موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة11%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297425 / تحميل: 6713
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القسم بغير الله :

( عبد المجيد البحراني ـ )

جائز ولكن لا يصحّ :

س : توجد رواية ذكرت في أكثر من مصدر من مصادرنا ، ونصّ الرواية عن الإمام المعصوم : « إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به »(١) .

فيقول السائل : نجد أنّ البعض يقسم على الآخر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، فكيف نجمع بين هذه الرواية وبين ما يفعله البعض؟

ج : إنّ الأحاديث المروية في الوسائل(٢) ، والمقارنة والجمع فيما بينها ، يوصلنا إلى نتيجة : أنّ هذه الرواية لا تدلّ على الحرمة ، بل على عدم ترتّب آثار اليمين ، فلا يكون يميناً ، وليس عليه كفّارة إن خالف ، لأنّ اليمين الذي تترتّب عليه الآثار ، وتجب بمخالفته الكفّارة ، هو الحلف بالله وأسمائه الخاصّة ، حتّى أنّك تشاهد في الرسائل العملية التعبير : بلا يصحّ الحلف بالله وبأسمائه تعالى ، ولم يقولوا : لا يجوز.

وللتوضيح أكثر ، فإنّ الروايات المروية في هذا الباب على قسمين :

__________________

١ ـ الكافي ٧ / ٤٤٩ ، من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٧٦ ، تهذيب الأحكام ٨ / ٢٧٧.

٢ ـ وسائل الشيعة ٢٣ / ٢٥٩.

٦١

قسم : تنهى عن القسم بغير الله ، كهذا الحديث وأمثاله.

وقسم فيها القسم بغير الله ، كقول الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث : « لا وقرابتي من رسول الله »(١) ، وقول الإمام الرضاعليه‌السلام أيضاً : « تعدوا وبيت الله الحقّ »(٢) ، وقول أبي جرير القمّي لأبي الحسنعليه‌السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمّ إليك ، ثمّ حلفت له : وحقّ رسول الله ، وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه(٣) .

ولمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلاً يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرّة وقال له : «ويحك إنّ الله لا يحجبه شيء عن شيء » ، فقال الرجل : فأُكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال : «لا ، لأنّك حلفت بغير الله »(٤) .

فالجمع بين هذه الأحاديث جعل العلماء يفتون بعدم صحّة القسم بغير الله ، بمعنى عدم ترتّب آثار القسم عليه ، لا عدم الجواز.

( الغريب ـ أمريكا ـ ٣٠ سنة ـ مهندس كهرباء )

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي :

س : هل يترتّب أثر دنيوي أو أُخروي للقسم بالقرآن الكريم كذباً؟

ج : أمّا من حيث الأثر التكليفي كالكفّارة فلا ، لانحصاره بالحلف بـ « الله » فقط ، نعم يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي لفرية الكذب ، منها : حرمان الهداية ، قال تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٥) ، ووراثة الفقر ، فعن الإمام عليعليه‌السلام : « واعتياد الكذب يورث الفقر »(٦) .

__________________

١ ـ الكافي ١ / ١٨٧.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٧٧٩.

٣ ـ الكافي ١ / ٣٨٠.

٤ ـ الفصول المختارة : ٦٥.

٥ ـ غافر : ٢٨.

٦ ـ الخصال : ٥٠٥.

٦٢

وذهاب البهاء ، قال النبيّ عيسىعليه‌السلام : «من كثر كذبه ذهب بهاؤه »(١) ، وقد جُعل الكذب شرّ مفاتيح الشرّ ، قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ الله جعل للشرّ أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب »(٢) .

ومن الآثار الآخروية التعرّض لعقاب الله تعالى ، والمكوث في النار ، قال المولى جلّ وعلا :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (٣) .

وهذا العمل ، أي الحلف بالقرآن الكريم كاذباً ، فيه جناية مزدوجة ، الأُولى جرأة صارخة على كتاب الله العزيز ، الذي قال المولى سبحانه فيه :( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ ) (٤) ، والثانية جريمة الكذب والافتراء التي تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

أعاذنا الله من شرور أنفسنا ، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

( أحمد ـ ـ ٣١ سنة )

حكمه في المذاهب الأربعة :

س : هل يجوز الحلف بغير الله عزّ وجلّ؟ وما هو حكمه عند المذاهب الأربعة؟ وشكراً.

ج : تضافر الحلف بغير الله تعالى في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، فقد حلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير مورد بغير اسم الله.

فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : «أما وأبيك لتنبئنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء »(٥) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٣٤١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٣٩.

٣ ـ الجاثية : ٧.

٤ ـ الحشر : ٢١.

٥ ـ صحيح مسلم ٣ / ٩٣.

٦٣

هذا وقد حلف غير واحد من الصحابة بغير الله تعالى كأبي بكر ، فعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، أنّ رجلاً من أهل اليمن ـ أقطع اليد والرجل ـ قدم فنزل على أبي بكر ، فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلّي من الليل ، فيقول أبو بكر : وأبيك ، ما ليلك بليل سارق(١) .

وهذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد حلف بغيره تعالى في غير واحد من خطبه ، كقوله : « ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ ، وخابط الغي من إدهان ولا إيهان »(٢) ، وكقولهعليه‌السلام : «ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود »(٣) ، إلى غير ذلك من الأقسام الواردة في كلامهعليه‌السلام وسائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الأُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من الله تعالى بغير ذاته تعالى من الجماد والنبات والإنسان ، فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمتّ إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه لله سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فإنّه لو كان حقيقة الحلف بغير الله شركاً ، فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم ، الحلف بغير الله لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّ من الحلف بالله تعالى ، أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ، ولا علاقة له بالبحث.

وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية فقالوا : بأنّ الحلف بالأب والحياة ـ كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه ـ مكروه.

وأمّا الشافعية فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه.

__________________

١ ـ الموطّأ ٢ / ٨٣٥.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣١.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٣٨٧.

٦٤

وأمّا المالكية فقالوا : إنّ في القسم بالعظماء والمقدّسات ـ كالنبيّ والكعبة ـ فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.

وأمّا الحنابلة فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله وبصفاته سبحانه حرام ، حتّى لو كان حلفاً بالنبيّ أو بأحد أولياء الله تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الأربعة ، ولسنا الآن بصدد مناقشتهم ، ولكن الحري بفقهائهم ـ ولاسيّما في العصر الراهن ـ فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد ، إذ كم ترك السلف للخلف.

على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لأنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب المغني ـ الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة ـ : « أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبيّ ، وأنّه ينعقد لأنّه أحد ركني الشهادة »(١) .

وقال أحمد : « لو حلف بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انعقدت يمينه ، لأنّه حلف بما لا يتمّ الأيمان إلاّ به فتلزمه الكفّارة »(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : المغني لابن قدامة ١١ / ٢٠٩.

٢ ـ المجموع ١٨ / ١٨.

٦٥
٦٦

قول آمين في الصلاة :

( السيّد سلمان ـ البحرين ـ )

لا يصحّ لتوقيفية العبادات :

س : أمّا بعد ، لا أرى أيّ مانع في استخدام كلمة آمين في الصلاة ، إذا كانت بمعنى : اللهم استجب ، فالصلاة في طبيعة الحال هي نوع من أنواع الدعاء ، الذي تصحبه حركات نصّ الباري عليها ، ليقوم بها العبد للتأكيد على صدقية هذا الدعاء ، والحاجة إليه ، وللاعتراف بربوبية الله عزّ وجلّ.

كما أنّ كلمة آمين كثيراً ما تنطلق من أفواه خطبائنا على المنابر بعد الفراغ من مجالس الذكر ، فهل يجوز ذكرها على المنابر؟ ولا تجوز في الصلاة؟ وما هو الفرق؟

ج : إنّ العبادات توقيفية ، بمعنى عدم جواز الإضافة من عندنا ، وأن كانت حسنة المعنى ، بل الالتزام بكُلّ تفاصيلها بما ورد من نصوص في ذلك.

وكلمة آمين كلمة حسنة ، نستعملها ونستعمل غيرها من الألفاظ ، ولكنّ استعمالها في الصلاة يحتاج إلى نصّ صريح ، ولم يرد النصّ فتكون بدعة ، والبدعة : إدخال شيء ما في الدين وهو ليس منه.

