موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 311544 / تحميل: 7183
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية ، فإنّ له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية ، لأنّه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة ، والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر ، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً.

إنّ الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ، ولكن مع تحمّل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجيمع.

٤ - الشعور بالنقص:

قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص ، وفي محاولة لتعويض ذلك يَجْنح الإنسان للسير في خُيلاء مصعّراً خده للآخرين ، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة.

ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم ، وتؤدي بهم في النهاية - وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس - إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين.وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج ، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة.

أمّا أولئك الذين يتمعتون بغنىً روحي ، فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم.

تقييم الذات:

القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ، ويتصرف على ضوء ذلك ، بينما يخطىء الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور.

وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما

٦١

ولكل منهما ؛ والأساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان.ولا مجال هنا لأي محاولة ، أو سعي ، لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية.

إنّ حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودّة التي تربط الطرفين بوشائج متينة ، حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد.وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً.

ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه - مهما بلغ من العلو - في علاقاته مع زوجه وشريك حياته ، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر ؛ الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك.

ضرورة التغيير:

إنّ مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن ، بروح المحبة.ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما ، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما.ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل.

أيَّة لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصَغَار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأيَّ مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.

نعم ، إنّ الرجل سيد الأسرة ، ولكن عليه أن يعيَ مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير ، لا كمنصب يستعدي التفاخر والاعتداء

إنّ أدبياتنا كمسلمين ، تدعونا - ومن أجل إسعاد الآخرين - إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية ، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة.

٦٢

طريق الحياة المشتركة:

أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ، ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش.وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً - هو الآخر - لا غبار عليه.ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنّه المعشوق الوحيد في هذا العالم.

على أنّ هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر ، بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام.ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها.

لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها ، فضلاً عن استقصائها ، ولا يليق بالإنسان - كإنسان - أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام ، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته.

اجتناب المعاملة الفظّة:

وأخيراً ؛ يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الأُلفة والمحبة بينهما ، وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق - مثلاً - أو الرؤية ، بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة ، التي تتناقض مع الحب والمودّة ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش.

إنّ الإحساس بالغرور ، والفظاظة في التعامل يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، ولذا فإنّ طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح.وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر ، فإنّ هذا يستدعي الشكر لله والثناء عليه ، لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته.

٦٣

الفصل السادس

تعيين الحدود

الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل الحرية ، هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتُقَدِّم - من أجل تحقيقها - الغالي والنفيس.

للحرية جذورها في أعماق الإنسان ، بل وحتى الحيوان.فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوّة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر ، والعودة إلى دنيا الحرية.وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً.

أمّا الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود.

الحياة العائلية والحدود:

لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها.وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإنّ حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام - إذا صح

٦٤

التعبير - ؛ ذلك لأنّ الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلاّ أنّها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير.

فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه ، دون أن يأخذ بنظر الاعتبار ( الآخرين ) في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة.

وإذن ، فإنّ هناك حدّاً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة ، والحياة المشتركة.وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع ؛ باعتبار أنّ الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية ، وقد يشعر بالغضب عندما يرى أنّ حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب ؛ يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ، ريثما تتوفر الأرضية المناسبة.وفي غير هذه الصورة ، سوف يَجْنَح الرجل إلى الاستبداد في رأيه ، وربّما النزاع.

وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً ، بأنّ زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأنّ الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات.

على هامش الحدود:

من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود ، يمكن إدراج ما يلي:

١ - تنظيم الحضور:

وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك.ولذا ، فإنّ على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده ، بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أنّ المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت.

ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك ، دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة.وخلاصة المسألة أنّه ينبغي على الزوجين

٦٥

تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار.وفي المقابل ، إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته، فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع.

٢ - المعاشرة:

المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة ، وأسسها ، وما يتعلق بها.غير أنّنا نجد - ومع الأسف - ممارسات قمعية لدى أحدهما ، تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة.

فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما ، تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يودُّ أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنّه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد.

٣ - التقيد في الإجراءات:

قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب - مثلاً - لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات ممّا يؤدي إلى النزاع والمواجهة.

قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربّما تعرّض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا.

إنّ التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصِدامي ، ينبغي على الزوجين أن يفكّرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات.

٤ - في الميزانية:

ربّما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق ، وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك.إنّ الكرم والسخاء في حياة

٦٦

الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحدّ المعقول في ذلك.

إنّ البُخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة.إنّنا - ومع الأسف - نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنّهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ، ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.

٥ - الطمأنينة وراحة البال:

نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً: نجد زوجاً يقضي جلَّ نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ، ثمّ يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق.

أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر ، تدير شؤون بيتها ، وترعى صغارها ، وتغسل الثياب ، وتطهو الطعام ، وعندما يحلّ المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها: لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تكْوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً ، أو لم تجد الوقت الكافي لكي تكوي له ثيابه - مثلاً -.إنّ محاولات كهذه ، وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة ، إلاّ أنّها تهدد الكيان الأسري بالخطر.

٦ - طرح الأسئلة:

تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها

٦٧

أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل ، حتى يتحوّل الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنّها تشعر بالمرارة لذلك.وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار.

وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية ، وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن ، حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن.ولذا ، فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة ؛ لأنّ صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإنّ صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر.

الأسباب:

ومحاولةً للإشارة إلى بواعث تلك القيود ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الجهل:

قد تتصور المرأة أنّ عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به.وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أنّ زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأنّ المنزل مجرّد مكان للاستراحة والاسترخاء.ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ، ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر.

٢ - سوء الظن:

قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن ، الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي.ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أنّ من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ، ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام.وإذن ، ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد

٦٨

الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك ؛ وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري.

٣ - إيحاءات الآخرين:

ربّما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة ، انطلاقاً من نوايا مغرضة ، وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد - ومع الأسف - بعض الافراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أُسر تعيش في حالة من الصفاء والمودّة ، وممّا يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات ، ممّا يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع

وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة ، وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات.

٤ - النرجسية:

وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، انطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أنّ بعضهم إنّما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين.

٥ - غياب الحب:

وأخيراً يقف غيابُ الحبِّ كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة، أو بإهانة مقصودة ، أو بفرض بعض الحدود ؛ لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار.

ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته ، أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنّما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب

٦٩

الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل ، من قبيل: الحرية ، والأنانية ، والتكبر ، والإعجاب بالنفس ؛ لكي يتسنّى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام.

ضرورة استمرار الحياة الزوجية:

ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممّن يهدفون - ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم - إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ، ولا يمكن التنبؤ به أبداً.

وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون - ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة - انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أنّ العنف لا يمكن أن يولّد الحب الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي.

إنّ الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب ، وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه.

٧٠

الفصل السابع

تحمّل الآخر

من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الأُلفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكنّنا - ومع الأسف الشديد - نجد البعض - وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة - يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمّل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه ، ممّا يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر.

وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمّل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض ، انطلاقاً من أنّ معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء ، إلى حدٍّ ما.

صور متعددة:

تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إنّ لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلاّ الطاعة والتسليم.

فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية ، لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء ، وبسبب أي شيء لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني ؟ ولماذا الطعام الفلاني غير

٧١

جاهز ؟ لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أنّ الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأنّ تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل ، تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء.

وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء ، يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين ، أو أمر معين ، أو نهي محدد.فإنّ كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً ، وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه.

إنّ مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء.

سوء الخلق:

إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول: بأنّها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس ، وتحوِّله إلى هشيم تذروه الرياح.

لقد أثبتت الدراسات أنّ سوء الخلق ، والإساءة في التعامل ، وعدم التحمل ، يؤدي إلى الشيخوخة.حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً ، أنّ أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنّما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمّل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أنّ الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق.

إن الأجواء المتشنجة والمتوترة ، التي يصنعها التعامل الفظ ، والاساليب القمعية في الأسرة ، تعرِّض الاطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضّة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل.

٧٢

البواعث:

للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - غياب التفاهم:

إنّ غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أنّ التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك.وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف.وممّا يبعث على الأسف أنّ الزوجين - وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة - قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة.

٢ - الفوضى في الحياة:

هناك الكثير من الأفراد ممّن يهتمون بالنظام إلى حدٍّ يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية.

وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل - مثلاً - إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه.ربّما يعتبر البعض أنّ الأمر ليس بهذه الخطورة ، ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك.إنّ ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تُحمد عقباه.

٣ - الإجهاد في العمل:

ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب.وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أنّ العمل المتواصل، والإرهاق ، قد أضعف

٧٣

أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ، ودون رحمة ، ودون سبب وجيه ولو في الظاهر.

وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء ، من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً ، يجعلهن في النهاية جنائز - إذا صح التعبير - حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب.

إنّنا نوصي الأزواج - نساء ورجالاً - في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود.

٤ - الاضطراب الفكري:

قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني ، وتعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم.

إنّ هذه المشاكل ، وما يتبعها من وسوسة فكرية ، تجعلهم سريعي الإثارة ، قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنّهم ينفجرون لأقلّ اصطدام ، ممّا يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب.

٥ - عوامل خارجية:

قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً: يعمل الزوج في مكان ما ، ثمّ يحصل له نزاع مع زملائه في العمل ممّا يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته، لسبب أو لغير سبب.أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفَّهة ، فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة ، التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكّي والبكاء.

ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات ، عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك.

٧٤

٦ - عدم التحمّل:

قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها.قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنّه ينزعج منها ويصرخ: لماذا لا تكفّي عنّي ؟! دعيني وشأني.

وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماماً ، مثلاً: ينتظر الزوج طعاماً ، ولكنّ الزوجة ، ومن أجل إعداد طعام لذيذ ، تتأخر قليلاً.عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها.وربّما يكون المرض علّة وراء عدم التحمّل أيضاً ، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة: لماذا وجهك مصفّر أو لماذا تبدو هكذا ؟ فيتأفّف الزوج ، ثمّ سرعان ما يثور معبّراً عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة.

٧ - انعدام التوازن النفسي:

نصادف بعض الأحيان أزواجاً يفقدون التوازن النفسي ، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسياً ، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصَغار والذلّة ، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم ، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرّين في ذلك ، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب ، فيصبّون غضبهم على هذا وذاك ، كما نجد البعض مصاباً بنوع من الساديّة ، حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم ، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم.

ولا شك أنّ ما ذكرناه هو حالات مرضيّة تستدعي العلاج ، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ أولئك لا يدركون أنّهم يعانون من حالة مرضية ، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات.

٨ - غياب المداراة:

وأخيراً: فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنّبها بشيء من اللباقة.

٧٥

الصراحة صفة حميدة إذا لم تخرج عن دائرة الخلق والأدب ، كما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الطرف المقابل وقدرته على التحمّل.

يقوم بعض الأزواج - ومع الأسف ، وحيث لم تمر بعد إلاّ أيام معدودة على زواجه - بمصارحة زوجه بعيوبه ، الأمر الذي يجعل الطرف الآخر عرضة لتلقّي الطعنات ، فينطوي على نفسه حزيناً يتحيّن الفرصة للانتقام في المستقبل.

أيّة صراحة هذه التي تؤدي إلى اشتعال النار لتحرق البيت ومن فيه ؟! وأية صراحة هذه إذا كانت تفعل في نفس الإنسان فعل الخنجر المسموم ؟!.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب دقّة في الحديث وحذراً في التعامل ، وإذا كانت الصراحة تؤدي إلى ظهور آثار مدمرة فينبغي إقصاؤها بعيداً ، فهناك من الأساليب ما يغني عن ذلك ، ويؤدي إلى أطيب النتائج.وفي كل ما ورد من أسباب يتحمّل الرجل والمرأة مسؤوليتهما تجاه ذلك على حدٍّ سواء ، قد يتحمّل الرجل في بعض الأحيان مسؤولية كاملة تجاه ما ينشب من نزاع ، وقد تتحمّل المرأة المسؤولية كاملة ، ولكن في أغلب الأحيان يشارك الاثنان في صنع المأساة التي تشملهما معاً فيما بعد.

وفي كل ما ذكرناه يكمن غياب العقل كسبب مباشر في تلك النزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية.

ففي بحث جميع تلك المشاكل يستلزم الزوجان فقط قدراً من التعقّل لتنقشع جميع السحب من سماء الأسرة.

ضرورة ضبط النفس:

من الخطأ أن يقدم المرء على رد فعل عنيف تجاه ما يصدر عن زوجه من عمل خاطىء ؛ إنّ المواقف المتشددة وردود الفعل المتشنجة تخلق في البيت حالة من التوتر الذي قد يفجّر الوضع في كل لحظة.ولذا فمن الضروري جداً ضبط النفس ومراعاة حالة الزوجة ومحاولة

٧٦

التعرف على السبب الكامن وراء ذلك العمل الخاطىء.إنّنا إذ نخاطب الرجل في ذلك ؛ لِعِلمنا جميعاً بأنّه أقل عاطفية من المرأة. وقد ورد في الروايات أنّ من يتحمّل أذى زوجته ولا يطلب في ذلك إلا مرضاة الله وهبه الله ثواب الشاكرين.

إنّ التحمّل والتسامح مفتاح الكثير من المشاكل وجانب مهم في حياة الإنسان وقدرته على الإرادة.

السعي الدائم للتفاهم:

من الممكن جداً أن يعيش الزوجان حالة من المودة والصفاء إذا قرّرا ذلك فإرادتهما للتفاهم والسعي الدائم للتقارب الأخلاقي والروحي ومحاولة التركيز على النقاط الإيجابية المشتركة يمكّنهما من خلق الأرضية المناسبة لبناء علاقة وطيدة.

إنّ الرقّة في الحديث المتبادل وتركيز الزوجين على بعض النقاط وتسليط الضوء عليها على أساس أنّها السبب في انتخاب بعضهما البعض يشجع الطرفين على التقارب أكثر فأكثر ، وتذويب الجليد الذي قد يقف حائلاً بينهما.

فقد تكون زوجتك عصبية المزاح - مثلاً - وفي هذه الحالة ومن خلال تحمّلك الإمساك بزمام الأمور دون حدوث مشكلة ما، هذا إذا قررت العيش معها.فالإرادة دائماً - وكما يقول المثل - تصنع الوسيلة.

إن تعاطفك مع زوجتك وهي تمر في أزمة نفسية حادة يجعلها عصبية عنيفة سوف يخفف من حدتها ويهدأها شيئاً فشيئاً.

