ذهب إلى تبوك ، وقال له :« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (١) ، وقلتم : بأنّ تخليفه على المدينة ليس فضيلة ، لأنّ
______________________

(١) فضائل الصحابة : ١٣ ، شرح صحيح مسلم ١٥ / ١٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٦١ ، مسند أبي داود : ٢٩ ، المصنّف للصنعاني ٥ / ٤٠٦ و ١١ / ٢٢٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ و ٨ / ٥٦٢ ، مسند ابن راهويه ٥ / ٣٧ ، مسند سعد بن أبي وقّاص : ٥١ و ١٠٣ و ١٣٩ ، الآحاد والمثاني ٥ / ١٧٢ ، كتاب السنّة : ٥٥١ و ٥٨٦ و ٥٩٥ و ٦١٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٤ و ١٠٨ و ١١٣ و ١٢٠ و ١٢٥ و ١٤٤ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٨ و ٦٤ و ٧٦ و ٨٠ و ٨٥ و ١١٦ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٨٦ و ٢ / ٦٦ و ٨٦ و ٩٩ و

١٨٣

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد خلّف عليها سابقاً أُناساً عاديين ـ كابن أُمّ مكتوم ـ وجعلتم النصّ المدح له ليس إلّا تطييباً للخاطر ، وأوّلتموه شرّ تأويل ، مع ما ينصّ من عدم الفرق إلّا في النبوّة

أمّا حادثة أبي بكر ، ففيها العزل وأخذ براءة ، وفيها عدم ثبوت حجّته من أصلها ، وفيها أنّ حجَّه كان كحجّ أهل الجاهلية ، وفيها أنّه لم يمدح من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيها أنّه قد حجّ بالناس في السنة الماضية لحجّه أحد الطلقاء ، وكلّ ذلك وأنتم تثبتون الفضيلة ، بل الأفضلية لأبي بكر ، بمثل هذه الأوهام ، وترفضون أيّ فضل لعليعليه‌السلام ، ولو نصّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________________________

١٣٢ و ١٢ / ٣١٠ ، أمالي المحاملي : ٢٠٩ و ٢٥١ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ١٦ و ٣٧١ ، المعجم الصغير ٢ / ٢٢ و ٥٤ ، المعجم الأوسط ٢ / ١٢٦ و ٣ / ١٣٩ و ٤ / ٢٩٦ و ٥ / ٢٨٧ و ٦ / ٧٧ و ٨٣ و ٧ / ٣١١ و ٨ / ٤٠ ، المعجم الكبير ١ / ١٤٨ و ٢ / ٢٤٧ و ٤ / ١٨٤ و ٥ / ٢٠٣ و ١١ / ٦٣ و ١٢ / ١٥ و ٧٨ و ٢٤ / ١٤٦ ، نظم درر السمطين : ١٠٧ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ٥ / ٧٢٤ و ٩ / ١٦٧ و ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٣ و ١٣ / ١٠٦ و ١٥٨ و ١٦٣ و ١٩٢ و ١٦ / ١٨٦ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، كشف الخفاء ٢ / ٣٨٢ ، شواهد التنزيل ١ / ١٩٢ و ٢ / ٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ١ / ٢٦٦ و ٧ / ٢٧٧ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٣ ، الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ٣٠٦ و ٢ / ٣١٥ و ٤١٣ و ٣ / ٢٠٧ و ٤ / ٢٢٩ و ٥ / ١٩٩ و ٦ / ٦٨ و ٢١٦ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٦٣ و ٨ / ٥٢ و ١١ / ٤٣٠ و ١٢ / ٣٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٣١ و ١٣ / ١٥١ و ٢٠ / ٣٦٠ و ٢١ / ٤١٥ و ٣٠ / ٣٥٩ و ٣٨ / ٧ و ٣٩ / ٢٠١ و ٤١ / ١٨ و ٤٢ / ٤٢ و ٥٣ و ١٠٠ و ١١١ و ١١٥ و ١٣٩ و ١٤٥ و ١٥٢ و ١٥٩ و ١٦٥ و ١٧١ و ١٧٧ و ١٨٢ و ٥٤ / ٢٢٦ و٥٩ / ٧٤ و ٧٠ / ٣٥ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٣ و ٢٥ / ٤٢٣ و ٣٢ / ٤٨٢ و ٣٥ / ٢٦٣ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٠ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٦١ و ٧ / ٣٦٢ و ١٢ / ٢١٤ و ١٤ / ٢١٠ و ١٥ / ٤٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، أنساب الأشراف : ٩٤ ، و ١٠٦ ، الجوهرة : ١٤ و ٦٢ ، البداية والنهاية ٥ / ١١ و ٧ / ٢٥١ و ٣٧٠ و ٣٧٤ و ٨ / ٨٤ ، جواهر المطالب ١ / ٥٨ و ١٧١ و ١٩٧ و ٢١٢ و ٢٩٦ ، سبل الهدى والرشاد ٥ / ٤٤١ و ١١ / ٢٩١ و ٢٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ١٥٦ و ١٦٠ و ٣٠٩ و ٤٠٤ و ٢ / ٩٧ و ١١٩ و ١٥٣ و ٢٣٧ و ٣٠٢ و ٣٨٩ و ٣ / ٢١١ و ٣٦٩ و ٤٠٣

١٨٤

« ـ ـ »

لم يأمره النبيّ بالصلاة :

س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول الله من كتب أهل السنّة ؟

ج : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة في تلك الأيّام الثلاثة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى ، ونستدلّ على مدّعانا بأُمور منها :

١ ـ التناقض الشديد في الروايات ، فمرّة تطلب عائشة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأمر عمر بالصلاة وليس أبا بكر ، ومرّة تطلب عائشة من حفصة ذلك ، وأُخرى أنّ أبا بكر طلب من عائشة أن تطلب ذلك وتقوله للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُخرى يؤمر عمر بالصلاة ، فيسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صوته ، فيغضب ويقول :« فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون » (١) ، وأُخرى يقدّم أبو بكر عمر ، فيجيبه عمر : بأنّك أحقّ بها ، ولا يذكر رفض النبيّ لصلاته ، وأُخرى يخرج النبيّ فينظر لهم ويبتسم ويرجع ، وأُخرى يذهب فيصلّي إماماً ، وأُخرى مأموماً خلف أبي بكر ، وهكذا ، فأيّها نصدّق ؟ وهو أمر واحد وحادثة واحدة ، وهذه الأحاديث لا يمكن الجمع بينها ، وكلّها صحيحة عندهم !!

وإجاباتهم عنها بتعدد الأمر والحادثة ، وهذا لا يتلائم ولا يصحّ مهما فعلوا وأوّلوا مع أكثر الروايات ، فمثلاً الرواية التي تذكر إمامة عمر للناس بالصلاة لم يكن أبو بكر موجوداً حينها ، والروايات التي تذكر طلب عائشة وحفصة إمامة عمر بدلاً من أبي بكر لا تذكر أنّ أبا بكر غير موجود ، بل تذكر وجوده وإمامته ، وطلبهن لإمامة عمر إن كان بعد إمامة عمر ، ورفض النبيّ لها ، فذلك لا يعقل ، لأنّ النبيّ أوضح رفضه ، ويكون طلبهن معصية واضحة ، وإن كان طلبهن له قبل إمامة عمر ، فقد بيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جوابه لهن : بأنّ الله
______________________

(١) المحلّى ٤ / ٢١٠ ، مسند أحمد ٤ / ٣٢٢ ، سنن أبي داود ٢ / ٤٠٥

١٨٥

يأبى ذلك والمؤمنون ، فكيف اجتهد عمر في مقابل النصّ ؟ وقام بإمامة الناس بعد نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عدم قبول إمامته للصلاة بالناس

٢ ـ إنكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله على بعض نسائه وهو في تلك الحالة الشديدة إنكاراً لاذعاً ، وهذا يعني فداحة الفعل وخطورته ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهن :« إنّكن صواحب يوسف » (١) ، وهذا التشبيه قال عنه الباجي : « أراد أنّهن قد دعون إلى غير صواب ، كما دعين ، فهن من جنسهن »(٢)

وقال النووي : « قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« صواحب يوسف » أي في تظاهرهن على ما يردن وإلحاحهن فيه ، كتظاهر امرأة العزيز ونسوتها على صرف يوسفعليه‌السلام عن رأيه في الاعتصام »(٣)

وإمّا قول من قال بأنّ وجه المشابهة في إظهار خلاف ما في الباطن أو لكثرة الإلحاح فقط ، فذلك الفعل لا يستحقّ هذا التشبيه وهذا التوبيخ ، وأخلاق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أرفع من أن ينكر على نسائه ويشبههن بنساء عاصيات ، وهو على تلك الحال من عدم استطاعته الخروج للصلاة !! وخصوصاً فإنّ نواياهن وما في الباطن الذي كشفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تبح به إحداهن أبداً ، إنّما كان نية حسنة وليس منكراً أو معصية ، وإنّما هو أمر مشروع بل مستحبّ

