موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 311474 / تحميل: 7180
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرتشي في الحكم

و من كلام له: أيتها النفوس المختلفة و القلوب المتشتّتة، الشاهدة أبدانهم و الغائبة عنهم عقولهم أظأركم على الحق(١) و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد هيهات أن أطلع بكم سرار العدل(٢) أو أقيم اعوجاج الحق.

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان و لا التماس شي‏ء من فضول الحطام، و لكن لنرد المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك.

و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي البخيل فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول(٣) فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق.

____________________

(١) أظأركم: أعطفكم.

(٢) سرار، في الأصل: آخر ليلة من الشهر، و المراد هنا: الظلمة. أي: أن اطلع بكم شارفا يكشف عمّا عرض على العدل من الظلمة.

(٣) الحائف: الجائر الظالم. و الدول، جمع دولة بالضم و هي المال. و قد سمي المال «دولة» لأنه يتداول، أي ينتقل من يد ليد.

١٦١

مع المظلوم

من كلام له: إني أريدكم للّه و أنتم تريدوني لأنفسكم أيها الناس، أعينوني على أنفسكم، و ايم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، و لأقودنّ الظالم بخزامته(١) حتى أورده منهل الحق و إن كان كارها

المال للنّاس

من كلام رائع كلّم به عبد اللّه بن زمعة، و هو من أنصاره، و ذلك انه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا. فقال: إن هذا المال ليس لي و لا لك و جناة أيديهم(٢) لا تكون لغير أفواههم

____________________

(١) الخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير ليشدّ فيها الزمام و يسهل قياده.

(٢) أي: جناة أيدي العامة.

١٦٢

امانة

من كتاب له الى الأشعث بن قيس عامله على اذربيجان: و إنّ عملك ليس لك بطعمة(١) و لكنه في عنقك أمانة.

ليس لك أن تفتات في رعية(٢) ، و في يديك مال من مال اللّه عزّ و جلّ، و أنت من خزّانه حتى تسلّمه إليّ، و لعلّي أن لا أكون شرّ ولاتك(٣) و السلام.

لاضربنّك بسيفي

من كتاب له إلى بعض عمّاله و قد اختطف ما قدر عليه من أموال الأمة و هرب إلى الحجاز: فلمّا أمكنتك الشدّة في خيانة الأمّة أسرعت الكرّة و عاجلت الوثبة و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف

____________________

(١) عملك: ما وليت لتعمله في شؤون الأمة. طعمة: المأكلة و المكسب.

(٢) تفتات: تستبد.

(٣) يرجو أن لا يكون شر المتسلطين عليه. و لا يحقّ الرجاء إلا إذا استقام.

١٦٣

الذئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة(١) فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثّم من أخذه(٢) .

كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما؟

فاتّق اللّه و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني اللّه منك لأعذرنّ الى اللّه فيك(٣) و لأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلاّ دخل النار و اللّه لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة(٤) و لا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما

الوالى و الرّشوة

من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: أمّا بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة

____________________

(١) الأزلّ: السريع الجري. الكسيرة: المكسورة.

(٢) التأثم: التحرّز من الإثم، و هو الذنب.

(٣) اي: لأعاقبنّك عقابا يكون لي عذرا عند اللّه من فعلتك هذه.

(٤) الهوادة: الصلح، أو الاختصاص بالميل.

١٦٤

دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان(١) ، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ(٢) و غنيّهم مدعوّ.

ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(٣) ، و من طعمه بقرصيه ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفّة و سداد. فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا. و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص(٤) و لا عهد له بالشّبع أ و أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى(٥) ؟ أ و أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر؟ و كأني بقائلكم يقول: «إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان؟» أ لا و إنّ الشجرة البرّية أصلب عودا، و الروائع الخضرة أرقّ جلودا، و النباتات البدوية أقوى وقودا و أبطأ خمودا و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها

____________________

(١) تستطاب: يطلب لك طيّبها. الألوان: أصناف الطعام. الجفان، جمع جفنة، و هي: القصعة.

(٢) عائلهم: فقيرهم و محتاجهم. مجفو: مطرود من الجفاء.

(٣) الطمر: الثوب الخلق.

(٤) القرص: الرغيف.

(٥) غرثى: جائعة. حرّى: عطشى.

١٦٥

الوالى و الهوى

من كتاب له إلى الأسود بن قطيبة صاحب جند حلوان، و هي إيالة من إيالات فارس: أما بعد، فإنّ الوالي إذا اختلف هواه(١) منعه ذلك كثيرا عن العدل.

فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء، فإنه ليس في الجور عوض من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله(٢) .

و اعلم أنه لن يغنيك عن الحقّ شي‏ء أبدا، و من الحقّ عليك حفظ نفسك، و الاحتساب على الرعية بجهدك(٣) .

اخفض جناحك

من كتاب له الى بعض عماله: و اخفض للرعية جناحك و ابسط لهم وجهك و ألن لهم جانبك،

____________________

(١) اختلف الهوى: جرى مع أغراض النفس حيث تذهب. و وحدة الهوى: توجّهه الى أمر واحد، و هو إجراء العدالة.

(٢) اي: ما لا تستحسن مثله لو صدر من غيرك.

(٣) الاحتساب على الرعية: مراقبة أعمالها و تقويم ما اعوجّ منها و إصلاح ما فسد.

١٦٦

و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحية(١) ، حتى لا يطمع العظماء في حيفك(٢) و لا ييأس الضعفاء من عدلك

علّم الجاهل

من كتاب له إلى قسم بن العباس، و هو عامله على مكة: علّم الجاهل و ذاكر العالم، و لا يكن لك إلى الناس سفير إلاّ لسانك و لا حاجب إلاّ وجهك. و لا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها(٣) .

و انظر الى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من قبلك(٤) من ذوي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع الفاقة، و ما فضل عن ذلك فاحمله إليها لنقسمه في من قبلنا.

و مر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا...

____________________

(١) آس بينهم: شارك و سوّ بينهم.

(٢) الحيف: الظلم.

(٣) ذيدت: دفعت و منعت. الورد: الورود. يقول: إذا منعت الحاجة أول ورودها لا تحمد على قضائها فيما بعد، لأن حسنة القضاء لا تذكر في جانب سيئة المنع.

(٤) قبلك: عندك.

١٦٧

الوالى الخائن

من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي، و قد خان في بعض ما ولاّه من أعماله: و لئن كان ما بلغني عنك حقّا لجمل أهلك و شسع نعلك خير منك(١) . و من كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة أو يؤمن على خيانة(٢) فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء اللّه.

الاخلاق الكريمة

من كتاب له الى الحارث الهمذاني: و احذر كلّ عمل يعمل به في السرّ و يستحى منه في العلانية. و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. و لا تحدّث الناس

____________________

(١) الجمل يضرب به المثل في الذلة و الجهل. الشسع: سير بين الإصبع الوسطي و التي تليها في النعل، كأنه زمام

(٢) أي: على دفع خيانة.

ملاحظة: قال الشريف الرضي: و المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: إنه لنظّار في عطفيه، مختال في برديه

١٦٨

بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذبا. و لا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلا. و تجاوز عند المقدرة و احلم عند الغضب و اصفح مع الدولة(١) .

و إياك و مصاحبة الفسّاق فإن الشرّ بالشرّ ملحق. و احذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود ابليس

اهل الجشع و اهل الفقر

من خطبة له في أهل الجشع و أهل الفاقة: و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، و الشرّ فيه إلاّ إقبالا، و الشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعا.