ونعطيك مثالاً آخر يوضّح لك المطلب : من المستحبّات صلاة ألف ركعة في شهر رمضان ، كانت تصلّى هذه الألف في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي بكر فرادى ،

٦٧

ولمّا كان في عهد عمر بن الخطّاب ، دخل المسجد فرأى الناس يصلّونها فرادى ، فجمعهم فصلّى بهم هذه النافلة جماعة ، ثمّ قال : نعمت البدعة هذه(١) .

أُنظر يا أخي ، تارة يكون الملاك الالتزام بما جاء به الشرع ، وتارة يكون بالذوقيات ، لا بما حدّده الشرع ، والعقل والفطرة والقرآن والسنّة كُلّها تدلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشرع ، وإلاّ فكان الدين لعبة بيد الحكّام ، تتلاعب به الأذواق.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

مبطل للصلاة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة العقائدية الهادفة ، وأتمنّى لكم دوام النجاح.

سؤالي هو بخصوص آمين ، حيث أنّ علماء الشيعة لم يتوحّدون على جواب واحد : فمنهم من يقول : إنّ آمين تبطل الصلاة ، لأنّ أي زيادة أو نقصان في الصلاة هو مبطل لها ، مع أنّكم تستحبّون بقول شيء آخر غير آمين ، ولا أتذكر بالضبط القول الذي تقولونه بعد( وَلاَ الضَّالِّينَ ) .

فهل يوجد حديث يحرّم أو ينهي على قول آمين ، سواء في كتب العامّة؟ أو في كتبكم؟ وشكراً لكم.

ج : الكلام في قول آمين كما يلي : إنّ هذه اللفظة لم ترد على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الحمد ، وبما أنّ العبادات ـ وعلى رأسها الصلاة ـ توقيفية ، بمعنى أنّها موقوفة على إذن الشارع وما ورد عنه ، فيجب التقيّد بما صدر عنه فيها.

فإذا لم تكن لفظة آمين واردة عن الشارع ، فإمّا أن يقصد المصلّي من الإتيان بها بعد الحمد أنّها جزء من الصلاة ـ كما يفعله أهل السنّة ـ أو لا يقصد الجزئية بها.

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، المصنّف للصنعاني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، الموطّأ ١ / ١١٤.

٦٨

فإن كان الأوّل فالصلاة باطلة ، لدخولها تحت عنوان البدعة ، والتي هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين.

وإن لم يقصد بها الجزئية ـ سواء الجزء الواجب أو المستحبّ ـ فتارة يقصد بها مطلق الدعاء لله تعالى ، والذي هو بمعنى : ربّ استجب ، وأُخرى يأتي بها لا بعنوان الدعاء.

فإن قصد الأوّل فلابأس به ، ويجوز الإتيان بها بعنوان مطلق استحباب الدعاء في إثناء الصلاة ، وإن لم يقصد الدعاء فالصلاة باطلة ، لأنّه لغو وكلام زائد في الصلاة ، وقد اتفق الأعلام على أنّ الكلام الزائد في الصلاة عمداً مبطل لها.

وأمّا ما تقوله الشيعة بعد سورة الحمد ، فهو عبارة عن دعاء ، قولهم : الحمد لله ربّ العالمين ، وقد وردت النصوص والروايات الكثيرة في استحباب هذا الدعاء بعد سورة الحمد ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة ، والتي تقول باستحباب الدعاء وذكر الله في كُلّ وقت ومكان.

( أبو أحمد ـ الكويت ـ )

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : نشكركم على جهودكم الطيّبة ، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.

أمّا بعد : هل توجد روايات في كتب العامّة ، من أنّ أوّل من سنّها في الصلاة عمر؟ أي : قول آمين ، هذا وتقبّلوا منّا فائق الاحترام والشكر.

ج : لم يقل أحد من الشيعة أو السنّة بأنّ عمر سنّ قول آمين في الصلاة ، ولكنّ الوارد في رواياتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّها من البدع التي أُحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا حكم فقهاء الشيعة ببطلان الصلاة حال التلفّظ بها بقصد الجزئية ، كما يفعله أهل السنّة.

٦٩

وما ورد في روايات أهل السنّة عن قول آمين كُلّها تعاني من مشاكل في أسانيدها ، فمنها المرسل ، ومنها مروية عن رجال متّفق على تضعيفهم ، ومنها مروية عن رجال مختلف فيهم ، ومنها مروية عن مجهولين ، وهكذا.

إذاً ، كُلّها أحاديث عليها علامات استفهام ، ولا يصحّ الاعتماد عليها.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند :

س : أنا سنّي مالكي ، أُريد الإجابة على سؤالي : ما هو الدليل بأنّ التأمين بدعة ، يوجد حديث في الكتب السنّية بأنّ التأمين سنّة نبوية ، فما هو تعقيبكم على ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : التأمين في الصلاة بعد قراءة الحمد محظور ومبطل عند الشيعة ، لخروجه عن مصداقية الصلاة ، إذ هو من كلام الآدميين ، ولا يصلح شيء منه في الصلاة ، ولهم في هذا المجال أحاديث وردت عن طريق أئمّتهمعليهم‌السلام .

ويؤيّد هذا الحكم بأنّ الروايات التي وردت عند أهل السنّة لمشروعية التأمين ، بأجمعها غير صالحة للاستناد بسبب ضعف السند ، إذ أكثرها نقلت عن أبي هريرة ، وهو كما نعلم مغموز فيه ، ويكفيك أن تقرأ كتابي : أبو هريرة للسيّد شرف الدين ، وشيخ المضيرة أبي هريرة للشيخ محمود أبو ريّة ، لتطلّع على شخصيته.

وبعضها القليل قد جاء في طريقه محمّد بن كثير العبدي ، الذي جرّحه يحيى بن معين ، وبعضها الآخر قد اشتمل على حجر بن عنبس في السند ، الذي أنكره ابن القطّان ، وقال : إنّه لا يعرف ، وأحياناً وردت عن أبي عبد الله ، الذي أنكره صاحب الزوائد ، وعن بشر بن رافع ، الذي ضعّفه أحمد ، ونسبه ابن حبّان بالوضع في الرواية.

٧٠

فهي كما ترى لا يوجد فيها حديث صحيح السند ، قابل للاعتماد في إثبات هذه السنّة المزعومة!!

ثمّ على فرض ورود أحاديث في هذا المجال ، فهي متعارضة مع روايات أُخرى تحدّثت عن صلاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرد فيها التأمين ، فعلى سبيل المثال :

عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : فأعرض علينا ، قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر(١) ، فلم يذكر التأمين ، وعليه فيجب علينا إسقاط طرفي المعارضة من الحجّية ـ كما هو مقرّر في علم الأُصول ـ ثمّ الحكم بعدم ورود التأمين في الصلاة.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٧٢ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، شرح معاني الآثار ١ / ٢٢٣ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٩٦.

٧١
٧٢

القياس :

( أحمد أزهر ـ الإمارات ـ )

في نظر الشيعة :

س : هل تؤمن الشيعة بمبدأ القياس في التشريع الإسلامي؟

ج : الشيعة لا تعمل بالقياس في أحكامها الشرعية ، وذلك لوجود النهي عنه في النصوص الشرعية ، ولبطلانه عقلاً ، ولوجود قواعد كُلّية وأدلّة تامّة تغنينا عن إعمال القياس.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تعريفه :

س : ما معنى القياس الذي يعدّه العامّة مصدراً من مصادر التشريع في فقههم؟ ومن المعلوم أنّ القياس باطل في عرف مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الحقّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ القياس في اللغة هو : التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع ، إذ قدّرته به ، وفي الاصطلاح عرّف تارة بالاجتهاد ، وأُخرى ببذل الجهد لاستخراج الحقّ ، ولكن يرد على هذين التعريفين أنّهما غير جامعين ولا مانعين.

أمّا كونهما غير جامعين ، فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم.

٧٣

وأمّا كونهما غير مانعين ، فلدخول النظر في بقية الأدلّة ، كالكتاب والسنّة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنّها ليست من القياس المصطلح بشيء.

والمشهور أنّه : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما ، من حكم أو صفة.

ولكن سجّلت على هذا التعريف عدّة مفارقات ، لعلّ أهمّها ما أورده الآمدي عليه من لزوم الدور ، ولهذا عرّفه الآمدي بأنّه : « عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل »(١) .