التأثير الأخلاقي:

من الجدير بالذكر أنّ الأخلاق لها قدرة فائقة في التأثير ، سواء كانت حسنة أم سيئة ؛ إنّ نشاطك وحيويتك سوف يؤثر على زوجتك دون أن تشعر بذلك ، وسرعان ما تبدو ملامح النشاط في وجهها ، وينعكس على تصرفها ،

٧٧

وبالعكس ؛ ذلك أنّ النفس الإنسانية تبدو ، في بعض الأحيان ، وكأنّها مرآة تنعكس فيها المؤثرات الخارجية بسرعة.فإذا بدت زوجتك عنيفة حادّة الطبع عصبية المزاج ، فإن ابتسامتك وطلاقة وجهك ستفعل فعلها وستدفع بها إلى التراجع والشعور بقدر من الحياء.

إن أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجته هو ليس التشكّي بل السعي إلى الاقتراب من زوجته وفهم ما يدور في خِلدها وما يعتمل في قلبها ، ولا شك أنّ إدراك ذلك سيساهم في حل المشكلة ، أو التخفيف من حدتها على الأقل.

٧٨

الفصل الثامن

الأهداف المادية

الزواج رباط إلهي مقدس ، والحياة الأسرية حياة سامية.ولذا ، فإنّ تشكيل الأسرة ينبغي أن ينهض على أسس رفيعة ومن أجل أهداف عالية ، لكي يمكن لها الديمومة والاستمرار والثبات.

إن ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك ما أيّدته التجارب والمشاهدات اليومية ، لَيؤكد بأنّ الزواج الذي يقوم على أساس الجمال أو الثراء هو زواج لا بدّ وأن ينتهي إلى الإخفاق والفشل ، ذلك أنّ هذه الأهداف قصيرة المدى ضعيفة الأساس ، خاوية المعنى ، وهي سرعان ما تنهار ، وبالتالي ينهار البناء برمّته.

إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس الاحترام الكامل والمتبادل لكرامة الإنسان وإنسانيته ، وهو أمر - ومع بالغ الأسف - قد قوضّته إلى حد ما المدنية الحديثة.

وفي هذا العصر كثيراً ما نشاهد أزواجاً أو زوجات ، ومن أجل مظاهر الحياة الدنيا - يحوّلون بيوتهم ، التي ينبغي أن تكون أعشاشاً دافئة ، إلى ميادين للحرب والصراع ، حيث يكون همّ كلّ منهما قهر صاحبه.

تأمين الميزانية:

لا ريب في أنّ الحياة الأسرية تحتاج ، ومن أجل تسيير شؤونها اليومية إلى ميزانية يمكنها تغطية الحاجات الأساسية ، وغير الأساسية ، بشكل متوازن.إن النظام الإسلامي يجعل هذه المسألة من مهمّات الرجل التي لا تقبل

٧٩

نقاشاً ، حتى لو بلغت المرأة من الثراء حداً يمكنها القيام بذلك.ولذا ، فليس من حق الرجل أن يمدّ عينيه إلى ثروة زوجته ، أو يقرر له حقاً فيها ، أو يأمرها بالمساهمة في الإنفاق على شؤون الأسرة.

وفي مقابل هذا يوصي الإسلام المرأة أن تتكيف مع المستوى المعاشي لزوجها ، وأن تنتهج منهجاً معتدلاً في الإنفاق بما يتوافق مع إمكانات الرجل ، وأن لا تفعل ما من شأنه أن يدفع بالزوج إلى مضاعفة عمله والإجهاد من أجل تغطيه نفقات البيت ، أو يدفعه - لا سمح الله - إلى ارتكاب الحرام من أجل ذلك.وهذه المسألة نراها واضحة جلية في حياة الأزواج من الشباب ، فمن أجل إثبات حبهم يتمسكون بهذا الجانب دون رعاية لوضعهم الاقتصادي.

وفي البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات ذات الصبغة المادية ، والتي غالباً ما تؤدي إلى شلّ الحياة المشتركة أوالتفكير بالانفصال ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الوعود الكاذبة:

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنذ بعض الزيجات تنهض على أساس خاطىء حيث يكون الهدف - مثلاً - كسب الثراء والتمتع بأملاك الطرف الآخر.

ومن أجل هذا يقوم البعض بدور الثري ويحاول من خلال ذلك النفوذ إلى قلب الفتاة وأهلها ، وبالتالي موافقتهم على الزواج على أساس بعض الوعود ، ثمّ سرعان ما تظهر الحقيقة كاملة ولكن بعد فوات الأوان وحينها ينشب النزاع.

وقد يحصل ذلك حتى بعد الزواج حيث تشترط الزوجة ذلك ، فيقوم الزوج ، ومن أجل إثبات حبه لها ، بإطلاق الوعود الذهبية التي لا تجد لها في أرض الواقع مكاناً مما يؤدي بالزوجين إلى النزاع.

٢ - الكماليات:

من أسباب النزاع في الحياة الزوجية ، بل وحتى الوقوع في الحرام

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

هذا ويمكن أن يقال : أنّ ما جاء في الآية الكريمة( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) ليس عتاباً وتوبيخاً ، بل هو عطف وإشفاق ، نظير أن يقال للشخص : لماذا تتعب نفسك إلى هذا الحدِّ من دون نتيجة تعادل أتعابك ، فالآية الكريمة كأنّها تريد أن تقول : لماذا تتعب نفسك بإلزامها بترك ذلك الطعام الخاصّ ـ وهو العسل الذي كانت تقدّمه إليه زوجته زينب بنت جحش ـ لترضي بذلك بعض أزواجك ، يعني حفصة وعائشة.

وأمّا قوله تعالى :( وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) فيمكن رجوعه إلى حفصة وعائشة ، أي أنّه سبحانه يغفر لهما ما صدر منهما من إيذاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث طلب من حفصة أن لا تخبر أحداً بأنّه أكل عسلاً في بيت زينب ، ولكنّها أفشت سرَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا قوله تعالى :( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) فهو في صدد بيان طريق لتخليص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه من القسم ، الذي الزم به نفسه ـ حيث حلفصلى‌الله‌عليه‌وآله على ترك تناول العسل ، الذي كانت تقدّمه إليه زينب بنت جحش ـ وذكرت أنّه سبحانه قد شرَّع ما يمكن به تخليص النفس من القسم ، وهو دفع الكفّارة ، فالمقصود من تحلّة إيمانكم هو الكفّارة التي يحلُّ بها الحالف حلفه ، وهذا لا يدلّ على صدور ذنب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل على صدور القسم منه لا أكثر.

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

قصّة الإفك :

س : هل لكم أن تذكروا تفاصيل قصّة الإفك ، وكيف حدثت ، برأي علمائنا الأبرار؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : خلاصة القصّة حسب ما ورد في رواياتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ ملك القبط أهدى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غلاماً يدعى جريج ، وجارية تدعى مارية القبطية ، فأسلما وحسن إسلامهما.

٣٦١

فضمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الجارية إليه ، فولدت له إبراهيم ، فكان يحبّهما حبّاً شديداً ، وأصبح حبّه سبباً لحسد عائشة وحفصة ، حتّى قالتا مع أبويهما للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ إبراهيم ليس بابنك؟! بل هو ولد الغلام جريج ، ونحن نشهد على ذلك.

وعلى الرغم من علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بكذب الشهادة والتهمة ، لما كان يلهمه من أثر في النفوس ، أراد أن يظهر الأمر ويبيّن الحقيقة لأصحابه ، فأمر الإمام عليعليه‌السلام أن يذهب ويقتل الغلام جريجاً ، وقال له : إذا بان لك أنّ الأمر على غير ما قيل فلا تتعرّض له بسوء.