إضرب بطرفك حيث شئت من الناس: هل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا؟ أين أخياركم و صلحاؤكم، و أحراركم و سمحاؤكم؟ و أين المتورّعون في مكاسبهم؟ و المتنزّهون في مذاهبهم؟ أ ليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا؟ و هل خلقتم إلاّ في حثالة(٢) لا تلتقي بذمّهم الشفتان استصغارا لقدرهم و ذهابا عن ذكرهم. لعن اللّه الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به

____________________

(١) أي عند ما تكون لك السلطة.

(٢) الحثالة: الردي‏ء من كل شي‏ء. و المراد هنا أدنياء الناس و صغار النفوس منهم.

١٦٩

القاضى الجاهل

من كلام له في صفة من يتصدّى للحكم بين الناس و هو ليس أهلا لذلك.

حتى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل(١) جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره»(٢) . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به(٣) ، فهو من لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ. و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب(٤) .

جاهل خبّاط جهالات(٥) ، يذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم(٦) .

____________________

(١) الماء الآجن: الفاسد المتغير الطعم و اللون. شبّه الإمام مجهولات القاضي التي يظنها معلومات، بالماء الآجن. اكتنز: جمع ما عده كنزا. غير طائل: دون و خسيس.

(٢) التخليص: التبيين. التبس على غيره: اشتبه عليه.

(٣) المبهمات: المشكلات. الحشو: الزائد الذي لا فائدة فيه. الرث: الخلق البالي.

(٤) الجاهل بالشي‏ء: من ليس على بيّنة منه، فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه، و إذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته. فهو في ضعف حكمه في مثل نسج العنكبوت ضعفا، و لا بصيرة له في وجوه الخطأ و الإصابة. و قد جاء الإمام في تمثيل حاله بأبلغ ما يكون من التعبير عنه، كما يقول ابن أبي الحديد.

(٥) خبّاط: صيغة مبالغة من خبط الليل، إذا سار فيه على غير هدى. و قد شبه الامام الجهالات بالظلمات التي يخبط فيها السائر.

(٦) الهشيم: ما يبس من النبت و تفتّت. تذرو الريح الهشيم: تطيره فتفرقه و تمزقه.

١٧٠

لا يحسب العلم في شي‏ء مما أنكره، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره، و إن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه(١) تصرخ من جور قضائه الدماء و تعجّ منه المواريث(٢) . الى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلاّلا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه(٣) ، و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر.

يحكم برايه

من كلام له في بعض القضاة أيضا: ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه. ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه. ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا...(٤) و إلهم واحد، و نبيّهم واحد، و كتابهم واحد

____________________

(١) اكتتم به: كتمه و ستره.

(٢) تعجّ: تصرخ. و صراخ الدماء و عج المواريث تمثيل لحدة الظلم و شدة الجور.

(٣) اذا تلي حق تلاوته: إذا أخذ على وجهه و فهم على حقيقته. و الكتاب هو القرآن الكريم.

(٤) استقضاهم: ولاّهم القضاء. يصوّب آراءهم جميعا: يفتي بأن آراءهم جميعا صائبة...

١٧١

و عالمهم منافق

من كلامه في وصف أبناء زمانه: و اعلموا أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، و اللسان عن الصدق كليل، و اللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، فتاهم عارم(١) و شائبهم آثم و عالمهم منافق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم و لا يعول غنيّهم فقيرهم

يعملون في الشّبهات

من خطبة له: و ما كلّ ذي قلب بلبيب، و لا كلّ ذي سمع بسميع، و لا كلّ ناظر ببصير، فيا عجبي، و ما لي لا أعجب، من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها يعملون في الشّبهات و يسيرون في الشهوات.

المعروف عندهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا(٢) .

مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المهمّات على آرائهم،

____________________

(١) شرس: سي الخلق.

(٢) أي: يستحسنون ما بدا لهم استحسانه، و يستقبحون ما خطر لهم قبحه بدون رجوع الى دليل بيّن أو شريعة واضحة.

١٧٢

كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات و أسباب محكمات(١) .

زجر النّفس

من خطبة له: عباد اللّه، زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، و حاسبوها قبل أن تحاسبوا، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق و انقادوا قبل عنف السياق(٢) و اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ

ايّاك

من كلام له لابنه الحسن: يا بنيّ، إياك و مصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك. و إياك و مصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج(٣) ما تكون إليه. و إياك و مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه(٤) . و إياك و مصادقة الكذاب فإنه كالسراب: يقرّب عليك البعيد و يبعد عليك القريب

____________________

(١) يثق كل منهم بخواطر نفسه كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى، على ما بها من جهل و نقص.

(٢) اي: انقادوا الى ما يطلب منكم بالحثّ الرفيق قبل أن تساقوا اليه بالعيف الشديد.

(٣) أحوج: حال من الكاف في «عنك».

(٤) التافه: القليل.

١٧٣

الرّضا و السّخط

من كلام له: أيها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير(١) و جوعها طويل أيها الناس، إنما يجمع الناس الرّضا و السخط.

أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه.

النّفاق و الظّلم

من خطبة له: ثم إياكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها(٢) . و إن لسان المؤمن من وراء قلبه، و إن قلب المنافق من وراء لسانه(٣) ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم

____________________

(١) يقصد: الدنيا.

(٢) تهزيع الشي‏ء: تكسيره. و الصادق اذا كذب فقد انكسر صدقه، و الكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه. و تصريف الأخلاق: تقليبها بين حال و حال:

(٣) اي ان لسان المؤمن تابع لاعتقاده لا يقول إلا ما يعتقد. و المنافق يقول ما ينال به غايته الخبيثة، فإذا قال شيئا اليوم ينقضه غدا، فيكون قلبه تابعا للسانه.

١٧٤

بكلام تدبّره في نفسه: فإن كان خيرا أبداه، و إن كان شرا واراه(١) .

و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه و أمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا. و إن جماعة في ما تكرهون من الحق خير من فرقة في ما تحبّون من الباطل(٢) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، فكان من نفسه في شغل و الناس منه في راحة

العشيرة

من خطبة له: أيها الناس، إنه لا يستغني الرجل، و إن كان ذا مال، عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم، و هم أعظم الناس حيطة من ورائه و ألمّهم لشعثه(٣) و أعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به.

و من يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة

____________________

(١) واره: أخفاه.

(٢) أي: من يحافظ على نظام الالفة و الاجتماع، و إن ثقل عليه أداء بعض حقوق الجماعة و شقّ عليه ما تكلّفه به من الحق، فذلك هو الجدير بالسعادة، دون من يسعى للشقاق و هدم نظام الجماعة، و إن نال بذلك حقا باطلا و شهوة وقتية، فقد يكون في حظه الوقتي شقاؤه الأبدي، ذلك لأنه متى كانت الفرقة أصبح كل واحد عرضه لشرور سواه، فولّت الراحة و فسدت حال المعيشة.

(٣) الحيطة: الرعاية. و الشعث: التفرق و الانتشار.

١٧٥

طبائع الإنسان

من كلام له في طبائع الانسان: و له(١) موادّ الحكمة و أضداد من خلافها: فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع. و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص. و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ. و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ(٢) . و إن ناله الخوف شغله الحذر.

و إن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة(٣) و إن أفاد مالا أبطره الغنى(٤) .

