موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310521 / تحميل: 7161
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

.........................................

____________________________________

عليه الأحاديث الشريفة(١) .

٢ ـ العمل بما يلازم الانتظار من إصلاح النفس ، والتمسّك بتكاليف الدين والدعاء للفرج ، والإستعداد لنصرة الإمام عليه السلام كما يستفاد من الأحاديث المباركة(٢) .

٣ ـ العلم بأنّ نفس هذا الانتظار والحالة الانتظارية في الإنسان المؤمن مطلوب مرغوب ، مُثاب عليه شرعاً كما يستفاد من الأحاديث المرويّة(٣) .

وحبّذوا لو كان الدعاء لتعجيل فرجه ـ مقروناً بأن يجعلنا من أعوانه وأنصاره ـ بالأدعية المأثورة الواردة عنهم صلوات الله عليهم ، مثل دعاء يونس ابن عبد الرحمن عن الإمام الرضا عليه السلام الذي رواه شيخ الطائفة في المصباح(٤) .

وهكذا صلاة ودعاء الفرج لتعجيل فرجه الشريف(٥) .

ويستحسن في المقام دراسة كتاب مكيال المكارم لإستقصاء معرفة فوائد الدعاء للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف والأدعية الواردة له عليه السلام.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٣٦ ح ١ ، وص ٣٦٨ ح ٢ ـ ٧.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٣٣٥ ح ١ ـ ٥.

(٣) إكمال الدين : ص ٦٤٤ ب ٥٥ الأحاديث.

(٤) مصباح المتهجّد : ص ٤٠٩.

(٥) منتخب الأثر : ص ٥٠١.

٢٤١

الْمَعْصُومُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ من العصمة التي هي في اللغة بمعنى الوقاية والمنع والدفع والحفظ والحماية ، وعرّفت بأنّها هي : «الروحية القدسيّة المانعة عن مخالفة التكاليف اللزومية شرعية وعقليّة مع القدرة عليها».

وفُسّر المعصوم في بيان أهل العصمة بأنّه هو : «الممتنع بالله عن جميع محارم الله» كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام(١) .

وأهل البيت عليهم السلام معصومون من الذنوب الكبائر والصغائر ، ومحفوظون من السهو والخطأ والنسيان ، ومبرّؤون من العيوب والأدناس والأرجاس في مدّة عمرهم الشريف من زمن الطفولية إلى نهاية الحياة الدنيوية.

وهذا البحث من أهمّ مباحث الإمامة والخلافة ، بل من أهمّ مباحث النبوّة ، إذ العصمة من أهمّ مميّزات النبي وخليفته ، وممّا يلزم وجوده فيهما حتّى يكون كفيلاً بعدم الخطأ ، وضميناً لسعادة الاُمّة إلى الأبد.

وقد ذكرنا هذا البحث مفصّلاً في اُصول العقائد ، وبرهَنّا على لزوم عصمة الإمام كبروياً ، ثمّ وجود العصمة في أئمّة الهدى صغروياً.

وبيّنا الأدلة الأربعة على عصمة أهل البيت المعصومين الإثنى عشر سلام الله عليهم أجمعين ولا نكرّر فراجع(٢) .

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٣٢ ح ٢.

(٢) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص ٣١٧.

٢٤٢

الْمُكَرَّمُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ جمع المكرّم ، مأخوذ من الكَرَم ، والكرم ضدّ اللؤم.

وفُسّر الكرم بالنفع الكثير ، والكريم صفة لكلّ ما يُرضى ويُحمد من الاُمور فيقال : القرآن الكريم ، والإنسان الكريم ، والوجه الكريم ، والجوهر الكريم ، بمعنى المحمود المرضي.

والمكرّمون هم أهل البيت عليهم السلام الذين كرّمهم الله تعالى ذاتاً وصفاتاً ، وأقوالاً وأفعالاً وأحوالاً ، فكانوا عليهم السلام مرضيين محمودين من جميع هذه الجهات.

وقد تكرّم الله تعالى عليهم بنورانية المبدأ والعصمة والطهارة ، والعلم والمعرفة والولاية والإمامة ، وجميع الكرامات والاُمور المحمودة المرضيّة ، مادّية ومعنوية ، دنيويّة واُخروية ، بحيث آتاهم الله ما لم يؤت أحداً من العالمين ، وجعلهم أفضل الخلق أجمعين.

ولقد كرّم الله بني آدم ، وأكرم من بينهم محمّداً وآله الطاهرين بأسمى آيات الكرامة ، وفضّلهم حتّى على أنبيائه المرسلين وملائكته المقرّبين ، حيث كانوا لذلك من اللائقين.

وقد تقدّم دليل كرامتهم في حديث تفسير قوله تعالى :( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) بأهل البيت عليهم السلام وأنّه أومأ الإمام الباقر عليه السلام بيده إلى صدره عند تلاوة هذه الآية الشريفة(١) .

ولقد عمّت كراماتهم الدنيا والآخرة ، وكانت من العيان المستغنى عن البيان ، وجدانية للأولياء والأعداء.

وتلاحظ نبذة منها في أحاديث معاجزهم في الدنيا ودرجاتهم في الاُخرى(٢) .

بل كُرّمت أرواحهم في الخِلقة الاُولى ، كما سيأتي بيانه في فقرة «خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين».

__________________

(١) تفسير البرهان : ج ٢ ص ٦٨٦ ، كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٠٤.

(٢) لاحظ بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٥٩ ح ١٠ ، وص ٢٧٢ ح ٥٤ ، وج ٢٧ ص ١٠٧ ح ٨٠.

٢٤٣

الْمُقَرَّبُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ المقرّبون من القرب بمعنى الدنوّ ، مقابل البُعد.

وجاء القرب هنا بمعنى قُرب المكانة والقدر والمنزلة.

وأهل البيت عليهم السلام مقرّبون عند الله تعالى قُرباً معنوياً في منزلتهم ومكانتهم وقدرهم ، فإنّ لهم ولجدّهم المحلّ الأعلى ، والدرجة الزلفى ، والمرتبة الأرقى عند الله تعالى ، بحيث لا يدانيهم ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، ولا مؤمن ممتحن.

فكانوا أقرب إلى الله من كلّ من كان له قرب وجاه وشأن عند الله تعالى.

وفي حديث طارق بن شهاب المتقدّم عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «إنّ الإمام جسد سماوي ، وأمرٌ إلهي ، وروح قدسي ، ومقام عليّ ...».

وقال أيضاً : «هذا كلّه لآل محمّد لا يشاركهم فيه مشارك ...».

وأنّ الأئمّة عليهم السلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله «... أولياء الله المقرّبون ، وأمره بين الكاف والنون»(١) .

__________________

(١) مقدّمة مرآة الأنوار : ص ٥٠ ، بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٦٩ ب ٤ ح ٣٨.

٢٤٤

الْمُتَّقُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ مرّ في الفقرة الشريفة «وأعلام التُّقى» بيان معنى وحقيقة التقوى مفصّلاً ، وذكرنا أنّ التقوى لغةً بمعنى : التحذّر والخشية.

وعرفاً بمعنى صيانة النفس عمّا يضرّها.

ولها مراتب ثلاثة هي :

١ / تصحيح العقائد.

٢ / فعل الواجبات ، وترك المحرّمات.

٣ / التجنّب عن كلّ ما يُشغل القلب عن الحقّ.

وجُمعت معانيها في الحديث الصادقي الشريف : «أن لا يفقدك حيث أمرك ن ولا يراك حيث نهاك»(١) .

وأهل البيت سلام الله عليهم أبرز أمثلة التقوى وأعلى سادات المتّقين. وفي حديث المفضّل ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) (٢) قال :

«هي في علي وأولاده وشيعتهم ، هم المتّقون ، وهم أهل الجنّة والمغفرة»(٣) .

وهم رمز التُّقى وكلمة التقوى التي ألزمها الله تعالى على المؤمنين في قوله تعالى :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (٤) . كما تلاحظه في أحاديث تفسيره الشريفة.

ففي أمالي الصدوق رحمه الله بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله قال : «إنّ الله عهد إليّ في علي [بن أبي طالب] عليه السلام عهداً.

__________________

(١) سفينة البحار : ج ٨ ص ٥٥٨.

(٢) سورة محمّد : الآية ١٥.

(٣) تفسير فرات الكوفي : ص ٤١٧.

(٤) سورة الفتح : الآية ٢٦.

٢٤٥

.........................................

____________________________________

قلت : يا ربّ بيّنه لي.

قال : اسمع.

قلت : قد سمعت.

قال : إنّ عليّاً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أطاعه أطاعني»(١) .

وفي كتاب الخصال : عن عبد الله بن عبّاس قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله فينا خطيباً ، فقال في آخر خطبته : «نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى»(٢) .

وفي كتاب التوحيد ، باسناده إلى أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : «أنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى»(٣) .

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٣٨٦ ح ٢٣ ، بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ١٠٤ ب ٦١ ح ٢٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٨٤ ب ٥٠ ح ٢٣ ، الخصال : ص ٤٣٢ ح ١٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤ ص ٨ ب ١ ح ١٨ ، التوحيد : ص ١٦٤ ح ٢.