فذهب الإمام عليعليه‌السلام إلى جريج شاهراً سيفه ، ففرّ جريج من خوفه ، وتسلّق شجرة ، فتبعهعليه‌السلام فأهوى جريج بنفسه على الأرض ، فانحسر ثوبه عن رجليه ، فبان لعليعليه‌السلام أنّه ممسوح ، فأتى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرض عليه ما رأى منه.

فأحضر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه ، فشاهدوا الغلام ، وانكشف أمرهم وبطلت تهمتهم ، فجاءوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلبون المغفرة فنزلت الآيات بتبرئة الجارية مارية وجريج عن التهمة ، التي اتهما بها(١) .

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

له قرين :

س : ما هو القرين؟ وهل صحيح أنّ النبيّ كان عنده قرين؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ معنى القرين هو الصاحب ، أو الشيء الملازم للإنسان ، كعمله وفعله ، قال الله تعالى :( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) (٢) ، أي كان له

__________________

١ ـ أُنظر : تفسير القمّي ٢ / ٩٩.

٢ ـ الصافّات : ٥١.

٣٦٢

مصاحب لا يفارقه ، وقال تعالى :( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقيس بن عاصم وهو يعظه : «وإنّه لابدّ لك يا قيس من قرين ، يدفن معك وهو حيّ ، وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ثمّ لا يحشر إلاّ معك ، ولا تبعث إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ، فإنّه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه ، وهو فعلك »(٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما منكم من أحد إلاّ وقد وكّل به قرين من الشياطين » ، قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : «نعم ، ولكنّ الله أعانني عليه فأسلم » ، رواه أحمد والطبراني والبزّار ، ورجاله رجال الصحيح غير قابوس بن أبي ظبيان ، وقد وثّق على ضعفه(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من أحد إلاّ جعل معه قرين من الجنّ » ، قالوا : ولا أنت؟ قال : «ولا أنا إلاّ أنّ الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلاّ بخير » رواه الطبراني ، وفيه أبو حماد المفضّل بن صدقة ، وهو ضعيف(٤) .

فكُلّ إنسان إذاً له قرين من الشياطين أو من الجنّ ، أي مصاحب له.

( أشتر مذحِج ـ مصر ـ ٢٠ سنة ـ طالب كُلّية الطبّ )

الحقيقة النبوية :

س : أمّا بعد ، فقد كان لي عدّة تساؤلات تعربد في عرصات فكري القاصر ، وعقلي الضئيل العاجز ، ترجو هدوءً لها وسكوناً ، والحديث

__________________

١ ـ الزخرف : ٣٦.

٢ ـ الخصال : ١١٤.

٣ ـ مجمع الزوائد ٨ / ٢٢٥.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٣٦٣

بخصوص أسرار محمّد وآله الطاهرين ، وبالأخص زعيم أهل البيت الأمير الأقدسعليه‌السلام ، وعن حقيقته المعمّى أمرها في مراتب الوجود!

وترددت كثيراً في أن أكتب إليكم كلامي هذا ، لولا أنّني وجدت العديد من الأسئلة لأخوة الولاية ، تعرّضت لهذا الموضوع كثيراً ، ولئن كانت أقل تعمّقاً من تعرّضي هذا ، بل ربما كان السائل يسأل بقصد التكذيب والطعن ، مرتدياً في سؤاله زيّ الموالي المتشيّع ، ووجدت أنّكم قد جاوبتم عليهم بما هو خير جواب ، يحمل في طيّاته هدي أهل البيت وجوهرية كلامه ، الذي ينهل منه كُلّ على حسب علمه ، ويردّه كُلّ امرؤ فيشب منه على قدر ظمئه ، ولا تحجب عن دارها سائل مهما كان علمه!

فوجدت أنّ السكوت عن طلب حقّ لي على نفسي من طلب العلم من مقرّكم يكون طاعةً للشيطان ، وتكاسل عن تلبية نداء الرحمن ، وعلى كُلّ حال فإنّنا قد تشرّفنا بمجرّد طرح سؤالنا ، وقراءتكم لاستفسارنا ، سواء أتانا جوابكم أو حجبتموه عنّا.

عن سيّد الكونين ونبراس نشأة العالمينصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل ما خلق الله القلم العقل روحي نور نبيّك يا جابر »! قال بعض المفسّرين : هي الحقيقة المحمّدية! في حين أنّ أساطين الحكمة والإشراق وجهابذة العرفان والتحقيق ، قد أشاروا إلى غير ذلك ، وخصوصاً الشيخ الأكبر ، ملاّ هادي السبزواري ، وعليه حكم ابن العربي ، فالعقل الأوّل ـ روح المصطفى ـ هو أوّل المبدعات ، وأكثرهم قبولاً لنور الحقيقة المحمّدية.

وعلى قول ملاّ هاديقدس‌سره : « أنّ العقل الأوّل هو أوّل المبدعات أيضاً ، والحقيقة المحمّدية هي برزخ البرازخ ، والنفس الرحماني ، والرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، ووجه الله الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجود المطلق القائم بقيومية الوجود الحقّ »(١) .

وكلاهما يتّفق مع الآخر مع الاختلاف في أنّ ابن العربي يقرّر أنّ الحقيقة المحمّدية ، أو الوجود المطلق هو الموصوف بالاستواء على العرش الرحماني.

__________________

١ ـ شرح الأسماء الحسنى ١ / ٧.

٣٦٤

وهذا يتّضح أنّه يعني أنّ العرش هو القلم الأعلى ، وهذا يروق لي في النظر كثيراً جدّاً ، وأيضاً أنّ برزخ البرازخ عند ابن العربي ، أو أوّل البرازخ هي النفس الكُلّية ، ويبقى تناقض ظاهري واضح نرجو تفسيره الباطني الثاقب ، ونرجو جوابه عندكم إن شاء الله.

« أنا النقطة تحت الباء » اتفق أهل الحقيقة جميعاً على سرّ النقطة ، وإن اختلفت أقوالهم مع ثبات معناها ، فعند الشيخ الأكبر هي الموجودات كُلّها ، وعند ملاّ هادي هي الإمكان ، وكلاهما شيء واحد ، وكلاهما حقيقة الأمير ، وأنّ الباء بشكلها ونقطتها تمثّل خلافة العقل الكُلّي ، أو الإنسان الكامل عن الألف المحتجبة المنطوي نورها في نور الباء المظلمة بذاتها ، والمنوّرة بنور ربّها ، نعني خلافة الإنسان الكامل عن الذات الإلهية في مرتبتها الواحدية ، ونأتي للإشكال هنا :

ملاّ هاديقدس‌سره يقول : لأنّ الوجود المطلق الذي أشرنا إليه من قبل هو صنع الله وكلامه ، وكلمة كن المشار إليها في الآية الشهيرة ، والمشار إليها في كلام أصل طوبى ، وحقيقة سدرة المنتهى ، الأمير الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّما كلامه سبحانه فعله ، ولو كان قديماً لكان إلها ثانياً.

قالقدس‌سره : « فإنّ العقل الصريح والبرهان الصحيح يدلّنا على التثليث الآمر والأمر والمؤتمر ، والصانع والصنع والمصنوع »(١) .

وهو يعني الوجود الحقّ هو الصانع ، والوجود المطلق هو الصنع ، والوجود المقيّد هو الصنعة ، وتتبادر إلى الأذهان عند ذكر هذه الكلمات ، فتحضر بوجودٍ لا ينكر وشهودٍ لا يستر ، قولة الأمير الشهيرة جدّاً لابن الآكلة : « فإنّا صنائعُ ربّنا والناسُ بعد صنائعٌ لنا »(٢) !!

وأيضاً تلحق بها أقواله : « أنا والله وجهُ الله وأنا العرش ، وأنا الكرسي »! وهذا كُلّه إشارة إلى الوجود المطلق ، الذي هو صنع الله

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ١١٣.