والمعروف لدى الجميع ، بأنّ صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف ، ولا مراجعة له أو إلحاح في شيء ، وإنّما افتتن بأسرهن بحبّه ، وأرادت كلّ واحدة منهن مثل ما أرادت صاحبتها فأشبهن حالهن ، ولهذا التفسير شاهد يدلّ عليه ، وهو عن ابن عباس قال : « لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه ، كان في بيت عائشة ، فقال :« أدعو لي علياً » ، قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر ، قال :« أدعوه » ، قالت حفصة : يا رسول الله ندعو لك عمر ، قال :
______________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١٦٢

(٢) تنوير الحوالك : ١٨٨

(٣) المجموع شرح المهذّب ٤ / ٢٤٢

١٨٦

« أدعوه » ، قالت أُمّ الفضل : يا رسول الله ندعو لك العباس ، قال :« أدعوه » ، فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً فسكت

فقال عمر : قوموا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال :« مروا أبا بكر يصلّي بالناس » ، فقالت عائشة : إنّ أبا بكر رجل حصر ، ومتى لا يراك الناس يبكون ، فلو أمرت عمر يصلّي بالناس ، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس ، ووجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ومات في مرضه ذاكعليه‌السلام »(١)

فهذا النصّ للحديث يدلّ قطعاً على حال قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهن :« إنّكن صواحب يوسف » ، فطلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً ، وعدم طاعته في ذلك ، وأنّ كلّ واحدة منهن أرادت ما تحبّ وتريد ، لا ما يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي كلّ واحدة أرادت
لنفسها ما أرادت الأُخرى ، وهذا ما صدر من صواحب يوسف .

أمّا ما أوّله أكثرهم من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد صاحبة يوسف لا الصواحب ، وكذلك قال :« إنّكن » وأراد عائشة ، فهو تحريف واضح ، وخلاف للظاهر ، بل يشهد على بطلانه شاهد واضح ، وهو قول حفصة لعائشة بعد هذا القول من النبيّ : والله ما كنت لأصيبَ منك خيراً

وقال نفس هؤلاء المؤوّلين : لعلّها تذكّرت من عائشة أيضاً مسألة المغافير ، فهذا القول ألا يعني شمولها بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهل فهمت حفصة منه الإلحاح البريء من الطلب ؟ أم التظاهر وطلب الفضل والاختصاص بخلاف إرادة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وصرفه عنها إلى ما يُرِدن

٣ ـ إنكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتلك الصلاة ، والاهتمام ببيان ذلك بوسائل متعدّدة على ما كان يعانيهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ثقل ومرض ، فمرّة يسمع عمر يصلّي فيقول :« فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون » ، ومرّة يسمع أبا بكر يصلّي ، فيخرج يهادى
______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٥٦ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٩١ ، شرح معاني الآثار ١ / ٤٠٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٨٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٨ / ١٨

١٨٧

بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ، ويقولون : وجد في نفسه خفّة ـ فأي خفّة هذه التي لا يستطيع معها لا المشي ولا الوقوف ؟ بل جلس وعزل أبا بكر عن إمامته وبيّن رفضه ـ بسوء حالته وجلوسه مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس » (١)

وتأوّلوا ذلك أيضاً وقالوا : إنّه منسوخ بفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأخير في مرضه ، فهلا بيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك النسخ ، أو فهمه أحد الصحابة ، بل ثبت أنّ أسيد بن حضير ، وجابر بن عبد الله الأنصاري صلّيا بجماعة ، وهم قعود مرضى ، وأمروا جماعتيهما بالجلوس ، واثبتوا الحديث الذي سردناه في وجوب صلاة المأمومين جلوساً أن صلّى الإمام جالساً ، فأيّ بيان بعد هذا يبيّنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله برفضه لإمامة أبي بكر وإبطال صلاته ، كما فعل مع عمر

فقد نقل : أنّهم تفرّقوا عن عمر لمّا سمعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ينكر إمامته ، ونقلوا : أنّ أبا بكر قد أعاد صلاتهم لمّا رجع عن السفح ، الخ

ويشهد لكلامنا قول السندي عند شرحه حديث مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلاته : « واستدلّ الجمهور بهذا الحديث على نسخ حديث إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً وهذا يفيد الاضطراب في هذه الواقعة ، ولعلّ سبب ذلك عظم المصيبة ، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة لا يخلو عن خفاء ، والله تعالى أعلم »(٢)

٤ ـ بعض الروايات تصرّح وبعضها تشير إلى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصدر عنه أمر لأحد معيّن للصلاة بالناس ، فصلاة عمر بالناس بأمر عبد الله بن زمعة لا بأمر
______________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٣٠٠ ، صحيح البخاري ١ / ١٦٩ ، سنن أبي داود ١ / ١٤٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٧٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٢٢٤ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٢٩٢ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٤٧٠

(٢) حاشية السندي على النسائي ٢ / ١٠٠

١٨٨

النبيّ ، وإنّما قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« مر الناس فليصلّوا » (١) ، وكذلك الرواية الأُخرى التي يرويها أحمد عن أنس قال : لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي توفّى فيه ، أتاه بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال بعد مرّتين :« يا بلال قد بلّغت ، فمن شاء فليصل ، ومن شاء فليدع » (٢) ، فجعل روحي فداه بعد تبليغه وإنكاره عليهم ما عقدوه من جماعة بإمامة أبي بكر أو عمر المشيئة لهم بالصلاة ، أو عدم الصلاة ، كما قال تعالى :( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٣)

ويدلّ على إنكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفعلهم وإصراره عليه رواية البخاري عن أنس : « إنّ المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين ، وأبو بكر يصلّي بهم ، ففاجأهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم صفوف ، فتبسّم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظنّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رأوه ، فأشار بيده أن أتمّوا ، ثمّ دخل الحجرة ، وأرخى الستر ، وتوفّي ذلك اليوم »(٤)

ويتّضح منها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في حالة صحّية أفضل من تلك ، وأنّه قام لوحده ورفع الستر ووجه مستنير ، فلماذا لم يخرج ويصلّي جماعة ؟ وقد صلّى قبلها وهو يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ؟! فإن كان هناك حريص على الجماعة كما تزعمون ، فيجب أن يكون هنا أحرص كما هو واضح ، وإن كان بتلك الحالة يقصد التنبيه إلى إنكاره إمامة أبي بكر للناس ، فهنا الدلالة أوضح ، لأنّه يستطيع الصلاة معهم ولم يصل

______________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٣٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٢٦٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٧٥

(٢) مسند أحمد ٣ / ٢٠٢ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨١ ، مسند أبي يعلى ٦ / ٢٦٤ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٤ ، كنز العمّال ٧ / ٢٦٢

(٣) الكهف : ٢٩

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٦٠

١٨٩

وكذلك نكوص أبي بكر ، وافتتان الناس واضطرابهم ، بل يصفهم في رواية : حتّى وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، ولم يفهموا رضا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حالهم كما يزعمون ، وإلّا لما نكص وتأخّر أبو بكر لمّا وجد من قدرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أداء الصلاة ، ولكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن سابقاً ، وأنكر عليهم تلك الصلاة ، وهم بقوا على ما هم عليه مصرّين ، فبيّن لهم إنكار فعلهم بترك الصلاة معهم ، وهو قادر على الأداء ، أرخى الستر ومات من يومهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ؟

ولكلامي هذا شاهد في عزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روى سهل بن سعد الساعدي : « أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغه أنّ بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلح بينهم في أُناس معه ، فحبس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس ؟ قال : نعم إن شئت ، فأقام بلال ، وتقدّم أبو بكر ، فكبّر للناس ، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي بين الصفوف حتّى قام في الصفّ ، فأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التفت ، فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأشار إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمره أن يصلّي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ، ورجع القهقرى وراءه حتّى قام في الصفّ ، فتقدّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى بالناس »(١)

فهذا الحديث يدلّ على جرأة أبي بكر في إمامة الناس دون أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو حتّى علمه ، وإنكار النبيّ لفعله واضح من شقّه للصفوف ، وعدم إسكاته للناس حين صفّقوا ، وأكثروا التصفيق بل فهموا كلّهم ، وفهم أبو بكر بأنّ النبيّ هو الذي يجب أن يصلّي ، وأنّه غير راضٍ بهذه الصلاة ، بل استعان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمصلّين في الإنكار على أبي بكر ، ولم يحاول الدخول من بيته كما
______________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٦٩

١٩٠

تعوّد في سائر أحواله ، بل دخل مسرعاً حتّى لا يشغله شاغل في البيت ، ليبيّن إنكاره بصورة مهذّبة كما عوّدنا دائماً

٥ ـ وممّا يكذّب التعيين ويصطدم معه مسألة اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يصلّي هو بنفسه ، وعدم استسلامه للمرض الشديد الذي كان يعانيه ، فقد أُغمي عليه ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرّة يصرّ على الخروج والصلاة بالناس ، ويتوضّأ حتّى يغمى عليه من شدّة المرض ، ولم يترك ذلك حتّى سمع أصواتهم يصلّون ، فخرج وأنكر ، وفعل ما فعل بصلاته ، وخروجه وهو يهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ، وعزله أبا بكر ، بل صلّى قاعداً وبقي المسلمون قائمين ، مع قوله لهم مراراً وتكراراً ، وتطبيقاً :« إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً ، وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس » (١)