وعرّفه ابن الهمام : « هو مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعي ، لا تدرك بمجرّد فهم اللغة » ، ويبدو أنّ هذا التعريف أسلم التعاريف من الإشكالات والمؤاخذات.

ثمّ إنّ الذي رفضه أهل البيتعليهم‌السلام من القياس ، هو القياس في الأحكام الشرعية ، لعدم إحراز علّة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، وأمّا القياس في مجال أُصول العقائد فلا مانع فيه.

( جابر عبد الواحد ـ البحرين ـ )

أدلّته :

س : أشكركم على جهودكم ، وأسألكم عن أدلّة القياس التي أعتمد عليها أهل السنّة في حجّيته؟ مع ذكر ردّ علمائنا عليهم ، وأرجو أن يكون فيه شيء من التطويل ، وجزاكم الله خير الجزاء.

ج : الأدلّة التي ذكرها المثبتون للقياس كثيرة ، وهذه الأدلّة تعتمد على الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

أدلّتهم من الكتاب : وقد استدلّوا من الكتاب بعدّة آيات هي :

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٣ / ١٩٠.

٧٤

١ ـ قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (١) .

وتقريبها : أنّ القياس بعد استنباط علّته بالطرق الظنّية من الكتاب والسنّة ، يكون ردّاً إلى الله والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهما بهذه الآية ، ومعناه أنّنا مأمورون بالرجوع إلى القياس عند التنازع ، وليس معنى الأمر بذلك إلاّ جعل الحجّية له.

ولكن يرد عليه بعض المؤاخذات وهي :

أ ـ إنّ دلالة الآية متوقّفة على أن يكون القياس الظنّي ردّاً إلى الله والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا إلى هذه الآية ونظائرها لإثبات كونه ردّاً.

ب ـ الآية إنّما وردت في التنازع والرجوع إلى الله والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً ، لاختلاف الظنون.

وعلى هذا ، فالآية أجنبية عن جعل الحجّية لأيّ مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع إلى من له حقّ القضاء ، والحكم باسم الإسلام لفضّ الخصومات.

ج ـ إنّ الآية لا تدلّ على حجّية القياس بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها إلى مقام الإفتاء والعمل الشخصي ، لا يتمّ إلاّ من طريق السبر والتقسيم أو غيره.

٢ ـ قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) (٢) .

__________________

١ ـ النساء : ٥٩.

٢ ـ الحشر : ٢.

٧٥

موضع الدلالة من الآية كلمة اعتبروا ، بدعوى أنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار فقد أُمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجّيته.

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتّضح لها وجه ، وذلك :

أ ـ إنّ إثبات الحجّية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان ، هو أنّنا لو صرّحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مراداً لصاحبه.

ب ـ مع التنزّل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها ، إلاّ أنّها واردة لجعل الحجّية لأصل القياس كدليل.

٣ ـ قوله تعالى :( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (١) .

وقد قرّب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : إنّ الله عزّ وجلّ ، استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإنّ الله عزّ وجلّ قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدأ خلقها وإنشائها أوّل مرّة ، لإقناع الجاحدين بأنّ من قدر على بدأ خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسّيات ، ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان.

والجواب على هذا التقريب :

أ ـ إنّ هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجّية القياس ، لصحّ أن يعقّب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلّم الكلام كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر.

__________________

١ ـ يس : ٧٨ ـ ٧٩.

٧٦

ب ـ لو سلّم ذلك ـ جدلاً ـ فالآية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجّية لأصل القياس لا لمسالكه ، والدليل الذي يتكفّل حجّية الأصل لا يتكفّل بيان ما يتحقّق به.

ج ـ ولو سلّمنا أيضاً دلالته على حجّية مسالكه ، فهي لا تدلّ عليها بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، لأنّ الآية إنّما وردت في قياس الأُمور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها إلى الأُمور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره ، فيلزم الدور.

٤ ـ قوله تعالى :( فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) .

قد استدلّ بها الشافعي على حجّيته ، حيث قال : « فهذا تمثيل الشيء بعدله ، وقال تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكّل ذلك إلى اجتهادنا ورأينا »(٢) .

والجواب : إنّ الشارع وإن ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلاّ أنّه على وفق ما جعل لها الشارع ، أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظنّي من هذه الطرق كالبيّنة هو موضع الخلاف ، والآية أجنبية عن إثباته.

٥ ـ قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (٣) .

قد استدلّ بها ابن تيمية على القياس بتقريب : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية.

وقد أجاب عنه الشوكاني : « بمنع كون الآية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلّمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها ، فإنّه لا تسوية إلاّ في الأُمور المتوازنة ، ولا توازن إلاّ عند القطع بنفي الفارق ، لا في

__________________

١ ـ المائدة : ٩٥.

٢ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٧.

٣ ـ النحل : ٩٠.

٧٧

الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة »(١) .

والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.

أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :

أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : « فإن لم تجد في كتاب الله »؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : «فإن لم تجد في سنّة رسول الله ، ولا في كتاب الله »؟ قال : أجتهد رأيي ، قال : فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدره ، وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله »(٢) .

وتقريبه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.

ويردّ على الاستدلال بالرواية :

١ ـ إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.

٢ ـ إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :

أ ـ إنّ إقرار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.

__________________

١ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٨.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ، سنن الدارمي ١ / ٦٠ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١١٤ ، مسند أبي داود : ٧٦.

٧٨

ب ـ إنّ هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختصّ باب القضاء بأحكام لا تسري إلى عالم الإفتاء.

ج ـ إنّ هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي ، ولا أقلّ من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعاً بين هذه الأدلّة.

ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للقياس ، وبما أنّ عمله حجّة باعتباره سنّة واجبة الإتباع ، فإنّ هذه الطائفة من الأحاديث دالّة على حجّية القياس.

والأحاديث التي ذكروها كثيرة :

منها : حديث الجارية الخثعمية أنّها قالت : يا رسول الله ، إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك »؟ قالت : نعم ، قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء ».

ووجه الاحتجاج به كما قرّبه الآمدي : إنّه ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس.

ومنها : الحديث الذي جاء فيه : إنّه قال لأُمّ سلمة ، وقد سئلت عن قُبلة الصائم : هل أخبرته أنّي أُقبّل وأنا صائم ، وإنّما ذكر ذلك فيما يقول الآمدي تنبيهاً على قياس غيره عليه.

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا : نعم ، فقال : «فلا إذن »(١) .

والجواب على هذه الأحاديث :

١ ـ إنّ هذه الأحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجّية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها ، جعل الحجّية لمثل أقيستهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا كان معلوم العلّة لديه ، كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته ، من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الأحكام.

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٤ / ٣٤.

٧٩

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيباً ، لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف(٢) .

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!

٢ ـ إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.

فالكبرى ـ وهي مطوية ـ : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون الله وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دين الله لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فدين الله أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.

ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.

__________________

١ ـ النجم : ٤.

٢ ـ الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٦ / ٧٧٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

ج : قد أشار الأعلام في المصادر المعقولية إلى وجه امتياز الأجزاء عن المركّب ، وأنّ الأجزاء من دون شرط التمام تعتبر أجزاء ، وبشرط الاجتماع تسمّى مركّباً.

وقول : أنّ المركّب مفتقر إلى الأجزاء إنّما يصحّ بنحو من الاعتبار ، وإلاّ فهما من حيث الوجود الحقيقي الذي له منشئية الآثار متّحدان ، فالأجزاء بالأسر هو عين المركّب ، وبما أنّ الشرط هو الهيئة الاجتماعية ، لا يمكن أن يحدث من دون التئام واجتماع للأجزاء كُلّها على النسق المعيّن المعتبر.

وقول : أنّ المركّب محتاج إلى الأجزاء ، في الحقيقة أنّه إذا لوحظ الأجزاء بالأسر ، فحاجة المركّب إليها احتياج الشيء إلى نفسه ، وإذا لوحظ المركّب بالمعنى المتقدّم بالقياس إلى كُلّ واحد من الأجزاء ، مع قطع النظر عن شرط التمام ، فالاحتياج وإن كان ثابتاً ، إلاّ أنّ كُلّ واحد من تلك الأُمور التي ينشأ منها المركّب ، لا يوصف بأنّه جزء قبل الاجتماع إلاّ بعلاقة الأوّل.