٣٦٥

وكلامه ، وأيضاً روي عنهعليه‌السلام : « أنا الأسماءُ الحسنى »(٢) ، وهي كذلك أيضاً!

والسؤال الذي يطرح نفسه لدينا بقوّة : بأيّ وجه يتّفق السابق مع اللاحق؟ إنّ مرتبة عليعليه‌السلام في مراتب الوجود ، وإن كانت عمى أمرها بعض الشيء أو كثيره.

فإنّ الكثير من العلماء كادوا أن يصرّحون بها ، أمثال ابن العربي في فتوحاته ، وكثير من شعراء أهل البيت المؤيّدين بروح القدس ، بشهادة سيّد الكونين في حديثه لحسّان بن ثابت أمثال كاظم الأزري ، وعبد الباقي الغمري ، بل ومن ليسوا أصلاً من أهل الولاية ، كالحكيم الفاضل ابن أبي الحديد!

ومن علمائنا الكرام ، فالإمام الخميني كاد أن يصرّح بها في مصباح هدايته ، إن لم يكن قد صرّح بها بالفعل ، مستنداً إلى أحد أقوال أبيه المرتضى!

والسؤال مرّة أُخرى ، وننتظر جوابكم على أحرّ من الجمر ، كيف يصحّ الإطلاق على العقل الكُلّي أنّه الحقيقة المحمّدية ، وأنّه كلام الله وأسمائه ، ووجهه الباقي ، وأنّه الرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، وكُلّ ما أسلفناه من قبل رغم اختلاف المرتبة تقريباً!

هل هو من جهة الخلافة لهذا؟! أو كما قال السيّد الخمينيقدس‌سره : أنّ الإنسان الكامل هو خليفة الاسم الأعظم ثمّ أعقب : بل هو عين الاسم الأعظم!!

وهذا ما أدين به ، وما دفعني للسؤال سوى بغية الطمأنينة على محصول فكري وبحثي ، وعندنا في مصر تعرفون الحال ، لا حوزات ولا يحزنون ، بل لا كتب أصلاً ، والرجوع إليكم أمثل ، وأكثر طمأنينة لبالي بدلاً من الخوض هكذا بلا دليل أو مرشد ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان! ودمتم سالمين.

ج : ينبغي أن يعلم أنّ الوجود المطلق في حقيقته كمفهومه ، له مراتب وتجلّيات ، وهذه التجلّيات إذ لوحظت باعتبار اتصالها ، بل اتحادها بالوجود

__________________

١ ـ شرح الأسماء الحسنى ١ / ٢١٥.

٣٦٦

المطلق فهي عينه ، وتلك التجلّيات مع كونها عينه يغايره بلحاظات ، وهذه اللحاظات لا تشكّل قيوداً ، إنّما هي عبارة عن اتصال النفوس بعد تحرّرها من علائق الجهل بالرياضة ، أو بالجذب إلى الأعلى لاستفادته بنور هدى هاديه ، فعليه هذه اللحاظات أشبه شيء بالمعاني الحرفية لا تقيد تلك التجلّيات ، ولا يمكن أن تصبح عناوينها بل هي نحو استنارة من تلك التجلّيات التي أمكن الاتصال بها كُلّ بحسبه.

هذا التجلّيات على وحدتها من حيث المبدأ تبدو في عين الممكن متكثّرة ، وكُلّ واحد منها يحمل في طيّاته ما هو أوسع من هذا الكون المرئي المحسوس ، فكثرة تلك التجلّيات وسعتها تؤكّد الوحدة التي نشأت منها ، فالعلم واللوح والعرش والكرسي ـ مع قطع النظر عن التفصيليات الواردة في العلم المنقول ـ هي متّحدة بفيض الفيّاض المطلق ، ومن هذا المنطلق كانت الحقيقة المحمّدية والولاية العلوية السامية فكان التجلّي ، وكان الفعل الكُلّي لسعته وإحاطته ، والتعبير عن هذه الذوات بالخلافة ، كما وجد في تعبيرات بعضهم ، إنّما هو نظراً إلى الوظائف التي أُنيطت بها باعتبارها تجلّيات.

واعلم أنّه إن حاول أحد الوصول إلى حقائق هذه المعاني ، فالطريق إليها مخيف ، محاط بمزال الأقدام ، فهو بين الرقي المطلق وبين الانحطاط المطلق ، لأنّ الوصول إلى كنه تلك التجلّيات لا يمكن باستعانة الألفاظ ، وإنّما كما قال سيّد الشهداءعليه‌السلام في مناجاته : «إلهي ما أقربك منّي ، وأبعدني عنك ، وما أرأفك بي ، فما الذي يحجبني عنك »(١) ، وقال : «ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك »(٢) .

والمحال أنّ الوصول التي تلك المعاني إنّما يتمّ بطريق الجذب ، والتعبيرات لا توصله بل تبعد وتضطرب وتختلف ، لأنّها تقصر عن أداء الواقع ، وعن الإرشاد

__________________

١ ـ تفسير الصافي ١ / ٢٢٣.

٢ ـ بحار الأنوار ٩٥ / ٢٢٥.

٣٦٧

إلى الحقيقة ، ولذلك لن تجد اثنين اتفقا على التعبير إلاّ نادراً ، بل لعلّك تجد شخصاً واحداً تعبّر تارة بشيء ، وبنحو وأُخرى بشيء آخر ونحو آخر.

ولذلك تجد شمس العارفين وقدوة الموحّدين بعد المعصومين يقول في بعض أرجوزته في مدح النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

هو التجلّي التام والمجلى الأتم

ومالك الحدث سلطان القدم

أبو العقول والنفوس والبشر

وقوّة القوى وصورة الصور

ولوح ألواح مجامع الحكم

أو قلم الأقدام أو أعلى القلم

أصل الأُصول فهو علّة العلل

عقل العقول فهو أوّل الأوّل

حقيقة الحقائق الكُلّية

وجوهر الجواهر العلوية(١)

ويقول في ضمن ما وصف به الإمام عليعليه‌السلام :

اسم سما في عالم الأسماء

كالشمس في كواكب السماء

اسم به سيدفع البلاء

وإن يكن أبرمه القضاء

اسم به أورقت الأشجار

اسم به أينعت الثمار

وقامت السبع العلى بلا عمد

باسم علي فهو خير معتمد(٢)

وكما ترى أنّ التعبير أن أراد به الإنسان الكشف والتعبير عن الحقيقة انزلق القلم وتطفّل اللسان ، ولذلك الخير في حقّ المحدد ، أمّا الاكتفاء بما يحصل عليه بالمنقول ، وأمّا إتباع من يجذبه ويعرج به إلى العلا وهو أن نجا وحصل على بغيته ، وأن حفظ من السقطة والزلّة ، فليصمت ولا ينطق ببنت شفه ، فإن فعل فلا يعدم في معظم الأحوال.

__________________

١ ـ الأنوار القدسية : ١٤.

٢ ـ المصدر السابق : ٣٢.

٣٦٨

( سمير ـ روسيا ـ ٢٥ سنة )

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) :

س : حول آية ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (١) ، ما تفسير ما جاء في القرآن عن أب إبراهيم ، وكذلك آدم وداود وسليمان ، وذي النون وموسى؟

ج : قال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى :( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) : « أي تصرّفك في المصلّين بالركوع والسجود والقيام والقعود ـ في قول ابن عباس وقتادة ـ وفي رواية أُخرى عن ابن عباس : إنّ معناه إنّه أخرجك من نبي إلى نبي حين أخرجك نبيّاً.