٢٤٦

الصّادِقُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ جمع الصادق من الصدق ضدّ الكذب ، والصادق هو الذي لا يكذب ، والصادقون هم الذين صدقوا في دين الله نيّة وقولاً وعملاً(١) .

وأتمّ مصاديقه أهل بيت العصمة سلام الله عليهم الذين صدقوا في دين الله نيّة وقولاً وفعلاً ، وصدقوا في عهودهم المأخوذة عليهم من الله تعالى ووفوا بها ، ولازموا الصدق حتّى كانوا من الصدّيقين ، وصدّقوا النبي من عالم النور(٢) .

وفي حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٣) .

قال : «الصادقون هم الأئمّة ، والصدّيقون بطاعتهم»(٤) .

وأمير المؤمنين عليه السلام (هو الصدّيق الأكبر) كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله(٥) .

وفاطمة الزهراء عليها السلام (هي الصدّيقة الكبرى) كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام(٦) .

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٤٣٧.

(٢) لاحظ معاني صدقهم في مرآة الأنوار : ص ١٤٤.

(٣) سورة التوبة : الآية ١١٩.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٨ ح ٢.

(٥) كتاب سليم بن قيس الهلالي : ج ٢ ص ٨٨١.

(٦) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١٠٥ ب ٥ ح ١٩.

٢٤٧

الْمُصْطَفَوْنَ (١)

____________________________________

(١) ـ جمع المصطفى ، من الاصطفاء بمعنى الاختيار.

وصفوا الشيء : خالصة ، وخياره ، وجيّده ، وأحسنه ، فالمصطفى هو المختار الخالص الجيّد.

وأهل البيت عليهم السلام هم الذين اصطفاهم الله تعالى واجتباهم واختارهم على العالمين.

وقد تقدّم في «صفوة المرسلين» أنّهم المصطفون من آل إبراهيم في قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) .

وهم المصطفون من جميع عباد الله كما يستفاد من قوله تعالى :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٢) .

كما تلاحظ أحاديث تفسيره في الكنز(٣) .

وورد في حديث أبي حمزة الثمالي ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله : «إنّ الله تعالى قال في الأئمّة الهداة : لقد اصطفيتهم وإنتجبتهم وأخلصتهم ، وإرتضيتهم ، ونجّي من أحبّهم ووالاهم وسَلَّم لفضلهم»(٤) .

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٣٣.

(٢) سورة فاطر : الآية ٣٢.

(٣) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٥٦٤.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٨ ح ٤.

٢٤٨

الْمُطيعُونَ للهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الطاعة والإطاعة في أصل اللغة بمعنى الإنقياد.

وإطاعة الله هي الإذعان به ، والإنقياد له ، وإمتثال ما أراده.

والمطيعون لله تعالى بالإطاعة التامّة الكاملة هم الرسول والعترة صلوات الله عليهم.

والدليل على طاعتهم العليا هي عصمتهم الكبرى.

وقد ورد في زيارة صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه : «أشهد يا مولاي أنّكم المطيعون لله»(١) .

وقد أطاعوا الله العزيز في جميع أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم وفي كل ما أراده منهم حتّى بذلوا أنفسهم وأموالهم وأرواحهم وأبدانهم في سبيله ، وصبروا على عظيم البلاة لرضاه ، وقاتلوا حتّى قُتلوا ، واضطهدوا حتّى استشهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله وإقامة دينه.

ويدلّ على طاعتهم قوله تعالى :( يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٢) ـ(٣) .

وفي دعاء الزيارة الحسينية المباركة : «لم يعصك في ليل ولا نهار»(٤) .

كما يدلّ عليه ويشهد به تتبّع أحوالهم ، واستقراء سيرتهم ، والتعرّف على عباداتهم والإطّلاع على مصائبهم ومحنهم في أحاديث الخاصّة والعامّة وكتب التاريخ والسير ، ويكفيك في ذلك ما تحمّله أمير المؤمنين عليه السلام من الألم في سبيل

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٨١.

(٢) سورة الأنبياء : الآية ٢٧.

(٣) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٠٤.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٠١ ص ٢٢٥ ب ١٨ ح ٣٤.

٢٤٩

.........................................

____________________________________

طاعة الله ورسوله الذي تقدّم عن كتاب ابن دأب(١) .

وتلاحظ ما شهد به ابن أبي الحديد حيث قال :

(وأمّا العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاةً وصوماً ، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد وقيام النافلة وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يبسط له نطع بين الصفّين ليلة الهرير فيصلّي عليه وِرده ، والسهام تقع بين يديه ، وتمرّ على صماخيه يميناً وشمالاً ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته! وما ظنّك برجلٍ كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده)(٢) .

قال السيّد الهمداني : (حقيقة الطاعة عبارة عن صَرِف العبد جميع ما آتاه في إرادة الله من نفسه ، وملكاته ، وتمام جوارحه وإضافاته.

ولم يتحقّق ذلك ، ولا يتحقّق من عبد بالنسبة إلى مولاه إلاّ من محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله بالنسبة إلى الله تعالى)(٣) .

__________________

(١) الإختصاص : ص ١٥٨.

(٢) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٧.

(٣) الشموس الطالعة : ص ٢٦٣.

٢٥٠

الْقَوّامُونَ بِاَمْرِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ القوّامون : جمع القوّام : مبالغة وتكثير في القائم المتولّي للأمر.

والقَوّام بأمرٍ : هو القائم به مع الثبات والمواظبة ، والجدّ والتجلّد ، والذي أتى به وأدّاه حقّ الأداء ، مُوفياً بحقّه ، كما يستفاد من اللغة.

وفسّر القوّامون في قوله تعالى :( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) (١) بمعنى دائمين على القيام بالعدل ، في القول والفعل.

وأهل البيت عليهم السلام قوّامون بأمر الله تعالى الذي هو أمر الإمامة ، أو الأعمّ من ذلك ، كما أفادته الأحاديث الشريفة مثل :

١ ـ حديث عبد العزيز بن مسلم ، عن الإمام الرضا عليه السلام الذي ورد فيه توصيف الإمام بأنّه : «قائم بأمر الله جعله الحجّة على عباده ، وقيّمه في بلاده»(٢) .

٢ ـ حديث أبي حمزة الثمالي ، عن الإمام الباقر عليه السلام : قال فيه : كنت عند أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام ذات يوم فلمّا تفرّق من كان عنده قال لي : «يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا ، فمن شكّ فيما أقول لقي الله وهو به كافر وله جاحد.

ثمّ قال : بأبي واُمّي المسمّى باسمي ، والمكنّى بكنيتي ، السابع من بعدي ، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

وقال : يا أبا حمزة من أدركه فلم يسلّم له فما سلّم لمحمّد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام ، وقد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النار ، وبئس مثوى الظالمين

وأوضح من هذا بحمد الله وأنور وأبين وأزهر لمن هداه الله وأحسن إليه ، قول الله تعالى في محكم كتابه :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ

__________________

(١) سورة النساء : الآية ١٣٥.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠٢ ح ١.

٢٥١

.........................................

____________________________________

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (١) .

ومعرفة الشهور : المحرّم ـ لا يكون ديناً قيّماً ، لأنّ اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل والناس جميعاً من المنافقين والمخالفين يعرفون هذه الشهور ويعدّونها بأسمائهم. وإنّما هم الأئمّة عليهم السلام القوّامون بدين الله ، والحرم منها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي اشتقّ الله تعالى له إسماً من إسمه العلي ، كما اشتقّ لرسول الله صلى الله عليه وآله إسماً من إسمه المحمود ، وثلاثة من ولده أسماؤهم علي : علي بن الحسين ، وعلي بن موسى ، وعلي بن محمّد ، فصار لهذا الإسم المشتقّ من اسم الله تعالى حرمة به»(٢) .

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٣٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٦ ص ٣٩٣ ب ٢٥ ح ٩.

٢٥٢

الْعامِلُونَ بِاِرادَتِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي أنّ أهل البيت عليهم السلام أعمالهم على وفق إرادة الله ، وعلى طبق مشيئته ، بل هم أوعية مشيئة الله تعالى : ولا يريدون إلاّ ما أراد الله.

وما أحلاها وأجلاها من كلمة تبيّن أنّ أقوالهم وأفعالهم ، وحركاتهم وسكناتهم ، وكلّ ما يصدر منهم اُمور ربّانية ، صادرة بالإدارة الإلهية.

لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهدٍ من الله المتعال وأمرٍ منه ، يطيعونه ولا يتجاوزونه ، وقد عرفت أنّهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، فهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلاّ وحي يوحى.

وقد عقد لذلك ثقة الإسلام الكليني باباً(١) بأحاديث عديدة منها :

حديث ضريس الكنّاسي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال :

قال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسين والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ وجلّ ، وما اُصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم ، والظفر بهم ، حتّى قُتلوا وغُلبوا؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى [قد] كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتّمه ، ثمّ أجراه ، فبتقدّم علم ذلك إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام علي والحسن والحسين ، وبعلم صَمَت منّا»(٢) .

وفي الزيارة المطلقة الاُولى للإمام الحسين عليه السلام : «إرادة الربّ في مقادير اُموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم»(٣) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٧٩ الأحاديث.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٨١ ح ٣.