لأنّ وصف الجزئية والكُلّية متضايفان ، يمتنع أن يتحقّق أيّ منهما قبل الآخر ، فاحتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وأن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء لأنّها عين المركّب ، ولا دليل على لزوم تقدّمها عليه ، بل ممكن تحقّق المركّب مع جميع أجزائه دفعة واحدة ، بل في المركّب من جنس وفصل ، ومن الوجود والماهية يستحيل تقدّم الأجزاء على المركّب في الوجود ، الذي له منشئية الآثار ، وتوقّفه على حصوله ليس في الحقيقة احتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وإن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء ليلتئم منها المركّب ، وهذا ما يسع له المجال في المقام.

فالقضية المذكورة في صورة إمكان فرض الاحتياج بديهية ، يكفي فيها تصوّر الأطراف.

٥٦١

( علي ـ البحرين ـ ٢٦ سنة ـ تعليم عالي )

معنى التقليد والأدلّة عليه :

س : ما هو التقليد؟ ومتى بدأ؟ وما الدليل عليه؟

ج : التقليد لغةً بمعنى : جعل الشخص أو غيره ذا قلادة ، فيقال : تقلّد السيف ، أي ألقى حمالته في عنقه ، وفي حديث الخلافة : «قلّدها رسول الله علياً »(١) ، أي جعلها قلادة له ، ومعنى أنّ العامي قلّد المجتهد ، أنّه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه ، وأتى بها استناداً إلى فتواه.

وقد أشارت جملة من الروايات إلى هذا المعنى ، نذكر منها معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : « كان أبو عبد اللهعليه‌السلام قاعداً في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء إعرابي ، فسأل ربيعة الرأي عن مسألة ، فأجابه ، فلمّا سكت ، قال له إعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئاً ، فأعاد المسألة عليه ، فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الإعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «هو في عنقه » ، قال : أو لم يقل : وكُلّ مفتٍ ضامن »(٢) .

وهناك أخبار مستفيضة يمكنك الرجوع إليها في كتاب وسائل الشيعة(٣) .

وعلى هذا نرى بأنّ اللغة والاصطلاح والعرف متطابقة على أنّ التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل ، فالتقليد أمّا أن يكون بمعنى الأخذ والالتزام ، أو يكون معناه العمل استناداً إلى رأي الغير ، وهو العالم الجامع للشرائط.

والضرورة تقتضي التقليد ، وذلك لأنّ كُلّ مكلّف يعلم علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية فرضها الشارع المقدّس عليه ـ من وجوب أو حرمة ـ والإتيان

__________________

١ ـ الاجتهاد والتقليد : ٧٨.

٢ ـ الكافي ٧ / ٤٠٩.

٣ ـ وسائل الشيعة ٢٧ / ٢٢٠.

٥٦٢

بالواجب وترك المحرّم له طريقان : أمّا أنّه يعرف الواجب فيأتي به ، والمحرّم فيتركه ، وأمّا أنّه غير عالم بهما ، فيجب الرجوع إلى العالم بهما ، وهو المتخصّص في عمله لإبراء ذمّته أمام مولاه ، وهذا هو معنى التقليد الذي هو الاعتماد على المتخصّصين والرجوع إليهم.

ومن هنا يظهر : أنّ التقليد من الأُمور الارتكازية ، حيث رجوع كُلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع ، وكُلّ من لا يعرف أحكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصّص ، فيضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلّده ، وهذا غير محدّد بزمان ، بل هو جار في كُلّ الأزمنة.

والتقليد من فطريات العقول والشارع ، قد أمضاه بعدم الردع عنه ، فرجوع الجاهل إلى العالم في زمان الأئمّةعليهم‌السلام ، كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني ، الحاصل من مشافهة الأئمّةعليهم‌السلام ، وأمّا في زماننا ، فهو رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والإمارات.

ويكون عمله تنزيلياً تعبّدياً لا وجدانياً ، فهو الطريق الأكثر عملية لُجلّ الناس ، لاعتيادهم في كُلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة ، وهو واجب كُلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد أو الاحتياط.

( أحمد ـ الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب )

العقل في حالة قطعيته مقدّم على النصّ :

س : تقبّل الله أعمالكم ، ووفّقكم الله لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص العقل ، ما هو دوره في الأُصول العقائدية؟ هل القرآن والسنّة مقدّمتان على العقل أم هو العكس؟

ج : لا نتمكّن أن نجيب بضرس قاطع بتقديم النصّ على العقل ، أو بتقديم العقل على النصّ ، بل لابدّ من التفصيل ، فتارة يكون حكم العقل قطعياً وبدرجة كاملة من الوضوح ، وفي مثله يقدَّم العقل ، ويكون كقرينة على

٥٦٣

التصرّف في ظهور النصّ ، فإنّ القرائن ذات ألوان مختلفة ، وأحد تلك الألوان هي القرائن العقلية.

فإذا حكم العقل بنحو القطع بأنّ الله سبحانه لا يمكن أن يكون جسماً ، أو في مكان معيّن مثلاً ، فإذا جاء نصّ يقول :( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (١) فلابدّ من حمله على الكناية عن السيطرة الكاملة.

هذا إذا كان حكم العقل قطعياً ، وأمّا إذا لم يكن قطعياً ، فيؤخذ بظاهر النصّ ، ولا يجوز تأويله ، ورفع اليد عنه بحكم العقل.

إذاً ، العقل في حالة قطعيته هو المقدّم على النصّ ، وفي حالة عدم قطعيته يكون النصّ هو المقدّم.

( أبو بكر أحمد صدّيق ـ مصر ـ شافعي ـ ٣٢ سنة ـ دكتوراه فلسفة في التربية )

قول لا إله إلاّ الله مشروط بالإخلاص :

س : أُريد معرفة مدى صحّة الحديث التالي؟ وما هي الكتب التي ورد بها؟ وما هو تعليقكم عليه : « من قال لا اله إلاّ الله ومدّها ، هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبائر » (٢) ، مع إرسال النصوص الأصلية الاستدلالية إن أمكن ، أو إرشادي إلى مواقعها تحديداً ، وجزاكم الله خيراً ، ونفعنا بعلمكم.

ج : لا يوجد هذا الحديث في مصادرنا ، ولم يُروَ عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا المصادر السنّية ، فقد ورد في كتب غير معتبرة الصحّة ، فقد رواه المتّقي الهندي في كنز العمّال عن ابن النجار ، وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ـ وهو كتاب تراجم الضعفاء في ترجمة نعيم بن تمام ـ قال : « عن أنس : وعنه الحسن بن إسماعيل اليمامي ، له حديث أخرجه ابن النجار في الذيل في ترجمة أبي القاسم عبد الله بن عمر الكلوذاني المعروف بابن

__________________

١ ـ طه : ٥.

٢ ـ كنز العمّال ١ / ٦٠.

٥٦٤

داية ، من روايته عن يونس عن الحسن ولفظ المتن : «من قال لا إله إلاّ الله ومدّها ، هدمت له ذنوب أربعة آلاف كبيرة » ، هذا حديث باطل »(١) .

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : « فيه نعيم كذّاب »(٢) .

وأمّا تعليقنا عليه : فبعد أن قلنا بعدم صدوره عن أئمّتناعليهم‌السلام ، فإنّه لا يثبت لدينا مشروعية التعبّد به ، وكذلك هناك أحاديث لدينا تخالف مضمونه ، وتبيّن أن قول لا إله إلاّ الله مشروط بالإخلاص أو الصدق ، وهذه الشروط تعني الالتزام العقائدي والأخلاقي والعملي بمعنى لا إله إلاّ الله.

قال الله تعالى :( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) (٣) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام : «من قال : لا إله إلاّ الله بإخلاص فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنّة »(٤) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قال : لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة »(٥) .

وقال زيد بن أرقم : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من قال : لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة » ، قيل : وما إخلاصها؟ قال : « أن تحجزه عن محارم الله عزّ وجلّ »(٦) .

فهذه الروايات تبيّن وتوضّح مراد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمامعليه‌السلام من قول لا إله إلاّ الله ، وشروط نفعها لقائلها ، وهو الإخلاص والصدق والمعرفة ، وعدم ارتكاب المعصية بإصرار وعناد ، وليس مجرّد التلفّظ بها من دون ذلك كُلّه.