وقيل : معناه يراك حين تصلّي وحدك ، وحين تصلّي في جماعة ، وقال قوم من أصحابنا : إنّه أراد تقلّبه من آدم إلى أبيه عبد الله في ظهور الموحّدين ، لم يكن فيهم من يسجد لغير الله »(٢) .

وأمّا عن قول البعض : بأنّنا نسلّم بإيمان آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى إبراهيمعليه‌السلام ، ولكن كيف بالنسبة إلى أب إبراهيمعليه‌السلام ، وقد نصّ القرآن الكريم على كفره؟ حيث قال تعالى :( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (٣) .

فنقول : إنّ ابن حجر العسقلاني يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أبا لإبراهيمعليه‌السلام ، وإنّما كان عمّه أو جدّه لأُمّه على اختلاف النقل ، واسم أبيه الحقيقي : تارخ(٤) .

__________________

١ ـ الشعراء : ٢١٨.

٢ ـ التبيان ٨ / ٦٨.

٣ ـ التوبة : ١١٤.

٤ ـ فتح الباري ٦ / ٢٩٧.

٣٦٩

وإنّما أُطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً ، وهذا كقوله تعالى :( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ ) (١) ، ثمّ عدّ فيهم إسماعيل ، وليس من آبائه ، ولكنّه عمّه.

وعلى هذا يثبت أنّ أباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعد إبراهيم إلى آدمعليهم‌السلام موحّدون أيضاً ، وأمّا آدمعليه‌السلام فلا أب له حتّى نبحث عن إيمانه.

وإمّا داود وسليمان وذي النون وموسىعليهم‌السلام ، فالمفروض أنّ آباءهم إلى آدمعليه‌السلام موحّدون كذلك ، لأنّه من البعيد جدّاً أن يختار الله تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس ، مع أنّ المفروض أنّ النبيّعليه‌السلام لابدّ أن يكون أكمل وأفضل الناس في زمانه من جميع الجهات حتّى من جهة النطفة.

( حسين حبيب عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

كان يعلم قبل نبوّته أنّه سيكون نبيّاً :

س : هل الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم من قبل أنّه نبي؟ أم من بعد نزول الرسالة؟ وهل كان معصوماً قبل البعثة؟ وإذا كان معصوماً ، فهل كان معصوم على دين عيسى عليه‌السلام ؟ أو إبراهيم الحنيف عليه‌السلام ؟

ج : هناك بعض فرق المسلمين ممّن يعتقد أنّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يعرف قبل البعثة أنّه نبي ، أو سوف يكون نبيّاً ، ولذلك حسب روايات هؤلاء خاف من الملك حين رآه أوّل مرّة ، وأخذته زوجته إلى ورقة بن نوفل ، ولكن الحقّ عند الإمامية أنّه كان نبيّاً ، ولم يخلق عارياً عن العلم والنبوّة.

غاية ما هنالك كان اللازم عليه بأمر من الله الصمت ، وعدم الإعلان إلى حين ما يأمره الله سبحانه به ، وهكذا حصل.

وأمّا أنّه كان يعمل على طبق أيّة شريعة؟ فمسألة طرحت في الكتب الأُصولية القديمة ـ كالعدّة للشيخ الطوسي وغيره ـ وليس لنا فعلاً طريق إلى

__________________

١ ـ البقرة : ١٣٣.

٣٧٠

إحراز ذلك ، والذي نعتقده أنّه كان يعمل على طبق ما أراد الله سبحانه منه ، وأفضلية شريعته يرجّح احتمال كونه يعمل بهذه الشريعة الغرّاء ، ولا ينافي ذلك تأخّر نزول القرآن ، فإنّ الأحكام الشرعية ليست كُلّها موضّحة في القرآن دائماً ، عرفها النبيّ الأعظم بطريق الوحي والإلهام ، ولم ينقطع الاتصال بينه وبين الله سبحانه طرفة عين في حياته.

( أحمد ـ السعودية ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

يجوز له أن يقتل من يشاء في مكّة :

س : يقال أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في فتح مكّة أمر المسلمين بقتل المشركين ، حتّى ولو تعلّقوا بأستار الكعبة ، ومن ثمّ عفا عنهم عندما دخل مكّة ، فلماذا غيّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه؟ ألا يعد رأيه الأوّلي انتهاك لحرمات الكعبة؟

ج : لقد آمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من تعلّق بأستار الكعبة ، واستثنى من ذلك نفر قليل هدر دمهم ، وهم : مقيس بن سبابة ، وابن أخطل ، وابن أبي سرح ، وقينتان وغيرهم ، وهؤلاء لم يعف عنهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أجارت أُمّ هاني ـ أُخت الإمام عليعليه‌السلام ـ اثنين منهم ، فآجرهم النبيّ لإجارتها لهم ، ولمكانتها من عليعليه‌السلام .

وكذلك استأمن لامرأتين فأمنهما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستأمن عثمان لأبي سرح فأمنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبيّ لم يغيّر رأيه فيهم ، لأنّهم كانوا ممّن يستحقّون القتل ، ولا يستحقّون العفو ، ولا يمكن التغاضي عن الأفعال الشنيعة التي كانوا يعملونها ، حتّى أنّه عاتب المسلمين من عدم قتلهم لأبي سرح ، لما جاء به عثمان ، وتأخّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قبول الأمان له ، وعندما لم يبادر إلى قتله أحد آمنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ من خُلقه أن لا يردّ طلب طالب ، ويقبل إجارة المستجير.

٣٧١

ثمّ إنّ ما فعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من مختصّاته ، ولا يجوز لأحد غيره ، وعلى هذا الأساس فسّر قوله تعالى :( وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) (١) ، أي وأنت محلّ بهذا البلد ، وهو ضدّ المحرم ، والمراد : وأنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفّار ، وذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكّة ، فأحلّها الله له ، حتّى قاتل وقتل ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يحلّ لأحد قبلي ، ولا يحلّ لأحد من بعدي ، ولم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار ».

وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء : وهذا وعد من الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحلّ له مكّة حتّى يقاتل فيها ، ويفتحها على يده ، ويكون بها حلاً ، يصنع بها ما يريد من القتل والأسر ، وقد فعل سبحانه ذلك ، فدخلها غلبة وكُرهاً ، وقتل ابن أخطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، ومقيس بن سبابة وغيرهما(٢) .

( مطير ـ البحرين ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة )

زينب ورقية ربيبتاه :

س : ورد في أحد الأدعية النهارية الخاصّة بشهر رمضان المبارك هذا القول : اللهم صلّ على رقية بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها ، اللهم صلّ على أُمّ كلثوم بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها.

مع العلم أن عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي يقول في إحدى محاضراته في تفسير سورة الكوثر : أنّه لا بنت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ فاطمةعليها‌السلام , وأمّا زينب ورقية فهما ربائب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما يتعلّق بأُمّ كلثوم فقد عبّر عنها الدكتور بقوله : إنّ بعض المحقّقين يشكّك في وجودها ، وقد اخترعت اختراع لتصبح كلمة ذو النورين ، والسؤال هو التالي :

__________________

١ ـ البلد : ٢.

٢ ـ مجمع البيان ١٠ / ٣٦١.

٣٧٢

١ ـ كيف لنا أن نوفّق بين ما ورد في الدعاء وبين قول الدكتور الوائلي , مع العلم أنّ الدكتور ـ وكما عرف عنه ـ لا يتكلّم جزافاً؟

٢ ـ هل هذا الدعاء من قول المعصومعليه‌السلام ؟

٣ ـ إذا كان كلام الدكتور صحيح ألا يعد ذلك جرحاً في صيام الفرد؟

ملاحظة : أعتذر لعدم تمكّني من تقديم تأريخ المحاضرة ، حيث كانت مأخوذة من القسم العربي براديو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والأمر الآخر أنّ ذلك الدعاء وارد في كتيب لبعض أدعية الشهر الكريم دون توضيح اسم الدعاء الواردة به تلك العبارات.