(٣) الكافي : ج ٤ ص ٥٧٥ ح ٢.

٢٥٣

الْفائِزُونَ بِكَرامَتِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أصل الفوز في اللغة هي النجاة ، وجاء بمعنى الظفر بالخير.

والكرامة : اسم من الإكرام والتكريم ، وهي أنواع الخير والشرف والفضيلة.

وأهل البيت عليهم السلام فازوا بما لم يَفُز به أحدٌ من الخلق أجمعين ، وظفروا بأجزل كرامات ربّ العالمين.

نالوا كلّ فضيلة ، وحازوا كلّ محمدة ، وأنعم الله عليهم بكلّ كرامة ، من الإمامة والعلم والحكمة والشرف ووجوب إطاعة الناس لهم في الدنيا ، مضافاً إلى شفاعتهم ومكانتهم ومقامهم المحمود في الاُخرى.

وقد أفاضوا أجزل الكرامات ووهبوا أجمل الخيرات ، وتقدّموا بمعالي الإحسان لمخلوقات الربّ المنّان بجميع صنوفها وأصنافها ، كما ترى ذلك في كراماتهم الإعجازية الشريفة(١) .

وقد اعترف بمكارمهم وجميل خصالهم كلّ عدوٍّ وصديق ، وصار من العيان الذي لا يحتاج إلى البيان.

فازوا عليهم السلام بكرامات الخالق الكريم ، وصاروا مظاهر الفيض ، ووسائط الإفاضة والتكريم.

وكانوا كغيث الرحمة الإلهية العامّة ، الذي يعمّ نفعه الشكور والكفور والصالح والطالح.

ولا غرو في ذلك فإنّهم أهل بيت من هو سيّد النبيين ومن هو رحمة الله للعالمين.

وقد أكرمهم الله بشرفه ، وشرّفهم بكرامته ، كما في حديث زياد بن المنذر عن الإمام الباقر عليه السلام جاء فيه :

__________________

(١) لاحظ مدينة المعاجز للسيّد البحراني قدس سره.

٢٥٤

.........................................

____________________________________

«هؤلاء أهل البيت أكرمهم الله بشرفه ، وشرّفهم بكرامته ، وأعزّهم بالهدى وثبّتهم بالوحي ، وجعلهم أئمّةً هداة ، ونوراً في الظُلَم للنجاة»(١) .

وتلاحظ كرامات الله لهم في الحديث الجامع الشريف في الإمامة في رواية طارق بن شهاب المتقدّمة(٢) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٢٤٥ ب ١٣ ح ١٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٦٩ ب ٣ ح ٣٨ ، الكافي : ج ١ ص ١٩٨ ح ١.

٢٥٥

اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الإصطفاء هو الإختيار ، وصفوا الشيء هو : خالصة وخياره وجيّده وأحسنه.

أي إصطفاكم الله واختاركم على خلقه ، وفضّلكم على عباده ، عالماً بأنّكم أهل لذلك ، فأنتم صفوة الخلق وأحسن العباد.

فإنّ الله تعالى محيط بكلّ شيء علماً ، عالم بحقائق الأشخاص واقعاً ، وخبيرٌ بعواقب الأفراد حقيقةً ، وعارف بالسرّ والخفيّات ، لا يعزُب عن علمه شيء ، لا يسهو ولا يلهو.

لذلك إذا اختار شيئاً كان إختياره في أعلى مراتب الصواب والإصابة ، ولم يخطأ في ذلك قيد شعرة.

وقد اختار الله العلاّم محمّداً وآل محمّد وإصطفاهم على الخلق أجمعين ، وكان إختياره لهم بعلم منه ، مع معرفته بالوفاء منهم ، مع أهلّيتهم للإصطفاء على أهل الأرض والسماء.

وقد تقدّم حديث أبي حمزة الثمالي في إخبار الله تعالى عن الأئمّة عليهم السلام في الكلام القدسي : «لقد إصطفيتهم وانتجبتهم»(١) .

وفي دعاء الندبة الشريفة : «وعلمتَ منهم الوفاءَ به ، فقبلتَهم وقرّبتَهم وقدّمت لهم الذكرَ العليّ ، والثناء الجليّ»(٢) . هذا معنى ، واحتمل أن يكون بمعنى أنّ الله

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٨ ح ٤.

(٢) لا يخفى أنّ هذا الدعاء الشريف من الأدعية المعتبرة المنقولة عن مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه لندبة شيعته له ، وطلبهم فرجه من الله تعالى في الأعياد الأربعة ـ الغدير والفطر والأضحى والجمعة ـ.

وقد جاء هذا الدعاء في مصادر كتب الزيارة التي لها الاعتبار واعتمد عليها العلماء الأبرار مثل

٢٥٦

.........................................

__________________

(مزار محمّد بن المشهدي / ص ١٩٠) و(مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس / ٢٣٠) و(الإقبال / ص ٢٩٥) وجاء في البحار : ج ١٠٢ ص ١٠٤ ب ٥٦ الدعاء.

ومعلوم أنّ المصدر الأقدم هو المزار ـ وصاحبه ابن المشهدي ، هو محمّد بن جعفر المعروف بابن المشهدي الحائري ، الذي هو من مشايخ محدّثي الشيعة الأبرار ، واُستاد الشيخ نجيب الدين ابن نما الحلّي.

وقد أفاد الميرزا النوري قدس سره في خاتمة المستدرك : ج ٣ ص ٣٦٨ و ٤٧٧ اعتماد أصحابنا الأبرار على هذا الكتاب وتسميته بالمزار الكبير.

وقد نقل ابن المشهدي دعاء الندبة عن محمّد بن علي بن أبي قرّة الذي هو من المشايخ الثقات للشيخ النجاشي.

عن أبي جعفر محمّد بن الحسين البزوفري الذي هو من مشايخ الشيخ المفيد الذي ترحّم عليه نقل إنّه الدعاء لصاحب الزمان عليه السلام.

وسلسلة السند هؤلاء كلّهم من الأجلاّء.

وقد وثّق ابن المشهدي مشايخه الرواة إلى المعصومين عليهم السلام بالتوثيق العام في أوّل كتاب المزار بقوله :

(فإنّي قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد المشرّفات ، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات ، والأدعية المختارات ، وما يُدعى به عقيب الصلوات ، وما يُناجى به القدير تعالى ، من لذيذ الدعوات في الخلوات ، وما يُلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات ، ممّا اتّصلت به من ثقات الرواة إلى السادات).

فتكون أسناد رواياته موثّقة من قبله بالتوثيق العام في جميع سلسلة السند.

ومن ذلك سنده في دعاء الندبة ، فيكون هذا الدعاء من الأدعية المعتبرة ، فهو تامّ سنداً وشريف دلالة.

وقد ذكره العلاّمة الجلسي في ص ٣٤٣ من كتابه الشريف تحفة الزائر الذي صرّح في مقدّمته / ص ٢ بأنّها مقصورة على ذكر الزيارات والأدعية والآداب المنقولة بأسانيد معتبرة عن أئمّة الدين صلوات الله عليهم أجمعين.

٢٥٧

.........................................

____________________________________

تعالى اصطفاكم على الخلق بسبب أن كنتم خزّان علمه. وقد مضى بيان جهات علومهم في فقرة «وخزّان العلم». وفي زيارة أئمّة البقيع عليهم السلام : «إصطفاكم الله على الناس ، وورّثكم علم الكتاب وعلّمكم فصل الخطاب ، وأجرى فيكم مواريث النبوّة ، وفجّر بكم ينابيع الحكمة ، وألزمكم بحفظ الشريعة ، وفرض طاعتكم ومودّتكم على الناس»(١) .

وفي نسخة الكفعمي بعد هذا (واصطنعكم لنفسه).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٠ ص ٢٠٩ ب ٩ ح ٨.

٢٥٨

وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الرضا : ضدّ السخَطَ والكراهة.

والغَيب : هو ما غاب وخفى عن الأبصار.

والارتضاء للغيب بمعنى من رضى به الله وقَبِله لعلم الغيب الذي لا يعلمه إلاّ هو. واهل البيت سلام الله عليهم إرتضاهم الله لعلم الغيب ، وحمّلهم معرفة المغيبات ، وجعلهم مخزن غيبه ، والمطّلعين على الغيب بإذنه.

وفيه إشارة إلى أنّهم عليهم السلام ممّن إرتضاهم في قوله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) (١) .

إمّا بكون الرسول شاملاً لهم على التغليب ، أو أنّ علمهم بالغيب واصل إليهم بواسطة الرسول وهو جدّهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كما أفاده في كتاب الأنوار(٢) ، وجاء بيانه في حديث حمران(٣) .

وقد استشهد بهذه الآية الشريفة في مفصَّل حديث سلمان رضوان الله عليه عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما أراه وأخبره عن الاُمور العجيبة.

فقال سلمان : كيف هذا يا سيّدي؟

فأجاب عليه السلام : «يا سلمان أما قرأت قول الله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) فقلت : بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام : أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره الله عزّ وجلّ على غيبه»(٤) .