وبرّروا هذه المخالفة بقولهم : بأنّ أبا بكر كان مأموماً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والناس يأتمّون بأبي بكر ، وهذه المخالفة وهذا التبرير أسوأ من الذنب ، إذ لا توجد لدينا في الإسلام صلاة ذات إمامين ، بل ثبت أنّ هناك مخالفتين عند المسلمين في تصرّفهم ذاك ، لا يمكن تأويله أو قبوله

فينبغي القول : بأنّ المسلمين اختاروا أبا بكر إماماً برغم إنكار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، كما أنكر إمامة عمر في السابق ، ويأتي أبو بكر بعد ذلك ليقدّمه ، ويجيبه عمر : بأنّك أولى بها منّي ، كما فعلوا في سقيفة بني ساعدة ، حذوَ القذة بالقذةَ ، ويشهد على قولنا هذا ما قاله ابن عمر وابن عباس والإمام عليعليه‌السلام للمسلمين ، حينما كانوا يبلّغون أحكاماً مخالفة للأحكام الصادرة عن الشيخين ، فيقول ابن عباس : « ألا تخافون أن يخسف الله بكم الأرض ، أقول
______________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٣٠٠ ، صحيح البخاري ١ / ١٦٩ ، سنن أبي داود ١ / ١٤٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٧٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٢٢٤ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٢٩٢ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٤٧٠

١٩١

لكم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر »(١)

ويدلّ أيضاً على تفضيلهم أبا بكر وعمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وميلهم لهما ومن دون دليل ، حديث ابن عمر : « كنّا في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا نفاضل بينهم »(٢)

وعن ابن عمر أيضاً : « كنّا نقول في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من يكون أولى الناس بهذا الأمر ؟ فنقول : أبو بكر ثمّ عمر »(٣)

وغيرها من أدلّة وافية كافية تدعم ما ذهبنا إليه من ميلهم وانحرافهم عن أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو أبي بكر وعمر

وأخيراً : فممّا يبطل ذلك الأمر المزعوم هو : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شدّد وأكّد في إنفاذ جيش أُسامة ، وفيه كلّ شيوخ قريش ، حتّى إنّهم اعترضوا كيف يولّي فتى لم يبلغ مبلغ الرجال على شيوخ قريش ؟ واعترضوا وأبوا أن يخرجوا ، وقرعهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مريض يشتكي رأسه ، فخرج معصوب الرأس ، مرتقياً المنبر رادّاً عليهم ، فعن ابن عمر قال : أمّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسامة على قوم ، فطعنوا في إمارته ، فقال :« إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة » (٤)

وهذا الحديث يبيّن أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يخرج الجميع سوى أهل بيته نفيراً عامّاً ، وأمّر عليهم فتى صغيراً ، وكلّ ذلك قبل أن يمرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّهم
______________________

(١) الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٢ / ١٤٨ و ٤ / ٥٨١ و ٥ / ٦٥٠ ، ١١ / ٣٥٥ ، مسند أحمد ١ / ٣٣٧ ، الشرح الكبير ٣ / ٢٣٩ ، المغني لابن قدامة ٣ / ٢٣٩ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٣٧ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٤٣

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٠٣ ، فتح الباري ٧ / ١٤ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٣٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ١٤٨

(٣) فتح الباري ٧ / ١٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٢٨٧

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٨٤ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٥٣٥ ، مسند أحمد ٢ / ٢٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣١

١٩٢

اعترضوا وأبوا الخروج والانقياد لعبد أسود صغير السنّ ، فمرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يخرجوا ، فأخّروا أنفسهم كثيراً ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يزداد مرضه ، وهو يستصرخهم :« جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه » (١) ، حتّى خرجوا ورجعوا ، وخرجوا وعسكروا قريباً من المدينة ، ثمّ أصرّوا على المعصية ، وحدث ما حدث من رجوعهم وتركهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجّى ، وذهبوا ليتآمروا في السقيفة

فهذه أحوالهم وهذه طاعتهم ، فانظر بإنصاف لقضية الصلاة وبعث أُسامة ، فسترى ما فيهما من تشابه ، وقارن بين إرادة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإرادة البعض من المسلمين

ولنا هنا أن نسأل : كيف يأمر النبيّ أبا بكر بالصلاة وهو يعلم أنّه بعثه في جيش أُسامة ؟! ثمّ كيف يكون أبو بكر في المدينة ليؤمّ المسلمين في المسجد ، وهو خارجها معسكراً في سرية أُسامة ؟!

______________________

(١) الملل والنحل ١ / ٢٣

١٩٣
١٩٤

أبو طالب :

« اللواتي ـ عمان ـ »

هو الحجّة قبل النبيّ :

س : يقول المعصومعليه‌السلام : « لولا الحجّة لساخت الأرض » ، ومن المعلوم أنّ الحجّة في يومنا هذا هو الإمام المهديعليه‌السلام ، فمن هو الحجّة في الفترة التي قبل أن يكون النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة ؟

ج : قد جاء في رواياتنا ، أنّ الحجّة قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو أبو طالبرضي‌الله‌عنه

قال العلّامة المجلسيقدس‌سره : « وقد أجمعت الشيعة على إسلامه ، وأنّه قد آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوّل الأمر ، ولم يعبد صنماً قط ، بل كان من أوصياء إبراهيمعليه‌السلام »(١)

ولكنّه كان يعمل بالتقية ، أي لم يظهر أنّه حجّة ، وإلّا لقتل كأهل الكهف

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان ، وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرّتين » (٢)

______________________

(١) بحار الأنوار ٣٥ / ١٣٨

(٢) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧٠

١٩٥

« إبراهيم عبد الله ـ السعودية ـ »

آية عدم الاستغفار للمشركين لم تنزل في حقّه :

س : هل صحيح أنّ آية :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) نزلت في أبي طالب ؟

ج : لا يخفى عليكم : أنّ معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من بيت مال المسلمين في سبيل تزوير الأحاديث ، وتحريف الآيات النازلة في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام ، فوضع في حقّ الإمام عليعليه‌السلام وأبيه أبي طالبعليه‌السلام الأراجيف والتهم انتقاماً منهما

ومن تلك التهم التي وضعها هي : أنّ أبا طالبعليه‌السلام مات مشركاً ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستغفر لعمّه ، فنزلت الآية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له ، وذلك من خلال وضع الأحاديث المحرّفة في شأن نزول هذه الآية ، والتي ترويها بعض الكتب السنّية ، منها : ما جاء في « صحيح البخاري » عن ابن المسيّب عن أبيه : إنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنده أبو جهل ، فقال : أي عم ، قل : لا اله إلّا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمية : يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطّلب ، فلم يزالا يكلّمانه ، حتّى قال آخر شيء كلّمهم به : على ملّة عبد المطلب ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : لاستغفرن لك ما لم أُنه عنه ، فنزلت :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (١)

وبهذا المضمون وردت روايات أُخرى بأسانيد مختلفة

والجواب عن هذه الشبهة ، تارة يقع عن الحديث ، وأُخرى عن الآية

أمّا الحديث ففيه : إنّ رواته ورواة الأحاديث الأُخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به ، فالروايات إذاً ضعيفة السند ، خصوصاً وأنّ راويها سعيد بن المسيّب ، الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، بين التعديل والتجريح ، ومن
______________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٤٧ ، التوبة : ١١٣

١٩٦

القادحين فيه ابن أبي الحديد في « نهج البلاغة »(١) ، حيث سلكه في عداد المنحرفين عن عليعليه‌السلام ، وأنّ في قلبه شيئاً منه

إذاً كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً في قدح عليعليه‌السلام من شخص متهم عليه ؟

وإذا عرفنا أنّ سعيداً هو القائل : « من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم على معاوية ، كان حقيقاً على الله أن لا يناقشه الحساب »(٢) ، فحينئذ نعرف بعد ما أوضح موقفه من معاوية ، قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حقّ أبي طالبعليه‌السلام

وأمّا الآية ففيها :

١ ـ تدلّنا رواية البخاري على أنّ الآية نزلت عند احتضار أبي طالب ، ولكنّا إذا رجعنا إلى نزولها وجدناها مدنية ، فبين وفاة أبي طالب ونزول هذه الآية ، ما يزيد على ثمانية أعوام

فمجرى الحديث يدلّ على استمرار استغفار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّه ـ وهو كذلك ـ ولم ينقطع إلّا عند نزول هذه الآية :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ )

وهنا نتساءل : كيف جاز للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر لعمّه في الفترة التي بعد موته حتّى نزول هذه الآية ؟ وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه ، وتنهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ، قبل نزول هذه الآية بأمد طويل ، من تلك الآيات قوله :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ) (٣) فهل يجوز للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر لعمّه ، ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين ؟

٢ ـ هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية

على سبيل المثال :

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠١

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٥٩ / ٢٠٧

(٣) المجادلة : ٢٢ ، وقوله في سورة النساء : ١٣٩ و ١٤٤ ، وآل عمران : ٢٨ ، والمنافقون : ٦ ،
وغيرها .

