موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297285 / تحميل: 6709
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فهل يأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنصح شخص مخطئ؟ أم هو التعصّب الذي دعا الكاتب إلى إنكار كون أنس من الصحابة ، وذلك كطريق وحيد لردّ الرواية ، وما يترتّب عليها.

نصيحة ابن عمر المزعومة!

أمّا عبد الله بن عمر ، فقد كان معروفاً بمبدأ الخضوع للحاكم مهما كان ، حيث بايع يزيد وهو يعلم أنّه شارب الخمور مرتكب الفجور ، ولم يترك هذا المبدأ إلاّ عند بيعة الأُمّة لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد ندم على فعله!(١) .

فالذي يندم على أفعاله ، ويبايع يزيد مع أقلّ تهديد ، كيف يعتدّ الإمام الحسينعليه‌السلام بموقفه ونصحه؟

كما أنّ ما ذكروه عن نصيحة أبي سعيد الخدري وغيره غير ثابت ، وحتّى لو ثبت ، فقد عرفت أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يعمل بما أمر به جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلاّ وحي يوحى!

نصيحة ابن الزبير المزعومة!

وأمّا خلط الكاتب نصيحة ابن الزبير بجملة النصائح فعجب من القول ، لأنّ مصادر التاريخ تذكر عكس ذلك ، فقد كان ينصح الإمام الحسينعليه‌السلام أن يخرج إلى العراق ، وقد نقل ابن كثير قول ابن الزبير : أما لو كان لي مثل أنصارك ما عدلت عنها ، فلمّا خرج من عنده ، قال الحسين : «قد علم ابن الزبير أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ الناس لم يعدلوا بي غيري ، فودّ أنّي خرجت لتخلو له »(٢) .

ونقل : ولزم ابن الزبير الحجر ، ولبس المعافري ، وجعل يحرّض الناس على بني أُمية ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ، ويشير إليه أن يقدم العراق ، ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك(٣) .

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٧ / ٢٥٣.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٢.

٣ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٥.

١٤١

حتّى ظنّ أبو سلمة بن عبد الرحمن ، بأنّ الحسين خرج متأثّراً بكلام ابن الزبير ، أورد ابن كثير : وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ، ولكن شجّعه على ذلك ابن الزبير ، وكتب إليه المسور بن مخرمة : إيّاك أن تغتر بكتب أهل العراق ، وبقول ابن الزبير ، ألحق بهم فإنهّم ناصروك(١) .

ومن مسلّمات التاريخ : أنّ ابن الزبير لم يكن يوماً ما ناصحاً للإمام الحسينعليه‌السلام ، بل قد أثبت ابن كثير في تاريخه قول ابن عباس لابن الزبير وهو مغضب : « يا بن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله خارج ويتركك والحجاز »(٢) .

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء : « فقال ابن عباس للحسين : لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنّك تقيم ، إذاً لفعلت ، ثمّ بكى ، وقال : أقررت عين ابن الزبير ، ثمّ قال بعد لابن الزبير : قد أتى ما أحببت أبو عبد الله ، يخرج إلى العراق ، ويتركك والحجاز.

يا لك من قنبرة بمعمر

خلا لك البر فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

صيّادك اليوم قتيل فابشري(٣)

نصيحة ابن عمر المزعومة لا أصل لها :

من أين جاء الكاتب بهذه النصيحة المدعاة؟! فلم يذكر التاريخ أيّ لقاء تمّ بين الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عمر ، بل ينقل ابن كثير خلاف ذلك عن يحيى بن معين ، حدّثنا أبو عبيدة ، ثنا سليم بن حيّان عن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد الله بن عمر : عجّل حسين قدره ، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني(٤) .

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٦.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٨.

٣ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٧.

٤ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٣.

١٤٢

والكاتب يقول : رواه يحيى بن معين بسند صحيح ، ويتغافل عن سند ابن كثير إلى يحيى بن معين ، في حين أنّ سند يحيى ، كما في ابن عساكر مضطرب ، فيقول في تاريخ مدينة دمشق : « يحيى بن معين ثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيّان ، قال الحرّاني : سليمان بن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد الله ابن عمر يقول : عجّل حسين قدره »(١) .

نعم قال المحقّق : بالأصل عمرو ، والمثبت عن الترجمة المطبوعة.

والمهم هنا : أنّ سليم ينقل عن سليمان بن سعيد لا سعيد بن مينا ، فضلاً عن وجود نسخ ، أنّه ابن عمر لا عمرو.

بل أنّ الفرزدق يروي خلاف ذلك ـ كما في سير أعلام النبلاء ـ حيث قال : « لمّا خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو فقلت : إنّ هذا الرجل قد خرج ، فما ترى؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فإنّك إن أردت دنيا أصبتها ، وإن أردت آخرة أصبتها »(٢) ، فمن أين احتطب الكاتب هذه النصيحة والمنع المزعوم؟!!

نصيحة محمّد بن الحنفية :

روى ابن عساكر : « وتبعهم محمّد بن الحنفية ، فأدرك حسيناً بمكّة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي »(٣) .

ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك ، فقد ذكر أنّه قال : « تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية عن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك »(٤) .

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢٠٢.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٣.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢١١.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٥٣.

١٤٣

وبهذا يتّضح : أنّ محمّد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ، ولكن اقترح تفاصيل أُخرى ، فأجابه الحسينعليه‌السلام : «يا أخي قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً »(١) .

هذا وللحسين جواب شامل لكُلّ من عارضه على الخروج ، هو ما ذكره ابن كثير في ردّه على عبد الله بن جعفر ، الذي كتب له كتاباً يحذّره من أهل العراق ، ويناشده الله إن شخص إليهم ، فكتب إليه الحسين : «إنّي رأيت رؤيا ، ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني بأمر ، وأنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي »(٢) .

الحسين وأهل الكوفة :

يظنّ البعض بأنّهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسينعليه‌السلام في شأن أهل الكوفة ، وكيف يخفى على الحسينعليه‌السلام تذبذب نفوس أهل الكوفة ، وقد عاشرهم إبّان حياة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ولم ينس قوله فيهم : «اللهم إنّي قد مللتهم وملوني »(٣) ، وقوله : «يا أشباه الرجال ولا رجال »(٤) .

وقد كانت خيانتهم للحسنعليه‌السلام على مرأى من عينيه ، ولازال الحسين يسمع صدى دعاء عليعليه‌السلام عليهم.

وقد صرّحعليه‌السلام بأنّه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا ، فادعاء الكاتب أنّ خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسينعليه‌السلام ، وتكذيب لجدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وسوف يُسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبيّ الطاهرين.

النهضة الحسينية : لم تكن نتيجة ضغط من أبناء مسلم بن عقيل :

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣٢.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٧٥.

١٤٤

قال كاتب المنشور : « وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول ، الذي أرسله مسلم ، فهمّ الحسين بالرجوع ، فامتنع أبناء مسلم وقالوا : لا والله لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع ».

ونقول أوّلاً : الرواية ضعيفة السند ، إذ فيها خالد بن يزيد بن عبد الله القسري ، وقد قال عنه الذهبي : « وكان صاحب حديث ومعرفة ، وليس بالمتقن ، ينفرد بالمناكير

قال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، وذكره ابن عدي ، فساق له جماعة أحاديث ، وقال : أحاديثه لا يتابع عليها كُلّها ، لا إسناداً ولا متناً »(١) ، فعبارة : فهمّ الحسين بالرجوع ، من منكرات خالد هذا.

ثانياً : استغل الكاتب خطأ في تاريخ ابن كثير ، فسعى أن يوهم أن كلمة : لن نرجع ، إنّما هي أمر من أبناء مسلم بن عقيل للإمام الحسينعليه‌السلام ، فهُم الذين أجبروه على الاستمرار.

ولكن بالرجوع إلى ما نقله الطبري وسائر المؤرّخين ، نرى أنّ أبناء مسلم قالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل ، فقالعليه‌السلام : «لا خير في الحياة بعدكم » فسار(٢) .