و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع. و إن عضّته الفاقة شغله البلاء. و إن جهده الجوع قعد به الضعف. و إن إفرط به الشّبع كظّته البطنة(٥) .

فكلّ تقصير به مضرّ، و كلّ إفراط له مفسد

الزّمان و اهله

و من بديع قوله: إذا استولى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظنّ برجل لم تظهر

____________________

(١) أي للقلب.

(٢) التحفظ: التوقّي و التحرّز من المضرّات.

(٣) الغرة: الغفلة. سلبته: ذهبت به عن رشده.

(٤) أفاد: استفاد.

(٦) كظته: كربته و آلمته. البطنة: امتلاء البطن حتى يضيق النفس.

١٧٦

منه خزية(١) فقد ظلم و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظنّ برجل فقد غرّر(٢)

كم من صائم

و من كلامه في معنى الصوم و الصلاة: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ. و كم من قائم(٣) ليس له من قيامه إلاّ السهر و العناء. حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم

اصناف النّاس

من خطبة له في سوء طباع الناس بزمانه: أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن كنود(٤) يعدّ فيه المحسن مسيئا، و يزداد الظالم عتوّا، لا ننتفع بما علمنا و لا نسأل عمّا جهلنا و لا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا(٥) . فالناس على أربعة أصناف:

____________________

(١) الخزية: البلية تصيب الانسان فتذله و تفضحة

(٢) غرّر: أوقع بنفسه في الغرر، أي: الخطر.

(٣) أي: قائم للصلاة.

(٤) العنود: الجائر. الكنود: الكفور.

(٥) القارعة: الخطب.

١٧٧

منهم من لا يمنعهم الفساد إلاّ مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره(١) .

و منهم المصلت لسيفه و المعلن بشرّه، قد أشرط نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه(٢) . و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا. و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا: قد طامن من شخصه و قارب من خطوه و شمّر من ثوبه و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية.

و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه و انقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ و خائف مقموع و ساكت مكعوم و داع مخلص و ثكلان موجع(٣) . قد أخملتهم التقيّة(٤) و شملتهم الذّلّة.

____________________

(١) أي: لا يقعد بهم عن طلب الإمارة و السلطان إلا حقارة نفوسهم و ضعف سلاحهم و قلة مالهم.

(٢) أصلت السيف: امتشقه. أشرط نفسه: هيأها و أعدّها للشر و الفساد في الأرض.

أوبق دينه: أهلكه. الحطام، هنا: المال. ينتهزه: يغتنمه أو يختلسه. المقنب: طائفة من الخيل، و إنما يطلب قود المقنب تعزّزا على الناس و كبرا. فرع المنبر: علاه.

(٣) نادّ: هارب من الجماعة الى الوحدة. المقموع: المقهور. المكعوم، من كعم البعير، أي: شدّ فاه لئلاّ يأكل أو يعض. الثكلان: الحزين.

(٤) أخمله: أسقط ذكره حتى لم يبق له بين الناس نباهة. التقية: اتّقاء الظلم بإخفاء الحال.

١٧٨

و قد وعظوا حتى ملّوا و قهروا حتى ذلّوا و قتلوا حتى قلّوا. فاتّعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم، و ارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم

مع كلّ ريح

و من كلامه في ناس زمانه: همج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجأوا إلى ركن وثيق.

ربّ صغير غلب كبيرا

من كلام له: إحذر الكلام في مجالس الخوف، فإنّ الخوف يذهل العقل الذي منه تستمدّ، و يشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي تروم نصرته.

و احذر الغضب ممّن يحملك عليه، فإنّه مميت للخواطر مانع من التثبّت.

و احذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في التسوية بينك و بين خصمك في الإقبال و الاستماع، و لا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك و عليك.

و احذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك. و احذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفّظ، و ربّ صغير غلب كبيرا

١٧٩

سراجه باللّيل القمر

و من خطبة له تحتوي قولا رائعا في محمد و المسيح: و قد كان في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاف لك في الأسوة و دليل على ذمّ الدنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت لغيره أكنافها و فطم عن رضاعها و زوي عن زخارفها.

و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسّد الحجر و يلبس الخشن، و كان إدامه الجوع و سراجه بالليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. و لم تكن له زوجة تفتنه و لا مال يلفته و لا طمع يذلّه، دابّته رجلاه و خادمه يداه.

على منهاج المسيح

قال نوف البكالي: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم، فقال لي: يا نوف، أراقد

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

إبراز العضلات والضرب بالصمصام ، فلذلك لم يكن بدّاً لأمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ الصبر أمام هذا الانحراف والتنازل عن الحقّ ، مادام في ذلك حفظ بيضة الإسلام ، وبقاء كلمة لا إله إلاّ الله على رؤوس الأشهاد ، ولمدى الأجيال.

والإمام عليعليه‌السلام هو ربيب البيت النبوي ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ربيب ربّه ، إذ الله الذي قام بتربيته وتأديبه ، فعلي ينتهي أدبه وتعليمه إلى الله تعالى ، وحاشاه أن يجبن أو يضعف ، لكن الظروف حكمته ، والمجتمع المنحرف خان به ، فلذلك لم يكن له طريق غير الصبر ، كما أشار إليه في خطبته الشقشقية : «فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا »(١) .

فالمسألة تحتاج قبل الحكم عليها إلى تأمّل ودراسة ، ولا يكفي الجلوس خلف المنضدة وقراءة كتاب أو كرّاس ، ثمّ الحكم على وقائع تاريخية مرّ عليها أربعة عشر قرناً ، فإنّ العاقل الباحث لا يفعل ذلك ، بل التأمّل ودراسة الأحداث بموضوعية هو الحلّ الوحيد.

فهناك مجتمع فتي في أوّل نشأته وأوّل ظهوره بعد جاهلية عمياء طالت قروناً من الزمن ، وهذا المجتمع الناشئ فيه الكثير من المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، ومن حوله من الأعداء الذين يتربّصون به السوء ، وعليعليه‌السلام لا ترتضيه قريش والقبائل الحليفة بها ، لأنّه ضرب خراطيمهم حتّى اسلموا ، وهو الذي أذلّهم بعد عزّتهم ، وهو الذي قتل فرسانهم ورجالاتهم ، ففي أنفسهم عليه الأحقاد ، كما أشار عمر بن الخطّاب إلى ذلك ، فعلى ذلك لا مفرّ من ركوب أمرين لا ثالث لهما.

إمّا أن يقاتلعليه‌السلام على حقّه الشرعي ، وفي ذلك تحطيم للمجتمع الذي جهد النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله لبنائه طيلة(١) ( ٢٣ ) سنة ، لأنّ المنافقين وممّن حول المدينة سيجدون في اضطراب أهل المدينة الفرصة لتحقيق أهدافهم ، التي يصبون إليها

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٥١.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٤٠١

منذ سنين ، وبالتالي سيؤدّي ذلك إلى ذهاب الإسلام ، وذهاب الحقّ الشرعي العلوي معه.

وإمّا أن يصبر على الظلم ، ويكون بذلك حقّق شيئاً وخسر شيئاً ، حقّق بقاء الإسلام ، وأغلق الباب أمام المنافقين للانقلاب على المجتمع الإسلامي ، وخسر خلافته ومنصبه الإلهي الذي كان به يحمل الناس على طاعة الله تعالى.