__________________

١ ـ لسان الميزان ٦ / ١٦٩.

٢ ـ تذكرة الموضوعات : ٥٥.

٣ ـ محمّد : ١٩.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤١١.

٥ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ٥.

٦ ـ المعجم الأوسط ٢ / ٥٦ ، المعجم الكبير ٥ / ١٩٧ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٧ ، تفسير الثعالبي ٢ / ٢٢.

٥٦٥

( رضا ـ بريطانيا ـ ١٨ سنة ـ طالب )

معرفة الحقّ من خلال قواعد عقلية :

س : هناك كثير من يقول أنّه لا يمكن معرفة الحقّ مطلقاً ، أي ليس هناك مثلاً قانون صحيح مطلقاً ، ولكن صحيح إلى درجة ، كيف يمكن الردّ على هذا؟ أرجو الإجابة ، وأشكركم جزيل الشكر.

ج : ينبغي ملاحظة أُمور :

أوّلاً : إنّ الدليل العقلي غير قابل للتخصيص من دون دليل آخر ، فالدليل العقلي هو بنفسه يتولّى تعيين حوزة شموله.

وبعبارة واضحة : كُلّ ما يثبته أو ينفيه العقل ، يأتي بكُلّ قيوده وسعة دلالته.

وثانياً : الحكم على صحّة أو فساد أمر هو قانون عقلي ، يجب فيه اتباع حكم العقل ؛ فالعقل هو الذي يتكفّل إعطاء نسبة الصحّة أو الفساد لكُلّ قضية وموضوع.

ثالثاً : المقصود من الحقّ المطلق هو الأمر الذي يعتبره العقل من البديهيات والأوّليات ، بحيث يكون العلم به ضرورياً ، فلا يرى احتمال الخلاف فيه جائزاً.

نعم ، إنّ لم تصل معرفة العقل لقانون أو قاعدةٍ إلى هذا المستوى ، فقد يرى اشتمال العلم به مع احتمالات أُخرى قد تتناقض مع ذلك العلم.

وعلى سبيل المثال : يجزم العقل باستحالة اجتماع النقيضين ، ولا يرى مجالاً لأي احتمال مخالف لهذا الحكم القطعي ، وحتّى أنّه يرى هذا الحكم مستقلاً عن أيّ قيد وشرط ، فلا يختصّ بزمان أو مكان ، أو أيّة خصوصية أُخرى.

ثمّ في فرض هذا الحكم ، كيف يعقل أن يحتمل تخصيص هذا القانون والحكم المقطوع به ، أو تقليل نسبة الصحّة فيه.

٥٦٦

وباختصار : فإمّا نقطع بقانون أو قاعدة ـ بالدقّة العقلية لا العرفية ـ فهذا لا يجتمع مع احتمال الخلاف فيه ، إذ أنّ الاحتمالات المناقضة هي قضايا لابدّ أن تكون صادرة من العقل ، والعقل يأبى أن يقطع بشيء ويحتمل خلافه.

نعم حدود هذه الأحكام والقوانين العقلية البحتة قد تكون مضيّقة ، ولكن لا ينكر وجود هكذا قواعد مسلّمة عند العقل غير قابلة للنقاش لضرورتها وبداهتها.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تسمية علم الكلام :

س : لماذا سمّي العلم الذي يُعنى بدراسة أُصول الدين الإسلامي والاستدلال عليها بأدلّة وبراهين تفيد العلم واليقين بعلم الكلام؟ ودمتم سالمين بجاه محمّد وآله الطاهرين.

ج : إنّ تسمية مباحث العقيدة الإسلامية بعلم الكلام لها وجوه :

١ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ القدماء من العرب سمّوا علم الجدل اليوناني بالمنطق ، والمنطق الذي يدلّ على النفس الناطقة التي تدرك الكُلّيات ، والنطق هو الكلام ، فعلم الكلام وعلم المنطق واحد.

٢ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ أصحابه تكلّموا بمسائل لم يذكرها السلف.

٣ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ المتقدّمين كانوا يعنونون فصول مباحثهم الكلامية بقولهم : كلام في التوحيد ، كلام في القدرة ، وهكذا

٤ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّ الماهر الخبير بقوانينه يمتلك قوّة الكلام على إنزال الخصم ومحاكمته والغلبة عليه.

٥ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّه كثر فيه الكلام مع المخالفين ما لم يكثر في غيره.

٦ ـ إنّه سمّي بذلك لأنّه يورث القدرة على الكلام في الشرعيات ، كالمنطق في الفلسفيات.

٥٦٧

٧ ـ إنّه سمّي بذلك ـ كما هو المشهور والمودّى إليه النظر ـ لأنّ أوّل مسألة طرحت بين المسلمين في صدر الإسلام بين الأشاعرة والمعتزلة هي : خلق القرآن الكريم أو قدمه ، على أنّ كلام الله قديم كذاته ، أو أنّه من الصفات الفعلية كالرازقية والخالقية ، وليست من الصفات الذاتية التي هي عين ذات الله تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة.

وعلى هذا الضوء سمّي العلم المتكفّل لهذه المباحث بعلم الكلام على نحو المجاز في باب التسمية ، بعلاقة الكُلّ والجزء الأوّل أو الأهم أو المعظم.

( فاطمة ـ أمريكا ـ ١٩ سنة ـ طالبة ثانوية )

الرؤية الكونية :

س : ما معنى الرؤية الكونية؟ وما المقصود بالكونية؟ وشكراً.

ج : إنّ النظام الفكري ينقسم إلى قسمين : نظام نظري ، ونظام عملي.

فالنظام الفكري النظري : هو أسلوب من التفكّر عمّا هو موجود.

والنظام الفكري العملي : هو أسلوب من التفكّر عمّا ينبغي أن يُفعل أو لا يُفعل.

فالأوّل يسمّى الرؤية الكونية ، والثاني يسمّى الأيديولوجية ، وقد عُرِّفا بالتعريف التالي :

الرؤية الكونية : مجموعة من المعتقدات والنظريات الكونية المتناسقة حول الكون والإنسان ، بل حول الوجود بصورة عامّة.

الأيديولوجية : مجموعة من الآراء الكُلّية المتناسقة حول سلوك الإنسان وأفعاله.

وهناك تعبير آخر في عرف الحكماء ، حيث يعبّرون عن الرؤية الكونية بالحكمة النظرية ، وعن الأيديولوجية بالحكمة العملية.

ويمكن تقسيم الرؤية الكونية إلى الأقسام التالية :

٥٦٨

١ ـ الرؤية الكونية العلمية : بأن يتوصّل الإنسان من طريق معطيات العلوم التجريبية إلى رؤى كُلّية حول الوجود.

٢ ـ الرؤية الكونية الفلسفية : وتحصل من خلال الاستدلال والبحوث العقلية.

٣ ـ الرؤية الكونية التعبّدية : ويتوصّل الإنسان إليها عن طريق الاعتقاد بقادة الأديان ، والإيمان بأحاديثهم.

٤ ـ الرؤية الكونية العرفانية : التي تحصل عن طريق الكشف والشهود والإشراق ، ومعرفة أبعد الحقائق بالتأمّل الذاتي ، والتوجّه الروحي ، والسلوك المهذّب نحو الله تعالى.

( أحمد ـ السعودية ـ سنّي ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

برهان النظم لا يجري في عالم التشريع :

س : الشيعة تقول بدليل النظم في إثبات الصانع ووحدته ، ولكن لا تطبّق دليل النظم في حياتها الفقهية ، فنجد الفقهاء لا يأخذون بدليل النظم في منازل القمر ، وإثبات دخول الشهر أو خروجه؟

ج : لا يخفى عليكم أوّلاً : أنّ برهان النظم لا يختصّ بالشيعة كما ذكرت ، بل هو برهان اعتمد عليه المسلمون كُلّهم ، بل وغيرهم من الأديان الأُخرى ، على إثبات وجود الله تعالى.

وثانياً : أنّ برهان النظم يجري في عالم التكوين ، فهو يُثبت أنّ للكون نظام ، ولا يجري في عالم التشريع والتكليف ، فهو لا يثبت لنا حكماً شرعياً ، بل الأحكام تثبت من خلال القرآن والسنّة.