ثالثاً : وأمّا الحادثة كما رواها الشيخ المفيد خالية من تلك الزيادة ، بل فيها : فنظر ـ أي الحسينعليه‌السلام ـ إلى بني عقيل فقال : « ما ترون؟ فقد قتل مسلم » ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا ، أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسينعليه‌السلام وقال : «لا خير في العيش بعد هؤلاء »(٣) .

__________________

١ ـ سير أعلام النبلاء ٩ / ٤١٠.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٩٢ ، الإصابة ٢ / ٧١ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٢٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٤.

٣ ـ الإرشاد ٢ / ٧٥.

١٤٥

وكيف ينتظر أن ينساق الحسينعليه‌السلام مع أبناء مسلم؟ وهم أتباعه ، وتحت أمره ورأيه؟ بل كيف يتراجع ، وهو الذي عارض ناصحيه كما يقول الكاتب سابقاً؟ وهل يرتاب الحسينعليه‌السلام ويتزعزع عند أوّل مشكلة تواجهه؟ بينما هو خارج للشهادة ، ويدرك أنّ المصيبة جسيمة.

ولو أنّ الحسينعليه‌السلام كان من أُولئك الذين تغلبهم العصبية البغيضة ، لانتقم لمقتل أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، خصوصاً مع ما حدث عند دفنه ، من منع عائشة وبني أُمية دفنه عند جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإثارة بني هاشم جميعاً ، لكنّه آثر الصبر.

افتراء نسب إلى الحسينعليه‌السلام أنّه قال : «أضع يدي في يد يزيد »؟

قال الكاتب : فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد ، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمر بن سعد.

وقال : ولمّا رأى الحسين هذا الجيش العظيم ، علم أنّه لا طاقة له بهم ، وقال : «إنّي أُخيّركم بين أمرين : أن تدعوني أرجع ، أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام » ، فقال له عمر بن سعد : أرسل إلى يزيد ، وأرسل أنا إلى عبيد الله ، فلم يرسل الحسين إلى يزيد.

والكاتب يعرض النصوص بشكل مخلّ ، وأمّا ما أورده الطبري في تاريخه في أحداث سنة ٦١ هـ ، عن حسان بن فائد بن بكر العبسي قال : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه؟ وماذا يطلب ويسأل؟ فقال : «كتب إليّ أهل هذه البلاد ، وأتتني رسلهم ، فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني ، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم » ، فلمّا قرأ الكتاب على ابن زياد قال : الآن إذ علقت مخالبنا به ، يرجو النجاة لات حين مناص(١) .

__________________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣١١.

١٤٦

وروى الطبري : قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد ، والصقعب بن زهير الأزدي ، وغيرهما من المحدّثين ، فهو ما عليه جماعة المحدّثين قالوا : إنّه قال : «اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً : إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية ، فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم ، وعليّ ما عليهم ».

قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قال : صحبت حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قُتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ، ولا بمكّة ، ولا في الطريق ، ولا في العراق ، ولا في عسكر إلى يوم مقتله ، إلاّ وقد سمعتها ، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة ، حتّى ننظر ما يصير من أمر الناس »(١) .

فالطبري يروي الرواية التي تتحدّث عن الخيارات الثلاثة ، ثمّ يروي عن عقبة ابن سمعان ـ الذي عاصر الأحداث ـ إنكاراً واضحاً لما ذكر في الرواية السابقة ، أي ما تبنّاه كاتب المنشور ، وعرضه بشكل مخلّ.

هذا بالإضافة إلى شخصية الحسينعليه‌السلام وتربيته ، وما ورثه من أبيهعليه‌السلام ، لا تتناسب مع مثل هذا الموقف ، الذي يريد أن يصوّره الكاتب ، وكأنّ الحسينعليه‌السلام قد ندم على خروجه ، أو خاف هذه الجموع ، كيف وشجاعته واضحة في صفحات التاريخ؟ وهو الذي بشّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الموقف الإيماني العظيم ، وقد قرأت رسالة عمرة بنت عبد الرحمن قبل فقرات ، وردّ الحسينعليه‌السلام عليها.

__________________

١ ـ المصدر السابق ٤ / ٣١٣.

١٤٧

ولعلّ الحجّة الأبلغ على الكاتب المحرّف ، ما رواه إمامه ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ولكن طلب منهم أحد أمرين : إمّا أن يرجع من حيث جاء ، وإمّا أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتّى ينظر ما يصير أمر الناس إليه »(١) .

بل إنّ الطبري ينقل عكس هذا الادعاء في تاريخه ، حيث ينقل رفض الحسينعليه‌السلام أن يضع يده بيد يزيد ، قال : فنادى ـ الحسينعليه‌السلام ـ : « يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ »؟ قالوا له : لم نفعل ، فقال : « سبحان الله ، بلى إذ كرهتموني دعوني انصرف عنكم » ، فقال له قيس : أولا تنزل على حكم ابن عمّك ـ أي يزيد ـ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : » لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل »(٢) ، ورواه أيضاً ابن كثير في تاريخه(٣) .

ويؤكّد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام قول الحسينعليه‌السلام : « ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً »(٤) .

وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عليعليه‌السلام ، الذي تربّى تحت بارقة ذو الفقار ، لا ما استنتجه الكاتب ، ليقلّل من شأن موقف الحسينعليه‌السلام ، ويرفع من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد.

تحريف الكاتب لموقف الحرّ بن يزيد الرياحي!

قال الكاتب : « وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً ، على رأسهم الحرّ بن يزيد التميمي ، ولمّا عاب عليه قومه ذلك قال : والله إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ».

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٠.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٣.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٤.

٤ ـ تاريخ الإسلام ٥ / ١٢.

١٤٨

إنّها كذبة تضاف إلى غيرها! وجملة : « عاب عليه قومه ذلك » ، بعد انضمامه إلى معسكر الحسينعليه‌السلام ، فهو تحريف لعبارة ابن كثير في البداية والنهاية ، حيث قال : « فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين »(١) ، وكُلّ ناطق بالضاد يعرف بأنّ اللوم غير التعييب ، رغم أنّ ابن كثير نفسه قد اختصر النصّ اختصاراً مخلاً ، إذا ما قارناها بالعبارة التي نقلها ابن جرير الطبري : « فأخذ يدنو من حسين قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه ـ يقال له المهاجر بن أوس ـ : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟

قال : إنّي والله أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ، ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين »(٢) .

فنلاحظ أنّ ابن كثير بدأ بالتحريف ، ثمّ جاء الكاتب واستعمل التزييف!! وما فعلهما إلاّ من تأثير الهوى والتعصّب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

افتراؤه بأنّ الحسينعليه‌السلام لم يمنع من الماء!

قال الكاتب : « وأمّا قصّة منع الماء ، وأنّه مات عطشاناً ، وغير ذلك من الزيادات التي إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ».

لقد زاد هذا الكاتب في بغضه لأهل البيتعليهم‌السلام حبّه لقاتليهم ، على أسياده وأئمّته ، فاستعمل الكذب الصريح المخالف لقول إمامه ابن كثير!!

قال ابن كثير : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب »(٣) ، فما يقوله ابن كثير هنا ـ كما يزعم ـ خال عن الكذب ، وهو يردّ كذب هذا الكاتب!

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٥.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٥.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٨٦.

١٤٩

ويقول عن عطش الإمام الحسينعليه‌السلام : « فردّ عليه ابن زياد : أن حل بينهم وبين الماء ، كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ، وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين الماء »(١) ، فالحديث عن منع الماء حديث أئمّة هذا الشأن ـ حسب قول ابن كثير ـ وليس حديث الشيعة كما زعم الكاتب!

وروى الطبري : « ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش ، دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه ، فبعثه في ثلاثين فارساً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي : من الرجل؟ فقال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء »(٢) .