وفي الحديث العلوي الجامع في وصف الإمام عليه السلام : «عالم بالمغيبات خصّاً من

__________________

(١) سورة الجنّ : الآية ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) الأنوار اللامعة : ص ١١٦.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٥٦ ح ٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٥٠ ب ١١٧ ح ١.

٢٥٩

.........................................

____________________________________

ربّ العالمين ، ونصّاً من الصادق الأمين»(١) .

ويستفاد علمهم بالغيب بإذن الله تعالى من أحاديث كثيرة وفيرة في مختلف الأبواب من ذلك :

١ ـ أحاديث اُصول الكافي / ج ١ / ص ٢٥٨ / باب أنّ الأئمّة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا / ح ١ ـ ٣ ، وباب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون / ح ١ ـ ٢.

٢ ـ أحاديث بحار الأنوار / ج ٤١ / ص ٢٨٣ / باب ١١٤ باب معجزات كلام أمير المؤمنين عليه السلام من إخباره بالغائبات ، الأحاديث الستّة والستّين.

وكذا إخبارات باقي أئمّتنا المعصومين عليهم السلام التي تجدها مجموعة في سفينة البحار / ج ٦ / ص ٦٩٩ ـ ٧٠٢.

٣ ـ أحاديث كنز الدقائق / ج ١٣ / ص ٤٩١. نكتفي من تلك المجموعة الكبيرة بالأحاديث المتواترة الواردة في تفسير قوله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) (٢) ومن ذلك :

١ ـ حديث علي بن إبراهيم المتقدّم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن عبد الله بن سليمان ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السلام : «أنّ جبرئيل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وآله برمّانتين ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله إحداهما وكسر الاُخرى بنصفين ، فأكل نصفاً وأطعم عليّاً نصفاً.

ثمّ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أخي ، هل تدري ما هاتان الرمّانتان؟

قال : لا.

قال : أمّا الاُولى فالنبوّة ، ليس لك فيها نصيب ، وأمّا الاُخرى فالعلم أنت شريكي فيه.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٧٢ ب ٤ ح ٣٨.

(٢) بحار الأنوار : الآية ٢٦ ـ ٢٧.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

فزيادة هذا النوع من الذكاء لدى أفراد المجتمع ، يؤثّر في ضبط النفس والانفعالات بينهم ، ويساعد في تحويل هذه الانفعالات السيّئة ، من كره وبغض واحتقار ، وتدبير مؤامرات ، وغيبة ونميمة ، وإثارة الفتن وعدوانية و إلى انفعالات إيجابية ، من حبّ واحترام ، وصدق وأمانة و ، ممّا تساعد في تقدّم وازدهار المجتمع ، وبالتالي إبداعه.

ومن مكوّنات هذا الذكاء الوجداني ، الوعي بالذات ، أو الوعي بالانفعالات ، والمشاعر والأحاسيس والأفكار.

ومن مكوّناته أيضاً ، القدرة على السيطرة على انفعالاته بطريقة تنمّي قدراته العقلية والوجدانية ، كما في الحديث : «ليس الشديد بالصرعة ، إنّما الشديد يملك عند الغضب »(١) .

ويرى بعض علماء النفس : أنّ الوجدان يعطي الإنسان معلومات ذات أهمّية ، هذه المعلومات تجعله يفسّرها ويستفيد منها ، ويستجيب لها من أجل أن يتوافق مع المشكلة ، أو الموقف المتوتّر بشكل أكثر ذكاء ، فالوجدان يجعل تفكيرنا أكثر ذكاء.

فالذكاء الوجداني يشمل القدرة على أدراك الانفعالات ، وتقييمها والتعبير عنها ، ويشمل القدرة على فهم الانفعالات ، ويشمل أيضاً القدرة على تنظيم الانفعالات بما يعزز النمو الوجداني والعقلي.

فالفرد الذكي انفعالياً أو وجدانياً ، يعتبر فرد أفضل من غيره في التعرّف على انفعالاته وانفعالات الآخرين ، ولديه قدرة كبيرة على التعبير عن انفعالاته بصورة دقيقة ، تمنع سوء فهم الآخرين له ، فعندما يغضب فإنّ لديه القدرة على عكس انفعال الغضب على ملامح وجهه وصوته ، كما أنّ لديه القدرة على إظهار التعاطف مع الآخرين ، وفهم وتحليل انفعالاته ، كالتمييز بين الشعور

__________________

١ ـ روضة الواعظين : ٣٨٠.

٥٤١

بالذنب ، والحياء والحزن والغضب ، والشعور بالحسد والغيرة ، كما أنّ لديه القدرة على السيطرة على انفعالاته بطريقة تنمّي قدراته العقلية والوجدانية ، كتأجيل إشباع حاجاته ، وكبح جماح غضبه.

( عبد الرحيم يوسف ـ الإمارات ـ سنّي ـ ٣٠ سنة ـ خرّيج متوسطة )

حقوق الزوجين :

س : ما هي حقوق الزوج على زوجته؟ وما هي حقوق الزوجة على زوجها؟

ج : يجب على الزوج أن يوفّر المسكن والملبس والمأكل المناسب مع شأن الزوجة ، والمبيت معها وتأمين حاجتها الجنسية ، وأن لا يظلمها ، ويتعامل معها بالمعروف ، وأن لا يتخذ من الحياة الزوجية مبرّراً ليفرض بذلك سطوته وتكوين سلطة استبدادية على عائلته.

ويجب على الزوجة أن تمكّن نفسها للزوج من الناحية الجنسية ، وكذلك يجب عليها تهيئة سائر المقدّمات والمستلزمات العرفية للتمكين ، وأن تسعى لإيجاد بيت يسوده الحبّ والأُلفة ، وأن تطيع زوجها ، ولا تتصرّف في أمواله ، ولا تخرج من البيت إلاّ بإذنه.

وعلى كُلّ حال ، فإنّ الواجب على الزوجين السعي لكُلّ ما يكون سبباً لتشكيل الأُسرة الصالحة ، والبيت الذي يهيمن عليه الحبّ والأُلفة.

( محمّد بغدادي ـ سوريا ـ ٢٣ سنة ـ طالب جامعة الطبّ البشري )

الإسلام ومسألة الرقّ والعبودية :

س : إنّ الإسلام نزل كديانة سماوية من أجل إنقاذ البشرية ، لكن لماذا لم يحارب الإسلام نظام الرقّ والعبودية ، فقد بقي الرقّ والعبيد حتّى بعد الإسلام ، وقد تجد بعض الأحكام الإسلامية فيما يخصّ العبيد والجواري ، فهل من جواب شافي لهذه النقطة؟! ولكم جزيل الشكر وخالص الدعاء.

٥٤٢

ج : ينبغي ملاحظة نقاط متعدّدة في مقام الجواب :

أوّلاً : نظام الرقّ والعبودية قد نشأ في أحضان الجاهلية ، وترسّخت مبانيه في أذهانهم ، فكان يتحتّم على النظام الإسلامي أن يقابل هذه الحالة السلبية بطريقة مرنة من خلال تثقيف المسلمين ، وحثّهم على إطلاق سراح العبيد والإماء وتحريرهم ، حتّى تتمّ عملية فكّ رقابهم في المجتمع بصورة غير قسرية وبحالة تدريجية ، لكي لا تؤثّر في الموازنات الاجتماعية والاقتصادية بصورة دفعية ، فتنتج انقلابات وفوضى يمكن الاستغناء عنها.

ثانياً : الإسلام ومن منطلق حرصه على حرّية الفرد كان يحرّض المسلمين دائماً على عملية تحرير الرقاب ، فمن جانب يذكر الأجر والثواب على تحرير العبيد ، ومن جانب آخر يعتبر هذا العمل كفّارة لبعض الذنوب والمعاصي ، وبهذين الطريقين يحاول الإسلام أن يحرّر الكثير من العبيد والإماء ، وقد تخلّص عدد كبير منهم من وطأة الرقّ والعبودية فعلاً.

ثالثاً : إنّ مسألة الرّق في الواقع تشمل المحاربين من الكفّار الذين تمّت عليهم الحجّة ، ولم يقبلوا الإسلام ، فبعد الحرب معهم ، تكون مسألة الرّق والعبودية لنسائهم وأطفالهم بمثابة مدرسة تعليمية يختلطون بواسطتها مع المجتمع الإسلامي ، ويتعايشون معهم ، ويتزوّج بعضهم من بعض ، مع تحديد شروط للمجتمع الإسلامي في معاملته معهم ، كما أنّ الحلول التي وضعها الإسلام لعتقهم هي في غاية الدقّة ، تجعلهم يتحرّرون في أسرع وقت ، وقد اندمجوا في المجتمع الإسلامي ، وتعلّموا المباني الإسلامية ، وهذا ما نشاهده بوضوح من معاملة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام مع العبيد من تعليمهم وعتقهم ، وكانت علاقة هؤلاء العبيد مع أهل البيتعليهم‌السلام بمكانة ، ممّا كانت تجعل العبيد يفضّلون البقاء مع أهل البيتعليهم‌السلام عبيداً لهم ، على حرّيتهم وعتقهم.