وعليه ، فالفقهاء يتعبّدون بما ورد من الروايات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ، ولا يعتمدون على برهان النظم في أُمورهم الفقهية ، ففي قضية الصوم مثلاً ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «صم لرؤية الهلال ، وأفطر لرؤيته »(١) .

__________________

١ ـ الاستبصار : ٦٣.

٥٦٩

وعليه ، فلابدّ من إثبات دخول الشهر أو خروجه من خلال رؤية الهلال ، لا من خلال الاعتماد على الحسابات ، أو الاعتماد على برهان النظم.

( أحمد محمّد ـ ـ )

البكاء من خشية الله :

س : حُرمت البكاء من خشية الله تعالى ، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً.

ج : من وصايا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر : «يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك ، يا أبا ذر ، إنّ القلب القاسي بعيد من الله تعالى ، ولكن لا تشعرون »(١) .

إذا لم تساعدك العينان على البكاء ، فاحمل نفسك على البكاء وتشبّه بالباكين ، متذكّراً الذنوب العظام ، ومنازل مشهد اليوم العظيم ، يوم تبلى السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، وتنكشف فيه العورات ، عندها يحصل لك باعث الخشية ، وداعية البكاء الحقيقي ، والرقّة وإخلاص القلب.

وقد ورد في الحديث ما يدلّ على استحباب التباكي ، ولو بتذكّر من مات من الأولاد والأقارب والأحبّة ، فعن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني ، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي ، فهل يجوز ذلك؟

فقالعليه‌السلام : «نعم ، فتذكّرهم ، فإذا رققت فأبك ، وأدع ربّك تبارك وتعالى »(٢) .

ثمّ لا يخفى عليك أن ترك الذنوب والمعاصي ، وأن تذكر الله كثيراً ، وأن تدعو وتتوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام ، وتأكل الحلال وتجتنب الحرام ، وتأكل العدس المطبوخ ، وغير ذلك ، لأنّ هذه الأُمور تساعد على البكاء من خشية الله تعالى.

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٥٢٩.

٢ ـ الكافي ٢ / ٤٨٣.

٥٧٠

( وسام صباح عبد الرضا ـ العراق ـ ٢٨ سنة ـ طبيب )

احتياج المركّب إلى الجزء :

س : في الكتب العقائدية أجد العبارة التالية : « المركّب يحتاج إلى الجزء » ونحن نعلم : بأنّ المركّب يتألّف من جزئين فأكثر ، ويستحيل وجود مركّب من جزء واحد فقط ، فهل المقصود بالجزء في العبارة هو جنس الجزء ، الذي يصدق على أفراده؟ أم المقصود به المقابل للمركّب من باب التضايف؟

والسؤال الثاني : يقول ابن ميثم البحرانى : « الواجب بالذات لا يتركّب عن غيره ، وإلاّ لافتقر إلى ذلك الغير ، فكان ممكناً بذاته هذا خلف »(١) .

هل يقصد القائل أنّ المركّب محتاج إلى الغير في تركّبه ، كي يكون مركّباً ، وبذلك فإن ارتفع الغير ارتفع التركيب فيرتفع المركّب ، أي أنّ التركيب يكون عن طريق الغير ، وما يأتي من الغير يزول بزواله ، فيكون المركّب من الغير ممكناً بذاته ، لحاجته للغير في كونه مركّباً ، أم لكم رأي آخر في ذلك؟ الرجاء عدم إهمال الرسالة والإجابة بالسرعة الممكنة.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المقصود جنس الجزء ، فهم يريدون أن يقولوا : أنّ المركّب يحتاج إلى كُلّ جزء من أجزائه ، إذ بفقدان أي جزء من الأجزاء ينعدم ذلك المركّب ويزول ، فهو بحاجة في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه.

وهم من باب الاختصار في التعبير قالوا : المركّب مفتقر إلى الجزء ، يعني إلى كُلّ جزء من أجزائه ، أنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّه يحتاج إلى واحد من أجزائه دون بقية الأجزاء.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : هناك قضية ينبغي أن تكون واضحة ، وهي : أنّ الحاجة والافتقار هما من لوازم الإمكان ، والغنى وعدم الاحتياج هما من لوازم الوجوب ، فكُلّما فرضنا الشيء محتاجاً ومفتقراً إلى غيره فذلك يعني أنّه ممكن ، وكُلّما افترضناه واجباً فذلك يعني أنّه غني وليس محتاجاً.

__________________

١ ـ قواعد المرام في علم الكلام : ٤٥.

٥٧١

وإذا تمّت هذه القضية ، وكانت مورد قبولنا ، فسوف نخرج بقضية أُخرى ، وهي : أنّ الشيء متى ما كان مركّباً ، فيلزم أن يكون ممكناً ، لأنّ المركّب يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه ، إذ مع انخرام أيّ واحد من الأجزاء يزول ذلك المركّب ، فالخلُّ مثلاً الذي هو مركّب من سكّر وحموضة ، يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من هذين الجزئين ، إذ بعدم تحقّق أي واحد منهما يزول المركّب ، أعني الخلَّ ، ويحصل مركّب آخر.

ونحن ما دمنا قد سلّمنا مسبقاً أنّ الحاجة هي من لوازم الإمكان ، فيلزم أن نحكم بالإمكان على كُلّ موجود مركّب.

( علي العريان ـ أيرلندا ـ ١٩ سنة ـ طالب الثانوية )

عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة :

س : أوّلاً : نعلم أنّ الهدف من الإمامة هو الأمان من الفرقة وتوحيد الأُمّة ، ولذلك كانت الإمامة بالنصّ.

ثانياً : نلاحظ أنّ فتاوى مراجعنا في القيادة السياسية في زمان الغيبة متضاربة ، بين قائل بولاية الفقيه المطلقة ، وآخر بولاية الفقيه في الأُمور الحسبية ، وآخر بشورى الفقهاء ، ورابع بأنّ القيادة بالانتخاب الشعبي لمجموعة من الفقهاء ، وخامس يرى أن لا يلزم أن يكون القائد السياسي فقيهاً ، وغيرها من أقوال فقهائنا.

ثالثاً : أنّ المرجعية الدينية امتداد للإمامة ، ولها نفس هدفها ، وهو وحدة المسلمين.

السؤال : ألا يقع الإشكال نفسه على المرجعية الدينية حيث يقال : بأنّ المرجعية التي بها وحدة الأُمّة هي نفسها مختلفة في السبيل الذي يحقّق وحدة الأُمّة ، وبالتالي نحن مختلفون أساساً في مؤهّلات الحاكم السياسي ، الذي فائدته الأُولى توحيد الأُمّة؟

٥٧٢

ج : مسألة توحيد الكلمة على شخص واحد ورأي واحد وموقف واحد ، تحتاج إلى تنصيص من قبل الله سبحانه على شخص واحد للمرجعية الدينية ، كما حصل ذلك في حقّ أئمّتناعليهم‌السلام .

أمّا بعد أن كانت عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة ، فتعدّد المرجعية الدينية يكون أمراً طبيعياً ، واختلافهم أيضاً يكون أمراً طبيعياً.

ولا يمكن أن يوجّه نداء لهم بترك اجتهادهم ، وطرحه على الجدار ، وإلزامهم برأي موحّد ، إنّ هذا أشبه بما إذا قلنا لمجموعة أطباء : على كُلّ واحد منكم ترك اجتهاده الشخصي في تشخيص علاج هذا المرض ، وبالتالي عليكم الاجتماع على رأي واحد ، إنّه طلب مرفوض ، ورأي غير مقبول.

تبقى قضية ينبغي لفت الأنظار إليها وهي : أنّ الفقيه الذي لا يرى الولاية السياسية ، يرى في نفس الوقت أن أيّ فقيه إذا تصدّى للعمل السياسي ، وكان مرضياً في طريقته وعمله ، فلا يحقُّ لأيّ شخص إرباك الوضع ، وشقُّ العصا عليه ، فإنّ الحفاظ على النظام ، ووحدة الكلمة ، وتوحيد الصف قضية لازمة ، فإنّ الإسلام دين النظام ، ويريد النظام في أيّ مجال من مجالات الحياة ، ولا ينبغي أن نتصوّر أنّ الذي لا يرى الولاية السياسية يسوّغ لاتباعه إرباك النظام والإخلال به.

( علي عمران ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب جامعة )

إطلاق لقب العلاّمة :

س : تحية معطّرة برياحين ولاية محمّد وآل محمّد.