١٩٧

أ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام قال :« سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزلت الآية المذكورة » (١)

ب ـ وفي رواية أُخرى : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم ؟ فنزلت(٢)

٣ ـ اختلف في تفسير الآية ، فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي ، أي : أن الآية تنفي عن الرسول أنّه كان يستغفر للمشركين ، لا أنّها تنهاه عن الاستغفار

إذاً كلّ من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقرّ له بالنبوّة والعصمة ، والعمل الحقّ

٤ ـ لو سلّمنا بحديث البخاري ، فإنّ قول أبي طالب : على ملّة عبد المطّلب ، ليس سوى دليل على إيمانه ، أليست ملّة عبد المطّلب هي الحنفية ، ففي الحقيقة آمن أبو طالب طبقاً لهذه الرواية ، وأنّه أعلن عن إيمانه بشكل تورية ، حتّى لا يشعر به الكفّار من قريش آنذاك

والخلاصة : إنّ الآية لم تنزل بحقّ أبي طالبعليه‌السلام ، وإنّه مات مؤمناً لا مشركاً

« بدر ـ عمان »

الأدلّة على إيمانه من كتب الفريقين :

س : ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟

______________________

(١) الغدير ٨ / ١٢ ، مسند أحمد ١ / ٩٩ و ١٣١ ، الجامع الكبير ٤ / ٣٤٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٣٥ ، فتح الباري ٨ / ٣٩١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٥٨ ، كنز العمّال ٢ / ٤٢١ ، جامع البيان ١١ / ٦٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٠٧ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٨٢ ، فتح القدير ٢ / ٤١١

(٢) فتح الباري ٨ / ٣٩١ ، جامع البيان ١١ / ٥٧ ، زاد المسير ٣ / ٣٤٥ ، أسباب نزول الآيات : ١٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٦ / ٣٢٩

١٩٨

ج : فقد أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالبعليه‌السلام تبعاً لأئمّتهمعليهم‌السلام

والأحاديث الدالّة على إيمانه والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : « منية الراغب في إيمان أبي طالب » للشيخ الطبسي

وقد أُلّف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب ، من السنّة والشيعة على حدّ سواء ، وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : « أبو طالب مؤمن قريش » للأُستاذ عبد الله الخنيزي

هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب « الغدير » للعلّامة الأمينيقدس‌سره في الجزء السابع والثامن منه

وقد نقل العلّامة الأميني عن جماعة من أهل السنّة : أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في « أسنى المطالب » ، والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : « شهاب الأخبار » ، والتلمساني في « حاشية الشفاء » ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم

بل لقد حكم عدد منهم كابن وحشي ، والاجهوري ، والتلمساني بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر(١)

بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب :

١ ـ ما روي عن الأئمّةعليهم‌السلام والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا يدلّ على إيمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد

٢ ـ نصرته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحمّله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته
______________________

(١) أُنظر : الغدير ٧ / ٣٨١

١٩٩

بمكانته في قومه ، وحتّى بولده ، أكبر دليل على إيمانه

٣ ـ استدلّ سبط ابن الجوزي على إيمانه ، بأنّه لو كان أبو طالب كافراً ، لشنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعداء الإمام عليعليه‌السلام (١)

٤ ـ تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً ، فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه ، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : « فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنّه لم تكن آحادها متواترة ، فمجموعها يدلّ على أمر مشترك ، وهو تصديق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومجموعها متواتر »(٢)

٥ ـ قد صرّح أبو طالب في وصيّته بأنّه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن

وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة(٣)

٦ ـ ترحّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته ، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلّا على المسلم

٧ ـ وبعد كلّ ما تقدّم نقول : إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه ، إنّما يستفاد من أُمور أربعة :

أ ـ من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين

ب ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة

ج ـ من موقف النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله منه ، فالموقف المرضي ثابت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله تجاه
______________________

(١) أبو طالب مؤمن قريش : ٢٧٤ ، عن تذكرة الخواص : ١١

(٢) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧٨

(٣) روضة الواعظين : ١٤٠ ، الغدير ٧ / ٣٦٦

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

هذا ويمكن أن يقال : أنّ ما جاء في الآية الكريمة( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) ليس عتاباً وتوبيخاً ، بل هو عطف وإشفاق ، نظير أن يقال للشخص : لماذا تتعب نفسك إلى هذا الحدِّ من دون نتيجة تعادل أتعابك ، فالآية الكريمة كأنّها تريد أن تقول : لماذا تتعب نفسك بإلزامها بترك ذلك الطعام الخاصّ ـ وهو العسل الذي كانت تقدّمه إليه زوجته زينب بنت جحش ـ لترضي بذلك بعض أزواجك ، يعني حفصة وعائشة.

وأمّا قوله تعالى :( وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) فيمكن رجوعه إلى حفصة وعائشة ، أي أنّه سبحانه يغفر لهما ما صدر منهما من إيذاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث طلب من حفصة أن لا تخبر أحداً بأنّه أكل عسلاً في بيت زينب ، ولكنّها أفشت سرَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا قوله تعالى :( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) فهو في صدد بيان طريق لتخليص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه من القسم ، الذي الزم به نفسه ـ حيث حلفصلى‌الله‌عليه‌وآله على ترك تناول العسل ، الذي كانت تقدّمه إليه زينب بنت جحش ـ وذكرت أنّه سبحانه قد شرَّع ما يمكن به تخليص النفس من القسم ، وهو دفع الكفّارة ، فالمقصود من تحلّة إيمانكم هو الكفّارة التي يحلُّ بها الحالف حلفه ، وهذا لا يدلّ على صدور ذنب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل على صدور القسم منه لا أكثر.

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

قصّة الإفك :

س : هل لكم أن تذكروا تفاصيل قصّة الإفك ، وكيف حدثت ، برأي علمائنا الأبرار؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : خلاصة القصّة حسب ما ورد في رواياتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ ملك القبط أهدى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غلاماً يدعى جريج ، وجارية تدعى مارية القبطية ، فأسلما وحسن إسلامهما.

٣٦١

فضمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الجارية إليه ، فولدت له إبراهيم ، فكان يحبّهما حبّاً شديداً ، وأصبح حبّه سبباً لحسد عائشة وحفصة ، حتّى قالتا مع أبويهما للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ إبراهيم ليس بابنك؟! بل هو ولد الغلام جريج ، ونحن نشهد على ذلك.

وعلى الرغم من علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بكذب الشهادة والتهمة ، لما كان يلهمه من أثر في النفوس ، أراد أن يظهر الأمر ويبيّن الحقيقة لأصحابه ، فأمر الإمام عليعليه‌السلام أن يذهب ويقتل الغلام جريجاً ، وقال له : إذا بان لك أنّ الأمر على غير ما قيل فلا تتعرّض له بسوء.

فذهب الإمام عليعليه‌السلام إلى جريج شاهراً سيفه ، ففرّ جريج من خوفه ، وتسلّق شجرة ، فتبعهعليه‌السلام فأهوى جريج بنفسه على الأرض ، فانحسر ثوبه عن رجليه ، فبان لعليعليه‌السلام أنّه ممسوح ، فأتى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرض عليه ما رأى منه.

فأحضر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه ، فشاهدوا الغلام ، وانكشف أمرهم وبطلت تهمتهم ، فجاءوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلبون المغفرة فنزلت الآيات بتبرئة الجارية مارية وجريج عن التهمة ، التي اتهما بها(١) .

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

له قرين :

س : ما هو القرين؟ وهل صحيح أنّ النبيّ كان عنده قرين؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ معنى القرين هو الصاحب ، أو الشيء الملازم للإنسان ، كعمله وفعله ، قال الله تعالى :( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) (٢) ، أي كان له

__________________

١ ـ أُنظر : تفسير القمّي ٢ / ٩٩.

٢ ـ الصافّات : ٥١.

٣٦٢

مصاحب لا يفارقه ، وقال تعالى :( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقيس بن عاصم وهو يعظه : «وإنّه لابدّ لك يا قيس من قرين ، يدفن معك وهو حيّ ، وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ثمّ لا يحشر إلاّ معك ، ولا تبعث إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ، فإنّه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه ، وهو فعلك »(٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما منكم من أحد إلاّ وقد وكّل به قرين من الشياطين » ، قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : «نعم ، ولكنّ الله أعانني عليه فأسلم » ، رواه أحمد والطبراني والبزّار ، ورجاله رجال الصحيح غير قابوس بن أبي ظبيان ، وقد وثّق على ضعفه(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من أحد إلاّ جعل معه قرين من الجنّ » ، قالوا : ولا أنت؟ قال : «ولا أنا إلاّ أنّ الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلاّ بخير » رواه الطبراني ، وفيه أبو حماد المفضّل بن صدقة ، وهو ضعيف(٤) .