فالطريق الثاني ـ وهو الصبر ـ أولى ، لأنّ فيه بقاء الإسلام الذي نافح وكافح عليعليه‌السلام طيلة حياته في تشييد دعائمه وإقامة أركانه ، خلافاً للطريق الأوّل ـ وهو القيام والمطالبة بالحقّ ـ فإنّ في ذلك هدم الإسلام ، وفتح الباب للمنافقين وغيرهم لضرب المجتمع الإسلامي ، وهذا ما يكون فيه الوبال على الإسلام والمسلمين ، الذين منهم عليعليه‌السلام ، فلذلك قال : «فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى »(١) ، أي الصبر على غصب الخلافة ، وتحمّل الظلم أرجح عقلياً ، وأشدّ صواباً.

( سامي عبد الله ، اليمن ـ زيدي ـ ٢٠ سنة ـ طالب دراسات عليا )

بحديث صحيح السند :

س : إذا كان هناك نصّاً من النبيّ على الاثني عشر بأسمائهم فأعطونيه ، ولو من كتبكم ، ولو نصّاً واحداً ، بشرط أن يكون من الكتب والمصادر التي كتبت قبل عصر الغيبة ، وشكراً.

ج : قد صنّف غير واحد من أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام كتاباً في الأئمّة ، وفي خصوص الثاني عشر المهدي وغيبته ـ على أساس الروايات والأخبار الواردة ـ وقد وصلنا بعض تلك الكتب ، ومنها كتاب الفضل بن شاذان النيسابوري من أصحاب الإمامين الرضا والجوادعليهما‌السلام ، واسمه كتاب الغيبة ، وإليك نصّ روايةٍ واحدةٍ من رواياته الصحيحة :

الفضل بن شاذان ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي.

__________________

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٠٩.

٤٠٢

وعن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لما عرج بي إلى السماء بلغت سدرة المنتهى ناداني ربّي جلّ جلاله فقال : يا محمّد ، فقلت : لبيك لبيك يا ربّ.

قال : ما أرسلت رسولاً فانقضت أيّامه إلاّ أقام بالأمر بعده وصيّه ، فأنا جعلت علي بن أبي طالب خليفتك وإمام أُمّتك ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ الحجّة بن الحسن.

يا محمّد ، ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا بأنوار علي والحسن والحسين ، وتسعة أولاد الحسين ، والحجّة في وسطهم يتلألأ كأنّه كوكب درّي.

فقال الله تعالى : يا محمّد ، هؤلاء خلفائي وحججي في الأرض ، وخلفاؤك وأوصياؤك من بعدك ، فطوبى لمن أحبّهم ، والويل لمن أبغضهم ».

( عبد الله أحمد حمادي ـ اليمن ـ )

إشكالات حوله وردّها :

س : هناك بعض الإشكالات آملاً منكم الردّ عليها ، وهي كالتالي :

١ ـ مع وجود نصّ مشهور ينصّ على أسماء الأئمّة ، لماذا وكيف كان أصحاب الإمام من الخواص يسألونه من بعدك؟ فيجيبهم باسم الذي بعده؟

٢ ـ كيف جهلت الشيعة وأبو الأديان خادم الحسن العسكري ، والنفر الذين قدموا من قم ، أنّ جعفر ليس هو الإمام ، إذ أنّهم عزّوه وهنّأوه بالإمامة ، ثمّ عرفوا عدم استحقاقه فيها بعد ، مع وجود نصوص تنصّ على أسماء الأئمّة ، وعلى اسم الإمام الذي بعد الحسن العسكري؟

٣ ـ لماذا يدعو الإمام شهوداً ليعرفوا إلى من أوصى؟ مع وجود نصوص تنصّ على أسماء الأئمّة؟ ومع أنّ الإمام الذي بعده يستطيع أن يقيم معجزته أو يظهر علم الغيب ، إذا ما أحد أنكر إمامته ، أو يثبت له تواتر الحديث الذي ينصّ على أسماء الأئمّة؟

٤٠٣

ج : إنّ الأئمّةعليهم‌السلام لا يكتفون في الاستدلال على إمامتهم بطريق واحد ، بل يلجأون إلى كُلّ طريقة تنفع لإثبات حقّهم ، من اشهاد الشهود ، أو الاستدلال بالأحاديث التي وردت عن آبائهم المعصومين ، أو إظهار المعجزة إن اضطرّه الموقف لذلك ، وهذا يختلف باختلاف الناس ومراتبهم وعلمهم ، فهم يكلّمون الناس على قدر عقولهم.

أمّا النصوص الوارد بأسماء الأئمّة جميعاً ، فهي نصوص كانت تتداول عند مجموعة من الرواة ، ولا يخفى ما يتعرّض له الراوي عن الأئمّة من الخوف والمطاردة والمحاسبة من قبل حكّام تلك العصور ، وحتّى لو كان هؤلاء الرواة يسعون إلى نشرها ، فإنّها لا يمكن أن تصل إلى أكثر من مجموعة قليلة من الناس ، بحسب الظروف في ذلك الزمان ، وتبقى الفئة الكبيرة من الناس تطلب معرفة الإمام من الإمام الذي قبله.

كما إنّ كثيراً من رواة الحديث كانوا يعرضون ما عندهم من الروايات عن إمام سابق على الإمام اللاحق ، ويسألونه عن روايات هي موجودة عندهم ، وذلك ليتأكّدوا من صحّتها أو عدم حصول البداء فيها.

أمّا ما يتعلّق بالشهود ، فهو بالإضافة إلى ما ذكر من أنّه طريق لزيادة بصيرة ومعرفة الناس بالإمام ، هو لإتمام الحجّة على الناس ، لأنّ الإمام يعلم أنّ بعضهم سوف ينحرف عن الحقّ.

فقد روى الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده عن الحسن بن عليعليهما‌السلام يقول : « كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي ، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه الله عزّ وجلّ »(١) ، وليس هذا بالغريب ، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع كثرة النصوص التي قالها في حقّ الإمام عليعليه‌السلام تراه يُشهد الأُمّة كاملة في يوم الغدير بالنصّ على ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ٩٠.

٤٠٤

النصب والنواصب :

( ـ ـ )

معنى الناصبي :

س : من أنكر حقّ من حقوق أمير المؤمنين عليه‌السلام ، هل يعتبر ناصبياً؟ حتّى وإن لم يكن من المعلنين لعداوة أهل البيت عليهم‌السلام ؟

ج : إنّ الناصبي هو من ثبت عداؤه لأهل البيتعليهم‌السلام بالقول أو الفعل ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، أمّا من ودّهم ولم يتّبع طريقتهم الفقهية والعقائدية ، ولكن لا يظهر لهم العداء ، لا يعتبر ناصبيّاً بالاصطلاح.

ولكن ربّ إنسان يدّعي المودّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن يحارب منهجهم وطريقتهم وأتباعهم ، فهذا ناصبي وإن ادّعى المودّة لهم.

( محمّد علي الشحي ـ الإمارات ـ سنّي ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

معنى العامّة ومعنى النواصب :

س : هناك فئة من الناس تسمّونهم العامّة أو النواصب ، فمن هؤلاء؟

ج : إنّ العامّة الذين يطلق عليهم هذا المصطلح هم من يتعاملون مع الأُمور دون عمق ، وبشكل سطحي ساذج ، أي غير عميقين في تفكيرهم ، وغير دقيقين في معرفتهم للواقع ، ويتعاملون مع كثيرٍ من المعطيات بشكل بسيط غير واقعي ولا حصيف ، مع أنّ الواقع أمامهم غير خفي ، والشواهد كثيرة غير قليلة ، ومع

٤٠٥

ذلك فهم يتعاملون مع هذه الأُمور بشكل بسيط لا يوصلهم إلى حقائق الأُمور ووقائعها ، ويأخذون كُلّ ما قيل ويقال دون تحكّم العقل والبرهان.