أساتذتي القائمين على موقع العقائد حفظكم الله ، طالعت مقالاً بأحد المنتديات بعنوان الألقاب العلمية , وهذا نصّه :

« لقب آية الله : يُطلق على من وصل إلى رتبة الاجتهاد ؛ وآية الله العظمى : يُطلق على من يتصدّى للتقليد والإفتاء ؛ والمرجع : يطلق على من يتبوّأ مقام

٥٧٣

المرجعية والإفتاء ، ويرجع إليه الناس في تقليدهم ؛ والمرجع الأعلى : يطلق على يُقلّده أكثرية الشيعة.

وهي مصطلحات ظهرت في هذا العصر الأخير ، ولم تكن متداولة في العصور الماضية عند الشيعة ، فما كان يُطلق شيء من هذا القبيل على الشيخ المفيد ، ولا الشيخ الطوسي ، ولا الشريف الرضي والمرتضى ، ولا العلاّمة الحلّي ، ولا المحقّق الحلّي ، والشهيدين الأوّل والثاني ، والمجلسي وبقية العلماء في الأزمنة الماضية ، رحمهم الله جميعاً ، وأسكنهم فسيح جنانه مع محمّد وآله ».

سؤالي الأوّل : على من يطلق لقب العلاّمة؟

سؤالي الثاني : هل تدرّج الألقاب من حيث المراتب بنفس الترتيب الذي ذكرت؟ أي أقصد هل أقل مرتبة هي آية الله ، ثمّ آية الله العظمى ، ثمّ المرجع ، ثمّ المرجع الأعلى؟ وجزاكم الله خير جزاء.

ج : الظاهر أنّ لقب العلاّمة يطلق على الذي وصل إلى درجة علمية أعلى من حجّة الإسلام والمسلمين ، وأقلّ من آية الله.

نعم ، بعض الأحيان تختصّ بشخص معيّن ، مثل العلاّمة الحلّي ، والعلاّمة الطباطبائي ، فهي تدلّ على مرتبة أعلى من ذلك قطعاً ، وما ذكرت من الترتيب والتدرّج ، فهو من ناحية الواقع العلمي صحيح.

أمّا قولهم : « إنّ هذه مصطلحات ظهرت » فلا نرى صحّة ذلك ، بل هي ألقاب كما هو في لفظة دكتور وما شاكلها.

( عيسى الشيباني ـ الإمارات ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية )

الحكم في المسائل المستحدثة :

س : من المعلوم بأنّ الشيعة الإمامية تتّخذ من القرآن الكريم والسنّة النبوية ـ والمتمثّلة بأهل البيتعليهم‌السلام ـ منهجاً لها في استخراج الأحكام والمسائل الشرعية ، والمقصد من ذلك أنّها لا تستخدم القياس والاستنباط في استخراج المسائل ، كما يستخدمه أهل السنّة.

٥٧٤

ولكن بالنسبة للأُمور المستحدثة والتي لم تكن موجودة في عهد الرسول والأئمّةعليهم‌السلام ، وإنّما ظهرت في العصور المتأخّرة والحديثة ، فما هي أو ما هو الأسلوب المتبع للاستخراج الحلول والمنافذ عند سماحة العلماء إن لم تكن موجودة في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة؟ ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : في القرآن الكريم والسنّة الشاملة لأقوال المعصومينعليهم‌السلام ، هناك قواعد كُلّية قد استخرجها العلماء ، وهذه القواعد تنطبق على كثير من المسائل الفرعية ، فإذا جاءت مسألة فرعية فالفقيه يرجعها إلى تلك القواعد الكُلّية ، فإن دخلت تلك المسألة تحت حكم إحدى تلك القواعد أفتى الفقيه بذلك.

مثلاً : إذا اكتشفت مادّة جديدة مسكرة ، والقرآن والسنّة لم يشيرا إلى حرمة تلك المادّة ، لكن الفقيه عنده قاعدة كُلّية : بأنّ كُلّ مسكر حرام ، فيستطيع أن يفتي بحرمة هذه المادّة طبقاً إلى تلك القاعدة ، وكذلك هناك قواعد عقلية كُلّية عامّة يستطيع أن يستخدمها ويفتي على طبقها ، وإذا لم توجد هناك أي قاعدة عامّة ، يمكن إدخال المسائل المستحدثة تحتها ، تصل النوبة إلى الأُصول العملية التي هي أيضاً قواعد مستنبطة من أقوال المعصومينعليهم‌السلام ، وهذه الأُصول يدخل تحتها جميع المسائل الفرعية ، التي لم يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المستنبطة من القرآن والسنّة ، أو التي لا يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المكتشفة بحكم العقل ، وهذه القواعد المشار إليها بقسميها ـ التي يحرز منها الدليل ـ أو التي يؤخذ منها الموقف العملي ـ تدرس في علم أُصول الفقه.

فالفقيه يبحث أوّلاً عن الحكم الشرعي الذي يسند إلى دليل استخرج من القرآن أو السنّة ، أو العقل أو الإجماع ، ويسمّى الحكم المستخرج من تلك القاعدة الحكم الشرعي الظاهري ، أمّا إذا فقدت تلك القواعد ، فإنّ الفقيه يبحث عن الوظيفة العملية للمكلّف عند فقد تلك الأدلّة المستخرجة من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ويستطيع الفقيه الوصول إلى تلك الوظيفة بأعمال تلك القواعد المسمّاة بالأُصول العملية.

٥٧٥

وعليه ففي كُلّ مسألة مستحدثة يرجع الفقيه إلى القواعد التي لديه لاستخراج حكمها الشرعي الظاهري ، أو الوظيفة العملية اتجاهها.

( محمّد ـ كندا ـ ٣٣ سنة )

حلّية التدخين :

س : بعد الاستبصار ـ ولله الحمد ـ بدأت أقرأ وابحث كثيراً ، وما أذهلني ظهور بعض المعمّمين المشايخ في التلفاز ، وهم يدخّنون ، وقرأت أنّ شرب الدخّان ليس بحرام عندنا ، لكن بدأ أهل السنّة يعيبون علينا ذلك ، وأُصدّقكم القول أنّ بحكم ماضي مع العامّة ، كنت دائماً مع تحريم الدخّان ، خصوصاً لكراهة رائحته ، وكذلك ضرره البيّن بالنفس ، التي أمر الشارع بحفظها ، وكذلك ضرره بالمال ، الذي أُمرنا بعدم تبذيره.

أفيدونا ، فقد علّمتمونا وعوّدتمونا اشفاء الغليل في أجوبة سماحتكم ، فكثيراً من العامّة والخاصّة يدمنون على شربه ، ولا يمكن القول أنّ شربه لا يمكن تركه ، إذا تبيّن الضرر ، سامحوني فقد أحسست بعدم اطمئنان لحلّيته إلاّ يدخل في الخبائث ، كما يقول العامّة ، وأنا أميل إليهم ، واستغفر الله في قولهم ، حين يجعلونه مشمولاً بحكم الآية الكريمة في حلّية الطيّبات ، وحرمة الخبائث ، أفلا يكون خبثاً شرب الدخّان؟ سامحوني على وقاحتي بحضرتكم ، وجزاكم الله خيراً.

ج : يعتبر التدخين من مستحدثات المسائل ، فهو من المسائل غير المنصوصة الحكم ، إذ لم يكن له وجود زمن النصّ.

فإذا أراد الفقيه أنّ يعرف حكمه ، فيقول : إنّ التدخين نحتمل حرمته شرعاً ، ولا نحتمل وجوبه ، فنتّجه أوّلاً إلى محاولة الحصول على دليل يعيّن حكمه الشرعي ، فلا نجد دليلاً من هذا القبيل ، فيبقى حكم التدخين مجهولاً ، وحرمته مشكوكة لدينا ، لا ندري أهو حرام أو مباح؟

٥٧٦

وحينئذ نتساءل ما هو الموقف العملي ، الذي يتحتّم علينا أن نسلكه تجاه ذلك الحكم المجهول؟ هل يجب الاحتياط ، فلا ندخّن أو نحن في سعةٍ من ذلك ، مادمنا لا نعلم الحرمة؟ ولبيان الموقف العملي نذكر نقاط :

١ ـ إنّ الأصل الأوّلي وهو حلّية أكل شيء أو شربه ما لم يصلنا النهي عنه من الشارع ، إذ لو علمنا عدم النهي عنه أصلاً ، فلأنّ العقل يحكم بذلك سيّما وأنّ طريقة الشارع هي بيان وذكر المحرّمات لا المباحات ، قال تعالى فيما علّم نبيّه الردّ على الكفّار :( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، وهناك روايات في ذلك.