فكُلّ إنسان إذاً له قرين من الشياطين أو من الجنّ ، أي مصاحب له.

( أشتر مذحِج ـ مصر ـ ٢٠ سنة ـ طالب كُلّية الطبّ )

الحقيقة النبوية :

س : أمّا بعد ، فقد كان لي عدّة تساؤلات تعربد في عرصات فكري القاصر ، وعقلي الضئيل العاجز ، ترجو هدوءً لها وسكوناً ، والحديث

__________________

١ ـ الزخرف : ٣٦.

٢ ـ الخصال : ١١٤.

٣ ـ مجمع الزوائد ٨ / ٢٢٥.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٣٦٣

بخصوص أسرار محمّد وآله الطاهرين ، وبالأخص زعيم أهل البيت الأمير الأقدسعليه‌السلام ، وعن حقيقته المعمّى أمرها في مراتب الوجود!

وترددت كثيراً في أن أكتب إليكم كلامي هذا ، لولا أنّني وجدت العديد من الأسئلة لأخوة الولاية ، تعرّضت لهذا الموضوع كثيراً ، ولئن كانت أقل تعمّقاً من تعرّضي هذا ، بل ربما كان السائل يسأل بقصد التكذيب والطعن ، مرتدياً في سؤاله زيّ الموالي المتشيّع ، ووجدت أنّكم قد جاوبتم عليهم بما هو خير جواب ، يحمل في طيّاته هدي أهل البيت وجوهرية كلامه ، الذي ينهل منه كُلّ على حسب علمه ، ويردّه كُلّ امرؤ فيشب منه على قدر ظمئه ، ولا تحجب عن دارها سائل مهما كان علمه!

فوجدت أنّ السكوت عن طلب حقّ لي على نفسي من طلب العلم من مقرّكم يكون طاعةً للشيطان ، وتكاسل عن تلبية نداء الرحمن ، وعلى كُلّ حال فإنّنا قد تشرّفنا بمجرّد طرح سؤالنا ، وقراءتكم لاستفسارنا ، سواء أتانا جوابكم أو حجبتموه عنّا.

عن سيّد الكونين ونبراس نشأة العالمينصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل ما خلق الله القلم العقل روحي نور نبيّك يا جابر »! قال بعض المفسّرين : هي الحقيقة المحمّدية! في حين أنّ أساطين الحكمة والإشراق وجهابذة العرفان والتحقيق ، قد أشاروا إلى غير ذلك ، وخصوصاً الشيخ الأكبر ، ملاّ هادي السبزواري ، وعليه حكم ابن العربي ، فالعقل الأوّل ـ روح المصطفى ـ هو أوّل المبدعات ، وأكثرهم قبولاً لنور الحقيقة المحمّدية.

وعلى قول ملاّ هاديقدس‌سره : « أنّ العقل الأوّل هو أوّل المبدعات أيضاً ، والحقيقة المحمّدية هي برزخ البرازخ ، والنفس الرحماني ، والرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، ووجه الله الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجود المطلق القائم بقيومية الوجود الحقّ »(١) .

وكلاهما يتّفق مع الآخر مع الاختلاف في أنّ ابن العربي يقرّر أنّ الحقيقة المحمّدية ، أو الوجود المطلق هو الموصوف بالاستواء على العرش الرحماني.

__________________

١ ـ شرح الأسماء الحسنى ١ / ٧.

٣٦٤

وهذا يتّضح أنّه يعني أنّ العرش هو القلم الأعلى ، وهذا يروق لي في النظر كثيراً جدّاً ، وأيضاً أنّ برزخ البرازخ عند ابن العربي ، أو أوّل البرازخ هي النفس الكُلّية ، ويبقى تناقض ظاهري واضح نرجو تفسيره الباطني الثاقب ، ونرجو جوابه عندكم إن شاء الله.

« أنا النقطة تحت الباء » اتفق أهل الحقيقة جميعاً على سرّ النقطة ، وإن اختلفت أقوالهم مع ثبات معناها ، فعند الشيخ الأكبر هي الموجودات كُلّها ، وعند ملاّ هادي هي الإمكان ، وكلاهما شيء واحد ، وكلاهما حقيقة الأمير ، وأنّ الباء بشكلها ونقطتها تمثّل خلافة العقل الكُلّي ، أو الإنسان الكامل عن الألف المحتجبة المنطوي نورها في نور الباء المظلمة بذاتها ، والمنوّرة بنور ربّها ، نعني خلافة الإنسان الكامل عن الذات الإلهية في مرتبتها الواحدية ، ونأتي للإشكال هنا :

ملاّ هاديقدس‌سره يقول : لأنّ الوجود المطلق الذي أشرنا إليه من قبل هو صنع الله وكلامه ، وكلمة كن المشار إليها في الآية الشهيرة ، والمشار إليها في كلام أصل طوبى ، وحقيقة سدرة المنتهى ، الأمير الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّما كلامه سبحانه فعله ، ولو كان قديماً لكان إلها ثانياً.

قالقدس‌سره : « فإنّ العقل الصريح والبرهان الصحيح يدلّنا على التثليث الآمر والأمر والمؤتمر ، والصانع والصنع والمصنوع »(١) .

وهو يعني الوجود الحقّ هو الصانع ، والوجود المطلق هو الصنع ، والوجود المقيّد هو الصنعة ، وتتبادر إلى الأذهان عند ذكر هذه الكلمات ، فتحضر بوجودٍ لا ينكر وشهودٍ لا يستر ، قولة الأمير الشهيرة جدّاً لابن الآكلة : « فإنّا صنائعُ ربّنا والناسُ بعد صنائعٌ لنا »(٢) !!

وأيضاً تلحق بها أقواله : « أنا والله وجهُ الله وأنا العرش ، وأنا الكرسي »! وهذا كُلّه إشارة إلى الوجود المطلق ، الذي هو صنع الله

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ١١٣.

٣٦٥

وكلامه ، وأيضاً روي عنهعليه‌السلام : « أنا الأسماءُ الحسنى »(٢) ، وهي كذلك أيضاً!

والسؤال الذي يطرح نفسه لدينا بقوّة : بأيّ وجه يتّفق السابق مع اللاحق؟ إنّ مرتبة عليعليه‌السلام في مراتب الوجود ، وإن كانت عمى أمرها بعض الشيء أو كثيره.

فإنّ الكثير من العلماء كادوا أن يصرّحون بها ، أمثال ابن العربي في فتوحاته ، وكثير من شعراء أهل البيت المؤيّدين بروح القدس ، بشهادة سيّد الكونين في حديثه لحسّان بن ثابت أمثال كاظم الأزري ، وعبد الباقي الغمري ، بل ومن ليسوا أصلاً من أهل الولاية ، كالحكيم الفاضل ابن أبي الحديد!

ومن علمائنا الكرام ، فالإمام الخميني كاد أن يصرّح بها في مصباح هدايته ، إن لم يكن قد صرّح بها بالفعل ، مستنداً إلى أحد أقوال أبيه المرتضى!

والسؤال مرّة أُخرى ، وننتظر جوابكم على أحرّ من الجمر ، كيف يصحّ الإطلاق على العقل الكُلّي أنّه الحقيقة المحمّدية ، وأنّه كلام الله وأسمائه ، ووجهه الباقي ، وأنّه الرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، وكُلّ ما أسلفناه من قبل رغم اختلاف المرتبة تقريباً!

هل هو من جهة الخلافة لهذا؟! أو كما قال السيّد الخمينيقدس‌سره : أنّ الإنسان الكامل هو خليفة الاسم الأعظم ثمّ أعقب : بل هو عين الاسم الأعظم!!

وهذا ما أدين به ، وما دفعني للسؤال سوى بغية الطمأنينة على محصول فكري وبحثي ، وعندنا في مصر تعرفون الحال ، لا حوزات ولا يحزنون ، بل لا كتب أصلاً ، والرجوع إليكم أمثل ، وأكثر طمأنينة لبالي بدلاً من الخوض هكذا بلا دليل أو مرشد ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان! ودمتم سالمين.

ج : ينبغي أن يعلم أنّ الوجود المطلق في حقيقته كمفهومه ، له مراتب وتجلّيات ، وهذه التجلّيات إذ لوحظت باعتبار اتصالها ، بل اتحادها بالوجود

__________________

١ ـ شرح الأسماء الحسنى ١ / ٢١٥.

٣٦٦

المطلق فهي عينه ، وتلك التجلّيات مع كونها عينه يغايره بلحاظات ، وهذه اللحاظات لا تشكّل قيوداً ، إنّما هي عبارة عن اتصال النفوس بعد تحرّرها من علائق الجهل بالرياضة ، أو بالجذب إلى الأعلى لاستفادته بنور هدى هاديه ، فعليه هذه اللحاظات أشبه شيء بالمعاني الحرفية لا تقيد تلك التجلّيات ، ولا يمكن أن تصبح عناوينها بل هي نحو استنارة من تلك التجلّيات التي أمكن الاتصال بها كُلّ بحسبه.