رابعاً : إنّ عدداً من أُمّهات الأئمّةعليهم‌السلام كنّ من الجواري والإماء ، ممّا يدلّ على عدم الفرق من حيث المبدأ بين الحرّ والعبيد في سلوك طريق السعادة

٥٤٣

والكمال ، وهذه إشارة واضحة لنا بأن لا نميّز الآخرين على أساس الفروق الاجتماعية.

( أبو أحمد ـ السعودية ـ ٣٧ سنة ـ ماجستير هندسة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : في الواقع السؤال كان حول نظام الرّق في الإسلام من أساسه :

فكما هو معروف ، يستطيع المسلم أن يهدي رقّيقته التي اشتراها بماله ، أو اكتسبها من حرب إلى ولده أو صديق أو أخ وكأنّها سلعة ، فأين كرامة أو قيمة الإنسان في ذلك؟ ثمّ صحيح أنّ الرّق يكاد لا يذكر ، أو لا يوجد في هذا الزمان ، ولكن وجوده في أشكال مختلفة ، وأحكامه ما زالت سارية ، وهو ليس بمحرّم.

ج : الإسلام كدين إلهي يحاول أن يعالج السلبيات الموجودة في المجتمع بطريقة مرنة حدّ الإمكان ، حتّى لا يوقع الناس في أضرار جرّاء التغييرات والتقلّبات.

نعم ، إن كان الموضوع من قضايا العقيدة وأركان الإسلام فلا يتهاون في حقّه ، بل يتخذ الإجراءات الحاسمة والفورية ، ولكن لمّا لم يصل إلى هذا الحدّ من الضرورة فلا حاجة إلى الإسراع والتعجيل ، بل ولربما يكون فيهما ـ الإسراع والتعجيل ـ ما يخلّ النظام الاجتماعي ، ففي هذه الصورة يتصرّف المشرّع بشكل آخر ، وهو التطبيق التدريجي للأحكام نحو الهدف الغائي والمطلوب ، لكي لا يصطدم المجتمع بصدمة عنيفة في بُنيته الأساسية إزاء التطبيق الدفعي والقسري.

فمثلاً : عندما يرى أنّ المشركين يحجّون إلى بيت الله الحرام ، ويؤدّون مناسك خاصّة ـ وأن كان العمل بمجموعه من تراث الدين التوحيدي ، دين إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، ولكن حرّفوه في طول التاريخ ـ فهو يقع بين أمرين : إمّا أن يمنعهم عن هذا العمل مطلقاً ، فينبغي أن يتحمّل تبعات هذا المنع من اعتراضات

٥٤٤

وتهم تردّ للنيل من سمعة الإسلام متّهماً إيّاه بعدوله عن خطّ الأديان التوحيدية ؛ أو يتصرّف في شكلية النسك ، فيطهّرها من آثار الكفر والشرك مع عدم المساس بأصل العمل ، وهذا النوع من التصرّف مع سهولته لا يثير حفيظة ذلك المجتمع قريب العهد من الجاهلية ، وبالتالي ينال هؤلاء المخضرمون شيئاً فشيئاً مزايا الحجّ التوحيدي والصحيح ، وهذا ما قد حصل فعلاً.

ومثال آخر : ترى أنّ الخمر قد حُرّم في ثلاث مراحل ـ كما هو معروف ـ فعندما رأى الإسلام تفشّي هذه الحالة السيّئة ـ شرب الخمر ـ في الجاهلية عالجها بأسلوب تدريجي ، فمرّة بيّن للناس مضارّه ، ثمّ في مرحلة ثانية منعهم عن الصلاة في حالة السكر ، وفي المرحلة الثالثة صرّح بتحريمه مطلقاً.

وهكذا كان يواجه الإسلام المشاكل والمصاعب التي ورثها من الجاهلية ، فلا يؤيّدها ولا يصطدم معها بشكل سافر ، بل ويتّخذ الإجراءات الكفيلة لحذف النقاط السلبية من المجتمع بغية الوصول إلى الهدف الأسمى مع أقلّ الضرر.

وفي مسألة العبيد والرقيق واجه الإسلام حالة مُرّة في المجتمع البشري آنذاك ـ وهذه لم تكن مختصّة بالعرب ، بل وحتّى الفرس والروم كانوا يمارسونها ـ فوقع بين أمرين :

فإمّا أن يلغي الصورة الاجتماعية من الأساس ، فعندئذٍ كان عليه أن ينشغل فقط بهذا الأمر ، ويترك باقي القضايا والمشاكل دون حلّ ، لأنّ نظام الرقّية كان سائداً في كُلّ أرجاء المعمورة ـ فضلاً عن شبه الجزيرة العربية ـ فكان الأمر ينتهي ـ في أحسن الحالات ـ إلى صراع طبقي قد لا ينتج منه إلاّ الدمار.

ولكنّه اختار أسلوباً آخر للتعامل مع هذه المعضلة ، فتدرّج في الموضوع بحيث لم يثر مشاعر الناس ، فاستطاع أن يقلب الموازين ويأتي بعلاقات أخوية بين الموالي والعبيد لم تكن تخطر ببال أحد من قبل.

٥٤٥

هذا وفي نفس الوقت ، استغلّ الفرصة ليجعل بيوت الموالي مدارس تربوية لمن كان دونهم من العبيد والإماء الذين دخلوا في المجتمع الإسلامي عن طريق الحروب وغيرها.

فترى ظهور وبزوغ ثلّة مؤمنة من هؤلاء ارتقوا أعلى مراتب العزّ والشرف ، ممّا يدلّ على صحّة موقف الإسلام من المسألة.

وبعد معرفة هذا والتأمّل فيه ، يمكن معرفة سائر الجزئيات المتعلّقة بأحكام الرّق ، والتي أشرتم إلى بعضها.

( بدر ـ ـ )

من لم يخف الله خاف من الناس :

س : تحية طيّبة ، وبعد : يوجد حديث بما معناه : إنّ من لم يخف الله ، خاف من الناس ، ما مدى صحّة هذا الحديث؟ وما معناه؟ نرجو من سماحتكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر.

ج : ورد في شرح أُصول الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني :

« عن الهيثم بن واقد قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « من خاف الله أخاف الله منه كُلّ شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كُلّ شيء ».

الشرح : قوله « من خاف الله أخاف الله منه كُلّ شيء » ظاهره أنّ الله تعالى يلقي الخوف منه على الأشياء ، مع احتمال أن يكون سرّ ذلك أنّ الخائف من الله نفسه قوّية قدسية مقرّبة للحضرة الإلهية ، قادرة على التأثير في الممكنات ، فلذلك يخاف منه كُلّ شيء حتّى الوحوش والسباع والحيّات ، كما نقل ذلك عن كثير من المقرّبين.

ومن لم يخف الله ، نفسه ضعيفة متّصفة بالنقصان ، بعيدة عن التأثّر في عالم الإمكان ، فلذلك يخاف من كُلّ شيء ، ويتأثّر منه ، ولمّا كانت القوّة والضعف والتأثير والتأثّر بسبب القرب من الله وعدمه ، نسبت الإخافة إليه »(١) .

__________________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٨ / ٢١٨.

٥٤٦

وورد في التحفة السنية للسيّد عبد الله الجزائري :

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام : «من خاف الله أخاف الله منه كُلّ شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كُلّ شيء » ، وهو ممّا لابدّ منه أيضاً ، فهو الذي يزجر النفس عن المعصية فعلاً وتركاً ، وهو ممّا ينفي العجب عن الطاعة ، فإنّ الخائف غير مستعظم نفسه وخصالها ، وضدّه الأمن كما تقدّم وهو خسر ، وفي التنزيل :( فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (١) .

هذا وأنّ الرواية صحيحة ، حيث كُلّ رواتها ثقات.

( طالب خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

حقيقة الزلازل وكونها من الابتلاءات الإلهية :

س : ما هي حقيقة الزلازل؟ وكونها من الابتلاءات الإلهية.

ج : يسبّب انفجار الغازات المنضغطة المتصاعدة من البراكين ـ في بعض الأحيان ـ هزّات تُعرف بالزلازل البركانية.

وأحدث مفهوم لحدوث الزلازل هو قوى التشويه التي تُحدِث في الأرض صدوعاً ، فصخور الأرض تتعرّض باستمرار لضغوط وقوى مختلفة ، مثل ضغوط الغازات وأبخرة المياه ، وتنتهي مقاومة الصخور لهذه الضغوط بتصدّعها ، ثمّ تنزلق الكتل الصخرية والأتربة التي حولها.

إذا وصلت هذه الصدوع إلى سطح الأرض تسبّب شقوقاً طولية تمتد لمسافات ، وعندئذ تسري الذبذبات في موجات اهتزازية خلال القشرة الأرضية وفي باطنها ، وتصل إلى جهات بعيدة عن مركز الزلزال.

ولاشكّ أنّ الزلازل نوع من الابتلاءات والامتحانات الإلهية للإنسان ، حاله حال بقية الظواهر الطبيعية ، وقد يكون ناتجاً عن غضب المولى عزّ وجلّ على

__________________

١ ـ الأعراف : ٩٩ ، التحفة السنية : ٧٠.

٥٤٧

عصيان الناس لأوامره تعالى ، فقد ورد في رواياتنا : أنّ من أسباب الزلزال هو انتشار الفاحشة.