أمّا النواصب : فهم الذين ينصبون العداء لآل محمّدعليهم‌السلام ، أي يبغضون علي ابن أبي طالب وأولاده ، ويحاولون أن يتربّصوا بهم وبشيعتهم كُلّ سوء ، وهذا لا ينطبق على مسلم يقرّ لله بالوحدانية وللنبي بالشهادة ، وهو مع ذلك يبغض آل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

أعاذنا الله وإيّاكم من هؤلاء الذين نصبوا العداء لله ولرسوله ، ولآل بيت النبيّ الأطهارعليهم‌السلام ، ووفّقنا وإيّاكم لحبّهم والالتزام بنهجهم.

( نجيب العجمي ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

النواصب كفّار وإن صلّوا وصاموا :

س : عندي استفسار عن مدى صحّة الروايات التالية :

١ ـ عن علي بن أسباط يرفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إنّ الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوّار قبر الحسين بن عليعليهما‌السلام عشية عرفة » ، قال : قلت : قبل نظره إلى أهل الموقف؟ قال : « نعم » , قلت : وكيف ذاك؟ قال : « لأنّ في أُولئك أولاد زنى ، وليس في هؤلاء أولاد الزنا »(١) ، سبحان الله كُلّ الناس أولاد زنا؟

٢ ـ عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي : « الكفّ عنهم أجمل » ، ثمّ قال : « والله يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا »(٢) .

٣ ـ جاء في الأنوار النعمانية : روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ علامة النواصب تقديم غير علي عليه » ويؤيّد هذا المعنى : أنّ الأئمّة عليهم‌السلام وخواصّهم أطلقوا لفظ

__________________

١ ـ الكافي ٨ / ٢٨٥.

٢ ـ الأنوار النعمانية ٢ / ٣٠٧.

٤٠٦

الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله ، مع أنّ أبا حنيفة لم يكن ممّن نصب العدواة لأهل البيتعليهم‌السلام ، بل كان له انقطاع إليهم ، وكان يظهر لهم التودّد

الثاني : في جواز قتلهم واستباحة أموالهم ـ يعني بالنواصب أهل السنّة ـ(١) .

٤ ـ جاء في نور البراهين : وأمّا طوائف أهل الخلاف على هذه الفرقة الإمامية ، فالنصوص متضافرة في الدلالة على أنّهم مخلّدون في النار

وروى المحقّق الحلّي في آخر السرائر مسنداً إلى محمّد بن عيسى قال : « كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما؟ ـ والمقصود بالجبت والطاغوت هما أبا بكر وعمر ـ فرجع ج : من كان على هذا فهو ناصب »(٢) .

الجواب : فقد ذكرت أربعة كتب رأيت فيها ما استفزّك حين أشكل عليك أمر ما رأيت ، ولعلّك ظننت أنّ كُلّ كتاب ما ضمّ بين دفتيه هو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وليس الأمر كذلك ، فكُلّ كتاب تراه لشيعي أو سنّي أو غيرهما ، يُؤخذ منه ويُقبل ما فيه إذا لم يعارض كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا كان كتاب الله تعالى ثابتاً بالتواتر عند جميع المسلمين ، فلسنا بحاجة إلى بحث ثبوته ، ولكن سنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ترد كذلك ، بل نقلت أحاديثها عن طريق الإسناد ، وفي رجاله ربما كان من لا تُقبل روايته ، لجهة من جهات الرفض المذكورة في كتب الدراية وغيرها ، لذلك يلزمنا النظر في رجال السند أوّلاً ، فإن سلّم نظرنا إلى المتن لئلا يكون معارضاً لما صحّ وثبت من كتاب الله تعالى ، أو لضروري من ضروريات العقيدة الإسلامية ، ممّا أجمع عليه المسلمون ، لأنّ الحديث النبوي الشريف تعرّض لدخيل فيه أباطيل ، وكذلك ما ورد عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

لذلك كان الشيعة أقوم قيلاً حين أخضعوا جميع الأحاديث والأخبار للنظر سنداً ومتناً ، بخلاف أهل السنّة الذين أطّروا بعض الكتب الحديثية ـ كصحيح

__________________

١ ـ نور البراهين ١ / ٥٧.

٢ ـ مقدّمة فتح الباري : ٩.

٤٠٧

البخاري ومسلم وغيرهما ـ بما جاوز الحدّ ، حتّى غلوا في صحيح البخاري ، فقالوا : أنّه أصحّ كتاب بعد كتاب الله ، وأنّ من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ، ونحو ذلك في غيره من كتب الصحاح عندهم ، وهذا ما جعلهم في حيرة حين وجدوا في البخاري ومسلم ـ فضلاً عن غيرهما ـ رجالاً ليسوا بأهل للرواية عنهم.

وعليك أن تراجع مقدّمة فتح الباري لابن حجر لتجد أنّ المتكلّم فيه بالضعف من رجال البخاري ثمانون رجلاً ، والمتكلّم فيه بالضعف من رجال مسلم مئة وستّون رجلاً(١) .

أمّا الشيعة فقد قالوا : سائر الكتب ـ ما عدا القرآن الكريم ـ تخضع للفحص ، فما وافق كتاب الله تعالى فهو حقّ ، وما خالف فهو زخرف يضرب به عرض الجدار ، فإذا عرفت فلنذكر لك ما اشتبه عليك علمه ، وغلب عليك وهمه.

١ ـ ما ذكرته عن علي بن أسباط ، ففي سنده انقطاع ، وهو ما يسمّى بالمعضَل ، وجهالة الرواة فيما بين علي بن أسباط وبين أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهذا كاف في ردّه وعدم حجّيته ، ومع الإغماض عمّا في سنده ، فالمراد أُولئك الذين لم يأتوا بواجبات الحجّ كاملاً ، لأنّ من واجباته طواف النساء ، ومن لم يأت به حرمت عليه النساء ، وبعض المذاهب لا يرون للحجّاج الإتيان به ، لذلك كانت مباشرتهم لنسائهم حرام ، ومن ولد من نكاح حرام فهو ولد زنا ، فهذا معنى قولهعليه‌السلام على تقدير صحّة الرواية سنداً.

وممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام ، أنّ لعلي بن أسباط كتاب نوادر ، وكتبالنوادر أقلّ مرتبة في القبول من غيرها ، لأنّ ما يذكر في أبواب النوادر لا يعتمد عليه كما سيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الأجوبة ، وأخيراً لاحظ كتاب الخلاف للطوسيقدس‌سره حول طواف النساء ووجوبه عندنا.

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢.

٤٠٨

٢ ـ ما ذكرته عن أبي حمزة ففي سنده مجهولان ، وهما : علي بن العباس والحسن بن عبد الرحمن ، وهذا يكفي في سقوط الاستدلال بالخبر ، ولو أغمضنا عن ذلك ورجعنا إلى المتن لوجدنا بقية الخبر ولم تذكره ، فيه بيان وتفسير لما استنكرت ، والخبر بنصّه كما في المصدر.

عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي : « الكفّ عنهم أجمل » ، ثمّ قال : « والله يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا » ، قلت : كيف لي بالمخرج من هذا؟

فقال لي : « يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدلّ عليه ، أنّ الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، ثمّ قال عزّ وجلّ :( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ، فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

والله يا أبا حمزة ، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ، ولو قد ظهر الحقّ لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد ، حتّى أنّ الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه ، فلا يصل إلى شيء من ذلك ، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقّنا ذلك بلا عذر ولا حقّ ولا حجّة ».

٣ ـ وما ذكرته عن الأنوار النعمانية ، فأوّل ما فيه أنّ النبوي المذكور مرسل ، فلا ندري من رواه ، وعمّن رواه ، لنعرف الحال في أُولئك الرجال ، والذي ذكره بعده فهو من اجتهاد المؤلّف ، فلا يعبّر إلاّ عن رأيه الشخصي ، ولا يلزمنا ذلك بشيء ، إذ لسنا مقلّدين له ، ورأيه كآراء غيره من الناس فمن ارتضاه قبله ، ومن لم يقبله رفضه.

٤ ـ وما ذكرته عن نور البراهين ، فإنّ مؤلّفه هو مؤلّف الأنوار النعمانية ، وللرجل اجتهادات شخصية لسنا ملزمين بها ، وما نقله عن المحقّق الحلّي في آخر

٤٠٩

السرائر ، فإنّ آخر السرائر هو باب النوادر ، ممّا استطرفه من كتب الآخرين ، فهو لا يعني التزامه بصحّة ما فيه كما صرّح بذلك في كتاب السرائر ، وإنّ ما يوجد في باب النوادر لا يعمل به.

هذا باختصار جواب ما ذكرته عن تلك الكتب ، والآن لزيادة الإيضاح والإفصاح كيلا تستوحش من وصف النواصب بالكفر ، أذكر لك جملة أحاديث نبوية مذكورة في مصادرها السنّية :

١ ـ أخرج الهيثمي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته وهو يقول : «أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً » ، فقلت : يا رسول الله وإن صام وصلّى؟

قال : «وإن صلّى وصام ، وزعم أنّه مسلم ، احتجر بذلك من سفك دمه ، وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون ، مثل لي أمّتي في الطين ، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته » رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه : من لم أعرفهم(١) .

أقول : لماذا لم يذكرهم؟ لئلا يوجد من يعرفهم.

٢ ـ أخرج الحاكم بإسناده عن ابن عباس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا بني عبد المطلب ، إنّي سألت الله لكم ثلاثاً ، أن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ، ثمّ لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار » ، هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم(٢) .

ورواه الطبري في ذخائر العقبى ، وابن أبي عاصم في كتاب السنّة ، والطبراني في المعجم الكبير ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال وغيرهم.

__________________

١ ـ المستدرك ٣ / ١٤٨.

٢ ـ الكشف والبيان ٨ / ٢١٤ ، الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٢٣ ، تفسير الثعالبي ٥ / ١٥٧ ، التفسير الكبير ٩ / ٥٩٥ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٢١٩.

٤١٠

٣ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكراً ونكيراً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة »(١) .

قال الفخر الرازي : « آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكُلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولاشكّ أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل »(٢) .

فبعد هذا عليك أن تميّز بين المحبّ لهم والمبغض لهم ، فالمحبّ مؤمن والمبغض كافر كما مرّ في الحديث ، فعلى هذا كان عدّ النواصب كفّاراً ، وإن صلّوا وصاموا كما مرّ في الحديث الأوّل ، ولو راجعت معاجم اللغة تجد تعريفهم بأنّهم قوم يبغضون الإمام عليعليه‌السلام .

قال الفيروز آبادي الشافعي : « والنواصب والناصبية وأهل النصب : المتدينون ببغضة علي ، لأنّهم نصبوا له ، أي عادوه ».

إذاً ، فالميزان هو بغض الإمام في علامة النصب ، فأينما مبغض فهو ناصبي ، وهو كافر بنصّ ما سبق في الحديث : «ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات

__________________

١ ـ التفسير الكبير ٩ / ٥٩٥.

٢ ـ القاموس المحيط ١ / ١٢٣.

٤١١

كافراً » ، مضافاً إلى ما ورد من أحاديث نبوية في علي خاصّة ، نحو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني »(١) .

ونحو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يحبّ علياً إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق »(٢) ، إلى غير ذلك ممّا يطول بيانه.

__________________

١ ـ ذخائر العقبى : ٦٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٢ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٨٠ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٥٤ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٧٠ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٦٠ ، الجوهرة : ٦٦ ، الوافي بالوفيات ٢١ / ١٧٩ ، جواهر المطالب ١ / ٦٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٣.

٢ ـ المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٥ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٢ ، تهذيب الكمال ١٥ / ٢٣٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٥ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٥ و ٢٧٤.

٤١٢

النكاح :

( عقيل أحمد جاسم ـ البحرين ـ ٣٢ سنة ـ بكالوريوس )

جواز التمتّع بالزوجة الرضيعة :

س : أسألكم عن فتوى الإمام الخميني حول جواز التمتّع بالرضيعة؟

ج : لابأس أن نذكر بعض النقاط لها صلة بالجواب :

١ ـ لا مجال للعقل باستقلاله عن الشرع أن يكون ميزاناً لمعرفة الأحكام الشرعية ، فكم من حكم شرعي لا يتطابق ـ ظاهراً وفي بدو النظر ـ مع الحكم العقلي ، فهل ينتفي الحكم الشرعي بمجرّد هذا التباين الظاهري؟!

٢ ـ إنّ كلام القائل في المقام هو بصدد نفي المواقعة مع الزوجة الصغيرة ، ولو أنّه أجاز سائر الاستمتاعات ؛ وعليه فتنويع الاستمتاعات لا يدلّ على تجويزها في كافّة الموارد ، بل إنّ الأمر يدور مدار المورد ونوع الاستمتاع ، فمثلاً : اللّمس والضمّ قد يكون جائزاً بالنسبة حتّى للرضيعة ، وأمّا التفخيذ فيكون مثالاً للاستمتاع بالصغيرة التي تكون قريبة عن البلوغ ، وقابلةً لهذه الكيفية من الاستمتاع.

٣ ـ الأحكام الفرعية تكون دائماً قابلة للأخذ والردّ ولا حرج فيه ، وهذا لا يعني المساس بالعقيدة وأصل المذهب ـ إلاّ عند أهل العقد والأهواء ـ خصوصاً إذا كان حكماً يختصّ بشخصٍ دون آخر ، فهذا لا يعني إجماع الطائفة عليه حتّى يكون مورداً للإشكال والنقض كما هو الحال في المقام ، إذ أنّ للعلماء آراء أُخر تطلب من رسائلهم العملية.

٤١٣

٤ ـ لابأس في هذا المجال أن يراجع إلى فتاوى أهل السنّة ، فإنّ لبعضهم في هذه المسألة أحكاماً تفوق رأي ذلك القائل ؛ وفي سبيل المثال نذكر في هذه العجالة بعض ما ذكروه : فإن كانت صغيرة جاز للأب تزويجها بغير إذنها بغير خلاف(١) ، وذكر موضوع مسألة اعتداد الصغيرة(٢) ، فما سبب عدّة الصغيرة غير الدخول؟!

ويصرّح في مقام آخر بموضوع : وقت زفاف الصغيرة المزوّجة والدخول بها قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة : حدّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهنّ ، ولا يضبط بسنّ ، وهذا هو الصحيح(٣) .