وذكر ـ وهو يتحدّث عن الحرّ بن يزيد ـ : « ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين ، فاعتذر إليه بما تقدّم ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة لأُمّكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموه حتّى أتاكم أسلمتموه وخلاتموه ونساءه واصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري ، الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش »(٣) .

ما الذي يجنيه كاتب المنشور من نفي العطش عن الحسينعليه‌السلام ؟

هل يريد تقليل التعاطف مع الحسينعليه‌السلام ؟ ظانّاً بأنّ أصل هذا التعاطف هو مجرّد العطش؟ فإن نفاه نفى مظلومية الحسينعليه‌السلام ؟ أم أنّه يريد أن يكون جندياً إعلامياً من جيش ابن سعد ، إن لم يسعفه الزمن أن يكون محارباً مع إمامه يزيد؟

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ١٨٩.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣١١.

٣ ـ المصدر السابق ٤ / ٣٢٦.

١٥٠

فللمتّبع أن يدرك أنّ عطش الحسينعليه‌السلام من مسلّمات يوم الطفّ ، فقد روى ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه ، فخلص إلى شربة منه ، فرماه رجل يقال له حصين بن تميم في حنكه فأثبته ، فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم ، فتلقّاه بيديه ، ثمّ رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دماً ، ثمّ رمى به إلى السماء وقال : «اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً » ، ودعا عليهم دعاءً بليغاً ، قال : فو الله إن مكث الرجل الرامي له إلاّ يسيراً ، حتّى صبّ الله عليه الظمأ ، فجعل لا يروى ويسقى الماء مبرداً(١) .

وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمّد

متزمّلاً بدمائه تزميلا

وكأن بك يا بن بنت محمّد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولم يتبروا

في قتلك القرآن والتنزيلا

ويكبّرون بأن قتلت وإنّما

قتلوا بك التكبير والتهليلا(٢)

وروى ذلك ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، والمزّي في تهذيب الكمال وغيرهما.

فماذا بقي بعد ذلك من مصادر للتاريخ لم تذكر قصّة منع الماء وعطش الحسينعليه‌السلام ؟ ليقول ذلك الكاتب في كذبته المفضوحة : إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ، نعوذ بالله من الخذلان والهوى!

ردّ إنكاره للكرامات التي ظهرت :

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٠٣.

٢ ـ البداية والنهاية ٦ / ٢٦١ و ٨ / ٢١٦ ، تاريخ مدينة دمشق ١٦ / ١٨١ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٤٨.

١٥١

قال : « وأمّا ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً ، أو أنّ الجدران كأن يكون عليها الدم ، أو ما يرفع حجر إلاّ ويوجد تحته دم ، أو ما يذبحون جزوراً إلاّ صار كُلّه دماً ، فهذه كُلّها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ، ليس لها أسانيد صحيحة ».

هنا نقول : ما أعجله؟ أم ما أجهله؟ فقد تعجّل الكاتب إرضاء لهواه ، بالجزم بأنّ هذه الروايات كُلّها ليست لها أسانيد صحيحة ، بينما رواها الثقات من أهل العلم عنده ، بل رواها ابن كثير على تعصّبه ، ولم يجزم بردّها عند الحديث عن دلائل النبوّة ، إذ قال : « إلى غير ذلك ممّا في بعضها نكارة ، وفي بعضها احتمال ، والله أعلم »(١) .

فإذا نفى بعضها ابن كثير المتعصّب ، واحتمل صحّة بعضها ، فإنّ هذا قد تجاوزه في التعصّب أو النصب حتّى نفاها كُلّها ، وهذه المصادر السنّية لتلك الكرامات :

أ ـ ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً :

روى الهيثمي عن أُمّ حكيم قالت : قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أيّاماً مثل العلقة ، رواه الطبراني ورجاله إلى أُمّ حكيم رجال الصحيح(٢) .

ب ـ ما روي من كسوف الشمس :

روي عن أبي قبيل قال : لمّا قُتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظنّنا أنّها هي ـ أي القيامة ـ رواه الطبراني ، وإسناده حسن(٣) .

ونقل ذلك أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء ، وأرسله إرسال المسلّمات ، فقال : « ولمّا قُتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيّام ، والشمس على الحيطان

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٦ / ٢٥٩.

٢ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

٣ ـ المصدر السابق ٩ / ١٩٧.

١٥٢

كالملاحف المعصفرة ، والكواكب يضرب بعضها بعضاً ، وكان قتله يوم عاشوراء ، وكسفت الشمس ذلك اليوم ، واحمرت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله ، ثمّ لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ، ولم تكن ترى فيها قبله »(١) .

وروى الذهبي عن ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد يحيىعليه‌السلام إلاّ على الحسين(٢) ، ونقل البيهقي في دلائل النبوّة إمطار السماء دماً(٣) .

وعلم بأنّ هذا لا يتعارض مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته »(٤) ، حيث أنّ خسوف الشمس قد جاء نتيجة جرم البشر بقتل هذا السبط المطهّرعليه‌السلام ، لا مجرّد موت إنسان كما ينصّ الخبر ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) (٥) .

وهذا هو الحال في جريمة قتل الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام ، فبعد هذا كُلّه ، هل يصحّ كلام الكاتب؟

ج ـ الدم الذي ظهر على الجدر :

والطريف أنّه مذكور في رواية الطبري عن حصين بن عبد الرحمن ، وقد صرّح الكاتب بحسن سندها حينما استشهد بالرواية ، زاعماً طلب الحسين أن يضع يده في يد يزيد!!

قال الطبري : « قال حصين : فلمّا قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما تلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع »(٦) ، فهذه رغم أنّها صحيحة عنده لم يأخذ بها ، لأنّها لا تصبّ في صالحه!

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٠٧.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٢.

٣ ـ دلائل النبوّة ٦ / ٤٧١.

٤ ـ الكافي ٣ / ٢٠٨.

٥ ـ الروم : ٤١.

٦ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٩٦.

١٥٣

د ـ وما رفع حجر إلاّ وجد تحته دم :

روى الهيثمي عن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة بيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ، فقال لي عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان ، رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وعن الزهري قال : ما رفع حجر يوم قتل الحسين بن علي إلاّ عن دم ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح(١) .

وروى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء(٢) ، والبيهقي في دلائل النبوّة(٣) ، وغيرهم ، هذا ما رواه المخالف ، ومع ذلك ينكره ، فبأيّ حديث بعده يؤمن الكاتب؟

هـ ـ ذبحوا جزوراً فصار كُلّه دماً!

قال الهيثمي : « عن دويد الجعفي عن أبيه قال : لمّا قُتل الحسين انتهبت جزور من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ، رواه الطبراني ورجاله ثقات »(٤) .

و ـ الفتن والحوادث الغريبة :

قال ابن كثير : « وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح ، فإنّه قلّ من نجا من أُولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا ، فلم يخرج منها حتّى أُصيب بمرض ، وأكثرهم أصابه الجنون »(٥) .

وقال ابن كثير : « وقد روى حماد بن سلمة عن عمّار بن أبي عمارة عن أُمّ سلمة ، أنّها سمعت الجنّ تنوح على الحسين بن علي ، وهذا صحيح »(٦) ، وقال

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٤.

٣ ـ دلائل النبوّة ٦ / ٧٤١.

٤ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

٥ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٢٠.

٦ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٥٩.

١٥٤

الهيثمي عن هذا الخبر : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح »(١) ، ترى! هل يظنّ هذا الكاتب أنّه لا يوجد أحد يكشف كذبه؟!

زعم الكاتب أنّه أعرف بمصلحة الإسلام من الحسين!!

قال : « لم يكن في خروج الحسينعليه‌السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ، ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ، وهو قد همّ بالرجوع لولا أولاد مسلم » ، ولنترك ابن العماد الحنبلي ليردّ عليه :

يقول الحنبلي : « والعلماء مجمعون على تصويب قتال علي لمخالفيه ، لأنّه الإمام الحقّ ، ونقل الاتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد »(٢) .