هذا التجلّيات على وحدتها من حيث المبدأ تبدو في عين الممكن متكثّرة ، وكُلّ واحد منها يحمل في طيّاته ما هو أوسع من هذا الكون المرئي المحسوس ، فكثرة تلك التجلّيات وسعتها تؤكّد الوحدة التي نشأت منها ، فالعلم واللوح والعرش والكرسي ـ مع قطع النظر عن التفصيليات الواردة في العلم المنقول ـ هي متّحدة بفيض الفيّاض المطلق ، ومن هذا المنطلق كانت الحقيقة المحمّدية والولاية العلوية السامية فكان التجلّي ، وكان الفعل الكُلّي لسعته وإحاطته ، والتعبير عن هذه الذوات بالخلافة ، كما وجد في تعبيرات بعضهم ، إنّما هو نظراً إلى الوظائف التي أُنيطت بها باعتبارها تجلّيات.

واعلم أنّه إن حاول أحد الوصول إلى حقائق هذه المعاني ، فالطريق إليها مخيف ، محاط بمزال الأقدام ، فهو بين الرقي المطلق وبين الانحطاط المطلق ، لأنّ الوصول إلى كنه تلك التجلّيات لا يمكن باستعانة الألفاظ ، وإنّما كما قال سيّد الشهداءعليه‌السلام في مناجاته : «إلهي ما أقربك منّي ، وأبعدني عنك ، وما أرأفك بي ، فما الذي يحجبني عنك »(١) ، وقال : «ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك »(٢) .

والمحال أنّ الوصول التي تلك المعاني إنّما يتمّ بطريق الجذب ، والتعبيرات لا توصله بل تبعد وتضطرب وتختلف ، لأنّها تقصر عن أداء الواقع ، وعن الإرشاد

__________________

١ ـ تفسير الصافي ١ / ٢٢٣.

٢ ـ بحار الأنوار ٩٥ / ٢٢٥.

٣٦٧

إلى الحقيقة ، ولذلك لن تجد اثنين اتفقا على التعبير إلاّ نادراً ، بل لعلّك تجد شخصاً واحداً تعبّر تارة بشيء ، وبنحو وأُخرى بشيء آخر ونحو آخر.

ولذلك تجد شمس العارفين وقدوة الموحّدين بعد المعصومين يقول في بعض أرجوزته في مدح النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

هو التجلّي التام والمجلى الأتم

ومالك الحدث سلطان القدم

أبو العقول والنفوس والبشر

وقوّة القوى وصورة الصور

ولوح ألواح مجامع الحكم

أو قلم الأقدام أو أعلى القلم

أصل الأُصول فهو علّة العلل

عقل العقول فهو أوّل الأوّل

حقيقة الحقائق الكُلّية

وجوهر الجواهر العلوية(١)

ويقول في ضمن ما وصف به الإمام عليعليه‌السلام :

اسم سما في عالم الأسماء

كالشمس في كواكب السماء

اسم به سيدفع البلاء

وإن يكن أبرمه القضاء

اسم به أورقت الأشجار

اسم به أينعت الثمار

وقامت السبع العلى بلا عمد

باسم علي فهو خير معتمد(٢)

وكما ترى أنّ التعبير أن أراد به الإنسان الكشف والتعبير عن الحقيقة انزلق القلم وتطفّل اللسان ، ولذلك الخير في حقّ المحدد ، أمّا الاكتفاء بما يحصل عليه بالمنقول ، وأمّا إتباع من يجذبه ويعرج به إلى العلا وهو أن نجا وحصل على بغيته ، وأن حفظ من السقطة والزلّة ، فليصمت ولا ينطق ببنت شفه ، فإن فعل فلا يعدم في معظم الأحوال.

__________________

١ ـ الأنوار القدسية : ١٤.

٢ ـ المصدر السابق : ٣٢.

٣٦٨

( سمير ـ روسيا ـ ٢٥ سنة )

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) :

س : حول آية ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (١) ، ما تفسير ما جاء في القرآن عن أب إبراهيم ، وكذلك آدم وداود وسليمان ، وذي النون وموسى؟

ج : قال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى :( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) : « أي تصرّفك في المصلّين بالركوع والسجود والقيام والقعود ـ في قول ابن عباس وقتادة ـ وفي رواية أُخرى عن ابن عباس : إنّ معناه إنّه أخرجك من نبي إلى نبي حين أخرجك نبيّاً.

وقيل : معناه يراك حين تصلّي وحدك ، وحين تصلّي في جماعة ، وقال قوم من أصحابنا : إنّه أراد تقلّبه من آدم إلى أبيه عبد الله في ظهور الموحّدين ، لم يكن فيهم من يسجد لغير الله »(٢) .

وأمّا عن قول البعض : بأنّنا نسلّم بإيمان آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى إبراهيمعليه‌السلام ، ولكن كيف بالنسبة إلى أب إبراهيمعليه‌السلام ، وقد نصّ القرآن الكريم على كفره؟ حيث قال تعالى :( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (٣) .

فنقول : إنّ ابن حجر العسقلاني يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أبا لإبراهيمعليه‌السلام ، وإنّما كان عمّه أو جدّه لأُمّه على اختلاف النقل ، واسم أبيه الحقيقي : تارخ(٤) .

__________________

١ ـ الشعراء : ٢١٨.

٢ ـ التبيان ٨ / ٦٨.

٣ ـ التوبة : ١١٤.

٤ ـ فتح الباري ٦ / ٢٩٧.

٣٦٩

وإنّما أُطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً ، وهذا كقوله تعالى :( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ ) (١) ، ثمّ عدّ فيهم إسماعيل ، وليس من آبائه ، ولكنّه عمّه.

وعلى هذا يثبت أنّ أباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعد إبراهيم إلى آدمعليهم‌السلام موحّدون أيضاً ، وأمّا آدمعليه‌السلام فلا أب له حتّى نبحث عن إيمانه.

وإمّا داود وسليمان وذي النون وموسىعليهم‌السلام ، فالمفروض أنّ آباءهم إلى آدمعليه‌السلام موحّدون كذلك ، لأنّه من البعيد جدّاً أن يختار الله تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس ، مع أنّ المفروض أنّ النبيّعليه‌السلام لابدّ أن يكون أكمل وأفضل الناس في زمانه من جميع الجهات حتّى من جهة النطفة.

( حسين حبيب عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

كان يعلم قبل نبوّته أنّه سيكون نبيّاً :

س : هل الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم من قبل أنّه نبي؟ أم من بعد نزول الرسالة؟ وهل كان معصوماً قبل البعثة؟ وإذا كان معصوماً ، فهل كان معصوم على دين عيسى عليه‌السلام ؟ أو إبراهيم الحنيف عليه‌السلام ؟

ج : هناك بعض فرق المسلمين ممّن يعتقد أنّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يعرف قبل البعثة أنّه نبي ، أو سوف يكون نبيّاً ، ولذلك حسب روايات هؤلاء خاف من الملك حين رآه أوّل مرّة ، وأخذته زوجته إلى ورقة بن نوفل ، ولكن الحقّ عند الإمامية أنّه كان نبيّاً ، ولم يخلق عارياً عن العلم والنبوّة.

غاية ما هنالك كان اللازم عليه بأمر من الله الصمت ، وعدم الإعلان إلى حين ما يأمره الله سبحانه به ، وهكذا حصل.

وأمّا أنّه كان يعمل على طبق أيّة شريعة؟ فمسألة طرحت في الكتب الأُصولية القديمة ـ كالعدّة للشيخ الطوسي وغيره ـ وليس لنا فعلاً طريق إلى

__________________

١ ـ البقرة : ١٣٣.

٣٧٠

إحراز ذلك ، والذي نعتقده أنّه كان يعمل على طبق ما أراد الله سبحانه منه ، وأفضلية شريعته يرجّح احتمال كونه يعمل بهذه الشريعة الغرّاء ، ولا ينافي ذلك تأخّر نزول القرآن ، فإنّ الأحكام الشرعية ليست كُلّها موضّحة في القرآن دائماً ، عرفها النبيّ الأعظم بطريق الوحي والإلهام ، ولم ينقطع الاتصال بينه وبين الله سبحانه طرفة عين في حياته.

( أحمد ـ السعودية ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

يجوز له أن يقتل من يشاء في مكّة :

س : يقال أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في فتح مكّة أمر المسلمين بقتل المشركين ، حتّى ولو تعلّقوا بأستار الكعبة ، ومن ثمّ عفا عنهم عندما دخل مكّة ، فلماذا غيّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه؟ ألا يعد رأيه الأوّلي انتهاك لحرمات الكعبة؟

ج : لقد آمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من تعلّق بأستار الكعبة ، واستثنى من ذلك نفر قليل هدر دمهم ، وهم : مقيس بن سبابة ، وابن أخطل ، وابن أبي سرح ، وقينتان وغيرهم ، وهؤلاء لم يعف عنهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أجارت أُمّ هاني ـ أُخت الإمام عليعليه‌السلام ـ اثنين منهم ، فآجرهم النبيّ لإجارتها لهم ، ولمكانتها من عليعليه‌السلام .