فنرى أنّ الشافعي ومالك وأبا حنيفة يعلّقون الاستمتاع في المسألة ـ وهو الجماع ـ على حالة طاقتها ، ثمّ ما المانع عقلاً من اطّراد هذه الكيفية من الاستدلال في سائر الاستمتاعات في مطلق الصغيرة حتّى الرضيعة؟!

( علي الهندي ـ ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

مسألة جواز الزواج من الصغيرة من المسائل المتّفق عليها بين الشيعة والسنّة ، إلاّ بعض السنّة وهم : ابن شبرمة وأبو بكر الأصم ، وعثمان البتّي ، وهذا ما نبيّنه لك ضمن نقطتين هما :

الأُولى : في تعريف الزواج شرعاً : هو عقد يتضمّن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة والتقبيل والضمّ وغير ذلك ، إذا كانت المرأة غير محرم بنسب أو رضاع أو صهر.

ملاحظة : لم يؤخذ في التعريف قيد البلوغ.

__________________

١ ـ المجموع شرح المهذّب ١٦ / ١٦٨.

٢ ـ المصدر السابق ١٩ / ٣٣٠.

٣ ـ شرح مسلم ٩ / ٢٠٦.

٤١٤

أو هو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة ، وحلّ استمتاع المرأة بالرجل.

وعرّفه الحنفية بقولهم : عقد يفيد ملك المتعة قصداً ، أي حلّ استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع في نكاحها مانع شرعي بالقصد المباشر ، فخرج بكلمة المرأة الذكر والخنثى المشكل لجواز ذكوريته ، وخرج بقوله : لم يمنع من نكاحها مانع شرعي ، المرأة الوثنية والمحارم والجنّية وإنسان الماء لاختلاف الجنس.

ملاحظة : هنا أيضاً لم يلاحظ من المستثنيات الصغيرة.

قال الدكتور وهبة الزحيلي : « والنكاح عند الفقهاء ومنهم مشايخ المذاهب الأربعة : حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، لأنّه المشهور في القرآن والأخبار ، وقد قال الزمخشري ـ وهو من علماء الحنفية ـ : ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلاّ قوله تعالى :( حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) (١) لخبر الصحيحين حتّى تذوقي عسيلته ، فالمراد به العقد ، والوطء مستفاد من هذا الخبر »(٢) .

من هذه المقدّمة نفهم : أنّ العقد يبيح للرجل جميع الاستمتاعات خرج منها : الدخول بالمرأة لدليل خاصّ به ، فتبقى جميع الاستمتاعات تحت عموم جواز الاستمتاع ، وهذا الأمر لا يختلف فيه الفقهاء من الشيعة والسنّة كما قلت.

يبقى السؤال التالي : هل يجوز زواج الصغيرة؟ أو العقد على غير البالغة؟ هذا ما نبحثه في النقطة الثانية.

لقد عقد الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه « الفقه الإسلامي » تحت عنوان : الأهلية والولاية والوكالة في الزواج ، وفيه مباحث ثلاثة :

المبحث الأوّل : أهلية الزوجين : يرى ابن شبرمة وأبو بكر وعثمان البتّي أنّه لا يزوّج الصغير والصغيرة حتّى يبلغا لقوله تعالى :( حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ) (٣) ،فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ، ولأنّه لا حاجة بهما إلى

__________________

١ ـ البقرة : ٢٣٠.

٢ ـ أُنظر : الفقه الإسلامي وأدلّته ٧ / ٣٠.

٣ ـ النساء : ٦.

٤١٥

النكاح ، ورأى ابن حزم أنّه يجوز تزويج الصغيرة عملاً بالآثار المروية في ذلك (١) .

ولم يشترط جمهور الفقهاء لانعقاد الزواج : البلوغ والعقل ، وقالوا بصحّة الزواج الصغير والمجنون.

الصغر : أمّا الصغر ، فقال الجمهور ـ منهم أئمّة المذاهب الأربعة ـ : بل ادعى ابن المنذر الإجماع على جواز تزويج الصغيرة من كفء ، واستدلّوا عليه بما يأتي(٢) :

١ ـ بيان عدّة الصغيرة : وهي ثلاثة أشهر في قوله تعالى :( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (٣) ، فإنّه تعالى حدّد عدّة الصغيرة التي لم تحض بثلاثة أشهر كاليائسة ، ولا تكون العدّة إلاّ بعد زواج وفراق ، فدلّ النصّ على أنّها تزوّج وتطلّق ولا إذن لها.

٢ ـ الأمر بنكاح الإناث في قوله تعالى :( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ ) (٥) ، والأيم : الأنثى التي لا زوج لها ، صغيرة كانت أو كبيرة.

٣ ـ زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعائشة وهي صغيرة ، فإنّها قالت : تزوّجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا ابنة ست ودخل بي وأنا ابنة تسع (٦) ، وفي رواية : تزوّجها وهي بنت سبع سنين ، وزفّت إليه وهي بنت تسع سنين (٧) .

٤ ـ آثار عن الصحابة : فقد زوّج علي ابنته أُمّ كلثوم وهي صغيرة من عروق بن الزبير ، وزوّج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه وهما صغيران ، ووهب رجل ابنته الصغيرة لعبد الله بن الحسن بن علي ، فأجاز ذلك علي ، وزوّجت امرأة ابن

__________________

١ ـ المحلّى ٩ / ٤٥٨.

٢ ـ أُنظر : المبسوط للسرخسي ٤ / ٢١٢ ، بدائع الصنائع ٢ / ٢٤٠ ، مغني المحتاج ٣ / ١٦٨.

٣ ـ الطلاق : ٤.

٤ ـ النور : ٣٢.

٥ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٣٩ ، مسند أحمد ٦ / ١١٨. السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١٤٨.

٦ ـ أُنظر : مسند أحمد ٦ / ٢٨٠ ، سنن أبي داود ١ / ٤٧١ و ٢ / ٤٦٣ ، مسند أبي يعلى ٨ / ٧٤ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٢١.

٤١٦

مسعود بنتاً لها صغيرة لابن المسيّب بن نخبة ، فأجاز ذلك زوّجها عبد الله بن مسعود.

٥ ـ قد تكون هناك مصلحة بتزويج الصغار ، ويجد الأب الكف‏ء فلا يفوت إلى وقت البلوغ.

من الذي يزوّج الصغار؟ وأُختلف الجمهور القائلون بجواز تزويج الصغار فيمن يزوّجهم؟

فقال المالكية والحنابلة(١) : ليس لغير الأب أو وصيّه أو الحاكم تزويج الصغار ، لتوافر شفقة الأب وصدق رغبته في تحقيق مصلحة ولده ، والحاكم ووصي الأب كالأب ، لأنّه لا نظر لغير هؤلاء في مال الصغار ومصالحهم المتعلّقة بهم ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تستأمر اليتيمة في نفسها ، وإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها »(٢) .

وروي عن ابن عمر أن قدامة بن مظعون زوّج ابن عمر ابنة أخيه عثمان ، فرفع ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « هي يتيمة ولا تنكح إلاّ بإذنها » (٣) .

واليتيمة : هي الصغيرة التي مات أبوها لحديث : « لا يتم بعد احتلام »(٤) ، فدلّ الحديث على أنّ الأب وحده هو الذي يملك تزويج الصغار.

وقالت الحنفية(٥) : يجوز للأب والجدّ ولغيرهما من العصبات تزويج الصغير والصغيرة لقوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ) (٦) أي في نكاح اليتامى ، أي إذا كان خوف من ظلم اليتامى ، فالآية تأمر الأولياء بتزويج اليتامى.