فتحسين خروجه مورد اتفاق العلماء ، والقول بعدم وجود مصلحة هو وقاحة وجرأة من الكاتب على مقام الحسينعليه‌السلام ، فالكاتب يرفع شعار الدفاع عن الصحابة ، ولكن النصب يقتضي أن يبرّر أعمال يزيد ومعاوية ، وهم ثمار الشجرة الملعونة في القرآن ، ويبلغ من جرأته أنّه يخطّئ الحسين المطهّرعليه‌السلام بنصّ القرآن ، وسيّد شباب أهل الجنّة بنصّ جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

كُلّ ذلك يفضّل أئمّته بني أُمية على أهل بيت النبوّة الطاهرين المطهّرين!!

قوله : أنّ خروج الحسينعليه‌السلام مفسدة.

قال الكاتب : « وكان في خروجه من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، ولكنّه أمر الله تبارك وتعالى ، وما قدّر الله كان ، ولو لم يشأ الناس».

الغريب أنّ الكاتب يقول بأنّه أمر الله ، ثمّ يلوم الحسينعليه‌السلام على الخروج ، فإن كان جبراً فلا ملامة على الحسينعليه‌السلام ، وإن كان مخيّراً ـ وهو كذلك ـ فإنّه أمر الله وقد أطاعه الحسينعليه‌السلام ، فماذا يقصد الكاتب؟ أم أنّه يهجر.

ثمّ العجيب من أمر هذا الكاتب وأضرابه ، يدعون تقديس الصحابة وعدالتهم ، ثمّ يتجرّأ على الإمام الحسينعليه‌السلام لخروجه على يزيد.

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٩.

٢ ـ شذرات الذهب ١ / ١٢٢.

١٥٥

نعم مع أهل البيتعليهم‌السلام يختل الميزان ، وتظهر جرأة النواصب ، وكأنّ أهل البيت ليسوا صحابة ، لقد جعلوا القرآن عضين ، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

ما هي جريمة الحسينعليه‌السلام ؟!

إنّ جريمة الحسينعليه‌السلام سيّد شباب أهل الجنّة ، أنّه رفض بيعة يزيد لأنّه سلطان غاصب جائر ، وقد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الجهاد أن تعلن كلمة الحقّ أمامه وأمام أمثاله.

وقد أوحى الله تعالى لنبيه في حقّ الحسينعليه‌السلام : « وإنّي قاتل سبعين ألفاً بابن ابنتك » ، فجعل الله تعالى الانتقام من إراقة دمه الطاهر أشدّ من انتقامه عزّ وجلّ لقتل نبيّه يحيىعليه‌السلام ، وهذه لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم يقارن بيحيى النبيّعليه‌السلام ؟

وقد ردّ الحسينعليه‌السلام على هذه الترهات قبل أن يتفوّه بها مبغضوه ، فقد نقل ابن كثير في تاريخه : وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين : إنّي أسأل الله إن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك ، بلغني أنّك قد عزمت على الشخوص إلى العراق ، وإنّي أُعيذك الله من الشقاق ، فإنّك إن كنت خائفاً فأقبل إليّ ، فلك عندي الأمان والبر والصلة.

فكتب إليه الحسين : « إن كنت أردت بكتابك برّي وصلتي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين »(١) .

فكلام الإمام الحسينعليه‌السلام : « لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين » ، إنّما هو ردّ من الحسين الصحابيعليه‌السلام على كلام الكاتب ، فهل يقبل به؟ لا أظنّ.

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٦.

١٥٦

ثمّ نسأل المنصفين : هل الفساد هو أن تجهر بصوتك لإحقاق الحقّ والدين؟ والوقوف بوجه الظلمة؟ أمّ أنّ الفساد هو مداهنة الظلمة؟ ومد يد الخنوع والخضوع ليزيد؟ فصوّروا بذلك الإسلام هو دين الضعف والذل أمام الجبابرة لا دين العزّة ، وذلك الضعف كان مقدّمة واقعة الحرّة بكُلّ فظاعتها؟!

فهل كان موقف الحسينعليه‌السلام عند الكاتب أسوء من موقف أُولئك الذين مدّوا ليزيد ليفعل ما يشاء؟ ألهذا لم نسمع نقداً صريحاً لأنصار يزيد طوال القرون الماضية؟

لا ، ولكنّه النصب والعداوة الذي يدفع البعض ليتجرّأ على أهل البيتعليهم‌السلام ، ويمدح الذين ركعوا أمام يزيد ، والمشتكى إلى الله ربّ العالمين.

البدعة ومراسم العزاء على الإمام الحسينعليه‌السلام .

قال : « لا يجوز لمن خاف الله إذا تذكّر قتل الحسين ومن معه ، أن يقوم بلطم الخدود ، وشقّ الجيوب والنوح وما شابه ذلك ، وما علم أنّ علي بن الحسين ، أو ابنه محمّد ، أو ابنه جعفر ، أو موسى بن جعفر ، ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمّة الهدى ، أنّهم لطموا أو شقّوا أو صاحوا ، فهؤلاء هم قدوتنا ».

لابدّ أن نقرّر بداية ، بأنّ العناوين العامّة في الشريعة الإسلامية ـ كإحياء أمر الدين ، وتوقير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين ـ إنّما هي عناوين شرعية عامّة ، لا يناقش فيها مسلم ، لذلك ترى المسلمين قاطبة ـ إلاّ المتمسلفين ـ يدعون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، ويوم الإسراء والمعراج وغيرها ، كمصاديق لإحياء أمر الدين.

ومن السيرة التي يراها كُلّ عاقل على مرّ القرون ، يجد بأنّ للعرف أن يحدّد الطريقة المناسبة لإحياء أمر الدين ، شريطة أن يصدق عليها توقير مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يردّ نصّ صريح بخصوص الكيفية.

ولولا ذلك لما جاز تغيير وتطوير أساليب الدعوة ـ كطباعة الكتب ، والتلفزيون والمذياع ، والندوات والمخيّمات ، والمدارس الدينية ـ التي لم تكن في

١٥٧

زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا زمن الطبقة الأُولى من المسلمين ، ولكن مع تطوّر الزمن تطوّر أُسلوب الدعوة.

وهذا ليس بممنوع ولا هو بدعة ، لأنّه أمر مندوب إليه بعنوانه العام ، وتحديد المصاديق موكول إلى العرف ، ما لم يدخل شيء منها في أحد عناوين المحرّمة.

وبناء على ذلك ، فإنّ من العناوين العامّة في الدين : إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام ، وتوقيرهم ومحبّتهم ، وإظهار الحزن لأحزانهم والفرح لأفراحهم ، فالله تعالى قد أمر بمودّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فهل تتصوّر المودّة بالفرح بحزنهم؟ والحزن بفرحهم؟

والمآتم الحسينية إنّما هي مصداق من مصاديق تلك المودّة المفروضة ، وتلك المراسيم لم يرد فيها نهي ولا منع ، لذا فهي جائزة أصالة ، ويرجّح كفّة إقامتها لأنّها إحياء لأمر الدين ، وتتأكّد بورود روايات عن الأئمّةعليهم‌السلام في الحثّ عليها.

فإن منع الدين الحزن على المؤمن ، فلنمنع الحزن على الحسينعليه‌السلام ، وإن لم يجز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التأثّر الشديد بمقتل حمزة ، لم يجز لنا التأثّر بمقتل الحسينعليه‌السلام ؟

كيف والحسينعليه‌السلام أعزّ عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حمزةعليه‌السلام ؟ كُلّ ذلك حكم العقل والبداهة ، فضلاً عن وجود الأدلّة الخاصّة التي تدلّ على فضل البكاء والنوح على سيّد الشهداءعليه‌السلام ، سنذكرها فيما يلي.

مشروعية البكاء على سيّد الشهداءعليه‌السلام .