أمّا لو لم نعلم النهي ، أو لم يصل إلينا ، أو وصل إلينا مجملاً فشككنا في حكمه ، فالأصل في ذلك هو البراءة لما حقّق في الأُصول مستدلّين بالآيات والروايات ، كقوله تعالى :( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (٢) ، وقوله تعالى :( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا ) (٣) ، إذاً فكُلّ ما لم يثبت حرمته فهو حلال.

٢ ـ ربما يقال : أنّ هذا مفاد الأصل الأوّلي ، ولكن هناك أصل ثانوي في المأكولات والمشروبات ، وهو حرمة ما يتنفّر منه الطبع ، واستدلّ عليه بالآية :( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) (٤) ، وذلك بأنّ الطيّب ما يستطيب الناس ، والخبائث ما يستخبثه الناس على حسب عادتهم ، فيدخلون التدخين في الخبائث.

__________________

١ ـ الأنعام : ١٤٥.

٢ ـ الإسراء : ١٥.

٣ ـ الطلاق : ٧.

٤ ـ الأعراف : ١٥٧.

٥٧٧

ولكن يبقى أنّ الطيّب له عدّة معاني مأخوذة من آيات الذكر الحكيم ، كالحلال والجيّد والطاهر ، وما لا أذى فيه ، وما فيه الخير والبركة ، وما تستطيبه النفس ولا تنفر منه ، وغير ذلك ، والاستدلال بهذه الآية مبنيّ على المعنى الأخير ، وهو ما تستطيبه النفس ولا تنفر منه ، حتّى يكون الخبيث عكسه ، وهو ما يتجنّبه الناس ، وهو غير ظاهر من الآية ، إذ تبقى المعاني الأُخرى محتملة.

ولو سلّم إرادة هذا المعنى ، ولكن يبقى تحديد المعنى المراد من الخبائث غير منضبط عرفاً ، فهل يراد عرف الناس ، أو عرف المكلّف ، أو عرف قوم معينين؟

ومن الواضح سعة اختلاف العرف بينهم ، فربَّ شيء يتجنّبه أهل بلد ما ، ترى آخرين يأكلونه ، بل يختلف الأمر من شخص إلى شخص ، والتجربة أمامك ، بل يتوجّه النقض عليه بكثير من الأدوية ، التي يتنفّر عن أكلها أو شربها الأغلب ، ومع ذلك لا يحكم أحد بخبثها ، وعلى كُلّ فلا ضابط في تعيّن ذلك ، حتّى يستفاد منه الأصل الثانوي.

٣ ـ وربما يستدلّ على الحرمة من جهة توجّه الضرر على البدن من التدخين ، ولكن المتيقّن هو حرمة الأضرار بالبدن ، إذا كان يؤدّي إلى التهلكة ، أو إلى الأضرار الكبير بالبدن ـ كتلف أحد الأعضاء مثلاً ـ أمّا ما دون ذلك ، فلم يثبت حرمته لا عقلاً ولا شرعاً.

فإنّ العقل لا يأبى من تحمّل الضرر القليل من أجل هدف معيّن ، وأنّ أدلّة الشرع لو سلّم أنّها تنفي الضرر لا تشمل مثل الضرر الجزئي لغرض عقلائي ، لأنّه مخالف للامتنان الذي هو مصبّ أدلّة النهي عن الضرر ، على أنّ مثل هذا الضرر لا يعدّ ضرراً عند العرف ، والعرف أمامك.

وما يظهر من بعض الأخبار من أنّ علّة تحريم أكل بعض الأشياء هو الضرر ، لا يعدو أن يكون حكمة ، وإلاّ لزم تحليل تلك الأشياء إذا قطع بارتفاع الضرر ، كالذبح من دون استقبال القبلة مثلاً ، وبعض الأخبار الأُخرى ضعيفة السند.

٥٧٨

إضافة إلى الإجماع على جواز بعض الأشياء ، مع أنّ فيها مضرّة ـ كدخول الحمّام مع الجوع ، وكثرة الجماع ، والعمل تحت الشمس الحارّة وغيرها ـ.

( سالم أبو المصطفى اللامي ـ العراق ـ ٤١ سنة ـ دبلوم تحليلات مرضيه )

المراد من مسيرة عام :

س : كيف تكون المسافة بين الأرض والسماء الدنيا هي مسيرة ٥٠٠ عام ، والسماء الدنيا فيها أقرب نجم لدينا هو لا يقلّ عن سنة ضوئية ، وإنّ الفرق بينهما كبير جدّاً ، بارك الله بكم.

ج : إنّ مثل هذه الروايات على فرض صحّتها ، وردت على لسان الملائكة في تحديد بُعد السماء الدنيا عن الدنيا ـ كما في الحديث ـ بمسيرة ٥٠٠ عام ، ولم يحدّد الملائكة مسيرة ماذا؟ هل مسيرة رجل؟ أو مسيرة فرس؟ أو مسيرة جمل؟ أو مسيرة الملائكة؟ أو مسيرة الضوء؟

وهكذا يحتمل كلامهم أكثر من احتمال ، فتبقى المسافة مجملة ، كما أنّه ليس هناك ما يثبت أنّ تكون في كُلّ سماء نجوم أو نجوم مرئية إلينا ، فهذه العين البشرية ـ وإن تقدّم العلم ـ تبقى قاصرة عن إدراك ومشاهدة الكثير ممّا خلق الله تعالى.

( أُمّ جعفر ـ البحرين ـ ٢١ سنة ـ طالبة جامعية )

العلم نور من الله :

س : العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، كيف يكون ذلك؟ وشكراً ، نسألكم الدعاء.

ج : هذا المقطع هو جملة من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام يقول فيه : «ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه »(١) ،

__________________

١ ـ منية المريد : ١٤٩.

٥٧٩

والذي يفهم من الحديث أنّ العلم ليس هو مجرّد استحضار المعلومات الخاصّة ، وإن كانت هي العلم في العرف العامّي ، وإنّما هو النور الناشئ من ذلك العلم الموجب للبصيرة ، والخشية من الله تعالى.

وهذا النور الذي يمنّ الله به على عباده ، بعد أن يجد فيهم أهلية الخشية والطاعة ، إذ يتنوّر القلب به بالإفاضة ، وهي تحصل إمّا بالمكاشفة أو بالكسب والتعلّم تحت عناية الله سبحانه ، بما يسبّب للقلب حالات أُخر من الشوق والعزم على العمل الموجب للقرب من الحقّ جلّ وعلا.

( أُمّ جعفر ـ البحرين ـ ٢١ سنة ـ طالبة جامعية )

الفرق بين الوجود والموجود :

س : ما هو الفرق بين الوجود والموجود؟ وشكراً ، نسألكم الدعاء.

ج : كلمة الوجود ـ وهي مبدأ الاشتقاق لكلمة الموجود ـ مصدر يتضمّن معنى الحدث ، ويُنسب إمّا إلى الفاعل أو إلى المفعول ، كما أنّ كلمة الموجود اسم مفعول ، ويتضمّن معنى وقوع الفعل على الذات.

وأحياناً يُؤخذ من كلمة الموجود مصدر جعلي هو الموجودية ، ويستعمل بمعنى الوجود ، هذا من حيث الاصطلاح اللغوي.

أمّا من الجانب الفلسفي ، فإنّ المفهوم الفلسفي للوجود يساوي مطلق الواقع ، وهو المقابل للعدم ، وحسب الاصطلاح فإنّه نقيضه ، ولهذا فهو يشمل الذات الإلهية المقدّسة ، والواقعيات المجرّدة ، والمادّية الجواهر منها والأعراض ، والذوات والحالات.

وهذه الواقعيات العينية عندما تنعكس في الذهن بصورة قضية فإنّه يؤخذ منها على الأقلّ مفهومان اسميّان ، يحتلّ أحدهما طرف الموضوع ، ويحتلّ الآخر الذي هو مفهوم موجود طرف المحمول ، وهو من المفاهيم الفلسفية ، وكونه محمولاً يقتضي أن يصبح مشتقّاً.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667