وكذلك استأمن لامرأتين فأمنهما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستأمن عثمان لأبي سرح فأمنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبيّ لم يغيّر رأيه فيهم ، لأنّهم كانوا ممّن يستحقّون القتل ، ولا يستحقّون العفو ، ولا يمكن التغاضي عن الأفعال الشنيعة التي كانوا يعملونها ، حتّى أنّه عاتب المسلمين من عدم قتلهم لأبي سرح ، لما جاء به عثمان ، وتأخّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قبول الأمان له ، وعندما لم يبادر إلى قتله أحد آمنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ من خُلقه أن لا يردّ طلب طالب ، ويقبل إجارة المستجير.

٣٧١

ثمّ إنّ ما فعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من مختصّاته ، ولا يجوز لأحد غيره ، وعلى هذا الأساس فسّر قوله تعالى :( وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) (١) ، أي وأنت محلّ بهذا البلد ، وهو ضدّ المحرم ، والمراد : وأنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفّار ، وذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكّة ، فأحلّها الله له ، حتّى قاتل وقتل ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يحلّ لأحد قبلي ، ولا يحلّ لأحد من بعدي ، ولم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار ».

وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء : وهذا وعد من الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحلّ له مكّة حتّى يقاتل فيها ، ويفتحها على يده ، ويكون بها حلاً ، يصنع بها ما يريد من القتل والأسر ، وقد فعل سبحانه ذلك ، فدخلها غلبة وكُرهاً ، وقتل ابن أخطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، ومقيس بن سبابة وغيرهما(٢) .

( مطير ـ البحرين ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة )

زينب ورقية ربيبتاه :

س : ورد في أحد الأدعية النهارية الخاصّة بشهر رمضان المبارك هذا القول : اللهم صلّ على رقية بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها ، اللهم صلّ على أُمّ كلثوم بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها.

مع العلم أن عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي يقول في إحدى محاضراته في تفسير سورة الكوثر : أنّه لا بنت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ فاطمةعليها‌السلام , وأمّا زينب ورقية فهما ربائب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما يتعلّق بأُمّ كلثوم فقد عبّر عنها الدكتور بقوله : إنّ بعض المحقّقين يشكّك في وجودها ، وقد اخترعت اختراع لتصبح كلمة ذو النورين ، والسؤال هو التالي :

__________________

١ ـ البلد : ٢.

٢ ـ مجمع البيان ١٠ / ٣٦١.

٣٧٢

١ ـ كيف لنا أن نوفّق بين ما ورد في الدعاء وبين قول الدكتور الوائلي , مع العلم أنّ الدكتور ـ وكما عرف عنه ـ لا يتكلّم جزافاً؟

٢ ـ هل هذا الدعاء من قول المعصومعليه‌السلام ؟

٣ ـ إذا كان كلام الدكتور صحيح ألا يعد ذلك جرحاً في صيام الفرد؟

ملاحظة : أعتذر لعدم تمكّني من تقديم تأريخ المحاضرة ، حيث كانت مأخوذة من القسم العربي براديو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والأمر الآخر أنّ ذلك الدعاء وارد في كتيب لبعض أدعية الشهر الكريم دون توضيح اسم الدعاء الواردة به تلك العبارات.

وفي الختام : أدعو من العلي القدير أن يسدّد خطاكم في إظهار المذهب الحقّ ، وردّ الشبهات عنه , وشكراً.

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

١ ـ ما قاله الشيخ الوائلي راجع إلى الروايات التي تقول أنّه كانت لخديجة بنت خويلد من أُمّها أُخت يقال لها هالة ، لديها ابنتين هما زينب ورقية ، وقد ضمّت خديجة أُختها هالة مع تلك الاثنتين لها ، لأنّها كانت فقيرة ، وقد نسبت تلك الابنتان إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه هو الذي ربّاهما ، وقد كانت عادة أهل الجاهلية أن يسمّون الربيب ابناً.

فالأدعية الواردة ـ والتي تنسب الابنتان إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لابدّ أن تأوّل ، وتحمل على أنّ المراد منها ليس الابن بالمعنى الحقيقي ، بل الابن بمعنى الربيب.

٢ ـ قد ذكر هذا الدعاء كُلّ عن الشيخ المفيد في المقنعة ، والشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد ، وتهذيب الأحكام ، ولم ينسباه إلى المعصوم.

٣ ـ نفهم من كلامك أنّ كلام الدكتور إذا كان صحيحاً يعني أنّ الدعاء كاذب ، والكذب على الله ورسوله في نهار شهر رمضان من المفطّرات.

فنقول : وإنّ كان كلام الشيخ الوائلي صحيحاً بناءً على صحّة تلك الأخبار ، إلاّ أنّه يبقى الدعاء صحيحاً ، لأنّه قابل للتأويل ، وكما عرفت من أنّ المقصود بالابن في الدعاء هو الربيب.

٣٧٣

هذا بالإضافة إلى أنّ الذي يقدح في صحّة الصيام هو الكذب على الله ورسوله والأئمّة ، والقول عنهم بشيء لم يقولوه ، أمّا الدعاء بدعاء منسوب إليهم في بعض الكتب ، فالعهدة فيه على من أورده في كتابه هو لا يدّعي صحّته مطلقاً ، فضلاً عن أنّ الدعاء قابل للتأويل كما عرفت.

وعلى كُلّ حال فزينب ورقية هما ربيبتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي يرجّح هذا القول الكثير من الحقائق منها :

١ ـ هناك من يقول : أنّ خديجة إنّما تزوّجت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة بعشر أو ثلاث أو خمس سنوات ، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة ، وتزوّجتا قبل البعثة؟

٢ ـ إنّ بعضهم ينصّ على أنّه قد صحّ عنده : أنّ رقية كانت أصغر من الكُلّ حتّى من فاطمةعليها‌السلام ، لكن هذا يناقض ما هو معروف من أنّها تزوّجت في الجاهلية من ابن أبي لهب ، ثمّ جاء الإسلام ففارقهما ، وهذا يدلّل على عدم صحّة الأخبار التي تنسب ولادتها من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد فاطمةعليها‌السلام .

٣ ـ تذكر بعض المصادر : أنّ زينب ولدت وعمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثين سنة ، وتزوّجها أبو العاص بن الربيع قبل البعثة ، وولدت له علياً ـ مات صغيراً ـ وأمامة ، وأمامة أسلمت حيث أسلمت أُمّها أوّل البعثة النبوية.

وهذا غير معقول ، فإنّه لا يمكن لبنت في العاشرة أن تتزوّج ، ويولد لها بنت وتكبر تلك البنت حتّى تسلم مع أُمّها في أوّل البعثة ، وأُمّها لا تزال في العاشرة من عمرها.

( علي سالم الشمّاع ـ الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

حقيقته :

س : ما هي الحقيقة المحمّدية؟ وفّقتم لكُلّ خير.

٣٧٤

ج : اعلم إنّ الإنسان العادي عاجز عن معرفة حقيقته ، فكيف به أن يعرف حقيقة غيره ، ولاسيّما حقيقة سيّد الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روي : « يا علي ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري »(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي ما عرف الله إلاّ أنا وأنت ، ولا عرفني إلاّ الله وأنت ، ولا عرفك إلاّ الله وأنا »(٢) ، فكيف يمكن أن نعرف الحقيقة المحمّدية؟

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٨ سنة ـ التاسعة أساسي )

سمّى المنافقين :

س : أردت أن أسألكم عن ليلة العقبة ، حين قام مجموعة من المنافقين بمحاولة اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من هؤلاء القوم اللذين أرادوا اغتيال النبيّ؟ ولماذا أغلب الروايات المروية عن حذيفة أو غيره تقول فلان وفلان ، ولا تذكر الأسماء صراحة؟

ج : إنّ المجموعة التي تآمرت على تنفير ناقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العقبة كانوا أربعة عشر شخصاًً ، وصفوا بالنفاق ، وقد عرفهم حذيفة من رواحلهم لأنّهم كانوا ملثّمين ، وعرّفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأسمائهم ، فكان ـ كما يقول ابن الأثير ـ صاحب سر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنافقين لم يعلمهم أحد إلاّ حذيفة ، أعلمه بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسأله عمر أفي عمّالي أحد من المنافقين؟ قال : نعم واحد ، قال : من هو؟ قال : لا أذكره ، قال حذيفة : فعزله ، فكأنّما دلّ عليه ، وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه عمر(٣) .

وعن أبي الطفيل قال : « كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال : فقال

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٦٠.

٢ ـ مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥.

٣ ـ أُسد الغابة ١ / ٣٩١.

٣٧٥

له القوم أخبره إذ سألك ، قال : كنّا نخبر أنّهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد بالله أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد »(١) .

وروي : أنّ عمّاراً سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه قولاً عظيماً سمعته يقول : صاحب البرنس الأسود ، ثمّ كلح كلوحاً علمت أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط(٢) .