وأجاز أبو حنيفة في رواية عنه خلافاً للصاحبين لغير العصبات من قرابة الرحم كالأُم والأُخت والخالة تزويج الصغار أن لم يكن ثمّة عصبة ، ودليله عموم

__________________

١ ـ أُنظر : المغني لابن قدامة ٧ / ٣٨٢.

٢ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٥٩ و ٤٧٥ ، سنن أبي داود ١ / ٤٦٥ ، الجامع الكبير ٢ / ٢٨٨.

٣ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١١٣ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٠.

٤ ـ سنن أبي داود ١ / ٦٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٥٧.

٥ ـ المغني لابن قدامة ٧ / ٣٨٢ ، سبل السلام ٣ / ١٢٠.

٦ ـ النساء : ٣.

٤١٧

قوله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ ) من غير تفرقة بين العصبات وغيرهم.

وقالت الشافعية(١) : ليس لغير الأب والجدّ تزويج الصغير والصغيرة في حقّ الأب للآثار المروية فيه ، فبقي ما سواه على أصل القياس ، والحنابلة رأوا أنّ الأحاديث مقصورة على الأب ، والشافعية استدلوا بالأحاديث ، لكنّهم قاسوا الجدّ على الأب ، والحنفية أخذوا بعموم الآيات القرآنية التي تأمر الأولياء بتزويج اليتامى ، أو بتزويجهن من غيرهم.

وقد أشترط أبو يوسف ومحمّد في تزويج الصغار الكفاءة ومهر المثل ، لأنّ الولاية للمصلحة ، ولا مصلحة في التزويج من غير كف‏ء ولا مهر مثل ، وكذلك اشترط الشافعية في تزويج الأب الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها شروطاً سبعة ، وهي :

الأوّل : ألا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة.

الثاني : أن يزوّجها من كف‏ء.

الثالث : أن يزوّجها بمهر مثلها.

الرابع : أن يكون من نقد البلد.

الخامس : ألا يكون الزوج معسراً بالمهر.

السادس : ألا يزوّجها بمن تتضرّر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.

السابع : ألا يكون قد وجب عليها الحجّ ، فإنّ الزوج قد يمنعها لكون الحجّ على التراخي ، ولها عوض في تعجيل براءتها ، ويجوز أن يزوّج الصغير أكثر من واحدة.

وأجاز المالكية للأب تزويج البكر الصغيرة ، ولو بدون صداق المثل ، ولو لأقلّ حال منها ، أو لقبيح منظر ، وتزوّج البالغ بإذنها ، إلاّ اليتيمة الصغيرة التي بلغت عشر سنين ، فتزوّج بعد استشارة القاضي على أن يكون الزواج بكف‏ء وبمهر المثل.

__________________

١ ـ مغني المحتاج ٣ / ١٤٩.

٤١٨

ورأى الحنابلة : أن يزوّج الأب ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرهاً ، لأنّ للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها ، وهذا مثله ، فإنّه قد يرى المصلحة في تزويجه ، فجاز له بذل المال فيه كمداواته فهذا أولى ، وإذا زوّج الأب ابنه الصغير ، فيزوجه بامرأة واحدة لحصول الغرض بها ، وله تزويجه بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة.

وضعّف بعض الحنابلة هذا ، إذ ليس فيه مصلحة بل مفسدة ، وصوّب أنّه لا يزوّجه أكثر من واحدة ، أمّا الوصي لا يزوّجه أكثر بلا خلاف لأنّه تزويج لحاجة ، والكفاية تحصل به ، إلاّ أن تكون غائبة أو صغيرة أو طفلة وبه حاجة ، فيجوز أن يزوّجه ثانية.

وهذه بعض المستندات الروائية وغيرها عندنا نحن الإمامية : ففي الحديث قال عبد الله بن الصلت : سألت أبا الحسن عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال : « لا ليس لها من أبيها أمر »(١) .

وسأل محمّد بن إسماعيل بن بزيع الرضاعليه‌السلام عن الصبية يزوّجها أبوها ثمّ يموت وهي صغيرة ، ثمّ تكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : « يجوز عليها تزويج أبيها »(٢) .

وجواز النكاح مشروطاً بإذن أبيها متّفق بين الفقهاء ، إلاّ أنّهم اختلفوا في جوازه بإذن الجدّ للأب ، وفي جواز ردّها وفسخها بعد البلوغ ، فيقول الشيخ الطوسيقدس‌سره : « يجوز للرجل أن يعقد على بنته إذا كانت صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء من غير استيذان لها ، ومتى عقد عليها لم يكن لها خيار وإن بلغت »(٣) .

ويقول ابن زهرةقدس‌سره : « والولاية التي يجوز معها تزويج غير البالغ ـ سواء كانت بكراً أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو غيره ـ مختصة بأبيها وجدّها له في حياته » (٤) .

__________________

١ ـ الكافي ٥ / ٣٩٤.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٩٥.

٣ ـ النهاية للشيخ الطوسي : ٤٦٤.

٤ ـ غنية النزوع : ٣٤٢.

٤١٩

وقال ابن حمزةقدس‌سره : « الذي بيده عقدة النكاح أربعة : والأب والجدّ مع وجود الأب إذا كانت طفلة ، أو بالغة غير رشيدة ومن يعقد عليها : حرّة وأمة ، والحرّة بالغة ، وطفل ، والبالغة رشيدة »(١) .

وقال المحقّق الحلّيقدس‌سره : « وتثبت ولاية الأب والجدّ للأب على الصغيرة ، وإن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره »(٢) .

فهل بعد هذا البيان يبقى مجال للاستغراب والتساؤل عن مسألة الزواج من الصغيرة؟!

وفي الختام نقول : على فرض أنّ أهل السنّة لم يقولوا بجواز ذلك ، فهذا لا يعني أنّنا أيضاً نمنع ذلك ، وذلك لأنّنا نتّبع الدليل ، فإذا ثبت عندنا الدليل الشرعي على جواز الزواج من الصغيرة نأخذ به ، حتّى لو خالفنا جميع الناس ، لأنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع.

( غانم النصّار ـ الكويت ـ )

كيفية الاستمتاع بالزوجة الرضيعة :

السؤال : لقد قرأت فتوى للسيّد الخمينيقدس‌سره أنّه يجيز التمتّع بالرضيعة ، أو بمعنى أصح التفخيذ ، فما هو المقصود من هذا الكلام؟ هل هو ما نحن نفهمه أن يتمتّع الرجل البالغ برضيعة ويفخذها؟ أم أنّ القصد شيء آخر؟ إفيدونا جزاكم الله خيراً.

ج : نشير إلى رؤوس مواضيع تفيدكم في إجابتها :

١ ـ إنّ الأحكام الشرعية والفقهية لها موازينها في الإثبات ؛ فالعقل بالاستقلال لا دخل له في إثبات أو نفي الحكم الشرعي ، إلاّ إذا عيّنه الشرع في إطار محدّدٍ.

٢ ـ إنّ هذا الكلام المنقول هو بصدد نفي المواقعة مع الزوجة الصغيرة ـ أي قبل إكمال تسع سنين ـ(٣) .

__________________

١ ـ الوسيلة : ٢٩٩.

٢ ـ شرائع الإسلام ٢ / ٥٠٢.

٣ ـ تحرير الوسيلة ٢ / ٢٤١.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667