قال الكاتب : وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ، إنّما النياحة واللطم أمر من أُمور الجاهلية التي نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ، وأمر باجتنابها ، وليس هذا منطق أموي حتّى يقف الشيعة منه موقف العداء ، بل هو منطق أهل البيت ، وهو مروي عنهم عند الشيعة ، كما هو مروي عنهم أيضاً عند أهل

١٥٨

السنّة ، فقد روى ابن بابويه القمّي في من لا يحضره الفقيه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « النياحة من عمل الجاهلية »(١) .

إنّ إشكال القوم على الشيعة ، فيما يخصّ مراسيم إحياء ذكرى سيّد الشهداءعليه‌السلام محصورة في النقاط التالية :

أ ـ منع البكاء على الميّت مطلقاً.

واستدلّوا على ذلك : « وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه »(٢) ، وقد رواه ابن عمر ، ويرد عليه :

أوّلاً : لاشكّ ببطلان مثل هذا الادعاء ، خاصّة مع وضوح بكاء النبيّ يعقوب على ابنه يوسفعليهما‌السلام في قوله تعالى :( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (٣) .

ثانياً : إنّ عائشة لم تقبل بذلك ، وقد صرّحت بأنّ ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة ، وأنّ قوله هذا مخالف لقوله تعالى :( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (٤) ، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ، ومسلم في كتاب الجنائز.

ب ـ الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإعادة ذكر مصيبته في كُلّ سنة.

أوّلاً : يرد هذا الأمر بأنّ يعقوبعليه‌السلام قد أشكل عليه أبناؤه ، كما ينقل عنهم القرآن الكريم :( قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (٥) ، فقوله( تَفْتَأُ ) دليل على تكراره ذلك الأمر ، فحسب الشيعة فخراً أن تقتدي بأنبياء اللهعليهم‌السلام حينما يبكون على أوليائه.

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٧٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٨٥.

٣ ـ يوسف : ٨٤.

٤ ـ فاطر : ١٨.

٥ ـ يوسف : ٨٥.

١٥٩

ومكانة الحسين لا ينكرها إلاّ معاند ، فشأنه عند الله تعالى يتجلّى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون ، وعبّرت عن الغضب الإلهي على قتلتهعليه‌السلام ، وكذلك في الحديث الذي مرّ ذكره : من أنّ الله تعالى قد أوحى إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّه تعالى إذا كان قد انتقم لدم يحيىعليه‌السلام بقتل سبعين ألف ، فسوف ينتقم لدم الحسينعليه‌السلام بسبعين ألف وسبعين ألف.

ثانياً : وقد أجاب الإمام زين العابدينعليه‌السلام بما دلّ من القرآن على استمرار حزن يعقوب ، عند ردّه على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه ، كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسينعليه‌السلام عن كثرة بكائه ـ أي بكاء زين العابدينعليه‌السلام ـ فقال : «لا تلوموني فإنّ يعقوب فقد سبطاً من ولده ، فبكى حتّى ابيضت عيناه ، ولم يعلم أنّه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غزاة واحدة ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي »؟(١) .

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى ، فالأمر محبّب ، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم.

ج ـ النياحة :

وقد أورد نصّاً من كتب الشيعة يصف النياحة بأنّها من عمل الجاهلية ، ويرد عليه :

أوّلاً : إنّ هذه الرواية موجودة في مصادر السنّة قبل الشيعة ، ومع ذلك فإنّ من علماء السنّة من أجاز النياحة ، ولم يعتبر هذا النصّ مانعاً من جوازها ، وقد أقرّ ابن حجر بهذا الخلاف عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه : باب ما يكره من النياحة على الميّت :

« قال الزين بن المنير : ما موصولة ، ومن لبيان الجنس ، فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة ، والمراد بالكراهة كراهة التحريم ، لما

__________________

١ ـ حلية الأولياء ٣ / ١٦٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

ومنه يظهر أنّ تعريفهعليه‌السلام لتلك الفقرات هو تعريف خاصّ ، يجب ملاحظته في فهم كلامهعليه‌السلام في المقام.

٤ ـ وأخيراً : توجد في نفس نهج البلاغة كلمات وخطب أُخرى تصرّح باحتمال تواجد الحقّ مع القلّة ، مثل : «لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله »(١) ، أو« إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة »(٢) .

وعليه ، فيجب أن نفهم كلام الإمامعليه‌السلام في المقام بشكل يتّفق مع كلماته وخطبه في سائر الموارد.

( محمّد ـ أمريكا ـ )

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء :

س : إذا ثبتت مسألة كسر ضلع الزهراء عليها‌السلام عند علمائنا الأجلاّء ، فلماذا لم يرد ذكرها في نهج البلاغة؟ علماً أنّ الإمام علي عليه‌السلام ذكر معظم ما جرى له في حياته في خطبه المجموعة في نهج البلاغة؟

ج : أوّلاً : إنّ الشريف الرضيقدس‌سره جمع خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ورسائله وكلماته القصار ، وكان نظره إلى الجانب الأدبي والبلاغي في كلامهعليه‌السلام ، ولم يجمع كُلّ كلام الإمامعليه‌السلام ، حتّى أنّه لم يورد في بعض الأحيان الخطبة بأكملها ، بل أورد قسماً منها.

وعليه ، فلا يرد الإشكال إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في نهج البلاغة صريحاً ، مع أنّه أشارعليه‌السلام إلى مظلومية الزهراءعليها‌السلام بإشارات يفهمها اللبيب ، وبعبارات بليغة ، وجمل ظريفة ، حيث قالعليه‌السلام ـ عند دفن فاطمةعليها‌السلام ، كالمناجي به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند قبره ـ :

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٦١.

٢ ـ المصدر السابق ٩ / ٩٥.

٤٤١

« السَلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللهِ عَنّي وَعَن ابنَتِكَ النازِلَة في جِوارِكَ ، وَالسَريعَةِ اللِحاقِ بِكَ! قَلَّ يا رَسولَ الله عَن صَفِيّتِكَ صَبري ، وَرَقّ عَنها تَجَلُدي ، إلاّ أنَّ فِي التَأسّي لي بِعَظيمِ فُرقَتِكَ ، وَفَادِحِ مُصيبَتِكَ مَوضِعَ تَعَزّ ، فلقد وَسّدتُكَ في مَلحودةِ قَبرك ، وفاضَت بينَ نَحري وصَدري نفسُكَ ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فَلَقَد استُرجِعت الوَديعة ، وأخذتِ الرَهينة!

أمّا حُزني فَسَرمَدٌ ، وأمّا لَيلي فَمُسَهّدٌ ، إلى أن يَختارَ اللهُ لي دارك التي أنتَ بِها مُقيم ، وسَتُنَبئكَ ابنتُكَ بِتَضافُرِ أُمّتك عَلَى هَضمِها ، فَأحفِها السُؤالَ ، واستَخبِرها الحالَ ، هذا وَلَم يَطُلِ العَهدُ ، ولَم يَخلُ مِنكَ الذكر ، والسلام عليكما سَلامَ مُودّعٍ ، لا قالٍ ولا سَئمٍ ، فإن أنصَرِف فَلا عَن مَلالةٍ ، وَإن أُقِم فلا عَن سُوء ظَنّ بما وَعَدَ اللهُ الصابِرينَ »(١) .

وفي الختام ننبّهك إلى عدّة نقاط :

١ ـ ليست كُلّ الخطب قد وصلت إلينا ، لأنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ـ وعلى مرّ العصور ـ كانوا مظلومين مقهورين ، وفي حالة تقية ، وكذلك الأيادي الأثيمة دمّرت الكثير من تراث أهل البيتعليهم‌السلام .

وبناء عليه إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام الواصلة إلينا ، فإنّ هذا لا يعني أنّهمعليهم‌السلام لم يذكروا هذه المسألة في خطبهم ، بالأخصّ مع تصريحهمعليهم‌السلام إلى هذا المطلب في أحاديثهم ورواياتهم الواصلة إلينا.