وعن أبي نجا حكيم قال : « كنت جالساً مع عمّار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك؟ ألست أخاك؟ قال : ما أدري إلاّ أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلعنك ليلة الجبل ، قال : إنّه قد استغفر لي ، قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار »(٣) .

وعن أبي مسعود قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « إنّ فيكم منافقين فمن سمّيت فليقم » ، ثمّ قال : « قم يا فلان ، قم يا فلان » ، حتّى سمّى ستة وثلاثين رجلاً ثمّ قال : « إنّ فيكم أو منكم فاتقوا الله »(٤) .

أقول : فيظهر ممّا سبق أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاهم وغيرهم من المنافقين ، إلاّ أنّ التعتيم الإعلامي الرسمي كنّى عن الأسماء بفلان وفلان ، وكذلك فيما روي عن حذيفة قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ في أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة ، ولا يجدون ريحها حتّى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة » ، وأربعة لم احفظ ما قال شعبة فيهم(٥) .

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٢٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣١٥.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٣٢ / ٩٣.

٤ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير ١٧ / ٢٤٦.

٥ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٢٠ ، صحيح مسلم ٨ / ١٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٩٨ ، مسند أبي يعلى ٣ / ١٩٠.

٣٧٦

وعلى ذلك شواهد كثيرة طمست فيها حقائق تاريخية حفاظاً على شخوص الحاكمين.

( )

حاشاه أن يتبوّل قائماً :

س : عن رجل عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يطلي فيبول وهو قائم؟ قال : « لابأس به »(٣) ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ كما أنّ أهل السنّة يزعمون بأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بال قائماً ، أليس في ذلك انتقاص له صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لقد ثبتت عصمة الأنبياءعليهم‌السلام بدليلي العقل والنقل ، ومن مراتب العصمة أن لا تحصل من الأنبياء أُمور توجب النفرة منهم ، لأنّ ذلك ينافي الغرض من بعثتهم ، وهو إبلاغ الرسالات السماوية بواسطتهم إلى الناس ، ومن ذلك مسألة البول قائماً التي توجب النفر من فاعلها ، وقلّة مروءته بين الناس ، والتي لا نتصوّر نحن البشر العادّيون أنّ أحداً من الناس المحترمين ـ فضلاً عن ذوي الشأن والسمو ـ يفعل ذلك.

ومن هنا يذكر ابن قدامة عن أبي مسعود قوله : « من الجفاء أن تبول وأنت قائم ، وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائماً ، قالت عائشة : من حدّثكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبول قائماً فلا تصدّقوه ، ما كان يبول إلاّ قاعداً ، قال الترمذي : هذا أصحّ شيء في الباب »(٢) .

وأمّا الرواية المنقولة فهي تدلّ على الجواز لا على رجحان الفعل ، وموردها مورد المعذور عن القعود للتبوّل لوجود علّة ، وهي الطلاء من النورة ، مع أنّ الكلام في نسبة ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه ينافي المروءة لا في جواز الفعل منّا ، فالرواية أجنبية عن محلّ الكلام.

__________________

١ ـ الكافي ٦ / ٥٠٠.

٢ ـ المغني لابن قدامة ١ / ١٥٦.

٣٧٧

أعاذنا الله من زلل الأقدام وزيغ الأفهام ، وأعاننا على ديننا ، وفهم عقيدتنا بجاه محمّد وآله الطيّبين الكرام.

( محمّد ـ الكويت ـ ٤٠ سنة ـ خرّيج جامعة )

عوتب عتاب تشريف لا ذنب :

س : روى علي بن إبراهيم بسند صحيح في تفسير قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) (١) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « نزلت هذه الآية في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبلال ، وعثمان بن مظعون ، فأمّا أمير المؤمنينعليه‌السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبداً ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً.

فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة ، فقالت عائشة : ما لي أراك معطّلة؟ فقالت : ولمن أتزيّن؟ فو الله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنّه قد ترهّب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدنيا ، فلمّا دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى : الصلاة جامعة.

فاجتمع الناس ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات؟ ألا إنّي أنام بالليل ، وأنكح ، وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي.

فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك ، فانزل الله :( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) (٢) ، ثمّ بيّن كفّارته.

والسؤال الآن : هل علي بن أبي طالبعليه‌السلام أخطأ لأنّه أقسم يمين بعدم النوم ليلاً ، أو أنّ الرسول الذي أخطأ لأنّه خطب على المنبر ، بأنّ ما قام به هؤلاء ـ بمن فيهم علي عليه‌السلام ـ ليس من سنّته؟

__________________

١ ـ المائدة : ٨٧.

٢ ـ المائدة : ٨٩ ، تفسير القمّي ١ / ١٧٩.

٣٧٨

فكان ج : ليس في هذا الخطاب والعتاب منقصة على المخاطب والمعاتب إن لم يكن محمّدة نظير قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، فهل أخطأ النبيّ حين حرّم ما أحلّ لله له؟

فقالوا : نعم أخطأ النبيّ في ذلك ، وإلاّ ما احتاج الأمر إلى المعاتبة ، فما هو جوابكم؟ ولكم جزيل الشكر.

الجواب : في هذا الحديث دلالة على الكمال ، وفيه محمّدة للمخاطب ، ومن قال لك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخطأ فعوتب ، فالمخطئ هو لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقريب ذلك :

١ ـ إنّ التحريم ليس تحريماً شرعياً ، بل هو تحريم لغوي ، بمعنى المنع ، أي : لِمَ تمنع نفسك عن مشتهياتك بسبب مرضاة زوجاتك ، فإنّ رضاك مقدّم على رضاهُنّ ، فافعل ما تريد ، وإن هُنّ فعلن ما أردنَ ، فالإثم لهُنَّ لا لك ، فيكون التحريم بالمعنى اللغوي ، كما في قوله تعالى في موسىعليه‌السلام :( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ) (٢) ، أي منعنا موسى عن ارتضاع امرأة مطلقاً إلاّ أُمّه حتّى رجع إليها.

٢ ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياًعليه‌السلام ، كُلّ منهما حرَّم على نفسه ، ولم يحرّم تحريماً عامّاً شرعياً ، ليكون خلاف ما أمر الله ، فلو أنّ شخصاً مَنَع نفسه من أكل التفاح مثلاً ، فهل يُعَدُّ هذا مشرِّعاً مُحرِّماً؟! اللهم لا.

٣ ـ إنّ هذا وارد مورد التحنّن والتوجّع ، مثل قوله تعالى :( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) (٣) .

قال الطبرسي :( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب به رضاء نسائك ، وهُنَّ أحقّ بطلب مرضاتك منك ، وليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه ، صغير أو كبير ، لأنّ تحريم الرجل بعض نسائه ، أو بعض الملاذ ، لسببٍ أو لغير سبب

__________________

١ ـ التحريم : ١.

٢ ـ القصص : ١٢.

٣ ـ طه : ١ ـ ٢.

٣٧٩

ليس بقبيح ، ولا داخلاً في جملة الذنوب ، ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجّع له ، إذ بالغ في إرضاء أزواجه وتحمَّل في ذلك المشقّة(١) .

٤ ـ قال الفخر الرازي : « أنّ تحريم ما أحلّ الله ليس بذنب بدليل الطلاق والعتاق ، وأمّا العتاب ، فإنّ النهي عن فعل ذلك لابتغاء مرضاة النساء ، أو ليكون زجراً لهُنَّ عن مطالبته بمثل ذلك ، كما يقول القائل لغيره : لم قبلت أمر فلان واقتديت به وهو دونك ، وآثرتَ رضاهُ وهو عبدك ، فليس هذا عتاب ذنب ، وإنّما هو عتاب تشريف »(٢) .

ولذلك ذكر الإمام الحسنعليه‌السلام قضية أمير المؤمنينعليه‌السلام في معرض المدح والفخر ، فقال في حديث له عند معاوية وأصحابه : أنشدكم بالله أتعلمون أنّ عليّاً أوّل من حرّم الشهوات كُلّها على نفسه من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنزل الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٣) .

ولتقريب الموضوع خُذ هذا المثال : أنّك لو قلت لولدك : يا بني اعمل ، فصار ولدك يعمل من أجل رضاك ثمانية عشر ساعة كُلّ يوم ، فإنّك سترتاح لامتثاله لأمرك وحرصه على طاعتك ، لكنّك ستقول له : يا بُني أرح نفسك ولا تتعبها كُلّ هذا التعب!! فنهيك له عن أتعاب نفسه مدح وتشريف له.

٥ ـ يبقى إشكال لم تطرحوه ، ولكن ربّما يخطر ببالكم ، وذلك في مثل قوله تعالى :( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (٤) ، فإنّ النهي في مثل هذه الموارد نهي تنزيهي إرشادي ، يرشد به إلى ما فيه خير المكلّف وصلاحه في مقام النصح ، لا نهي مولوي.

__________________

١ ـ مجمع البيان ١٠ / ٥٧.

٢ ـ عصمة الأنبياء : ١١١.

٣ ـ المائدة ٨٧ ، الاحتجاج ١ / ٤٠٧.

٤ ـ البقرة : ٣٥.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667