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكّام في القضاء أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمّة نصر المشركون على المسلمين »(١) .

وهكذا نجد القرآن الكريم يعد الإنسان مسؤولاً عن كثير من الحوادث المؤلمة ، والوقائع الموجعة في عالم الكون ، ومنها الزلازل ، قال تعالى :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) (٢) .

( إبراهيم ـ السعودية ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة )

معنى الصدفة :

س : نودّ من سماحتكم أن تعطونا رأيكم في الصدفة؟ مكانتها في الدين؟ وهل هي موجودة أو لا؟

ج : لا واقع للصدفة عقلاً ونقلاً ، وينبغي أن لا تعتبر اعتباراً شرعياً ، وأمّا ما يجري على ألسنة الناس فهو من باب التسامح في التعبير والغفلة عن العلل.

ويدلّ على ما ذكرنا : أنّ القانون العام في كُلّ حدث وحادث أن يصدر عن علّة ، وهذه قاعدة كُلّية عقلية اتفقت عليها جميع أرباب الملل والنحل ، فلا يشذّ منه أيّ مورد حتّى نعتبره من باب الصدفة.

نعم ، قد تخفى علينا العلّة أو العلل في واقعة ، فنتصوّرها حدثت بغير حساب وكتاب ، وهذا لا يعني عدم وجود علّة لها ، إذ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٥٢٤ ، الخصال : ٢٤٢.

٢ ـ الروم : ٤١.

٥٤٨

الوجود ، فربما توجد هناك علّة بعيدة أو قريبة أثّرت في الموضوع لا علم لنا بوجودها ، إذ لا نحيط بجميع العلل في الكون.

( فايد ـ كندا ـ )

تعريف المكان فلسفياً :

س : الإخوة في مركز الأبحاث العقائدية ، يدور في خلدي سؤال حبّذا لو تفضّلتم بالإجابة عليه : ما هو تعريف المكان فلسفياً؟ وكيف يكون موجود ما محتاجاً في وجوده إلى المكان فيصبح بذلك حادثاً ، ولكم الأجر والثواب.

ج : قال العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره : « والمكان بما له من الصفات المعروفة عندنا بديهي الثبوت ، فهو الذي يصحّ أن ينتقل الجسم عنه وإليه ، وأن يسكن فيه ، وأن يكون ذا وضع ، أي مشاراً إليه بأنّه هنا أو هناك ، وأن يكون مقدّراً له نصف وثلث وربع ، وأن يكون بحيث يمتنع حصول جسمين في واحد منه ، قال صدر المتألّهينقدس‌سره : « هذه أربع أمارات تصالح عليها المتنازعون لئلا يكون النزاع لفظياً » ، وقد اختلفوا على حقيقته على أقوال خمسة »(١) .

والموجودات إذا كانت أجسام تحتاج إلى حيّز ومكان ، والمحتاج إلى غيره ممكن ، والممكن حادث.

( علياء ـ البحرين ـ ٢١ سنة )

أسباب الخوف من سوء الخاتمة :

س : ما هي أسباب الخوف من سوء الخاتمة؟ أُريد الجواب في أسرع وقت ممكن ، ولكم جزيل الشكر.

__________________

١ ـ نهاية الحكمة : ١٢٩.

٥٤٩

ج : على الإنسان أن يكون دائماً بين الخوف والرجاء ، الخوف من عقاب الله ورجاء رحمته ، وبذلك يكون في توازن واعتدال ، فلا يكون له يأس من رحمة الله ، ولا أمان من عقاب الله ، هذا أوّلاً.

وثانياً : على الإنسان أن يكون دائماً في حذر تامّ من الوقوع في أُمور لها آثارها الوضعية ، وما ربما سبّبت سوء العاقبة والعياذ بالله ، كأكل مال اليتيم ، والظلم بالأخصّ لمن لا حول له ولا قوّة ، وغصب حقوق الناس ، فإنّ كُلّ هذه لها آثارها الوضعية الخارجية.

وثالثاً : كثرة الدعاء والتوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام في حسن العاقبة ، ممّا له الأثر في النيل بحسن العاقبة إن شاء الله.

ورابعاً : محاسبة النفس التي ورد الحثّ عليها في روايات متواترة ، حيث يراقب المرء نفسه ويحاسبها ، فإذا رأى صدور طاعة منها وعبادة ، شكر الله وسأله المزيد من التوفيق ، وإذا شاهد معصية استغفر ربّه ، واتخذ قراراً في عدم العودة ، وسأل الله أن يعينه على تركه.

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ )

نظرية التطوّر فاسدة عقلاً وشرعاً :

س : جاء في ردّكم : إنّ نظرية التطوّر هي فاسدة عقلاً وشرعاً ، وكان استنادكم على أنّه يلزم منها انسلاخ الذات عن حقيقتها ، وهذا يتنافى مع القرآن ، إذ أنّه يطرح مسألة المسخ ، وهي مادّية وليست مجازية ، كما سأُبيّن ذلك :

إنّ كُلّ مخلوق ـ نباتاً كان أم حيواناً ـ له شريط جينات يحدّد هويّته وشكله ، ولا يستعمل منه إلاّ عشرة بالمئة ١٠% ، والبقية إمّا معطّلة أو قامت بدورها وانتهت مهمّتها.

١ ـ لاحظ العلماء مرض تناذر الغول الذئبي ، وهذا المرض يتمثّل في كون الإنسان ينمو وجسمه مكسو بالوبر ، فبحثوا عن الجين المسؤول عن هذا السبب ـ

٥٥٠

وهو جين الوبر ـ فوجدوا وأنّه من المفروض أن يكون نائماً أو معطّلاً ، لكنّه تفاعل لسبب من الأسباب.

٢ ـ أخذ مجموعة من العلماء قطّاً ، وهو ينمو في بطن أُمّه ، وبحثوا عن الجين المسؤول عن الأجنحة ، وأيقظوه فولد هذا القطّ بجناحين ، وهذا يقرّب إلى أذهاننا عملية المسخ في القرآن ، أمّا التطوّر فكما يلي :

١ ـ لاحظ العلماء أن الديناسورات الأوّلية كانت كبيرة الحجم ، ثمّ أصبحت صغيرة ، فبحثوا عن السبب ، فوجدوا أنّ الجينات المسؤولة عن النموّ كانت تعمل بحرّية ، ثمّ بعد ذلك أخذت الجينات المعدلة تقوم بدورها ، أي تعدل نشاط الأُولى.

٢ ـ تتكوّن الرِجل من ثلاثة أجزاء : الفخذ ثمّ ربلة الساق ، فالساق ، وتقوم الجينات المكوّنة للرِجل بعملها كما يلي ، تتحرّك الجينات المسؤولة عن الفخذ ، وتصنع هذا الأخير ، وعندما تنتهي تتحرّك المسؤولة عن ربلة الساق ، وهكذا بالنسبة للساق ، فأخذ العلماء فأرة وأخذوا الجينات المسؤولة عن الأصابع لأنّها الأقلّ عدداً ، وركّبوا عليها الجينات المعدلة فنمت بدون أصابع.

ج : نودّ أن نوضّح عدّة نقاط حتّى ندخل في الموضوع ، فهناك مصطلح « التطوّر » ، ومصطلح « المسخ » ، ومصطلح « الحركة » ، وأضيف مصطلح أو نظرية « الجبر الجيني ».

وإذا حدّدنا المصطلحات نستطيع أن نفهم الكلام ، وأنّه سليم أو سقيم ، أو أنّ الكلام يناسب هذا المصطلح أم له معنىً آخر ، وإليكم هذا البيان.

التطوّر : تغيّر الشيء من حالة إلى حالة أفضل وأكمل.

المسخ : تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها.

فهنا نسأل : ما هي نظرية التطوّر الداروينية؟

والجواب : أنّها تعني أنّ جميع الكائنات الحية ـ من حيوانات ونباتات ، وفطريات وطحالب ، وغيرها من الأحياء ـ ترجع إلى أصل واحد ، يرجع إلى زمن

٥٥١

بعيد ، وأنّ هذا الأصل هو أبسط الكائنات كافّة ، ومنه بدأ انحدار الكائنات ، وهذه الانقسامات التكاثرية المتشعّبة ، والتي أظهرت تغايرات متباينة في الأجيال.

وقد تكيّفت هذه الأجيال ببيئات مختلفة ، فأنتجت أنواعاً مستحدثة ، تعيش مواكبة لبيئتها الجديدة ، وهي تبتني على عدّة أُسس :

١ ـ التنازع حول البقاء.

٢ ـ الانتخاب الطبيعي.

٣ ـ ناموس التحوّل.

٤ ـ ناموس الوراثة.

هذه هي الأُسس الرئيسية التي بنى دارون عليها نظريته التطوّرية.

ويعتبر لامارك ـ العالم الفرنسي ـ أوّل من صدع بالقول بوجود علاقة وثيقة بين الكائنات الحية ، وفرضية التطوّر والارتقاء(١) .

وعلى أيّ حال ، فالكتب مفصّلة فيها النظرية من أحبّ فليراجع.

ثمّ نأتي إلى مسألة التطوّر من حيث إمكانها عقلاً وشرعاً.