٢ ـ إنّ مقام الخطبة غير مقام الكلام والحديث ، ففي الخطبة تراعى المسائل البلاغية والإشارات إلى المطالب التي لم يمكن التصريح بها ، لأنّ الخطبة تكون في الملأ العام ، وهذا بخلاف الأحاديث الخاصّة ، والتي تقال لخواص الأصحاب.

٣ ـ إنّ من أكثر المسائل التي حاول النواصب طمسها وامحاءها هي مسألة مظلومية الزهراءعليها‌السلام ، لأنّها المصداق البارز للتبرّي الذي بُني عليه التشيّع بعد

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٦٥.

٤٤٢

التولّي ، وكذلك هو الدليل القاطع على فضائح القوم ، فحاول الخصم بكُلّ جهده أن لا تصل هذه الحقائق.

فبعد هذا ، كُلّ ما وصل إلينا من مصاديق مظلومية الزهراءعليها‌السلام فهو من المعجزات ، وبسبب تضحيات العلماء ، الذين ضحّوا بكُلّ شيء لأجل إيصال هذه الحقائق.

( علي ـ ـ )

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية :

س : ناقشي صديق سنّي حول الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنّها لا صحّة لها لعدم وجود خلاف بين الإمام والخلفاء ، ولم تذكرها كتب علماء أهل السنّة القدماء ، فهل بإمكانكم تزويدي بمصادر الخطبة في كتب السنّة.

ج : إنّ الخطبة الشقشقية من خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام المشهورات ، وقد روتها العامّة والخاصّة ، وشرحوها ، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ، ولا طعن في أسانيدها.

وتكاد أن تكون هذه الخطبة هي الباعث الأوّل ، والسبب الأكبر لمحاولة تزييف نهج البلاغة بإثارة الشبهات الواهية حوله ، وتوجيه الاتهامات الباطلة لجامعه الشريف الرضي بوضعها ، وما علموا أنّ هذه الخطبة بالخصوص مثبّتة في مصنّفات العلماء المشهورة ، وخطوطهم المعروفة قبل أن تلد الرضي أُمُّه ، وإليك طائفة من علماء السنّة الذين رووها ، أو استشهدوا ببعض مقاطعها.

١ ـ الإنصاف في الإمامة لابن قبة الرازي ، كان من المعتزلة ، ومن تلامذة أبي القاسم البلخي شيخ المعتزلة ، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية.

٤٤٣

٢ ـ أبو القاسم البلخي الكعبي ، المتوفّى سنة ٣١٧ هـ ، إمام البغداديين من المعتزلة ، له تصانيف تضمّن بعضها كثيراً من الخطبة الشقشقية ، كما شهد لنا بذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(١) .

٣ ـ العقد الفريد لابن عبد ربّه المالكي ، المتوفّى سنة ٣٢٨ هـ ، كما نقل ذلك العلامة المجلسي في البحار(٢) .

ويؤيّد ما نقله المجلسي : أنّ القطيفي ـ في كتاب الفرقة الناجية ـ نصّ على أنّها في الجزء الرابع من العقد الفريد ، ثمّ جاءت الأيدي الأمينة على ودائع العلم! فحذفتها عند النسخ أو عند الطبع ، وكم لهم من أمثالها.

٤ ـ المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، المتوفّى ٤١٥ هـ.

٥ ـ نثر الدرر ، وكتاب نزهة الأديب للوزير أبي سعيد الآبي ، المتوفّى ٤٢٢ هـ.

٦ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي(٣) .

٧ ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي : ١٣٣.

هذا ، وأنّ كتب الأدب ومعاجم اللغة ، لا تخلو من ذكر الخطبة الشقشقية :

أ ـ مجمع الأمثال للميداني ١ / ٣٦٩.

ب ـ النهاية لابن الأثير(٤) .

ج ـ لسان العرب لابن منظور في مادّة شقشق(٥) .

د ـ تاج العروس للزبيدي(٦) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٠٥.

٢ ـ بحار الأنوار ٢٩ / ٥٠٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٥١.

٤ ـ النهاية لابن الأثير ٢ / ٤٩٠.

٥ ـ لسان العرب ١٠ / ١٨٥.

٦ ـ تاج العروس ٦ / ٣٩٨.

٤٤٤

( يوسف العاملي. المغرب )

حول عبارة خطرك يسير :

س : جاء في نهج البلاغة في باب حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام عبارة هي : وخطرك يسير ـ أي الدنيا ـ ووجدت في كتاب آخر : وخطرك كبير ، فما هو الأصل؟

ج : بحسب المصادر الموجودة عندنا العبارة المذكورة هكذا : « وخطرك يسير »(١) ، ووردت عبارة : « وخطرك حقير »(٢) ، كنسخة أُخرى من عبارة : خطرك يسير.

نعم ، ووردت عبارة : « وخطرك كبير » في بعض المصادر(٣) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٢٤ ، خصائص الأئمّة : ٧١ ، روضة الواعظين : ٤٤١ ، شرح الأخبار ٢ / ٣٩٢ ، مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٧١ ، عدة الداعي : ١٩٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٤ / ٤٠١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٣٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٢٦.

٣ ـ كشف الغمّة ١ / ٧٦ ، بحار الأنوار ٧٥ / ٢٣.

٤٤٥
٤٤٦

الوحدة الإسلامية :

( عبد الحميد صالح المعراج ـ السعودية ـ )

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول :

س : كيف يتمّ التقريب بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي؟ بحيث نتوصّل إلى وحدة باطنية ووحدة ظاهرية ، حيث يتمّ الإقناع لكُلّ من السنّي والشيعي ، بحيث لا يبقى مجال لينكر أحدهما على الآخر ، وبالتالي يعيش كُلّ منهما في سعادة واطمئنان وسلام.

ج : إنّ التمسّك بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الحلّ الوحيد لإيجاد التقريب ، والتوصّل إلى الوحدة الباطنية ، وذلك يتمّ ببحث أُمور :

١ ـ ما هي وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأُمّته؟ الجواب : حديث الثقلين.

٢ ـ هل جاء في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » أو « الكتاب والسنّة »؟ الجواب : ورد في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » ، كما ورد به الكثير من الأخبار الصحيحة في الصحاح والمسانيد المعتبرة(١) ، وأمّا ما ورد من الوصية

__________________

١ ـ أُنظر : فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة

٤٤٧

بالكتاب والسنّة ، فهو حديث ضعيف صرّح بضعفه كبار محدّثي علماء القوم(١) .

٣ ـ من هم أهل البيت؟ الجواب : ورد في تفسير آية التطهير أنّهم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٤ ـ هل النساء من أهل البيت؟ حيث يستدلّ بسياق الآية على دخولهن في مصداق أهل البيت؟ الجواب : السياق حجّة إذا لم يرد دليل آخر يخالفه ويخرجه عن السياق ، ولكن الروايات المعتبرة خصّصت أهل البيت بهؤلاء ، وأخرجت غيرهم ، حيث أنّ أُمّ سلمة سألت النبيّ : وأنا منهم؟ فأجاب : «إنّك على خير »(٢) .

وبعد كُلّ هذا ، فإنّ التمسّك بوصية النبيّ لأُمّته خير طريق لإيجاد الوحدة.

( عمر بن محمّد ـ السعودية ـ سنّي )

مطلوبة بين المسلمين :

س : الحقيقة أنّكم إخواننا في الإسلام ، ونحن الآن في عصر العولمة والتقدّم ، ولعلّنا نستفيد من هذا التقدّم بدفع عجلة الانصهار الطائفي إلى الأمام ، أعني لابدّ للشيعة والسنّة أن يكونوا على قلب واحد لمواجهة الآفة الكبرى أمريكا وإسرائيل ، نحن يا أخواني نعبد الله ، ونحجّ ونصوم ، وقبلتنا

__________________

النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية لابن الأثير ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

١ ـ كنز العمّال ١ / ١٨٧ ، العلل ١ / ٩ ، الضعفاء الكبير ٢ / ٢٥١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٦٩.

٢ ـ مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٥٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ١١٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٤٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٣.