وفي الختام : أدعو من العلي القدير أن يسدّد خطاكم في إظهار المذهب الحقّ ، وردّ الشبهات عنه , وشكراً.

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

١ ـ ما قاله الشيخ الوائلي راجع إلى الروايات التي تقول أنّه كانت لخديجة بنت خويلد من أُمّها أُخت يقال لها هالة ، لديها ابنتين هما زينب ورقية ، وقد ضمّت خديجة أُختها هالة مع تلك الاثنتين لها ، لأنّها كانت فقيرة ، وقد نسبت تلك الابنتان إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه هو الذي ربّاهما ، وقد كانت عادة أهل الجاهلية أن يسمّون الربيب ابناً.

فالأدعية الواردة ـ والتي تنسب الابنتان إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لابدّ أن تأوّل ، وتحمل على أنّ المراد منها ليس الابن بالمعنى الحقيقي ، بل الابن بمعنى الربيب.

٢ ـ قد ذكر هذا الدعاء كُلّ عن الشيخ المفيد في المقنعة ، والشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد ، وتهذيب الأحكام ، ولم ينسباه إلى المعصوم.

٣ ـ نفهم من كلامك أنّ كلام الدكتور إذا كان صحيحاً يعني أنّ الدعاء كاذب ، والكذب على الله ورسوله في نهار شهر رمضان من المفطّرات.

فنقول : وإنّ كان كلام الشيخ الوائلي صحيحاً بناءً على صحّة تلك الأخبار ، إلاّ أنّه يبقى الدعاء صحيحاً ، لأنّه قابل للتأويل ، وكما عرفت من أنّ المقصود بالابن في الدعاء هو الربيب.

٣٧٣

هذا بالإضافة إلى أنّ الذي يقدح في صحّة الصيام هو الكذب على الله ورسوله والأئمّة ، والقول عنهم بشيء لم يقولوه ، أمّا الدعاء بدعاء منسوب إليهم في بعض الكتب ، فالعهدة فيه على من أورده في كتابه هو لا يدّعي صحّته مطلقاً ، فضلاً عن أنّ الدعاء قابل للتأويل كما عرفت.

وعلى كُلّ حال فزينب ورقية هما ربيبتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي يرجّح هذا القول الكثير من الحقائق منها :

١ ـ هناك من يقول : أنّ خديجة إنّما تزوّجت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة بعشر أو ثلاث أو خمس سنوات ، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة ، وتزوّجتا قبل البعثة؟

٢ ـ إنّ بعضهم ينصّ على أنّه قد صحّ عنده : أنّ رقية كانت أصغر من الكُلّ حتّى من فاطمةعليها‌السلام ، لكن هذا يناقض ما هو معروف من أنّها تزوّجت في الجاهلية من ابن أبي لهب ، ثمّ جاء الإسلام ففارقهما ، وهذا يدلّل على عدم صحّة الأخبار التي تنسب ولادتها من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد فاطمةعليها‌السلام .

٣ ـ تذكر بعض المصادر : أنّ زينب ولدت وعمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثين سنة ، وتزوّجها أبو العاص بن الربيع قبل البعثة ، وولدت له علياً ـ مات صغيراً ـ وأمامة ، وأمامة أسلمت حيث أسلمت أُمّها أوّل البعثة النبوية.

وهذا غير معقول ، فإنّه لا يمكن لبنت في العاشرة أن تتزوّج ، ويولد لها بنت وتكبر تلك البنت حتّى تسلم مع أُمّها في أوّل البعثة ، وأُمّها لا تزال في العاشرة من عمرها.

( علي سالم الشمّاع ـ الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

حقيقته :

س : ما هي الحقيقة المحمّدية؟ وفّقتم لكُلّ خير.

٣٧٤

ج : اعلم إنّ الإنسان العادي عاجز عن معرفة حقيقته ، فكيف به أن يعرف حقيقة غيره ، ولاسيّما حقيقة سيّد الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روي : « يا علي ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري »(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي ما عرف الله إلاّ أنا وأنت ، ولا عرفني إلاّ الله وأنت ، ولا عرفك إلاّ الله وأنا »(٢) ، فكيف يمكن أن نعرف الحقيقة المحمّدية؟

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٨ سنة ـ التاسعة أساسي )

سمّى المنافقين :

س : أردت أن أسألكم عن ليلة العقبة ، حين قام مجموعة من المنافقين بمحاولة اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من هؤلاء القوم اللذين أرادوا اغتيال النبيّ؟ ولماذا أغلب الروايات المروية عن حذيفة أو غيره تقول فلان وفلان ، ولا تذكر الأسماء صراحة؟

ج : إنّ المجموعة التي تآمرت على تنفير ناقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العقبة كانوا أربعة عشر شخصاًً ، وصفوا بالنفاق ، وقد عرفهم حذيفة من رواحلهم لأنّهم كانوا ملثّمين ، وعرّفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأسمائهم ، فكان ـ كما يقول ابن الأثير ـ صاحب سر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنافقين لم يعلمهم أحد إلاّ حذيفة ، أعلمه بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسأله عمر أفي عمّالي أحد من المنافقين؟ قال : نعم واحد ، قال : من هو؟ قال : لا أذكره ، قال حذيفة : فعزله ، فكأنّما دلّ عليه ، وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه عمر(٣) .

وعن أبي الطفيل قال : « كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال : فقال

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٦٠.

٢ ـ مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥.

٣ ـ أُسد الغابة ١ / ٣٩١.

٣٧٥

له القوم أخبره إذ سألك ، قال : كنّا نخبر أنّهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد بالله أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد »(١) .

وروي : أنّ عمّاراً سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه قولاً عظيماً سمعته يقول : صاحب البرنس الأسود ، ثمّ كلح كلوحاً علمت أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط(٢) .

وعن أبي نجا حكيم قال : « كنت جالساً مع عمّار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك؟ ألست أخاك؟ قال : ما أدري إلاّ أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلعنك ليلة الجبل ، قال : إنّه قد استغفر لي ، قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار »(٣) .

وعن أبي مسعود قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « إنّ فيكم منافقين فمن سمّيت فليقم » ، ثمّ قال : « قم يا فلان ، قم يا فلان » ، حتّى سمّى ستة وثلاثين رجلاً ثمّ قال : « إنّ فيكم أو منكم فاتقوا الله »(٤) .

أقول : فيظهر ممّا سبق أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاهم وغيرهم من المنافقين ، إلاّ أنّ التعتيم الإعلامي الرسمي كنّى عن الأسماء بفلان وفلان ، وكذلك فيما روي عن حذيفة قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ في أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة ، ولا يجدون ريحها حتّى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة » ، وأربعة لم احفظ ما قال شعبة فيهم(٥) .

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٢٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣١٥.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٣٢ / ٩٣.

٤ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير ١٧ / ٢٤٦.

٥ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٢٠ ، صحيح مسلم ٨ / ١٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٩٨ ، مسند أبي يعلى ٣ / ١٩٠.

٣٧٦

وعلى ذلك شواهد كثيرة طمست فيها حقائق تاريخية حفاظاً على شخوص الحاكمين.