وإذا رجعنا إلى النصوص الدينية المقدّسة نجدها تنفي تطوّر الإنسان من نوع سابقاً له على النوع الإنساني ، والآيات القرآنية تكاد أن تكون صريحة في أنّ الإنسان نوع مستقلّ يرجع إلى أبيه آدم وأُمّه حوّاء ، وهما مخلوقان من تراب أو طين ، أو صلصال حسب اختلاف التعبير القرآني ، قال تعالى :( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (٢) .

حينما ردّ الله فيها على مزاعم النصارى ، من أنّ عيسىعليه‌السلام ولد من غير أب بشري ، ولا ولد إلاّ بوالد ، فعليه يكون أبوه الله تعالى ـ تقدّس ذات الحقّ عن ذلك ـ فردّ الله عليهم ، بأنّ خلقه كخلق آدم ، فكيف أنّ آدم خلق من طين ،

__________________

١ ـ الداروينية عرض وتحليل : ٣٦.

٢ ـ آل عمران : ٥٩.

٥٥٢

فأيضاً لا أب له ، وعليه بطلان الدليل الذي استندوا إليه لإثبات بنوّة عيسىعليه‌السلام لله تعالى.

وقال تعالى :( إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ) (١) ، وقال تعالى :( وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ) (٢) ، وقال تعالى :( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المبيّنة لكون المخلوق الأوّل هو آدم ، وأنّ هذا النسل البشري يرجع إليه ، وأنّ آدم خلق من طين أو تراب أو غير ذلك ، فلم يتطوّر من مخلوق آخر سابق عليه ، كأن يكون فرداً أو جينة أو غير ذلك.

وأمّا العقل : فالبحث العقلي طويل وعميق جدّاً لا نستطيع سرده هنا إجمالاً فضلاً عن التفصيل ، لكن على أيّ حال نقول : الإنسان مركّب من مادّة وصورة ، وهذه المادّة هي القوّة الكامنة في الإنسان ، والتي بها يقبل أن يتكامل أو يتسافل ، وأمّا الصورة فهي الهوية النوعية أو الشخصية المميّزة للإنسان عن غيره ، فهي تميّزه عن البقر وعن الغنم وعن القرد و ، وهي التي تتحقّق بها إنسانية الإنسان ، بحيث عندما نقول إنسان إشارة إلى هذه الهوية المتشخّصة بهذه الصورة ، وهي لا تقبل تكاملاً أو تنازلاً من حيثيّتها ، بل تقبل ذلك من حيث المادّة.

وعليه ، فإذا فرضنا أنّ الهوية القردية أو الصورة القردية ـ كما تفرضها نظرية التطوّر ـ أرادت أن تحلّ محلّها الصورة الإنسانية ، فأمّا أن نفرض بقاء الهوية والصورة القردية على حالها ، وأمّا أن نفرض انسلاخها عنها ، فإن فرضنا بقاء الصورة القردية أو البقرية ، ومع ذلك وردت عليها أيضاً الصورة الإنسانية ، فحينئذ يلزم اجتماع هويّتين في موجود واحد ، وهذا يلزم منه وحدة الكثير وكثرة الواحد ، وهو بديهي الفساد.

__________________

١ ـ ص : ٧١.

٢ ـ السجدة : ٧.

٣ ـ النساء : ٧١.

٥٥٣

وإن فرضنا ذهاب الصورة القردية وانتفائها ، ثمّ مجيء الصورة الإنسانية ، فأيضاً لم تصل النظرية إلى مرادها ، لأنّ معنى انتفاء الصورة القدرية ، هو بطلان هوية القرد ولم يبق قرد حقيقة حتّى نقول بأنّه تحوّل إلى إنسان ، إذ ذكرنا أوّلاً أنّ الهوية الحقيقية للموجود هي في صورته ، فعند بطلان صورته تبطل هويّته الحقيقية ، فلا معنى لأن نقول تطوّر ، بل نقول : بطلت الصورة القردية ، وحلّت مكانها الصورة الإنسانية ، فإذاً التطوّر باطل عقلاً.

أضف إلى ذلك أنّ سير الصورة الحيوانية في قناة الصورة القردية لا يمكن أن يجتمع مع تحوّل الصورة القردية تطوّراً إلى الصورة الإنسانية ، لأنّ الاستعداد الذي تحمله المادّة امتلأ بالصورة القردية ، فلم يبقِ هناك استعداد لأن تقبل المادّة الصورة الإنسانية.

هذا موجز ما يمكن ذكره الآن ، وعليه فالنظرية الدارونية أو اللاماركية مجانبة لما نطقت به الشرائع السماوية ، ولما بنيت عليه الفطرة العقلية.

وبعد أن عرضنا ذلك نتعرّض إلى مسألة المسخ التي نطقت بها الشريعة ، وصرّحت بوقوعها الروايات المتواترة من ناحية انطباقها وعدم انطباقها على نظرية التطوّرية الداروينية أوّلاً ، ومن حيث تفسيرها على ضوء الفلسفة الإسلامية؟

أمّا كون المسخ غير التطوّر فيكاد يكون ذلك أوضح من الشمس في رابعة النهار ، لأنّ التطوّر يبتني على أُسس قدّمنا ذكرها ، منها إرجاع الهيكل الوجودي العام ذو الشعب التي لا تحصى كثرة إلى أصل وجودي واحد ، وخلية أو مادّة فردية ، ومنها يتشبّع الوجود العام ، ويبتني على الانتخاب الطبيعي ، والتنازع حول البقاء وأثر البيئة والوراثة ، وأين هذه من المسخ الذي يقصد قلب الصورة الوجودية إلى ما هو أدون منها ، إذ لا تنازع ولا انتخاب ولا محاولة إيجاد محورية فاردة لهيكلية الوجود المشتعّبة ، فضلاً عن كون الارتقاء والتطوّر يعني

٥٥٤

التكامل نحو الجمال والكمال التام ، بينما المسخ هو التسافل نحو النقص والفقدان ، فهما على طرفي نقيض.

نعم يطرح التساؤل التالي : وهو أنّه مهما حاولنا إبراز المفارقات بينهما ، لكنّهما على كُلّ حال يتشابهان في شيء واحد ، وهو نزع صورة المشخّصة لهذا الكائن ، وإيجاد صورة أُخرى محلّها ، وهي في الاثنين موجودة؟

نقول : صحيح هذا التشابه موجود ، لكنّه صوري لا غير ، لأنّ النظرية الداروينية اللاماركية بالمعنى المطروح قدّمنا بطلانها ، وأوضحنا ذلك موجزاً ، لكن المسخ ـ كما سيأتي ـ سنثبت إمكانه عقلاً ، وهو واقع شرعاً.

وأمّا المسخ الذي نطقت به الشريعة ونصّت عليه فهو ممكن ، ولا ينافي الفلسفة الإسلامية باطروحاتها ، لأنّ الموجود الإنساني وغيره مركب من مادّة وصورة ، ادخل فيه حيثية الفعل وحيثية القبول ، ففعليته بهذه الصورة الإنسانية ، وحيثية قبوله هو الاستعداد الذي يحمله في داخله ، لأن يكون أيّ شيء آخر.

وعليه ، فهنا هؤلاء الذين مسخهم ربِّ العزّة والجلال ، كان فيهم استعداد قبول الصورة القردية أو الخنزيرية ، لأنّ أنفسهم وصلت إلى مرحلة قبول إفاضة هذه الصور من الله تعالى لتكامل الاستعداد فيها ، فلمّا دنا أجلها أفاض الله عليها ما استعدّت له ، ولهذا كان المسخ إلى القرد في البعض ، وإلى الخنزير في البعض الآخر ليس عبثاً ، وإنّما لأنّ من مسخ قرداً قد حقّق شرائط الصورة القردية ، ومن مسخ خنزيراً قد حقّق شرائطها ، وعلى هذا فلا ربط بين المسألتين في البين أصلاً.

نعم يبقى مشكل آخر مرتبط ببحث الحركة والتكامل داخل الأطر الصورية المشخّصة للكائنات ، إذ إنّها تكامل وتنامي من القوّة إلى الفعل ، وعليه لابدّ أن يكون الفيض اللاحق أكمل من الفيض السابق ، والحال أنّا نجد عكس ذلك تماماً في المسخ ، لأنّ الصورة الإنسانية أكمل من الصورة القردية أو الخنزيرية ، فكيف مسخ الإنسان قرداً؟

٥٥٥

وجواب هذا الإشكال فيه بحث وتفصيل يخرجنا عن المقام ، نتركه لمطالعاتكم الشريفة.