٤٤٨

واحدة ، وأنا في الحقيقة يا إخواني لا أفرّق بين المذهبين ، لماذا هذا التراشق والتشكيك بالدين بينكم وبين السنّة؟

أتمنّى أن يأتي اليوم الذي نكون به في خندق واحد ضدّ أمريكا واليهود ، دعونا نعمل للأجيال القادمة ، نزرع لهم الحبّ والوآم قبل أن نزرع الحقد.

في عام ١٩٤٨ م دفعت السفارة البريطانية للكتّاب من الشيعة والسنّة لتأليف كتب معادية للطرفين ، والهدف هو إشعال الفتنة بين المسلمين ، نتمنّى من الله العزيز الحكيم أن يصفّي القلوب ، وتذوب الشوائب ، ويرتفع علم الإسلام خفّاقاً رغماً عن أمريكا ، مع تحياتي للجميع.

ج : نحن نعتقد بالوحدة الإسلامية ، وأنّ المسلمين بأمسّ الحاجة إلى التقارب والاتحاد ، بالأخصّ في وقتنا الحاضر ، ولكن هذا لا يعني ترك الحوار الهادئ الهادف للوصول إلى الحقيقة في المسائل العلمية ، فإنّ الأُمم والحضارات والمدارس الفكرية لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الترقّي إلاّ بالتقارب الفكري والحوار الهادف.

فالوحدة مطلوبة ، والحوار الهادف مطلوب أيضاً ، بشرط أن لا يخرج الحوار عن أُسسه العلمية.

( رضا ـ البحرين ـ )

تتحقّق بالحوار الهادف :

س : ما هو رأيكم في التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ وما هو المطلوب ، تقريب المذاهب أم توحيدها؟ وما الذي يترتّب على ذلك؟

ج : الآية القرآنية الواردة في الوحدة :( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (١) ، ورد في تفسيرها عند الشعية والسنّة : أنّ المراد بحبل الله هو الكتاب والعترة ، وذلك يفهم بوضوح عند مراجعة حديث الثقلين المتواتر : «إنّي

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٣.

٤٤٩

تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ».

فالوحدة الحقيقية : التمحور حول الكتاب والعترة ، والتمسّك بهما ، وأخذ معالم الدين منهما ، ولا يمكن أن نفرّق بينهما «لن يفترقا » ، ولن تفيد التأبيد ، يعني إلى يوم قيام الساعة.

هذا ، وإنّ العقل يحتّم على جميع المسلمين : أن يتركوا المنابزات بالألقاب ، والسباب والشتائم ، وكُلّ شيء يكون سبباً للنفرة ، ويتّحد المسلمون في قبال العدو المشترك ، الذي لا يفتأ عن العمل للإحاطة بالمسلمين.

ومع كُلّ هذا ، فإنّ الاختلاف في الرأي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها ، ولكن كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟

الوحدة الإسلامية والتقارب يحتّمان على الجميع ، أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ لبحث الاختلافات قربة إلى الله تعالى ، متجنّبين عن كُلّ ما يسبّب النفرة ، فإن توصّلوا إلى حلّ فهو المطلوب ، وإلاّ فالاختلاف لا يفسد للودّ قضية.

فالوحدة والتقارب يعني ترك النزاع والالتجاء إلى البحث العلمي الموضوعي المبتني على أُسس علمية.

( أُسامة ـ الأردن ـ سنّي )

لتحقيقها نظرتان :

س : الأحبة في الله ، أعرّفكم بنفسي ، فأنا شافعي من مدرسة فقهية مجدّدة في الأردن ، معجب بجهودكم المباركة ، مبغض لكُلّ نصب وتجسيم وتفريق بين المسلمين ، تخلّصت بفضل الله من التعصّب ، غير أنّي أتمنّى منكم بيان جهودكم في التقريب.

أرجو أن تواصلوني بنصائحكم من أجل توصيل الفائدة للسنّة المعتدلين.

٤٥٠

ج : إنّ للتقريب نظرتان : نظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ، ويتركوا فيما اختلفوا فيه لا يبحثونه بالمرّة ، ونظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ويكون سبباً لتقاربهم ، وأمّا فيما اختلفوا فيه فيجلسون على طاولة الحوار الهادف الهادئ متقرّبين بذلك إلى الله تعالى فيتحاوروا ، فإذا توصّلوا إلى نتيجة فيما اختلفوا فيه فهو المطلوب ، وإذا لم يتوصّلوا إلى حلّ فيما اختلفوا فيه ، فتبقى إخوتهم ومحبّتهم ويواصلوا الحوار.

وهذه النظرية الثانية هي التي يركّز عليها المركز ، وبنى منهجه على وفقها ، وكلّنا أمل في أن يدوم الاتصال فيما بيننا.

٤٥١
٤٥٢

الوضوء :

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه :

س : طالعت كتاب الغارات للثقفي ، فوجدت فيه طريقة الوضوء ، فكان الحديث عن الإمام علي عليه‌السلام يشرح فيه طريقة الوضوء ، وفي الحديث طريقة الوضوء جاءت مطابقة لطريقة وضوء أهل السنّة ، فما هي الحقيقة حول هذا الحديث؟

ج : إنّ الرواية المذكورة في كتاب الغارات لا يمكن الاعتماد عليها(١) ، وذلك لمعارضتها لروايات متواترةٍ صحيحة تصف الوضوء على طريقة الإمامية المتعارفة المتبعة ، لذا فهي ساقطة عن الاعتبار ، وقد روى هذه الرواية الشيخ المفيدقدس‌سره في أماليه بنفس السند(٢) ، إلاّ أنّ نصّها يؤكّد طريقة وضوء الإمامية خلاف النصّ الوارد في كتاب الغارات ، ممّا جعل المحقّق النوريقدس‌سره ـ صاحب المستدرك على الوسائل ـ أن يعتبر ما ورد في نصّ كتاب الغارات هو من تصحيف العامّة ، أي من تحريفهم(٣) .

لذا فلا طعن في سندها ، إلاّ أنّ نصّها مخالف لروايات متواترة تعارضها ، وبذلك فلا يعتنى بهذه الرواية ولا الأخذ بها ، فإنّ وضوء الإمامية قد وردت فيه روايات صحيحة صريحة متواترة فضلاً عن إجماع الطائفة دون معارض.

__________________

١ ـ الغارات ١ / ٢٤٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٢٦٠.

٣ ـ مستدرك الوسائل ١ / ٣٠٦.

٤٥٣

( الكويت ـ ـ )

كيفيته :

س : كيف يتم الوضوء؟

ج : إنّ الوضوء يتمّ بعدّة أُمور :

أوّلاً : غسل الوجه ، ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً ، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ، والابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل ، ولا يجوز العكس.

ثانياً : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولا يصحّ العكس.

ثالثاً : مسح مقدّم الرأس بما بقي من بلل اليد ، بمقدار ثلاثة أصابع مضمومة عرضاً ، وقدر إصبع طولاً ، وأن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل بباطن الكفّ اليمنى.

رابعاً : مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين.

( سامي مراد ـ الكويت ـ )

غسل اليد من المرفق :

س : قال الله تعالى في آية الوضوء :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (١) .

فأرجو أن توضّحوا لي : لماذا يكون وضوؤنا إلى الأصابع؟ وليس إلى المرافق؟ كما في الآية ، أي إنّنا عندما نريد أن نتوضّأ نغسل أيدينا من المرافق إلى الأصابع؟

ج : قال تعالى :( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ، والأيدي جمع يد ، وهي العضو الخاصّ الذي به القبض والبسط والبطش وغير ذلك ، وهو : ما

__________________

١ ـ المائدة : ٦.