( )

حاشاه أن يتبوّل قائماً :

س : عن رجل عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يطلي فيبول وهو قائم؟ قال : « لابأس به »(٣) ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ كما أنّ أهل السنّة يزعمون بأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بال قائماً ، أليس في ذلك انتقاص له صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لقد ثبتت عصمة الأنبياءعليهم‌السلام بدليلي العقل والنقل ، ومن مراتب العصمة أن لا تحصل من الأنبياء أُمور توجب النفرة منهم ، لأنّ ذلك ينافي الغرض من بعثتهم ، وهو إبلاغ الرسالات السماوية بواسطتهم إلى الناس ، ومن ذلك مسألة البول قائماً التي توجب النفر من فاعلها ، وقلّة مروءته بين الناس ، والتي لا نتصوّر نحن البشر العادّيون أنّ أحداً من الناس المحترمين ـ فضلاً عن ذوي الشأن والسمو ـ يفعل ذلك.

ومن هنا يذكر ابن قدامة عن أبي مسعود قوله : « من الجفاء أن تبول وأنت قائم ، وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائماً ، قالت عائشة : من حدّثكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبول قائماً فلا تصدّقوه ، ما كان يبول إلاّ قاعداً ، قال الترمذي : هذا أصحّ شيء في الباب »(٢) .

وأمّا الرواية المنقولة فهي تدلّ على الجواز لا على رجحان الفعل ، وموردها مورد المعذور عن القعود للتبوّل لوجود علّة ، وهي الطلاء من النورة ، مع أنّ الكلام في نسبة ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه ينافي المروءة لا في جواز الفعل منّا ، فالرواية أجنبية عن محلّ الكلام.

__________________

١ ـ الكافي ٦ / ٥٠٠.

٢ ـ المغني لابن قدامة ١ / ١٥٦.

٣٧٧

أعاذنا الله من زلل الأقدام وزيغ الأفهام ، وأعاننا على ديننا ، وفهم عقيدتنا بجاه محمّد وآله الطيّبين الكرام.

( محمّد ـ الكويت ـ ٤٠ سنة ـ خرّيج جامعة )

عوتب عتاب تشريف لا ذنب :

س : روى علي بن إبراهيم بسند صحيح في تفسير قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) (١) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « نزلت هذه الآية في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبلال ، وعثمان بن مظعون ، فأمّا أمير المؤمنينعليه‌السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبداً ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً.

فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة ، فقالت عائشة : ما لي أراك معطّلة؟ فقالت : ولمن أتزيّن؟ فو الله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنّه قد ترهّب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدنيا ، فلمّا دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى : الصلاة جامعة.

فاجتمع الناس ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات؟ ألا إنّي أنام بالليل ، وأنكح ، وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي.

فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك ، فانزل الله :( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) (٢) ، ثمّ بيّن كفّارته.

والسؤال الآن : هل علي بن أبي طالبعليه‌السلام أخطأ لأنّه أقسم يمين بعدم النوم ليلاً ، أو أنّ الرسول الذي أخطأ لأنّه خطب على المنبر ، بأنّ ما قام به هؤلاء ـ بمن فيهم علي عليه‌السلام ـ ليس من سنّته؟

__________________

١ ـ المائدة : ٨٧.

٢ ـ المائدة : ٨٩ ، تفسير القمّي ١ / ١٧٩.

٣٧٨

فكان ج : ليس في هذا الخطاب والعتاب منقصة على المخاطب والمعاتب إن لم يكن محمّدة نظير قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، فهل أخطأ النبيّ حين حرّم ما أحلّ لله له؟

فقالوا : نعم أخطأ النبيّ في ذلك ، وإلاّ ما احتاج الأمر إلى المعاتبة ، فما هو جوابكم؟ ولكم جزيل الشكر.

الجواب : في هذا الحديث دلالة على الكمال ، وفيه محمّدة للمخاطب ، ومن قال لك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخطأ فعوتب ، فالمخطئ هو لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقريب ذلك :

١ ـ إنّ التحريم ليس تحريماً شرعياً ، بل هو تحريم لغوي ، بمعنى المنع ، أي : لِمَ تمنع نفسك عن مشتهياتك بسبب مرضاة زوجاتك ، فإنّ رضاك مقدّم على رضاهُنّ ، فافعل ما تريد ، وإن هُنّ فعلن ما أردنَ ، فالإثم لهُنَّ لا لك ، فيكون التحريم بالمعنى اللغوي ، كما في قوله تعالى في موسىعليه‌السلام :( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ) (٢) ، أي منعنا موسى عن ارتضاع امرأة مطلقاً إلاّ أُمّه حتّى رجع إليها.

٢ ـ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياًعليه‌السلام ، كُلّ منهما حرَّم على نفسه ، ولم يحرّم تحريماً عامّاً شرعياً ، ليكون خلاف ما أمر الله ، فلو أنّ شخصاً مَنَع نفسه من أكل التفاح مثلاً ، فهل يُعَدُّ هذا مشرِّعاً مُحرِّماً؟! اللهم لا.

٣ ـ إنّ هذا وارد مورد التحنّن والتوجّع ، مثل قوله تعالى :( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) (٣) .

قال الطبرسي :( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب به رضاء نسائك ، وهُنَّ أحقّ بطلب مرضاتك منك ، وليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه ، صغير أو كبير ، لأنّ تحريم الرجل بعض نسائه ، أو بعض الملاذ ، لسببٍ أو لغير سبب

__________________

١ ـ التحريم : ١.

٢ ـ القصص : ١٢.

٣ ـ طه : ١ ـ ٢.

٣٧٩

ليس بقبيح ، ولا داخلاً في جملة الذنوب ، ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجّع له ، إذ بالغ في إرضاء أزواجه وتحمَّل في ذلك المشقّة(١) .

٤ ـ قال الفخر الرازي : « أنّ تحريم ما أحلّ الله ليس بذنب بدليل الطلاق والعتاق ، وأمّا العتاب ، فإنّ النهي عن فعل ذلك لابتغاء مرضاة النساء ، أو ليكون زجراً لهُنَّ عن مطالبته بمثل ذلك ، كما يقول القائل لغيره : لم قبلت أمر فلان واقتديت به وهو دونك ، وآثرتَ رضاهُ وهو عبدك ، فليس هذا عتاب ذنب ، وإنّما هو عتاب تشريف »(٢) .

ولذلك ذكر الإمام الحسنعليه‌السلام قضية أمير المؤمنينعليه‌السلام في معرض المدح والفخر ، فقال في حديث له عند معاوية وأصحابه : أنشدكم بالله أتعلمون أنّ عليّاً أوّل من حرّم الشهوات كُلّها على نفسه من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنزل الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٣) .

ولتقريب الموضوع خُذ هذا المثال : أنّك لو قلت لولدك : يا بني اعمل ، فصار ولدك يعمل من أجل رضاك ثمانية عشر ساعة كُلّ يوم ، فإنّك سترتاح لامتثاله لأمرك وحرصه على طاعتك ، لكنّك ستقول له : يا بُني أرح نفسك ولا تتعبها كُلّ هذا التعب!! فنهيك له عن أتعاب نفسه مدح وتشريف له.

٥ ـ يبقى إشكال لم تطرحوه ، ولكن ربّما يخطر ببالكم ، وذلك في مثل قوله تعالى :( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (٤) ، فإنّ النهي في مثل هذه الموارد نهي تنزيهي إرشادي ، يرشد به إلى ما فيه خير المكلّف وصلاحه في مقام النصح ، لا نهي مولوي.

__________________

١ ـ مجمع البيان ١٠ / ٥٧.

٢ ـ عصمة الأنبياء : ١١١.

٣ ـ المائدة ٨٧ ، الاحتجاج ١ / ٤٠٧.

٤ ـ البقرة : ٣٥.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667