وأمّا ربط مسألة المسخ بالبحث الجيني ، وأنّ هناك جينات تحدّد مسار الهوية الإنسانية أو غيرها ، ومن خلال الوصول إليها ، وادخل بعض التغييرات فيها ، نستطيع أن نحصل على نتاج آخر أو تطوّر ، فهذا قبل كُلّ شيء بحث طبّي مبنيٌّ على التجربة ، وهو يقرّب مسألة المسخ إلى الذهن ويجعلها ممكنة ، لكن لا يمكن الجزم بأنّ عملية المسخ بالتحليل الجيني المطروح هي الواقعة والمحقّقة ، لأنّ التجربة مهما يكن ظنّية لا يمكن أن نحصل على يقيني جزمي منها ، لكن بالتالي تكون مدخل لفهم مسألة المسخ وإمكانيته من الناحية العملية ، على أنّه يمكن التوفيق بين ما ذكرتم وما طرح سابقاً ، إذ تكون هذه الجينات هي المادّة المعدّة لقبول الهوية اللاحقة لهذا الكائن ، أو إحدى المعدّات لذلك ، لكن لا يمكن تطبيق البحث الجيني على نظرية التطوّر ، لأنّ نظرية التطوّر تبتني على العفوية والانتخاب الطبيعي ، والمفروض أنّ المذكور في التجربة الجينية يبتني على أُسس عملية ذات نظام محدّد ، يقوم به موجود له إحساس وشعور.

اللهم إلاّ أن نفسّر الانتخاب الطبيعي بمعنى الخلاّقية الطبيعية المغروسة في كيان الكائن الحي ، والمحرّك من قبل قوّة أُخرى خارجة منظّمة ، هي التي فعلت فيه عند الاحتياج.

لكن مع ذلك نبقى بين مفرقات عديدة ، قد يصعب تجاوزها للتوفيق بين البحث التجريبي الحديث وبين نظرية التطوّر ، وقد تحتاج فيه إلى شطب بعض الفرضيات في نظرية التطوّر ، لكن مع ذلك كُلّه تبقى في مشكلة إرجاع الهيكلية العامّة للوجود إلى محور واحد ومنطلق فرد ، فإنّه لا يمكن إثباته على ضوء نظرية التطوّر إلاّ بالشطب عليه ، وعند ذلك لا يبقى لنا من نظرية التطوّر

٥٥٦

بعد شطب هذه الأُمور إلاّ الصورة الشكلية للنظرية ، التي لا توافق بمعظمها لما طرحه دارون أو لامارك.

وأمّا ما ذكرتم حول التطوّر فقد أسلفنا الكلام عليه ، وقلنا بأنّه يحتاج إلى التوفيق بين أُسس نظرية التطوّر وبين البحث التجريبي الحديث ، وهو بحاجة إلى وقت ودراسة ، وما ذكر لا يشكل إلاّ تشبيهاً يعيد المحتوى عمّا طرحه دارون ولامارك.

( عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

التفكير ليس أثراً مادّياً :

س : يقول الفيلسوف ماركس مضموناً : إنّ المادّة هي أسبق بالوجود من العقل ، وإنّما العقل هو انعكاس لوجود المادّة ، فكيف يمكنكم الردّ على هذه النظرية؟

ج : أوّلاً : ليست هذه مقالة لماركس بل لجميع المادّيين ، وذلك أنّهم يرون أنّ عملية التفكير هي أثر ومعنى مادّي لا مجرّد ، إذ المادّة عندهم تساوي الوجود ، فكُلّ غير مادّي هو ليس بموجود ، إذاً فكون العقل أثر للمادّة مبتن على أنّ الموجود مساوي للمادّة ، ولكنّا لا نسلّم ذلك ، بل عندنا أنّ الموجود أعم من المادّي والمجرّد ، وإثباته في محلّه.

ثانياً : أنّ هناك أدلّة كثيرة أُقيمت على أنّ التفكير ليس أثراً مادّياً :

منها : استحالة انطباع الكبير في الصغير ، فإنّ صورة الموجودات بما لها من حجم موجودة في أذهاننا ، مع أنّ دماغنا المادّي صغير ، فلابدّ من وجود مجرّد وارد دماغنا هو الذي يشكّل حقيقة العلم.

ومنها : امتناع انطباع المتّصل في المنفصل.

ومنها : الروابط التصديقية لا تقبل الانقسام.

ومنها : الوجدانيات لا تنقسم.

٥٥٧

ومنها : إدراك الكُلّي غير مادّي.

ومنها : ثبات الفكر وعدم تغيّره.

وللبسط في هذه الأدلّة راجع كتاب « نظرية المعرفة » للشيخ جعفر السبحاني.

( علي ـ البحرين ـ ٣٠ سنة ـ طالب )

معنى قاعدة حكم الأمثال :

س : قرأت في بعض الكتب أنّ قاعدة : حكم الأمثال في ما يجوز ولا يجوز واحد ، مستنبطة من مبدأ العلّية ، فهل لكم أن تشرحوا لنا كيف يكون ذلك؟ وما هو وجه استنباطها منه ، ولكم الشكر الجزيل.

ج : إنّ قانون العلّية أو مبدأ العلّية هو قانون عقلي عام ، يعني : إذا ثبت أنَّ هذه العلّة تؤثّر هذا المعلول ، فكُلّما وجدت العلّة وجد المعلول وبالعكس ، فهذا القانون لا يتخلّف ، فإذا ثبت الحكم لأحد أفراد المعلول ، فيجب أن يسري ذلك الحكم ، ويحمل على أفراده الأُخرى من دون فرق بين فرد وآخر.

وكذلك إذا انتفى حكم عن فرد من أفراد نوع أو معلول ، فيجب أن ينتفي ولا يثبت لفرد آخر من نفس النوع وهكذا.

فإذا ثبت الضحك أو المشي للإنسان ، فيجب إثباته لجميع الأفراد على حدٍّ سواء ، وإذا نفينا العلّية مثلاً عن أحد أفراد الإنسان ، فيجب نفيه وعدم إمكان إثباته لأي فرد آخر من نوع الإنسان.

فالأمثال عبارة أُخرى عن المثلين في المنطق ـ وهما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان ـ فما يصدق على أحد المثلين يصدق على الآخر دون فرق ، وما لا يصدق على أحدهما لا يصدق على الآخر.

٥٥٨

( ـ سنّي ـ )

اختلاف العبادات بين الشيعة والسنّة :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل هناك اختلاف في العبادات بين السنّة والشيعة؟

ج : نعم يوجد بعض الاختلاف في الفروع بين الفريقين ، بسبب أخذنا تفسير الكتاب والسنّة من أهل البيتعليهم‌السلام حصراً ، وأخذهم من جميع الصحابة لهما رواية ودراية.

فالصحابة كثيرون جدّاً ، ويروون الأحاديث المختلفة والمتعارضة ، وكذلك فهمهم مختلف ، وكُلّ يدلو بدلوه ، وهم ليسوا سواء في العلم ، أو كثرة المصاحبة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو السابقة أو عدم الانشغال عنه بالأُمور الحياتية من زراعة وتجارة وغيرها.

وكذلك نرى أنّ العدالة تختلف درجاتها بينهم ، وتغيير الأحكام والدين بدأ ينمو بشكل كبير في أزمان قريبة من وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبدأ الاجتهاد يطفو على سطح المجتمع الإسلامي ، ويقدّم قول فلان وفلان على النصوص الواضحة الصريحة ، وبدأ النهي عن رواية الحديث الشريف أيضاً ، وحبس الصحابة في المدينة وعدم خروجهم للتبليغ ، وكذلك ضرب عمر بعض الصحابة بالدُّرة لتحديثهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغير ذلك من ملابسات عديدة قد نبَّه وحذّر النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله منها ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لينتقضن عرى الإسلام عروة عروة وأولهن نقضاً الحكم ، وآخرهن الصلاة »(١) .

وقال الهيثمي : « رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح »(٢) .

وكذلك أثبت الصحابة ذلك التغيير والانحراف بعد وفاة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روى البخاري بإسناده عن الزهري قال : « دخلت على أنس بن مالك بدمشق

__________________

١ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٥١ ، المستدرك ٤ / ٩٢.

٢ ـ مجمع الزوائد ٧ / ٢٨١.

٥٥٩

وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضُيّعت »(١) .

وفي البخاري وعن أنس أيضاً قال : « ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قيل الصلاة ، قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟ »(٢) .

وروى البخاري أيضاً عن أُمّ الدرداء قالت : « دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك؟ فقال : والله ما أعرف من أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً »(٣) .

فهذا أبو الدرداء يثبت شيئاً واحداً بقي في المسلمين على حاله ، وهو صلاة الجماعة ، وذاك أنس بن مالك يثبت تغيّر كُلّ شيء عمّا كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهؤلاء الصحابة كانوا في زمن قريب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف الحال الآن؟

وهذه النصوص صريحة في التغيير والانحراف حتّى في العبادات ، ولكن مع كُلّ ذلك فإنّ المستقي للفروق الفقهية بين مذهب أهل البيت والمذاهب الأُخرى يجد : أنّ الاتفاق أكثر من الاختلاف ، وهذا ما ذكره جمع من المحقّقين ، والله العالم.

( وسام صباح عبد الرضا ـ العراق ـ ٢٨ سنة ـ بكالوريوس طبّ وجراحة عامّة )

علاقة الأجزاء بالمركّب :

س : هل العبارة التالية أوّلية بديهية : المركّب يحتاج إلى وجود أجزائه قبل وجوده ، ثمّ يحتاج إلى التأليف بين هذه الأجزاء؟ إن نعم كيف ذلك؟ أرجوكم أن تكون الإجابة بشيء من التفصيل ، مع جزيل الشكر والتقدير.

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ١٣٤.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ المصدر السابق ١ / ١٥٩.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667