٤٥٤

بين المنكب وأطراف الأصابع ، وبما أنّ المعظم من مقاصد اليد تحصل بما دون المرفق إلى أطراف الأصابع ، سُمّي هذا المقطع باليد أيضاً ، فصار اللفظ بذلك مشتركاً ، كالمشترك بين الكلّ والأبعاض ، وهذا الاشتراك هو الموجب لذكر القرينة المعيّنة إذا أُريد به أحد المعاني ، ولذلك قيّد تعالى قوله :( وَأَيْدِيَكُمْ ) بقوله :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) ، ليتعيّن أنّ المراد غسل اليد التي تنتهي إلى المرافق.

فتبيّن : أنّ قوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله :( أَيْدِيَكُمْ ) ، فيكون الغسل المتعلّق بها مطلقاً غير مقيّد بالغاية ، يمكن أن يبدأ فيه من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وهو الذي يأتي به الإنسان طبعاً إذا غسل يده في غير حال الوضوء من سائر الأحوال ، أو يبدأ من أطراف الأصابع ويختم بالمرفق ، لكن الأخبار الواردة من طريق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تفتي بالنحو الأوّل دون الثاني ، وبعبارة أسهل نقول :

١ ـ إنّ لفظ الأيدي في الآية الشريفة مشترك بين كونه ما بين المنكب وأطراف الأصابع ، أو ما بين المرفق وأطراف الأصابع.

٢ ـ هذا الاشتراك يحتاج إلى قرينة تعيّنه.

٣ ـ قوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قرينة على تعيين المراد من اليد ، فقوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله تعالى :( وَأَيْدِيَكُمْ ) ، لا قيداً لقوله تعالى :( فاغْسِلُواْ ) ، ولا معنى لكونه قيداً لهما جميعاً.

٤ ـ وبعد هذا ، فإنّ الآية غير ناظرة إلى أنّ الغسل من أين يبدأ فيه ، فحينئذ يرجع فيه إلى السنّة.

٥ ـ إنّ الأُمّة أجمعت على صحّة وضوء من بدأ في الغسل بالمرافق وانتهى إلى أطراف الأصابع ، وهذا يؤيّد مدّعانا من الاستفادة من الآية القرآنية.

٤٥٥

( جنيد عباس ـ غانا ـ )

كيفية وضوء رسول الله :

س : من فضلكم كيف كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ؟ لأنّي أرى بعض المسلمين يفعلون شيئاً ، وآخرون يفعلون شيئاً آخر ، لذلك أُريد البيان الكامل منكم.

ج : روى الشيخ الكلينيقدس‌سره عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفرعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا بطشت ، أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى ، فغرف بها غرفة ، فصبّها على وجهه ، فغسل بها وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليسرى ، فغرف بها غرفة ، فأفرغ على ذراعه اليمنى ، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ ، لا يردّها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفّه اليمنى ، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق ، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً(١) .

__________________

١ ـ الكافي ٣ / ٢٥.

٤٥٦

وطئ الزوجة من الدبر :

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

محلّ نقاش عند أهل السنّة :

س : في البداية أودّ أن أقول : بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تخفى عليّ أنا ، المهمّ أحبّ أن أقول : بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن أحبّ أن أوضّح لكم بعض الأُمور ، أنا اقتنعت من مذهب الشيعة ، حيث أنّني فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم الله خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

المهمّ أنّ موضوعي ليس زواج المتعة ، بل هو بعض الفتاوى التي تصدر من مراجع الشيعة ، مثل ما يلي : علماء الشيعة يجوّزون في الزواج أن يدخل الرجل بزوجته من الدبر ، وهذا متّفق عليه عند المراجع كُلّهم ، أنا أعلم بأنّه مكروه كراهية شديدة ، والمرأة إن رفضت لا تعتبر ناشزة ، ولكن هل هذا جائز فعلاً؟ أعني بذلك أنّه هل توجد أدلّة تبيّن لنا ـ نحن الباحثون عن الحقّ ـ لماذا هذا جائز عند الشيعة ، وليس جائز عند السنّة؟

وهل يوجد من علماء السنّة من الأوّلين إلى الآن ، من جوّز الدخول على المرأة من الدبر؟ وإن كان يوجد فأرجو ذكر أسمائهم ، حيث أنّه هناك آية قرآنية تبيّن فيها أن تأتي المرأة من ما أمرنا الله ، أو ليس هذا اجتهاد مقابل النصّ

٤٥٧

القرآني؟ أرجو التوضيح ، لأنّ الشيعة هم ينادون بأنّهم يندّدون ويبغضون من يجتهد مقابل النصّ ، مثل عمر بن الخطّاب.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم أذكره أجد فيه غرابة واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التام للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إن شاء الله تعالى.

ج : إنّ موضوع إتيان النساء في أدبارهنّ مختلف فيه عند الشيعة ، فمنهم من يفتي بكراهته ، ومنهم من يحرّمه ، ولكُلّ من الفريقين أدلّة ونصوص قرآنية وروائية لا مجال لنا أن نتعرّض لسردها وتأييدها أو ردّها ، ولكن نشير إلى الآية التي ذكرتموها ، وهي :( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (١) ، فلا يظهر المراد منها على وجه تختصّ بالقُبل ، كما هو ظاهر للمتأمّل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حلّية مطلق الإتيان ، ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض.

ثمّ إنّ المتتبّع المنصف يرى أنّ الموضوع هو محلّ النقاش عند السنّة أيضاً ، فعلى سبيل المثال نذكر هنا هذه الرواية التي تجوّز هذا الأمر عندهم : عن أبي سعيد : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزّ وجلّ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (٢) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٢.

٢ ـ البقرة : ٢٢٣.

٤٥٨

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أنّ وطئ المرأة في دبرها جائز ، واحتجّوا في ذلك بهذا الحديث ، وتأوّلوا هذه الآية على إباحة ذلك(١) .

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : السلام عليكم يا أتباع الحقّ ، في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول الله ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

ولكن مشكلتي هي أنّني لا أملك الوقت الكامل لأطّلع على الكتب التي وضعتم عناوينها ورقم صفحاتها ، وذلك بسبب عملي الطويل وبقائي خارج البيت ، وهذا الموضوع بالنسبة لي مهمّ جدّاً ، فلو تكرّمتم أن تكتبوا لي النصوص الموجودة في الكتب السنّية التي ذكرتموها عن إتيان المرأة في الدبر.

__________________

١ ـ شرح معاني الآثار ٣ / ٤٠ ، جامع البيان ٢ / ٥٣٧ ، فتح الباري ٨ / ١٤١ ، فيض القدير ١ / ٨٨ ، نيل الأوطار ٦ / ٣٥٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٢٦٥ ، فتح القدير ١ / ٢٢٩.

٤٥٩

ج : نذكر لكم بعض النصوص المشار إليها في جوابنا لكم ؛ ففي مجال إتيان النساء في أدبارهنّ ، أخرج البخاري عن ابن عمر في آية( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (١) ، أنّه قال : يأتيها في الدبر(٢) .

ونقل الطبري عن نافع قال : « كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلّم ، قال : فقرأت ذات يوم هذه الآية( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فقال : أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهنّ »(٣) .

وعن أبي سعيد الخدري : « أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، وعلّقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد : وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور »(٤) .

وعن أبي سعيد الخدري قال : أبعر رجل امرأته على عهد رسول الله ، فقالوا : أبعر فلان امرأته ، فأنزل الله( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) (٥) .

وعن مالك قال : « ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثمّ قرأ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ، قال : فأيّ شيء أبين من هذا وما أشكّ فيه »(٦) .

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنّه مباح(٧) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٣.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٦٠ ، فتح الباري ٨ / ١٤١ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٤.

٣ ـ جامع البيان ٢ / ٥٣٥ ، صحيح البخاري ٥ / ١٦٠ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٣ ، أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٣٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٩١ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٦٩.

٤ ـ فتح الباري ٨ / ١٤٢.

٥ ـ مسند أبي يعلى ٢ / ٣٥٥.

٦ ـ أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٤٢٦ ، المجموع ١٦ / ٤٢٠ ، المغني لابن قدامة ٨ / ١٣١ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٥ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٧٢.

٧ ـ الدرّ المنثور ١ / ٢٦٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667